عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 2011-12-26, 09:02 AM
الصورة الرمزية مزون المدينه
مزون المدينه مزون المدينه غير متواجد حالياً
مراسل البراري في المدينه المنوره وضواحيها
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الدولة: ......................
المشاركات: 995
جنس العضو: غير محدد
مزون المدينه is on a distinguished road
افتراضي [ الجدب وقلة الأمطار تنبيه من الله ]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

على كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، وقال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} فهو سبحانه خلق الخلق من جن وإنس وكفار ومسلمين، وتكفل بأرزاقهم، فهو ينزل الأمطار، ويجري الأنهار في البلاد وغيرها، ويرزق هؤلاء وهؤلاء.

لكنه سبحانه يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه وعصوا أمره، فيعاقبهم إذا شاء لينتهوا وليحذروا أسباب غضبه، فيمنع سبحانه الفطر، كما منع ذلك جل وعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصلح الناس، وعهده أصلح العهود، وصحابته أصلح العباد بعد الأنبياء، ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب، حتى طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغيث لهم، فقالوا: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فاستغاث لهم في خطبة الجمعة، ورفع يديه، وقال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" فأنزل الله المطر، وهو على المنبر صلى الله عليه وسلم أنشأ الله سبحانه سحابة، ثم اتسعت فأمطرت فخرج الناس تهمهم نفوسهم من شدة المطر، فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة الأخرى، فجاءوا إليه وقالوا: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكه عنا، فضحك عليه الصلاة والسلام، من ضعف بني آدم، فرفع يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر" قال أنس رضي الله عنه، الراوي لهذا الحديث: فتمزق السحاب في الحال، وصارت المدينة في مثل الجوبة.

فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أصيبوا بالجدب واستغاثوا، وهم خير الناس، تعليماً من الله سبحانه وتعالى لهم، وتوجهياً لهم ولغيرهم إلى الضراعة إليه وسؤاله عز وجل من فضله والتوبة إليه من تقصيرهم وذنوبهم، لأن تنبيههم بالجدب ونحوه من المصائب توجيه لهم إلى أسباب النجاة، وليضرعوا إليه، وليعلموا أنه هو الرزاق الفعال لما يريد. فإذا لم يتوبوا، فقد يعاقبهم الله سبحانه بالجدب والقحط وتسلط الأعداء أو غير ذلك من المصائب. حتى ينتهوا ويرجعوا إلى الله، ويتوبوا إليه، ما قال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}،

والمقصود أن المسلمين قد يبتلون بأمور فيها تأديب وتمحيص لهم، وتكفير لذنوبهم وفيها مصالح كثيرة لهم، منها: أن ينتبهوا، وليعلموا أن النصر بيد الله، وأن كونهم عبدوا الله وحده، وكونهم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكفي، بل لا بد من العمل بطاعة الله، والقيام بأمره سبحانه، والصبر على جهاد أعدائه، ولهذا نبههم بقوله سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فإذا كان الرسول وأصحابه تصيبهم عقوبات الذنوب، ويبتلون كما يبتلى غيرهم، فكيف بغيرهم ؟?

أما أولئك الكفرة فقد فرغ منهم عدو الله الشيطان، وقد أطاعوه وتابعوه في دول كثيرة من العالم، فإذا أجرى الله عليهم النعم، وأدر عليهم الرزق، وجاءتهم الأمطار، فهو استدراج لهم، والعاقبة وخيمة كما قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}، وقوله سبحانه: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} الآية.

وقد يعجل الله لهم العقوبات في الدنيا، كما نزلت بهم في الحروب العظمى بسبب الكفر والذنوب، وكما يعاقبون بأنواع العقوبات الأخرى، كالأوبئة والأمراض العامة وغيرها لعلهم يرجعون. فالله سبحانه قد يملي ولا يهمل لحكمة بالغة، كما قال جل وعلا: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}، وقد قال سبحانه وتعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، فقد يُملي الله سبحانه للكفرة، ويتابع عليهم النعم من الأمطار وجري الأنهار وحصول الثمار وغير ذلك من النعم، ثم يأخذهم إذا شاء أخذ عزيز مقتدر، كما أنه سبحانه قد يملي للمسلمين مع معاصيهم الكثيرة، ثم يعاقبهم بما يشاء كما تقدم تأديبا لهم، وتنبيها.

فالواجب على المسلمين أن يأخذوا حذرهم، وأن لا يغتروا بإملاء الله وإنظاره لهم ولغيرهم، مع الإقامة على المعاصي، وأن لا يبادروا بالتوبة النصوح قبل حلول العقوبة. نسأل الله السلامة والعافية من أسباب غضبه وأليم عقابه

التوقيع: