عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2011-07-29, 01:42 PM
شاكر شاكر غير متواجد حالياً
عضو موقوف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
الدولة: s.a
المشاركات: 870
جنس العضو: ذكر
شاكر is on a distinguished road
افتراضي

( 16 )

صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم

حينما يقرأ أحدنا القرآن الكريم ، ويرى وصف شرائح من الناس كيف يفكرون وكيف يعملون ، والضياع الروحى لمعظمهم ، وقصص عينات كثيرة منهم ، يحدث له تغير ملحوظ . من هذه الصور ، ومن آيات القرآن ، ومن سوره ، يبدأ فى الذهن ظهور صورة واضحة . هناك فى نفسك يبدأ سطوع فجر جديد واضح حاد المعالم ، متغلغل فى جنباتها . يقترب منك القرآن دون أن تشعر ، ويصبح مرآة لنفسك ، ليظهر عيوبها ، وضعفها ، وألمها ، وخسارتها ، ويبين لك إمكانياتك وفشلك . ويخترقها بعمق ، ويأتى بها مذعنة لتقر ... بما كان مختبأ فيها من قبل ، ولكنه العند والجحود ... بأنه "لا إله إلا الله " .
"مداخلة : أليس هذا تصديقا لقوله تعالى ::: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً {82} سورة الإسراء ..... يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {57} سورة يونس)
على كل حال ، فالمعرفة ليست تماما كالإلتزام ؛ هناك ما زال حاجز من الخوف ، واعتقاد بالفصل بين الإيمان والتسليم . ولكن هناك آيات ترد فى القرآن تساعد المرء فى صراعه للإختيار بين البدائل . تأتى هذه الآيات كيد ممتدة من السماء إلى قلبك المضطرب وكأنها تتكلم مع روحك . حينما تريد أن تعرف بأن الله سبحانه معك ويسمعك ، يقول سبحانه لك : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186} .وحينما تشك ، فيؤكد الله لك أنه هناك أمل دائما ::: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53}وفى لحظات استسلامك لعظمته ، ومناجاته مناديا له ، قلقا من ذنوبك ، تتغشاك رحمته وأنت تناجيه ::: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ {193} رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ {194} فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {195}هناك آيات أخرى فى الكتاب ، تفتح أبواب التطهير الروحى والتوبة ، مثل ::: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286}وهناك آيات أخرى تؤكد لك أنه سبحانه لن يتركك إذا بحثت عنه . وأول مرة أقرأ فيها سورة الضحى ، أخذت بوعد الله لنا سبحانه وتعالى ، وبكيت ، ماذا سيحدث لى بعد نصف ساعة ؟؟؟ شعرت بأنى كالطفل التائه ، وأخيرا وجد والديه ، فالسورة تقول لنا أن الله لن يتركنا فى أى وقت سواء نهارا أو ليلا :::

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى {4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {5} أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى {6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى {7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى {8} فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11} سورة الضحى
[COLOR=Brown"]"مداخلة : لفت نظرى هذا المفهوم الجديد ، وقد تعجبت منه لأول وهلة ، فهذه السورة الكريمة نزلت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور ، إلا أن من يقرأها لأول مرة ولا يعلم سبب نزولها ، كالكاتب ... وبتدبر وجهة نظره ... وجدت أن لها شيئا من الوجاهة ، فهناك قاعدة تقول أن التفسير يأخذ بعموم اللفظ لا بسبب النزول ، ومن إعجاز القرآن الكريم ، أن آياته يكون لها عدة معانى فى نفس الوقت ، أو فى وقت متقدم بعد أن يتقدم العلم ، ولا تتعارض هذه المعانى مع بعضها ، وهذا ليس لنظم آخر غير القرآن الكريم .[/color]
[COLOR=Brown"]نعم ، نحن نولد أيتام ، لا يرعانا أحد إلا بفضل من الله ، بغض النظر عن وجود الأب والأم !!! فهما لا شئ إطلاقا لولا رحمة الله سبحانه التى خلقت فيهم وأودعت الحب والعطف ، ولولا ذلك لما رعانا أحد ، فالرعاية التى تحدث لنا ، هى أصلا من رحمته سبحانه ، وهذا تفسير "ما ودعك ربك وما قلى" ، أى هيأ لك المناخ الذى لا يجعلك يتيما ... وإذا التزمنا بالآيات الأخيرة فى السورة ، فلا نقهر اليتيم ، ولا ننهر السائل ، ونتحدث بيننا بنعم الله سبحانه وتعالى علينا ، وأى نعمة هى أكبر من نعمة الإسلام ؟؟؟ ... حينئذ تكون آخرتنا فى الدنيا والآخرة ، أفضل من وضعنا الأول ، بمعنى أنه سبحانه يزيد الذين اهتدوا هدى ، فإذا أحسنت ، أحسن الله إليك . وإذا أتيته تمشى أتاك هرولة ، فأى جمال بعد هذا الجمال ؟؟؟" .[/color]وقد سبق أن قلت بأن القرآن الكريم ليس له بداية أو نهاية ، بمعنى أن مفاهيمه الأساسية يمكِن أَن تتحقّقَ بغض النظر عن ترتيب قراءتك له . ولكن بالنسبة لمن هو على وشك الإستجابة لندائه ، فالترتيب محورى ، فكلما تقدم فى قراءته ، كلما كان تأثيره عليه أشد عمقا وعاطفة . وكنتيجة لهذا ، كلما اقترب الإنسان للتحول فى مفاهيمه ، كلما وجد أن القرآن يستدعيه للمثول بين يديه . السور القصار فى آخره ، تركز النصح والتحذير . وبعد تنبيه أخير للثمن المرعب للتكبر والعند ، تأتى الثلاث سور الأخيرة لتعلمك ماذا تقول لخالقك بشوق . ثلاث مرات متتالية كلمات تفصل بينها سطور قليلة ، حاثا لك على أن تنطق وتعلن إيمانك ، قائلا ::: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} سورة الإخلاص ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} سورة الفلق ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" .إلى هنا يكون القارئ للقرآن ، قد وصل إلى حافة حياة والتزام جديدين ، معبرا عن هذا الوضع الجديد ... كما حدث لى فى مسجد الطلبة ... بالكلمات التالية : "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" .
وبالنسبة لأولئكم الذين اعتنقوا الإسلام ، هذا القرآن يشهد على صفات الله سبحانه وتعالى ، الباقى ، الرقيب ، الرزاق ، الهادى . وكأن القرآن هو محيط رائع واسع ، تغريك موجاته المبهرة لتغوص فيه أعمق وأعمق . ولكنك لا تغرق فى ظلمات البحر ، ولكنك تجد نفسك فى خضم محيط من النور الإلهى والرحمة المهداة .
وبعد إسلامى ، واظبت على أداء الصلوات فى المسجد فى جماعة ، وخصوصا صلاة المغرب والعشاء والفجر ، لأنها صلاة جهرية ، تخالف صلاة الظهر والعصر الغير جهرية . وقد أثار هذا الوضع انتباه أحد المشاركين فى الجماعة لأنه يعلم أنى لا أعرف اللغة العربية لأنها غريبة عنى . ولم أكن أعير أنا هذا الموضوع أى انتباه ، ولكنى كنت أرتاح لسماع القرآن الكريم بالغريزة ، "فلماذا يرتاح الطفل حين سماع صوت أمه ؟" بالرغم من أنه لا يفهم شيئا مما تقول ، ذلك لأم صوت يريحه ويسكن له ، صوت يعرفه من على البعد ويسكن إليه . هناك أوقات أتمنى أن أعيش فى حماية هذا الصوت للأبد ، ولكن المؤمن الجديد بالإسلام يعيش وينمو فى جو حقيقى من الإيمان .

( 17 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله


النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ............................... {6} سورة الأحزاب


انتشرت الإشاعة بسرعة فى المدينة ، والجمهور الذى يغلى ويتململ ، يزداد فى القاعة كل دقيقة . وبالرغم من الإشارات فى الأيام القليلة السابقة ، وقد كانت هناك إشارات فى الفترة الماضية على الصدمة والرعب فقد كان زلزالا . قد يكون هذا الإختبار ، أشد من المعاناة التى يعيشوها ، أشد عليهم من هجرتهم ، من ملاقاة الكفار ، حتى من ملاقاة الموت ، وفى هذه المحنة كما كان عليه الصلاة والسلام فى كل المواقف -- قائدا ثابتا حكيما بروحانيته الكبيرة وشفقته، وإبتسامته المطمئنة، وطبعه اللطيف العطوف ، وروحه المرحة .
"قم يا أبا تراب" ... يقولها متلطفا وهو يزيل التراب من على ابن عمه على رضى الله عنه . وبتواضع عميق واحترام للآخرين ، يفرش عباءته ويفسح مكانا للمرأة العجوز لتجلس .
كيف ينسون مشيته الخشنة ، المحددة ، كأنه ينحدر من على تل ، أو حفيده وهو يركب على كتفيه وهو يؤمهم فى الصلاة ، كيف ينسون رعاية الله له فى كل المواقف ، فى الغار ، فى أحد ، وهو على المنبر . هذا غير معقول ، هكذا كان تفكيرهم !!! ماذا سنفعل الآن ؟؟؟
وقف سيدنا عمر رضى الله عنه ، شاهرا سيفه فى المسجد ، مرددا ، لقد كذبوا ، لقد كذبوا ، إنما ذهب للقاء ربه وسيعود ، كما ذهب سيدنا موسى ، وسأُعمل سيفى هذا فيمن يقول أنه مات !!!
كانوا فى حيرة من أمرهم ، هذا عمر الذى كان يقول فيه رسول الله "إن الشيطان إذا مشى عمر فى فج مشى الشيطان فى فج آخر" ، يقول شيئا ، وها هم أهله يبكون فى الداخل ، من نصدق ؟؟؟ يا الله !!! الحقيقة تقترب منهم ، اللهم كن معنا فى هذه المحنة . كانوا كالطفل الذى يرفض التصديق برحيل أبوه . وبدأو فى الشك فى كلام عمر ، حتى حضر أبو بكر رضوان الله عليه ، مسرعا على فرسه ، واستأذن للدخول ، فقالت ابنته ، لا استئذان بعد اليوم ، ودخل على النبى صلى الله عليه وسلم ، انحنى وقبل النبى قائلا "طبت حيا وميتا يا رسول الله" ، ورفع وجهه ووضعه بين يديه باكيا ، وانحدرت دموعه على وجه رسول الله ، ثم خرج ، قائلا "اجلس يا عمر ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت" ، ثم تلا قوله سبحانه وتعالى :

"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ {144} سورة آل عمران

ذهل عمر ، وجثا على ركبتيه ، مستقبلا هذه الفاجعة ، وكأنه لم يسمع هذه الآية إلا اليوم ، هنا ارتج المسجد بالبكاء والنشيج ، وانتقل الخبر إلى باقى المدينة ، فإذا بها فجأة تضطرب اضطرابا لم تعهده من قبل ، وإذا بموقفها من الحدث ، بالضبط عكس موقفها فى أول يوم رأت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هاجر إلى يثرب . ورغم الموقف الصعب ، فثبات الصديق فى أصعب الظروف ، أوحى للكثير بأنه أحق الناس بالخلافة السياسية للرسول (حيث أن النبوة لا تورث إلا بنص من الله) .
مدة خلافة أبو بكر كانت محدودة ، فقد مات بعد سنتين من الرسول ، ولكن هاتين السنتين ، كانتا أصعب فترة مر بها المسلمون ، وكانت فى حاجة إلى قائد عبقرى ، يقود الأمة الإسلامية إلى بر الأمان . الوحى كان قد انتهى ، وتطبيق الرسالة فى مجالات جديدة وغامضة بدأ . التطبيق بدا سهلا لأن القائمين به من أصحاب الرسول عليه السلام ، قد كانوا مشبعين برسالته ، وبتربيته لهم مدة ثلاث وعشرون سنة الماضية . المثلان أمامهم ، القرآن الكريم وشخصية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم ، كانتا امامهم حية ، عايشوهما معايشة ، ولم يكونوا فى حاجة إلى البحث والدراسة فقد كانا جزءا من حياتهم . ولكن حادثين كبيرين واجها أبو بكر من البداية : القبلية ، والميل الإنسانى لتقديس الأشخاص ، وادعاء بعضهم بأنهم يوحى إليهم من الله ، والمتحول الغربى للإسلام ، يواجه مثل هذه المفاهيم ولكن من منظور مختلف بعض الشئ . بشكل ما ، فهو يجد أن المجتمع الجديد فى تقاليده ومنظوراته ، أجنبية عنه ، وفى نفس الوقت ، يجب عليه قبول شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام .

بداية مع القرآن الكريم :

الكتب المتداولة باللغة الإنجليزية فى الوقت الحاضر ، التى تتكلم عن الإسلام كعقيدة وممارسة ، قليلة جدا . نتيجة لهذا ، فالصلة الأولى للمسلم الأمريكى ، والغربى ، بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تأتى إلا من القرآن الكريم وما معه من تفاسير . وهذا بالتأكيد مناسبا ، فالقرآن هو دائما ينبوع الإيمان للمجتمع الإسلامى .
اليهود والنصارى ، يتوقعون من الكتاب المقدس عند المسلمين أن يكون غالبه عن رسول الله وصحبه . والحقيقة أنه غير ذلك ، فاسم الرسول ذكر فى القرآن أربع مرات فقط ، فى حين ذكر اسم سيدنا عيسى خمسة وعشرون مرة ، كما ذكر اسم سيدنا موسى 136 مرة .
وكما ذكرنا فى الفصل السابق ، فالقرآن أساسا ، لمن يقرأه ، يجده يركز على العلاقة بين القارئ وخالقه سبحانه وتعالى . نعم هناك إشارات تاريخية تتعلق بزمن الأنبياء ، ولكن الإخبار عنها كان غامضا تاريخيا ، لأن العبرة المقصودة هى بالأحداث والصراعات الإيمانية ، لا بالتواريخ . وهذه الصراعات قد تحدث للمجتمعات المختلفة فى أى وقت . مع هذا ، فهناك لمحات قرآنية عن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، مشاعره ، وآماله ، وأحزانه ، بل وبعض أخطائه ، لتعطى صورة عن شخصيته عليه السلام .
نظرتنا للنبى ، لن تكون كهؤلاء المستشرقين الذين يبحثون عن الدوافع النفسية والمادية ليفسروا من خلالها الوحى . ولكننا سنتكلم من خلال اقتناعنا ، بأن القرآن الكريم وحى من الله سبحانه ، لأن هذا هو الطريق الصحيح الذى يتوصل إليه من هدى إلى الإسلام : فالإقتناع بالقرآن يسبق الإقتناع يالرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا سنوضح الصورة التى يريدها لنا القرآن الكريم لمعرفة شخصية رسول الله .
أول هذه اللمحات هى ماجاء فى آية سورةالكهف :::


قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110} سورة الكهف

هناك القليل جدا فى القرآن الكريم ، الذى يمكن أن يصف الرسول عليه الصلاة والسلام ، باكثر من أنه مبعوث بالرسالة . لقد سبق لنا ذكر الآية التى رددها أبو بكر للجمع ، حين وفاة الرسول ، وهناك آيات أخرى تنحو هذا المنحى :::

( 1 ) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49} سورة يونس

( 2 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ {38} سورة الرعد

( 3 ) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً {90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً {92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً {93} وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً {94} سورة الإسراء

( 4 )وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً {7} سورة الفرقان

( 5 ) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً {75} سورة الإسراء

يوازى القرآن الكريم بين الرسول ، والرسل من قبله عليهم الصلاة والسلام ، فهم كلهم بشر ، يسرى عليهم ما يسرى على البشر ، كا جاء فى هذه الآيات :::

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ {9} سورة الأحقاف

قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {11} سورة إبراهيم

تسرى عليهم العاطفة الجنسية ، كما حدث بين سيدنا يوسف وامرأة العزيز ، "مداخلة : الآية فى سورة يوسف عن الهم به والهم بها ، يحاول بعض المفسرين أن يخرجوها عن سياقها ، بطريقة أو أخرى ، ليبرئوا سيدنا يوسف عليه السلام ، ولكن التدبر فى نص الآية لا يخرجه عن بشريته ، فالذى منعه من السوء والفحشاء هو رؤية برهان ربه ، فكلمة لولا تدل على ان هناك شئ منعه ، ومنعه من ماذا ؟؟؟ أليس من السوء والفحشاء كما جاء بنص الآية ؟؟؟ ، هذا إضافة إلى طلبه من الله سبحانه وتعالى أن يحميه من كيدهن ، وإلا كان من الجاهلين
... قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {33} سورة يوسف" .

كذلك حبهم لمتاع الدنيا ، كما جاء وصفا لسيدنا سليمان عليه السلام :::

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص[B]وفى قصة سيدنا موسى والخضر ، البحث عن العلم والمعرفة ممن هم أكثر علما ، كذلك عدم الصبر إذا غمض عليهم شئ .
والغضب ، حينما قتل المصرى ، وغضبه من قومه حينما عبدوا العجل .
والضيق ، حينما أبق سيدنا يونس من قومه فالتقمه الحوت وهو مليم .
واتباع الهوى ، كحكم سيدنا داوود لمن له نعجة واحدة ضد أخيه .
والقلق والخوف ، حينما بعث سيدنا موسى ، فخاف من أن يقتله فرعون انتقاما للمصرى الذى قتله .
وهم ككل البشر ، يرجون هداية الله سبحانه وتعالى ، ومغفرته . والآيات الدالة على ذلك كثيرة ( الأعراف - 151 .. القصص - 16 .. ص - 24، 25 .. ص -35 .. الأنعام - 77 ) .

" مداخلة : أضيف هنا ، موقف سيدنا نوح فى مراجعة الله سبحانه ، فى مسألة غرق ابنه ، وهذا يدل على عاطفة الأبوة ، رغم أن ابنه كان من الكافرين ، وهنا عاتبه الله على هذه المراجعة ، بقوله ( .... إنه عمل غير صالح .... ) ، وحسب سياق الآية ، فالعمل الغير صالح ، هو هذا السؤال لله ، بعد أن قضى الأمر ، والدليل على ذلك ، أن سيدنا نوح عليه السلام ، سارع فى التوبة من هذا السؤال قائلا ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ {47} سورة هود ) ، فطلب المغفرة والرحمة هى من السؤال المتسرع والذى يعتبر مراجعة لله فى أمر قد قضاه " .

كل هذه اللقطات ، لتبين أن الرسل عليهم الصلاة والسلام بشر ، وأن تكريمهم من الله ، لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ، فلا يصح أن يؤلهوا " .

طبيعة الرسول الإنسانية ، تتضح أكثر فاعلية ، فى الآيات التى تتكلم عن تطلعاته النفسية والروحية ، بالإضافة إلى الأحداث اليومية فى حياته . ويقوم علماء المسلمين فى البحث عن مثل هذه اللمحات ليقربوا إلينا بشريته عليه السلام .
ومن غير المعقول أن يكون تعرضه ، عليه السلام ، فجأة لنور الوحى لم يؤثر على وجدانه وتفكيره فى نفسه . حتى أنه قال للسيدة خديجة حال عودته من الغار ( أى خديجة ما لى لقد خشيت على نفسى .. فأخبرها الخبر ) ، إلى أن طمأنه سبحانه وتعالى بما جاء فى سورة الضحى ، وبشره برفع ذكره كما جاء فى سورة الشرح .

وفى سورة القلم " ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ {3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} " .

كما نرى فى عدة مواقف ، تصحيح الله له لما بدر منه ، كما جاء فى سورة عبس وتفضيله علية القوم من قريش على ابن أم مكتوم ، وسورة الأحزاب ، عن زواجه ببنت عمه زينب ، بعد طلاقها من زيد بن حارثة الذى كان قد تبناه سابقا ، وما جاء فى سورة التحريم ، حينما فضل مرضاة أزواجه وحرم ما أحل الله له .
ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر .







( 18 )

صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحيث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر . فالمقابلة بيننا وبينهم أنهم حالة استثنائية , فكما أنهم مجتبين من الله ، فهم أخيار :
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {47} سورة ص
وعلى درجة عالية من النقاء الإنسانى :
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ {85} سورة الأنعام
كما أنهم ْمُخْلَصِينَ :
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} سورة يوسف
ومقربين :
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً {52} سورة مريم
ومفضلين عن العالمين :
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ {86} سورة الأنعام
أما عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالخصوص ، فله منزلة سامية رفيعة :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21} سورة الأحزاب
وقد وصف بالخلق العظيم :
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} سورة القلم
وهو يستحق منا كل التبجيل والإحترام ، وكما صلى عليه سبحانه هو والملائكة ، فقد أمرنا بمداومة الصلاة عليه ، وهذا رفع لذكره كما وعده سبحانه فى سورة الشرح ، فذكره لا ينقطع على مدار الساعة من أتباعه ، عليه السلام .
وحتى فى حالة ما إذا وقع الرسول فى خطأ ولامه الله عليه وتاب منه ، فإن ذنبه هذا لا يكون تجاوزا متعمدا لما يريده الله منه ، بل هو خلط مؤقت بين مهمته المقدسة ومشاعره وتطلعاته الشخصية . وهذا الوضع من الصعب جدا أن يتجنبه الشخص العادى فهو معذور فى ذلك . لكنه سبحانه يطالب الرسول بمعايير مثالية فى تصرفاته ، ويوضح القرآن الكريم هذا الخيط الرفيع بين الإثنين . فقد لام سيدنا سليمان نفسه حينما شغلته الدنيا عن ذكر ربه ... " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {30} إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص" . كما أن حكم سيدنا داوود عليه السلام المتسرع ، فى اللذين تسوروا المحارب ، كان سببا فى أن يلومه الله عليه ، فالعدل هو أن تتاح الفرصة للمتخاصمين لعرض وجهات نظرهما . وغضب سيدنا موسى الشديد من أخيه هارون واتهامه بالتقصير حينما عبد بنو إسرائيل العجل ، ولم يترك له فرصة للدفاع عن نفسه ، وكذلك سيدنا يونس حينما أبق إلى الفلك بعذ أن خذله قومه ولم يؤمنوا برسالته ، وتصرف بدون إذن من الله . كل ذلك لحرصهم على الدعوة والإحباط الذى يواجهونه حينما يكذب بها المكذبون .
وليس من حقنا أن نلوم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا اتخذ مواقف ضد التعصب ، أو كان متحمسا لنشر الدعوة ، أو اتخذ مواقف عائلية بين زوجاته ، من وجهة نظره هو . فهذه المواقف الإنسانية الصرفة ، حينما تحيد قيد أنملة عما يرتضيه الله سبحانه له ... الذى قال لرسوله "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} سورة الطور" ... يسارع الوحى بتصحيحه ليكون القدوة للمسلمين ، فيقول له "عبس وتولى ....." .. "لم تحرم ما أحل الله لك ....." .. "عفى الله عنك لم أذنت لهم ...." .. "... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ..." ، وهكذا ، تحرسه عناية الرحمن فى كل خطواته .
وهكذا نرى القرآن الكريم يصف الأنبياء وصفا دقيقا لا مغالاة فيه ، فهم معصومون من الذنوب الكبيرة ، وذلك ليس كما فعلت التوراة التى نسبت إليهم كل نقيصة وشوهت صورتهم الحقيقية ، وأتباع الإنجيل ، الذى وصل بهم الأمر إلى تأليه سيدنا عيسى عليه السلام وغالوا فيه غلوا أخرجه من البشرية ، بالرغم من أن بشريته واضحة كل الوضوح فى نفس الأناجيل . وهكذا فالتفريط من جانب التوراة ، والإفراط من جانب النصارى أدى إلى تشويه الصورة الفعلية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
اتقد البعض الإسلام بعدم واقعيته الإيجابية ، وعدم اعترافه بشكل كاف ، بضعف الإنسان وميوله المتأصلة نحو الشر . ولو راجعنا الكلام السابق ، فالإسلام ، وبخاصة القرآن الكريم ، يضع فى اعتباره كاملا نزوع الإنسان لتحطيم نفسه ، وهذا الأمر ليس هو كل رسالة الإسلام . هداية الوحى ، ليس فقط ليجعلنا واعين لمشاعرنا المختلفة ، وذكر نعم الله سبحانه علينا ومغفرته لذنوبنا ، ولكن هذه الهداية أيضا لتشجعنا على التغلب على ضعفنا هذا وإصلاح أنفسنا . وبالرغم من هذه الأمور من الصعوبة علينا ، إلا أنه يحثنا على عدم فقد الأمل والمحاولة تلو المحاولة . الإستسلام لله يكون على خطوات ويحتاج إلى الصراع المستمر .
فسبحانه يوضح لنا فى القرآن الكريم ، أنه لا يطلب منا المثالية ومحاربة رغابتنا وشهواتنا ، تك الأمور التى لم يطالب بها المصطفين من عباده . بالأحرى ، يجب أن نكون مطمئنين من حب الله لعباده ، ويطلب من الجميع أن يقدموا أنفسهم طوعا لإرادته .
يلاحظ بعض المتحولين الجدد للإسلام من الغربيين ، أن ما ذكر عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى القرآن الكريم ، مختلف كثيرا عما هو فى كتب السيرة وبعض التفاسير وخطب الجمعة الأسبوعية . وحرى عن القول ، أن المرء يرى صورة مختلفة عما ورد فى القرآن . فالقرآن يركز على صفات معينة للنبى عليه الصلاة والسلام ، بينما المصادر الأخرى تتكلم عن معجزاته عليه السلام ، وتفاصيل انتصاراته فى الغزوات ، وقيادته العبقرية ، والطاعة الثابتة من أتباعه ، ونشر القواعد والأسس للدين ، والروحانية العظيمة له . وهذه هى السمات التى تؤثر فى الناس ، خصوصا المسلمين الأوائل ، وذلك لأنها تؤكد لهم أنه هو النبى المرسل من عند الله .
على كل حال ، فحينما نقرأ القرآن يتضاءل لدينا الغموض ، وتتضح لنا صفات رسول الله ، ونرى أمامنا إنسان ...
يستحى من ضيوفه حينما يطيلون المكوث عنده "سورة الأحزاب الآية 53"
إنسان يعامل أصحابه بعد أحداث غزوة أحد باللين ، ليس فظا غليظ القلب "سورة آل عمران الآية 159"
يبحث عن الأعذار للآخرين "سورة التوبة الآية 43"
والذى يستغفر لأعدائه حتى نهاه الله عن ذلك "سورة التوبة الآية 80"
وصف بأنه رؤوف رحيم "سورة التوبة الآية 128"
وصف بأنه رحمة للذين آمنوا "سورة التوبة الآية 61"
ورحمة للعالمين "سورة الأنبياء الآية 107"
وتلهفه الشديد واهتمامه لنجاح دعوته ، وحرصه على مصير أتباعه "سورة النحل الآيات 37 ، 127 وسورة الكهف الآية 6" للدرجة التى أدت إلى تذكيره مرارا بأن مهمته فقط هى توصيل الرسالة "سورة الأنعام الآية 107 .. سورة هود الآية 12" .
وأن هداية الرسل هى البلاغ ، وهداية التمكين هى لله سبحانه وتعالى فقط "سورة البقرة الآية 272" . وأنه ليس فى إمكانه هداية من يحب ، وأن الله يهدى من يشاء "سورة القصص الآية 56" .
هذه بعض اللمحات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى وردت بالقرآن ، ولكنها نقاط رئيسية تبين شخصيته عليه السلام .
الرغبة فى معرفة المزيد عن هذه الشخصية ، بطريقة أكثر قربا منه ، فى الواقع لا تقاوم ، خصوصا من أولئكم الذين عاشوا فى ظل الكتب السابقة ، حيث احتل الأنبياء مواقع مركزية . لايخوض القرآن فى تفاصيل دراماتيكية عن الصراعات الداخلية للرسول ، بل يتركنا بتلميحات وإشارات مختصرة . لانرى بوضوح مشاعره الداخلية من خوف وألم وشكوك ، كما نراه فى الإنجيل عن سيدنا عيسى عليه السلام حينما كان يحارب الرغبة فى الصحراء "متى : 4 .. لوقا : 4" ، أو أثناء الليل فى "جيثسمان" قبل القبض عليه "متى : 26 .. مرقص : 14 .. لوقا : 22" ، أو فى معاناته الأخيرة على الصليب "متى : 27 .. مرقص : 15 .. لوقا : 23" . وحتى فى المصادر الأخرى الإسلامية من كتب السيرة والحديث الشريف ... والتى سنناقشها فيما بعد ... نتعلم منها بياناته وردود أفعاله ، ولكن نادرا أفكاره الخاصة الداخلية .
ما أعنيه ، أننا نادرا ما نجد أنفسنا منفردين مع النبى عليه السلام ، وقد أتيح لنا نعمة الإحساس بشعوره الداخلى . وبدلا من ذلك ، نجد أننا نعرفه من خلال وسيط ثالث ، إما عن طريق الله سبحانه وتعالى كما ورد بالقرآن الكريم ، أو عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم . ربما كان هذا الوضع مقصودا فى ذاته ، حتى لا نفعل كما فعلت النصارى مع نبيهم ، وأن يكون توجهنا خالصا لوجه الله الكريم . وهذا يوضح جزئيا ، لماذا كان الرسول دائما يخاطب بصفته الرسول أو النبى .
وفى المسجد بعد عام من نطقى للشهادة ، وبعد أن صرت ومحمود أكثر من أصدقاء ، فقد كنا إخوة فى الإسلام . ذهبنا لسماع خطبة فى هذا المسجد بـ "Fairfield" ، حيث كان مبنى صغيرا يشرف عليه مجموعة صغيرة من الطلاب المسلمين وقد تحول إلى مسجد . وقفنا بالخارج مع مجموعة كبيرة من الحاضرين ، وقد كنت أنا ومحمود فقط الذين يرتدون الملابس الإفرنجية . وقد وجدنا مكانا على الأرض لنجلس فيه . وقد أوصى المحاضر المستمعين بأن يكونوا فى إيمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وقد قص عليهم هذه القصة .
قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدويا فى الصحراء ، فدعاه للإسلام ، فقابله البدوى بالرفض والعناد ، وقال له ، "هل هناك من يشهد لك بالنبوة ؟" ، ولم يكن هناك أى شخص إلا على بعد أميال ، فأشار الرسول إلى شجرة قريبة ، وقال هذه تشهد لى ، وفى الحال انخلعت الشجرة من على الأرض وتقدمت من رسول الله والبدوى ينظر إليها برعب ، ثم صرخ "أشهد أنك رسول الله" ونطق بالشهادتين .
رأى محمود فى عينى الضيق ، وحاول معالجة الأمر بعد المحاضرة ، قائلا ، أنه من الطبيعى ليس الحاضرون هم كل المسلمون . بالطبع كان كثير من الحضور مبهورون بالمحاضرة وبمثل هذه القصص التى ذكرت فيها ، فقد كانوا يُتْبعونها بتهليل وإعجاب شديدين . ولكنى شعرت بأن كلمات محمود كانت نوعا من الإعتذار الغربى ، وليس إعتذارا إسلاميا . من وجهة نظرى ، أن مثل هذه القصص تناقض الغرض الذى أراده القرآن الكريم . فالقرآن يريد لنا أن نؤمن بإعمال عقولنا ، وليس بمثل هذه الخوارق الطبيعية "مداخلة : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .... طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {3} إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ
أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ {4} سورة الشعراء ... وإليكم هذا الرابط الذى يفرق فيه فضيلة الشيخ القرضاوى بين الحقيقة والمغالاة فى نسبة المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... https://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1122528600456&pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaAAskTheScholar" . وكان مما قاله محمود لى بدبلوماسيته المعهودة ، "من نحن لننكر شرعية ما يراه الآخرون إذا تعارض مع رأينا ؟" .
هذا الموقف جعلنى أشعر ... بأنه من صالحى أنا ... لابد أن أفهم موقع الأحاديث النبوية فى حياة المجتمع الجديد .
كنت على وشك الدخول فى متاهات من التشويش ، والخلط ، والشك ، وكان يجب على أن أكتشف ما أنا فيه ، بطواعية وببساطة ، حيث المجال ضيق للهواجس .
يوجه المستشرقون السهام لعلم الحديث الشريف ، وللأسف فإن البحوث المقدمة من علماء المسلمين ، سواء الأصلية ، أو المترجمة للغة الإنجليزية ، لمقابلة هجومهم ، غير كافية . والحاجة لمثل هذه الأبحاث ، هامة جدا للمسلمين الجدد الذين يعيشون فى الغرب ، حيث أن هذا الموضوع يلعب دورا فاعلا لربطهم بالمجتمع الإسلامى ، ولمقابلة التحديات التى تواجههم ، ولصيانة أنفسهم من المحيط الذين يعيشون فيه .




( 19 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله

"مداخلة : أحب أن أُذَكر ، بأن هذا الكتاب أصلا موجه إلى الغربيين من المسلمين الجدد أو من غير المسلمين ، ليغطى مساحة مفقودة فى الإتصال بهم . وهو بالنسبة لنا يمثل مجالا خصبا للإطلاع على نوعية من المسلمين الجدد حينما يباشر قلبهم حلاوة الإيمان ، فاندفعوا للدعوة التى آمنوا بها ، والبحث عن النقاط التى تشكل صعوبة لفهم مواطنيهم ليوضحوها لهم . كما أننا نجد فى الكتاب نقاط رائعة تخفى علينا لأننا ولدنا على الإسلام ، ولم نعرف الأديان الأخرى بالتفصيل ، لنفهم ما فهموه هم منها ، سواء سلبا أو إيجابا ، ويكون فهمنا لهم سببا فى التواصل معهم لنصل إلى عقولهم ، ومن ثم قلوبهم ، ونكون عونا لهم على الثبات على الحق الذى آمنوا به" .*
الحديث .. السنة .. السيرة :
قال عبد الله بن سلام ، عن الزبيدي : قال عبد الرحمن بن القاسم : أخبرني القاسم : أن عائشة رضي الله عنها قالت : شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( في الرفيق الأعلى ) . ثلاثا ، وقص الحديث . قالت : فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا ، فردهم الله بذلك . ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم ، وخرجوا به يتلون : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - الشاكرين } .
المذكور أعلاه هو مثل للحديث الشريف ، وجمعه "أحاديث" ، ومجموعها مجال آخر للمعرفة ، حيث كانت موضوعا لدراسة مستفيضة من علماء المسلمين وغير المسلمين ، منذ العصور الأولى للإسلام . المعنى الأساسى لكلمة "حديث" ، هو "جديد" ، فإذا بحثنا عن معنى الكلمة كنوع من الإتصال ، فيكون معناها "تقرير" أو "بيان" ، عن قول شخص ما ، أو عن شئ حدث ونقله إلينا شهود رأوه أو سمعوه من مصادر موثوق بها . وبالنسبة لعلماء الإسلام ، فعلم الحديث ينحصر فى دراسة أقوال وأفعال وإقرار ، رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعتبر هذه الأحاديث هى المصدر الثانى من المصادر التى يرجع إليها المسلمون "القرآن الكريم هو المصدر الأول من هذه المصادر" .
كلمة "سنة" أدبيا تعنى "طريقة" أو "المسار المتبع" . وبالنسبة لرسول الله ، فهى تشير إلى أمثلة عن حياته ، ونماذج من تصرفاته ، وهى بذلك مرتبطة جذريا بالأحاديث ، فمن خلال الأحاديث أساسا ، نعرف أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقواله .
"السيرة" ، هى السيرة الذاتية للرسول . غير أننا سنركز حاليا على "الحديث" .
حسب الحديث الشريف الذى ذكر أعلاه كمثل ، نجد أن كل حديث ينقسم إلى جزئين : الجزء الأول هو الإسناد ، والثانى ، هو المتن (أى النص) . والمختصين من المسلمين اهتموا بهذين العنصرين اهتماما شديدا . وكمثال ، فنظرتهم لحديثين بنفس المتن ولكن الإسناد يختلف ، فيكون تصنيفهما مختلفين من ناحية التوثيق . ويلاحظ فى العناية بالإسناد ، الإنتباه الدقيق لطريقة انتقال الحديث من مرحلة لمرحلة أخرى ، وذلك لكى يتأكد المسلمون من صحة النقل ، والضبط ، والسلامة ، والثقة فى الأفراد المنقول عنهم الحديث . وهذا الإنطباع دُعم نتيجة للمجهود المخلص من الأتقياء ، أمثال "البخارى" و "مسلم" ، الذين كانوا يقطعون المسافات البعيدة للتأكد من صحة الحديث ، وقد لاقوا الصعاب فى سبيل تحقيق النصوص ، والتأكد من السلسلة التى تروى الحديث . إن المجموعة التشريعية التى نتجت فى القرن الثالث فى العصر الإسلامى ، سميت بأسماء هؤلاء الذين جمعوا الحديث الشريف : "صحيح البخارى" و "صحيح مسلم" و "سنن أبو داوود" و "جامع الترمذى" و "سنن النسائى" و "سنن ابن ماجه" . فى حين أن هناك كتب أخرى لها اعتبارها ، كـ "سنن الدارقطنى" و "سنن الدارمى" ، وينظر كثير من المسلمين إلى الكتب الستة الأول بأنها أصح الكتب ، وأصحها على الإطلاق ، صحيحى البخارى ومسلم .
من أحد أسباب عمل هؤلاء المحدثين الكبار ، الصراعات والجدل الذى بدأ فى نهاية القرن الثانى من الهجرة ، فقد ملئت الساحة بالأكاذيب والإفتراءات السياسية منها ، والقصص المفبركة ، والمبالغات فى شخصية الرسول كما هى عادة البشرية فى عظمائها ، وظهور الفرق والنحل وتعصب كل لرجاله ، ونسبة كل ذلك للرسول لتدعيم كل فريق لقوله . كل ذلك وصل لدرجة وضع الأحاديث على لسان رسول الله والكذب عليه ، حتى أن ما جمعه البخارى كان حوالى 600 ألف حديث ، لم يعتمد منها غير 2,602 حديث فقط (غير المكررة منها) . هذا وضع محير جدا ، ولو أن البخارى لم ينف أن تكون هناك أحاديث غير التى أوردها يمكن أن تكون صحيحة .
وقد كان البخارى حينما يعتمد حديث ما ، فإنه ربما رفض أحاديث أخرى بنفس المتن ، ولكنه لم يعتمد إسنادها حسب القواعد التى عقدها لقياس صحة الإسناد . فبالنسبة له ولجميع المحدثين ، فقد كان الإسناد له الأولوية فى تقييم صحة الحديث . فلكى يعتمد الحديث صحيحا ، لابد أن تكون سلسلة الرواة قوية وجديرة بالثقة ، ولا توجد عيوب بها مخفية . فمثلا عند البخارى ، إذا ثبت عنده أن راويين لم يصادف أن لاقى بعضهم البعض ، فلا يأخذ بالحديث المروى عنهما .
وقد أدى هذا البحث فى القرن الثانى الهجرى فى الأسانيد ، إلى دراسة أحوال الرجال ومدى تقواهم ، وصدقهم ، وتصرفاتهم ، وذكاؤهم ، وأدى هذا إلى نشأة علم يسمى "أحوال الرجال" ، تطور إلى علم مستقل غنى بالمعلومات عن رواة الأحاديث ، حتى أن "سبرنجر Sprenger" سماه "الأدب المحمدى المجيد The Glory of Muhammadan Litrature" .
يقسم علم الحديث ، الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية : "الصحيح " ، "الحسن" و "الضعيف" . وهذا القسم الأخير ، ينقسم إلى "المعلق" ، "المقطوع" ، "المرسل" ، "الموضوع" ، وذلك الذى به خطأ فى الإسناد أو المتن ، ويسمى "المُصَحَّفْ" . كذلك تقسم الأحاديث حسب سلسة الرواة خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة . فالحديث المتواتر ، هو الحديث المنقول عن جمع من القرون الثلاثة الأول لا يشك كثيرا فى نقلهم . أقل عدد للتواتر هو سبعة ، وقد يصل إلى السبعين . والأحاديث من هذا الباب قليلة . وهناك الحديث "المشهور" ، وهى أكثر من السابق ، ورواتها من اثنين إلى أربعة من الرواة من القرن الأول ، وعدد كبير من القرنين التاليين . هذان النوعان عليهما يحتلان موقعا هاما فى التشريع منذ الأيام الأولى للإسلام . وأحاديث الآحاد التى رويت بواسطة أربعة رواة أو أقل فى القرون الثلاثة الأولى ، يعتبرا مع هذين النوعين ، وذلك بناء على مناقشات من "الإمام الشافعى" ، المصدر الثانى للتشريع السنى فى الإسلام .
من هذه المقدمة المختصرة ، يشعر المرء بالضخامة والتعقيد لهذا العلم القديم ، وللأسف كما يقول "الصديقى" ، فالخبراء هذه الأيام فى هذا العلم قليلون :
وفى الحقيقة ، فإن هذا العلم بالهند (على ما أعرف) ، وفى الدول الإسلامية ، قد تحول لمجرد أمور شكلية . فالقليل من العلماء يتبحرون فى "أسماء الرجال" - وهو من أهم العلوم لمعرفة الأحاديث . والمتحولون الجدد للإسلام ، يجدون تناولهم للأحاديث أقل بكثير من تناولهم للقرآن الكريم . وهذا ناشئ عن عدم وجود خبراء فى هذا المجال ، ومعلوماتهم تأتى من ترديد بعض المسلمين للأحاديث لمجرد أن يبرهنوا على رأى معين أو سلوك معين يمارسوه . والأمر بهذا الشكل أكثر تعقيدا للمسلمين الجدد . فهم قد أتوا من النصرانية أو اليهودية ، وقد رفضوا إرثا موازيا لم تستسيغوه عقولهم ولا يقبله العلم الحديث ، وقد كانت هذه الأمور مقبولة إلى فترة قريبة ، كذلك من الصعوبة بمكان أن تهمل انتقادات علماء غربيين ، نجحت فى كشف تناقضات فى الكتب المقدسة ، التوراة والإنجيل ، ووصلت إلى استنتاجات مماثلة وردت بالأحاديث الشريفة الموجودة ببعض كتب الأحاديث ، مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كذلك من الصعب بالنسبة لهؤلاء المسلمين الجدد ، ألا تناقش فى صحة مثل هذه الأقوال الغير مستساغة وغير معقولة التى تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام . وفوق كل هذا ، فيتوقع من المسلم أن يقبل بكل الأحاديث التى اعتمدها السابقون وعلماء المسلمين المعاصرين بأنها صحيحة وهى تقارير دقيقة عن أقوال وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام . هذا يضع كثير ممن أسلموا فى وضع غير مريح لتبرير ما يواجهون ، ثم يعتقدون به ، وليس مقبولا منهم أن يسألوا عنه ، وهم يجدون صعوبة فى الإيمان به ، فيلجأون إلى عمل موازنات للوصول إلى الحقيقة .
فيما يلى سنناقش هذه الصعوبات واحدة بعد الأخرى ، مبتدئين بالمقارنة بين الحديث الشريف والإنجيل .
الإنجيل والحديث الشريف :
يعتبر أكثر الكتاب المسلمين وغير المسلمين أن القرآن الكريم والكتب السابقة ، مختلفة خصوصا من الناحية الأدبية ، والأصالة ، وطريقة وصولها إلينا . نفس الشئ يمكن أن يقال عن مجموعة الأحاديث والتوراة ، فبينما الإختلافات ليست بنفس الكثرة كما فى الحالة الأولى ، إلا أن تعددها لا يشجع على الإستمرار فى المقارنة . وبينما يقول بعض الكتاب بأن التشريعات فى مجموعة الأحاديث والإنجيل فيها تشابه ، إلا أن البحث الدقيق فيهما يكشف عن اختلافات هامة كثيرة . فى الحقيقة فكليهما يعمل على هداية أتباعه فى الأمور الدينية ، وتحتوى على تعاليم نسبت إلى مصادر إلهية للرسل المجتبين . بالإضافة إلى أن كل تشريع أسس منذ عدة قرون ويسرى بين أتباعه فى حياتهم ، ويعتمد على الشهادات المنقولة من جيل لجيل ، منذ ذلك الوقت . ولمزيد من الفهم ، فإن الدوافع وراء تجميع كلا منها ونفس طريقة التجميع مختلفة .
أولا : لقد كان المعاصرين لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متأثرين بعمق بالرسالة ، وهذا طبيعى فى كل التجمعات الإنسانية ، وهذا ما جعلهم يجمعون ما يستطيعون من معلومات عنه ، أدت إلى حركة ثورية فى المجتمع .
ثانيا : أقواله كانت مصدرا مهما لتفسير القرآن الكريم .
ثالثا : مع مرور الوقت ، وانتشار الدولة الإسلامية ، ظهرت مشاكل قانونية متعددة ومعقدة ، شك الحكام فى مقدرتهم على حلها ، وكان لا بد من توضيحها بناء على هدى النبوة .
دوافع كتابة الإنجيل كانت مختلفة عن تلك الظروف . وكما هو المعهود فى كل الأنبياء ، فقد كانت توصيات عيسى عليه السلام تصب فى تغيير جذرى . وعلى كل حال ، يمكننا القول بأن تعليماته كانت أخلاقية وروحية ، ولَم تتضمن القواعدَ والمؤسساتَ الفعليةَ لحكم مجتمعِه. طَلبَ إصلاحاً، لكن لَيسَ إعادة صب النظام الإجتماعي الحالىِ .
*وقد يمكننا التكهن فى أى اتجاه كان سيسير المسيح لو بقى فترة أطول على الأرض ، وهذا مجرد افتراض . ربما كان سيؤكد على الروحانيات الداخلية ، وتغليبها على الأمور الخارجية ، وهذا مختصر بعثته ، وربما لسبب ما ، لم تسجل أقواله وأفعاله . وحسب معلومتنا ، لم يترك سيدنا عيسى أى كتاب مقدس يمكن ترجمته . فالكنائس النصرانية الأولى كانت تعيش تحت حكومات عدائية ، تعليم الإيمان الجديد ، وتصحيح بعض الإنتهاكات ، لا مجهود حقيقى لبناء رسمى وشامل يعتمد على تعليمات المسيح . والمجهود الذى قام به الكتاب النصارى الأوائل لم يشر إلى الأقوال الفعلية للسيد المسيح .
ومع بداية القرن الثالث الهجرى ، بلغ الحديث شأوا بعيدا وتأثيرا قويا ، على الأقل فى مجال القانون ، وثبتت الأحاديث الصحيحة وصارت المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم ، وأصبح الرجوع إليها مفضلا عن "القياس" ، و "الرأى" المستقل . واستجاب مؤلفوا الكتب الستة وآخرون لهذا التوجه ، فبدؤا فى تبويب كتبهم لسهولة الرجوع إليها لتأصيل الشريعة والوصول إلى الأحاديث الصحيحة ، وعنوا بذلك أشد العناية .
نحن هكذا نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة .


( 20 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
بالنسبة "لعلم الحديث الشريف" ، فنحن نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة . وكما هو منصوص فى "أكسوفورد الجديد" ، كتذييل للعهد القديم بأنه قد "حرف" ، أما العهد الجديد "الإنجيل" فله وضع آخر سنبينه :::
لماذا ، كيف ، ومتى ... جمعت الكتب الحالية للأناجيل فى مجموعة واحدة ؟؟؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها وذلك لقلة المعلومات الصحيحة . هذا يبرز اختلاف أساسى بين الشريعتين ، فشريعة الأحاديث النبوية ، فى القرن الثالث الهجرى كانت نتيجة تحقيق علمى منظم ودقيق ، بينما الفحص المقارن للأناجيل لم يبدأ إلا بعد 150 عاما بعد جمعه .
ومع هذا ، فقد بحث المستشرقين فى مدى صحة هذه الأحاديث ، وهذا ما سنفصله قريبا . كذلك ، فمحتويات وشكل هذين الجمعين مختلفين تماما .
يمكن أن نقسم الإنجيل إلى قسمين متمايزين : الإنجيل والرسائل . الرسائل الإنجيلية قد كتبت بواسطة معلمين من الكنيسة النصرانية المبكرة ، للتزويد بالمعلومات والحض على تنشئة المجتمعات ، وفى بعض الأحيان تكون موجهة لأفراد . كما أن الرسائل هى الأخرى تنقسم إلى قسمين رئيسيين : الرسائل المنسوبة إلى بولس والرسائل المنسوبة إلى آخرين . و من المعلوم الآن أن الرسائل المنسوبة لبولس ليست كلها من تحريره بل الغالبية منها ، وهناك البعض الذى حدث بها التعديل من كتبة أخر . رسائل بولس من المحتمل أنها هى من أوائل الرسائل الديانة النصرانية أو ما يسمى بالعهد الجديد ، حيث أن رسائله ورسائل أخرى كانت قد سبقت الأناجيل . الرسائل تحتوى بشكل عام على حفنة من أقوال منسوبة للسيد المسيح ، والنذر اليسير عن حياته . على كل ، فالنقاط الهامة فى العقيدة النصرانية ، كالصلب ، وبعثه بعد الصلب ، وتفويضه للتكفير ، والشريعة الجديدة التى حلت مكان الشريعة الإبراهيمية فهى كذلك موجودة فيها .
الأناجيل الأربعة من العهد الجديد ، كتبت فى الثلث الأخير من القرن الأول الميلادى ، فقد نسبت إلى أسماء مستعارة "متى ، مرقس ، لوقا ، يوحنا" ، وأسماء مؤلفيهم الحقيقيين غير معروفة . إنجيل مرقس حرر تقريبا عام 70 بعد الميلاد ، ويعتبر أقدم الأناجيل ، ويعتقد أن انجيلى منى ولوقا يعتمدان فى الغالب على هذا الإنجيل . وليس هناك مصدرا لأقوال السيد المسيح يمكن أن يطلق عليه مثلا "المصدر - ك Q - Source" . الأناجيل الثلاثة الآول ، نظرا لوجود تشابه بينها فلذلك يطلق عليها الأناجيل "Synoptic" ، أى متشابهة النظرة "من الكلمة الإغريقية Synopsis" .
أما الإنجيل "الباطنى" ليوحنا ، فهو يضع تأكيدات ورموز وألغاز عميقة تختلف عن الأناجيل الأخرى ، ومن الممكن القول ، بأن هذا الإنجيل هو الأكثر شعبية عند النصارى عن البقية . الناحية الأدبية للأناجيل تعتبر متعلقة بالسيرة وتركز على فترة قصيرة فى أواخر حياة السيد المسيح ووصاياه لأتباعه . كتب العهد الجديد ، حررت باللغة الإغريقية المعروفة فى ذلك الوقت ، والتى كانت متداولة بواسطة شعوب الإمبراطورية الرومانية وهم الذين كانوا مجال التبشير للنصارى .
الشريعة المستمدة من كتب الأحاديث النبوية ، مبوبة حسب الموضوعات ، ولهذا فهى تشبه كثيرا ، "إنجيل توماس" الذى أكتشف حديثا والذى يحتوى على أقوال سيدنا عيسى عليه السلام مع أقل القليل من المقدمات .
لم ترتب الأحاديث زمنيا ، ولا تحتوى على تعليقات من مؤلفى كتب الأحاديث موجهة للمسلمين ، بالرغم من أن هناك بعض التوجيهات تستشف من العنونة والإختيار والترتيب للأحاديث . الكتب الستة للأحاديث فيها كثير من العقائد المشتركة بينها ، ولهذا قوبلت بالقبول من السلف نتيجة المقاييس الدقيقة فى قبولها .
وهناك اختلاف جوهرى فى كتابة النصوص ، فلغة الأحاديث النبوية هى اللغة العربية ، وهى لغة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، بينما بالنسبة للأناجيل ، فكل المتخصصين يجمعون أنها كتبت باللغة ... الإغريقية ... وهى لغة لم يتكلم بها سيدنا عيسى ، فقد كانت لغته هى الآرامية ، وتعاليمه كانت بالآرامية ، لغة أهل فلسطين فى ذلك الوقت . هذا الإختلاف بين لغة الكلام ولغة التحرير تقتضى ترجمة الأناجيل والرسائل من ثقافة إلى ثقافة أخرى .
الخلاصة ، أن أدب الحديث بالنسبة للكتب الستة ، يختلف جذريا عن أدب الأناجيل ، من ناحية الكتابة ، والتجميع ، والدراسة ، والإستخدام . هذا هو الوضع ، ومن العبث أن يمتد شكنا للسنة بناء على شكنا فى الأناجيل . على كل حال ، هذا مايحدث بالنسبة للمسلمين الجدد خصوصا هؤلاء الذين أتوا بإرث دينى سابق غير إسلامى من الشك من النصارى ، وهو يعتقد فى صحة هذا وعدم صحة ذلك بناء على هذا الإرث ويطبقه على ما يسمعه من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أدب السيرة .
التوقعات :
بالنسبة لجيلى ، فى أواخر الستينات وأوائل السبعينات "من القرن المنصرم" كانت هذه الأيام تعتبر أيام السلام والحب . كان الشباب يطيلون شعورهم ويلبسون الثياب الرثة وكانوا شعثى اللحى ويمشون حفاة . فى اعتقادى أن هذه لم تكن مجرد صدفة بسيطة أن نتشبه بالمسيح بالصورة التى نشأنا عليها - الصورة التى نراها فى كتب الصلاة ، وفى الرسومات ، والأيقونات ، والنوافذ الزجاجية الملونة وفى الأفلام . ولو كنت ممن يتعاطون المخدرات فقد تصل إلى هذه الصورة الكليلة . هؤلاء الذين يمثلون هذه الصورة كانوا يعرفوا "بشواذ عيسى Jesus Freaks" ، بالرغم من أن هؤلاء لا يهتمون بالدين .
ومع ذلك ، فأنا أشعر بأن شيئا من هالة المسيح كانت هناك تؤثر حتى على غير المتدينين ، ليس فقط فيما يظهر به الشباب ، بل فى النداء إلى السلام والحب والدعوة إلى عالم جديد . كان عيسى بالنسبة لهم إيجابا وسلبا : المدافع عن الضعفاء والمظلومين (خصوصا النساء) ، يُدين نفاق المؤسسة ، متحاملا على ما تقوم به من اضطهاد ، وفى النهاية رافضا الإنتقام .
هناك هذه الأيام إعتراض على أن هذا كان هو المفهوم تاريخيا ، ولكن لمدة ألفى سنة كان كذلك فى نظر النصارى . وفى العيون الغربية ، على الأقل ، كانت تعاليمه هى الأكثر جاذبية والصورة الأكثر تعاطفا فى التاريخ - ليس فقط لأنه كان قائدا كبيرا ، وسياسيا محنكا ، وخطيبا ، ولكن لأنه أحب وعفى كما لم يحدث من الأشخاص الآخرون .
صورته من الصعب أن تقارن ، وبالنسبة للمسلمين ، ليس هناك حاجة للمحاولة فالقرآن يطلب من المؤمنين أن يقولوا :
............ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ .......... {285} سورة البقرة
فجوهر القرآن الكريم ليس بين الرسل ، ولكن بين حاجة الرجل ليسلم نفسه لله وحده .
إذا كان هذا هو نهاية المطاف ، فالمتحولون للإسلام المتوقعون يجدون أن هذه نقطة إيجابية فى جانب الإسلام . ولكن هذا ليس هذا هو النهاية . أعنى من هذا أن المرء يجب عليه أن يصحح مفاهيمه السابقة عن السيرة الذاتية والتقاليد التى دفعت النبى عليه الصلاة والسلام ليأمر بقتل الشعراء الذين هجوه ، وسماحه بقتل الرجال من بنى قريظة ، واستعباد الأحياء منهم ، زاوجه من بنت رئيس القبيلة التى حاربها وانتصر عليها ، الضغط على النساء بالتصدق بمجوهراتهن وتذكيرهن بأنهن أكثر أهل النار .
وغنى عن القول بأن هناك الكثير من هذه السير موجودة فى المصادر الغربية . وكمثال فتقييم "وات Watt" فى نهاية كتابه "محمد : النبى ورجل الدولة" يتضمن التصورات التالية التى تتقارب مع مشاعر المسلمين :
(ومن ضمن القصص العديدة وبعضها على الأقل يستحق التصديق ، فأرملة ابن عمه جعفر ابن أبى طالب ، روت لحفيدتها ، كيف عليه السلام استقبل نبأ وفاة جعفر . قالت لها : لقد كنت مشغولة بأعمال البيت فى صباح يوم ، وأنا أقوم بدبغ أرعين جلدا وأعجن العجين ، فإذا بالرسول ينادى . جمعت أولادى الثلاث ، وغسلت وجوههم ودهنتهم ، وعندما دخل رسول الله سأل عنهم . فأحضرتهم له ، فاحتضنهم وشمهم كما تفعل الأم برضيعها ، وإذا بعينيه تفيض من الدموع وانفجر باكيا . سألته ، "هل سمعت شيئا عن جعفر ؟" ، فقال لها لقد قتل . وأمر بعض المسلمين بإعداد طعام لنا قائلا "إنهم مشغولون ليفكروا فى أنفسهم" ... وهذا يدل على حبه للأطفال وعلى رفقه بهم . ربما كان هذا الحنان لفقده أطفاله وهم صغار ! ويؤكد عاطفة الأبوة هذه تبنيه لزيد بن حارثة . كذلك كان مرتبطا بابن عمه الصغير على ، عمه أبو طالب الذى رعاه فى صغره ، وكان على علم بأن على لن يكون سياسيا ناجحا . وكانت له عليه السلام حفيدة اسمها أمامة ، كان يحملها فى صلاته ، ويضعها أثناء الركوع أو السجود ، ثم يحملها من جديد بعد الإنتهاء منها . وفى إحدى المرات عرض أمام زوجاته عقدا قائلا أنه سيعطيه لأقرب واحدة منه ، فتتطلعن كلهن لتأخذ العقد ، ولكنه أعطاه لأمامة .
وكان يحب أن يشارك الأطفال ألعابهم ، وكان له أصدقاء منهم . وكان يمازح بعض الأطفال الذين عادوا حديثا من الحبشة ويتكلمون الحبشية . وفى أحد المنازل بالمدينة كان هناك طفل يحب أن يمازحه ، وفى يوم وجده حزينا ، فسأله عن السبب . فقال له أن العندليب قد مات ، فأخذ يروح عنه . وقد امتدت رحمته حتى للحيوانات ، وهذه صفة مميزة بالنسبة لعصره ، تدل على تفاعله مع الكائنات التى هى جزء من العالم . وحينما خرج الجيش لفتح مكة ، مروا على مكان به كلبة وجراء صغيرة ، فأمر عليه السلام بألا يثيروهم ، ولم يكتف بهذا الأمر بل خصص جنديا لمراقبة التنفيذ . هذه لمحات مهمة عن شخصيته عليه السلام ، وتلقى الضوء على تصرفاته مع المسلمين فى الأمور العامة . لقد اكتسب احترام وحب أتباعه ليس فقط من الناحية الدينية ، بل من الخصائص من الشجاعة والتصميم والنزاهة والحزم المغلف بالكرم . بالإضافة إلى ذلك ، فقد كان سحر أسلوبه سببا فى ولاء تابعيه وحبهم له) .
ولكن يصعب القول بأن الصورة لرسول الله المستقاة من الأحاديث وكتب السيرة ، هى أكثر إغراء من صورة سيدنا عيسى التى فى الإنجيل . وبالتأكيد فإن البحث عن الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى أكثر من المنافسة بين الشخصيات ، فقد تكون هذه الصفات غير مجسدة من الناحية التاريخية .
دفاع الكتاب من المسلمين المقنع عبر السنين عن كثير من الأحداث ، جعل الكتاب الغربيين يعيدون تقييم ما ذكره المستشرقون القدامى عن حياة النبى . وقد أوضح الكتاب المسلمون بأن هؤلاء المستشرقين قد على أقاويل باطلة لا يعتمد عليها ، وتركوا الأحداث الموثقة التى لا تتفق مع هواهم . وكمثال مما ذكر أعلاه وسنقوم بمناقشته فيما بعد معتمدين سياقا مخالفا لما ذكر ، هو عن أمره عليه الصلاة والسلام بقتل ستة شعراء كانوا يهجونه . يقول "على" بأن أربعة من هذه الحالات تعتمد على التقاليد بأن الثقافة الإسلامية تعتبر إما ضعيفة أو موضوعة ، أما الحالتين الأخريين ، فقد كانتا تمثل خيانة عظمى لأنهما أرتكبتا أثناء حرب مشتعلة بالمدينة .
بهذه الأمثلة فقد استطاع المسلمين المدافعين أن يناقشوا المستشرقين القدماء بأنهم استغلوا مصادر إسلامية ضعيفة حينما كانت تؤيد غرضهم ، وأهملوا مصادر أخرى يعتبرها المسلمون موثقة ، حينما كانت ضد أغراضهم الخبيثة . هذه المواقف والسلوكيات ، جعلت المسلمين ينظرون إلى هؤلاء المستشرقين بأنهم أعداء للإسلام . ثقافة الإستشراق الحديثة ، أصبحت أكثر موضوعية ، بالرغم من أن المسلمين ما زالوا ينظرون إليها بالشك والريبة .
يتبع


تسلم وتسلم والله انك صاحب اطول موضوع قريته غي حياتي يييي