وقفات مهمة في الاستسقاء

[خالد المرزوق]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الاستسقاء سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفعل عند تأخر نزول الغيث، ويظهر فيها المسلمون الحاجة والفاقة إلى رحمة الله.

عند الاستسقاء لا بد من ذكر الأمور التالية:

أولا- أن تأخر المطر نذير شؤم وسببه المعاصي التي يقترفها بنو آدم وقد وردت النصوص التي لا تحصى في الكتاب والسنة والتي لا تخفي على أحد، والناس يدركون هذا الشيء تمام الإدراك ولكنهم يغفلون أو يتغافلون.

ثانيا- أن الماء منة من منن الله على عبادة، ونعمة من نعمه تقوم بها حياتهم وبدونه لا يستطيع الإنسان العيش.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المنة وذكر بها عباده في مواضع من القرآن، والله سبحانه لا يمتن بالأمر الهين، قال تعالى:

(وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة22

وقال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ) طه53.

وقال: (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا) النازعات31.

ثالثا- لا بد أن يستشعر الإنسان حاجته للمطر لأن المطر بمجرده رحمة كما قال سبحانه (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد) الشورى 28، وبفقد المطر تفسد الأرض وتنتشر الأوبئة ويحصل من الفساد ما الله به عليم وما حمى الوادي المتصدع عنا ببعيد. وقد لوحظ من بين المسلمين- ويا للأسف- من يقول بلسان حاله أو لسان مقالة لا حاجة لنا بالمطر وعندنا محطات التحلية ونسي قول الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) الملك30. وقوله سبحانه: (لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) الواقعة70 .

رابعا- أنه لا بد من تطهير القلوب من الأمراض التي سببت هذه مثل هذه العقوبة كالتقاطع والغل والحقد والحسد وهذه الذنوب سبب في رفع الخير من المطر وغيره ونزول الشر كما لا يخفى، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان و فلان فرفعت) فمجرد هذه الخصومة البسيطة رفع هذا الخير العظيم فما نقول نحن والله المستعان.‌

خامسا- أن من أعظم أسباب تأخر نزول الغيث منع الصدقات الواجبة والمستحبة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا). وقد ذكر أهل العلم في آداب الخروج لصلاة الاستسقاء الصدقة وقالوا إن المطر من رحمة الله لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد) الشورى 28، ورحمة الله قريب من المحسنين كما قال سبحانه: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف56، ومن أعظم الإحسان الإحسان إلى الخلق بالصدقات.

سادسا- أنه لا بد من نبذ الكبر والخيلاء ونحوها من الصفات التي هي منازعة لله ومجلبة لغضبة وسخطه وأن يظهر في مقابل ذلك التخشع والافتقار وإظهار الحاجة، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا).

سابعا- الإكثار من الاستغفار الذي يتفق فيه اللسان والقلب وهذا من أعظم أسباب نزول الغيث كما قال نوح عليه السلام لقومه: ً(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً). وقد استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما زاد على الاستغفار، فقيل له في ذلك فقال: طلبت المطر بمجاديح السماء. أي بمفاتيحها. أو كما ورد عنه رضي الله عنه.

ثامنا- عدم التهاون بصلاة الاستسقاء لأن التهاون فيها نوع من الاستغناء، وقد ذكر أهل العلم أن أهل الذمة إذا طلبوا منا أن نمكنهم من الخروج للاستسقاء لم يمنعوا بشرط أن ينفردوا عن المسلمين في المكان لا في الزمان، فليت شعري ما هو حال كثير من المسلمين مع هذه الصلاة.

ربنا عاملنا بما أنت أهله ولا تعاملنا بما نحن أهله أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

للأمانه منقول