الاستيطان ورحيل أهل العيص
د.عبدالعزيز بن جار الله الجار الله
كلما اهتزت الأرض تحت أقدام أهل تبوك والمدينة المنورة والضواحي التابعة لهما والمحافظات القريبة منهما كالعيص وينبع وأملج تذكرت وجوه الأطفال والنساء والرجال ممن أرجفت قلوبهم الهزات.. هذه الصورة ستبقى في ذاكرة أهالينا في الشريط الغربي.. صورة الخائفين والراحلين عن مساكنهم وقراهم تلك الجبال التي كانت ملاذاً وخزانات مياه تحفظ مياه الأمطار والمجاري المائية خلال السنوات الجيولوجية التي مر بها الدرع العربي وكيف تحولت تلك الأحواض الصماء و(اللابات) المطفية والحرات الباردة إلى اهتزازات قوضت العيص وساكنيه توعدهم بالأبخرة والدخان واللاب المنصهر.. تذكرت هذا الرحيل المر على أهل العيص محبة لهم ولأسرهم وأبنائهم, تذكرت تلك المشاعر والحزن للشاعر ابن لعبون وهو يغادر مدينته الزبير قبل قرنين من الزمن ينظر إلى الزبير بعيون يملؤها الحزن وهو خارج منها مجبراً ومكرهاً يخاطب صديقة الشاعر ابن ربيعة ويقول:
ذا حس طار أو ضميرك خفوقه
يدق به من نازح الفكر دقاق
الحي هو حيك وطابت فوقه
والدار هي دارك وهذيك الأسواق
يا قلب وأن كانت علومك صدوقه
بينك وبين الدار عهد وميثاق
تذكر بها عيش مضى ما تذوقه
يا عونة الله يوم تقسيم الأرزاق
إلا ولك فيها مقام طروقة
يا عبيد لبسك ناعم الشاش ورقاق
انتزاع الناس من بيئتها تحت أي ظرف يؤثر في دواخلهم حتى إن كان هذا الظرف نتائجه قاسية.. العيص وأهل العيص وقرى الحرات منذ أزمنة وهم بين سواد وبياض الصخور كانوا فيما مضى منسجمين مع الهزات والأبخرة الرمادية الصدوع الأرضية وانفلاقات الأرض والشقوق والأخاديد التي تحدث بعد كل هزه .. لكن الأمر الآن تغير على أهل العيص وحرة الشاقة وربما حرة النار وحرة خيبر وحرة رشيد وجبال الأجرد (وحرة عويرضة) وحرة الزبن، وهدية، والضالعة، والقراصة، والبدع، والسهلة، والفرع، والمهدرة، و(أم لج) وجميع تلك الجبال الممتدة من البحر الأحمر وممتدة شرقاً حتى حد الدرع العربي في القصيم.
الوضع الجيولوجي وباطن الأرض وجيمورفولوجيته تغيرت بسبب عوامل كثيرة محلية وقطرية وإقليمية ممتدة من المحيط الهندي شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً ومن تركيا شمالاً حتى بحر العرب جنوباً نتيجة التغيرات المناخية والعوامل السطحية الطبيعية والبشرية مثل: السدود الضخمة وسحب المياه والغاز والتجارب النووية والحروب التي عرفها العراق والخليج والمشاريع العملاقة في باطن الأرض وتسخين الغلاف الجوي والتغيرات المناخية من أمطار وعواصف أدت إلى تحريك القوة الكامنة في باطن الأرض ولدى الجيولوجيين والجغرافيين الكثير من الأسباب لكنها جميعها أدت إلى تغيير في الخيارات الاستيطانية وتحولات في الموطن الاستيطاني فالذي كان هادئاً وساكناً أصبح هو مصدر فزع وخوف والجبال التي كانت التحصين العاصي على الغزاة أصبحت هي مصدر الخطر, لذا من المناسب طرح أفكار جديدة للاستيطان وفق المتغيرات الحالية, فما كان ثابتاً أصبح اليوم متحولاً.
صحيفة الأقتصادية الالكترونية