تصريح وزارة الثقافة والإعلام رقم م ن / 154 / 1432


العودة   شبكة البراري > منتديــات البراري العامـــة > منتدى الموضوعات العامة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 2010-02-08, 03:48 PM
الصورة الرمزية أحمد الحربي
أحمد الحربي أحمد الحربي غير متواجد حالياً
[ القلب الأبيض سابقا ً ] عضـــو متميــــز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
الدولة: جدة
المشاركات: 13,435
جنس العضو: ذكر
أحمد الحربي is on a distinguished road
افتراضي

حق الأرحام
د. عقيل بن عبدالرحمن العقيل
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] ( النساء:1 وبالنظر في هذه الآية.. نجدها تتضمن أموراً كثيرة من الأمر بتقوى الله سبحانه وتعالى, وبيان مظاهر الامتنان بخلق الإنسان, وما تبع ذلك من تناسل وتكاثر رجالاً ونساء, وكل أمر من هذه الأمور بحاجة إلى بحث وتفصيل لا يتسع المقام لذكره, ولكن سأقتصر في حديثي هذا على ما ورد في آخر هذه الآية وهو قوله تعالى: ( واتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بهِ والأَرحَامَ ).

معنى الأرحام

الأرحام: جمع الرحم. والرحم في اللغة: القرابة, والرحمة, والتعطف, والرأفة.
وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضاً, وأما الرحم في الاصطلاح فهو: اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره. ذكر هذا الإمام القرطبي ــ رحمه الله ــ في تفسيره(1).
أما عن موقف الشرع من الرحم, وما أعد الله لمن وصل رحمه من الثواب الجزيل وما ورد من الوعيد الشديد لمن قطع رحمه. فنقول: إن الله سبحانه وتعالى قد حث المؤمنين على صلة الأرحام ورغبهم فيها, وبالنظر إلى الآية الآنفة الذكر وهي قوله تعالى: ( واتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بهِ والأَرحَامَ ). نجد أن الله سبحانه وتعالى قد قرن فيها بين تقواه سبحانه وبين صلة الأرحام, قال الإمام القرطبي ــ رحمه الله ــ عند تفسير هذه الآية: " اتقوا الله أن تعصوه واتقوا الأرحام أن تقطعوها، والجمع بين تقوى الله والحث على صلة الرحم والتحذير من قطعها دليل على تأكيد الإسلام على صلة الأرحام، وإلا لما جعله الله قريناً للتقوى، فلما جمع معه تأكد الحث عليه والعناية به "(2).
وفي موضع آخر من القرآن جمع الله بين الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم فقال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد:22, ولاشك أن لهذا الجمع مغزى ألا وهو تبكيت قطيعة الرحم والتحذير منها, فمجرد الجمع بين القطيعة والإفساد فيه تحذير ووعيد, ثم إنه سبحانه قد رتب في الآية التي تلي هذه الآية اللعن على من هذه حاله, وأخبر أنه سبحانه قد صم أذنيه عن سماع الحق, وأعمى بصره عن رؤية الطريق المستقيم طريق أوليائه الصالحين, فقال سبحانه: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد:23 , ثم إنه سبحانه وتعالى قد توعد الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام وغيرها, فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد:25, ومن هذه الآية نستلهم وجوب صلة الأرحام وتحريم قطيعة الرحم, إذ أن الحق سبحانه قد توعد من يقطع ما أمر الله بوصله من رحم وغيره, قد توعده باللعن وهو الطرد من رحمة الله, كما توعده بأن له سوء الدار والمراد بذلك جهنم حمانا الله وإياكم منها.


الأحاديث في الحث على صلة الأرحام

وردت أحاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحث على صلة الأرحام, وترغب فيها, وتبين ما اشتملت عليه من الأجر العميم والثواب الجزيل لمن وصل رحمه وحسنت نيته في ذلك ــ أي فعل ذلك محتسباً الأجر من الله ــ فمن ذلك ما رواه أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"(3)
فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على صلة الأرحام وجعل ذلك علامة على قوة الإيمان بالله واليوم الآخر, وأن ترك ذلك مما يضعف الإيمان وينقصه, إذ قطيعة الرحم معصية والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هو مقرر لدى علماء الإسلام. ثم إنه? قد أخبر أن صلة الرحم سبب في بسط الرزق وطول العمر والبركة فيه فعن أنس ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحبَّ أن يُبسطَ له في رزقه ويُنسأَ له في أثره فليصل رحمه"(4). ومعنى ينسأ له في أثره: أي يؤخر له في أجله وعمره, فما أعظمها من خصلة, وما أجدر بالمسلمين من الأخذ بها.
وحيث إن مطامع المؤمن لا تقتصر على أمور الدنيا الفانية بل نظره وجل فكره ينصرف إلى الدار الآخرة وما أعد له الله فيها, لذا بين ? أن صلة الرحم مما يدخل الجنة ويباعد عن النار, فعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري ــ رضي الله عنه ــ أن رجلاً قال: يارسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم"(5) وهذا يدل على فضل صلة الرحم وسمو مكانته, حيث جمعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع إخلاص العبادة لله والصلاة والزكاة فوق ما أخبر من أنه يدخل الجنة ويباعد فاعله عن النار.
وصلة الرحم لا تقتصر على وصل من وصلك, لأن هذا من باب المكافئة ورد الجميل, ولكن الواصل الحقيقي هو من يصل أرحامه الذين يقطعونه؛ مصداق هذا ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص ــ رضي الله عنهما ــ أن النبي? قال: " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها "(6). وبذلك يزيد أجر المرء الواصل لأقاربه وذوي رحمه المحسن إليهم الصابر على ذلك إذا كانوا يسيئون إليه رغم إحسانه ويقطعونه رغم صلته, أما أقاربه القاطعون المسيئون لمن أحسن إليهم فعليهم وزر عظيم وذنب كبير, فعن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن رجلاً قال يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ. فقال: " لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك "(7).
وتسفهم المل: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق الرماد الحار من الألم.
ومن حرص الإسلام على صلة الرحم ومنعه القطيعة أنه لم يستثن أحداً من الأقارب فيرخص بقطيعته حتى القريب الكافر أمر الإسلام بصلته والإحسان إليه. فعن أسماء بنت أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنهما ــ قالت: " قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟. قال:" نعم صِلِي أمك "(8). قولها راغبة: أي طامعة عندي تسألني شيئاً.
وترغيباً في صلة الرحم فقد فرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصدقة على المسكين البعيد وبين الصدقة على المسكين ذي الرحم, وجعل الصدقة على ذي الرحم تفضل من الصدقة على غيره لأجل القرابة والرحم, فعن سليمان بن عامر ــ رضي الله عنه ــ عن النبي? قال: " الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة "(9).


التحذير من قطيعة الرحم

وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطيعة الرحم, وبين أن وصلها سبب في وصل الإنسان لكل خير, وقطعها سبب لقطعه عنه, فعن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى, قال: فذلك لك", ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقروا إن شئتم: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) محمد:22ـ23 . وفي رواية للبخاري: " قال الله تعالى: " من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " وعن عائشة رضي الله عنها ــ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرَّحِمُ معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله "(10).
وأشد من هذا وأعظم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد توعد من قطع رحمه بالحرمان من الجنة, فعن أبي محمد جبير بن مطعم ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة قاطع" قال سفيان في روايته يعني: ( قاطع رحم )(11).
فما أجمل هذا الدين الذي يحث على الترابط والتكاتف والتواصل, ويحذر من التقاطع والتدابر. وحري بنا أن نحرص على هدي المصطفى ? وأن نعض على سنته بالنواجذ, ونحافظ على صلة الأرحام, ونحث إخواننا المسلمين على ذلك, ونحذر القطيعة ففيها ما ذكرنا من الوعيد الشديد. نسأل الله السلامة والعافية

التوقيع:
 


المتواجدين الآن بالموضوع : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 02:32 AM


Powered by vBulletin .
جميع الحقوق محفوظة © لشبكة ومنتديات البراري 2010