من هنا مر السلوك الهمجي

[برق الاحيمر]

من هنا مر السلوك الهمجي

من هنا مر السلوك الهمجي
انظر إلى ركام القذارة فوق لوحات متحف الله الجميل وتأمل













إلى أي دركات الانحطاط هوى هذا السلوك الهمجي
وهو يقذف بوجدان خاو قذاراته
على بوح الخضرة والأزهار النضرة الصغيرة
هي صغيرة جدا لكنها مجرات من الجمال
وقد كان يدرك لو كان ثمة قطرة ذوق باقية
في وجدان قد رانت عليه القذارة
وما عرف أن الحضارة هي التذوق الرفيع للوجود
إن الذي لا يتذوق الجمال
كيف يتذوق جمال الوجود ؟
والذي لا يتذوق جمال الوجود
لن يحب ريب الوجود
ولن يشتاق لرؤية وجهه سبحانه
والذي لا يتذوق الجمال
لن يجد لشيء لذة عليا
ولن يخشع أبدا
مهما قرأ القرآن
ولن بتلذذ بغير اللذائذ الحيوانية
****************************
هنا على هذه البطاح والوديان و التلاع والشعاب والذرى
الممتدة بين جبال الفقرة حتى مشارف مدينة ينبع النخل
أذن الله أن يعرض لوحاته
ويحيلها متحفا للجمال
والله جميل يحب الجمال
فأرسل عارضا من المزن بعد عارض
فتزينت الأرض
وغدت أين منها العروس
ومنذ الأزل
كان الله يعرض لوحاته على هذه التضاريس متى شاء
فتفرح الكائنات
الدود والخنافس
والحيات والسحالي
والحجل والقطا و القمري
والأغنام والحمير والسباع
السمر والسيال و القتاد و البشام و....التي تحيا هناك
فهل دنست هذه الكائنات الجمال
آلاف من الأعوام
والله يعرض لوحاته هنا كل عام
لم تعرف لوحاته الدنس والقذارة
غير هذا العام
حين أتى هذا السلوك الهمجي
و قد أتى هذا السلوك الهمجي بوسائل التكنولوجيا
ولم يكن يستطيع قبلا
وأي شيء أخطر من توفر وسائل التكنولوجيا لدى سلوك همجي
وحينها أنظر ماذا يحدث من العبث والفساد
حط في متحف الله
وراح يهمج يهمج
تخير أجمل لوحات الله
فتلبد عليها يعبر
فما أبلغ التعبير
بأكوام القذارة
عن القذارة
على النضارة
وهي يرسم نثرها القبيح فوق لوحات الله
بكل وقاحة
لوحات كفر بالذوق
والجمال الإلهي
*****************

في تقسيم الأمم و بماذا تتميز
يقول التقسيم
أن الأمة العربية أمة الشعر
كيف تكون وهذا تعبيرها
أم تراها كانت لها هذه الميزة
ثم انقرضت ضمن ما انقرض
وهي تسقط من حضيض إلى حضيض أحط منه
إلا من رحم ربك
****************

أيها السلوك الهمجي
ما الذي أخرجك من قمقمك
أهو التوق إلى الجمال؟
إذا لماذا لا تفرق بين شهوة القلب وشهوة التبرز
إن الذي لا يمتلك شهوة القلب
وهي شهوة يولد الإنسان مستعدا لها
ولا تولد معه تامة
كما هو الحال مع شهوة الأكل
وإنما تحتاج إلى ترقية مستمرة
وهي كالنار كلما غذيتها
زاد اشتعالها وقوي توهجها
فإن أهملت راحت تخمد حتى تموت
بقي بمستوى الحيوان في تلذذه
هب أنك تعشق فتاة
أتراك تعبر لها بقصيدة تعبر عن العشق
أم تعبر لها ب..... تعبر عن الشبق
لا تدل على رقي إلى عوالم الجمال البعيدة
أيها السلوك الهمجي
إنك ما تزال هناك في الحضيض
لم ترتفع درجة عن شهوة الشبق
حين يكون تعبيرك هذه القمامة في رحاب الجمال
*****************
كنت أيها السلوك الهمجي هناك في المدن
لا أحد يراك هنا
هناك تخفيك الأبراج الباذخة الفتنة
والسيارات الأنيقة
والمتاجر التي تبيع آخر صيحات الذوق الرفيع
وترى العشاق لها
فيها كيأجوج و مأجوج
من كل حدب ينسلون
مفتونين
تؤمن أن الذوق بلغ الذرى
وأن هذه الأمة أمة الجمال والشعر حقا
فلما خرجت إلى متاحف الله
فضحك مستوى ذوقك الحطيط
الذي لم يرتق عن الشهوة الفطرية
فويل لأمة لا تستفيد من وسائل الحضارة
إلا في إشباع شهواتها الفطرية الشبقية الدنيا
ثم لا تقوم منها
*****************
وجاء المعتذرون
يقول أين الحاويات؟
والله ما تنفع الحاويات
والعقول والقلوب من الذوق خاويات
بحاجة إلى حاويات ذوق
قبل حاويات البلدية
مع العلم أن مطلب حاويات البلدية يجب أن يتحقق
فما أسهل واحدة وما أصعب الأخرى
ليست المسألة بحاجة إلى أعذار
كلها قماش الملك العاري
يبحث عنه من بقي لديهم شيء من ذوق وحياء
يلفونه حولهم
يرجون أن يسترهم
وما هو بفاعل
المسألة ببساطة يهضمها أبسط العقول
خذ قمامتك معك
وارمها في أقرب حاوية على طريقك
واترك المكان جميلا كما كان قبل أن تنزله
ما أبلدنا عن شهوات القلوب
والنظافة من شهوات القلوب
وما أسرعنا نحو شهوات البطون
وعندما تنعدم شهوة النظافة
تتساوى شهوة الأكل والإخراج
كما هو الحال عند الحيوان
فيأكل حيث يرو ث و يروث حيث يأكل
ويصبح العائشون في هذا المستوى
غير مبالين بأي قيمة إنسانية
ترفع الإنسان عن مستوى أقذر الحيوانات
فتفعل حينها القذارة فعلها
والشاهد هذا التسونامي من القذارة
الذي تركه في مكان أكله هذا السلوك الهمجي
ومتاحف الله هذه لشهوات القلوب
قبل أن تكون مكانا للشهوات الفطرية
التي يملكها أحط الكائنات
********************************
إني أهيب كل غيور على هذه الأمة
ومستقبلها
التي هذا سلوكها مع الجمال
وهي ليست أمة صينية
ولا أمة يابانية
ولا أمة جاءت من بلاد الواق واق
أو مع الصحون الطائرة
ولكنها أمة أنظف وأرقى مخلوق خلقه الله على الإطلاق
صلى الله عليه وسلم
تحمل رسالته
لكنها صارت تحملها كما يصف الله في سورة الجمعة
فأهيب بكل غيور عليها كل في مجاله وحدود قدرته
الأب والأم مع أبنائهم
المعلم والمعلمة والخطيب والكاتب والإعلامي والرسام والشاعر وسواهم
أن يواجهوا هذه القذارة
فإن العودة إلى الذرى
تبدأ من التوقف عن رمي القذارة على الأرض

******************************
وقبل أن أختم
أريد أن ابشر فلا اترك المشهد غاسقا باليأس
فقد رأيت عددا من أصحاب الوجدانات المتاحفية الذواقة
ما أن هموا بالرحيل حتى قاموا كلهم بلملمة قمامتهم
معهم وأخذوها في أكياس أحضروها معهم مسبقا
دون أن يحتاجوا أن يرجعوا إلى أمهات كتب الفلسفة
أو إلى رياضيات النظرية النسبية و الكومومية
فقط شيء يسير من الجهد
وذاك ما فعلوا
فلهم الدعاء الصادق من القلب
وأهلا بهم كل نهاية أسبوع ومتى ما أرادوا
***************************
إن للمسألة أبعادا أخرى
دينية واجتماعية واقتصادية وصحية وخلافه
حاولت أن أتناولها من جانبها الجمالي والذوقي فقط
*********************
أيها القارئ
ما لي عليك من سبيل
ولا سبيل لأحد عليك سواك
أنت وحدك الذي يعرف من أنت
وأنت وحدك من تضع نفسك حيث تريد
وأنت وحدك تعرف ماذا تنتظر في الأفق البعيد لتبلغه
والسلم درجات و دركات
والوجود ماض في صيرورته
ولله يرى ويحيط ويوفقك على أي النجدين اخترت
فاختر لنفسك ما تستحقه
((ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر))


بقلم / يوسف الجهني
أحد سكان المنطقة المنكوبة