التعليمـــات |
التقويم |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
|
#2
|
|||
|
|||
![]()
( 6 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الأول نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" . تهللت وجوههم بالبهجة والإرتياح ، وذكرونى بمهندسى الناسا وهم يحطون على سطح القمر . فعجبت لماذا كل هذا الإهتمام ، هل تحولوا هم أيضا للإسلام ؟؟؟ على كل حال ، لم أتحول بعد رسميا ، وما زال أمامى إجراءات رسمية . فتح باب المسجد ثانيا ، وكان هناك ظل شخص آخر يلبس جبة وعمامة ، أضخم قليلا من غسان ، فقد كان الضوء خافتا . "مصطفى" ... ناداه غسان . هذا الأخ يريد أن يدخل فى الإسلام . كان وجه مصطفى أبوى كبير ، تهلل وأقبل يعانقنى . "مصطفى" ، قال غسان ، عليه أن ينطق بالشهادتين ، وتراجع بهدوء . فلتعلمه ماذا يقول . أخذ مصطفى يشرح لى معنى الشهادتين ، باللغة الإنجليزية ، ثم أتبع شرحه باللغة العربية ، طالبا منى ترديدها خلفه . "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" . رددتها وراءه ، وشعرت بالحماية ، والأمان ، والإنطلاق ، والحرية . لقد غمرنى شعور من الحب ، وأحسست بحب الواحد الأحد لى . لقد عدت إلى حقيقتى مرة ثانية . "الله" ... نطقها مصطفى . وكررتها مرتين خلفه . بعد يومين ، أديت أول صلاة للجمعة فى المسجد . كان يوما مشرقا دافئا فى سان فرانسيسكو ، ووقفت فى الصف الثانى ، بينما غسان يرتل القرآن الكريم ، بطريقته المحببة المميزة . كانت التلاوة ببطء ، لها وقع موسيقى جميل ، وتخرج من فم غسان بعمق ، كأنه طفل تائه يلتمس أبويه بنغمة حانية . كنا نقف جنبا إلى جنب ، وكتفا إلى كتف . "الله أكبر" ... وحين سماع الأمر نركع ويدينا على ركبتينا ، وظهورنا عمودية على أرجلنا . وتمتمت "سبحان ربى العظيم ... أحمدك يارب أن جئت بى إلى هنا" . "سمع الله لمن حمده" ... "ربنا ولك الحمد" . وعدنا وقوفا ، فى حركة كأننا جسم واحد . لقد صليت أربع صلوات فى المسجد مع آخرين ، ولكن ليس بهذا العدد . الآن يوجد بالمسجد ثمانون شخصا ، فى هذه الغرفة الضيقة . شباب من كل بقاع العالم ، يمثلون ربما حوالى عشرون دولة ، يحيُون معنى الأخوة . "الله أكبر" ... انحنينا بسيولة وبشكل رشيق ، إلى الأرض ، أولا على ركبنا ، ثم وضعنا أصابعنا على الأرض ، ثم جباهنا على السجاد ، "سبحان ربى الأعلى" كررتها عدة مرات ، مناجيا ربى "اللهم لا تجعلنى أعود لما كنت فيه" . "الله أكبر" ... جلسنا على الأرض فى صفوف خلف غسان ، وكنت فى الصف الثالث ، فقد كان غسان يقف فى الأول بمفرده . "الله أكبر" ... سجدنا على السجاد ذو الخطوط الحمراء والبيضاء ، ثم جلسنا مرة ثانية . وشملنا الهدوء ، كأن الصوت قد أغلق . وحينما نظرت إلى الأعلى ، وجدت غسان إلى شمالى فى المنتصف ، أسفل الشباك ، والضوء خافت من خلاله ، وكان بمفرده دون صف بجانبه ، وكان يلبس جلبابا أبيضا طويلا ، وعلى رأسه غطاء أبيض بخطوط حمراء . "الرؤية" صرخت من داخلى . "الرؤية بالضبط" ، لقد كنت قد نسيتها بالمرة ، والآن ذهلت وارتعبت . هل أنا فى حلم ؟؟؟ هل سأستيقظ منه ؟؟؟ وأخذت أتلفت حولى لأطمئن أنى لست نائما !!! أحسست ببرودة شديدة ، جعلتنى أرتعش . يا إلهى !!! إنها حقيقة . وفجأة شعرت ببعض الدفء ، فقد انهمرت الدموع من عينى !!! "السلام عليكم ورحمة الله" ... التفتنا إلى اليمين ورددنا الكلمات . "السلام عليكم ورحمة الله" ... التفتنا إلى الشمال ورددنا الكلمات ... وانتهت الصلاة . جلست على البساط ، وأخذت أحملق فى الجدران وأفكر لمدلول هذه الرؤى !!! ... شئ غريب هذه الرؤى ، وهناك الكثير الذى لا نفهمه !!! ولكن مهما كانت الآلية خلفها ، ففى هذه الرؤية ، رأيت خلالها تفاصيل حياتى --- أشياء فعلتها .. أناس قابلتهم .. فرص مرت بى .. خيارات اخترتها لم يكن لها معنى فى حينها --- كلها أدت إلى هذه الصلاة وكانت تتويجا لإستسلامى للإيمان . الآن أشعر بأن الله كان دائما قريبا منى يوجهنى ، ويخلق لى الفرص لأختار ، تاركا الإختيار لى . كنت شارد الفكر عن حقيقة القرب والحب لله الموحى بها للبشر ، ليس لأننا نستحقها ، ولكنها هناك لمن يطلبها منه سبحانه وتعالى . لا أستطيع أن أقول بالضبط ، ما معنى هذه الرؤية ، ولكنى أرى فيها فرصة جديدة للثبات على الإيمان . انتهى الفصل الأول "الشهادة" ... ويتبع الفصل الثانى "القرآن الكريم" ولهذا أول ما أنزل للبشر ، من خلال رسول الله عليه السلام ، "إقرأ" ، والقراءة والقلم هما من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية ، وكما قال "محمد أسد" الذى اعتنق الإسلام ، أن القلم يشير إلى الكتابة ، والكتابة تشير إلى العلم ، فالكتابة هى التى تربط بين أفكار الأفراد بعضهم ببعض ، وهى الصلة بين الثقافات ، وبين الأجيال جيلا بعد جيل ، فهى التى تحفظ التراث فلا يذهب هباء ، بل يتراكم على مر العصور ، فالحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ، وأعطانا القدرة لكى يشارك بعضنا البعض ، وهو الذى علمه البيان ، وبالرغم من ذلك ، فهذا الإنسان الذى خلق من نطفة ، حينما يظن أنه قد استغنى فإذا به يطغى فى الأرض ، وينسى أنه راجع إلى ربه فملاقيه . هذا الجحود هو سمة هذا العصر ، فالرجل العصرى ، يظن أن ما توصل إليه من علم يجعله فى غنى عن خالقه الذى وهبه كل إمكانياته التى تكرمه عن كثير ممن خلق . وهكذا فى سورة العلق فهناك تأكيدان ، الأول أن الله خالقك ، والثانى انه هو الذى علمك وأعطاك القدرة والرغبة فى التحصيل ، والآيات "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8}" . تشخص حال الإنسان المعاصر الذى تخطى كل الحدود ، وأنكر نعم خالقه عليه . فهذا التحدى المزدوج ، الخلق والعلم ، يجعلانك تتحسس موقعك من الحياة ، ونسبتهما إلى الله سبحانه وتعالى ، هما فى الحقيقة مدخل كثير ممن اعتنقوا الإسلام حديثا . وقبل أن نستمر فى هذا الموضوع ، أحب أن أتكلم عن أسلوب ترجمات القرآن الكريم . ( 7 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثانى القرآن الكريم القرآن الكريم ، فى أذهان كثير من المسلمين قد سمى وارتفع على التحديات الغربية ، وهو القوة الدافعة للصحوة الإسلامية . هو بالنسبة لأكثر من مليار مسلم يشكل "الهداية والرحمة الخاتمة والنعمة الموحاة من الله سبحانه وتعالى ، إلى البشرية ، الحكمة والجمال فى التعبير النهائى لهم ، بالإختصار (كلمة الله)" . ولكن ، ماذا عن المهتدين الجدد من الغرب ؟؟؟ أولئكم الذين هم بعيدون عن الثقافة والعادات واللغة ، الذى يشكلها هذا الكتاب المقدس ويعلمها لأتباعه ... ما تأثير وأهمية هذا القرآن لهم ؟؟؟ هذا السؤال ليس ضروريا لأنه ليس كل معتنق لدين جديد يكون على معرفة بكتاب هذا الدين المقدس . ومن المحتمل إلا يسأل عنه ، كالبوذية والهندوسية والنصرانية ، مثلا . أما فى الغرب ، فكل متحول أو متحولة للإسلام ، يتكلم عما تركه القرآن فى حياته . فى الحقيقة ، فعامة المؤمنين بالإسلام ، فالقرآن بناء أساسى فى دينهم ، فتلاوته يوميا فى الصلاة فرض عليهم . ولهذا فكل من دخل الإسلام حديثا ، لابد أن يحفظ بعضا من سوره مع ترجمتها ليتفهمها ، وهذا يحدث بسرعة كبيرة . هذا الإتصال اليومى بالقرآن الكريم ، يؤدى إلى مزيد من دراسته ، ويقول عدد كبير من المتحولين للإسلام ، بأنهم يقرأون أجزاء من ترجمة معانيه يوميا ، بالإضافة إلى ترتيل آيات منه فى صلاتهم . والكثير يتحمسون لدراسة اللغة العربية ، وهى التى بالنسبة للأمريكان شاذة جدا ، وقليل منهم أنتجوا تفاسير جديدة وتفاسير سابقة للمفسرين القدامى ومترجمى معانى القرآن . لهذا ، فالقرآن جزء لا يتجزأ من حياة المسلم ، لهذا فالقرآن يعيش معك ويجيب على أسئلتك فى التو واللحظة ، يتفاعل معك . وبالرغم من أن الإسلام ينتشر بسرعة فائقة فى الغرب ، إلا أنه مازال حديثا فيه . ومازال الذين ألفوا فى الإسلام من الغربيين قليلون ، كأمثال ، محمد أسد ، مارمادوك بكتول ، مارتن لينجز ، مريم جميلة و حامد ألجار . اليوم نحن نرى كثيرا من الأوروبيون يكتبون عن الإسلام ، وآخرون متعاطفون معه . وفى كتاباتهم ، قد نرى بعض التكرار . وهدفى فى هذا الفصل ، أن ألقى بعض الضوء على ما كتبوا ، كما سأضيف لها تجاربى الخاصة ، ومناقشاتى مع الآخرين لتتكامل كلها لتضئ الطريق لقبول القرآن الكريم . وبكلمات أخرى ، سأحاول تقديم نموذج للتحول إلى الإسلام . أنزل هذا الوحى فى مواطنى القرن السابع الميلادى من العرب . وحينما سمعوه يتلى عليهم بلسانهم ، وجدوا فيه أسلوبا رفيعا ، ولغة قوية جدا ، وكما يقرر القرآن الكريم فقد قالوا على الرسول الكريم بأنه ساحر ، كما ورد فى هاتين الآيتين :: ( 1 ) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ {2} سورة يونس ( 2 ) وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {4} سورة ص وما كان العرب فى هذا العصر أن يجدوا صعوبة فى فهم وتصور ما يسمعوه ، ويعرفوا الأفكار التى يرمى إليها ، وذلك لأنه بلغتهم وواضح ومبين . وحينما يعلمنا القرآن بأن نسأل الله "اهدنا الصراط المستقيم" ( 6 ) سورة الفاتحة ، فالقارئ الغربى قد يفهم أن المقصود من "الصراط" ، ذلك الفرق الحساس والغامض بين عبادة الله سبحانه وتعالى وشخص آخر ، أو معنى آخر . أو أنك تسأل الهداية للإتزان الهش بين المادية والروحانية . فالمسافر فى الصحراء ، فى القرن السابع ، قد يحدث له مثل هذا الفهم ، لأن الفهم يتأثر بالحالة النفسية ، فهذا المسافر يرى فى السؤال الطلب بأن يهديه الله إلى الطريق الآمن والذى قد ينجيه من الموت أو من قطاع الطرق مثلا . "مداخلة : لا أتفق مع هذا الشرح ، لأن الطريق المستقيم فى السورة معرف بوضوح ، فهو طريق المنعم عليهم ، لا المغضوب عليهم ولا الضالين !!!" إشارات القرآن للكتب السابقة ، وللميزان ، ولشراء الله للأنفس ، وللجزاء يوم القيامة ، ولإقراض الله ، وأن جزاء كل هذا أضعاف أضعاف ما قدم ، وصور كل ذلك على أنه بيع وشراء بين العبد وربه ، فقد كان العرب فى هذا الزمان ، تجار يعيشون على التجارة . وحينما يقارن القرآن حالة الكفار بحالة من يموت من العطش فى الصحراء ، أو يقارن بين البعث يوم القيامة وإحياء الأرض الموات بعد المطر ، أو حينما يصف الجنة بأمور جد حيوية ومثيرة ، فلنا أن نتصور وقع هذه الصور على الذين يستمعون إليها لأول مرة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم . لم يكن العرب فى عهد الرسالة الإسلامية ، ملحدون أو لا أدريون ، ولكنهم لم يكونوا متدينين بعمق . كانوا بنفس الصورة التى عليها كثير من البشر الآن ، تطلعاتهم للدين عابرة ، الإيمان بالدين مجرد جزء من التقاليد ، ملحق بالثقافة ، ويمارس فى مكان ووقت محدود ، ويلجأ إليه عند اللزوم . وبمعنى آخر ، كانوا عباد أصنام ، يعتقدون فى عدة آلهة ، ويظنون أن لها تأثيرا على حياتهم الشخصية . مشكلة القرآن مع العرب ، ليست فى أنهم لا يعتقدون فى وجود الله ، بل فى اعتقاداتهم الخاطئة فى الله سبحانه وتعالى ، والتى أدت إلى تعزيز الفسوق . جاء القرآن للإصلاح والتعديل ، لا للبداية من الصفر ، وقبول ما كان صحيحا والبناء عليه وتعديله إن كان فى حاجة لتعديل . جاء ليفكر العرب فى الدين بطريقة جديدة ، ويغرس فيهم مفاهيم جديدة ، وأطرا يرجعون إليها ، لتنقلهم من نظرة عالمية محدودة كانوا يعيشونها لنظرة عالمية أخرى ، أرقى وأعلى . هذه العملية التحويلية ، أخذتهم من تقليد الآباء ، إلى المسئولية الفردية ، من الفوضى إلى النظام ، من الجهل إلى العلم ، من الحدس إلى السببية ، وفى النهاية ، توافق كل هذه الأمور . وفى المجتمع الأوربى المعاصر ، فالوضع هو تقريبا ، عكس ما جاء به القرآن . نظريات الإنتقاء الطبيعى ، أو التطور بالصدفة ، مما جعل الدين لا يوضح حقيقة الوجود . ونجح علم النفس الحديث ، فى شرح أن القيم ، والميول الروحية ، والفضائل ، والمبادئ الأخلاقية ، التى يعيشها الغرب ، هى نتاج تطورات اجتماعية ديناميكية ، ولهذا فهى ليست "حقيقية" أو "مطلقة" ، ولكنها فقط شئ "نسبى" ، نتيجة لتصوراتنا واسعة الإنتشار . فوجود الله عند الغربيين لا ضرورة له ، ويحل محله العلم والمنطق . نتيجة لهذا ، فالذين يتحولون للإسلام منهم يختلفون عن كفار الجزيرة العربية الذين تحولوا من الشرك إلى الإسلام منذ أربعة عشرة قرن . النهاية واحدة ، ولكن الجذور السابقة مختلفة . المتحولين الآن للإسلام ، ينتقلون من الفردية فى الحكم على الأشياء إلى قبول تشريع علوى ، من المادية البحتة إلى المادية والروحانية معا ، من المحسوس إلى الغيب ، وبالأحرى ، تناغم كل ذلك معا . ملاحظات أولية ملحوظة : هذه الفقرة سأضطر لترجمتها بالمعنى ، وذلك لأنها فلسفية بعض الشئ وتحتاج للتبسيط حتى يمكننا فهم ما يقصده الكاتب . تحديات للتدبر ( A Challenge to Reason) : بالنسبة للأمريكان ، فمجرد الإيمان هو اللب ، وهو المطلوب، والمقصود من التدين "مداخلة : وبالنسبة للمسلم (الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل)" . وبالنسبة لى .. أثناء بحثى عن الله ... فقد كان لقائى مع الطالب القائد ، وبعد مداولات وشرحه لى ، ماذا يعنى الإسلام له ، فقد كانت هذه المناقشة نقطة حاسمة فى تحولى للإسلام . وفى هذا الكتاب ، أطرح محاولاتى حتى أصبحت مسلما . هذا التصور ، لا يعنى ان الإعتقاد فى وجود الله سبحانه وتعالى ، يجب أن يكون لا عقلانى ، وبالأحرى ، يجب التأكيد على المشاعر والروحانيات . فالسؤال "ماذا يعكس ذلك الإيمان لك وعليك ؟" ، هو سؤال مشروع . ومع ذلك فهو ليس السؤال الوحيد ، فالإيمان يجب أن يكون أكثر من إعمال للفكر أو لقاء مع الروح . والتركيز على جانب واحد فقط من هذين العنصرين ، يؤدى إلى إهمال للعنصر الآخر والإنسان خلق من مادة وروح . فالحماسة التى تعترى المسلم وهو يتحاور فى الأديان ، ترجع لسببين أولهما : لأنه لا يفصل بين الدين والدنيا ، كل حياته بشقيها مقدسة . "مداخلة : "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} سورة الأنعام" وهو يرى فى الحقيقة أن كل حياته مرتبطة بأسماء الله الحسنى ، وهو يستمر فى الدعاء له ، فى كل حدث يحدث له . فكل حياته هى ممارسة للإيمان . وإذا كان غير المسلم يرى فى هذا التصرف شكلية ، فإن المسلم يراه ملائما وطبيعيا ، وكيف لا يكون ذلك ؟ والله سبحانه وتعالى متصرف فى كل صغيرة وكبيرة من حياتنا . ولذلك فحينما تطلب من المسلم أن يحدد أماكن ممارسة إيمانه ، أن تطبق الدين هنا ، ولا تطبقه هناك ، لا يفهم ما تطلبه منه ، فهذا خارج عن مفاهيم الإسلام . السببالثانى : المسلم يرى أن الإسلام لا يناقض الفطرة ، بل هو دين الفطرة ، والحكمة والعقلانية وراء كل مَسلَْمَة من عناصره . وبالرغم من الإعتراف بمحدودية العقل عند الإنسان ، إلا أن الإسلام يعلى شأن العقل والتعقل فى محكم كتابه ، ويحث على التفكير والتدبر فى آياته ، فهذا شئ حيوى للإيمان بالخالق العظيم ، وبكتابه الموحى به . ويركز القرآن الكريم على مفهوم العقل والتعقل للوصول إلى الإيمان . وهذا ما أقر به كثير من المستشرقين ، وكمثال ، فيقول رودنسون "Rodinson" "يشير القرآن كثيرا إلى الأدلة العقلية على قدرة الله المطلقة وعجائب الخلقة ، فيتكلم عن التناسل الحيوانى ، وحركة الأجرام السماوية ، والظواهر الجوية ، والتنوع فى الخلقة ، وتسخير ما خلقه الله للإنسان (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {190} سورة آل عمران) . ويستطرد بعد قليل ، ليقول : "ذكرت كلمة يعقلون ومشتقاتها فى القرآن الكريم أكثر من خمسون مرة ، منها حوالى ثلاث عشرة مرة بصورة الإستفهام الإستنكارى (أفلا تعقلون ؟) . ثم يذكر الآيات التى وصفت من لا يُعملون عقولهم بأنهم كالأنعام بل هم أضل ، وهؤلاء الذين يقلدون ما كان عليه آباءهم ، دون التفكر فيما إذا كانوا على حق أم فى ضلالة ...... وهكذا . ولهذا أول ما أنزل للبشر ، من خلال رسول الله عليه السلام ، "إقرأ" ، والقراءة والقلم هما من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية ، وكما قال "محمد أسد" الذى اعتنق الإسلام ، أن القلم يشير إلى الكتابة ، والكتابة تشير إلى العلم ، فالكتابة هى التى تربط بين أفكار الأفراد بعضهم ببعض ، وهى الصلة بين الثقافات ، وبين الأجيال جيلا بعد جيل ، فهى التى تحفظ التراث فلا يذهب هباء ، بل يتراكم على مر العصور ، فالحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ، وأعطانا القدرة لكى يشارك بعضنا البعض ، وهو الذى علمه البيان ، وبالرغم من ذلك ، فهذا الإنسان الذى خلق من نطفة ، حينما يظن أنه قد استغنى فإذا به يطغى فى الأرض ، وينسى أنه راجع إلى ربه فملاقيه . هذا الجحود هو سمة هذا العصر ، فالرجل العصرى ، يظن أن ما توصل إليه من علم يجعله فى غنى عن خالقه الذى وهبه كل إمكانياته التى تكرمه عن كثير ممن خلق . وهكذا فى سورة العلق فهناك تأكيدان ، الأول أن الله خالقك ، والثانى انه هو الذى علمك وأعطاك القدرة والرغبة فى التحصيل ، والآيات "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8}" . تشخص حال الإنسان المعاصر الذى تخطى كل الحدود ، وأنكر نعم خالقه عليه . فهذا التحدى المزدوج ، الخلق والعلم ، يجعلانك تتحسس موقعك من الحياة ، ونسبتهما إلى الله سبحانه وتعالى ، هما فى الحقيقة مدخل كثير ممن اعتنقوا الإسلام حديثا . وقبل أن نستمر فى هذا الموضوع ، أحب أن أتكلم عن أسلوب ترجمات القرآن الكريم . ( 8 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثانى القرآن الكريم الترجمات والخواص المتميزة فى القرآن الكريم : حينما يقرأ المسلم ذو اللسان العربى القرآن الكريم ، فإنه يجد فيه الروعة والرقى والحلاوة والترابط والحكمة . أما غير العربى ، فإنه يعتمد على ترجمات المستشرقين ، التى تصور القرآن الكريم بعدم الترابط والتهافت والملل . من أحد أسباب هذا الإختلاف الجذرى فى التصور ، أن الذين يقومون بالترجمة من المستشرقين الغربيين ، أو حتى من العرب ، لم يكونوا يملكون مفتاح اللغتين ، العربية واللغة الأخرى المترجم القرآن إليها . وهنا يكمن لب المشكلة ، فالترجمة الصحيحة تحتاج إلى إجادة قواعد اللغتين ، والتمكن منهما والعيش معهما وفيهما . لغة القرآن ، كما يقول علماء اللغة العربية ، معجزة ، كان عرب شبه الجزيرة العربية ، أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفهمونها حق الفهم ، وكذلك القرون التالية . وحتى العرب الذى أسلموا فيما بعد ، فقد يجدون صعوبات فى فهم كتابهم المقدس ، وهذه الصعوبات أحرى بمن يتناولون الترجمات . وقد نجحت ترجمة محمد أسد للقرآن ، فى تخطى بعضا من هذه الصعوبات . وكذلك ترجمة يوسف على ، والتعليقات المرفقة بالترجمة ، ساعدت المتكلمين باللغة الإنجليزية كثيرا فى فهم القرآن الكريم . والكثير يفضلون ترجمة ، مارمادوك بكتول ، حيث أنها أقرب الترجمات للغة العربية . وبالنسبة لكل المسلمين ، فالقرآن هو كلمة الله سبحانه وتعالى الموحى بها . ولهذا فأى ترجمة إلى لغة أخرى ، لا تعتبر قرآنا ، ولن تكون فى دقة القرآن نفسه ، وستكون ناقصة بداهة ، فهى ليست قرآنا ولا ترجمة له ، ولكنها مجرد تفسير له . فالمسلم الذى يتحول من اليهودية أو النصرانية ، كما هو الحال مع معظم المسلمين من الغرب ، يواجه بداية ، بثلاثة سمات هامة يجدها فى القرآن الكريم مختلفة بحدة عن كتبهم المقدسة . السمة الأولى ، هى أن القرآن وحى شخصى ، بمعنى أن الشكل العام للتوجيه الإلهى ، موجه للبشر . وعلى سبيل المثال : "قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} سورة الزمر .. "وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} سورة الضحى وحتى إذا طلب من القارئ التضرع إلى الله فإنه يبدأ بكلمة "قل" كما فى سورة الناس ، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" . سمة أخرى ، وهى أن القرآن الكريم ليس كتاب تأريخ كالإنجيل والتوراة . فبينما تحتوى هذه الكتب على تاريخ وسير ذاتية ، فمن المستحيل أن تجد فى القرآن الكريم تاريخا محددا ، أو سيرة ذاتية لشخص معين ، ولكنه يتكلم فى ذلك بصورة عامة ، خارجة عن مثل هذه التفصيلات . ولذلك فأنت قد تقرأ القرآن دون الإلتزام بترتيب معين ، لا يطلب منك قراءته بترتيب محدد ، فيمكنك القراءة من أى موقع تبدأ به ، وهذه سمة ليست موجودة فى كتاب آخر ، وبما أن محتوياته شاملة ومغطاة ، ففهم محتواه لا يحتاج إلى مراجع خارجية عنه . وبالنسبة للمسلمين ، فهذا فى حد ذاته له علاقة على أن القرآن قد تخطى حدود الزمان والمكان ، وأنه دليل على علم الله وحكمته ، وأنه فوق قدرة البشر . السمة الثالثة ، وهى أن الإسلام كما ورد بالقرآن الكريم ، لا يفرق فى الحقيقة بين الدين والدنيا ، فهو يمازج بين مظاهر متعددة من صعود وفناء الأمم ، يوصف الحياة الطبيعية للأمم ، يضع أسس المجتمعات الصالحة ، يضع القوانين ، ويحلل النفس البشرية ... كل ذلك ليضئ للإنسان طريقه فى الحياة ، وليعلن وحدانية الله سبحانه وتعالى . التاريخ ، والحياة ، والخلق ، شهود على ، وكلها تلتقى لتؤكد ، الحقيقة العليا الوحيدة : بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق ، القيوم ، المهيمن على الكون . كل هذه السمات فى القرآن الكريم ، تختلف اختلافا بينا عن بقية الكتب الدينية الأخرى . مقارنة بين القرآن الكريم ، والعهد القديم والجديد من الكتاب المقدس : يقرر القرآن أن كل الأمم فى العصور المختلفة ، قد بعث إليها رسول ، كما ورد فى هذه الآيات كمثال على ذلك ، وأن الإنسان لابد له أن يذعن لأمر الله سبحانه وتعالى ويعبده : ( 1 ) شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ {13} سورة الشورى ( 2 ) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {136} سورة البقرة ( 3 ) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {24} سورة فاطر فالعقيدة واحدة لا تتغير ، والشريعة والمناهج هما اللذين يتغيران طبقا لأحوال العصور المختلفة . فالبشرية ظلت فى تطور ورقى ولذلك كانت الشريعة تتغير ، إلى أن جاء الرسول الخاتم ، محمد صلى الله عليه وسلم ، الذى اوحى إليه القرآن ليقرر الشريعة الخاتمة للبشرية جمعاء . هذا الرسول الكريم ، هو من سلالة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أبو الرسل ، وقد كان من قبيلة قريش ، التى هى من سلالة سيدنا إسماعيل ، ولد إبراهيم عليهما السلام . وسيدنا محمد هو النبى الذى جاء بعد فترة من الرسل ، "يشبه موسى" ، ومن اخوة اليهود "Berthern of the Hebrews" كما ورد ذلك ( فى سفر التكوين 12: 2-3 ، وسفر التثنية 18: 18 ) . وفى السنوات الأخيرة ، فمجموعات من الطلبة المسلمين بأمريكا ، يثيرون عدة مناقشات مع الطلبة النصارى ، عن هل الإنجيل أم القرآن هو كلمة الله ؟؟؟ ووجهة نظر المسلم ، هى انه ما دامت التوراة والإنجيل يحتويان على نصوص متعارضة مع بعضها البعض ، أو تعارض الحقائق الثابتة ، فهذا يعنى أن بهما نصوصا غير موحى بهما من الله . وهذه الحقائق هى نتاج أبحاث طويلة من علماء اللاهوت أنفسهم لعدة قرون . معظم النصارى المشاركين فى النقاش يقبلون هذه المسلمة ، ولكنهم لا يقبلون الإستنتاج ، وذلك لاختلاف فى مفهوم الوحى عند الطرفين !!! فالمسلم يرى فى معنى الوحى المعنى المباشر له : أن الإنسان "محمد صلى الله عليه وسلم" هو الوسيلة التى "يتكلم" الله من خلالها بشكل حرفى ويكشف عن إرادته للبشرية ، كما جاء بالكتب السابقة المقدسة على لسان سيدنا موسى عليه السلام : "سأبعث فيهم نبى من بين اخوتهم مثلك وأضع كلماتى فى فمه وهو سيتكلم لهم بكل ما سآمرهم به" سفر التثنية 18 : 18 وكذلك "مع ذلك يأتى روح الحقيقة الذى سيوجهك لكل الحق : لن يتكلم من نفسه ، ولكن كل ما سيسمعه سيتكلم به ، وسينبئك بكل ما سيأتى" إنجيل يوحنا 16 : 13 والمسلم يعترف بأن الوحى له عدة طرق ، وأن ما ذكر ليس هو الطريقة الوحيدة للوحى ، وذلك كما ورد بالقرآن الكريم : "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ {51} سورة الشورى" والغالبية من علماء اللاهوت ، يقرون اليوم بأن الكتب المقدسة هى مركبات من مستويات مختلفة من الوحى المقدس !!! وفى هذا الصدد ، يعلق "موريس بوكاى" : "فكرة (محتوى الوحى) ... يمكن أن تقبل بدون أى سؤال ... فى حالة إذا كان المحتوى فعلا هو كلمة الله !!! ولكن الواقع يدل على أن المحتوى هو من كلام مختلف الرجال الفانين ، متأثرا بتقاليدهم وأساطيرهم وخرافاتهم التى كانت سائدة فى وقت تحرير النصوص" . وبخصوص الإنجيل ، فيقول كراج "Cragg" : "لاشك أن فى الإنجيل نصوصا مما قاله سيدنا عيسى عليه السلام ، وهناك الكثير من المواقع ، وليست أقلها كما فى إنجيل يوحنا ، ما أضافه القديسين من مواد ، سواء بقصد أو غير قصد . هناك تراكمات وتحريرات واختيارات وتعديلات وكذلك شهود . الأناجيل جاءت من خلال تصورات كاتبيها . وهى من تواريخ ذكرت نتيجة تجارب أملتها . ويرى كراج ، أن هذا التفسير هو المناسب بتفوق ، والملائم بوضوح . ومن وجهة نظر النصارى ، فإن التناقضات التى وردت بكتبهم ، شئ طبيعى ومتوقع ، لتعدد المصادر التى رجع إليها كتاب الأناجيل ولطبيعة الوحى الغير مباشر . والمهم عندهم ، أن الأناجيل فى النهاية ، فيها من الوحى ما يؤدى إلى هداية البشرية !!! وبالطبع فإن هذا المفهوم من الصعب إعتماده والتعويل عليه . ويؤكد فى كلامه عن التوراة شيئا من مثل هذا المعنى . وفى مثل هذه المناظرات ، فإن النصارى يدعون أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، منتحل للإسلام من الأديان السابقة التى كانت موجودة بشبه الجزيرة العربية ،فى ذلك الوقت . بينما فقد هذا المفهوم مصداقيته بين المستشرقين المعاصرين ، فهم الآن يرفضون هذا الإدعاء . وكل ما يدعى به على الإسلام ، فأكثر منه يمكن أن يوجه للنصرانية المعاصرة . "مداخلة : وذلك كما ورد بالآية الكريمة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {30} التوبة)" . والإنطباع الإيجابى ، الناتج من مثل هذه المواجاهات ، هى ان القرآن الكريم خال تماما من التناقضات الواقعية ، مثل تلك التى جعلت علماء اللاهوت يعيدون صياغة الوحى ، بينما المسلمون يقرون بعصمة القرآن الكريم "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً {82} سورة النساء" . أحد الزملاء فى دراسة الأديان المقارنة ، أقر بأن القرآن الكريم أدق من الكتب الأخرى ، وأرجع ذلك لعبقرية محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد كان ذو بصيرة ، فبما أنه أقتبس من هذه الكتب ، فقد تدارك المسببات التى تؤدى إلى التناقضات ، وحذف التفاصيل ، والكميات ، والتوقيتات ، والأماكن ، والأعداد ، ومثل هذه التفاصيل التى قد تؤدى للتناقض فيما بعد !!! "مداخلة : لقد فهمت بوضوح معنى الآية الكريمة (.......... وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) ... حينما يشعر الإنسان بإفلاسه ، يلجأ للتلاعب بالكلام والتخريف لعله يجد من يصدقه" . ( 9 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثانى القرآن الكريم بداية يجب الإقرار بأن القرآن الكريم ذكر قصص توراتية ولكن بعد حذف بعض التفاصيل ، وفى كل مرة يأتى بتفاصيل أخرى خافية لم تذكر بالكتب السابقة . وهناك أمثلة كثيرة على ذلك . فقصة سيدنا سليمان التى ذكرت بالقرآن الكريم ، تنفى عن هذا النبى المجتبى من الله سبحانه وتعالى أن يكون من عبدة الأصنام ، كما جاء بسفر الملوك (11 : 4) ، وذلك كما ورد بالآية 102 من سورة البقرة "وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ..........." . وكذلك ما ورد عن قصة سيدنا إبراهيم بخصوص ذبح ابنه سيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، فقد ورد بسفر التكوين ( 22 : 1 - 19) ، أن الله تكلم مباشرة لسيدنا إبراهيم طالبا منه ذبح ابنه ، فى حين أن القرآن يرجع هذا الطلب إلى رؤية منامية رآها سيدنا إبراهيم ، كما ورد بسورة الصافات من الآية 101 - 111 . والقرآن الكريم ينفى بشدة مسألة صلب المسيح عليه السلام لم تحدث على الإطلاق ، بل شبه لهم صلبه . بل إن القرآن كثيرا ما يوضح مشاكل وقع فيها الإنجيل والتوراة ، وظهرت فى الغرب فيما بعد البعثة المحمدية بقرون . ومن الأمثلة على ذلك ، ماورد فى قصة يوسف عليه السلام ، وأن أبناء سيدنا يعقوب سافروا على الحمير فى صحراء سيناء (سفر التكوين ، 42 : 26) . ومن المعروف أن الحمير لا تصلح للسفر الطويل بالصحراء ، كما أنه ليس من عادة البدو الإعتماد عليها ، وقد كان أحفاد سيدنا إبراهيم بدوا إلى أن استقروا فى مصر . بل الجمال هى التى تصلح لذلك ، وقد أكد القرآن فى سورة يوسف على أن إخوة يوسف استخدموا العير فى تنقلاتهم ، وذلك فى الآيات (65 - 70 - 72 - 82) " ..... وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ {65}" .. "..... أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ {70}" .. "..... وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ {72}" .. "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {82}" . وفى نفس القصة فى سفر التكوين (43 : 32) ، يذكر السفر بأنه كان هناك نفور شديد من المصريين واليهود إلى وقت طويل ، حتى أن سيدنا يوسف لم يكن ليأكل مع إخوته . ولا يذكر القرآن شيئا من هذا النفور من المصريين تجاه عائلة سيدنا يعقوب الآيات أرقام (59 - 93 - 99) من سورة يوسف ".......... أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ {59}" .. "اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ {93}" .. "فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ {99}" . أما عن طوفان سيدنا نوح عليه السلام ، فيذكر سفر التكوين ( 7 : 32 ) ، أن كل شئ حى على وجه الأرض قد غرق ، البشر والأنعام وكل الزواحف وطيور السماء ؛ وأنها امحت من على وجه الأرض ، وسيدنا نوح ومن كانوا فقط على السفينة هم من بقوا عليها !!! وبالرجوع إلى المعلومات التاريخية التى وردت بالتوراة ، فإن هذه الكارثة حدثت فى القرن الثانى والعشرون قبل الميلاد ، والبراهين العلمية الحديثة ، تثبت أنه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن ، توجد حضارات فى أنحاء متعددة من العالم ، وهذا ما يناقض ما جاء بالتوراة . أما ما جاء بالقرآن الكريم ، لا يتعارض مع ما توصل إليه العلم ، فالطوفان قضى فقط على قوم نوح المعاندين ، وذلك كما جاء بسورة الفرقان ، "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}" . ومن التناقضات المذهلة بين القرآن والتوراة ، أن التوراة تذكر مراحل خلق الكون بالأيام التى نعرفها ، أى 24 ساعة ليلا ونهارا ، وذلك كما ورد بسفر التكوين ( 1 : 5، 8 ، 13 ، 19 ، 23 ، 31 ) ... وقد كان هذا هو الإعتقاد لقرون كثيرة ، إلى أن تقدم العلم وأثبت أن خلق الأرض أخذ أوقاتا أكثر من ذلك بكثير . وفى القرآن الكريم ، فإن الأيام عند الله سبحانه وتعالى كثيرة ، وذلك كما ورد فى الآية من سورة الحج "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47}" . وسورة المعارج "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4}" . وهذه الآيات تدل على شيئن ، أ ) أن هذه "الأيام" ، لا تفهم حرفيا بمقاييس الأرض ، ولكنها تشير إلى فترات أطول بكثير مما نعد . ب ) حينما يشير القرآن إلى كلمة "يوم" بالنسبة لله سبحانه وتعالى ، لا يعنى هذا وقتا محددا كما فى الآيات . وأحيانا حينما يذكر القرآن قصة نبى من النبياء ، أو شخصية معينة ، أو حدث ، فإنه يذكر تفاصيل ليست موجودة فى التوراة أو الإنجيل ، ويشير إليها لتكون آية نثبت فيما بعد . وهذا كما حدث بالنسبة للطوفان كما ورد سابقا . وكذلك فى قصة غرق فرعون حينما طارد موسى وانطيق عليه البحر : وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92} سورة يونس ... وما ورد فى الآية رقم 92 ، لهو لفتة دقيقة لم ترد إلا فى القرآن الكريم ، عن نجاة بدن فرعون ليكون آية على صدق القرآن وعبرة لمن بعده إلى يومنا هذا . شخصية فرعون الخروج كانت مثار جدل . وقد أجرى موريس بوكاى العالم الفرنسى عدة دراسات معملية على مومياء "منبتاح" الذى خلف "رمسيس الثانى" ، وأثبت فى عام 1975 أنه هو فرعون الخروج ، حيث وجد داخله أملاحا تدل على أنه غرق فى البحر ، وهذه المومياء أكتشفت بوادى الملوك فى طيبة عام 1898 ، أى بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول القرآن الكريم على النبى محمد عليه الصلاة والسلام . وقد كان هذا الإكتشاف سببا فى إسلام بوكاى ، وتأليفه لكتاب "التوراة والقرآن والعلم" . وبذلك يكون القرآن قد ألمح إلى نقطتين ، الأولى والمباشرة ، هى نجاة جسد فرعون ليكون آية لمن بعده . والثانية ، أن المصريين القدماء كانوا حريصين على تحنيط الجثث لتبقى سليمة . القرآن والعلم : سأختصر هذا الباب ، حيث أن الكلام فيه معاد ، وقد تكرر كثيرا ، وأعتقد أن الرجوع لدراسات "الدكتور زغلول النجار" ، توفر الكثير من الجهد ، كما أنها أشمل وأدق مما ورد فى الكتاب . فقد تكلم الكتاب عن اختلاف وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين لبحث موضوع الإعجاز العلمى فى القرآن ، ثم تطرق إلى دراسات موريس بوكاى وكتابه عن "التوراة والقرآن والعلم" . ثم تكلم عن كروية الأرض وتكوير الليل والنهار : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {5} سورة الزمر وأن عسل النحل ينتج من أنثى النحل كما ورد بالقرآن : وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بييُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {69} سورة النحلوتكلم عن تطورات الجنين وموقف الدكتور كيث موور : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14} سورة المؤمنون وتكلم عن الرتق والفتق بالنسبة للسموات والأرض : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30} سورة الأنبياء وطى السموات والأرض كطى السجل للكتب : يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ {104} سورة الأنبياء ( 10 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثانى القرآن الكريم إعتبارات مركزية قد يصاب كثير من المسلمين بالإحباط حينما أذكر أن كثيرا من النقاط التى سبقت من المحتمل أنها لن تقنع غير المسلمين بأن القرآن الكريم هو وحى من عند الله سبحانه وتعالى !!! العبقرية شئ كبير ، ولكنه فى نفس الوقت شئ غامض لا يدل بالضرورة على أنه إلهى . ولذلك نجد فى عدة مراحل من القرآن الكريم ، الإجابة على الأسئلة الدائمة : "هل الله موجود .. وإذا كان موجودا فما هى العلاقة بين العبد وربه .. وما هو معنى الحياة ؟؟؟" . المجاز فى القرآن الكريم : لا شك أن ترجمة نص مقدس من لغة إلى أخرى يؤدى إلى كثير من فقد فى المعنى . ولكن حينما يكون المترجم له دافع للترجمة الصحيحة والإلتزام بها ، وله ولاء للشئ المترجم ، فذلك قد يحيى بعض الإشراقات المبثوثة فى النصوص والتى لا يمكن إظهارها بواسطة البشر العاديين المحدودين . فبالتأكيد ما جاء فى الأصل ، من خوف ورجاء ، وجمال وتألق ، كما جاء فى مجاز القرآن ووصفه للأشياء ، فذلك هو الذى يعمق الشعور الذى يفتقد فى الترجمة . فالصورتان المتقابلتان للجنة والنار ، العظمة والبهاء فى مقابل الوحشة والرعب ، كما ورد بمجاز القرآن الكريم ، هذا ما يعمق الشعور بصدق ما جاء به . ولا شك أن السياق العام للقرآن الكريم يوضح أنه سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده العذاب ، ويحثهم على طلب المغفرة والتوبة والعودة إليه . وهذا سيحتاج تفصيلا فيما بعد . وبالرغم من أن الغربيين المتحولون للإسلام يعتمدون على تفاسير القرآن ، إلا أنهم يشعرون بالأسلوب الأدبى للقرآن كميزة هامة له ، وذلك لأن قارئه سواء كان عربيا أو غير عربى ، يجد تأثيره المعنوى ، وكأنه يشارك بنفسه فى تلقى الوحى بالقرآن الكريم . وفى تعبير أفضل لدنى "Denny" ، يقول : تأتى هناك لحظة وأنت تقرأ القرآن ، مركزا على فهم معانيه ، سواء كنت تتلوه بصوت عال أو صامتا ، بقشعريرة تنتابك . وبدلا من قراءتك للقرآن ، تجد أن القرآن يقرأك أنت . هذه تجربة مربكة وفى نفس الوقت رائعة ، وبأى شكل ، تجده يطالبك بالإسلام دون أن تشعر . هذا الشعور هو الذى يقابله أكثر المتحولين للإسلام ، وهو السبب فى الإنتشار السريع له ، بالإضافة إلى خلق المسلمين الذين يلتزمون بتعاليم القرآن الكريم وبالدين الإسلامى . *عودة للآيات : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} سورة فصلت الآيات لا توجهنا فقط ، بل تؤكد وتثبت لنا خطواتنا وقرارتنا ، لذا فنحن نعيش مع آيات القرآن الكريم فى الآفاق البعيدة وفى أنفسنا . عمليا فكل آيات القرآن لمظاهر الطبيعة ، نجدها وسط آيات التذكير بواجب الإنسان ، وعلاقته مع الله سبحانه وتعالى ، وحسابه فى الآخرة . والآيات السابق ذكرها تشهد لهذه النقطة . وقد اخترت الآيات التى ستلى ، لما فيها من جمال ::: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} سورة النور هذه بداية سورة النور ، إحدى السور المعروفة جيدا من الكتاب المسلمين وغيرهم . وفى تفسير عبقرى ، لمالك بن نبى "فيلسوف مسلم جزائرى" ، لمقطعين رائعين من هذه السورة كآيات بينات ::: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38} فهذا المثل يوضح لنا أن هذا النور المشع ، الذى ينبع من مصباح فى زجاجة ، ويضاء بمصدر لم يكن معروفا حين نزول الوحى ، ".... لا شرقية ولا غربية ...." ، ويكاد يضئ ولو لم تمسسه نار ، يقول ابن نبى ، ربما أشار هذا إلى المصباح الكهربائى !!! ، وكثيرا فى القرآن الكريم ، ما تمزج الآيات بين المحسوس والمعنوى . "مداخلة : أود أن ألفت النظر هنا إلى شئ ، نادرا ما نتفكر فيه ::: فلنتصور التاريخ الطويل السابق لاختراع المصباح الكهربائى ، وكيف كان الوضع حينما تغرب الشمس ؟ وكيف كان يعيش الناس ؟ والوضع فى أيامنا هذه ، وكيف استحال الليل نهارا ، وأصبحت المدن لا ترى الظلمة إلا إذا استدعيتها استدعاء بغلق النوافذ وغلق المصابيح الكهربائية ، وبالرغم من ذلك يتسرب إليك الضوء من حيث لا تشعر ... أليس هذا تطورا مذهلا ؟ وملحوظة ثانية ::: مالك بن نبى عالم فيلسوف لا يشق له غبار ، وما ورد بخصوص المصباح الكهربائى ، فأعتقد أنه لا يتكلم إلا عن جزئية من الآية وهى المصباح فى زجاجة ، ولا يقصد بالتشبيه أن ذلك تفسير للآية ، لأن معنى الآية الكريمة أشمل بكثير من هذه الجزئية" . وفورا بعد هذا المقطع ، يأتى مثلين عن الكفر وتاثيره المدمر :: والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ {40} الآية رقم ( 39 ) ، يشير ابن نبى ، إلى أن التشبيه فى الصورة الأولى يمكن لأهل مكة استيعابه ، لأنهم كانوا أهل صحراء ، ولكن الآية التالية رقم ( 40 ) ، صورة الغيوم المظلمة ، والأمواج المتراكمة ، فهذه الصورة هى لأهل الشواطئ الشمالية ، وأهل المحيطات ، وتعرف هذه الظاهرة الآن ، والظلام الحالك فى أعماق المحيطات نتيجة لامتصاص الماء للضوء ، من فترة ليست بالبعيدة . "مداخلة : ورد بسورة النور عدة آيات ومواقف ، منها ما هو مباشر للمعاصرين للوحى ، وبالطبع لمن بعدهم ، وتختم هذه الآيات بـ (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ......) الآية رقم ( 34 ) ، وآيات أخرى لمن بعدهم ولم يكونوا هم يتصوروها وتختم بـ (لقد أنزلنا آيات مبينات ....) الآية رقم ( 46) ، بدون إليكم ." . الواضح هنا ، أن الحياة إذا كرست بشكل رئيسى للدنيا ، فستنتهى إلى خيبة الأمل ، ووأد للناحية الروحية . نحن نستشف هذا بوضوح من الآيات ، بغض النظر عما جاء به ابن نبى . الأسلوب القرآنى جميل . وبما أنى قد عشت على الشاطئ الشمالى من نيو إنجلند ، فقد كانت نظرتى للمواج أنها "موج بعد موج" ، بدلا من "موج من فوقه موج" ، لأننا نشاهد الأمواج بعضها بعد بعض ، وهكذا يأتى القرآن الكريم بتصوير أدق "موج من فوقه موج" . أيضا ، فلو لم أكن أمارس الغطس العميق ، ما كنت أحس بجمال الآية ، لآنه لا يحس المرء بالظلمة فى المياه الضحلة ... سواء البحيرة أو حوض السباحة ... لأن الضوء لا يمتص إلا فى الأعماق . وجمال هذه الآيات ، كما سبق أن ذكرت ، أن القرآن الكريم يمزج المحسوس بالمعنوى . دور التعقل : ".................. أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {44}" سورة البقرة يندبنا القرآن الكريم لأن ندرس تصرفاتنا وعقائدنا بشكل حاسم . خلاصنا هو فى البحث والإستسلام للحق . ومن أحد أهداف القرآن ، أن يكون منهاجنا فى تلقى تعاليم الدين ، بالفكر المنظم ، لنكتشف التناقضات فى تصرفاتنا وأفعالنا . نجد ذلك متناثرا فى الأمثال المعروضة ، والقصص المختلفة ، والدروس التى تناقش الصحيح والخطأ من الأفكار . القرآن يؤكد على أهمية البرهان والحجة والدليل ، فى أى نقاش ، وكمثال على ذلك ، بعضا من هذه الآيات ::: ( 1 ) وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {111} سورة البقرة ( 2 ) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ {148} سورة الأنعام ( 3 ) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34} أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {36} سورة الطور ( 4 ) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13} سورة النور ( 5 ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {113} سورة البقرة ( 6 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {47} سورة يس الآية الخامسة المذكورة أعلاه ، تذكرنا بالمثل الذى يقول "من بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة" . فى حين أن الآية السادسة ، لو تبنينا هذا المنطق المعوج ، فلن يكون هناك تكافل ولا صدقة ولا ترابط بين البشر وتعاطف . ( 7 ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} سورة الأعراف والآية رقم ( 7 ) من سورة الأعراف ، تعطى المثل الحى للمعاندين ، الذين تصل إليهم الرسالة والبراهين على صدقها ، فيبتعدون عنها حرصا على الدنيا : ( 8 ) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً {22} سورة الكهف وفى سورة الكهف ، يعطيك المثل فى ( 8 ) ، السطحية فى التفكير لبعض الناس ، واللجاجة فى سؤال أسئلة لا تسمن ولا تغنى من جوع ، فكون أصحاب الكهف ، ثلاثة أو أكثر أو أقل ، ماذا يفيد العلم بعددهم فى صلب الموضوع ؟ ( 9 ) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ {78} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ {79} سورة الأنبياء وفى هذه الآيات يوضح سبحانه وتعالى أن الإلهام للقضاء الصحيح ، يكون منه ، وذلك حضا لنا لنسأله الهداية فى كل الأمور . ( 10 )أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً {78} مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً {79} سورة النساء الآية رقم ( 10 ) هى درس لنا لنفرق بين الأفعال التى تعود "إلى الله" ، وتلك التى تأتى"من الله" ، فبينما نحن المسئولين عن أفعالنا ، فقدرتنا وما أودع فينا من فعل الشر ، هى من عند الله . لهذا ففعل الشر ينسب إلينا ، وليس إلى الله . فالشر فى هذا الكون ليس مطلقا ، بل له هدف معين "التمحيص" . هذا المفهوم ، يثير أمامنا موضوع من أهم العقبات بين الإيمان والكفر ، ويطل برأسه فى أيامنا هذه ، كما فرض نفسه فى الماضى . "الإيمان والسببية" أو "التسيير والتخيير" ، وسنناقشه فى الحلقة التالية . "مداخلة : بمناسبة ما ورد أعلاه من آيات ، فكثيرا ما أقف أمام هذه الآية الكريمة من سورة يس ::: "أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79}" سورة يس هذه الاية التى ترد بمنتهى العقلانية والقوة على منكرى البعث ، أنت أيها الإنسان ترى بعينيك كيف بدأت خلقتك "من نطفة" ، هذه النطفة الضعيفة تكونت عظاما ، ثم إنسانا ... فهل يعجز خالقك الذى أنشأك من ضعف ، أن يعيدك مرة ثانية ؟؟؟ ... وبقية الآيات التى تشير لخلق السموات والأرض ، التى لو قارنت نفسك بها لذهلت ، كم تساوى هذه الأرض التى تعيش عليها بالنسبة للكون الفسيح ؟؟؟ ، وكم تساوى أنت بالنسبة للأرض ؟؟؟ هل يعجز خالق هذا الكون من أن يعيدك كما بدأت ؟؟؟ ... كفاك تكبر وجهل ، وعد إلى خالقك وآمن به ، وآمن بقدرته ، وسبحه ليلا ونهارا لعله يرضى عنك" . يتبع
|
#3
|
|||
|
|||
![]() ( 11 )
|
#4
|
|||
|
|||
![]()
|
#5
|
|||
|
|||
![]() صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثانى القرآن الكريم حينما يقرأ أحدنا القرآن الكريم ، ويرى وصف شرائح من الناس كيف يفكرون وكيف يعملون ، والضياع الروحى لمعظمهم ، وقصص عينات كثيرة منهم ، يحدث له تغير ملحوظ . من هذه الصور ، ومن آيات القرآن ، ومن سوره ، يبدأ فى الذهن ظهور صورة واضحة . هناك فى نفسك يبدأ سطوع فجر جديد واضح حاد المعالم ، متغلغل فى جنباتها . يقترب منك القرآن دون أن تشعر ، ويصبح مرآة لنفسك ، ليظهر عيوبها ، وضعفها ، وألمها ، وخسارتها ، ويبين لك إمكانياتك وفشلك . ويخترقها بعمق ، ويأتى بها مذعنة لتقر ... بما كان مختبأ فيها من قبل ، ولكنه العند والجحود ... بأنه "لا إله إلا الله " . "مداخلة : أليس هذا تصديقا لقوله تعالى ::: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً {82} سورة الإسراء ..... يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {57} سورة يونس) على كل حال ، فالمعرفة ليست تماما كالإلتزام ؛ هناك ما زال حاجز من الخوف ، واعتقاد بالفصل بين الإيمان والتسليم . ولكن هناك آيات ترد فى القرآن تساعد المرء فى صراعه للإختيار بين البدائل . تأتى هذه الآيات كيد ممتدة من السماء إلى قلبك المضطرب وكأنها تتكلم مع روحك . حينما تريد أن تعرف بأن الله سبحانه معك ويسمعك ، يقول سبحانه لك : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186} .وحينما تشك ، فيؤكد الله لك أنه هناك أمل دائما ::: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53}وفى لحظات استسلامك لعظمته ، ومناجاته مناديا له ، قلقا من ذنوبك ، تتغشاك رحمته وأنت تناجيه ::: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ {193} رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ {194} فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {195}هناك آيات أخرى فى الكتاب ، تفتح أبواب التطهير الروحى والتوبة ، مثل ::: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286}وهناك آيات أخرى تؤكد لك أنه سبحانه لن يتركك إذا بحثت عنه . وأول مرة أقرأ فيها سورة الضحى ، أخذت بوعد الله لنا سبحانه وتعالى ، وبكيت ، ماذا سيحدث لى بعد نصف ساعة ؟؟؟ شعرت بأنى كالطفل التائه ، وأخيرا وجد والديه ، فالسورة تقول لنا أن الله لن يتركنا فى أى وقت سواء نهارا أو ليلا ::: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى {4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {5} أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى {6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى {7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى {8} فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11} سورة الضحى [COLOR=Brown"]"مداخلة : لفت نظرى هذا المفهوم الجديد ، وقد تعجبت منه لأول وهلة ، فهذه السورة الكريمة نزلت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور ، إلا أن من يقرأها لأول مرة ولا يعلم سبب نزولها ، كالكاتب ... وبتدبر وجهة نظره ... وجدت أن لها شيئا من الوجاهة ، فهناك قاعدة تقول أن التفسير يأخذ بعموم اللفظ لا بسبب النزول ، ومن إعجاز القرآن الكريم ، أن آياته يكون لها عدة معانى فى نفس الوقت ، أو فى وقت متقدم بعد أن يتقدم العلم ، ولا تتعارض هذه المعانى مع بعضها ، وهذا ليس لنظم آخر غير القرآن الكريم .[/color][COLOR=Brown"]نعم ، نحن نولد أيتام ، لا يرعانا أحد إلا بفضل من الله ، بغض النظر عن وجود الأب والأم !!! فهما لا شئ إطلاقا لولا رحمة الله سبحانه التى خلقت فيهم وأودعت الحب والعطف ، ولولا ذلك لما رعانا أحد ، فالرعاية التى تحدث لنا ، هى أصلا من رحمته سبحانه ، وهذا تفسير "ما ودعك ربك وما قلى" ، أى هيأ لك المناخ الذى لا يجعلك يتيما ... وإذا التزمنا بالآيات الأخيرة فى السورة ، فلا نقهر اليتيم ، ولا ننهر السائل ، ونتحدث بيننا بنعم الله سبحانه وتعالى علينا ، وأى نعمة هى أكبر من نعمة الإسلام ؟؟؟ ... حينئذ تكون آخرتنا فى الدنيا والآخرة ، أفضل من وضعنا الأول ، بمعنى أنه سبحانه يزيد الذين اهتدوا هدى ، فإذا أحسنت ، أحسن الله إليك . وإذا أتيته تمشى أتاك هرولة ، فأى جمال بعد هذا الجمال ؟؟؟" .[/color]وقد سبق أن قلت بأن القرآن الكريم ليس له بداية أو نهاية ، بمعنى أن مفاهيمه الأساسية يمكِن أَن تتحقّقَ بغض النظر عن ترتيب قراءتك له . ولكن بالنسبة لمن هو على وشك الإستجابة لندائه ، فالترتيب محورى ، فكلما تقدم فى قراءته ، كلما كان تأثيره عليه أشد عمقا وعاطفة . وكنتيجة لهذا ، كلما اقترب الإنسان للتحول فى مفاهيمه ، كلما وجد أن القرآن يستدعيه للمثول بين يديه . السور القصار فى آخره ، تركز النصح والتحذير . وبعد تنبيه أخير للثمن المرعب للتكبر والعند ، تأتى الثلاث سور الأخيرة لتعلمك ماذا تقول لخالقك بشوق . ثلاث مرات متتالية كلمات تفصل بينها سطور قليلة ، حاثا لك على أن تنطق وتعلن إيمانك ، قائلا ::: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} سورة الإخلاص ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} سورة الفلق ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" .إلى هنا يكون القارئ للقرآن ، قد وصل إلى حافة حياة والتزام جديدين ، معبرا عن هذا الوضع الجديد ... كما حدث لى فى مسجد الطلبة ... بالكلمات التالية : "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" . وبالنسبة لأولئكم الذين اعتنقوا الإسلام ، هذا القرآن يشهد على صفات الله سبحانه وتعالى ، الباقى ، الرقيب ، الرزاق ، الهادى . وكأن القرآن هو محيط رائع واسع ، تغريك موجاته المبهرة لتغوص فيه أعمق وأعمق . ولكنك لا تغرق فى ظلمات البحر ، ولكنك تجد نفسك فى خضم محيط من النور الإلهى والرحمة المهداة . وبعد إسلامى ، واظبت على أداء الصلوات فى المسجد فى جماعة ، وخصوصا صلاة المغرب والعشاء والفجر ، لأنها صلاة جهرية ، تخالف صلاة الظهر والعصر الغير جهرية . وقد أثار هذا الوضع انتباه أحد المشاركين فى الجماعة لأنه يعلم أنى لا أعرف اللغة العربية لأنها غريبة عنى . ولم أكن أعير أنا هذا الموضوع أى انتباه ، ولكنى كنت أرتاح لسماع القرآن الكريم بالغريزة ، "فلماذا يرتاح الطفل حين سماع صوت أمه ؟" بالرغم من أنه لا يفهم شيئا مما تقول ، ذلك لأم صوت يريحه ويسكن له ، صوت يعرفه من على البعد ويسكن إليه . هناك أوقات أتمنى أن أعيش فى حماية هذا الصوت للأبد ، ولكن المؤمن الجديد بالإسلام يعيش وينمو فى جو حقيقى من الإيمان . ( 17 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثالث رسول الله النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ............................... {6} سورة الأحزاب انتشرت الإشاعة بسرعة فى المدينة ، والجمهور الذى يغلى ويتململ ، يزداد فى القاعة كل دقيقة . وبالرغم من الإشارات فى الأيام القليلة السابقة ، وقد كانت هناك إشارات فى الفترة الماضية على الصدمة والرعب فقد كان زلزالا . قد يكون هذا الإختبار ، أشد من المعاناة التى يعيشوها ، أشد عليهم من هجرتهم ، من ملاقاة الكفار ، حتى من ملاقاة الموت ، وفى هذه المحنة كما كان عليه الصلاة والسلام فى كل المواقف -- قائدا ثابتا حكيما بروحانيته الكبيرة وشفقته، وإبتسامته المطمئنة، وطبعه اللطيف العطوف ، وروحه المرحة . "قم يا أبا تراب" ... يقولها متلطفا وهو يزيل التراب من على ابن عمه على رضى الله عنه . وبتواضع عميق واحترام للآخرين ، يفرش عباءته ويفسح مكانا للمرأة العجوز لتجلس . كيف ينسون مشيته الخشنة ، المحددة ، كأنه ينحدر من على تل ، أو حفيده وهو يركب على كتفيه وهو يؤمهم فى الصلاة ، كيف ينسون رعاية الله له فى كل المواقف ، فى الغار ، فى أحد ، وهو على المنبر . هذا غير معقول ، هكذا كان تفكيرهم !!! ماذا سنفعل الآن ؟؟؟ وقف سيدنا عمر رضى الله عنه ، شاهرا سيفه فى المسجد ، مرددا ، لقد كذبوا ، لقد كذبوا ، إنما ذهب للقاء ربه وسيعود ، كما ذهب سيدنا موسى ، وسأُعمل سيفى هذا فيمن يقول أنه مات !!! كانوا فى حيرة من أمرهم ، هذا عمر الذى كان يقول فيه رسول الله "إن الشيطان إذا مشى عمر فى فج مشى الشيطان فى فج آخر" ، يقول شيئا ، وها هم أهله يبكون فى الداخل ، من نصدق ؟؟؟ يا الله !!! الحقيقة تقترب منهم ، اللهم كن معنا فى هذه المحنة . كانوا كالطفل الذى يرفض التصديق برحيل أبوه . وبدأو فى الشك فى كلام عمر ، حتى حضر أبو بكر رضوان الله عليه ، مسرعا على فرسه ، واستأذن للدخول ، فقالت ابنته ، لا استئذان بعد اليوم ، ودخل على النبى صلى الله عليه وسلم ، انحنى وقبل النبى قائلا "طبت حيا وميتا يا رسول الله" ، ورفع وجهه ووضعه بين يديه باكيا ، وانحدرت دموعه على وجه رسول الله ، ثم خرج ، قائلا "اجلس يا عمر ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت" ، ثم تلا قوله سبحانه وتعالى : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ {144} سورة آل عمران ذهل عمر ، وجثا على ركبتيه ، مستقبلا هذه الفاجعة ، وكأنه لم يسمع هذه الآية إلا اليوم ، هنا ارتج المسجد بالبكاء والنشيج ، وانتقل الخبر إلى باقى المدينة ، فإذا بها فجأة تضطرب اضطرابا لم تعهده من قبل ، وإذا بموقفها من الحدث ، بالضبط عكس موقفها فى أول يوم رأت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هاجر إلى يثرب . ورغم الموقف الصعب ، فثبات الصديق فى أصعب الظروف ، أوحى للكثير بأنه أحق الناس بالخلافة السياسية للرسول (حيث أن النبوة لا تورث إلا بنص من الله) . مدة خلافة أبو بكر كانت محدودة ، فقد مات بعد سنتين من الرسول ، ولكن هاتين السنتين ، كانتا أصعب فترة مر بها المسلمون ، وكانت فى حاجة إلى قائد عبقرى ، يقود الأمة الإسلامية إلى بر الأمان . الوحى كان قد انتهى ، وتطبيق الرسالة فى مجالات جديدة وغامضة بدأ . التطبيق بدا سهلا لأن القائمين به من أصحاب الرسول عليه السلام ، قد كانوا مشبعين برسالته ، وبتربيته لهم مدة ثلاث وعشرون سنة الماضية . المثلان أمامهم ، القرآن الكريم وشخصية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم ، كانتا امامهم حية ، عايشوهما معايشة ، ولم يكونوا فى حاجة إلى البحث والدراسة فقد كانا جزءا من حياتهم . ولكن حادثين كبيرين واجها أبو بكر من البداية : القبلية ، والميل الإنسانى لتقديس الأشخاص ، وادعاء بعضهم بأنهم يوحى إليهم من الله ، والمتحول الغربى للإسلام ، يواجه مثل هذه المفاهيم ولكن من منظور مختلف بعض الشئ . بشكل ما ، فهو يجد أن المجتمع الجديد فى تقاليده ومنظوراته ، أجنبية عنه ، وفى نفس الوقت ، يجب عليه قبول شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام . بداية مع القرآن الكريم : الكتب المتداولة باللغة الإنجليزية فى الوقت الحاضر ، التى تتكلم عن الإسلام كعقيدة وممارسة ، قليلة جدا . نتيجة لهذا ، فالصلة الأولى للمسلم الأمريكى ، والغربى ، بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تأتى إلا من القرآن الكريم وما معه من تفاسير . وهذا بالتأكيد مناسبا ، فالقرآن هو دائما ينبوع الإيمان للمجتمع الإسلامى . اليهود والنصارى ، يتوقعون من الكتاب المقدس عند المسلمين أن يكون غالبه عن رسول الله وصحبه . والحقيقة أنه غير ذلك ، فاسم الرسول ذكر فى القرآن أربع مرات فقط ، فى حين ذكر اسم سيدنا عيسى خمسة وعشرون مرة ، كما ذكر اسم سيدنا موسى 136 مرة . وكما ذكرنا فى الفصل السابق ، فالقرآن أساسا ، لمن يقرأه ، يجده يركز على العلاقة بين القارئ وخالقه سبحانه وتعالى . نعم هناك إشارات تاريخية تتعلق بزمن الأنبياء ، ولكن الإخبار عنها كان غامضا تاريخيا ، لأن العبرة المقصودة هى بالأحداث والصراعات الإيمانية ، لا بالتواريخ . وهذه الصراعات قد تحدث للمجتمعات المختلفة فى أى وقت . مع هذا ، فهناك لمحات قرآنية عن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، مشاعره ، وآماله ، وأحزانه ، بل وبعض أخطائه ، لتعطى صورة عن شخصيته عليه السلام . نظرتنا للنبى ، لن تكون كهؤلاء المستشرقين الذين يبحثون عن الدوافع النفسية والمادية ليفسروا من خلالها الوحى . ولكننا سنتكلم من خلال اقتناعنا ، بأن القرآن الكريم وحى من الله سبحانه ، لأن هذا هو الطريق الصحيح الذى يتوصل إليه من هدى إلى الإسلام : فالإقتناع بالقرآن يسبق الإقتناع يالرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا سنوضح الصورة التى يريدها لنا القرآن الكريم لمعرفة شخصية رسول الله . أول هذه اللمحات هى ماجاء فى آية سورةالكهف ::: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110} سورة الكهف هناك القليل جدا فى القرآن الكريم ، الذى يمكن أن يصف الرسول عليه الصلاة والسلام ، باكثر من أنه مبعوث بالرسالة . لقد سبق لنا ذكر الآية التى رددها أبو بكر للجمع ، حين وفاة الرسول ، وهناك آيات أخرى تنحو هذا المنحى ::: ( 1 ) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49} سورة يونس ( 2 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ {38} سورة الرعد ( 3 ) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً {90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً {92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً {93} وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً {94} سورة الإسراء ( 4 )وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً {7} سورة الفرقان ( 5 ) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً {75} سورة الإسراء يوازى القرآن الكريم بين الرسول ، والرسل من قبله عليهم الصلاة والسلام ، فهم كلهم بشر ، يسرى عليهم ما يسرى على البشر ، كا جاء فى هذه الآيات ::: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ {9} سورة الأحقاف قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {11} سورة إبراهيم تسرى عليهم العاطفة الجنسية ، كما حدث بين سيدنا يوسف وامرأة العزيز ، "مداخلة : الآية فى سورة يوسف عن الهم به والهم بها ، يحاول بعض المفسرين أن يخرجوها عن سياقها ، بطريقة أو أخرى ، ليبرئوا سيدنا يوسف عليه السلام ، ولكن التدبر فى نص الآية لا يخرجه عن بشريته ، فالذى منعه من السوء والفحشاء هو رؤية برهان ربه ، فكلمة لولا تدل على ان هناك شئ منعه ، ومنعه من ماذا ؟؟؟ أليس من السوء والفحشاء كما جاء بنص الآية ؟؟؟ ، هذا إضافة إلى طلبه من الله سبحانه وتعالى أن يحميه من كيدهن ، وإلا كان من الجاهلين ... قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {33} سورة يوسف" . كذلك حبهم لمتاع الدنيا ، كما جاء وصفا لسيدنا سليمان عليه السلام ::: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص[B]وفى قصة سيدنا موسى والخضر ، البحث عن العلم والمعرفة ممن هم أكثر علما ، كذلك عدم الصبر إذا غمض عليهم شئ . والغضب ، حينما قتل المصرى ، وغضبه من قومه حينما عبدوا العجل . والضيق ، حينما أبق سيدنا يونس من قومه فالتقمه الحوت وهو مليم . واتباع الهوى ، كحكم سيدنا داوود لمن له نعجة واحدة ضد أخيه . والقلق والخوف ، حينما بعث سيدنا موسى ، فخاف من أن يقتله فرعون انتقاما للمصرى الذى قتله . وهم ككل البشر ، يرجون هداية الله سبحانه وتعالى ، ومغفرته . والآيات الدالة على ذلك كثيرة ( الأعراف - 151 .. القصص - 16 .. ص - 24، 25 .. ص -35 .. الأنعام - 77 ) . " مداخلة : أضيف هنا ، موقف سيدنا نوح فى مراجعة الله سبحانه ، فى مسألة غرق ابنه ، وهذا يدل على عاطفة الأبوة ، رغم أن ابنه كان من الكافرين ، وهنا عاتبه الله على هذه المراجعة ، بقوله ( .... إنه عمل غير صالح .... ) ، وحسب سياق الآية ، فالعمل الغير صالح ، هو هذا السؤال لله ، بعد أن قضى الأمر ، والدليل على ذلك ، أن سيدنا نوح عليه السلام ، سارع فى التوبة من هذا السؤال قائلا ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ {47} سورة هود ) ، فطلب المغفرة والرحمة هى من السؤال المتسرع والذى يعتبر مراجعة لله فى أمر قد قضاه " . كل هذه اللقطات ، لتبين أن الرسل عليهم الصلاة والسلام بشر ، وأن تكريمهم من الله ، لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ، فلا يصح أن يؤلهوا " . طبيعة الرسول الإنسانية ، تتضح أكثر فاعلية ، فى الآيات التى تتكلم عن تطلعاته النفسية والروحية ، بالإضافة إلى الأحداث اليومية فى حياته . ويقوم علماء المسلمين فى البحث عن مثل هذه اللمحات ليقربوا إلينا بشريته عليه السلام . ومن غير المعقول أن يكون تعرضه ، عليه السلام ، فجأة لنور الوحى لم يؤثر على وجدانه وتفكيره فى نفسه . حتى أنه قال للسيدة خديجة حال عودته من الغار ( أى خديجة ما لى لقد خشيت على نفسى .. فأخبرها الخبر ) ، إلى أن طمأنه سبحانه وتعالى بما جاء فى سورة الضحى ، وبشره برفع ذكره كما جاء فى سورة الشرح . وفى سورة القلم " ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ {3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} " . كما نرى فى عدة مواقف ، تصحيح الله له لما بدر منه ، كما جاء فى سورة عبس وتفضيله علية القوم من قريش على ابن أم مكتوم ، وسورة الأحزاب ، عن زواجه ببنت عمه زينب ، بعد طلاقها من زيد بن حارثة الذى كان قد تبناه سابقا ، وما جاء فى سورة التحريم ، حينما فضل مرضاة أزواجه وحرم ما أحل الله له . ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر . ( 18 ) صراع من أجل التسليم للإيمان ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحيث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر . فالمقابلة بيننا وبينهم أنهم حالة استثنائية , فكما أنهم مجتبين من الله ، فهم أخيار :Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثالث رسول الله إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {47} سورة ص وعلى درجة عالية من النقاء الإنسانى : وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ {85} سورة الأنعام كما أنهم ْمُخْلَصِينَ : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} سورة يوسف ومقربين : وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً {52} سورة مريم ومفضلين عن العالمين : وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ {86} سورة الأنعام أما عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالخصوص ، فله منزلة سامية رفيعة : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21} سورة الأحزاب وقد وصف بالخلق العظيم : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} سورة القلم وهو يستحق منا كل التبجيل والإحترام ، وكما صلى عليه سبحانه هو والملائكة ، فقد أمرنا بمداومة الصلاة عليه ، وهذا رفع لذكره كما وعده سبحانه فى سورة الشرح ، فذكره لا ينقطع على مدار الساعة من أتباعه ، عليه السلام . وحتى فى حالة ما إذا وقع الرسول فى خطأ ولامه الله عليه وتاب منه ، فإن ذنبه هذا لا يكون تجاوزا متعمدا لما يريده الله منه ، بل هو خلط مؤقت بين مهمته المقدسة ومشاعره وتطلعاته الشخصية . وهذا الوضع من الصعب جدا أن يتجنبه الشخص العادى فهو معذور فى ذلك . لكنه سبحانه يطالب الرسول بمعايير مثالية فى تصرفاته ، ويوضح القرآن الكريم هذا الخيط الرفيع بين الإثنين . فقد لام سيدنا سليمان نفسه حينما شغلته الدنيا عن ذكر ربه ... " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {30} إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص" . كما أن حكم سيدنا داوود عليه السلام المتسرع ، فى اللذين تسوروا المحارب ، كان سببا فى أن يلومه الله عليه ، فالعدل هو أن تتاح الفرصة للمتخاصمين لعرض وجهات نظرهما . وغضب سيدنا موسى الشديد من أخيه هارون واتهامه بالتقصير حينما عبد بنو إسرائيل العجل ، ولم يترك له فرصة للدفاع عن نفسه ، وكذلك سيدنا يونس حينما أبق إلى الفلك بعذ أن خذله قومه ولم يؤمنوا برسالته ، وتصرف بدون إذن من الله . كل ذلك لحرصهم على الدعوة والإحباط الذى يواجهونه حينما يكذب بها المكذبون . وليس من حقنا أن نلوم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا اتخذ مواقف ضد التعصب ، أو كان متحمسا لنشر الدعوة ، أو اتخذ مواقف عائلية بين زوجاته ، من وجهة نظره هو . فهذه المواقف الإنسانية الصرفة ، حينما تحيد قيد أنملة عما يرتضيه الله سبحانه له ... الذى قال لرسوله "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} سورة الطور" ... يسارع الوحى بتصحيحه ليكون القدوة للمسلمين ، فيقول له "عبس وتولى ....." .. "لم تحرم ما أحل الله لك ....." .. "عفى الله عنك لم أذنت لهم ...." .. "... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ..." ، وهكذا ، تحرسه عناية الرحمن فى كل خطواته . وهكذا نرى القرآن الكريم يصف الأنبياء وصفا دقيقا لا مغالاة فيه ، فهم معصومون من الذنوب الكبيرة ، وذلك ليس كما فعلت التوراة التى نسبت إليهم كل نقيصة وشوهت صورتهم الحقيقية ، وأتباع الإنجيل ، الذى وصل بهم الأمر إلى تأليه سيدنا عيسى عليه السلام وغالوا فيه غلوا أخرجه من البشرية ، بالرغم من أن بشريته واضحة كل الوضوح فى نفس الأناجيل . وهكذا فالتفريط من جانب التوراة ، والإفراط من جانب النصارى أدى إلى تشويه الصورة الفعلية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام . اتقد البعض الإسلام بعدم واقعيته الإيجابية ، وعدم اعترافه بشكل كاف ، بضعف الإنسان وميوله المتأصلة نحو الشر . ولو راجعنا الكلام السابق ، فالإسلام ، وبخاصة القرآن الكريم ، يضع فى اعتباره كاملا نزوع الإنسان لتحطيم نفسه ، وهذا الأمر ليس هو كل رسالة الإسلام . هداية الوحى ، ليس فقط ليجعلنا واعين لمشاعرنا المختلفة ، وذكر نعم الله سبحانه علينا ومغفرته لذنوبنا ، ولكن هذه الهداية أيضا لتشجعنا على التغلب على ضعفنا هذا وإصلاح أنفسنا . وبالرغم من هذه الأمور من الصعوبة علينا ، إلا أنه يحثنا على عدم فقد الأمل والمحاولة تلو المحاولة . الإستسلام لله يكون على خطوات ويحتاج إلى الصراع المستمر . فسبحانه يوضح لنا فى القرآن الكريم ، أنه لا يطلب منا المثالية ومحاربة رغابتنا وشهواتنا ، تك الأمور التى لم يطالب بها المصطفين من عباده . بالأحرى ، يجب أن نكون مطمئنين من حب الله لعباده ، ويطلب من الجميع أن يقدموا أنفسهم طوعا لإرادته . يلاحظ بعض المتحولين الجدد للإسلام من الغربيين ، أن ما ذكر عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى القرآن الكريم ، مختلف كثيرا عما هو فى كتب السيرة وبعض التفاسير وخطب الجمعة الأسبوعية . وحرى عن القول ، أن المرء يرى صورة مختلفة عما ورد فى القرآن . فالقرآن يركز على صفات معينة للنبى عليه الصلاة والسلام ، بينما المصادر الأخرى تتكلم عن معجزاته عليه السلام ، وتفاصيل انتصاراته فى الغزوات ، وقيادته العبقرية ، والطاعة الثابتة من أتباعه ، ونشر القواعد والأسس للدين ، والروحانية العظيمة له . وهذه هى السمات التى تؤثر فى الناس ، خصوصا المسلمين الأوائل ، وذلك لأنها تؤكد لهم أنه هو النبى المرسل من عند الله . على كل حال ، فحينما نقرأ القرآن يتضاءل لدينا الغموض ، وتتضح لنا صفات رسول الله ، ونرى أمامنا إنسان ... يستحى من ضيوفه حينما يطيلون المكوث عنده "سورة الأحزاب الآية 53" إنسان يعامل أصحابه بعد أحداث غزوة أحد باللين ، ليس فظا غليظ القلب "سورة آل عمران الآية 159" يبحث عن الأعذار للآخرين "سورة التوبة الآية 43" والذى يستغفر لأعدائه حتى نهاه الله عن ذلك "سورة التوبة الآية 80" وصف بأنه رؤوف رحيم "سورة التوبة الآية 128" وصف بأنه رحمة للذين آمنوا "سورة التوبة الآية 61" ورحمة للعالمين "سورة الأنبياء الآية 107" وتلهفه الشديد واهتمامه لنجاح دعوته ، وحرصه على مصير أتباعه "سورة النحل الآيات 37 ، 127 وسورة الكهف الآية 6" للدرجة التى أدت إلى تذكيره مرارا بأن مهمته فقط هى توصيل الرسالة "سورة الأنعام الآية 107 .. سورة هود الآية 12" . وأن هداية الرسل هى البلاغ ، وهداية التمكين هى لله سبحانه وتعالى فقط "سورة البقرة الآية 272" . وأنه ليس فى إمكانه هداية من يحب ، وأن الله يهدى من يشاء "سورة القصص الآية 56" . هذه بعض اللمحات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى وردت بالقرآن ، ولكنها نقاط رئيسية تبين شخصيته عليه السلام . الرغبة فى معرفة المزيد عن هذه الشخصية ، بطريقة أكثر قربا منه ، فى الواقع لا تقاوم ، خصوصا من أولئكم الذين عاشوا فى ظل الكتب السابقة ، حيث احتل الأنبياء مواقع مركزية . لايخوض القرآن فى تفاصيل دراماتيكية عن الصراعات الداخلية للرسول ، بل يتركنا بتلميحات وإشارات مختصرة . لانرى بوضوح مشاعره الداخلية من خوف وألم وشكوك ، كما نراه فى الإنجيل عن سيدنا عيسى عليه السلام حينما كان يحارب الرغبة فى الصحراء "متى : 4 .. لوقا : 4" ، أو أثناء الليل فى "جيثسمان" قبل القبض عليه "متى : 26 .. مرقص : 14 .. لوقا : 22" ، أو فى معاناته الأخيرة على الصليب "متى : 27 .. مرقص : 15 .. لوقا : 23" . وحتى فى المصادر الأخرى الإسلامية من كتب السيرة والحديث الشريف ... والتى سنناقشها فيما بعد ... نتعلم منها بياناته وردود أفعاله ، ولكن نادرا أفكاره الخاصة الداخلية . ما أعنيه ، أننا نادرا ما نجد أنفسنا منفردين مع النبى عليه السلام ، وقد أتيح لنا نعمة الإحساس بشعوره الداخلى . وبدلا من ذلك ، نجد أننا نعرفه من خلال وسيط ثالث ، إما عن طريق الله سبحانه وتعالى كما ورد بالقرآن الكريم ، أو عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم . ربما كان هذا الوضع مقصودا فى ذاته ، حتى لا نفعل كما فعلت النصارى مع نبيهم ، وأن يكون توجهنا خالصا لوجه الله الكريم . وهذا يوضح جزئيا ، لماذا كان الرسول دائما يخاطب بصفته الرسول أو النبى . وفى المسجد بعد عام من نطقى للشهادة ، وبعد أن صرت ومحمود أكثر من أصدقاء ، فقد كنا إخوة فى الإسلام . ذهبنا لسماع خطبة فى هذا المسجد بـ "Fairfield" ، حيث كان مبنى صغيرا يشرف عليه مجموعة صغيرة من الطلاب المسلمين وقد تحول إلى مسجد . وقفنا بالخارج مع مجموعة كبيرة من الحاضرين ، وقد كنت أنا ومحمود فقط الذين يرتدون الملابس الإفرنجية . وقد وجدنا مكانا على الأرض لنجلس فيه . وقد أوصى المحاضر المستمعين بأن يكونوا فى إيمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وقد قص عليهم هذه القصة . قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدويا فى الصحراء ، فدعاه للإسلام ، فقابله البدوى بالرفض والعناد ، وقال له ، "هل هناك من يشهد لك بالنبوة ؟" ، ولم يكن هناك أى شخص إلا على بعد أميال ، فأشار الرسول إلى شجرة قريبة ، وقال هذه تشهد لى ، وفى الحال انخلعت الشجرة من على الأرض وتقدمت من رسول الله والبدوى ينظر إليها برعب ، ثم صرخ "أشهد أنك رسول الله" ونطق بالشهادتين . رأى محمود فى عينى الضيق ، وحاول معالجة الأمر بعد المحاضرة ، قائلا ، أنه من الطبيعى ليس الحاضرون هم كل المسلمون . بالطبع كان كثير من الحضور مبهورون بالمحاضرة وبمثل هذه القصص التى ذكرت فيها ، فقد كانوا يُتْبعونها بتهليل وإعجاب شديدين . ولكنى شعرت بأن كلمات محمود كانت نوعا من الإعتذار الغربى ، وليس إعتذارا إسلاميا . من وجهة نظرى ، أن مثل هذه القصص تناقض الغرض الذى أراده القرآن الكريم . فالقرآن يريد لنا أن نؤمن بإعمال عقولنا ، وليس بمثل هذه الخوارق الطبيعية "مداخلة : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .... طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {3} إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ {4} سورة الشعراء ... وإليكم هذا الرابط الذى يفرق فيه فضيلة الشيخ القرضاوى بين الحقيقة والمغالاة فى نسبة المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... https://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1122528600456&pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaAAskTheScholar" . وكان مما قاله محمود لى بدبلوماسيته المعهودة ، "من نحن لننكر شرعية ما يراه الآخرون إذا تعارض مع رأينا ؟" . هذا الموقف جعلنى أشعر ... بأنه من صالحى أنا ... لابد أن أفهم موقع الأحاديث النبوية فى حياة المجتمع الجديد . كنت على وشك الدخول فى متاهات من التشويش ، والخلط ، والشك ، وكان يجب على أن أكتشف ما أنا فيه ، بطواعية وببساطة ، حيث المجال ضيق للهواجس . يوجه المستشرقون السهام لعلم الحديث الشريف ، وللأسف فإن البحوث المقدمة من علماء المسلمين ، سواء الأصلية ، أو المترجمة للغة الإنجليزية ، لمقابلة هجومهم ، غير كافية . والحاجة لمثل هذه الأبحاث ، هامة جدا للمسلمين الجدد الذين يعيشون فى الغرب ، حيث أن هذا الموضوع يلعب دورا فاعلا لربطهم بالمجتمع الإسلامى ، ولمقابلة التحديات التى تواجههم ، ولصيانة أنفسهم من المحيط الذين يعيشون فيه . ( 19 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثالث رسول الله "مداخلة : أحب أن أُذَكر ، بأن هذا الكتاب أصلا موجه إلى الغربيين من المسلمين الجدد أو من غير المسلمين ، ليغطى مساحة مفقودة فى الإتصال بهم . وهو بالنسبة لنا يمثل مجالا خصبا للإطلاع على نوعية من المسلمين الجدد حينما يباشر قلبهم حلاوة الإيمان ، فاندفعوا للدعوة التى آمنوا بها ، والبحث عن النقاط التى تشكل صعوبة لفهم مواطنيهم ليوضحوها لهم . كما أننا نجد فى الكتاب نقاط رائعة تخفى علينا لأننا ولدنا على الإسلام ، ولم نعرف الأديان الأخرى بالتفصيل ، لنفهم ما فهموه هم منها ، سواء سلبا أو إيجابا ، ويكون فهمنا لهم سببا فى التواصل معهم لنصل إلى عقولهم ، ومن ثم قلوبهم ، ونكون عونا لهم على الثبات على الحق الذى آمنوا به" .* الحديث .. السنة .. السيرة : قال عبد الله بن سلام ، عن الزبيدي : قال عبد الرحمن بن القاسم : أخبرني القاسم : أن عائشة رضي الله عنها قالت : شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( في الرفيق الأعلى ) . ثلاثا ، وقص الحديث . قالت : فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا ، فردهم الله بذلك . ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم ، وخرجوا به يتلون : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - الشاكرين } . المذكور أعلاه هو مثل للحديث الشريف ، وجمعه "أحاديث" ، ومجموعها مجال آخر للمعرفة ، حيث كانت موضوعا لدراسة مستفيضة من علماء المسلمين وغير المسلمين ، منذ العصور الأولى للإسلام . المعنى الأساسى لكلمة "حديث" ، هو "جديد" ، فإذا بحثنا عن معنى الكلمة كنوع من الإتصال ، فيكون معناها "تقرير" أو "بيان" ، عن قول شخص ما ، أو عن شئ حدث ونقله إلينا شهود رأوه أو سمعوه من مصادر موثوق بها . وبالنسبة لعلماء الإسلام ، فعلم الحديث ينحصر فى دراسة أقوال وأفعال وإقرار ، رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعتبر هذه الأحاديث هى المصدر الثانى من المصادر التى يرجع إليها المسلمون "القرآن الكريم هو المصدر الأول من هذه المصادر" . كلمة "سنة" أدبيا تعنى "طريقة" أو "المسار المتبع" . وبالنسبة لرسول الله ، فهى تشير إلى أمثلة عن حياته ، ونماذج من تصرفاته ، وهى بذلك مرتبطة جذريا بالأحاديث ، فمن خلال الأحاديث أساسا ، نعرف أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقواله . "السيرة" ، هى السيرة الذاتية للرسول . غير أننا سنركز حاليا على "الحديث" . حسب الحديث الشريف الذى ذكر أعلاه كمثل ، نجد أن كل حديث ينقسم إلى جزئين : الجزء الأول هو الإسناد ، والثانى ، هو المتن (أى النص) . والمختصين من المسلمين اهتموا بهذين العنصرين اهتماما شديدا . وكمثال ، فنظرتهم لحديثين بنفس المتن ولكن الإسناد يختلف ، فيكون تصنيفهما مختلفين من ناحية التوثيق . ويلاحظ فى العناية بالإسناد ، الإنتباه الدقيق لطريقة انتقال الحديث من مرحلة لمرحلة أخرى ، وذلك لكى يتأكد المسلمون من صحة النقل ، والضبط ، والسلامة ، والثقة فى الأفراد المنقول عنهم الحديث . وهذا الإنطباع دُعم نتيجة للمجهود المخلص من الأتقياء ، أمثال "البخارى" و "مسلم" ، الذين كانوا يقطعون المسافات البعيدة للتأكد من صحة الحديث ، وقد لاقوا الصعاب فى سبيل تحقيق النصوص ، والتأكد من السلسلة التى تروى الحديث . إن المجموعة التشريعية التى نتجت فى القرن الثالث فى العصر الإسلامى ، سميت بأسماء هؤلاء الذين جمعوا الحديث الشريف : "صحيح البخارى" و "صحيح مسلم" و "سنن أبو داوود" و "جامع الترمذى" و "سنن النسائى" و "سنن ابن ماجه" . فى حين أن هناك كتب أخرى لها اعتبارها ، كـ "سنن الدارقطنى" و "سنن الدارمى" ، وينظر كثير من المسلمين إلى الكتب الستة الأول بأنها أصح الكتب ، وأصحها على الإطلاق ، صحيحى البخارى ومسلم . من أحد أسباب عمل هؤلاء المحدثين الكبار ، الصراعات والجدل الذى بدأ فى نهاية القرن الثانى من الهجرة ، فقد ملئت الساحة بالأكاذيب والإفتراءات السياسية منها ، والقصص المفبركة ، والمبالغات فى شخصية الرسول كما هى عادة البشرية فى عظمائها ، وظهور الفرق والنحل وتعصب كل لرجاله ، ونسبة كل ذلك للرسول لتدعيم كل فريق لقوله . كل ذلك وصل لدرجة وضع الأحاديث على لسان رسول الله والكذب عليه ، حتى أن ما جمعه البخارى كان حوالى 600 ألف حديث ، لم يعتمد منها غير 2,602 حديث فقط (غير المكررة منها) . هذا وضع محير جدا ، ولو أن البخارى لم ينف أن تكون هناك أحاديث غير التى أوردها يمكن أن تكون صحيحة . وقد كان البخارى حينما يعتمد حديث ما ، فإنه ربما رفض أحاديث أخرى بنفس المتن ، ولكنه لم يعتمد إسنادها حسب القواعد التى عقدها لقياس صحة الإسناد . فبالنسبة له ولجميع المحدثين ، فقد كان الإسناد له الأولوية فى تقييم صحة الحديث . فلكى يعتمد الحديث صحيحا ، لابد أن تكون سلسلة الرواة قوية وجديرة بالثقة ، ولا توجد عيوب بها مخفية . فمثلا عند البخارى ، إذا ثبت عنده أن راويين لم يصادف أن لاقى بعضهم البعض ، فلا يأخذ بالحديث المروى عنهما . وقد أدى هذا البحث فى القرن الثانى الهجرى فى الأسانيد ، إلى دراسة أحوال الرجال ومدى تقواهم ، وصدقهم ، وتصرفاتهم ، وذكاؤهم ، وأدى هذا إلى نشأة علم يسمى "أحوال الرجال" ، تطور إلى علم مستقل غنى بالمعلومات عن رواة الأحاديث ، حتى أن "سبرنجر Sprenger" سماه "الأدب المحمدى المجيد The Glory of Muhammadan Litrature" . يقسم علم الحديث ، الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية : "الصحيح " ، "الحسن" و "الضعيف" . وهذا القسم الأخير ، ينقسم إلى "المعلق" ، "المقطوع" ، "المرسل" ، "الموضوع" ، وذلك الذى به خطأ فى الإسناد أو المتن ، ويسمى "المُصَحَّفْ" . كذلك تقسم الأحاديث حسب سلسة الرواة خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة . فالحديث المتواتر ، هو الحديث المنقول عن جمع من القرون الثلاثة الأول لا يشك كثيرا فى نقلهم . أقل عدد للتواتر هو سبعة ، وقد يصل إلى السبعين . والأحاديث من هذا الباب قليلة . وهناك الحديث "المشهور" ، وهى أكثر من السابق ، ورواتها من اثنين إلى أربعة من الرواة من القرن الأول ، وعدد كبير من القرنين التاليين . هذان النوعان عليهما يحتلان موقعا هاما فى التشريع منذ الأيام الأولى للإسلام . وأحاديث الآحاد التى رويت بواسطة أربعة رواة أو أقل فى القرون الثلاثة الأولى ، يعتبرا مع هذين النوعين ، وذلك بناء على مناقشات من "الإمام الشافعى" ، المصدر الثانى للتشريع السنى فى الإسلام . من هذه المقدمة المختصرة ، يشعر المرء بالضخامة والتعقيد لهذا العلم القديم ، وللأسف كما يقول "الصديقى" ، فالخبراء هذه الأيام فى هذا العلم قليلون : وفى الحقيقة ، فإن هذا العلم بالهند (على ما أعرف) ، وفى الدول الإسلامية ، قد تحول لمجرد أمور شكلية . فالقليل من العلماء يتبحرون فى "أسماء الرجال" - وهو من أهم العلوم لمعرفة الأحاديث . والمتحولون الجدد للإسلام ، يجدون تناولهم للأحاديث أقل بكثير من تناولهم للقرآن الكريم . وهذا ناشئ عن عدم وجود خبراء فى هذا المجال ، ومعلوماتهم تأتى من ترديد بعض المسلمين للأحاديث لمجرد أن يبرهنوا على رأى معين أو سلوك معين يمارسوه . والأمر بهذا الشكل أكثر تعقيدا للمسلمين الجدد . فهم قد أتوا من النصرانية أو اليهودية ، وقد رفضوا إرثا موازيا لم تستسيغوه عقولهم ولا يقبله العلم الحديث ، وقد كانت هذه الأمور مقبولة إلى فترة قريبة ، كذلك من الصعوبة بمكان أن تهمل انتقادات علماء غربيين ، نجحت فى كشف تناقضات فى الكتب المقدسة ، التوراة والإنجيل ، ووصلت إلى استنتاجات مماثلة وردت بالأحاديث الشريفة الموجودة ببعض كتب الأحاديث ، مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كذلك من الصعب بالنسبة لهؤلاء المسلمين الجدد ، ألا تناقش فى صحة مثل هذه الأقوال الغير مستساغة وغير معقولة التى تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام . وفوق كل هذا ، فيتوقع من المسلم أن يقبل بكل الأحاديث التى اعتمدها السابقون وعلماء المسلمين المعاصرين بأنها صحيحة وهى تقارير دقيقة عن أقوال وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام . هذا يضع كثير ممن أسلموا فى وضع غير مريح لتبرير ما يواجهون ، ثم يعتقدون به ، وليس مقبولا منهم أن يسألوا عنه ، وهم يجدون صعوبة فى الإيمان به ، فيلجأون إلى عمل موازنات للوصول إلى الحقيقة . فيما يلى سنناقش هذه الصعوبات واحدة بعد الأخرى ، مبتدئين بالمقارنة بين الحديث الشريف والإنجيل . الإنجيل والحديث الشريف : يعتبر أكثر الكتاب المسلمين وغير المسلمين أن القرآن الكريم والكتب السابقة ، مختلفة خصوصا من الناحية الأدبية ، والأصالة ، وطريقة وصولها إلينا . نفس الشئ يمكن أن يقال عن مجموعة الأحاديث والتوراة ، فبينما الإختلافات ليست بنفس الكثرة كما فى الحالة الأولى ، إلا أن تعددها لا يشجع على الإستمرار فى المقارنة . وبينما يقول بعض الكتاب بأن التشريعات فى مجموعة الأحاديث والإنجيل فيها تشابه ، إلا أن البحث الدقيق فيهما يكشف عن اختلافات هامة كثيرة . فى الحقيقة فكليهما يعمل على هداية أتباعه فى الأمور الدينية ، وتحتوى على تعاليم نسبت إلى مصادر إلهية للرسل المجتبين . بالإضافة إلى أن كل تشريع أسس منذ عدة قرون ويسرى بين أتباعه فى حياتهم ، ويعتمد على الشهادات المنقولة من جيل لجيل ، منذ ذلك الوقت . ولمزيد من الفهم ، فإن الدوافع وراء تجميع كلا منها ونفس طريقة التجميع مختلفة . أولا : لقد كان المعاصرين لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متأثرين بعمق بالرسالة ، وهذا طبيعى فى كل التجمعات الإنسانية ، وهذا ما جعلهم يجمعون ما يستطيعون من معلومات عنه ، أدت إلى حركة ثورية فى المجتمع . ثانيا : أقواله كانت مصدرا مهما لتفسير القرآن الكريم . ثالثا : مع مرور الوقت ، وانتشار الدولة الإسلامية ، ظهرت مشاكل قانونية متعددة ومعقدة ، شك الحكام فى مقدرتهم على حلها ، وكان لا بد من توضيحها بناء على هدى النبوة . دوافع كتابة الإنجيل كانت مختلفة عن تلك الظروف . وكما هو المعهود فى كل الأنبياء ، فقد كانت توصيات عيسى عليه السلام تصب فى تغيير جذرى . وعلى كل حال ، يمكننا القول بأن تعليماته كانت أخلاقية وروحية ، ولَم تتضمن القواعدَ والمؤسساتَ الفعليةَ لحكم مجتمعِه. طَلبَ إصلاحاً، لكن لَيسَ إعادة صب النظام الإجتماعي الحالىِ . *وقد يمكننا التكهن فى أى اتجاه كان سيسير المسيح لو بقى فترة أطول على الأرض ، وهذا مجرد افتراض . ربما كان سيؤكد على الروحانيات الداخلية ، وتغليبها على الأمور الخارجية ، وهذا مختصر بعثته ، وربما لسبب ما ، لم تسجل أقواله وأفعاله . وحسب معلومتنا ، لم يترك سيدنا عيسى أى كتاب مقدس يمكن ترجمته . فالكنائس النصرانية الأولى كانت تعيش تحت حكومات عدائية ، تعليم الإيمان الجديد ، وتصحيح بعض الإنتهاكات ، لا مجهود حقيقى لبناء رسمى وشامل يعتمد على تعليمات المسيح . والمجهود الذى قام به الكتاب النصارى الأوائل لم يشر إلى الأقوال الفعلية للسيد المسيح . ومع بداية القرن الثالث الهجرى ، بلغ الحديث شأوا بعيدا وتأثيرا قويا ، على الأقل فى مجال القانون ، وثبتت الأحاديث الصحيحة وصارت المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم ، وأصبح الرجوع إليها مفضلا عن "القياس" ، و "الرأى" المستقل . واستجاب مؤلفوا الكتب الستة وآخرون لهذا التوجه ، فبدؤا فى تبويب كتبهم لسهولة الرجوع إليها لتأصيل الشريعة والوصول إلى الأحاديث الصحيحة ، وعنوا بذلك أشد العناية . نحن هكذا نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة . ( 20 ) صراع من أجل التسليم للإيمان بالنسبة "لعلم الحديث الشريف" ، فنحن نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة . وكما هو منصوص فى "أكسوفورد الجديد" ، كتذييل للعهد القديم بأنه قد "حرف" ، أما العهد الجديد "الإنجيل" فله وضع آخر سنبينه :::Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثالث رسول الله لماذا ، كيف ، ومتى ... جمعت الكتب الحالية للأناجيل فى مجموعة واحدة ؟؟؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها وذلك لقلة المعلومات الصحيحة . هذا يبرز اختلاف أساسى بين الشريعتين ، فشريعة الأحاديث النبوية ، فى القرن الثالث الهجرى كانت نتيجة تحقيق علمى منظم ودقيق ، بينما الفحص المقارن للأناجيل لم يبدأ إلا بعد 150 عاما بعد جمعه . ومع هذا ، فقد بحث المستشرقين فى مدى صحة هذه الأحاديث ، وهذا ما سنفصله قريبا . كذلك ، فمحتويات وشكل هذين الجمعين مختلفين تماما . يمكن أن نقسم الإنجيل إلى قسمين متمايزين : الإنجيل والرسائل . الرسائل الإنجيلية قد كتبت بواسطة معلمين من الكنيسة النصرانية المبكرة ، للتزويد بالمعلومات والحض على تنشئة المجتمعات ، وفى بعض الأحيان تكون موجهة لأفراد . كما أن الرسائل هى الأخرى تنقسم إلى قسمين رئيسيين : الرسائل المنسوبة إلى بولس والرسائل المنسوبة إلى آخرين . و من المعلوم الآن أن الرسائل المنسوبة لبولس ليست كلها من تحريره بل الغالبية منها ، وهناك البعض الذى حدث بها التعديل من كتبة أخر . رسائل بولس من المحتمل أنها هى من أوائل الرسائل الديانة النصرانية أو ما يسمى بالعهد الجديد ، حيث أن رسائله ورسائل أخرى كانت قد سبقت الأناجيل . الرسائل تحتوى بشكل عام على حفنة من أقوال منسوبة للسيد المسيح ، والنذر اليسير عن حياته . على كل ، فالنقاط الهامة فى العقيدة النصرانية ، كالصلب ، وبعثه بعد الصلب ، وتفويضه للتكفير ، والشريعة الجديدة التى حلت مكان الشريعة الإبراهيمية فهى كذلك موجودة فيها . الأناجيل الأربعة من العهد الجديد ، كتبت فى الثلث الأخير من القرن الأول الميلادى ، فقد نسبت إلى أسماء مستعارة "متى ، مرقس ، لوقا ، يوحنا" ، وأسماء مؤلفيهم الحقيقيين غير معروفة . إنجيل مرقس حرر تقريبا عام 70 بعد الميلاد ، ويعتبر أقدم الأناجيل ، ويعتقد أن انجيلى منى ولوقا يعتمدان فى الغالب على هذا الإنجيل . وليس هناك مصدرا لأقوال السيد المسيح يمكن أن يطلق عليه مثلا "المصدر - ك Q - Source" . الأناجيل الثلاثة الآول ، نظرا لوجود تشابه بينها فلذلك يطلق عليها الأناجيل "Synoptic" ، أى متشابهة النظرة "من الكلمة الإغريقية Synopsis" . أما الإنجيل "الباطنى" ليوحنا ، فهو يضع تأكيدات ورموز وألغاز عميقة تختلف عن الأناجيل الأخرى ، ومن الممكن القول ، بأن هذا الإنجيل هو الأكثر شعبية عند النصارى عن البقية . الناحية الأدبية للأناجيل تعتبر متعلقة بالسيرة وتركز على فترة قصيرة فى أواخر حياة السيد المسيح ووصاياه لأتباعه . كتب العهد الجديد ، حررت باللغة الإغريقية المعروفة فى ذلك الوقت ، والتى كانت متداولة بواسطة شعوب الإمبراطورية الرومانية وهم الذين كانوا مجال التبشير للنصارى . الشريعة المستمدة من كتب الأحاديث النبوية ، مبوبة حسب الموضوعات ، ولهذا فهى تشبه كثيرا ، "إنجيل توماس" الذى أكتشف حديثا والذى يحتوى على أقوال سيدنا عيسى عليه السلام مع أقل القليل من المقدمات . لم ترتب الأحاديث زمنيا ، ولا تحتوى على تعليقات من مؤلفى كتب الأحاديث موجهة للمسلمين ، بالرغم من أن هناك بعض التوجيهات تستشف من العنونة والإختيار والترتيب للأحاديث . الكتب الستة للأحاديث فيها كثير من العقائد المشتركة بينها ، ولهذا قوبلت بالقبول من السلف نتيجة المقاييس الدقيقة فى قبولها . وهناك اختلاف جوهرى فى كتابة النصوص ، فلغة الأحاديث النبوية هى اللغة العربية ، وهى لغة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، بينما بالنسبة للأناجيل ، فكل المتخصصين يجمعون أنها كتبت باللغة ... الإغريقية ... وهى لغة لم يتكلم بها سيدنا عيسى ، فقد كانت لغته هى الآرامية ، وتعاليمه كانت بالآرامية ، لغة أهل فلسطين فى ذلك الوقت . هذا الإختلاف بين لغة الكلام ولغة التحرير تقتضى ترجمة الأناجيل والرسائل من ثقافة إلى ثقافة أخرى . الخلاصة ، أن أدب الحديث بالنسبة للكتب الستة ، يختلف جذريا عن أدب الأناجيل ، من ناحية الكتابة ، والتجميع ، والدراسة ، والإستخدام . هذا هو الوضع ، ومن العبث أن يمتد شكنا للسنة بناء على شكنا فى الأناجيل . على كل حال ، هذا مايحدث بالنسبة للمسلمين الجدد خصوصا هؤلاء الذين أتوا بإرث دينى سابق غير إسلامى من الشك من النصارى ، وهو يعتقد فى صحة هذا وعدم صحة ذلك بناء على هذا الإرث ويطبقه على ما يسمعه من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أدب السيرة . التوقعات : بالنسبة لجيلى ، فى أواخر الستينات وأوائل السبعينات "من القرن المنصرم" كانت هذه الأيام تعتبر أيام السلام والحب . كان الشباب يطيلون شعورهم ويلبسون الثياب الرثة وكانوا شعثى اللحى ويمشون حفاة . فى اعتقادى أن هذه لم تكن مجرد صدفة بسيطة أن نتشبه بالمسيح بالصورة التى نشأنا عليها - الصورة التى نراها فى كتب الصلاة ، وفى الرسومات ، والأيقونات ، والنوافذ الزجاجية الملونة وفى الأفلام . ولو كنت ممن يتعاطون المخدرات فقد تصل إلى هذه الصورة الكليلة . هؤلاء الذين يمثلون هذه الصورة كانوا يعرفوا "بشواذ عيسى Jesus Freaks" ، بالرغم من أن هؤلاء لا يهتمون بالدين . ومع ذلك ، فأنا أشعر بأن شيئا من هالة المسيح كانت هناك تؤثر حتى على غير المتدينين ، ليس فقط فيما يظهر به الشباب ، بل فى النداء إلى السلام والحب والدعوة إلى عالم جديد . كان عيسى بالنسبة لهم إيجابا وسلبا : المدافع عن الضعفاء والمظلومين (خصوصا النساء) ، يُدين نفاق المؤسسة ، متحاملا على ما تقوم به من اضطهاد ، وفى النهاية رافضا الإنتقام . هناك هذه الأيام إعتراض على أن هذا كان هو المفهوم تاريخيا ، ولكن لمدة ألفى سنة كان كذلك فى نظر النصارى . وفى العيون الغربية ، على الأقل ، كانت تعاليمه هى الأكثر جاذبية والصورة الأكثر تعاطفا فى التاريخ - ليس فقط لأنه كان قائدا كبيرا ، وسياسيا محنكا ، وخطيبا ، ولكن لأنه أحب وعفى كما لم يحدث من الأشخاص الآخرون . صورته من الصعب أن تقارن ، وبالنسبة للمسلمين ، ليس هناك حاجة للمحاولة فالقرآن يطلب من المؤمنين أن يقولوا : ............ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ .......... {285} سورة البقرة فجوهر القرآن الكريم ليس بين الرسل ، ولكن بين حاجة الرجل ليسلم نفسه لله وحده . إذا كان هذا هو نهاية المطاف ، فالمتحولون للإسلام المتوقعون يجدون أن هذه نقطة إيجابية فى جانب الإسلام . ولكن هذا ليس هذا هو النهاية . أعنى من هذا أن المرء يجب عليه أن يصحح مفاهيمه السابقة عن السيرة الذاتية والتقاليد التى دفعت النبى عليه الصلاة والسلام ليأمر بقتل الشعراء الذين هجوه ، وسماحه بقتل الرجال من بنى قريظة ، واستعباد الأحياء منهم ، زاوجه من بنت رئيس القبيلة التى حاربها وانتصر عليها ، الضغط على النساء بالتصدق بمجوهراتهن وتذكيرهن بأنهن أكثر أهل النار . وغنى عن القول بأن هناك الكثير من هذه السير موجودة فى المصادر الغربية . وكمثال فتقييم "وات Watt" فى نهاية كتابه "محمد : النبى ورجل الدولة" يتضمن التصورات التالية التى تتقارب مع مشاعر المسلمين : (ومن ضمن القصص العديدة وبعضها على الأقل يستحق التصديق ، فأرملة ابن عمه جعفر ابن أبى طالب ، روت لحفيدتها ، كيف عليه السلام استقبل نبأ وفاة جعفر . قالت لها : لقد كنت مشغولة بأعمال البيت فى صباح يوم ، وأنا أقوم بدبغ أرعين جلدا وأعجن العجين ، فإذا بالرسول ينادى . جمعت أولادى الثلاث ، وغسلت وجوههم ودهنتهم ، وعندما دخل رسول الله سأل عنهم . فأحضرتهم له ، فاحتضنهم وشمهم كما تفعل الأم برضيعها ، وإذا بعينيه تفيض من الدموع وانفجر باكيا . سألته ، "هل سمعت شيئا عن جعفر ؟" ، فقال لها لقد قتل . وأمر بعض المسلمين بإعداد طعام لنا قائلا "إنهم مشغولون ليفكروا فى أنفسهم" ... وهذا يدل على حبه للأطفال وعلى رفقه بهم . ربما كان هذا الحنان لفقده أطفاله وهم صغار ! ويؤكد عاطفة الأبوة هذه تبنيه لزيد بن حارثة . كذلك كان مرتبطا بابن عمه الصغير على ، عمه أبو طالب الذى رعاه فى صغره ، وكان على علم بأن على لن يكون سياسيا ناجحا . وكانت له عليه السلام حفيدة اسمها أمامة ، كان يحملها فى صلاته ، ويضعها أثناء الركوع أو السجود ، ثم يحملها من جديد بعد الإنتهاء منها . وفى إحدى المرات عرض أمام زوجاته عقدا قائلا أنه سيعطيه لأقرب واحدة منه ، فتتطلعن كلهن لتأخذ العقد ، ولكنه أعطاه لأمامة . وكان يحب أن يشارك الأطفال ألعابهم ، وكان له أصدقاء منهم . وكان يمازح بعض الأطفال الذين عادوا حديثا من الحبشة ويتكلمون الحبشية . وفى أحد المنازل بالمدينة كان هناك طفل يحب أن يمازحه ، وفى يوم وجده حزينا ، فسأله عن السبب . فقال له أن العندليب قد مات ، فأخذ يروح عنه . وقد امتدت رحمته حتى للحيوانات ، وهذه صفة مميزة بالنسبة لعصره ، تدل على تفاعله مع الكائنات التى هى جزء من العالم . وحينما خرج الجيش لفتح مكة ، مروا على مكان به كلبة وجراء صغيرة ، فأمر عليه السلام بألا يثيروهم ، ولم يكتف بهذا الأمر بل خصص جنديا لمراقبة التنفيذ . هذه لمحات مهمة عن شخصيته عليه السلام ، وتلقى الضوء على تصرفاته مع المسلمين فى الأمور العامة . لقد اكتسب احترام وحب أتباعه ليس فقط من الناحية الدينية ، بل من الخصائص من الشجاعة والتصميم والنزاهة والحزم المغلف بالكرم . بالإضافة إلى ذلك ، فقد كان سحر أسلوبه سببا فى ولاء تابعيه وحبهم له) . ولكن يصعب القول بأن الصورة لرسول الله المستقاة من الأحاديث وكتب السيرة ، هى أكثر إغراء من صورة سيدنا عيسى التى فى الإنجيل . وبالتأكيد فإن البحث عن الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى أكثر من المنافسة بين الشخصيات ، فقد تكون هذه الصفات غير مجسدة من الناحية التاريخية . دفاع الكتاب من المسلمين المقنع عبر السنين عن كثير من الأحداث ، جعل الكتاب الغربيين يعيدون تقييم ما ذكره المستشرقون القدامى عن حياة النبى . وقد أوضح الكتاب المسلمون بأن هؤلاء المستشرقين قد على أقاويل باطلة لا يعتمد عليها ، وتركوا الأحداث الموثقة التى لا تتفق مع هواهم . وكمثال مما ذكر أعلاه وسنقوم بمناقشته فيما بعد معتمدين سياقا مخالفا لما ذكر ، هو عن أمره عليه الصلاة والسلام بقتل ستة شعراء كانوا يهجونه . يقول "على" بأن أربعة من هذه الحالات تعتمد على التقاليد بأن الثقافة الإسلامية تعتبر إما ضعيفة أو موضوعة ، أما الحالتين الأخريين ، فقد كانتا تمثل خيانة عظمى لأنهما أرتكبتا أثناء حرب مشتعلة بالمدينة . بهذه الأمثلة فقد استطاع المسلمين المدافعين أن يناقشوا المستشرقين القدماء بأنهم استغلوا مصادر إسلامية ضعيفة حينما كانت تؤيد غرضهم ، وأهملوا مصادر أخرى يعتبرها المسلمون موثقة ، حينما كانت ضد أغراضهم الخبيثة . هذه المواقف والسلوكيات ، جعلت المسلمين ينظرون إلى هؤلاء المستشرقين بأنهم أعداء للإسلام . ثقافة الإستشراق الحديثة ، أصبحت أكثر موضوعية ، بالرغم من أن المسلمين ما زالوا ينظرون إليها بالشك والريبة . يتبع تسلم وتسلم والله انك صاحب اطول موضوع قريته غي حياتي يييي
|
#6
|
|||
|
|||
![]()
|
#7
|
|||
|
|||
![]() ( 27 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثالث رسول الله هناك فقرات فى القرآن تبدو للوهله الأولى تاريخيا أو ثقافيا أو جغرافيا محددة . لكن بتحليل أدق ، نجد أن القرآن يأمر بصورة طبيعية جدا ، تطبيق الدروس العامة من الآيات المذكورة والثابتة ، ، مثل تلك التي تتصل بالآيات التالية : 1 - "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {60} سورة الأنفال 2 - "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {2} وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {3} إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ {4} عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً {5} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} سورة التحريم 3 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {58} سورة النور 4 - لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {89} سورة المائدة 5 - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5} سورة الفيل 6 - لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4} سورة قريش الآيات رقم (1) ، يفهم المسلمون منها ، بأنه بالرغم من ألله سبحانه وتعالى هو المعين للمجاهدين فى الحق ، إلا أنهم مطالبون بألا يدخلوا المعركة غير مستعدين . وبالتالى ، فعليهم البحث واستخدام الأسلحة والتخطيط الذى يمنحهم أفضلية حربية ، وكمثال للمسلمين الأوائل ، سلاح الفرسان الماهر . الغرض أكثر من النصر المضمون ، بل خلق رادع بإرهاب العدو سواء كانو معلومين أو مجهولين ، وذلك لإعاقة العدوان وحقن الدماء . والآيات رقم (2) ، تتعلق بالحياة الزوجية للرسول عليه الصلاة والسلام ، وتصور بوضوح ، أن العلاقات الأسرية تشكل أحد أكبر عناصر الفرص الصعبة للنمو والهبوط ، بالإضافة إلى الإختبار الصعب فى حفظ الأمانة ومراعاة الله فقط . أولا ، عوتب الرسول على تحريمه زوجاته على نفسه ، عتاب شديد فيما يبدو عن الذى حدث . ووجه أيضا العتاب القاسى لزوجات الرسول على انتهاك ثقة زوجهن ، وهذا الإنتهاك يسبب التفكك الأسرى نتيجة شئ تافه ويحطم الروابط الزوجية . ومع هذا ، فيذكرنا الله سبحانه بعفوه لمثل هذه الأمور إن تبنا واستغفرنا لأننا معرضون لحدوثها . ويتبع ذلك التحذير العام . الآيات رقم (3) ، رغم أنه ليست كل الثقافات تنام القليولة ، إلا أن الآيات تحث على أن يكون هناك بعض السرية والخلوة والتواضع مع الخدم فى البيوت . الآيات رقم (4) ، فى مواقع كثيرة من القرآن الكريم ، إشارات بوضوح لتصفية الرق ، ويعتبر الإسلام هو أول من شرع العتق . وبالنسبة للآيات رقمى (5 ، 6 ) ، قد يبدو أنها غير صلة بواقع اليوم ، ولكن هذه الآيات من بين آيات أخرى يتذكرها الحجيج وهم يسيرون فى الطرقات المتربة متجهين لمكة نحو الكعبة المشرفة . فمكة محاطة بأراضى مقفرة موحشة فى وسطها جوهرة جميلة مشعة هى الكعبة ، بوأ مكانها لسيدنا إبراهيم ، وحفظها كما ورد فى سورة الفيل ، وحرسها الله العلى العظيم ، ويحج إليها المسلمون من كل بقاع العالم . هنا يأتى المسلم ليكتسب خبرات شخصية معبرة بالإحساس بأنه هو جزء من الكون ومن المنظومة الأزلية . يقرأ المسلمون فى حياتهم دائما آيات القرآن الكريم ، ليس فقط عن رغبة فى ذلك ، ولكن أيضا للضرورة العميقة لما يجدونه من توجيها وهدى لهم فى دقائق حياتهم ومتطلباتهم الفورية ومحنهم . ومن ثم نجد أنه مع التتابع الزمنى للعصور منذ القرن السابع ، فإن المفسرين المسلمين يؤكدون على تفوق القرآن وتماسكه فى مجمله . إذا أخذنا هذا التصور فى الإعتبار ، فكيف يتفاعل المرء مع الآيات التى التى بدأت باختيارها فى هذا الفصل ؟؟؟ وبالنسبة للمجموعة الصغير نسبيا ، ولكنها هامة ، من هؤلاء الأتقياء المتحمسين فى العصر الأول من الإسلام ، إنه لمن الصعب أن نتصور أن تكون استجابتهم تختلف جوهريا عما سجله التاريخ لنا : الحماس لجمع آلاف التفاصيل الرئيسية والدقيقة التى تتعلق بحياة رسول الله وسلوكه . هذا كان هو الوضع الطبيعى للتحريات العلمية والواضحة فى ذلك الوقت . والقرآن الكريم نفسه قد تنبأ بهذا التطور المبكر ، وذلك ليس فقط فى الآيات التى ذكرتها من قبل . خذ مثلا المراجع الخلفية التالية ::: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً {33} سورة الأحزاب يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {50} سورة الأحزاب تبدو هاتين الآيتين أنهما توقعتا أن يقلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل الأمور ، بينما يجب الحذر والذكاء فى أن هناك خصوصيات للرسول وأسرته ، وأصحابه المقربين فى ذلك الوقت . وبالنسبة للآيات التى تصرح بأن "........ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} سورة النور" ، فيتبعها التحذير بالحرص على طاعة الله والرسول ، والتشديد على ذلك "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} سورة المائدة" . مبينا بأن المسئولية مستقبلا تقع على عاتق الشخص نفسه ، بعد أن بلغت الرسالة بوضوح . يجب أن تفهم هذه الآيات فى سياق الآيات الأخرى الأكثر ذكرا والتى تؤكد على طاعة الرسول ، والبيانات التى تصف الرسول بأنه المعلم والموحى إليه الكتاب والحكمة . والتعليم هو أوسع من نقل النصوص فقط : يحتاج التعليم إلى التفسير والبيان والتطبيق أيضا . عموما فالمسلمون يعتبرون هدى الرسول ، وأنه قدوة يقتدى بها ، جزء من تراث التوجيه ، ولذلك يشعرون بالحاجة للدراسة والفهم لهذا التراث ، وأهمية ذلك الآن وفى العصور السابقة . هذه النظرة ، أشعر بأنها تتسق مع القرآن الكريم الذى ، بينما يحذر عن تأليه البشر ، إلا أنه يقر بالحاجة إلى قدوة بشرية . ومع ذلك يتبقى سؤال ذو علاقة : هل كل حديث أجمع العلماء على صحته ، فهو فعلا صحيح ؟؟؟ ( 28 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الثالث رسول الله "مداخلة : نظرا لحساسية الجزء التالى من ترجمة الكتاب ، ونظرا لأنه يتفق إلى حد كبير مع جاء بيانه من الأزهر الشريف ردا على بعض الشبهات المثارة عن الإسلام ، فقد فضلت أن أنقل كلمة الأزهر الشريف فى الموضوع حتى تتضح النظرة إلى موقع السنة من التشريع" . حول الاستغناء بالقرآن عن السنة وعلاقة السنة بالقرآن ((منقول من موقع الأزهر الشريف)) ::: *هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبور ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى). الرد على الشبهة: *فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال. *ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها. *ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو: *أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده. *وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. *وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. *أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم.. *ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة.. المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة.. *وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله.. *أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء.. فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ: *إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشية ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (1). فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6). تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات. *فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم. *أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون.. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون. *إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون. *وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين.. فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام. *والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !. *من هو الرسول "عليه الصلاة والسلام" ؟ : هذا الفصل يشترك فى نتائج بعض أفكاره كل المسلمون ، كما يقترب منها المعتنقون الجدد للإسلام . لكى نحاول أن تقلد نوعية وأخلاق الآخرين ، لابد لنا من أن نكون قادرين على تمييز شخصياتهم إلى حد ما . هذا التمييز يرتبط بشخصيتنا نحن وبالشخصية التى نريد تقليدها ، والإجابة على هذا السؤال تعتمد على المؤمن والمدى الذى وصل إليه فى حياته . كل الإجابات تتقاطع فى مفهوم عام ، ولكن التصورات الفريدة ستستمر فى الحدوث . بالتأكيد فإن تصوراتى عن الرسول عليه السلام قد تطورت وأصبحت أكثر عمقا عنها منذ ثمان سنوات ماضية ، بالرغم من أنى متأكد بأن ما زال هناك الكثير لكى أستوعبه . حاليا ، أقول بأن وصفى للرسول لا يختلف عن وصف "وات" [فى الحلقة رقم "20" فى فصل "التوقعات] ، أعلاه . واعتقادى بأن الرسول قد اكتسب الإحترام الفائق من أتباعه ، لأنهم رأوه مجسدا للشخصية التقليدية المثالية كزعيم عربى : شخص "يحتفظ بعلاقات طيبة مع القريب منه والأقرباء ، يساعد الفقير والمعدمين ، يكرم الضيوف بسخاء، ويعين من وقع فى كارثة" . لقد كان عليه السلام ، كما جاءت به الأحاديث ، رجل كامل الإستقامة ، متحكم فى نفسه ، رحيم ، وشجاع ، وذلك لأن العرب لن تقبل بزعيم فيه صفات أقل من ذلك . كلمته كانت كالسيف البتار ، وذلك لتأثر صحابته ، وتضع فيهم كامل الثقة به . حينما يقرر أمرا لا يتراجع عن تنفيذه . وأما عن اختيار الله سبحانه وتعالى له ، وأنه ربح حب صحابته بسهولة ، وأنه غير التاريخ إلى الحد الذى رأيناه ، فكل ذلك يدل على أنه أكثر من عربى مثالى . لقد كان يمتلك نوعا من الجدية ، والشفقة ، والروحانية ، والتى يصعب علينا أن نجدها فى أنفسنا . ولكى نتأكد من ذلك ، فهو كان حازما فى تطبيق شرع الله بسرعة شديدة وبنزاهة تامة . وحينما أراد أحد الصحابة أن يشفع لامرأة سرقت ، قال قولته "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" . وعلى العكس ، ففى حالة وجود مجال لشك بسيط أو عذر أو مخرج للعفو ، فإنه يمسك به ، كما أعطى الزانى ثلاث فرص ليسحب اعترافه بالزنا وكما أعلن عفوه العام حينما دخل مكة منتصرا . لقد كانت لديه عليه السلام الحساسية المفرطة فى كيف يرفع من معنويات من حوله ، وكيف يجعلهم يتواضعون ، بما فى ذلك نفسه ، وبمنتهى الأمانة . فبعد الإنتصار فى غزوة حنين وجد الأنصار فى أنفسهم عليه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء . قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة . قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم . فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من (5/ 177) الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ! قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل . ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل . قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم . ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار . قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا . وبعد ثمان سنوات ، هذا هو تصورى عن محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد أصبح جزءا منى . فإذا كانت زوجاته هن أمهات المسلمين ، فربما يكون الرسول هو أبا لهم . هذا على الأقل بالنسبة لى ، والكلمة الوحيدة المناسبة والتى ترمز لحقيقة المشاعر المشتركة ، والإحترام والرهبة والحب هى أنه "رسول الله" . "مداخلة : كلما توقفت عند هذه اللفتة بعد الإنتصار فى غزوة حنين ، أبكى ولكن ليس كبكاء الأنصار !!! بكاؤهم كان لأن طبيب القلوب عليه الصلاة والسلام عالج نفوسهم وقلوبهم وواساهم ، وبكائى للعظمة والرحمة المهداة التى ألمسها عبر التاريخ من تداعيات هذه الواقعة ... فالسياحة الدينية لمدينة رسول الله ، مستمرة منذ ذلك الحين لليوم !!! سمع عليه السلام بما يردده الأنصار ، فلم يتركهم لأنفسهم والشيطان ، بل دعاهم وحاورهم ندا لند وهو من هو وهم من هم ، تواضعوا فى القول قائلين لله ورسوله الفضل والمنة ، وهذا صحيح ، ولكنه واجههم بما ينفثه الشيطان فى قلوبهم ، وقال لهم ، بل يمكنكم القول فتصدقوا ويصدقكم الناس تقولون كذا وكذا ، ثم يفتح بصرهم على حقيقة هذه الدنيا ، العرض الزائل وفضل الله سبحانه وتعالى الباقى . شاة وبعير ، وهدية من الله لهم ، هو نفس الرسول عليه السلام ، يحفظ بركة مدينتهم حيا وميتا ، نور ورحمة وهدى يرجعون به لمدينتهم ، فيقبل الناس وفودا عليها ليتعلموا من رسول الله وليتلقوا الدين على يديه ، وبعد موته ، هذا هو الحجيج الذى لا ينقطع عن مدينة رسول الله يوما واحدا فى العام ، فأى جمال بعد هذا الجمال ، وأى عظمة نالها أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن لفظوا لعاع الدنيا وراء ظهورهم ؟؟؟ ...... بالله عليكم دلونى على رجل واحد فى التاريخ كان بهذه العظمة ، وأليست هذه المواقف هى عبرة للحكام وكيف يتعاملون مع رعاياهم ؟؟؟ ". [align=center] (29) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الرابع الأمة[/align] الأمة : وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103} سورة آل عمران كنا فى نقترب من نهاية الصيف ، وكان على الذهاب للكلية للمرة الأولى . جلست فى ساحة المدرسة بجوار السور منتظرا فريقى ليلاعب الفريق الفائز فى منتصف الدورى ، عادة ما يكون هناك حوالى خمسون مشجعا من المدرسة الإيطالية "شريدان" ، ولكن هذه الليلة لا يوجد إلا حوالى عشرة طلاب فقط . تقدم إلى ولد أسود على دراجة قائلا "يستحسن أن تذهب لبيتك جيف ، ستكون هناك مشاكل الليلة" . لم أكن فى حاجة إلى مزيد من الإيضاح . فمنذ ثلاثة أيام مضت ، هاجم عدة شباب من جوارنا مراهق أسود انتقاما للشرف ، حيث أنه فى إحدى الليالى تم القفز على شاب منا وكسرت أنفه . إنه الدور علينا لنقابل هذا الإنتقام ، وبعد ذلك يعاد الدور عليهم ، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية . ولم يكن فى مقدورى الهروب من كل ذلك . ربما كانت منطقة حينا بصفة دائمة منطقة للنفايات التى تلقى من فضلات مجتمعاتنا الشديدة الجشع والإهمال ، تعبيرا عن رفضهم وخوفهم من عنف وغضب أطفال مدينتنا ، الذين تعزلهم أمتنا بدلا من أن تحتويهم وتصحح مسارهم ، وذلك لإعتبارات اقتصادية . لقد سمعتهم عدة مرات يقولون بأن هؤلاء الأطفال مجرمين . ونتيجة لذلك ، ما هو المحتمل الذى سنجده ؟؟؟ لقد سرقت منهم طفولتهم ، وسلبت منهم براءتهم ، فأدى هذا الإهمال إلى خشونتهم . لابد أن يدفع أحد ثمن ذلك !!! كم من المرات يوجهنا القرآن الكريم للإهتمام بحاجات اليتيم ، وحاجات الفقراء ، وحاجات الأطفال بلا عائل ؟؟؟ فى عجالة حاولت أن أتكلم مع أحد زملائى عن نتيجة الحرمان ، ولكن الأمر كان متأخرا جدا . فقد حوصرت ساحة المدرسة بواسطة الأسيجة والحوائط من الشباب الأسود الشجاع والذى يزيد عددهم عن المائة شاب . الفكرة فى مثل هذه الحالات هو أن تحاول أن تتفوق على الجانب الآخر وتفاجئ أعضاؤه . لقد أخطأنا فى هذه الليلة . أتلفت عدة سيارات وتعطلت عن العمل أمام الملعب ، كسرت أبواب السيارات وفتحت صناديقها . وسمعنا صراخا فى الظلام "لقد حصلنا على التيران ونحن نعلم كيف نستخدمها" . الأسلحة فى قبضة أيادى عصبية ، والمسدسات تلمع تحت أضواء الشوارع . فى مثل هذه الأوقات ، الخوف ليس هو الكلمة الصحيحة ؛ الرعب والصدمة هما أقرب لتصوير الموقف . أنت لاتفكر فيما سيصيبك من أذى الآن ، ولكنك تعتمد على أحاسيسك . لم يكن ذلك الوقت مناسبا للفرار ، حيث أن الفرار المبكر قد يكون شرارة لتصرفات عصبية قاتلة . لقد تحلقنا حول شبكة كرة السلة . . فقد ينتهى كل شئ بسرعة . الفورمان جاكسون ، ضحية إعتداء الأسبوع الماضى ، ذهب إلى باحة المدرسة مشيرا إلى مهاجميه "هؤلاء هم ، هذا ، وهذا ، وهذا" . لقد كان تحكيمه دقيق وصائب . صراع المدن عادة ما يكون كفؤا . لا فائدة من أن تكتسب أعداء جددا وثارات متعاقبة . ولكن كم كان كل ذلك غريبا !!! فأتذكر كيف أن هؤلاء الأولاد أنفسهم ، الذين كانوا سيواجهون حكمهم ، منذ عدة شهور سابقة استهدفوا ساب يهوديا من الجوار وأوسعوه ضربا وركلا ، وتركوه على الأرض فى الثلج ، يصرخ متوسلا بينما هم يثرثرون ويستهزؤن به . ويقولون أن المرء يحصد ما زرع . اتجه الفورمان ناحيتى . إنني اعرفه منذ الصف الرابع ومنذ ذلك الحين كان دائما مشكلة. الأطفال عادة ما يكون بينهم ألفة طبيعية وجاذبية ، ولكننا فى الصف الرابع بدأنا نشعر بالحواجز تحجز بعضنا عن بعض . بشكل ما فقد رأيت فى وجهه كأنه ابن الحادية عشر الذى لا أكاد أعرفه ، ولا أعرف ماذا رأى هو فى . "هو على صواب" . تراجعت ببطء للخلف متخذا طريقى للمخرج الوحيد . دينيس ولد آخر برئ ، تبعنى ملتصقا بى . الجمع أفسح لنا الطريق للخروج . لم يرغب أحد فى البقاء هناك . علينا أن نتغلب على كل أنواع المقاومة ونغلب الشفقة فى مثل هذه المواقف ، ولنحفر عميقا مرة ثانية فى مخزون الوحشية . قد يكون هذا الشعور يسير ، ولكنه يحتاج إلى تدريب وممارسة . حينما خطوت خارج البوابة ، التفت خلفى لأرى تموجات بشرية فى حركة راقصة ، كأنها نسيم يتخلل أعشاب طويلة ، وهم يتهيؤن لإتخاذ موقع . حينئذ سمعت صوت تصفيق عال ، وفى ثوان ، حدث إعصار غاضب عنيف ، ترك أجساما ملقاة على الأسفلت الحار بساحة الملعب . جريت -- مثل كل شخص آخر جريت . جرينا متفرقين . من الشرطة ؟؟؟ من الألم ؟؟؟ من الرعب ؟؟؟ من يعرف ؟؟؟ كلنا جرينا !!! هذا المساء ، وأمسيات أخرى وأيام مشابهة ، ظلت تتردد على ذهنى وأنا استمع إلى "عبد العليم موسى" فى خطبة له للطلاب المسلمين فى جامعة سان فرانسيسكو . عواطف متضاربة -- انعكاسات تعلمتها -- كانت تراودنى وأنا استمع للخطيب . كان طويل القامة ، قوى ، أمريكى أسود ، ذكى ، سريع البديهة . منذ عشر سنين مضت ، كان يعتبر خصما خطيرا . لقد قيل لى ، بأنه كان عضوا فى "النمور السود" وقد سجن لهذا السبب . ومن الصعب أن ترى ذلك فى هذا الرجل أمامك الآن ، الذى يحمل بين طيات نفسه السلام له وللآخرين . وفى خضم "سؤال وجواب" ، سئل : "هل تشعر بأن الإسلام قد أثر فى حياتك ؟؟؟" . تغيرت ملامحه ، وكأنه يتعجب أو غير راض عن السؤال ، وذلك يشبه تردادى لطالب ما معلومة للمرة العاشرة !!! "الناس لا يدركون الحقيقة -- لا يعتقدون فى قوة الإسلام" ، قال ذلك وهز رأسه . ثم أشار إلى وإلى جرانت ، على الجانب الآخر من الغرفة وأعلن : "الحقيقة الكبرى ، أن هؤلاء الرجال البيض يجلسون مع الرجال السود بعضهم مع بعض سواسية ، (مشيرا للمسلمين الأفارقة والأسيويين الذين اصطحبهم من أوكلاند) ، يجلسون كأخوة ، بينما كنا من عشرة سنوات مضت يقتل بعضنا بعضا فى الشوارع ، ألا يدلك هذا على مدى قوة الإسلام فى التأثير فى الحياة ؟؟؟ !!! . كان كأنه يقرأ أفكارى !!! مشى "عبد العليم" نحوى بعد البرنامج ومد لى يده . ولا أتذكر آخر مرة شددت فيها على يد رجل أسود ... أعنى مصافحة حقيقية بدفء وحب . هل حدث لى ذلك ؟؟؟ "مداخلة : نعم نعم نعم لهذه الحقيقة المجسدة ، وصدق الله العظيم (....... وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً .........)" . لقد كان الصراع عميق وأليم ، أليم لأنه يتتبع أثار جراحنا فأولا يجب علينا انتزاعها ثم مواجهتها مرة ثانية . وهذه الآلام التى تعودنا عليها ... وكثيرا ما كنا نعتمد عليها ... من الصعب أن ننساها . فى هذا الوقت ، كنت قد أشهرت إسلامى منذ حوالى شهر واحد . ولقد تعلمت الكثير والكثير من "عبد العليم" خلال السنوات الخمس التالية والتى قضيتها فى سان فرانسيسكو . على كل حال ، فالدرس العميق الذى تعلمته منه ، هو أخوة الرجل . تتلقى الجالية المسلمة بمنتهى الفرح خبر مسلم جديد ، بالضبط كما تتلقى العائلة نبأ مولود جديد . المقارنة جاءت من أن المسلم أو المسلمة الجدد تمحى ذنوبهم السابقة وتصبح أرواحهم نقية كالثلج طاهرة كيوم ولدتهم أمهاتهم . كان أحد أصدقائى المسلمين يردد لى ، كم أنا محظوظ إلى درجة غيرته منى . العواطف الفياضة تغمرك فى بعض الأوقات ، ومساعدات الجالية الإسلامية تعينك على سهولة الإنتقال للدين الجديد بنجاح . كما يحدث للطفل ، فمعتنق الإسلام الجديد يمطر بالنصائح والملاحظات والتعليمات . يقوم بتبنيه (هو / هى) إحدى الأسر ويحصل على أخوة وأخوات جدد من ثقافات مختلفة ، من كل أنحاء العالم مثل العربية السعودية ، باكستان ، ماليزيا ؛ وحتى من الدول العدوة ، كإيران والعراق وليبيا وفلسطين ، ومن أنحاء أخرى غير معروفة ، كمالى ، وتنزانيا واليمن ونيبال . ويبدأ المسلم الجديد بالتعاطف مع انتصاراتهم وآلامهم ، وأحلامهم ، وتصبح كأنها انتصاراته وآلامه وأحلامه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه أن المسلمين كالجسد الواحد : ولذلك فحينما اغتصبت الأراضى الفلسطينية ، أو حدث زلزال مات فيه الآلاف بإيران ، أو أن المسلمون قتلوا بأفغانستان ، فكل المسلمون شعروا باالألم والأسى وذلك لأن "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ............" {10} سورة الحجرات ولأن "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ........." {71} سورة التوبة . هذا الشعور التبادلى بين المسلمين هو تطبيق لتوجيهات الرسول عليه السلام "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " و...... "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" و...... "انصر أخاك ظالما أو مظلوما . فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه ، من الظلم فإن ذلك نصره " لقد عرف الإسلام طويلا بأنه دين المساواة ، ويرجع علماء الغرب انتشاره فى الدول الإفريقية لذلك السبب . فعند دخولك فى الأمة تكتشف بأن المعايير التى تطبق عليك هى نفس المعايير التى تطبق على الجميع ، لا على المسلم فقط بل على كل البشرية : "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}" سورة الحجرات تلخص هذه الآية الكريمة عالمية الإسلام باختصار . وتبدأ ... كما يحدث فى القرآن الكريم ... مخاطبة البشرية كلها . معلنة "يا أيها الناس" والتى تظهر فى القرآن خمسة وعشرون مرة وتعنى أن النداء لكل البشر . الجزء التالى من الآية يشير إلى المساواة الضرورية بين الناس ، سواء كانوا رجالا أم نساء . يذكر لنا القرآن فى مواقع كثيرة ، أن فى مجال الأسرة والأقارب المقربين فرص للنمو النفسى والروحى . الآية التالية تعطى لنا الفكرة وتنبهنا إلى أن الإختلاف فى خلق البشرية هو مجال للإختبار فى العدالة والحب والتعاطف مع أولئكم الذين يخالفونا فى الخلقة "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ {22} سورة الروم ولقد كانت هذه المفاهيم هى تحدى واضح للوثنيين المعاصرين للرسول ، بمكة وشبه الجزيرة العربية ، لأنهم كانوا يتفاخرون بآبائهم وأنسابهم . ففى موسم الحج السنوى قبل الإسلام ، كان الشعراء يجتمعون لإعلاء أسماء آبائهم وعظمة عشائرهم وسلالاتهم ، لهذا فقد نزلت آية سورة البقرة رقم 200 لتحد من غلوائهم وتذكرهم بعظمة الله سبحانه وتعالى . القاعدة هى أن الكرم يعتمد على التقوى ، أما الإختلافات العشائرية والعنصرية والقومية واللغوية فليست أسبابا للتفرق والكراهية بين المجموعات البشرية ، هذه القواعد لاشك كانت سببا فى نفور المشركين من الإسلام لأنها تحطم ممارساتهم السابقة التى تعودوا عليها . ولذلك حينما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب (وهو اسم المدينة المنورة حين الهجرة) وتأسيسه للمدينة المنورة كان فى ذلك تهديد خطير للمشركين ، لأن النظام العشائرى والنظام العادل لا يجتمعان . الصراع فى مكة بين المسلمين والمشركين كان صراع كلام وإرادات ، حيث أن الرسول وأتباعه كانوا محاصرين ومضطهدين من قريش . ولكن حينما التقى الفريقين بعد سنتان من الهجرة فى معركة بدر ، واجه الإبن أباه وأولاد العمومة بعضهم بعضا وأبناء الخالات كذلك ... شئ لا يتصور فى مجتمع القبيلة ... وقد انتصر المسلمون بالرغم من أن عددهم كان ثلث عدد الكفار . وحينئذ أيقن كل العرب فى شبه الجزيرة بأن رياح التغيير قد هبت عليها . بالنسبة للمسلمين ، فالمجتمع الإيمانى هو حيث تطبق مبادئ الإسلام العادلة عمليا ، حيث أولئك الذين تعهدوا بالمشاركة العالمية ... من ناحية الإيمان ، والحكومة ، والقانون ... وترجمتها إلى نظام إجتماعى سياسى . والمهم أن نعلم بأن اهتمام الإسلام لا يقتصر فقط على أتباعه ، بل يمتد للبشر كلهم . ومن المهم أن نلاحظ أنه حينما يتكلم القرآن عن الصدقات للمحتاجين وكفالة اليتيم والأرامل وإقامة العدل والدفاع عن المضطهدين ومساعدة المعوزين ، لايذكر شيئا عن عقيدتهم . [align=center]( 30 ) صراع من أجل التسليم للإيمان Struggling to Surrender Dedication بقلم جفرى لانج الفصل الرابع الأمة[/align] الآية رقم (1) التالية تصف الأمة الإسلامية "خير أمة" ::: (1) - كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110} سورة آل عمران (2) - وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً {75} سورة النساء والآيات التالية يصف القرآن الكريم الإنسان بأنه خليفة الله فى الأرض ، وأن يعتنوا بالتعساء والمعوزين (راجع المداخلة المذكورة بعد الآيات) ::: (3) - وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30} سورة البقرة (4) - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165} سورة الأنعام (5) - ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {14} سورة يونس (6) - أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {62} سورة النمل (7) - هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً {39} سورة فاطر (مداخلة : ذكر المؤلف أرقام الآيات السابقة من 3 - 7 ، ولم يذكر نص الآيات ، ونظرا لإيرادى لهذه المداخلة فاضطررت لذكر نصوص الآيات حتى يتضح المعنى الذى أريده ، الخلافة كما وردت بالآيات من رقم 4 إلى رقم 7 ، تدل بوضوح أن المقصود من الخلافة هو خلافة البشرية جيلا بعد جيل ، تناسل ثم موت ليأتى جيل آخر يخلف سابقه ، وهذا ما ذكرته التفاسير ، ولا دلالة فيها على خلافة الإنسان لله فى الأرض ، أما الآية رقم 3 ، فيقول البعض إنها خلافة الإنسان لله فى الأرض ، وهذا غير صحيح لسببين ... السبب الأول قول الله سبحانه وتعالى للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ، فكلمة خليفة هنا يجب أن يرجع فيها إلى الآيات السابقة وتفهم فى سياق باقى القرآن الكريم ، ولا توجد آية واحدة تدل على خلافة الله فى الأرض ... السبب الثانى ، وهو أن الملائكة فهمت المعنى الصحيح من الخلافة ، إذ لو كانت قد فهمت أنها خلافة الله فى الأرض ، لما قالت "..... أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ........" ، لأن حسب المفهوم الخطأ يكون الإنسان مقدسا ويمثل صورة لله سبحانه وهذا يتعارض مع الفساد وسفك الدماء ، ولا يصح أن تقول به الملائكة تأدبا مع الله لو كانت قد فهمت معنى الخلافة بأنه عن الله) . وأعمدة الإسلام الخمس التى تجسد الشعائر الإسلامية ، توحد بوضوح واجب البشرية نحو الله سبحانه ، كما تحدد الإلتزامات الفردية نحو المجتمع . فالشهادتان بالإيمان بالله ورسوله التى لابد أن ينطق بها المسلم ليعتبر مسلما ، تشكل أيضا أكثر من إعتبارها مدخلا للإيمان ؛ فهى عملية سياسية - إجتماعية بالإلتزام ، ومن ثم يجب أن يشهد بها أمام شخصين من المجتمع المسلم . كما أنها تمثل قبول المسلم بالوحى الإلهى وبخلافته على الأرض (أرجو مراجعة المداخلة السابقة) . والزكاة ، عادة ما يطلق عليها "ضريبة الفقراء" ، وتتكون من جزء محدد من ثروة المسلم تدفع سنويا لأصناف معلومة من المحتاجين . والقيمة الإنسانية وراء هذه الفريضة واضح . وصيام شهر رمضان من الفجر لغروب الشمس ، والإمتناع عن الطعام والشراب والجماع ، يخلق شعور الوحدة بين المؤمنين . وهناك غرض آخر : وهو أن ذلك يدعم من الشعور بحاجة المعوزين والفقراء ، وبذلك يتحول التعاطف إلى عمل . هذين المثلين فيهما الكفاية . فى رمضان المنصرم ، كنت أسير فى الطريق فسمعت أحدهم ينادينى من سيارة مارة وكان أمريكى مسلم ، "كيف حالك ياجيف مع الصيام اليوم ؟؟؟" ، الحقيقة أن اليوم كان حارا وصعبا ، فقلت "أنا منغمس فيه I'm hanging in there" . وحينما انطلق بسيارته عقد بين اصبعيه خارج زجاج النافذة ، مما أعطانى دفعة قوية عاطفية وجعلنى أشعر بالقرب ليس فقط لأخوانى المسلمين حولى بل لجميع مسلمى العالم الصائمين ، فقد ذكرنى هذا بالملايين فى أنحاء العالم الذين يشاركونى فى الصوم فى هذا اليوم . وفى يوم من أيام رمضان آخر ، استغرقت قليلا فى النوم فاستيقظت وقد فات وقت السحور . وكان معنى هذا أننى سأظل بلا طعام وشراب لمدة 24 ساعة . وبالرغم من هذا ليست نهاية العالم ، إلا أن الوضع صعب خصوصا فى يوم عمل مرهق وحار . وفى حوالى الساعة الخامسة بعد الظهر بدأت فى الشعور بحساسية فى المعدة وبصداع فى الرأس . وفى الساعة الثامنة ، أى قبل موعد الإفطار بساعة شعرت بغثيان وضربات فى الرأس من الصداع . وأخذت عيناى فى الإحتقان ، كما لو أن أحدا يضغط عليها برباط . حاولت الرقاد وأخذ سنة من النوم فى الوقت المتبقى للإفطار ولكن الوضع كان غير مريح . وكان من الصعب أن أفتح عينى كما أنى لم أستطع النوم . وفى النصف ساعة المتبقية ، أخذت أحسب كل ثانية . وأخيرا وصلنا للساعة 9:15 مساء موعد الإفطار ، ولكنى لم أستطيع الأكل ، فقد كنت مريضا جدا . أحضرت لى زوجتى كأسا صغيرة من الحساء الخفيف ، وبدأت أرتشفه قليلا قليلا . وبالتأكيد بدا الصداع ينقشع ، وعادت معدتى لطبيعتها ، وبالتدريج زال الألم من عينى . وبعد دقائق شاهدنا فى التلفزيون صور عن المجاعة فى أثيوبيا والصومال . هذه الصور ذكرتنى بالأفلام التى رايناها عن المحرقة اليهودية . فكرت كيف كان من السهل أن أنهى عذابى ، بينما الرجال والنساء من عمرى يعيشون طول الوقت فى عذاب دائم بلا حل فى الأفق أمامهم ، ويون أطفالهم أمامهم عراة ضامرة بطونهم منتفخة ، مليئة بالقروح يرفسون الأرض المتربة بضربات ضعيفة . ربما شعرت فى هذه اللحظة بما أنعم الله على ، ولكنى رأيت معاناتهم التى لم أنجح فى واحدة منها . لقد غيرت فريضة الحج إلى مكة حياة كثير من المسلمين . وربما يكون أكثر الأيام تأثيرا ، هو يوم عرفة حيث يجتمع كل الحجيج فى صعيد واحد بوادى عرفة . يلبسون زيا واحدا لا يفرق بينهم ، يتكلمون بمئات اللغات المختلفة ، مكرسين أنفسهم لدينهم وللإنسانية . يوم يذكر بيوم القيامة يوم الحساب ، حينما تبعث كل البشرية قديمها وحديثها ليوم الفصل ليروا أعمالهم فى هذه الدنيا حسنها وقبيحها . ولقد كان الحج نقطة تحول عظيمة لـ "مالكولم إكس" ، والتى عبر عنها فى الكلمات التالية ::: "فى الأسبوع الماضى ، أصبحت فى ذهول لا أتكلم وانعقد لسانى ، من الحفاوة والمظهر الذى أراه حولى ومن البشر من جميع الألوان .... ربما تصاب بالدهشة مما يصدر منى من كلام ، ولكن ما رأيته فى هذا الحج وما خبرته ، قد أجبرنى على إعادة تقييم استنتاجاتى السابقة .... ربما لو أن الرجل الأمريكى الأبيض قد تقبل وحدانية الله ، ربما كان يتقبل أيضا حقيقة وحدة البشرية ، وكان يتوقف عن القياس وعرقلة وإيذاء الآخرين نتيجة "الإختلافات فى اللون" ... كل ساعة أمضيتها فى الأرض المقدسة "العربية" أعطتنى نظرة روحية داخلية ، أقارن بها ما يحدث بأمريكا بين البيض والسود" . العمود المتبقى من أعمدة الإسلام الخمسة هو الصلاة . وبالرغم من أن الصلاة الفردية مقبولة ، إلا أن صلاة الجماعة تفضلها ولها الأسبقية . وبالطبع فالصلاة المشتركة كما قرر يسوع فى الإنجيل ، يمكن أن تؤدى للتظاهر بالتقوى ويمكن أن تؤدى بلتقوى فعلا . وقد حذر القرآن الكريم من النفاق كما جاء بالآية "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} سورة النساء" ، وكما جاء بسورة الماعون . ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أتباعه بأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرون مرة من صلاة الفرد ، وهذا تقرير يؤكد على قيمة الترابط فى المجتمع . يقف المصلون فى جماعة فى صفوف منتظمة ، مترابطين الكتف بالكتف والقدم بالقدم وذلك فى بداية الصلاة ، وتتكون الصلاة على أمور رتيبة تتكرر فى دورات من الوقوف والركوع والسجود والجلوس على الأرض بشكل معين . وفى الركعتين الأول فى صلاة الفجر والمغرب والعشاء ، يقرأ الإمام قراءة جهرية ، أما فى صلاة الظهر والعصر فتكون القرآن للقرآن سرية ينفرد بها كل مصل لنفسه . وعادة ما تكون حركات المصلين فى الركعة الألى غير متزامنة ، ولكنها تأخذ فى التزامن بعد ذلك فى الركعات التالية ويحدث انسياب فى الحركة ويظهر المصلون كأنهم منقادون لأوامر الإمام ، وبذلك تظهر وحدةتهم فى التوجه والهدف والعمل . الخبرة تشبه التنويم المغناطيسى للتوحد . وينهى المصلون صلاتهم بالتحية عن اليمن وعن الشمال . لهذا فالصلاة الإسلامية ، هى تمجيد وإجلال وحشد وترتيل جميل ، وتعليمات ، وحركات ، وإيقاعات حركية ، وطقوس ، كلها تشد المؤمن فى البداية إلى المظهر الخارجى ، ثم تنقله إلى إلى داخله ومناجاة الله سبحانه وتعالى ، ثم الخروج من الصلاة لتحية من عن يمينه ومن عن شماله . فى الحقيقة ، فإن هذا الإيقاع الغير صوفى "mystical converse" والذى يعتمد على ترابط الجماعة يتحقق من هذه الحركات المتزامنة . أحد الطلاب المسلمين الذين أعرفهم بسان فرانسيسكو ، وجد أن هذه الطريقة فى الصلاة تؤدى إلى التشويش . قائلا لى "لماذا نصلى بهذه الطريقة متلاصقين بعضنا ببعض ؟ ها أنا أريد التركيز فى صلاتى مع الله ولكنى أنشغل دائما عن ذلك بحركات من هم جوارى عن اليمين والشمال" . قلت له ، بأنك ها قد وصلت إلى ملاحظة هامة تكشف هدف الإسلام من ذلك : فأنت حتى فى الإنغماس الكامل فى عبادتك لا تنسى مجتمعك ولا تنسى جارك عن اليمين والشمال . وبعبارة أخرى ، فإن حياتك الشخصية وحياتك الروحية لا تنفصمان وفى هذا خلاصك فى الدنيا والآخرة . حاليا هناك أبحاث كثيرة نشرت فى الغرب ، عن أسباب "الصحوة" الإسلامية الجديدة ، محاولين التوصل لأسبابها . تأثير الحداثة ، والإستعمار ، والإستعمار الحديث ، والإنهزامية وتفكك الإمبراطورية العثمانية ، وسخط المسلمين فى العالم الثالث ، هى عوامل فى بعث هذه الصحوة . لاشك أن لها دخل فى ذلك . وهذه الصحوة الإسلامية العالمية قد أججت معظم الشباب المسلم ، الذين كان الممارسات التاريخية أعلاه هى جزء من تجارب الماضى البعيد فى بلادهم . ولكى نفهم هذه النداءات بإقامة دولة إسلامية ، فيجب أن نعرف بأن المراكز والمساجد والمؤسسات الإسلامية فى الولايات المتحدة وأوروبا تحضضن هذه الدعوة وتغذيها . وإذا استمعنا إلى خطب الجمعة ، نجد فى صلبها النظرة القرآنية لوحدة البشرية تحت وحدانية الله سبحانه وتعالى . المؤمنون فى هذه المجتمعات الإسلامية ، من بقاع شتى وثقافات مختلفة ، يتعاونون لبناء الحياة الإسلامية فى الغرب . وقد تنشأ توترات لاختلاف الرؤى فى تنفيذ هذا ، ويظهر على السطح أثار ذلك من حين لآخر . ولكن مازال الترابط موجود والأخوة الإسلامية قائمة ، وأقوى من كل هذه التوترات والقوميات والعوائق الثقافية . وجميع المسلمين يون أن الوحدة الإسلامية من الممكن أن تتحقق ، وأن الفرصة مواتية لذلك أقوى من عدة قرون مضت . وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10} سورة الحشر يتبع
|
#8
|
|||
|
|||
![]()
|
#9
|
||||
|
||||
![]()
سلمت يمناك اخي فارس وتقبل مروري
|
#10
|
|||
|
|||
![]()
|
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|