عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2011-04-14, 10:50 PM
الصورة الرمزية كمال البدور
كمال البدور كمال البدور غير متواجد حالياً
مراقب واحة البراري العامة
 
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: الاردن
المشاركات: 16,202
جنس العضو: ذكر
كمال البدور is on a distinguished road
افتراضي حكاية رجل من قبيلة صليب

تقول الحكاية، وهي حكاية حقيقيّة، بأنَّ رجلاً من قبيلة «صليب»، فَقَدَ أربعة من أبنائه الخمسة، وكان ولده الوحيد الباقي «فهد»، وهو الأصغر مولعاً بالصَّيد مثل والده. وكان الأب والابن يخرجان معاً للصَّيد. وحدث أن خرج الأب للصَّيد مبكِّراً، فلحق به «فهد» رغماً عن توسُّلات أُمِّه، حاملاً بندقيته متوجِّهاً إلى الصَّحراء. وقد اصطاد «فهد» عدداً من طيور الحباري. وعندما اشتدَّ لهيب شمس الصحراء، توكَّأ الإبن على كومةٍ من الحجارة ووضع طيور الحباري فوق رأسه لتحميه من حرارة الشمس وراح في نومٍ عميق. ومن بعيد لاحت في الأُفق طيور الحباري، التي حسبها والده طيوراً حيّة، فأطلق عليها النَّار، وعندما وصل إليها وجد ابنه صريعاً غارقاً في دمه. حمله بين يديه وعاد إلى «أم فهد» حاملاً صيداً، ليس مثل أي صيد. وقد جاءت هذه القصيدة «مرثاة» حزن، ليس هناك أصدق منها تعبيراً عن حزن الإنسان وأهداها إلى «نمر بن عدوان» الذي بقي أسير الحزن بعد وفاة زوجته.

تبدأ القصيدة بمناداة راكب «الملحا» _ النَّاقة، فيقول:

ياراكب الملحا لها الكور شدي
قم ياوليفي واعتلي فوق هياف

تسبق نسيم الريح يومن تمدي
واسرع من اللي بالسما ريشها ارداف

ودي تزور الهند والسند ودي
وتدور الدنيا من الكاف للكاف

يدعو الشَّاعر صديقه لركوب النَّاقة، وقد أُعدَّت للسَّفر، وهي تسبق الرِّيح عندما تنطلق، بل أسرع من الطُّيور في السَّماء. ويواصل القول:

ودي ل ابن عدوان مكتوب ودي
ل نمر هلي للخطاطير وقاف

يانمر وين اللي بنى قصر جدي
وين الصحابه يانمر وين علا الكاف ( الكهف )

وين السليم من النيا والتعدي
والبين ما لطم اخدوده ولا شاف

وهو يبعث قصيدته إلى نمر بن عدوان، وهو الرجل الكريم الذي يفتح بيته «للخطار» المسافرين عبر منطقة الشونة سواء إلى فلسطين أو في الأردن. ويتساءل، أين الذين أشادوا بيوت أجدادهم، وأين الأصدقاء، وأين أهل «كاف»؟؛ وكاف هنا اسم جبل كانوا يعتقدون بأنّه أحد أطراف الأرض. ويتصاعد حزن الشاعر وهو يصف دموعه الهاطلة، فمن قبلهما أصبح مرود العين صدئاً، ولكن حزنهما أعاد استعمال «المرود» وهو عبارة عن «عود خاص» تكتحل به العين.

من قبل منك مرود العين صدي
والعين تذرف دمعها جواز وارداف

على جنين بأول العمر مدي
هو مهجتي يانمر من ورى القاف

وقد كان بكاؤه على ولده الذي فقده وهو في مطلع عمره، وكان يسكن في قلبه وفي داخل ضلوعه. ثمّ يصف صيد الحباري:

صيده حباري والحر زايد بشدي
وناثر من الجنحان على الراس رفراف

كن لاحلي بالزول مثل المهدي
مشعل فتيله وناهظه بين الكتاف

علمي امغيظه ما تغالط بيدي
ثار الطلق من ثوعته والقلب خاف

في هذه الأبيات وصف الشاعر، كيف أنّ الحرّ كان شديداً، وأنَّ ولده وضع طيور الحباري فوق رأسه، فظهرت «الجنحان» كأنَّها الطيور طليقة، فوجّه بندقيته _مغيظه- وهي لا تخطئ، وأطلق النار وشعر بأن قلبه وجل. وعندما حضر وجد ولده القتيل يتخبّط بدمه. وهنا وصفه بطريقة تصل حدّ الإعجاز عندما قال:

يومن نظرته رمش عينه منــدي
يخبط حمر من قوة القلب لصاف

عندما نظر إليه كان رمش عينه طريَّاً وكأنّه مغطّى بالندى وهو غارق في الدَّم الأحمر الفوّار من قوَّة دفع القلب له. وتبلغ المأساة مداها عندما يقول:

شلته بيدي والتقيته بزندي
ودمعي نزل من مقلة العين رشاف

ناديت بجنح الليل على ام فهد
هيلي قدرن مانشى البين باطراف

راحت ورجعتلي ومابه تحدي
وتقول عزراييل ماظن حدا عاف

الموت ما ينحاه كثر التفدي
يرميك لاونك على راس مشراف

لقد حمل ولده بين يديه وأسنده إلى زنديه، بينما كانت دموعه تنهمر بشدّة، وراح ينادي زوجته في الليل المظلم لتحضر له وعاء من بيوت الجيران الذين لم تصبهم مصيبة. ولكن الحقيقة أنّه ليس هناك من لم تصبه كارثة؛ لأنَّ عزرائيل لا يترك أحداً، والموت لا يمكن تجنُّبه حتّى لو كنت على رأس جبلٍ عالٍ

التوقيع:
رد مع اقتباس