كانت هذه بدون أدنى شك رسالة تحذير مزلزلة أطلقها جيمس مورفي من مركز هادلي للتنبؤ بالتغير المناخي التابع لإدارة الأرصاد الجوية، حيث خلص مورفي من دراسته التي اعتمدت أسلوباً مختلفاً يأخذ بالاعتبار عوامل اضافية إلى أن درجة حرارة الأرض سترتفع بواقع يتراوح ما بين 6.8 إلى 10 درجات في غضون قرن واحد.
ولا شك أن مثل هذه الارتفاعات في درجة الحرارة سيكون لها انعكاسات كارثية على الكوكب. فمن المتوقع أن تصل مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو ضعف ما كانت عليه قبل العصر الصناعي خلال قرن اذا تواصل فهو حرق الوقود الاحفوري بالمعدلات المعتادة الآن.
ويقول مورفي ان تنبؤاته المركبة «ربما لا تكون الاكثر ارجحية لكنها غير مستبدة على الاطلاق». وهو ليس وحده في هذا الاتجاه، اذ تنبأ ديفيد ستيفورث من جامعة اكسفورد بأن الاحترار الارضي قد يصل الى 12 درجة أو أكثر. ومن الواضح ان هذا الاتجاه الجديد المرعب في التنبؤات سوف يبدأ قريبا في الظهور في كبرى المجلات العلمية.
والسر في الارتفاع المفاجئ في توقعات التسخن الارضي هو ان خبراء التمثيل المحوسب لانماط المناخ قاموا لأول مرة بمراجعة منهجية لنماذج القياس النمطية التي يستخدمونها بحثا عن مواضع ريبة واكتشفوا نقطة ضعف مهمة تتمثل في العامل الذي تلعبه الغيوم.
لطالما اعتبرت الغيوم أحد أكبر عوامل الارتياب في حسابات التسخن الارضي، لكن بدا يتضح الآن انها تلعب دورا ما كان أحد يتخيله. والخوف هو من ان يؤدي التسخن الارضي اما الى تقليص معدلات الغيوم في سمائنا أو الى تغيير نوع الغيوم وتأثيرها على توازن الاشعاعات في غلافنا الجوي، وهو ما قد يضخم تأثير الاحترار الارضي الى درجة تتجاوز جميع التوقعات السابقة.
إن حساسية المناخ لظاهرة التسخن الارضي تعتمد بشكل حاسم على «التغذية الراجعة» أو ردات الفعل التي ربما تضخم او تكبت الاتجاه الاولي للاحترار، ذلك انك اذا ضاعفت مستويات ثاني اكسيد الكربون في الجو، فان التأثير المباشر للاحتباس الحراري هو ارتفاع الحرارة بواقع درجة واحدة فقط تقريبا، وهو امر لا يدعو لكثير من القلق. لكن علماء المناخ يتوقعون ان تطلق ظاهرة التسخن الشرارة لسلسلة من ردات الفعل، سيأتي أهمها في العقود القليلة المقبلة على الاقل من الجليد وبخار الماء والغيوم.
ولنأخذ الجليد أولا. عندما يتسخن العالم، يذوب الثلج والجليد في القطبين والانهار المتجلدة الجبلية ليحل مكانها الماء والصخور العارية والسهول الجرداء والغابات. وخلال حدوث هذا السيناريو، يزداد سطح الارض ظلمة ويمتص كميات اكبر من الاشعاعات القادمة من الشمس.
وتبدو هذه الاستجابة الايجابية واضحة منذ الآن في اجزاء كبيرة من المنطقة القطبية الشمالية، والتي شهدت خلال العقود القليلة الماضية تسخنا اكثر من أي مكان آخر في العالم. لكن هذه العملية سوف تؤدي ايضا الى تسخين الغلاف الجوي الارضي.
أما بخار الماء فهو مثل ثاني اكسيد الكربون يعتبر من غازات الاحتباس الحراري القوية، وبدونه يتجمد كوكبنا. لكن ما سيحدث لبخار الماء مع تواصل التسخن الارضي ليس واضحا تماما الى الآن كما هي الحال مع الجليد.
ومن المؤكد ان ارتفاع حرارة سطح الارض سوف يؤدي الى تبخر كميات اكبر من الماء. وبرغم معارضة بعض المشككين، الا ان هذا سوف يؤدي على الارجح الى زيادة مستويات بخار الماء في الجو، وهذا بدوره سوف يزيد من تأثير الاحترار الارضي، الى الضعف تقريبا حسب التمثيلات المناخية القياسية، واذا اضفنا الى هذا تأثير ذوبان الجليد نصل إلى الخلاصة التي تنبأ بها العلماء الى الآن وهي ارتفاع حرارة الارض بواقع 3 درجات تقريبا بوصول مستويات ثاني اكسيد الكربون الى ضعف ما كانت عليه قبل العصر الصناعي.
لكن الهواجس الاكثر اثارة للقلق تتعلق بآلية التغذية الراجعة الثالثة المتعلقة بالغيوم والمرتبطة بشكل مباشر ببخار الماء. ومن المعروف ان جزءا كبيرا من كميات بخار الماء في الجو تشكل غيوما في نهاية المطاف وخلال حياتها القصيرة تولد الغيوم تأثيرات ايجابية وسلبية فيما يتعلق بحرارة الغلاف الجوى اذ انها في النهار تعكس اشعة الشمس القوية مساهمة في منع ارتفاع حرارة الجو، وفي الليل تمنع تسرب الحرارة فتحافظ على دفء الجو. لكن في النهاية فان احد التأثيرين يطغى على الاخر وهذا يتحدد بعوامل مثل الارتفاع الذي تتشكل فيه الغيوم، وعمقها ولونها وكثافتها.
والسؤال الحاسم هنا هل سيغير التسخن الارضي الغيوم؟ وهل ستولد هذه التغيرات تأثيرات ايجابية او سلبية على المناخ؟ التخمين الاولي يشير الى ان زيادة كميات بخار الماء في الجو سوف تشكل كميات اكبر من الغيوم، لكن الامر ليس بهذه البساطة، فارتفاع معدلات التبخر بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري ربما تؤدي الى «حرق الغيوم» دون ان يتسنى لها انتاج المطر ابدا، لكن من المحتمل ايضا ان يتسبب هذا في «استمطار» الغيوم بسرعة اكبر مما يؤدي الى انحسار مستويات الغيوم في السماء والخوف من ان السماء الاكثر صفاء سوف تضخم تأثير الاحترار الارضي.
وهناك دلائل متزايدة على تأثير «صفاء السماء» هذا ربما بدأ يتجسد فعليا وليس نظريا اذ اظهرت دراسات مركز ابحاث لانجلي التابع لوكالة ناسا ان مستويات الغيوم في المناطق الاستوائية الآن اقل مما كانت عليه قبل بضعة عقود، تشكل وسرعة استمطار السحب في بعض المناطق على نحو يترك مناطق في استوائية اكثر جفافا واقل سحابا.
وبرغم الشكوك الكبيرة التي توجدها القراءات المختلفة لمستقبل التغير المناخي في ظل معطيات ظاهرة التسخن الارضي التي نشهدها اليوم، فان معظم العلماء يجمعون على ضرورة ان تؤخذ كل السيناريوهات المحتملة على محمل الجد من قبل ساسة العالم وبالاخص في الولايات المتحدة الاميركية التي ادارت ادارتها الحالية ظهرها لكل هذه التحذيرات رافضة الانضمام الى الجهود الدولية للحد من ابتعاث غازات الاحتباس الحراري.
فقط التقرير منقول