الثالث: طرق الاستمطار وأوقاته وأدواته وتحليل معلوماته ونتائجه وفوائده:محاولات استمطار السحب وأنواعه وطرقه وزمانه ومكانه وأدواته ونتائجه لم يثبت منها شيء مائة بالمائة إلى الآن، إنما هي تجارب تأخذ طابع المشاريع العلمية، لكن لا بأس أن نشير إلى الطرق التي جربت إلى الآن وأثمرت حسب تقارير استقيناها من دائرة الأرصاد الجوية الأردنية(45).الطريقة الأولى: طريقة تشغيل محطات الاستمطار من الأرض لشحن السحب في الجو.الطريقة الثانية: طريقة الاستمطار الجوي بواسطة طائرة الاستمطار.طريقة تشغيل محطات الاستمطار من الأرض لشحن السحب في الجو:يتم استمطار السحب التي في الجو من الأرض بواسطة نثر الغيوم من هذه المحطات(46) من بعضها بأنوية "أيوديد الفضة" حسب الأوضاع الجوية السائدة، ولكل مرة نثر طريقة، وكل من هذه المحطات تقدم تقريرها الخاص، وذلك في حالة تشغيلها دفعة واحدة لإحداث منخفضات جوية عميقة.وتستخدم المولدات الأرضية(47) بشكل أساسي لزيادة المساحات التي يتم نثر الأنبوبة فوقها واستمرار نثر الغيوم لفترات طويلة 24 ساعة، 36 ساعة، 48 ساعة، دون توقف، وحسب إحصائية 96-97 في دائرة الأرصاد الجوية بلغت ساعات الاستمطار من المولدات الأرضية 2876 ساعة(48).ورغم حسنات المحطات الأرضية في الاستمطار لكن قصورها [FONT='Tahoma','sans-serif']Limitations[/font] أنها لا تعمل في حالة الرياح السطحية الخفيفة، وحالة وجود انعكاس حراري على المستوى المنخفض بالقرب من سطح الأرض.ثم هناك شروط عند تشغيل محطات النثر الأرضية لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند النثر منها(49):1- أن لا يقل ارتفاع موقع المولد الأرضي عن 300م فوق سطح الأرض.2- اختيار أماكن المحطات بحيث تكون على سطوح الجبال المواجهة للغرب كما هو في بلادنا حيث الهواء المثقل بالرطوبة والقادم من البحر المتوسط، يرتفع فوق الجبال حاملاً معه أنوية انجماد من المولدات الأرضية إلى قاعدة الغيم، ومن ثم تكمل الغيمة ذاتياً توزيع الأنوية أفقياً وعمودياً.أما نسبة ما يمكن نثره من محلول أيوديد الفضة من المولد الأرضي فتسعة جالونات حوالي 30 لتر.أما كيف ينثر الغيم من المحطة الأرضية لنثر الغيوم فيتم بواسطة المولد الأرضي الذي يتكون من جزئين رئيسيين يعرف أحدهما، بالرأسي وهو أعلى الجهاز، والآخر بالمستودع.وتكوين الرأسي معقد ففيه يتم تحديد كمية المحلول الكيماوي المستخدم في النثر والذي ينساب إليه تحت ضغط غاز البوتين أو البروبين الذي يدخل المستودع من فتحة خاصة جانبية، كما يتم ضغط الغاز وضبطه من خلال جهاز يثبت بين المستودع وأنبوب الغاز ذي الحجم الكبير، ويتم تعيير جهاز الضغط مع بداية كل موسم مطري.الطريقة الثانية: طريقة الاستمطار الجوي بواسطة طائرة الاستمطار:يتم نثر الغيوم من الجو بواسطة طائرة نثر الغيوم [FONT='Tahoma','sans-serif']Rain Bird[/font] المزودة بنظامين للنثر الجوي، وذلك بواسطة مولدين مثبتين تحت جناح الطائرة، وهذا النظام الأول، أما النظام الثاني: فيعرف بنظام الشعلة [FONT='Tahoma','sans-serif']Flares[/font]، وتتكون الشعلة من خراطيش تحمل داخلها ما يشبه الصينية، مقسمة داخلياً لتتسع مائة واثنتين من الشعل، وتحتوي كل شعلة على 10غم إلى 30غم من مسحوق مزيج (أيوديد الفضة) و(أيوديد الأمونيوم) بنسب ثابتة ومعروفة، وفي الأردن تستخدم الشعلة ذات العشرين غرام، ويتم قذف الشعلة من الطائرة بواسطة جهاز تحكم إليكتروني داخل الطائرة، فتطلق إلى الأسفل إما من داخل الغيمة أو بالقرب من قاعدة الغيم حسب الوضعية الجوية السائدة، وبعد دراسة مسبقة، ويتم اشتعالها ونثر المادة التي تحتويها على شكل ذرات خلال ثوان معدودة ومعروفة.كيف ينزل المطر بواسطة طائرة نثر الغيوم بعد نثر المحلول في السحابة؟أظهرت الدراسات والأبحاث(50) أن قطيرات الغيوم التي تتكون نتيجة تكاثف بخار الماء في الهواء تكون متناهية في الصغر بحيث يستحيل سقوطها من الغيوم على شكل مطر، ويتراوح نصف قطر قطيرات الغيوم أو حجم القطيرة من (1-20) ميكرون (1[FONT='Tahoma','sans-serif']n=10**-6m)(51[/font])، (الميكرون يعادل 10-6 متر)، وتتراوح سرعة سقوط هذه القطيرات داخل الغيوم من 0.1 إلى 5سم/ث فقط، كما يغير من توازنها وجود أي حركة عمودية في الهواء المحيط، وسيتم تبخرها فور خروجها من قاعدة الغيمة في حالة عدم توفر هواء مشبع بالرطوبة، أما حجم أصغر قطيرات المطر وهو الرذاذ فهو حوالي 100 ميكرون، ويصل حجم قطرات المطر في العادة ما بين 0.50 و 3ملم ولها سرعة سقوط تتراوح ما بين 70سم/ث و 9م/ث، ولذا تتمكن قطرات المطر الكبيرة من السقوط من الغيوم والوصول إلى سطح الأرض دون أن تتبخر كلها حتى ولو كان الهواء المحيط غير مشبع ببخار الماء(52)، ولذا فإن الفارق الأساسي بين قطرات المطر وقطيرات الغيوم هو الفارق في الحجم، فمثلاً قطيرة غيم لها حجم يساوي 10 ميكرون يجب أن يزيد حجمها مليون مرة قبل أن تصبح قطرة مطر حجمها 10ملم، وقد تبين من الدراسات أن عملية تكاثف بخار الماء وحدها غير كافية لتكوين قطيرات مطر خلال الفترة الزمنية لحياة الغيمة التي هي في المعدل تقارب عشرين دقيقة.أما كيف تكون قطرات مطر في الغيوم حتى يسقط مطر فبطريقتين(53):الأولى: طريقة التصادم والتجمع [FONT='Tahoma','sans-serif']Collision and[/font][FONT='Tahoma','sans-serif']Coalescence[/font].الثانية: طريقة بيرجرون، فندايزن (سويدين) [FONT='Tahoma','sans-serif']Bergeron and[/font][FONT='Tahoma','sans-serif']Findeisn[/font].تعتمد الطريقة الأولى على تصادم القطيرات لتكوين قطرة ماء أكبر، أما الثانية فتعتمد على تحول ماء القطيرات الصغيرة المتعددة إلى عدد أصغر من بلورات الثلج، ولكنها أكبر في الحجم، وذلك بأن يتبخر الماء ثم يترسب على أنوية الانجماد المتوافرة في الغيوم، وحين تكبر بلورات الثلج إلى حجم قادر على التغلب على حركات الهواء الصاعد تكتسب سرعة سقوط مناسبة وتستمر في النمو أثناء سقوطها عن طريق تجميع قطيرات لغيوم التي تصادفها أثناء سقوطها إلى أسفل.وخلاصة هاتين الطريقتين – حتى يسقط المطر – هي القيام بمساعدة قطرات المطر، بتزويد الغيوم بأنوية انجماد صناعية في الأجزاء التي تكثر فيها قطيرات الماء، وبالطبع فإن كلاً من هاتين التقنيتين تعتمد وجود الغيوم، وعليه لا يمكن القيام بعمليات نثر في الأيام الصافية.هذا ويعتمد نثر الغيوم بأنوية انجماد صناعية (كأيوديد الفضة) على حقائق تم اختبارها والتأكد من سلامتها وهي:أ – وجود ماء درجة حرارته تحت الانجماد داخل الغيمة أو توفر قطرات ماء تبقى في حالة السيولة على درجات حرارة دون الصفر المئوي في الغيوم.ب – ضغط بخار الماء فوق الثلج أقل منه فوق الماء تحت الانجماد، وهكذا تتمكن بلورات الثلج من النمو في الحجم على حساب قطرات الماء بتبخر الأخيرة وترسبها على الأولى، وعليه يمكن أن تنمو بلورة الثلج على حساب عدد من قطرات الماء.ج – طريقتا التصادم والتجميع وطريقة برجون – فندايزن مسؤولتان عن تكون أنواع الهطول المختلفة في مناطق خطوط العرض المتوسطة كالأردن مثلاً.د – تتوفر أنوية انجماد صناعية لنثرها في الغيوم بتكاليف معقولة، وفي حالة استخدام أنوية أيوديد الفضة كأنوية انجماد صناعية فإن ذلك يتم في الغيوم التي تتراوح درجة حرارة قمتها ما بين 12ْم و 20ْم.وقد اختيرت النهاية الصغرى وهي 21ْم، لأن درجة الحرارة التي تبدأ عندها انتشار ذرات أيوديد الفضة لتعمل كأنوية انجماد هي -5ْم، ونحتاج – هنا – إلى عمق كاف من الغيوم فوق مستوى درجة حرارة انتشاره، ليسمح لبلورات الثلج بأن تنمو إلى الحجم المناسب لسقوطها كهطول(54). أما النهاية العظمى وهي -20ْ فقد اختيرت لأن عدد بلورات الثلج التي تتوفر في الغيوم بشكل طبيعي عند هذه الدرجة أو أقل منها يكون كافياً لإحداث الهطول – وبكفاءة – دون مساعدة خارجية، كذلك فإن حدوث الانجماد على مقدم الطائرة أو على الجناحين أو على الزجاج الأمامي لها خلال طيرانها داخل الغيوم يعتبر مؤشراً لوجود قطرات الماء تحت الانجماد في الغيمة وبوفرة مناسبة لبدء عملية نثر الغيوم الجوي(55).نتائج الاستمطار وتحليل معلوماته وفوائده:يصعب معرفة نتائج الاستمطار في أي بلد من البلدان دون جمع المعلومات لسنوات الاستمطار المتتالية، وطالما أن مشروع الاستمطار في الأردن – مثلاً – عمره قصير وهدفه الأساسي زيادة كمية الأمطار دون أن يكون مشروعاً علمياً بحتاً لعدم توفر القدرات من جميع الوجوه، فنكتفي بذكر طريقتين من الطرق يعتمد عليهما عالمياً – والأردن منها – لمعرفة النتائج(56):الطريقة الأولى تعتمد على خرائط فعالية الهطول:تعرف فعالية هطول المطر بأنها ذلك الجزء من معدل رطوبة الجو الذي يسقط كمطر أو يهطل في المتوسط اليومي(57)، ويحسب من معدل الهطول ومعدل الكم المائي المتوفر للهطول في الجو(58).وبناء عليه اختيرت تسعة عشر محطة من محطات الأرصاد الجوية في الأردن، وأخذت معلوماتها لثلاثة عشرة سنة، ثلاثة منها فترة استمطار وعشر سنوات تسبقها، وقد روعي في اختيار المحطات أن تمثل الاختلافات المناخية للأردن بالقدر الممكن، ومن ثم حسبت قيم ما يعرف بفعالية الهطول، فتبين أن الزيادة في نسبة الهطول 19%، فإذا كانت كميات الأمطار في الأردن تقارب في معدلها السنوي العام 8000 مليون م3 في حين تزيد على 12000 مليون م3 للسنوات الرطبة، فإن نسبة 19% كزيادة في المطر نتيجة مشروع الاستمطار، وهي نسبة ممتازة لأن النسبة العالمية تتراوح بين 25% و30%(59). كما هو موضح بالمرفق رقم 1.الطريقة الثانية وتعتمد على الإحصائيات الحسابية:حيث قسمت مناطق الاستمطار في الأردن إلى أربع مناطق كما هو مشار إليه في المرفق رقم 2.[FONT='Tahoma','sans-serif']A1 A2 A3 A4[/font][FONT='Tahoma','sans-serif']B1 B2 B3 B4[/font]ومن ثم أخذت المعدلات فكانت النسبة 17.5%.وبعد ذلك قسمت منطقة الهدف إلى قسمين: خارجي وداخلي، شمل القسم الخارجي [FONT='Tahoma','sans-serif']A1-A4[/font]، والقسم الداخلي شمل [FONT='Tahoma','sans-serif']B1-B4[/font].وذلك لاختلاف عمليات الاستمطار في كليهما بسبب الحركة العامة للغيوم من الغرب إلى الشرق، حيث يؤدي إلى زيادة واضحة في تكرار النثر بالنسبة للمناطق الفرعية الداخلية، وبالتالي ارتفاع النسبة المئوية للأمطار فيها، مما يجعل فصلها وأخذ معدل لها خاص بها أمراً حتمياً. وعليه تكون الزيادة في الأمطار في المناطق الفرعية لمنطقة الهدف كالتالي:أ – الزيادة في المناطق الفرعية 17.5%.ب – الزيادة في المناطق الداخلية 26.5%.ويكون بالتالي معدل الزيادة في كمية الأمطار السنوية لعمليات الاستمطار هو:19.5 + 15 + 17.5 + 26.5 = 19.5% وهي نسبة قريبة جداً إلى النسبة 4 الناتجة من خرائط فعالية الهطول.فوائد الاستمطار:أما وقد عرفنا طرق الاستمطار وكيفياتها حسب نوايا الدول التي تتبنى مشاريع الاستمطار – ومنها الأردن(60)- فإننا نذكر جملة من الاستفادات الأخرى زيادة على المطر:1- دراسة فيزياء الغيوم وطبيعة تشكيلاتها.2- دراسة أنواع الغيوم، وأيها أكثر فائدة واستجابة لنثر المحاليل فيها.3- دراسة جدوى محطات الاستمطار الأرضية بشكل منفصل عن غيرها.أما الفوائد المباشرة للأرض والزراعة فكما يلي:1- تنشيط الاقتصاد الزراعي وتوسيع رقعة الأراضي المزروعة.2- توفير مخزون إضافي للمياه السطحية والجوفية.3- زيادة مساحات الأراضي الزراعية الجافة على حساب الصحراء، وبالتالي المساعدة في مقاومة التصحر.الرابع: حكم الاستخدام السيئ للاستمطار والأضرار التي تنتج عن ذلك:آثرت إرجاء الكلام عن الاستخدام السيئ للاستمطار لآخر فرع من فروع المبحث الرابع، وذلك حتى يتسنى لي الإحاطة بكل جزئياته من الناحية الفقهية والعلمية، ولا سيما بعد ذكر الأدلة الشرعية والأسباب والشروط الكثيرة التي تستحسن، فعل الاستمطار وتجمله، وكذلك بعد التمعن في التجارب العلمية المتعلقة بهذا النوع من الاكتشاف، وبناء عليه أقول: يمكن التعامل مع السحب لاستمطارها بطريقتين:الأولى: إيجابية، وقد فصلنا فيها سابقاً عند ذكرنا للأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة والإجماع والمعقول، وعند ذكرنا الأسباب والشروط التي تجب على كل من أراد أن يخوض تجارب الاستمطار، ويخوض غمار الأجواء العليا في عالم الفضاء مما يمكن الرجوع إليه سابقاً(61)، فإذا تتبع العلماء هذه الأدلة، والشروط والأسباب، فاعتقادي أنهم سيحققون نتائج ملموسة – في مجال العوز المائي والرحمة المستسقاة من صاحب الرحمة، والتقدم العلمي – لهم ولشعوبهم وللبشرية المتعطشة لكل الأولويات والضروريات وكل سبل الحياة القويمة، مما ستنعم به الأجيال القادمة، ولا شك أنه على رأس قائمة هذه الضروريات الماء؛ لأنه به تحفظ النفوس والأبدان، التي هي من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام ليؤكد عليها في حفظه لمصالح العباد، ومن يدري، فلعل وعسى أن تكون تجارب القائمين على مراكز الاستمطار ومحطاته في العالم من العلماء المنصفين الإيجابيين، لأن عكس ذلك يعني تحول مشاريع الاستمطار إلى شر وبيل تحصد القائمين عليها، وتحصد الأجيال البشرية مما سنناقشه في الصفحات اللاحقة.الثانية: سلبية، وهذه الطريقة تزداد سلباً، لأن نبرة التشاؤم من تحقيق نتائج سريعة وكبيرة للاستمطار تزداد يوماً بعد يوم لعاملين:العامل الأول: الجهل.العامل الثاني: الغرور والكبرياء والأنفة.الجهل:لا يزال قسم كبير من البشر يسيئون فهم قسمة المطر، ويقفون موقفاً سلبياً من كل التجارب الكونية، فضلاً عن تجارب الاستمطار، يظل حدثاً طبيعياً غير مفهوم علمياً، لأنه نتيجة تفاعلات بين عناصر شتى مختلفة غير معلوفة لنا، من بينها مثلاً الرياح الشمسية التي لها تأثير كبير على الحالة الجوية، وعلى المطر بشكل خاص، ومصدر هذه الرياح الشمس ذاتها، وإن كانت أذيالها تصل إلى الأرض في شكل قسيمات ذرية مشحونة كهربائياً(62).أقول: إذا كان شأن المطر في جهل حقائقه إلى هذا الحد، فأعتقد أن الجهل بما يسمونه المطر الصناعي سيكون أكثر؛ لأن كل المحاولات التي بذلت إلى حد الآن في العالم لاستمطار السحب لا تزال مجرد تجارب، رغم أنها بدأت قبل عام 1946م، هذا ما أصدره تقرير عن المجمع الأمريكي للرصد الجوي الذي صدر في سنة 1957م(63).يقول الدكتور الفندي أستاذ الفلك والطبيعة الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة ما نصه(64): (إن الظروف الطبيعية التي تؤدي إلى تكوين المزن ونزول المطر لا يمكن أن يصنعها البشر، بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها، وذلك لأنه لكل من هذه الطرق ظروفها الخاصة، ولا يزال موضوع المطر الصناعي واستمطار السحب العابرة مجرد تجارب لم يثبت نجاحها بعد، وحتى إذا ما تم نجاحها فإن من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي، حتى يمكن استمطار السماء صناعياً، أي أن واجب علماء الطبيعة الجوية لا يتعدى قدح الزناد فقط بتوليد حالات من فوق التشبع داخل السحب الركامية).هذا، وتجد الجهل نفسه في معرفة حقيقة المطر من الناحية الشرعية عند بعض المسلمين ولا سيما المتخوفين من الخوض في مسائله(65).وعليه، فإن فقهاء وعلماء الشريعة، ومثلهم علماء الأرصاد الجوية والمناخية متفقون على أن الماء سر من أسرار الله في الطبيعة، ولا زالوا يؤكدون أن رحلة الماء في أجسامنا ومن حولنا ومن فوقنا ومن تحتنا في بداياتها، فكيف بالمطر الصناعي؟! هذا ما قاله عدد كبير من البحاثة الكبار أمثال ساربولي العالم الفرنسي، وطوربار جيرون العالم السويدي، ومارشال، وفاسي، وجليبار، وموريس بوكاي، من العلماء الفرنسيين(66).يقول العالم والطبيب موريس بوكاي في معرض تعليقه على الماء الأجاج والماء العذب ما نصه(67): الاستشهاد بأن الله كان يستطيع أن يجعل الماء الطيب بطبيعته مالحاً شديد الملوحة هو طريقة في التعبير عن القدرة الإلهية، وطريقة أخرى في التعبير عن هذه المقدرة نفسها: تحدي الإنسان أن ينزل الماء من السحاب، ولكن إذا كانت الطريقة الأولى مجرد قول بديهي أفلا تكون الثانية كذلك في العصر الحديث حيث سمحت التكنولوجيا بإطلاق المطر صناعياً؟ أيمكن معارضة دعوى القرآن بطاقة البشر على إنتاج المطر(68)؟!ويضيف: ليس الأمر كذلك، إذ يبدو أنه لا بد من الأخذ في الحسبان بحدود إمكانات الإنسان في هذا الميدان، فقد كتب م.أ. فاسي [FONT='Tahoma','sans-serif']M.A. Facy[/font] – مهندس عام الأرصاد الجوية الوطنية في مقالة "الهواطل" بدائرة معارف أونفرسالس ما يلي(69):(لن يمكن أبداً إسقاط مطر من سحابة لا تحتوي على سمات السحابة القابلة للهطول، أو من سحابة لم تصل إلى درجة مناسبة من التطور أو النضج، وبالتالي فإن الإنسان لا يستطيع إلا أن يعجل بعملية الهطول مستعيناً في ذلك بالوسائل التنقية الملائمة، على شرط أن تكون الظروف الطبيعية لذلك مجهزة سلفاً، ولو كان الأمر غير ذلك لما كان الجفاف عملياً، وهذا غير حادث، وكما هو واضح فإن التحكم بالمطر والطقس الجميل ما زال حتى اليوم حلماً، ولا يستطيع الإنسان أن يقطع كيفما يشاء الدورة الثانية التي تضمن حركة المياه في الطبيعة).يستفاد من هذا أن الجهل بحقيقة تنزيل المطر صناعياً لا زالت الألسنة تتناقله، ولا زال المتخوفون من هذا الصنيع يحذرون منه بحجة أن ذلك اعتداء على أصل خلقة المطر وعلى من عنده علم الساعة وتنزيل الغيث، واعتقادي أنه إذا كان في كلام هؤلاء بعض الصواب، لكن ليس الصواب كله، وذلك لما هو معلوم من أن الإفراط في الحرص يساوي التفريط فيه، وربما يتعداه، فمنشئ الأمطار، هو منشئ مقدماتها وأسبابها وتدابيرها، ليلجها أولئك الذين شاء الله لهم ذلك، من بشر أو ملائكة جرياً على سنن الله في الأرض، ونواميسه في الكون، وفي هذا المجال يعلق الأستاذ عبدالحميد الزنداني فيقول(70): (عندما تمكن الإنسان من معرفة السنن الإلهية التي أجراها الله والأسباب التي قدرها لإنزال المطر، أخذ الإنسان يحاول أن يستخدم هذه السنن على نطاق محدود لإنزال ماء السحب عند بروزها، فظن بعض الجهلة ذلك تطاولاً من الإنسان على قدرة الله، ومساواة بين الإنسان وخالقه، وقالوا: إنه أصبح في مقدور الإنسان الأمر الذي كان في مقدور الله، ويضيف: ألم يعلم هؤلاء أن الله هو خالق الأشياء وأسبابها وأقدارها، وأن الإنسان هو خليفة الله في هذه الأرض الذي يستخدم هذه السنن والأقدار، فالقرآن لا يحرم على الإنسان إنزال المطر، كما أن الله هو الذي يزرع الأشجار والنباتات بتقديره وقدرته، إلا أن ذلك لا يحرم على الإنسان أن يقوم باستخدام أقدار الزراعة وسننها في زراعة الأرض، بل إن على الإنسان أن يعرف التي منحه الله إياها، وذكر ذلك في كتابه بقوله: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: من الآية30)، وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثـية: من الآية13)، انتهى كلام الزنداني.ويؤيد كلام الزنداني ما توصل إليه العلماء من تجارب على السحب حيث إن متوسطات كميات الهطول زادت بما يعادل 30% في الأيام التي عولجت فيها السحب صناعياً على كميات الهطول في الأيام التي لم تعالج فيها السحب صناعياً، وذلك خلال ثلاثة أعوام متوالية، وقد حدث هذا في أعوام الخمسينيات المتأخرة(71)، وهذا يدل على أن الإمكانيات والفرص موجودة وقائمة لمثل هذا النوع من العلم والتجارب، وأن الشريعة لا تقف موقفاً سلبياً من الفرضيات والاحتمالات التي علق عليها الزنداني.العامل الثاني: الغرور والكبرياء والأنفة:مع أن هذا العامل لا ينفصل كثيراً عن الجهل في فهم تدابير الله عز وجل في إنزال المطر، وفهم سننه الإلهية في إنابة من شاء من البشر في إجراء بعض أجزائه، كالمطر الصناعي مثلاًن كما يوجد ملائكة موكلون من الله تعالى بإنزال المطر لكن فهم بعضهم لهذا جاء بشكل معكوس، وبمعنى آخر أوصله فهمه لنواميس الكون وسنن الله في الأرض إلى غرور وكبرياء وغطرسة، فأعلن حربه على مبدع الكون ومسخر السحاب، فانبرى للتعامل مع الأخيرة باستعلاء وتكبر، مما قاده إلى أسوأ العواقب، وأسوأ استخدام سيئ للاستمطار، فأخذته العزة بالإثم وهو يجري تجارب الاستمطار أو ارتياد الفضاء أو تشغيل محطات الاستمطار، فانطلق يتحدى السحابة بغير تعليمات القرآن، واجتهد ليظهر النتيجة بغير توكل على الله، وتسليم به واعتماد كامل عليه، فبدل ذلك كله عزا الأمور إلى علمه وغروره القاتل، وحسبه في استخدامه السيئ أنه لم ينس بالصنعة إلى الصانع، ولا استدل بالأثر على المؤثر فخاب فعله وفشلت تجربته، وعليه يلزم مجري تجربة الاستمطار، وقائد طائرة الاستمطار، وراصد محطة الاستمطار – بل يلزم كل طاقم وكادر وإداري وفني الاستمطار من مصممين ورواد فضاء وعمال وغيرهم، إضافة إلى القاطنين والسكان – الشروط التالية التي ذكرها الفقهاء في أبواب وصفة صلاة الاستسقاء(72) عند إجراء التجربة وبعدها، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأسلوب أو الطريق الذي يؤدي به الفعل، تبعاً لطبيعة الفعل نفسه وزمانه ومكانه، هذا ويعد المستمطر، أو قائد طائرة الاستمطار، أو المتحكم في تشغيل محطة الاستمطار مستخدماً مسيئاً لتجربة ومفهوم الاستمطار إذا فعل التالي من مثل ذلك الذي يتناقض ويتنافى مع رسالة الإسلامي الصافية النقية في طلب المطر:1- انطلاقه لأجواء الفضاء بغير نية صادقة، وتوبة من المعاصي، ومن غير تواضع، وخشوع باعتبار أنه يقوم بأعمال عبادة، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: من الآية96)، وفي حديث ابن عباس: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً، حتى أتى المصلى)(73).2- تخبطه من غير توكل، ومن غير تهيئة لكل أسباب النجاح من تحضير مسبق لكل مستلزمات عملية الاستمطار.3- غروره بعدم صلاة ركعتين؛ لأن الركعتين سنة من سنن الاستمطار، حتى إن الجمهور يعتبر هذه الصلاة من السنن المؤكدة، وذلك تيمناً وتبركاً بالمطر(74).4- ارتياده الجو بغير دعاء واستغفار، والاستعاضة عنهما بما نشهده في عالم اليوم من وسائل للهو، تبعدك عن ذكر الله، فبدل أن يبدأ المستمطر لحظته في الاستمطار بأدعية مأثورة، تراه يستعيض عنها بوسائل إعلامية مرئية أو مسموعة، أقل ما يقال فيها: إنها تتناقض مع فعل العبادة، وذلك لما روى البيهقي أن الدعاء يستجاب في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة، ورؤية الكعبة، ولعمر الحق إنه لفضل ما بعده فضل، أن يدعو قائد طائرة الاستمطار وهو يواجه السحابة ويحاول تطويعها لاستمطارها بمجموع دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: (اللهم مطراً صيباً هنيئاً، وسيباً – أي عطاءً – نافعاً، مطرنا بفضل الله ورحمته)(75)، ويقول عند التضرر بكثرة المطر: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر(76)، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا محق، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق)(77).5- فعل كل عادة أو إشاعة لا تسرع بعملية الاستمطار، أو بإنزال المطر، بل تتناقض معه، ففي الجاهلية سرت عادة إضافة الأمطار إلى الأنواء، فكانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا، فإن اعتقد الفاعل أن ذلك له حقيقة كفر(78) واليوم سرت عادات مشابهة، ولا سيما في سنوات القحط والجفاف كما لو قيل: مطر جاهز، أو ثقبة الأوزون، أو مطر صناعي ويقصدون أنه مطر مصنع بطريقة بشرية والعياذ بالله.6- سب الريح وتكرار السب، أو سب عوالم كونية أخرى لها علاقة بعملية الاستمطار(79).7- إساءته المتعمدة لمنظر المطر، كما لو خرج عارياً أو خرج بثياب صفيقة شفافة، أو حسر عن جسده لا تيمناً بأول المطر ليصيبه شيء منه، بل استخفافاً، كما يفعله اليوم من نشاهدهم في المناسبات والأعياد بقذف أنفسهم في الغدران والبرك شديدة البرودة، روى مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم حسر عن ثوبه حتى أصابه المطر، وقال: إنه حديث عهد بربه)(80)، أي بخلقه وتنزيله وتكوينه، فليت المستمطر أو قائد طائرة الاستمطار أن يفعل ما يشبه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استشكل عليه فعل الاستمطار أو عاندته السحابة، وليته يحسر ثوبه، ويكشف عن بعض جسده وهو يرى علامات تجاوب السحابة ببدء تقطيرها للماء، أو إنزالها المطر المدرار.8- قذفه لمحاليل لا تتناسب مع السحب – أصلاً – لاستمطارها، أو زيادات الكميات المستخدمة، أو إنقاصها إلى درجة تجعل الفعل عبثاً وتلاعباً، مما يصب في مصلحة عدم التوازن.9- تخيره لأسوأ الأوقات والظروف للاستمطار مما لا ينصح بها علماء الأرصاد الجوية، ولا الموجهين والمشرفين على محطات الرصد الجوي الأرضية، كما لو تخير الأوقات المظلمة، أو الأوقات التي لا رياح فيها، أو الأوقات التي لا سحب فيها أصلاً.الأضرار التي تنتج عن الاستخدام السيئ للاستمطار(81):يمكن أن نتوقع النتائج والأضرار السلبية التالية في حالة الاستخدام السيئ للاستمطار، وكلها متوقعة.أ – أضرار عامة للبيئة كلها أو بعضها من تلويث للأرض والجو والإنسان والحيوان، وقد تكون آثار التلويث آنية مباشرة عقب التجربة، أو تكون بعد أعوام وسنين من التجارب العلمية التي أجريت.ب – أضرار خاصة على الأرض التي أجريت فيها التجارب، أو الجو الذي تعاملت فيه طائرات الاستمطار، أو أشخاص الطيارين أنفسهم الذين تعاملوا مع السحب بروح من عدم المسؤولية واللامبالاة، فكانوا هم الضحايا.ج – أضرار اقتصادية ومالية بما كلفت تجارب المستمطرين من أموال وأيدي عاملة وغيرها.د – أضرار نفسية بما تخلفه تجارب الطيارين من مؤشرات وعلامات تدل على العجز البين الواضح في الأساليب والتقنيات المستخدمة في مواكبة الدول الصناعية والمتقدمة.هـ - شح الموارد ولا سيما المائية منها في حالة فشل تجارب الاستمطار أو الاستخدام السيئ له، مما يزيد في ضعف الإنتاج، وقلة الوفرة الزراعية، وزيادة مساحة الأراضي الصحراوية غير القابلة للزراعة.خلاصة القول:بعد أن تبينا من خلال العرض المتعلق بطرق وأدلة وأنواع وأوقات وشروط ونتائج الاستمطار، وكذلك الأحوال التي يصدق عليها – استخدام البعض للاستمطار بصورة سيئة قد تؤدي إلى إرباك الناس وإيقاعهم في مآزق الجفاف والقحط والمحل بسبب لجوئهم إلى طرق فاسدة للاستمطار، مما قد يزيد في قحولة الأرض، وإهلاك الزرع والضرع، من أرض وحيوانات، فضلاً أن الاستمطار السيئ قد يرهق الدولة من جميع الوجوه، ويحملها أعباء مالية، ويستهلك قدراتها الإنتاجية، فضلاً عن الأضرار البيئية الملوثة للجو والأرض مما لا يكون في المقدور التنبؤ عنه بحق الأرض والإنسان والحيوان – نقول: إن الاستمطار مشروع جدي وشرعي وعلمي وتقني مقبول، وبالإمكان الاستفادة منه وتطويره.فما دام أنه لا يتعارض مع قواعد الشريعة، ولا يؤثر على حياة الناس الصحية عندما تنثر المحاليل في الغيوم، وما دام أنه لا يهدد الأرض من حيث كميات الأمطار لا في زمن النثر ولا بعده، وما دام أن رواده والقائمين عليه لا يزعمون أنهم قادرون على أن يصنعوا سحباً تمطر، وإنما هدفهم المعلن إضافة كميات مطر جديدة للأرض، أو إضافة كميات إضافية من المطر لتحسين نمو الأرض، وزيادة رقعتها الزراعية، وتوفير مخزون مائي للمستقبل، ما دام أن كل ذلك كذلك فلا نرى فيه شيئاً مخالفاً لتعاليم الشريعة، لكي نصدر حكمنا عليه بالتحريم أو المنع، إنما تطبيقاته الشرعية والعلمية ممكنة، وأهدافه نبيلة ما لم يخرج عن الغاية والشأن الذي أقر من أجله، أما إذا رتبت له استخدامات سيئة، وخرج عن إطار المشروعية والأهداف المتوخاة منه، عند ذلك يكون حراماً، أو طريقاً مؤدياً إلى الحرام، لما فيه من نزعات شر في عقول وصدور منفذيه من حقد واستعلاء وغرور وجهل، هذا والله تعالى أعلم بالصواب.
يتبع