هل تفصلنا أيام فقط عن نهاية العالم؟
بدأ العدّ العكسي... وقد أُعذر من أُنذر! فها إن حالة الهلع العالمية ترتفع مع كل حركة لعقارب الساعة، تكبر عبر وسائل الإعلام التقليدية، وتتغذّى لتأخذ طابعاً جماهيرياً عبر وسائل التواصل الإجتماعي. وأصبح إنشغال العديدين اليوم بشيء واحد فقط: إيجاد المخبأ المناسب، في المكان المناسب، للبقاء على قيد الحياة...
ففي 21 كانون الأول الجاري، يؤمن عدد كبير من الناس بأن العالم سيلقى نهايته وبأن الكوارث ستعمّ كوكب الأرض. وفي هذا الإطار، بدأت تنتشر الأخبار من حول العالم، تتنوع بين السخرية أحياناً والجدية أحياناً أخرى، تنقل حالة الخوف هذه: فقد أعلن مارك هالتر، المسؤول عن أحد المخابئ الفرنسية التي تعود للحرب العالمية الثانية واسمه "شوننبورغ"، أنه "سيتم الإبقاء على هذا المخبأ مفتوحا طيلة ليلة الحادي والعشرين من كانون الثاني المقبل لاستقبال زوار يعتقدون أن هذا اليوم ستحلّ نهاية العالم". وأشار إلى أن "30 شخصا استفسروا عن إمكانية الاحتماء داخل الحصن وإنهم كانوا جادين للغاية ولم يبدُ أنهم يعانون اضطرابا عقليا"، لافتا إلى أنه "سيتم توفير الزنجبيل والنبيذ الأحمر الدافئ في المخبأ وعند الضرورة يمكن إبقاء المخبأ مفتوحا لفترة أطول".
وقد دفع الخوف المواطن الصيني لو زينجهاي، المتخصص بالعلوم، إلى بناء سفينة كبيرة شبهها البعض بسفينة نوح، بحيث يبلغ طولها 21.2 متراً وعرضها 15.5 متراً وارتفاعها 5.6 متراً، وذلك لكي يتمكن من الخلاص. ووصلت حمّى العد التنازلي لنهاية العالم إلى روسيا أيضاً حيث قامت شركة روسية بعرض فرصة النجاة من نهاية العالم على زبائنها من خلال شراء عدة يستخدمونها في ذلك اليوم مقابل 27 دولاراً فقط... وتتعددّ الأخبار من هذا النوع حول العالم، حتى أن بعض السلطات الرسمية اضطرت للتدخل في بعض الأحيان، كما جرى في فرنسا. فسكان قرية "بوغاراش" في جنوب غربي البلاد، يعتقدون أن العالم سينتهي في 21 كانون الأول بحسب تقويم حضارة "المايا"، ويقولون أن الجبل سينشق في ذلك اليوم ليكشف عن مركبة فضائية تقبع داخله مهمتها إنقاذ من يأتي إليها من البشر من الدمار الذي سينهي الحياة على الأرض. وقررت السلطات الفرنسية إغلاق المنافذ إلى الجبل والمنطقة المحيطة بالبلدة منذ 19 الشهر الجاري، ودعا رئيس بلدية "بوغاراش" بيار لورد المواطنين إلى عدم الذهاب إلى قريتهم للعيد. إلا أن بعض سكان القرية لا يخفون امتعاضهم من الخرافات التي تحيط بقريتهم...
كل هذا الهلع جاء خصوصاً نتيجة انتشار كبير للأفلام الوثائقية والسينمائية التي تتحدث "علمياً" عن "روزنامة شعوب المايا" التي، بالنسبة لهذه الأفلام، تنتهي في 21 كانون الأول، مما يعني أن العالم سينتهي بهذا التاريخ. ولكن هل قالت "المايا" حقاً هذا؟
العالم بالنسبة لـ"المايا" يدوم للأبد...
ينفي الدكتور إيريك تالادوار، المتخصص في الحضارات ما قبل الكولومبية والأستاذ في جامعة "باريس-1"، أن تكون شعوب "المايا"، التي كانت متمركزة خصوصاً في المكسيك، قد تحدثت بأي شكل من الأشكال عن نهاية العالم، شارحاً أن "لـ"المايا" نظرة دورية طويلة الأمد للزمن، لا يمكن تصويرها بشكل لولبي، وبالتالي، فإن هذه النظرة تُبعد فكرة نهاية العالم. فالعالم بالنسبة لها يبدأ من جديد باستمرار، وهو أزلي يدوم للأبد".
ويفصّل تالادوار، في حديث لـ"النشرة"، الحقيقة العلمية لمعاني روزنامة "المايا"، موضحاً انها "ليست الأكثر تعقيداً ولا الأكثر تطوراً بين روزنامات أميركا الوسطى، وهي بالتالي ليست فريدة من نوعها ولديها عدد من النقاط المشتركة مع أنظمة أخرى". ويشير إلى أنه "في أساس كل هذه الروزنامات، لدينا الروزنامة الشمسية وروزنامة الطقوس الدينية: الأولى تتألف من 18 شهراً، كل واحدة من 20 يوماً، يضاف إليهم 5 أيام لكي تقترب السنة قدر الإمكان من الـ365 يوماً، أي من السنة الفعلية. أما الروزنامة الطقسية، فهي مؤلفة من 260 يوماً، تجمع بين 13 اسما للأيام مع الأرقام من 1 إلى 20". ويلفت إلى أن "هذا النظام هو موحد لكل شعوب أميركا الوسطى. ولكن هذه الشعوب كان لديها أيضاً روزنامات أخرى مثل روزنامة كوكب "الزهرة" (فينوس)، وجمع الروزنامات الثلاث يأتي بنظام دائري من 104 سنوات". ويقول تالادوار أن شعوب "المايا" إلى جانب شعوب أخرى، متبعين هذا النظام من الحسابات، قد شكلوا ما نعرفه بالـ "عدّ الطويل"، وهو نظام يحسب الأيام التي امتدت بين اليوم الأصلي (أو اليوم 1) المسمى "4 أهو" في الروزنامة الطقسية و "8 كومكو" (أو اليوم الثامن من شهر كومكو)، الذي يعود لـ3114 سنة قبل المسيح. "المايا" يعدّون الأيام كما يلي: اليوم أو "كين"، 20 يوماً أو "أوينال"، 360 يوماً أو "تون"، 20 يوما "أوينال" أي "كاتون"، 20 يوما "كاتون" أي "باتكون". وفي 21 كانون الأول 2012، نكون قد وصلنا إلى نهاية الـ"باتكون" الـ13 منذ اليوم الأول أو اليوم الأصلي، أي يكون قد مرّ 1872000 يوماً"
الخوف من نهاية العالم متجذر بحضاراتنا نحن!
وهذا، بحسب تالادوار، لا يعني أبداً "نهاية العالم"، بل نهاية دورة. فمنذ 6 قرون، انتهى الـ"باتكون" الـ12 وبدأ "الباتكون" الـ13 الذي تم الإحتفال به بطريقة كبيرة، وفي 22 كانون الأول 2012 سيبدأ لـ"باتكون" الـ14، وهكذا دواليك حتى الى ما لا نهاية....
تالادوار الذي تعمّق بدراسة المخطوطات الثلاثة الوحيدة المتبقية لشعوب "المايا" والموجودة في ثلاثة مواقع: "دريسد"، "باريس" و "مدريد"، يؤكد أن " لهذه الملفات دور يتخطى الإفادة الأثرية والإيقونوغرافية، فهي تسمح لنا للوصول إلى فكر "المايا": معتقداتهم، آلهتهم، طقوسهم..."، ولكنه يؤكد أيضاً أن "ليس هنالك أي جدوى من التفتيش فيها على أي منفعة عملية لإنسان القرن الـ21، ولكنها أمور تنتمي لإرث البشرية".
ويشدد تالادوار، "بالإتفاق مع زملائه الأوروبيين والمكسيك والأميركيين" على أن "تاريخ 21 كانون الأول 2012، الذي لا يظهر إلا مرتين من بين آلاف كتابات "المايا" المعروفة، "ليس لديه المعنى الذي يعتقده البعض أو يريد البعض أن يراه بأي شكل من الأشكال". ولكنه يعترف بصعوبة إقناع من وصفهم بـ"السذّج" وذلك "لأن الخوف من نهاية العالم متجذر في حضاراتنا، ولأنه يردّ على بعض المخاوف، وعلى بعض الحاجات الصوفية".
وتجدر الإشارة إلى أنه تمّ إحصاء 183 موعداً لإنتهاء العالم منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية، مما يؤشر إلى أن هذه البدعة تتكرر بشكل كبير، حتى أن تالادوار يرى أن "هذا العام بالتأكيد ستزهّر فكرة جديدة في 22 كانون الأول تؤكد أن نهاية العالم ستتم في الـ2013 وقد يعود ذلك للرقم 13 أو ما شابه"، مشيراً إلى أن "عدم حصول النهاية المرتقبة لا يقلل أبداً من عزيمة الذين يؤمنون بها، لأن فشل "النبوءة" يُتبع مباشرة بـ"نبوءة" أخرى".
"النازا": كوكبنا بألف خير!
وللحد من "أساطير" نهاية العالم، قامت "النازا" بتخصيص صفحة على موقعها الرسمي لطمأنة الناس، مؤكدة أن "كوكبنا بألف خير والعلماء حول العالم يعلمون أن ما من خطر يهدده للعام 2012"، مذكرة بـ"الحديث عن إمكانية اصطدام كوكب "نيبيرو" بالأرض الذي شاع عام 2003، وبعد أن لم يحصل أي شيء، قام البعض بنقل تاريخ الإصطدام إلى كانون الأول 2012 وربطوه بنهاية إحدى دورات "المايا" أي 21 كانون الأول".
وتشرح أنه "تماماً مثلما أن العالم لا ينتهي عندما تنتهي روزنامة مكتبك في 31 كانون الأول من كل سنة، هكذا أيضاً لا يتوقف الزمن عند انتهاء روزنامة "المايا" في 21 الشهر الجاري".
وتستبعد "النازا" حدوث أية حالة كسوف أو أي تمركز إستثنائي للأرض أمام الشمس. كما وتنفي بشدّة كل ما يجري تداوله عن "انقلاب" دورة الأرض أو انقلاب محورها، مؤكدة أن "هذا الأمر مستحيل". وتتهم من يروّج لأخبار من هذا النوع بـ"الضحك على الناس".
وحتى في علم الجيولوجيا، فإن التغيرات والكوارث التي يتوقعها المؤمنين بانتهاء العالم لا يمكن توقعها بالشكل المفاجئ الذي يصفونه. فكل ما يحكى عنه اليوم "لا يمكن أن يتم بيوم واحد، بل بعض الأمور تحتاج لملايين السنوات"، وفق ما أكدت الدكتورة المتخصصة بالجيولوجيا المائية جومانا دومر لـ"النشرة"، مستبعدة أن يحدث أي شيء "خارج عن الطبيعي" قريباً.
وفي وقت يستمر فيه العلماء بنكران هذه "الأساطير"، يؤكد تالادوار لـ"النشرة" أن كل ما نقوله "لن يقنع أحداً" وذلك لأن "الخوف من نهاية العالم لا ينتمي للعلم بل للمعتقدات".
مارسيل عيراني
المصدر ElNashra.com
المصدر:
https://mtv.com.lb/News/146115