عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 2011-07-29, 09:54 PM
فارس الغربيه فارس الغربيه غير متواجد حالياً
عضو موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 3,222
جنس العضو: ذكر
فارس الغربيه is on a distinguished road
افتراضي

( 26 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله


إن السبب الرئيسى والهدف من الغضب والشعور بالفشل ، يرجع لأهمية أن يرتبط المسلم بالسنة والحديث . والنتيجة ، أن الإنسان يذهب من ناحية لأخرى . كيف يطبق المؤمن ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقريبا بالكلية فى الأمور الشخصية ؟؟؟ حيث أن القليل من المسلمين سيرقون لمرتبة الفقهاء الذين سيشاركون فى صياغة قواعد الأخلاق للمجتمع الإسلامى الواسع . بالنسبة للمسلم العادى ، فالسنة هى التى توجهه إلى الأخلاق والقيم والسلوك الروحى : ما هى علاقته بأبئائه وآبائه ، والأقارب الآخرون ، كيف يؤدى الصلوات والعبادات الأخرى ، وكيف يتصرف أثناء عمله ؟؟؟ هكذا بنجاح يشكل حياته ، يالها من منفعة عظيمة أو تنفيذ الأعباء التى تلقى عليه ، وهذا يعتمد على مدى الترجمة والتطبيق الشخصى . بالنسبة للبعض ، فالسنة تقتضى التبنى الكامل والدقيق لكل الممارسات المسجلة بغض النظر عن المحيط ... به أو بهم ... ويفعلون كل شئ بدقة متناهية . كنتيجة لهذا ، نرى المسلمين الأمريكان أحيانا ، يرددون الأدعية باللغة العربية ، وليس عندهم أى إحاطة بما يقولون ، أو قد ترى بعضهم يرتدون العمائم والجلباب والصنادل فى شوارع بلدان أمريكية .
بالنسبة لهم ، فكل صغيرة وكبيرة من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشكل أهمية روحية أو معنى تعبدى ، وأن ما يقومون به هو دليل على صدق الإيمان بما ورد عنه . وبالنسبة لآخرين ، فترجمة العمل بالسنة فيه الكثير من التسامح ، ويتجاوز عنها ، ما لم تتفق مع أفكار محددة مسبقا . وبين هاتين الفرقتين ، هناك الكثير من المستجيبين للرسول الأسوة ، ولكن تقريبا عالميا ، النظرة الأولى هى للعبادات . وذلك لأن العبادات فى نظر المؤمنين هى المفتاح لعالم الغيب ومناجاة الله سبحانه وتعالى . وبما أننا ليس فى مقدورنا الإطلاع على الغيب والحقائق التى اطلع عليها الرسول ، فنحن نعترف ، خصوصا فى الأمور الروحية ، بقصورنا فى هذا المجال واعتمادنا كلية على رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام . كما أن العبادات ، هى تزكية للمجتمع الإسلامى ، فى كل زمان ومكان ، وبالنسبة لكل جنس ولغة .
حينما نقف بكل خشوع وتواضع أمام الله ، معا مع اخواننا المسلمين ، عبادة كل أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، هى نفسها عبر التاريخ ، اقرار بالمساواة الروحيه الأساسية والتى بها دخلنا كلنا للوجود . غير أن عددا غير قليل من الأمريكان المسلمين يشككون حتى فى هذا الدور من سنة الرسول . "مداخلة : هذه الجملة الأخيرة غير مفهومة ، وربما أنه يشير إلى بعض فئات من المسلمين الذين لا يفهمون الإسلام فهما صحيحا " .على مستوى المجتمعات ، فإن سنة النبى تتسع للتفسيرات والتطبيقات المختلفة . فسيرة الرسول تشمل كثيرا من التجارب والفرص ، فالمجتمعات الإسلامية قد دعمت نماذج مختلفة من حياته تتفق مع ظروفهم . وفى هذا الصدد ، فسنة الرسول فيها سعة ومرونة كافية ، لتخدم الطوائف المختلفة من نصيين أو صوفيين . المناخ فى المراكز الإسلامية فى المدن الكبيرة بأمريكا ، كنيويورك وشيكاغو ، والتى تخدم المواطنين الأصليين ، مختلف تماما عن ذلك المناخ بالنسبة للمراكز التى تدار بواسطة مجموعات الطلبة المسلمين فى جامعات أمريكا . من الخطأ أن يستنتج من ذلك ، وفى الحقيقة ، بأن المسلمين غير متأثرون بالسنة ، لأنه بالرغم من الإختلاف فى فهم القرآن الكريم والسنة (والمصدرين يجب تضمينهم هنا) ، فكليهما لهما الأثر الكبير على تصرفات كل المسلمين ، بغض النظر عن المكان أو الزمان ، وبالصفات والرؤى المتفق على أنها إسلامية متميزة . ويعطى "دنى Denny" مثالا بسيطا بليغا : فيقول ، كان هناك بعض اليابانيين ، حوالى 20 من الرجال والنساء ، مرتدين الملابس البيضاء ، ومصطفين فى صفوف مستقيمة خلف رجل أكبرهم سنا بدين الجسم ذو شعر قصير جدا . هذا الرجل يرتل عليهم الجزء الأول من القرآن الكريم بلهجة عربية سليمة وصوت رخيم . هذه الصورة كانت فى مطار كراتشى بباكستان فى موسم الحج حيث يذهب المسلمون من كل بقاع الأرض لمكة المكرمة . هذه المجموعة الصغيرة من المسلمين اليابانيين كانت تنتظر الطائرة التى ستقلهم فى رحلتهم إلى جدة الميناء على البحر فى طريقهم للمدينة المقدسة مكة . كان اليابانيين يؤدون صلاتهم فى مسجد صغير فى المطار بالقرب من الأسواق الحرة وأكشاك المرطبات .
لا يوجد فى اليابان مسلمون بكثرة سواء من الجنسية اليابانية أو من المهاجرين . والذين رأيتهم فى مطار كراتشى هم يابانييون لغة وتصرفا وسحنة ولكنهم كانوا "شيئا آخر" . كلمة "شيئ آخر" هو الأسلوب الخاص أو نمط من السلوك الذي يحدد سمة المسلمين من جانب الناس الآخرين ، بغض النظر عن الاثنية واللغة والثقافة والعنصرية .
النتيجة من هذا النقاش هو ان هناك حاجة الى رؤية سنة النبي كنموذج . يختلف الناس في فهمهم لها وفقا للظروف والتجارب . هذا قد يكون مـُحْبـِطا للمتحولين من الغرب للإسلام ، حيث أنهم يشكلوا أقلية ضئيلة فى بوتقة ضخمة من المسلمين ليذوبوا فيها . فالمجتمع المسلم ، خصوصا فى الغرب ، يتكون من العديد من الثقافات والتقاليد المختلفة ، يحتاج إلى قدر كبير من النضج والتطور عند التعامل مع الآخرين واحترام آرائهم . ومن ملاحظاتى الشخصيه ، فالمتحول الغربي غالبا ما يكون أقل تسامحا .
لقد حان الوقت لنسأل السؤال المبدئى الذي حاولت تجنبه : لماذا نحتاج الى ملحق للقرآن الكريم ؟ يمكننا إحترام العمل بالتقاليد والتكيف مع السنة ، ولكن لماذا نصعب حياتنا مع مصدر إضافى للتوجيه ؟ أليس الغرض من الوحى هو أن يهب البشرية أساسيات الإرشاد ، ويترك الباقى مفتوحا لتطورات الزمن وتغيراتها والتى حتما ستحدث ؟؟؟ أليس فى تضمين السنة ، تضييق فى تطبيق القرآن الكريم ؟؟؟ ألم يصر القرآن الكريم فى عدة آيات أن الرسول أرسل ليبلغ الرسالة "وما على الرسول إلا البلاغ المبين .. فإنما على رسولنا البلاغ المبين.. 24:54...64:12...29:18" .

"مداخلة : أشعر أن هنا يوجد تناقض مع ما سبق أن قال به المؤلف ، وربما خانه الفهم الصحيح للآيات التى تقول بأن (ما على الرسول إلا البلاغ المبين) ، فالمقصود هنا كما ورد بآيات أخرى ، أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبلغ للرسالة ، والله سبحانه وتعالى هو الذى يحاسب الناس على أفعالهم . وما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام من قول أو عمل ، وهو مايسمى بالسنة ، هو أيضا من البلاغ المبين . والقرآن الكريم يؤخذ كاملا ، لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، ومن قوله سبحانه (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً {80} سورة النساء ... وكذلك فى سورة الأحزاب "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}) ، وقد كان جبريل عليه السلام ينزل بالوحى قرآنا ويصحح للرسول الوقائع المختلفة ، وتكفى هذه الآية من سورة القلم ليكون الرسول عليه السلام هو المثل الأعلى الذى يحتذى به "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4}" فكل ذلك هو من البلاغ المبين" ... أرجو ألا أكون قد أسأت فهم المؤلف ، ولكنى سارعت بالرد لأن المعنى الذى فهمته من كلامه لا يريحنى ، وقد يكون معذورا لحداثة عهده بالإسلام حينما كتب هذا الكتاب ويكون قد عدل فى رأيه فيما بعد ، فهذا المؤلف له نشاط دعوى كبير وقد خالط كثيرا من المسلمين حينما كان يعمل بالسعودية ، وسأنتظر بقية ما ورد بالكتاب ، ففيه الخيرالكثير بإذن الله .


الإجابة تعتمد على نظرة الشخص للقرآن الكريم حيث أن السؤال ينبع من القرآن . ويحرص المسلم على أهمية معرفة أسباب النزول ... الحدث التاريخى الذى من أجله نزلت الآية ... وذلك ليكتسب فهما أدق لتفسير هذه الآية ، ولكن هذا لم يمنعهم من قراءة تفسيرات إضافية (أى ، مستويات للمعنى) ، قد تبتعد كثيرا عن أسباب النزول . وهذا يعتمد على الخبرة الشخصية للمؤمن الذى يقرأ القرآن يوميا ، ويكتشف فيه معانى جديدة فى الآيات التى سبق له قراءتها كثيرا . ومن التقاليد الإسلامية المتوارثة ، هو الحرص الشديد على عدم القطع بمعنى نهائى للآية أو مجموعة من المعانى وذلك لأن "هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ....."

(مداخلة : أشار المؤلف هنا إلى الآية رقم 134 من سورة النساء ليستدل بها على أن الله فقط الذى يعلم تفسير القرآن ، والآية لا تدل على ذلك ، وأعتقد أنه يشير إلى آية سورة آل عمران السابقة ... كما أنه أشار أيضا لآية سورة الكهف رقم "109 ، وآية سورة لقمان رقم "27" واللتان وردت فيهما "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى ......" و "...... ما نفدت كلمات الله ...." ، ليستدل بهما على المعنى الذى يريده ، ولو أن معنى كلمات ربى وكلمات الله أوسع فى معناها من ذلك ، فهى عن الخلق "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" ) .

ثم يستطرد المؤلف بعد ذلك ليقول ، أنه بناء على هذا الفهم من المسلمين ، فهم يعارضون فكرة أنه توجد فى القرآن آيات مضى عليها الزمن .
وحتى هؤلاء الذين يقولون بالنسخ (أى أن آيات تحل محل آيات أخرى) عادة ما يقولون أن هذا يعنى أن بعض الآيات تبين المبهم والمجمل ، وبعضها تقيد المطلق فى نفس الموضوع ، ثم يقروا بإمكانية إضافة دروس ومعانى وتفسيرات يمكن استخلاصها منها . فكرة أن بعض الآيات القرآنية قد ألغيت أو نسخت ، بمعنى أنها لا يعمل بها بعد أن عالجت سبب النزول ، فكرة خطيرة . لو افترضنا ، جدلا ، بأن هناك فى القرآن ما ليس له علاقة بالحاضر أو المستقبل ، فتكون حكمة الله ومفهوم القرآن كمفهوم عالمى معدومة (أستغفر الله) ، وكون وجود معلومات ملغاة فى الوحى الأخير ، يشكل إلحادا فى قدرة الله سبحانه وتعالى . بالإضافة إلى ذلك ، فتكون هناك فرصة لقول البعض بأن هذا يصلح وهذا لا يصلح للتطبيق ، وبذلك بدل أن يكون القرآن الكريم لهداية البشر ، يصبح البشر هم من يهدون القرآن . وبما أن الإسلام ليس دين تدرج كهنوتى ، فمن نافلة القول ، أن مثل هذا الفهم يفرق الأمة الإسلامية .
البديل ، هو أن يكون القرآن الكريم رسالة عالمية فى مجمله ، والواجب على كل جيل من المؤمنين به البحث فى تفسيره وتطبيق دروسه وهدايته . هذا النهج هو امر صعب ، على الرغم من الاعتراض عليه . ولكن يجب أن نسأل هل يصمد هذا النهج أمام الفحص الدقيق ؟


الحلقة القادمة تبدأ بتفسير بعض الآيات التى نزلت لأغراض معينة ، ولكن يمكن تعميمها فى نفس الظروف .



( 27 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله


هناك فقرات فى القرآن تبدو للوهله الأولى تاريخيا أو ثقافيا أو جغرافيا محددة . لكن بتحليل أدق ، نجد أن القرآن يأمر بصورة طبيعية جدا ، تطبيق الدروس العامة من الآيات المذكورة والثابتة ، ، مثل تلك التي تتصل بالآيات التالية :

1 - "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {60} سورة الأنفال

2 - "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {2} وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {3} إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ {4} عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً {5} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} سورة التحريم

3 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {58} سورة النور

4 - لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {89} سورة المائدة

5 - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5} سورة الفيل

6 - لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4} سورة قريش



الآيات رقم (1) ، يفهم المسلمون منها ، بأنه بالرغم من ألله سبحانه وتعالى هو المعين للمجاهدين فى الحق ، إلا أنهم مطالبون بألا يدخلوا المعركة غير مستعدين . وبالتالى ، فعليهم البحث واستخدام الأسلحة والتخطيط الذى يمنحهم أفضلية حربية ، وكمثال للمسلمين الأوائل ، سلاح الفرسان الماهر . الغرض أكثر من النصر المضمون ، بل خلق رادع بإرهاب العدو سواء كانو معلومين أو مجهولين ، وذلك لإعاقة العدوان وحقن الدماء .

والآيات رقم (2) ، تتعلق بالحياة الزوجية للرسول عليه الصلاة والسلام ، وتصور بوضوح ، أن العلاقات الأسرية تشكل أحد أكبر عناصر الفرص الصعبة للنمو والهبوط ، بالإضافة إلى الإختبار الصعب فى حفظ الأمانة ومراعاة الله فقط . أولا ، عوتب الرسول على تحريمه زوجاته على نفسه ، عتاب شديد فيما يبدو عن الذى حدث . ووجه أيضا العتاب القاسى لزوجات الرسول على انتهاك ثقة زوجهن ، وهذا الإنتهاك يسبب التفكك الأسرى نتيجة شئ تافه ويحطم الروابط الزوجية . ومع هذا ، فيذكرنا الله سبحانه بعفوه لمثل هذه الأمور إن تبنا واستغفرنا لأننا معرضون لحدوثها . ويتبع ذلك التحذير العام .

الآيات رقم (3) ، رغم أنه ليست كل الثقافات تنام القليولة ، إلا أن الآيات تحث على أن يكون هناك بعض السرية والخلوة والتواضع مع الخدم فى البيوت .

الآيات رقم (4) ، فى مواقع كثيرة من القرآن الكريم ، إشارات بوضوح لتصفية الرق ، ويعتبر الإسلام هو أول من شرع العتق .

وبالنسبة للآيات رقمى (5 ، 6 ) ، قد يبدو أنها غير صلة بواقع اليوم ، ولكن هذه الآيات من بين آيات أخرى يتذكرها الحجيج وهم يسيرون فى الطرقات المتربة متجهين لمكة نحو الكعبة المشرفة . فمكة محاطة بأراضى مقفرة موحشة فى وسطها جوهرة جميلة مشعة هى الكعبة ، بوأ مكانها لسيدنا إبراهيم ، وحفظها كما ورد فى سورة الفيل ، وحرسها الله العلى العظيم ، ويحج إليها المسلمون من كل بقاع العالم . هنا يأتى المسلم ليكتسب خبرات شخصية معبرة بالإحساس بأنه هو جزء من الكون ومن المنظومة الأزلية .


يقرأ المسلمون فى حياتهم دائما آيات القرآن الكريم ، ليس فقط عن رغبة فى ذلك ، ولكن أيضا للضرورة العميقة لما يجدونه من توجيها وهدى لهم فى دقائق حياتهم ومتطلباتهم الفورية ومحنهم . ومن ثم نجد أنه مع التتابع الزمنى للعصور منذ القرن السابع ، فإن المفسرين المسلمين يؤكدون على تفوق القرآن وتماسكه فى مجمله .
إذا أخذنا هذا التصور فى الإعتبار ، فكيف يتفاعل المرء مع الآيات التى التى بدأت باختيارها فى هذا الفصل ؟؟؟ وبالنسبة للمجموعة الصغير نسبيا ، ولكنها هامة ، من هؤلاء الأتقياء المتحمسين فى العصر الأول من الإسلام ، إنه لمن الصعب أن نتصور أن تكون استجابتهم تختلف جوهريا عما سجله التاريخ لنا : الحماس لجمع آلاف التفاصيل الرئيسية والدقيقة التى تتعلق بحياة رسول الله وسلوكه . هذا كان هو الوضع الطبيعى للتحريات العلمية والواضحة فى ذلك الوقت .
والقرآن الكريم نفسه قد تنبأ بهذا التطور المبكر ، وذلك ليس فقط فى الآيات التى ذكرتها من قبل . خذ مثلا المراجع الخلفية التالية :::


يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً {33} سورة الأحزاب

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {50} سورة الأحزاب




تبدو هاتين الآيتين أنهما توقعتا أن يقلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل الأمور ، بينما يجب الحذر والذكاء فى أن هناك خصوصيات للرسول وأسرته ، وأصحابه المقربين فى ذلك الوقت . وبالنسبة للآيات التى تصرح بأن "........ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} سورة النور" ، فيتبعها التحذير بالحرص على طاعة الله والرسول ، والتشديد على ذلك "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} سورة المائدة" . مبينا بأن المسئولية مستقبلا تقع على عاتق الشخص نفسه ، بعد أن بلغت الرسالة بوضوح .
يجب أن تفهم هذه الآيات فى سياق الآيات الأخرى الأكثر ذكرا والتى تؤكد على طاعة الرسول ، والبيانات التى تصف الرسول بأنه المعلم والموحى إليه الكتاب والحكمة . والتعليم هو أوسع من نقل النصوص فقط : يحتاج التعليم إلى التفسير والبيان والتطبيق أيضا .
عموما فالمسلمون يعتبرون هدى الرسول ، وأنه قدوة يقتدى بها ، جزء من تراث التوجيه ، ولذلك يشعرون بالحاجة للدراسة والفهم لهذا التراث ، وأهمية ذلك الآن وفى العصور السابقة . هذه النظرة ، أشعر بأنها تتسق مع القرآن الكريم الذى ، بينما يحذر عن تأليه البشر ، إلا أنه يقر بالحاجة إلى قدوة بشرية . ومع ذلك يتبقى سؤال ذو علاقة : هل كل حديث أجمع العلماء على صحته ، فهو فعلا صحيح ؟؟؟

( 28 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله


"مداخلة : نظرا لحساسية الجزء التالى من ترجمة الكتاب ، ونظرا لأنه يتفق إلى حد كبير مع جاء بيانه من الأزهر الشريف ردا على بعض الشبهات المثارة عن الإسلام ، فقد فضلت أن أنقل كلمة الأزهر الشريف فى الموضوع حتى تتضح النظرة إلى موقع السنة من التشريع" .

حول الاستغناء بالقرآن عن السنة وعلاقة السنة بالقرآن ((منقول من موقع الأزهر الشريف)) :::

*هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبور ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى).

الرد على الشبهة:

*فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال.
*ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.
*ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:
*أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
*وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
*وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..
*ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..
المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..
*وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله..
*أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء.. فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:
*إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشية ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (1). فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6). تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات.
*فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.
*أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون.. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
*إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
*وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين.. فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.
*والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.



*من هو الرسول "عليه الصلاة والسلام" ؟ :

هذا الفصل يشترك فى نتائج بعض أفكاره كل المسلمون ، كما يقترب منها المعتنقون الجدد للإسلام .
لكى نحاول أن تقلد نوعية وأخلاق الآخرين ، لابد لنا من أن نكون قادرين على تمييز شخصياتهم إلى حد ما . هذا التمييز يرتبط بشخصيتنا نحن وبالشخصية التى نريد تقليدها ، والإجابة على هذا السؤال تعتمد على المؤمن والمدى الذى وصل إليه فى حياته . كل الإجابات تتقاطع فى مفهوم عام ، ولكن التصورات الفريدة ستستمر فى الحدوث . بالتأكيد فإن تصوراتى عن الرسول عليه السلام قد تطورت وأصبحت أكثر عمقا عنها منذ ثمان سنوات ماضية ، بالرغم من أنى متأكد بأن ما زال هناك الكثير لكى أستوعبه .
حاليا ، أقول بأن وصفى للرسول لا يختلف عن وصف "وات" [فى الحلقة رقم "20" فى فصل "التوقعات] ، أعلاه . واعتقادى بأن الرسول قد اكتسب الإحترام الفائق من أتباعه ، لأنهم رأوه مجسدا للشخصية التقليدية المثالية كزعيم عربى : شخص "يحتفظ بعلاقات طيبة مع القريب منه والأقرباء ، يساعد الفقير والمعدمين ، يكرم الضيوف بسخاء، ويعين من وقع فى كارثة" .
لقد كان عليه السلام ، كما جاءت به الأحاديث ، رجل كامل الإستقامة ، متحكم فى نفسه ، رحيم ، وشجاع ، وذلك لأن العرب لن تقبل بزعيم فيه صفات أقل من ذلك . كلمته كانت كالسيف البتار ، وذلك لتأثر صحابته ، وتضع فيهم كامل الثقة به . حينما يقرر أمرا لا يتراجع عن تنفيذه .
وأما عن اختيار الله سبحانه وتعالى له ، وأنه ربح حب صحابته بسهولة ، وأنه غير التاريخ إلى الحد الذى رأيناه ، فكل ذلك يدل على أنه أكثر من عربى مثالى . لقد كان يمتلك نوعا من الجدية ، والشفقة ، والروحانية ، والتى يصعب علينا أن نجدها فى أنفسنا . ولكى نتأكد من ذلك ، فهو كان حازما فى تطبيق شرع الله بسرعة شديدة وبنزاهة تامة . وحينما أراد أحد الصحابة أن يشفع لامرأة سرقت ، قال قولته "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" . وعلى العكس ، ففى حالة وجود مجال لشك بسيط أو عذر أو مخرج للعفو ، فإنه يمسك به ، كما أعطى الزانى ثلاث فرص ليسحب اعترافه بالزنا وكما أعلن عفوه العام حينما دخل مكة منتصرا .

لقد كانت لديه عليه السلام الحساسية المفرطة فى كيف يرفع من معنويات من حوله ، وكيف يجعلهم يتواضعون ، بما فى ذلك نفسه ، وبمنتهى الأمانة . فبعد الإنتصار فى غزوة حنين وجد الأنصار فى أنفسهم عليه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء .


قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .
قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم .
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من (5/ 177) الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم !
قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟
قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل .
قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم .
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا .
وبعد ثمان سنوات ، هذا هو تصورى عن محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد أصبح جزءا منى . فإذا كانت زوجاته هن أمهات المسلمين ، فربما يكون الرسول هو أبا لهم . هذا على الأقل بالنسبة لى ، والكلمة الوحيدة المناسبة والتى ترمز لحقيقة المشاعر المشتركة ، والإحترام والرهبة والحب هى أنه "رسول الله" .


"مداخلة : كلما توقفت عند هذه اللفتة بعد الإنتصار فى غزوة حنين ، أبكى ولكن ليس كبكاء الأنصار !!! بكاؤهم كان لأن طبيب القلوب عليه الصلاة والسلام عالج نفوسهم وقلوبهم وواساهم ، وبكائى للعظمة والرحمة المهداة التى ألمسها عبر التاريخ من تداعيات هذه الواقعة ... فالسياحة الدينية لمدينة رسول الله ، مستمرة منذ ذلك الحين لليوم !!! سمع عليه السلام بما يردده الأنصار ، فلم يتركهم لأنفسهم والشيطان ، بل دعاهم وحاورهم ندا لند وهو من هو وهم من هم ، تواضعوا فى القول قائلين لله ورسوله الفضل والمنة ، وهذا صحيح ، ولكنه واجههم بما ينفثه الشيطان فى قلوبهم ، وقال لهم ، بل يمكنكم القول فتصدقوا ويصدقكم الناس تقولون كذا وكذا ، ثم يفتح بصرهم على حقيقة هذه الدنيا ، العرض الزائل وفضل الله سبحانه وتعالى الباقى . شاة وبعير ، وهدية من الله لهم ، هو نفس الرسول عليه السلام ، يحفظ بركة مدينتهم حيا وميتا ، نور ورحمة وهدى يرجعون به لمدينتهم ، فيقبل الناس وفودا عليها ليتعلموا من رسول الله وليتلقوا الدين على يديه ، وبعد موته ، هذا هو الحجيج الذى لا ينقطع عن مدينة رسول الله يوما واحدا فى العام ، فأى جمال بعد هذا الجمال ، وأى عظمة نالها أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن لفظوا لعاع الدنيا وراء ظهورهم ؟؟؟ ...... بالله عليكم دلونى على رجل واحد فى التاريخ كان بهذه العظمة ، وأليست هذه المواقف هى عبرة للحكام وكيف يتعاملون مع رعاياهم ؟؟؟ ".



[align=center]
(29)
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
[/align]


الأمة :

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103} سورة آل عمران


كنا فى نقترب من نهاية الصيف ، وكان على الذهاب للكلية للمرة الأولى . جلست فى ساحة المدرسة بجوار السور منتظرا فريقى ليلاعب الفريق الفائز فى منتصف الدورى ، عادة ما يكون هناك حوالى خمسون مشجعا من المدرسة الإيطالية "شريدان" ، ولكن هذه الليلة لا يوجد إلا حوالى عشرة طلاب فقط . تقدم إلى ولد أسود على دراجة قائلا "يستحسن أن تذهب لبيتك جيف ، ستكون هناك مشاكل الليلة" .
لم أكن فى حاجة إلى مزيد من الإيضاح . فمنذ ثلاثة أيام مضت ، هاجم عدة شباب من جوارنا مراهق أسود انتقاما للشرف ، حيث أنه فى إحدى الليالى تم القفز على شاب منا وكسرت أنفه . إنه الدور علينا لنقابل هذا الإنتقام ، وبعد ذلك يعاد الدور عليهم ، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية . ولم يكن فى مقدورى الهروب من كل ذلك .
ربما كانت منطقة حينا بصفة دائمة منطقة للنفايات التى تلقى من فضلات مجتمعاتنا الشديدة الجشع والإهمال ، تعبيرا عن رفضهم وخوفهم من عنف وغضب أطفال مدينتنا ، الذين تعزلهم أمتنا بدلا من أن تحتويهم وتصحح مسارهم ، وذلك لإعتبارات اقتصادية . لقد سمعتهم عدة مرات يقولون بأن هؤلاء الأطفال مجرمين . ونتيجة لذلك ، ما هو المحتمل الذى سنجده ؟؟؟
لقد سرقت منهم طفولتهم ، وسلبت منهم براءتهم ، فأدى هذا الإهمال إلى خشونتهم . لابد أن يدفع أحد ثمن ذلك !!! كم من المرات يوجهنا القرآن الكريم للإهتمام بحاجات اليتيم ، وحاجات الفقراء ، وحاجات الأطفال بلا عائل ؟؟؟
فى عجالة حاولت أن أتكلم مع أحد زملائى عن نتيجة الحرمان ، ولكن الأمر كان متأخرا جدا . فقد حوصرت ساحة المدرسة بواسطة الأسيجة والحوائط من الشباب الأسود الشجاع والذى يزيد عددهم عن المائة شاب . الفكرة فى مثل هذه الحالات هو أن تحاول أن تتفوق على الجانب الآخر وتفاجئ أعضاؤه . لقد أخطأنا فى هذه الليلة . أتلفت عدة سيارات وتعطلت عن العمل أمام الملعب ، كسرت أبواب السيارات وفتحت صناديقها . وسمعنا صراخا فى الظلام "لقد حصلنا على التيران ونحن نعلم كيف نستخدمها" .
الأسلحة فى قبضة أيادى عصبية ، والمسدسات تلمع تحت أضواء الشوارع . فى مثل هذه الأوقات ، الخوف ليس هو الكلمة الصحيحة ؛ الرعب والصدمة هما أقرب لتصوير الموقف . أنت لاتفكر فيما سيصيبك من أذى الآن ، ولكنك تعتمد على أحاسيسك . لم يكن ذلك الوقت مناسبا للفرار ، حيث أن الفرار المبكر قد يكون شرارة لتصرفات عصبية قاتلة . لقد تحلقنا حول شبكة كرة السلة . . فقد ينتهى كل شئ بسرعة .
الفورمان جاكسون ، ضحية إعتداء الأسبوع الماضى ، ذهب إلى باحة المدرسة مشيرا إلى مهاجميه "هؤلاء هم ، هذا ، وهذا ، وهذا" .
لقد كان تحكيمه دقيق وصائب . صراع المدن عادة ما يكون كفؤا . لا فائدة من أن تكتسب أعداء جددا وثارات متعاقبة . ولكن كم كان كل ذلك غريبا !!! فأتذكر كيف أن هؤلاء الأولاد أنفسهم ، الذين كانوا سيواجهون حكمهم ، منذ عدة شهور سابقة استهدفوا ساب يهوديا من الجوار وأوسعوه ضربا وركلا ، وتركوه على الأرض فى الثلج ، يصرخ متوسلا بينما هم يثرثرون ويستهزؤن به . ويقولون أن المرء يحصد ما زرع .
اتجه الفورمان ناحيتى . إنني اعرفه منذ الصف الرابع ومنذ ذلك الحين كان دائما مشكلة. الأطفال عادة ما يكون بينهم ألفة طبيعية وجاذبية ، ولكننا فى الصف الرابع بدأنا نشعر بالحواجز تحجز بعضنا عن بعض . بشكل ما فقد رأيت فى وجهه كأنه ابن الحادية عشر الذى لا أكاد أعرفه ، ولا أعرف ماذا رأى هو فى .
"هو على صواب" .
تراجعت ببطء للخلف متخذا طريقى للمخرج الوحيد .
دينيس ولد آخر برئ ، تبعنى ملتصقا بى . الجمع أفسح لنا الطريق للخروج . لم يرغب أحد فى البقاء هناك . علينا أن نتغلب على كل أنواع المقاومة ونغلب الشفقة فى مثل هذه المواقف ، ولنحفر عميقا مرة ثانية فى مخزون الوحشية . قد يكون هذا الشعور يسير ، ولكنه يحتاج إلى تدريب وممارسة .
حينما خطوت خارج البوابة ، التفت خلفى لأرى تموجات بشرية فى حركة راقصة ، كأنها نسيم يتخلل أعشاب طويلة ، وهم يتهيؤن لإتخاذ موقع . حينئذ سمعت صوت تصفيق عال ، وفى ثوان ، حدث إعصار غاضب عنيف ، ترك أجساما ملقاة على الأسفلت الحار بساحة الملعب . جريت -- مثل كل شخص آخر جريت . جرينا متفرقين . من الشرطة ؟؟؟ من الألم ؟؟؟ من الرعب ؟؟؟ من يعرف ؟؟؟ كلنا جرينا !!!
هذا المساء ، وأمسيات أخرى وأيام مشابهة ، ظلت تتردد على ذهنى وأنا استمع إلى "عبد العليم موسى" فى خطبة له للطلاب المسلمين فى جامعة سان فرانسيسكو . عواطف متضاربة -- انعكاسات تعلمتها -- كانت تراودنى وأنا استمع للخطيب . كان طويل القامة ، قوى ، أمريكى أسود ، ذكى ، سريع البديهة . منذ عشر سنين مضت ، كان يعتبر خصما خطيرا . لقد قيل لى ، بأنه كان عضوا فى "النمور السود" وقد سجن لهذا السبب . ومن الصعب أن ترى ذلك فى هذا الرجل أمامك الآن ، الذى يحمل بين طيات نفسه السلام له وللآخرين .
وفى خضم "سؤال وجواب" ، سئل : "هل تشعر بأن الإسلام قد أثر فى حياتك ؟؟؟" .
تغيرت ملامحه ، وكأنه يتعجب أو غير راض عن السؤال ، وذلك يشبه تردادى لطالب ما معلومة للمرة العاشرة !!!
"الناس لا يدركون الحقيقة -- لا يعتقدون فى قوة الإسلام" ، قال ذلك وهز رأسه . ثم أشار إلى وإلى جرانت ، على الجانب الآخر من الغرفة وأعلن : "الحقيقة الكبرى ، أن هؤلاء الرجال البيض يجلسون مع الرجال السود بعضهم مع بعض سواسية ، (مشيرا للمسلمين الأفارقة والأسيويين الذين اصطحبهم من أوكلاند) ، يجلسون كأخوة ، بينما كنا من عشرة سنوات مضت يقتل بعضنا بعضا فى الشوارع ، ألا يدلك هذا على مدى قوة الإسلام فى التأثير فى الحياة ؟؟؟ !!! .
كان كأنه يقرأ أفكارى !!!
مشى "عبد العليم" نحوى بعد البرنامج ومد لى يده . ولا أتذكر آخر مرة شددت فيها على يد رجل أسود ... أعنى مصافحة حقيقية بدفء وحب . هل حدث لى ذلك ؟؟؟
"مداخلة : نعم نعم نعم لهذه الحقيقة المجسدة ، وصدق الله العظيم (....... وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً .........)" .

لقد كان الصراع عميق وأليم ، أليم لأنه يتتبع أثار جراحنا فأولا يجب علينا انتزاعها ثم مواجهتها مرة ثانية . وهذه الآلام التى تعودنا عليها ... وكثيرا ما كنا نعتمد عليها ... من الصعب أن ننساها .
فى هذا الوقت ، كنت قد أشهرت إسلامى منذ حوالى شهر واحد . ولقد تعلمت الكثير والكثير من "عبد العليم" خلال السنوات الخمس التالية والتى قضيتها فى سان فرانسيسكو . على كل حال ، فالدرس العميق الذى تعلمته منه ، هو أخوة الرجل .
تتلقى الجالية المسلمة بمنتهى الفرح خبر مسلم جديد ، بالضبط كما تتلقى العائلة نبأ مولود جديد . المقارنة جاءت من أن المسلم أو المسلمة الجدد تمحى ذنوبهم السابقة وتصبح أرواحهم نقية كالثلج طاهرة كيوم ولدتهم أمهاتهم . كان أحد أصدقائى المسلمين يردد لى ، كم أنا محظوظ إلى درجة غيرته منى . العواطف الفياضة تغمرك فى بعض الأوقات ، ومساعدات الجالية الإسلامية تعينك على سهولة الإنتقال للدين الجديد بنجاح .
كما يحدث للطفل ، فمعتنق الإسلام الجديد يمطر بالنصائح والملاحظات والتعليمات . يقوم بتبنيه (هو / هى) إحدى الأسر ويحصل على أخوة وأخوات جدد من ثقافات مختلفة ، من كل أنحاء العالم مثل العربية السعودية ، باكستان ، ماليزيا ؛ وحتى من الدول العدوة ، كإيران والعراق وليبيا وفلسطين ، ومن أنحاء أخرى غير معروفة ، كمالى ، وتنزانيا واليمن ونيبال . ويبدأ المسلم الجديد بالتعاطف مع انتصاراتهم وآلامهم ، وأحلامهم ، وتصبح كأنها انتصاراته وآلامه وأحلامه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه أن المسلمين كالجسد الواحد : ولذلك فحينما اغتصبت الأراضى الفلسطينية ، أو حدث زلزال مات فيه الآلاف بإيران ، أو أن المسلمون قتلوا بأفغانستان ، فكل المسلمون شعروا باالألم والأسى وذلك لأن "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ............" {10} سورة الحجرات ولأن "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ........." {71} سورة التوبة . هذا الشعور التبادلى بين المسلمين هو تطبيق لتوجيهات الرسول عليه السلام "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " و...... "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" و...... "انصر أخاك ظالما أو مظلوما . فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه ، من الظلم فإن ذلك نصره "

لقد عرف الإسلام طويلا بأنه دين المساواة ، ويرجع علماء الغرب انتشاره فى الدول الإفريقية لذلك السبب . فعند دخولك فى الأمة تكتشف بأن المعايير التى تطبق عليك هى نفس المعايير التى تطبق على الجميع ، لا على المسلم فقط بل على كل البشرية : "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}" سورة الحجرات
تلخص هذه الآية الكريمة عالمية الإسلام باختصار . وتبدأ ... كما يحدث فى القرآن الكريم ... مخاطبة البشرية كلها . معلنة "يا أيها الناس" والتى تظهر فى القرآن خمسة وعشرون مرة وتعنى أن النداء لكل البشر . الجزء التالى من الآية يشير إلى المساواة الضرورية بين الناس ، سواء كانوا رجالا أم نساء . يذكر لنا القرآن فى مواقع كثيرة ، أن فى مجال الأسرة والأقارب المقربين فرص للنمو النفسى والروحى . الآية التالية تعطى لنا الفكرة وتنبهنا إلى أن الإختلاف فى خلق البشرية هو مجال للإختبار فى العدالة والحب والتعاطف مع أولئكم الذين يخالفونا فى الخلقة "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ {22} سورة الروم

ولقد كانت هذه المفاهيم هى تحدى واضح للوثنيين المعاصرين للرسول ، بمكة وشبه الجزيرة العربية ، لأنهم كانوا يتفاخرون بآبائهم وأنسابهم . ففى موسم الحج السنوى قبل الإسلام ، كان الشعراء يجتمعون لإعلاء أسماء آبائهم وعظمة عشائرهم وسلالاتهم ، لهذا فقد نزلت آية سورة البقرة رقم 200 لتحد من غلوائهم وتذكرهم بعظمة الله سبحانه وتعالى . القاعدة هى أن الكرم يعتمد على التقوى ، أما الإختلافات العشائرية والعنصرية والقومية واللغوية فليست أسبابا للتفرق والكراهية بين المجموعات البشرية ، هذه القواعد لاشك كانت سببا فى نفور المشركين من الإسلام لأنها تحطم ممارساتهم السابقة التى تعودوا عليها .
ولذلك حينما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب (وهو اسم المدينة المنورة حين الهجرة) وتأسيسه للمدينة المنورة كان فى ذلك تهديد خطير للمشركين ، لأن النظام العشائرى والنظام العادل لا يجتمعان .
الصراع فى مكة بين المسلمين والمشركين كان صراع كلام وإرادات ، حيث أن الرسول وأتباعه كانوا محاصرين ومضطهدين من قريش . ولكن حينما التقى الفريقين بعد سنتان من الهجرة فى معركة بدر ، واجه الإبن أباه وأولاد العمومة بعضهم بعضا وأبناء الخالات كذلك ... شئ لا يتصور فى مجتمع القبيلة ... وقد انتصر المسلمون بالرغم من أن عددهم كان ثلث عدد الكفار . وحينئذ أيقن كل العرب فى شبه الجزيرة بأن رياح التغيير قد هبت عليها .
بالنسبة للمسلمين ، فالمجتمع الإيمانى هو حيث تطبق مبادئ الإسلام العادلة عمليا ، حيث أولئك الذين تعهدوا بالمشاركة العالمية ... من ناحية الإيمان ، والحكومة ، والقانون ... وترجمتها إلى نظام إجتماعى سياسى . والمهم أن نعلم بأن اهتمام الإسلام لا يقتصر فقط على أتباعه ، بل يمتد للبشر كلهم . ومن المهم أن نلاحظ أنه حينما يتكلم القرآن عن الصدقات للمحتاجين وكفالة اليتيم والأرامل وإقامة العدل والدفاع عن المضطهدين ومساعدة المعوزين ، لايذكر شيئا عن عقيدتهم .



[align=center]( 30 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
[/align]



الآية رقم (1) التالية تصف الأمة الإسلامية "خير أمة" :::
(1) - كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110} سورة آل عمران
(2) - وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً {75} سورة النساء


والآيات التالية يصف القرآن الكريم الإنسان بأنه خليفة الله فى الأرض ، وأن يعتنوا بالتعساء والمعوزين (راجع المداخلة المذكورة بعد الآيات) :::

(3) - وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30} سورة البقرة
(4) - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165} سورة الأنعام
(5) - ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {14} سورة يونس
(6) - أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {62} سورة النمل
(7) - هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً {39} سورة فاطر



(مداخلة : ذكر المؤلف أرقام الآيات السابقة من 3 - 7 ، ولم يذكر نص الآيات ، ونظرا لإيرادى لهذه المداخلة فاضطررت لذكر نصوص الآيات حتى يتضح المعنى الذى أريده ، الخلافة كما وردت بالآيات من رقم 4 إلى رقم 7 ، تدل بوضوح أن المقصود من الخلافة هو خلافة البشرية جيلا بعد جيل ، تناسل ثم موت ليأتى جيل آخر يخلف سابقه ، وهذا ما ذكرته التفاسير ، ولا دلالة فيها على خلافة الإنسان لله فى الأرض ، أما الآية رقم 3 ، فيقول البعض إنها خلافة الإنسان لله فى الأرض ، وهذا غير صحيح لسببين ... السبب الأول قول الله سبحانه وتعالى للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ، فكلمة خليفة هنا يجب أن يرجع فيها إلى الآيات السابقة وتفهم فى سياق باقى القرآن الكريم ، ولا توجد آية واحدة تدل على خلافة الله فى الأرض ... السبب الثانى ، وهو أن الملائكة فهمت المعنى الصحيح من الخلافة ، إذ لو كانت قد فهمت أنها خلافة الله فى الأرض ، لما قالت "..... أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ........" ، لأن حسب المفهوم الخطأ يكون الإنسان مقدسا ويمثل صورة لله سبحانه وهذا يتعارض مع الفساد وسفك الدماء ، ولا يصح أن تقول به الملائكة تأدبا مع الله لو كانت قد فهمت معنى الخلافة بأنه عن الله) .


وأعمدة الإسلام الخمس التى تجسد الشعائر الإسلامية ، توحد بوضوح واجب البشرية نحو الله سبحانه ، كما تحدد الإلتزامات الفردية نحو المجتمع . فالشهادتان بالإيمان بالله ورسوله التى لابد أن ينطق بها المسلم ليعتبر مسلما ، تشكل أيضا أكثر من إعتبارها مدخلا للإيمان ؛ فهى عملية سياسية - إجتماعية بالإلتزام ، ومن ثم يجب أن يشهد بها أمام شخصين من المجتمع المسلم . كما أنها تمثل قبول المسلم بالوحى الإلهى وبخلافته على الأرض (أرجو مراجعة المداخلة السابقة) . والزكاة ، عادة ما يطلق عليها "ضريبة الفقراء" ، وتتكون من جزء محدد من ثروة المسلم تدفع سنويا لأصناف معلومة من المحتاجين . والقيمة الإنسانية وراء هذه الفريضة واضح . وصيام شهر رمضان من الفجر لغروب الشمس ، والإمتناع عن الطعام والشراب والجماع ، يخلق شعور الوحدة بين المؤمنين . وهناك غرض آخر : وهو أن ذلك يدعم من الشعور بحاجة المعوزين والفقراء ، وبذلك يتحول التعاطف إلى عمل . هذين المثلين فيهما الكفاية .
فى رمضان المنصرم ، كنت أسير فى الطريق فسمعت أحدهم ينادينى من سيارة مارة وكان أمريكى مسلم ، "كيف حالك ياجيف مع الصيام اليوم ؟؟؟" ، الحقيقة أن اليوم كان حارا وصعبا ، فقلت "أنا منغمس فيه I'm hanging in there" . وحينما انطلق بسيارته عقد بين اصبعيه خارج زجاج النافذة ، مما أعطانى دفعة قوية عاطفية وجعلنى أشعر بالقرب ليس فقط لأخوانى المسلمين حولى بل لجميع مسلمى العالم الصائمين ، فقد ذكرنى هذا بالملايين فى أنحاء العالم الذين يشاركونى فى الصوم فى هذا اليوم .
وفى يوم من أيام رمضان آخر ، استغرقت قليلا فى النوم فاستيقظت وقد فات وقت السحور . وكان معنى هذا أننى سأظل بلا طعام وشراب لمدة 24 ساعة . وبالرغم من هذا ليست نهاية العالم ، إلا أن الوضع صعب خصوصا فى يوم عمل مرهق وحار . وفى حوالى الساعة الخامسة بعد الظهر بدأت فى الشعور بحساسية فى المعدة وبصداع فى الرأس . وفى الساعة الثامنة ، أى قبل موعد الإفطار بساعة شعرت بغثيان وضربات فى الرأس من الصداع . وأخذت عيناى فى الإحتقان ، كما لو أن أحدا يضغط عليها برباط . حاولت الرقاد وأخذ سنة من النوم فى الوقت المتبقى للإفطار ولكن الوضع كان غير مريح . وكان من الصعب أن أفتح عينى كما أنى لم أستطع النوم . وفى النصف ساعة المتبقية ، أخذت أحسب كل ثانية . وأخيرا وصلنا للساعة 9:15 مساء موعد الإفطار ، ولكنى لم أستطيع الأكل ، فقد كنت مريضا جدا .
أحضرت لى زوجتى كأسا صغيرة من الحساء الخفيف ، وبدأت أرتشفه قليلا قليلا . وبالتأكيد بدا الصداع ينقشع ، وعادت معدتى لطبيعتها ، وبالتدريج زال الألم من عينى . وبعد دقائق شاهدنا فى التلفزيون صور عن المجاعة فى أثيوبيا والصومال . هذه الصور ذكرتنى بالأفلام التى رايناها عن المحرقة اليهودية .
فكرت كيف كان من السهل أن أنهى عذابى ، بينما الرجال والنساء من عمرى يعيشون طول الوقت فى عذاب دائم بلا حل فى الأفق أمامهم ، ويون أطفالهم أمامهم عراة ضامرة بطونهم منتفخة ، مليئة بالقروح يرفسون الأرض المتربة بضربات ضعيفة . ربما شعرت فى هذه اللحظة بما أنعم الله على ، ولكنى رأيت معاناتهم التى لم أنجح فى واحدة منها .
لقد غيرت فريضة الحج إلى مكة حياة كثير من المسلمين . وربما يكون أكثر الأيام تأثيرا ، هو يوم عرفة حيث يجتمع كل الحجيج فى صعيد واحد بوادى عرفة . يلبسون زيا واحدا لا يفرق بينهم ، يتكلمون بمئات اللغات المختلفة ، مكرسين أنفسهم لدينهم وللإنسانية . يوم يذكر بيوم القيامة يوم الحساب ، حينما تبعث كل البشرية قديمها وحديثها ليوم الفصل ليروا أعمالهم فى هذه الدنيا حسنها وقبيحها . ولقد كان الحج نقطة تحول عظيمة لـ "مالكولم إكس" ، والتى عبر عنها فى الكلمات التالية :::
"فى الأسبوع الماضى ، أصبحت فى ذهول لا أتكلم وانعقد لسانى ، من الحفاوة والمظهر الذى أراه حولى ومن البشر من جميع الألوان .... ربما تصاب بالدهشة مما يصدر منى من كلام ، ولكن ما رأيته فى هذا الحج وما خبرته ، قد أجبرنى على إعادة تقييم استنتاجاتى السابقة .... ربما لو أن الرجل الأمريكى الأبيض قد تقبل وحدانية الله ، ربما كان يتقبل أيضا حقيقة وحدة البشرية ، وكان يتوقف عن القياس وعرقلة وإيذاء الآخرين نتيجة "الإختلافات فى اللون" ... كل ساعة أمضيتها فى الأرض المقدسة "العربية" أعطتنى نظرة روحية داخلية ، أقارن بها ما يحدث بأمريكا بين البيض والسود" .
العمود المتبقى من أعمدة الإسلام الخمسة هو الصلاة . وبالرغم من أن الصلاة الفردية مقبولة ، إلا أن صلاة الجماعة تفضلها ولها الأسبقية . وبالطبع فالصلاة المشتركة كما قرر يسوع فى الإنجيل ، يمكن أن تؤدى للتظاهر بالتقوى ويمكن أن تؤدى بلتقوى فعلا . وقد حذر القرآن الكريم من النفاق كما جاء بالآية

"إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} سورة النساء" ، وكما جاء بسورة الماعون .

ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أتباعه بأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرون مرة من صلاة الفرد ، وهذا تقرير يؤكد على قيمة الترابط فى المجتمع .
يقف المصلون فى جماعة فى صفوف منتظمة ، مترابطين الكتف بالكتف والقدم بالقدم وذلك فى بداية الصلاة ، وتتكون الصلاة على أمور رتيبة تتكرر فى دورات من الوقوف والركوع والسجود والجلوس على الأرض بشكل معين . وفى الركعتين الأول فى صلاة الفجر والمغرب والعشاء ، يقرأ الإمام قراءة جهرية ، أما فى صلاة الظهر والعصر فتكون القرآن للقرآن سرية ينفرد بها كل مصل لنفسه .
وعادة ما تكون حركات المصلين فى الركعة الألى غير متزامنة ، ولكنها تأخذ فى التزامن بعد ذلك فى الركعات التالية ويحدث انسياب فى الحركة ويظهر المصلون كأنهم منقادون لأوامر الإمام ، وبذلك تظهر وحدةتهم فى التوجه والهدف والعمل . الخبرة تشبه التنويم المغناطيسى للتوحد . وينهى المصلون صلاتهم بالتحية عن اليمن وعن الشمال . لهذا فالصلاة الإسلامية ، هى تمجيد وإجلال وحشد وترتيل جميل ، وتعليمات ، وحركات ، وإيقاعات حركية ، وطقوس ، كلها تشد المؤمن فى البداية إلى المظهر الخارجى ، ثم تنقله إلى إلى داخله ومناجاة الله سبحانه وتعالى ، ثم الخروج من الصلاة لتحية من عن يمينه ومن عن شماله . فى الحقيقة ، فإن هذا الإيقاع الغير صوفى "mystical converse" والذى يعتمد على ترابط الجماعة يتحقق من هذه الحركات المتزامنة .
أحد الطلاب المسلمين الذين أعرفهم بسان فرانسيسكو ، وجد أن هذه الطريقة فى الصلاة تؤدى إلى التشويش . قائلا لى "لماذا نصلى بهذه الطريقة متلاصقين بعضنا ببعض ؟ ها أنا أريد التركيز فى صلاتى مع الله ولكنى أنشغل دائما عن ذلك بحركات من هم جوارى عن اليمين والشمال" .
قلت له ، بأنك ها قد وصلت إلى ملاحظة هامة تكشف هدف الإسلام من ذلك : فأنت حتى فى الإنغماس الكامل فى عبادتك لا تنسى مجتمعك ولا تنسى جارك عن اليمين والشمال . وبعبارة أخرى ، فإن حياتك الشخصية وحياتك الروحية لا تنفصمان وفى هذا خلاصك فى الدنيا والآخرة .
حاليا هناك أبحاث كثيرة نشرت فى الغرب ، عن أسباب "الصحوة" الإسلامية الجديدة ، محاولين التوصل لأسبابها .
تأثير الحداثة ، والإستعمار ، والإستعمار الحديث ، والإنهزامية وتفكك الإمبراطورية العثمانية ، وسخط المسلمين فى العالم الثالث ، هى عوامل فى بعث هذه الصحوة . لاشك أن لها دخل فى ذلك . وهذه الصحوة الإسلامية العالمية قد أججت معظم الشباب المسلم ، الذين كان الممارسات التاريخية أعلاه هى جزء من تجارب الماضى البعيد فى بلادهم . ولكى نفهم هذه النداءات بإقامة دولة إسلامية ، فيجب أن نعرف بأن المراكز والمساجد والمؤسسات الإسلامية فى الولايات المتحدة وأوروبا تحضضن هذه الدعوة وتغذيها .
وإذا استمعنا إلى خطب الجمعة ، نجد فى صلبها النظرة القرآنية لوحدة البشرية تحت وحدانية الله سبحانه وتعالى . المؤمنون فى هذه المجتمعات الإسلامية ، من بقاع شتى وثقافات مختلفة ، يتعاونون لبناء الحياة الإسلامية فى الغرب . وقد تنشأ توترات لاختلاف الرؤى فى تنفيذ هذا ، ويظهر على السطح أثار ذلك من حين لآخر . ولكن مازال الترابط موجود والأخوة الإسلامية قائمة ، وأقوى من كل هذه التوترات والقوميات والعوائق الثقافية . وجميع المسلمين يون أن الوحدة الإسلامية من الممكن أن تتحقق ، وأن الفرصة مواتية لذلك أقوى من عدة قرون مضت .



وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10} سورة الحشر
يتبع