محطات تحلية المياة المياه الخارجة من المحطات اشد ملوحة من المياة الداخلة *
2. المشاكل البيئية
تسهم محطات تحلية المياه في ظاهرة الاحتباس الحراري، واستهلاكها الكثيف من الوقود الحفري يؤدي انبعاث ملوثات الهواء. كما أن تصريف المياه العادمة شديدة الملوحة في البيئة البحرية يؤدي إلى آثار فيزيائية وكيميائية وبيولوجية سلبية.
الآثار الفيزيائية: تنتج الآثار الفيزيائية عن الفرق في درجة الحرارة بين المياه الداخلة إلى محطة التحلية ودرجة حرارة المياه العادمة الخارجة منها. فالمياه العادمة الخارجة من المحطة تزيد درجة حرارتها بين 10 و 15 درجة مئوية (°م) عن درجة حرارة مياه البحر المحيطة بها. هذا الفرق يمكن أن يكون له آثار سلبية على النظم البيئية البحرية. فالمياه العادمة عادةً ما تطفو فوق سطح مياه البحر نظراً لارتفاع درجة حرارتها. كما أن ارتفاع درجة الحرارة يقلل من الأكسجين الذائب في الماء، والنقص الحاد في الأكسجين الذائب يعتبر ساماً للكائنات البحرية. ويمثل الاختلاف في درجة الحرارة مشكلة هينة في المناطق الحارة كتلك السائدة في منطقة الخليج العربي، حيث يعتبر التفاوت الكبير في درجات الحرارة يُعَدُّ من الظواهر الطبيعية، ولكن التغير الكبير الممتد في درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية تتمثل في موت العديد من الكائنات البحرية.
الآثار الكيمائية: تنتج الآثار الكيميائية عن المركبات الكيمايئية التي تبقى في المياه العادمة بعد إضافتها أثناء المُعالَجة الأولية والكلورة وإضافة مضادات تراكم الرواسب. تضخ محطات التحلية في منطقة الخليج العربي أطناناً من الكيماويات والكلور والمعادن في مياه البحر، والناتجة عن تحلية 24 م م3 من مياه البحر يومياً. السعودية والإمارات العربية وقطر والكويت وإيران لديها 120 محطة تحلية تصرف حوالي 24 طن من الكلور و 65 طن من مضادات الترسيب و 300 كيلوجرام (كجم) من النحاس، بالإضافة إلى الأمونيا، في مياه الخليج العربي كل يوم. قد تحتوي المياه العادمة أيضاً على الحديد والكروميوم والنيكل والمولبدنوم، إذا ما استخدم الصلب غير القابل للصدأ منخفض الجودة في صناعة محطات التحلية [53]. الجدول (6) يوضح المواد الكيميائية المستخدمة في المعالجة الأولية.
ويُعَدُّ الكلورين أهم المواد المستخدمة في مقاومة اتساخ الأغشية في محطات التحلية التي تعمل بالتناضح العكسي. ولكن تفاعل الكلورين مع المركبات العضوية في مياه البحر يُكوِّن عدد كبير من مركبات الكلورايد والهالوجينات الثانوية، التي اوضحت العديد من الدراسات أنها مركبات مسرطنة وضارة للحياه البحرية [32]. عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها الهوام البحرية يمكن أن تُختَزل إلى درجة كبيرة عند تركيز كلور يبلغ 20 ميكروجرام في اللتر (mg/L). *تركيز الكلور 50 ميكروجرام في اللتر يمكن أن يؤدي إلى تغيير تركيب الكائنات البحرية ويحد إلى درجة كبيرة من التنوع البيولوجي. والتركيزات السامة من الكلور في مياه البحر تتراوح بين 20 وبضع مئات من الميكروجرامات في اللتر.
إرتفاع تركيز الأملاح الذائبة في مياه البحر المالحة الداخلة إلى محطات التحلية مما يقلل من كفاءتها [1]، ويزيد تكلفة إنتاج المياه التي يتم تحليتها [23]. يبلغ متوسط تركيز الأملاح الذائبة الكلية في البحار المفتوحة 35 ألف ملجم/اللتر، بينما يزداد تركيز الأملاح الذائبة عن ذلك في البحار المغلقة وشبة المغلقة كالخليج العربي [31,47]. وتبلغ الطاقة الإنتاجية اليومية لمحطات التحلية في منطقة الخليج العربي 10 م م3 [4,5]. أكبر المحطات من حيث الإنتاج اليومي في الإمارات هي: محطة الطويلة (1.06 م م3)، و محطة أم النار (0.86 م م3)، ومحطة الشويحات (0.45 م م3) على ساحل إمارة أبوظبي، ومحطة جبل علي (1.17 م م3) على ساحل إمارة دبي. وبافتراض أن محطات التحلية تقوم بتحويل 50% من المياه الداخلة إليها إلى مياه صالحة للشرب، فإن جميع محطات التحلية العاملة في منطقة الخليج العربي سوف تصرف مياه عادمة شديدة الملوحة تزيد عن 10 م م3 يومياً في مياه الخليج [29]. ينتج عن محطات تحلية مياه البحر كمية مياه عادمة تتراوح بين 50 و 65% من المياه الداخلة إليها، ويبلغ تركيز الأملاح الذائبة في المياه العادمة ضعف تركيز الأملاح الذائبة التي دخلت محطات التحلية. أما تحلية المياه الجوفية المختلطة فإنها تنتج بين 10 و 50% مياه عادمة، بتركيز أملاح يعتمد على ملوحة المياه الداخلة إلى محطة التحلية ونوع وطبيعية تقنية التحلية المستخدمة [27]. الأملاح الافتراضية الذائبة في مياه البحر هي عبارة عن كلوريدات الصوديوم والبوتاسيوم، بالإضافة إلى بيكربونات وكبريتات الكالسيوم والمغنسيوم، التي تعتبر من أهم أسباب عسر المياه. ولأن عسر مياه البحر أعلى بعشرات المرات عن عسر المياه الجوفية، فإن مياه البحر ترسب كربونات وكبريتات الكالسيوم والمغنسيوم التي تسبب تراكم الترسبات داخل محطات التحلية. ويزداد سمك طبقة الرواسب باستمرار نتيجة ارتفاع درجة الحرارة في محطات التحلية والنسبة العالية من الأملاح الذائبة في المياه التي تدخل تلك المحطات للتحلية. وتسبب زيادة سمك الرواسب داخل أنابيب محطات التحلية إلى إبطاء تدفق المياه، وبطء انتقال الحرارة الذي يصاحبه زيادة استهلاك الطاقة، وربما انسداد كامل لأنابيب المحطة [23].
* *أوضحت دراسات أجريت في استراليا أن القيمة النظرية للمياه العادمة التي يتم التخلص منها تبلغ ستة أضعاف القيمة المستمدة من إنتاج مياه الشرب. فالمياه العادمة التي يتم إعادتها للبحر بعد انتهاء عملية التحلية تحتوي على أملاح قيمة تشمل كلوريد الصوديوم (NaCl)، وملح كبريتات المغنسيوم المائية أو ملح إبسُم (MgSO4.7H2O)، وكلوريد البوتاسيوم (KCl)، وكلوريد المغنسيوم (MgCl2)، وأملاح البرومين والليثيوم. ويمكن استخلاص الأملاح من المياه العادمة الناتجة عن تحلية المياه. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى اختصار مساحة الأرض المطلوبة للحصول على الملح عن طريق التبخير. المياه شديدة الملوحة يمكن تحويلها إلى منتجات أعلى قيمة مثل الصودا الكاوية المستخدمة في صناعة الألمونيوم، وسيانيد الصوديوم المستخدم في صناعة الذهب، والصوديوم هيبوكلوريت المستخدم كمنظف، وكلوريد البولي فينول المستخدم في صناعة الخلايا الشمسية (PVC)، ورابع كلوريد التيتانيوم المستخدم في الأصباغ وإنتاج عنصر التيتانيوم، وحمض الهيدروكلوريك المعروف باستخداماته الصناعية المتعددة. المياه المرة (Bitterns) المتخلفة عن استخلاص الأملاح من مياه البحر يمكن أن تتحول إلى منتجات قيمة تستخدم في معالجة مياه الصرف وتنقية ثاني أكسيد الكبريت وتصنيع معوقات الحريق وإنتاج الأملاح، كما يمكن استخدامها في المزارع السمكية، والأفران العاكسة، والأفران الصناعية، وعنصر المغنسيوم. *وتحتوي تلك المياه أيضاً على تركيزات قيمة من أملاح البوتاسيوم والبروم والليثيوم. أملاح البروم تستخدم في أعلاف الحيوان، ومنتجات البترول والطب، بينما تستخدم أملاح الليثيوم في صناعة البطاريات. في المملكة العربية السعودية [34]، تمت دراسة عملية تقود إلى خفض تركيز الأملاح في المياه العادمة عن طريق إنتاج مركبات كيميائية نافعة مثل بيكربونات الصوديوم (NaHCO3) وكربونات الصوديوم (Na2CO3) وكلوريد الأمنيوم (NH4Cl) وكلوريد المغنسيوم (MgCl2). وإن كانت تلك العملية مازالت في حاجة إلى دراسة جدوى اقتصادية. الاستخدام المتزامن لتقنية تحلية المياه بطريقة التناضح العكسي مع محطات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية وبتقنية تحلية التأثير المتعددة يمكن أن ترتفع بإنتاج محطة التحلية من 40 إلى 90% (شكل 10). كما يمكن استخدام المياه العادمةغغ في إنتاج معادن قيمة مثل ملح الطعام وكلوريد المغنسيوم وكبريتات المغنسيوم وكلوريد البوتاسيوم والجبس وغيرها من العناصر القيمة مثل الليثيوم[2] .
تعاني محطات تحلية المياه من تلوث المياه الداخلة إليها بمركبات البترول، علاوة على التلوث الحراري، ونمو الطحالب (المد الأحمر)، والتلوث العضوي عن طريق مياه الصرف الصحي، والتلوث الكيميائي بالعناصر الثقيلة. وتعتبر مياه الخليج العربي، مصدر المياه الرئيسي لمحطات التحلية في دول مجلس التعاون الخليجي، مياه شديدة التلوث. فالمنطقة تشهد حركة دؤوبة لناقلات النفط والسفن التجارية والأساطيل الحربية، التي تمثل جميعها مصادر لتلوث مياه الخليج. هذا بالإضافة إلى ان الخليج العربي نفسه جسم مائي ضحل ومتوسط تركيز الأملاح الذائبة في مياهه يزيد عن متوسط تركيز الأملاح الذائبة في مياه البحار المفتوحة. كما أن فترة بقاء (Residence time) مياه الخليج طويلة ودورة مياهه بطيئة، مما يفاقم من مشكلة التلوث.