عرض مشاركة واحدة
  #145  
قديم 2012-12-21, 04:23 AM
الصورة الرمزية عبدالمحسن المنقور
عبدالمحسن المنقور عبدالمحسن المنقور غير متواجد حالياً
مراسل البراري في منطقة سدير
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: حوطة سدير
المشاركات: 270
جنس العضو: ذكر
عبدالمحسن المنقور is on a distinguished road
افتراضي

23 ديسمبر 2012: الإنسان يكتب نهايته




طارق الخواجي

حتى عام 2000م، كان يبدو واضحاً مدى السيطرة التي تحصل عليها سفر الرؤيا "سفر يوحنا" الذي دونه في منفاه بجزيرة بطمس اليونانية، عن رؤيا رآها في المنام وفيها أحداث مهولة تسبق بدء الحساب، رؤيا مليئة بالغرائب، الوحشان والملك الألفي والأبواق والأختام السبعة والتنين وغيرها مما سيكون الاكثر حضوراً في الأوساط الأدبية والفنية في الغرب خاصة وفي غيرها، والتي مارست ذلك بأثر رجعي لتلك الثقافة المهيمنة، التي ازداد هوسها كل ما اقترب الوقت من نهاية الألفية الثانية التي توقعت فيها كثير من الطوائف نهاية العالم في تأويل مسيحي قديم يعتمد على النص الإنجيلي الذي يروي تقييد الشيطان في قعر جهنم، وأنه لن يستطيع حل وثاقه قبل ألف عام، وهكذا دأبوا على انتظار النهاية على رأس كل ألف عام، إذ يأتي المنقذ المختار لتحل مملكة الرب على الأرض مرة أخرى ويرفل الصالحون في نعيمهم ويجازى العصاة بجريرة أعمالهم، فجاءت الأفلام التنبئية والروايات الرؤيوية وحظت طوائف الافانجليون المتطرفة بأتباع كثر، وبرز إنجيليون متطرفون بولاء منقطع النظير من قبل أتباعهم، مثل الداودي ديفيد كورش الذي انتهى به المطاف، وهو يحرق مزرعة الطائفة في تاكو بتكساس حاصداً روحه وأرواح 54 بالغاً و28 طفلاً في عمر الزهور.

لكن بعد مرور عام 2000م، ومع ضمور الارتقاب التطهيري، وخلو العام من أي أحداث كبرى سوى المشاكل التقنية المتعلقة بالخطأ الألفي الحاسوبي Y2K، توجه الاهتمام الأخروي الذي بدأ في الازدياد مع كل التغول الهائل للرأسمالية في مفاصل الحياة، وصول الاستهلاك والمادية لمراحل عميقة وغائرة في مسيرة الإنسان، الذي غلبته غربته وعزلته الروحية البالغة وصار الافتتان بالتطهير من خلال أحداث كونية كبرى هو السمة الغالبة لكل الحلول الجذرية لكل مشاكله من الفقر والحرب والجوع، هنا في هذه اللحظة كان كل شيء مؤاتياً لأثر قديم آخر – تقويم المايا- في احتلال الصدارة ضمن اهتمام الإنسان مرة أخرى بنهايته الملحمية، ورغم أن هذا الأثر كان مكتشفاً منذ فترة طويلة، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام الجمعي والعالمي إلا مع ظهوره المفاجئ بعد الألفية الثانية، ومن خلال استقرائه الرياضي وحسابه الفلكي، الذي تم دعمه من خلال ظواهر تم تسجيلها من خلال الحساب النجمي والتقييم الفلكي، وبات تقييم المايا هو المؤرخ لنهاية تم احتسابها في الثالث والعشرين من ديسمبر في العام الثاني عشر بعد الألفية الميلادية الثانية، ورغم الاكتشاف الآخر لرزمانات شعب المايا التي عثر عليها في موقع "كزولتان" شمال غواتيمالا، والتي تتضمن تقويماً فلكياً مغايراً يستمر بالتأريخ إلى العام 3500 للميلاد، إلا أنها لم تحظ بأي اهتمام، في مقابل تلك التي تقدم النهاية في وقت قريب جداً وفي صورة ملحمية مبهرة من اضطراب كوني غامر سيجلي الكوكب وساكنيه الذين افتتن عدد كبير منهم بالنهاية ورأوا فيها السيناريو التصحيحي لكل أوضاع ذلك الكوكب المضطرب منذ عقود، رغم الحضارة الظاهرية التي توحي بها التقنية المتقدمة للغاية والتطور الفكري والثقافي!.



وكالعادة فإن الأوساط الأدبية والفنية لن تترك كل هذا الفيضان الروحي دون أن تقتنصه لتقولبه في وجبات للاستهلاك الحسي أو محاولة معالجته بما يثري ذلك الشعور المتلهف لإشباع الفضول الأزلي للإنسان، الذي يبدو أنه يعشق كتابة السيناريوهات التي تقترح فناءه، وبما أن الأكثر تأثراً بهذه الروزمانات التي تخص شعب المايا في أمريكا الجنوبية، هم الغرب، حيث تسيطر عقائد مغايرة في الشرق، فقد كان اهتمامهم بها أكثر، لذا كان لروايات مثل "محلل الشفرة" لستيل بافلو عام 2001م، "ملفات جوشوا" لإم. جي. هاريس عام 2008م، و"الرمز المفقود" لدان بروان عام 2009م، حضور بارز ضمن الكتب الأكثر مبيعاً، ففيها على اختلاف معالجتها ومساحة الأحداث ارتباط بحلول النهاية في عام 2012م الذي تنبأت به رزمانات المايا الفلكية، والتي ظهرت بشكل مبكر جداً في عمل المانجا اليابانية البارزة "مغامرات جوجو الغريبة" التي كتبها ورسمها المانجاكا الياباني هيروهيكو أراكي في ديسمبر عام 1986م، والتي تم تحويلها للمرة الثالثة للأنمي هذا العام في استغلال مميز لحضور تقويم المايا في الثقافة الجمعية المعاصرة، وهو استغلال لم يفت فنانة مثل "بريتني سبيرز" في نسخة مصورة من أغنية "حتى ينتهي العالم –Till The World Ends" عام 2011م، في محاولة شبه يائسة للحفاظ على جمهور يتلاشى، ويتجه نحو فرق شابة تخاتل الموضة السائدة مثل فرقة الإيمو الشهيرة "ماي كيمكال رومانس" التي قدمت ألبومها الأخير "أيام الخطر –Danger Days" عام 2011م، في ثيمة عامة تقتبس النهاية من أحداث 2012م المتوقعة، والتي يحاول سليل الحشاشين "ديزموندمايلز" في لعبة الفيديو الشهيرة "عقيدة الحشاشين –Assassin's Creed" جمع خيوطها من خلال جهاز الأنيموس الذي يعود به إلى أسلافه الذين جمعوا عبر الزمن خيوطاً لمؤمراة يحيكها فرسان الهيكل ستبدأ أحداثها في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 2012، وهي مؤامرة تسبق بيوم واحد فقط المؤامرة الكبرى للمخلوقات الفضائية التي ستستعمر الأرض في السلسلة التلفزيونية الشهيرة "The X-Files". في مسلسل الأنمي البارز "مقياس طوكيو 8.0 –Tokyo Magnitude 8.0" أحداث الزلزال المدمر تأتي في التغيرات البيئية لعام 2012م، بينما يقود هجوم قارة "المو" الافتراضية على طوكيو، إلى إشعال كثير من الأحداث التي تقود إلى ظاهرة تسمى "تناغم العالم"، وهو تناغم لا يتلاءم مع رؤية أخرى للمخرج الأمريكي الأسترالي فرانسيس لورانس في فيلمه "أنا أسطورة –I Am Legend" عن رواية ريتشارد ماثيسون يروي فيها حكاية الرجل الأخير للأرض والذي يحاول العثور على علاج للفيروس الذي مسخ البشرية في عام 2012م، رواية ترى النهاية من منظور آخر غير تقويم المايا، لكنها جاءت تعزز من الهوس الخاص بالنهاية في هذا العام، لكنها لم تستطع ان تداعب ذلك الهوس كما فعل فيلم رولاند إميريتش "2012" عام 2009م، والذي جاء مفصلاً على مقاييس الأخرويين بامتياز في فيلم بلغت تكلفته 200 مليون دولار وبأرباح قدرت في نهايتها بما يصل إلى 800 مليون دولار، من خلال ساعتين ونصف تقريباً غامرة بالدمار وعامرة بمحاولات البقاء في كارثة مهولة، لا تجد البشرية لها حلاً سوى سفن تحاول اقتباس طوق النجاة من خلال محاكاة لاهوتية لسفينة نوح عليه السلام، ولكنها بدل أن تحتشد بالصالحين من البشر، نراها طافحة بالأغنياء وأقطاب التجارة والاقتصاد في العالم وذويهم، إذ هم الوحيدون الذين شروا تذاكر نجاتهم سراً، بينما ظل أولئك البشر العاديون يرقبون موتهم، بين مؤمن يمتلئ يقيناً يحميه، وفَزِع لا يجد ما يؤويه، وبين مهوس بالخلاص يفتح للطوفان ذراعيه!.








المصدر:
https://riy.cc/794542