( 6 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الأول
نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" .
تهللت وجوههم بالبهجة والإرتياح ، وذكرونى بمهندسى الناسا وهم يحطون على سطح القمر . فعجبت لماذا كل هذا الإهتمام ، هل تحولوا هم أيضا للإسلام ؟؟؟
على كل حال ، لم أتحول بعد رسميا ، وما زال أمامى إجراءات رسمية . فتح باب المسجد ثانيا ، وكان هناك ظل شخص آخر يلبس جبة وعمامة ، أضخم قليلا من غسان ، فقد كان الضوء خافتا .
"مصطفى" ... ناداه غسان . هذا الأخ يريد أن يدخل فى الإسلام .
كان وجه مصطفى أبوى كبير ، تهلل وأقبل يعانقنى .
"مصطفى" ، قال غسان ، عليه أن ينطق بالشهادتين ، وتراجع بهدوء . فلتعلمه ماذا يقول .
أخذ مصطفى يشرح لى معنى الشهادتين ، باللغة الإنجليزية ، ثم أتبع شرحه باللغة العربية ، طالبا منى ترديدها خلفه . "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" . رددتها وراءه ، وشعرت بالحماية ، والأمان ، والإنطلاق ، والحرية .
لقد غمرنى شعور من الحب ، وأحسست بحب الواحد الأحد لى . لقد عدت إلى حقيقتى مرة ثانية .
"الله" ... نطقها مصطفى . وكررتها مرتين خلفه .
بعد يومين ، أديت أول صلاة للجمعة فى المسجد . كان يوما مشرقا دافئا فى سان فرانسيسكو ، ووقفت فى الصف الثانى ، بينما غسان يرتل القرآن الكريم ، بطريقته المحببة المميزة . كانت التلاوة ببطء ، لها وقع موسيقى جميل ، وتخرج من فم غسان بعمق ، كأنه طفل تائه يلتمس أبويه بنغمة حانية . كنا نقف جنبا إلى جنب ، وكتفا إلى كتف .
"الله أكبر" ... وحين سماع الأمر نركع ويدينا على ركبتينا ، وظهورنا عمودية على أرجلنا . وتمتمت "سبحان ربى العظيم ... أحمدك يارب أن جئت بى إلى هنا" .
"سمع الله لمن حمده" ... "ربنا ولك الحمد" . وعدنا وقوفا ، فى حركة كأننا جسم واحد . لقد صليت أربع صلوات فى المسجد مع آخرين ، ولكن ليس بهذا العدد . الآن يوجد بالمسجد ثمانون شخصا ، فى هذه الغرفة الضيقة . شباب من كل بقاع العالم ، يمثلون ربما حوالى عشرون دولة ، يحيُون معنى الأخوة .
"الله أكبر" ... انحنينا بسيولة وبشكل رشيق ، إلى الأرض ، أولا على ركبنا ، ثم وضعنا أصابعنا على الأرض ، ثم جباهنا على السجاد ، "سبحان ربى الأعلى" كررتها عدة مرات ، مناجيا ربى "اللهم لا تجعلنى أعود لما كنت فيه" .
"الله أكبر" ... جلسنا على الأرض فى صفوف خلف غسان ، وكنت فى الصف الثالث ، فقد كان غسان يقف فى الأول بمفرده .
"الله أكبر" ... سجدنا على السجاد ذو الخطوط الحمراء والبيضاء ، ثم جلسنا مرة ثانية . وشملنا الهدوء ، كأن الصوت قد أغلق .
وحينما نظرت إلى الأعلى ، وجدت غسان إلى شمالى فى المنتصف ، أسفل الشباك ، والضوء خافت من خلاله ، وكان بمفرده دون صف بجانبه ، وكان يلبس جلبابا أبيضا طويلا ، وعلى رأسه غطاء أبيض بخطوط حمراء .
"الرؤية" صرخت من داخلى . "الرؤية بالضبط" ، لقد كنت قد نسيتها بالمرة ، والآن ذهلت وارتعبت . هل أنا فى حلم ؟؟؟ هل سأستيقظ منه ؟؟؟ وأخذت أتلفت حولى لأطمئن أنى لست نائما !!! أحسست ببرودة شديدة ، جعلتنى أرتعش . يا إلهى !!! إنها حقيقة . وفجأة شعرت ببعض الدفء ، فقد انهمرت الدموع من عينى !!!
"السلام عليكم ورحمة الله" ... التفتنا إلى اليمين ورددنا الكلمات .
"السلام عليكم ورحمة الله" ... التفتنا إلى الشمال ورددنا الكلمات ... وانتهت الصلاة .
جلست على البساط ، وأخذت أحملق فى الجدران وأفكر لمدلول هذه الرؤى !!! ... شئ غريب هذه الرؤى ، وهناك الكثير الذى لا نفهمه !!! ولكن مهما كانت الآلية خلفها ، ففى هذه الرؤية ، رأيت خلالها تفاصيل حياتى --- أشياء فعلتها .. أناس قابلتهم .. فرص مرت بى .. خيارات اخترتها لم يكن لها معنى فى حينها --- كلها أدت إلى هذه الصلاة وكانت تتويجا لإستسلامى للإيمان . الآن أشعر بأن الله كان دائما قريبا منى يوجهنى ، ويخلق لى الفرص لأختار ، تاركا الإختيار لى .
كنت شارد الفكر عن حقيقة القرب والحب لله الموحى بها للبشر ، ليس لأننا نستحقها ، ولكنها هناك لمن يطلبها منه سبحانه وتعالى .
لا أستطيع أن أقول بالضبط ، ما معنى هذه الرؤية ، ولكنى أرى فيها فرصة جديدة للثبات على الإيمان .
انتهى الفصل الأول "الشهادة" ... ويتبع الفصل الثانى "القرآن الكريم"
ولهذا أول ما أنزل للبشر ، من خلال رسول الله عليه السلام ، "إقرأ" ، والقراءة والقلم هما من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية ، وكما قال "محمد أسد" الذى اعتنق الإسلام ، أن القلم يشير إلى الكتابة ، والكتابة تشير إلى العلم ، فالكتابة هى التى تربط بين أفكار الأفراد بعضهم ببعض ، وهى الصلة بين الثقافات ، وبين الأجيال جيلا بعد جيل ، فهى التى تحفظ التراث فلا يذهب هباء ، بل يتراكم على مر العصور ، فالحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ، وأعطانا القدرة لكى يشارك بعضنا البعض ، وهو الذى علمه البيان ، وبالرغم من ذلك ، فهذا الإنسان الذى خلق من نطفة ، حينما يظن أنه قد استغنى فإذا به يطغى فى الأرض ، وينسى أنه راجع إلى ربه فملاقيه . هذا الجحود هو سمة هذا العصر ، فالرجل العصرى ، يظن أن ما توصل إليه من علم يجعله فى غنى عن خالقه الذى وهبه كل إمكانياته التى تكرمه عن كثير ممن خلق .
وهكذا فى سورة العلق فهناك تأكيدان ، الأول أن الله خالقك ، والثانى انه هو الذى علمك وأعطاك القدرة والرغبة فى التحصيل ، والآيات "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8}" . تشخص حال الإنسان المعاصر الذى تخطى كل الحدود ، وأنكر نعم خالقه عليه .
فهذا التحدى المزدوج ، الخلق والعلم ، يجعلانك تتحسس موقعك من الحياة ، ونسبتهما إلى الله سبحانه وتعالى ، هما فى الحقيقة مدخل كثير ممن اعتنقوا الإسلام حديثا .
وقبل أن نستمر فى هذا الموضوع ، أحب أن أتكلم عن أسلوب ترجمات القرآن الكريم .
( 7 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
القرآن الكريم ، فى أذهان كثير من المسلمين قد سمى وارتفع على التحديات الغربية ، وهو القوة الدافعة للصحوة الإسلامية . هو بالنسبة لأكثر من مليار مسلم يشكل "الهداية والرحمة الخاتمة والنعمة الموحاة من الله سبحانه وتعالى ، إلى البشرية ، الحكمة والجمال فى التعبير النهائى لهم ، بالإختصار (كلمة الله)" .
ولكن ، ماذا عن المهتدين الجدد من الغرب ؟؟؟ أولئكم الذين هم بعيدون عن الثقافة والعادات واللغة ، الذى يشكلها هذا الكتاب المقدس ويعلمها لأتباعه ... ما تأثير وأهمية هذا القرآن لهم ؟؟؟
هذا السؤال ليس ضروريا لأنه ليس كل معتنق لدين جديد يكون على معرفة بكتاب هذا الدين المقدس . ومن المحتمل إلا يسأل عنه ، كالبوذية والهندوسية والنصرانية ، مثلا .
أما فى الغرب ، فكل متحول أو متحولة للإسلام ، يتكلم عما تركه القرآن فى حياته .
فى الحقيقة ، فعامة المؤمنين بالإسلام ، فالقرآن بناء أساسى فى دينهم ، فتلاوته يوميا فى الصلاة فرض عليهم . ولهذا فكل من دخل الإسلام حديثا ، لابد أن يحفظ بعضا من سوره مع ترجمتها ليتفهمها ، وهذا يحدث بسرعة كبيرة . هذا الإتصال اليومى بالقرآن الكريم ، يؤدى إلى مزيد من دراسته ، ويقول عدد كبير من المتحولين للإسلام ، بأنهم يقرأون أجزاء من ترجمة معانيه يوميا ، بالإضافة إلى ترتيل آيات منه فى صلاتهم . والكثير يتحمسون لدراسة اللغة العربية ، وهى التى بالنسبة للأمريكان شاذة جدا ، وقليل منهم أنتجوا تفاسير جديدة وتفاسير سابقة للمفسرين القدامى ومترجمى معانى القرآن .
لهذا ، فالقرآن جزء لا يتجزأ من حياة المسلم ، لهذا فالقرآن يعيش معك ويجيب على أسئلتك فى التو واللحظة ، يتفاعل معك .
وبالرغم من أن الإسلام ينتشر بسرعة فائقة فى الغرب ، إلا أنه مازال حديثا فيه . ومازال الذين ألفوا فى الإسلام من الغربيين قليلون ، كأمثال ، محمد أسد ، مارمادوك بكتول ، مارتن لينجز ، مريم جميلة و حامد ألجار . اليوم نحن نرى كثيرا من الأوروبيون يكتبون عن الإسلام ، وآخرون متعاطفون معه . وفى كتاباتهم ، قد نرى بعض التكرار . وهدفى فى هذا الفصل ، أن ألقى بعض الضوء على ما كتبوا ، كما سأضيف لها تجاربى الخاصة ، ومناقشاتى مع الآخرين لتتكامل كلها لتضئ الطريق لقبول القرآن الكريم . وبكلمات أخرى ، سأحاول تقديم نموذج للتحول إلى الإسلام .
أنزل هذا الوحى فى مواطنى القرن السابع الميلادى من العرب . وحينما سمعوه يتلى عليهم بلسانهم ، وجدوا فيه أسلوبا رفيعا ، ولغة قوية جدا ، وكما يقرر القرآن الكريم فقد قالوا على الرسول الكريم بأنه ساحر ، كما ورد فى هاتين الآيتين ::
( 1 ) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ {2} سورة يونس
( 2 ) وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {4} سورة ص
وما كان العرب فى هذا العصر أن يجدوا صعوبة فى فهم وتصور ما يسمعوه ، ويعرفوا الأفكار التى يرمى إليها ، وذلك لأنه بلغتهم وواضح ومبين .
وحينما يعلمنا القرآن بأن نسأل الله "اهدنا الصراط المستقيم" ( 6 ) سورة الفاتحة ، فالقارئ الغربى قد يفهم أن المقصود من "الصراط" ، ذلك الفرق الحساس والغامض بين عبادة الله سبحانه وتعالى وشخص آخر ، أو معنى آخر . أو أنك تسأل الهداية للإتزان الهش بين المادية والروحانية . فالمسافر فى الصحراء ، فى القرن السابع ، قد يحدث له مثل هذا الفهم ، لأن الفهم يتأثر بالحالة النفسية ، فهذا المسافر يرى فى السؤال الطلب بأن يهديه الله إلى الطريق الآمن والذى قد ينجيه من الموت أو من قطاع الطرق مثلا . "مداخلة : لا أتفق مع هذا الشرح ، لأن الطريق المستقيم فى السورة معرف بوضوح ، فهو طريق المنعم عليهم ، لا المغضوب عليهم ولا الضالين !!!"
إشارات القرآن للكتب السابقة ، وللميزان ، ولشراء الله للأنفس ، وللجزاء يوم القيامة ، ولإقراض الله ، وأن جزاء كل هذا أضعاف أضعاف ما قدم ، وصور كل ذلك على أنه بيع وشراء بين العبد وربه ، فقد كان العرب فى هذا الزمان ، تجار يعيشون على التجارة . وحينما يقارن القرآن حالة الكفار بحالة من يموت من العطش فى الصحراء ، أو يقارن بين البعث يوم القيامة وإحياء الأرض الموات بعد المطر ، أو حينما يصف الجنة بأمور جد حيوية ومثيرة ، فلنا أن نتصور وقع هذه الصور على الذين يستمعون إليها لأول مرة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لم يكن العرب فى عهد الرسالة الإسلامية ، ملحدون أو لا أدريون ، ولكنهم لم يكونوا متدينين بعمق . كانوا بنفس الصورة التى عليها كثير من البشر الآن ، تطلعاتهم للدين عابرة ، الإيمان بالدين مجرد جزء من التقاليد ، ملحق بالثقافة ، ويمارس فى مكان ووقت محدود ، ويلجأ إليه عند اللزوم . وبمعنى آخر ، كانوا عباد أصنام ، يعتقدون فى عدة آلهة ، ويظنون أن لها تأثيرا على حياتهم الشخصية . مشكلة القرآن مع العرب ، ليست فى أنهم لا يعتقدون فى وجود الله ، بل فى اعتقاداتهم الخاطئة فى الله سبحانه وتعالى ، والتى أدت إلى تعزيز الفسوق .
جاء القرآن للإصلاح والتعديل ، لا للبداية من الصفر ، وقبول ما كان صحيحا والبناء عليه وتعديله إن كان فى حاجة لتعديل . جاء ليفكر العرب فى الدين بطريقة جديدة ، ويغرس فيهم مفاهيم جديدة ، وأطرا يرجعون إليها ، لتنقلهم من نظرة عالمية محدودة كانوا يعيشونها لنظرة عالمية أخرى ، أرقى وأعلى . هذه العملية التحويلية ، أخذتهم من تقليد الآباء ، إلى المسئولية الفردية ، من الفوضى إلى النظام ، من الجهل إلى العلم ، من الحدس إلى السببية ، وفى النهاية ، توافق كل هذه الأمور .
وفى المجتمع الأوربى المعاصر ، فالوضع هو تقريبا ، عكس ما جاء به القرآن . نظريات الإنتقاء الطبيعى ، أو التطور بالصدفة ، مما جعل الدين لا يوضح حقيقة الوجود .
ونجح علم النفس الحديث ، فى شرح أن القيم ، والميول الروحية ، والفضائل ، والمبادئ الأخلاقية ، التى يعيشها الغرب ، هى نتاج تطورات اجتماعية ديناميكية ، ولهذا فهى ليست "حقيقية" أو "مطلقة" ، ولكنها فقط شئ "نسبى" ، نتيجة لتصوراتنا واسعة الإنتشار . فوجود الله عند الغربيين لا ضرورة له ، ويحل محله العلم والمنطق . نتيجة لهذا ، فالذين يتحولون للإسلام منهم يختلفون عن كفار الجزيرة العربية الذين تحولوا من الشرك إلى الإسلام منذ أربعة عشرة قرن . النهاية واحدة ، ولكن الجذور السابقة مختلفة . المتحولين الآن للإسلام ، ينتقلون من الفردية فى الحكم على الأشياء إلى قبول تشريع علوى ، من المادية البحتة إلى المادية والروحانية معا ، من المحسوس إلى الغيب ، وبالأحرى ، تناغم كل ذلك معا .
ملاحظات أولية
ملحوظة : هذه الفقرة سأضطر لترجمتها بالمعنى ، وذلك لأنها فلسفية بعض الشئ وتحتاج للتبسيط حتى يمكننا فهم ما يقصده الكاتب .
تحديات للتدبر ( A Challenge to Reason) :
بالنسبة للأمريكان ، فمجرد الإيمان هو اللب ، وهو المطلوب، والمقصود من التدين "مداخلة : وبالنسبة للمسلم (الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل)" .
وبالنسبة لى .. أثناء بحثى عن الله ... فقد كان لقائى مع الطالب القائد ، وبعد مداولات وشرحه لى ، ماذا يعنى الإسلام له ، فقد كانت هذه المناقشة نقطة حاسمة فى تحولى للإسلام . وفى هذا الكتاب ، أطرح محاولاتى حتى أصبحت مسلما .
هذا التصور ، لا يعنى ان الإعتقاد فى وجود الله سبحانه وتعالى ، يجب أن يكون لا عقلانى ، وبالأحرى ، يجب التأكيد على المشاعر والروحانيات . فالسؤال "ماذا يعكس ذلك الإيمان لك وعليك ؟" ، هو سؤال مشروع . ومع ذلك فهو ليس السؤال الوحيد ، فالإيمان يجب أن يكون أكثر من إعمال للفكر أو لقاء مع الروح . والتركيز على جانب واحد فقط من هذين العنصرين ، يؤدى إلى إهمال للعنصر الآخر والإنسان خلق من مادة وروح .
فالحماسة التى تعترى المسلم وهو يتحاور فى الأديان ، ترجع لسببين أولهما : لأنه لا يفصل بين الدين والدنيا ، كل حياته بشقيها مقدسة . "مداخلة : "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} سورة الأنعام" وهو يرى فى الحقيقة أن كل حياته مرتبطة بأسماء الله الحسنى ، وهو يستمر فى الدعاء له ، فى كل حدث يحدث له . فكل حياته هى ممارسة للإيمان . وإذا كان غير المسلم يرى فى هذا التصرف شكلية ، فإن المسلم يراه ملائما وطبيعيا ، وكيف لا يكون ذلك ؟ والله سبحانه وتعالى متصرف فى كل صغيرة وكبيرة من حياتنا . ولذلك فحينما تطلب من المسلم أن يحدد أماكن ممارسة إيمانه ، أن تطبق الدين هنا ، ولا تطبقه هناك ، لا يفهم ما تطلبه منه ، فهذا خارج عن مفاهيم الإسلام .
السببالثانى : المسلم يرى أن الإسلام لا يناقض الفطرة ، بل هو دين الفطرة ، والحكمة والعقلانية وراء كل مَسلَْمَة من عناصره . وبالرغم من الإعتراف بمحدودية العقل عند الإنسان ، إلا أن الإسلام يعلى شأن العقل والتعقل فى محكم كتابه ، ويحث على التفكير والتدبر فى آياته ، فهذا شئ حيوى للإيمان بالخالق العظيم ، وبكتابه الموحى به .
ويركز القرآن الكريم على مفهوم العقل والتعقل للوصول إلى الإيمان . وهذا ما أقر به كثير من المستشرقين ، وكمثال ، فيقول رودنسون "Rodinson" "يشير القرآن كثيرا إلى الأدلة العقلية على قدرة الله المطلقة وعجائب الخلقة ، فيتكلم عن التناسل الحيوانى ، وحركة الأجرام السماوية ، والظواهر الجوية ، والتنوع فى الخلقة ، وتسخير ما خلقه الله للإنسان (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {190} سورة آل عمران) .
ويستطرد بعد قليل ، ليقول :
"ذكرت كلمة يعقلون ومشتقاتها فى القرآن الكريم أكثر من خمسون مرة ، منها حوالى ثلاث عشرة مرة بصورة الإستفهام الإستنكارى (أفلا تعقلون ؟) . ثم يذكر الآيات التى وصفت من لا يُعملون عقولهم بأنهم كالأنعام بل هم أضل ، وهؤلاء الذين يقلدون ما كان عليه آباءهم ، دون التفكر فيما إذا كانوا على حق أم فى ضلالة ...... وهكذا .
ولهذا أول ما أنزل للبشر ، من خلال رسول الله عليه السلام ، "إقرأ" ، والقراءة والقلم هما من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية ، وكما قال "محمد أسد" الذى اعتنق الإسلام ، أن القلم يشير إلى الكتابة ، والكتابة تشير إلى العلم ، فالكتابة هى التى تربط بين أفكار الأفراد بعضهم ببعض ، وهى الصلة بين الثقافات ، وبين الأجيال جيلا بعد جيل ، فهى التى تحفظ التراث فلا يذهب هباء ، بل يتراكم على مر العصور ، فالحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ،
وأعطانا القدرة لكى يشارك بعضنا البعض ، وهو الذى علمه البيان ، وبالرغم من ذلك ، فهذا الإنسان الذى خلق من نطفة ، حينما يظن أنه قد استغنى فإذا به يطغى فى الأرض ، وينسى أنه راجع إلى ربه فملاقيه . هذا الجحود هو سمة هذا العصر ، فالرجل العصرى ، يظن أن ما توصل إليه من علم يجعله فى غنى عن خالقه الذى وهبه كل إمكانياته التى تكرمه عن كثير ممن خلق .
وهكذا فى سورة العلق فهناك تأكيدان ، الأول أن الله خالقك ، والثانى انه هو الذى علمك وأعطاك القدرة والرغبة فى التحصيل ، والآيات "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8}" . تشخص حال الإنسان المعاصر الذى تخطى كل الحدود ، وأنكر نعم خالقه عليه .
فهذا التحدى المزدوج ، الخلق والعلم ، يجعلانك تتحسس موقعك من الحياة ، ونسبتهما إلى الله سبحانه وتعالى ، هما فى الحقيقة مدخل كثير ممن اعتنقوا الإسلام حديثا .
وقبل أن نستمر فى هذا الموضوع ، أحب أن أتكلم عن أسلوب ترجمات القرآن الكريم .
( 8 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
الترجمات والخواص المتميزة فى القرآن الكريم :
حينما يقرأ المسلم ذو اللسان العربى القرآن الكريم ، فإنه يجد فيه الروعة والرقى والحلاوة والترابط والحكمة . أما غير العربى ، فإنه يعتمد على ترجمات المستشرقين ، التى تصور القرآن الكريم بعدم الترابط والتهافت والملل .
من أحد أسباب هذا الإختلاف الجذرى فى التصور ، أن الذين يقومون بالترجمة من المستشرقين الغربيين ، أو حتى من العرب ، لم يكونوا يملكون مفتاح اللغتين ، العربية واللغة الأخرى المترجم القرآن إليها . وهنا يكمن لب المشكلة ، فالترجمة الصحيحة تحتاج إلى إجادة قواعد اللغتين ، والتمكن منهما والعيش معهما وفيهما . لغة القرآن ، كما يقول علماء اللغة العربية ، معجزة ، كان عرب شبه الجزيرة العربية ، أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفهمونها حق الفهم ، وكذلك القرون التالية . وحتى العرب الذى أسلموا فيما بعد ، فقد يجدون صعوبات فى فهم كتابهم المقدس ، وهذه الصعوبات أحرى بمن يتناولون الترجمات .
وقد نجحت ترجمة محمد أسد للقرآن ، فى تخطى بعضا من هذه الصعوبات . وكذلك ترجمة يوسف على ، والتعليقات المرفقة بالترجمة ، ساعدت المتكلمين باللغة الإنجليزية كثيرا فى فهم القرآن الكريم . والكثير يفضلون ترجمة ، مارمادوك بكتول ، حيث أنها أقرب الترجمات للغة العربية . وبالنسبة لكل المسلمين ، فالقرآن هو كلمة الله سبحانه وتعالى الموحى بها . ولهذا فأى ترجمة إلى لغة أخرى ، لا تعتبر قرآنا ، ولن تكون فى دقة القرآن نفسه ، وستكون ناقصة بداهة ، فهى ليست قرآنا ولا ترجمة له ، ولكنها مجرد تفسير له . فالمسلم الذى يتحول من اليهودية أو النصرانية ، كما هو الحال مع معظم المسلمين من الغرب ، يواجه بداية ، بثلاثة سمات هامة يجدها فى القرآن الكريم مختلفة بحدة عن كتبهم المقدسة .
السمة الأولى ، هى أن القرآن وحى شخصى ، بمعنى أن الشكل العام للتوجيه الإلهى ، موجه للبشر . وعلى سبيل المثال : "قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} سورة الزمر .. "وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} سورة الضحى وحتى إذا طلب من القارئ التضرع إلى الله فإنه يبدأ بكلمة "قل" كما فى سورة الناس ، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" .
سمة أخرى ، وهى أن القرآن الكريم ليس كتاب تأريخ كالإنجيل والتوراة . فبينما تحتوى هذه الكتب على تاريخ وسير ذاتية ، فمن المستحيل أن تجد فى القرآن الكريم تاريخا محددا ، أو سيرة ذاتية لشخص معين ، ولكنه يتكلم فى ذلك بصورة عامة ، خارجة عن مثل هذه التفصيلات . ولذلك فأنت قد تقرأ القرآن دون الإلتزام بترتيب معين ، لا يطلب منك قراءته بترتيب محدد ، فيمكنك القراءة من أى موقع تبدأ به ، وهذه سمة ليست موجودة فى كتاب آخر ، وبما أن محتوياته شاملة ومغطاة ، ففهم محتواه لا يحتاج إلى مراجع خارجية عنه . وبالنسبة للمسلمين ، فهذا فى حد ذاته له علاقة على أن القرآن قد تخطى حدود الزمان والمكان ، وأنه دليل على علم الله وحكمته ، وأنه فوق قدرة البشر .
السمة الثالثة ، وهى أن الإسلام كما ورد بالقرآن الكريم ، لا يفرق فى الحقيقة بين الدين والدنيا ، فهو يمازج بين مظاهر متعددة من صعود وفناء الأمم ، يوصف الحياة الطبيعية للأمم ، يضع أسس المجتمعات الصالحة ، يضع القوانين ، ويحلل النفس البشرية ... كل ذلك ليضئ للإنسان طريقه فى الحياة ، وليعلن وحدانية الله سبحانه وتعالى .
التاريخ ، والحياة ، والخلق ، شهود على ، وكلها تلتقى لتؤكد ، الحقيقة العليا الوحيدة : بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق ، القيوم ، المهيمن على الكون . كل هذه السمات فى القرآن الكريم ، تختلف اختلافا بينا عن بقية الكتب الدينية الأخرى .
مقارنة بين القرآن الكريم ، والعهد القديم والجديد من الكتاب المقدس :
يقرر القرآن أن كل الأمم فى العصور المختلفة ، قد بعث إليها رسول ، كما ورد فى هذه الآيات كمثال على ذلك ، وأن الإنسان لابد له أن يذعن لأمر الله سبحانه وتعالى ويعبده :
( 1 ) شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ {13} سورة الشورى
( 2 ) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {136} سورة البقرة
( 3 ) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {24} سورة فاطر
فالعقيدة واحدة لا تتغير ، والشريعة والمناهج هما اللذين يتغيران طبقا لأحوال العصور المختلفة . فالبشرية ظلت فى تطور ورقى ولذلك كانت الشريعة تتغير ، إلى أن جاء الرسول الخاتم ، محمد صلى الله عليه وسلم ، الذى اوحى إليه القرآن ليقرر الشريعة الخاتمة للبشرية جمعاء . هذا الرسول الكريم ، هو من سلالة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أبو الرسل ، وقد كان من قبيلة قريش ، التى هى من سلالة سيدنا إسماعيل ، ولد إبراهيم عليهما السلام . وسيدنا محمد هو النبى الذى جاء بعد فترة من الرسل ، "يشبه موسى" ، ومن اخوة اليهود "Berthern of the Hebrews" كما ورد ذلك ( فى سفر التكوين 12: 2-3 ، وسفر التثنية 18: 18 ) .
وفى السنوات الأخيرة ، فمجموعات من الطلبة المسلمين بأمريكا ، يثيرون عدة مناقشات مع الطلبة النصارى ، عن هل الإنجيل أم القرآن هو كلمة الله ؟؟؟ ووجهة نظر المسلم ، هى انه ما دامت التوراة والإنجيل يحتويان على نصوص متعارضة مع بعضها البعض ، أو تعارض الحقائق الثابتة ، فهذا يعنى أن بهما نصوصا غير موحى بهما من الله . وهذه الحقائق هى نتاج أبحاث طويلة من علماء اللاهوت أنفسهم لعدة قرون . معظم النصارى المشاركين فى النقاش يقبلون هذه المسلمة ، ولكنهم لا يقبلون الإستنتاج ، وذلك لاختلاف فى مفهوم الوحى عند الطرفين !!! فالمسلم يرى فى معنى الوحى المعنى المباشر له : أن الإنسان "محمد صلى الله عليه وسلم" هو الوسيلة التى "يتكلم" الله من خلالها بشكل حرفى ويكشف عن إرادته للبشرية ، كما جاء بالكتب السابقة المقدسة على لسان سيدنا موسى عليه السلام :
"سأبعث فيهم نبى من بين اخوتهم مثلك وأضع كلماتى فى فمه وهو سيتكلم لهم بكل ما سآمرهم به" سفر التثنية 18 : 18 وكذلك "مع ذلك يأتى روح الحقيقة الذى سيوجهك لكل الحق : لن يتكلم من نفسه ، ولكن كل ما سيسمعه سيتكلم به ، وسينبئك بكل ما سيأتى" إنجيل يوحنا 16 : 13
والمسلم يعترف بأن الوحى له عدة طرق ، وأن ما ذكر ليس هو الطريقة الوحيدة للوحى ، وذلك كما ورد بالقرآن الكريم :
"وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ {51} سورة الشورى"
والغالبية من علماء اللاهوت ، يقرون اليوم بأن الكتب المقدسة هى مركبات من مستويات مختلفة من الوحى المقدس !!!
وفى هذا الصدد ، يعلق "موريس بوكاى" : "فكرة (محتوى الوحى) ... يمكن أن تقبل بدون أى سؤال ... فى حالة إذا كان المحتوى فعلا هو كلمة الله !!! ولكن الواقع يدل على أن المحتوى هو من كلام مختلف الرجال الفانين ، متأثرا بتقاليدهم وأساطيرهم وخرافاتهم التى كانت سائدة فى وقت تحرير النصوص" .
وبخصوص الإنجيل ، فيقول كراج "Cragg" : "لاشك أن فى الإنجيل نصوصا مما قاله سيدنا عيسى عليه السلام ، وهناك الكثير من المواقع ، وليست أقلها كما فى إنجيل يوحنا ، ما أضافه القديسين من مواد ، سواء بقصد أو غير قصد . هناك تراكمات وتحريرات واختيارات وتعديلات وكذلك شهود . الأناجيل جاءت من خلال تصورات كاتبيها . وهى من تواريخ ذكرت نتيجة تجارب أملتها . ويرى كراج ، أن هذا التفسير هو المناسب بتفوق ، والملائم بوضوح .
ومن وجهة نظر النصارى ، فإن التناقضات التى وردت بكتبهم ، شئ طبيعى ومتوقع ، لتعدد المصادر التى رجع إليها كتاب الأناجيل ولطبيعة الوحى الغير مباشر . والمهم عندهم ، أن الأناجيل فى النهاية ، فيها من الوحى ما يؤدى إلى هداية البشرية !!! وبالطبع فإن هذا المفهوم من الصعب إعتماده والتعويل عليه .
ويؤكد فى كلامه عن التوراة شيئا من مثل هذا المعنى .
وفى مثل هذه المناظرات ، فإن النصارى يدعون أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، منتحل للإسلام من الأديان السابقة التى كانت موجودة بشبه الجزيرة العربية ،فى ذلك الوقت . بينما فقد هذا المفهوم مصداقيته بين المستشرقين المعاصرين ، فهم الآن يرفضون هذا الإدعاء . وكل ما يدعى به على الإسلام ، فأكثر منه يمكن أن يوجه للنصرانية المعاصرة . "مداخلة : وذلك كما ورد بالآية الكريمة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {30} التوبة)" .
والإنطباع الإيجابى ، الناتج من مثل هذه المواجاهات ، هى ان القرآن الكريم خال تماما من التناقضات الواقعية ، مثل تلك التى جعلت علماء اللاهوت يعيدون صياغة الوحى ، بينما المسلمون يقرون بعصمة القرآن الكريم "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً {82} سورة النساء" .
أحد الزملاء فى دراسة الأديان المقارنة ، أقر بأن القرآن الكريم أدق من الكتب الأخرى ، وأرجع ذلك لعبقرية محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد كان ذو بصيرة ، فبما أنه أقتبس من هذه الكتب ، فقد تدارك المسببات التى تؤدى إلى التناقضات ، وحذف التفاصيل ، والكميات ، والتوقيتات ، والأماكن ، والأعداد ، ومثل هذه التفاصيل التى قد تؤدى للتناقض فيما بعد !!! "مداخلة : لقد فهمت بوضوح معنى الآية الكريمة (.......... وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) ... حينما يشعر الإنسان بإفلاسه ، يلجأ للتلاعب بالكلام والتخريف لعله يجد من يصدقه" .
( 9 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
بداية يجب الإقرار بأن القرآن الكريم ذكر قصص توراتية ولكن بعد حذف بعض التفاصيل ، وفى كل مرة يأتى بتفاصيل أخرى خافية لم تذكر بالكتب السابقة . وهناك أمثلة كثيرة على ذلك . فقصة سيدنا سليمان التى ذكرت بالقرآن الكريم ، تنفى عن هذا النبى المجتبى من الله سبحانه وتعالى أن يكون من عبدة الأصنام ، كما جاء بسفر الملوك (11 : 4) ، وذلك كما ورد بالآية 102 من سورة البقرة "وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ..........." .
وكذلك ما ورد عن قصة سيدنا إبراهيم بخصوص ذبح ابنه سيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، فقد ورد بسفر التكوين ( 22 : 1 - 19) ، أن الله تكلم مباشرة لسيدنا إبراهيم طالبا منه ذبح ابنه ، فى حين أن القرآن يرجع هذا الطلب إلى رؤية منامية رآها سيدنا إبراهيم ، كما ورد بسورة الصافات من الآية 101 - 111 .
والقرآن الكريم ينفى بشدة مسألة صلب المسيح عليه السلام لم تحدث على الإطلاق ، بل شبه لهم صلبه .
بل إن القرآن كثيرا ما يوضح مشاكل وقع فيها الإنجيل والتوراة ، وظهرت فى الغرب فيما بعد البعثة المحمدية بقرون . ومن الأمثلة على ذلك ، ماورد فى قصة يوسف عليه السلام ، وأن أبناء سيدنا يعقوب سافروا على الحمير فى صحراء سيناء (سفر التكوين ، 42 : 26) . ومن المعروف أن الحمير لا تصلح للسفر الطويل بالصحراء ، كما أنه ليس من عادة البدو الإعتماد عليها ، وقد كان أحفاد سيدنا إبراهيم بدوا إلى أن استقروا فى مصر . بل الجمال هى التى تصلح لذلك ، وقد أكد القرآن فى سورة يوسف على أن إخوة يوسف استخدموا العير فى تنقلاتهم ، وذلك فى الآيات (65 - 70 - 72 - 82) " ..... وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ {65}" .. "..... أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ {70}" .. "..... وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ {72}" .. "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {82}" .
وفى نفس القصة فى سفر التكوين (43 : 32) ، يذكر السفر بأنه كان هناك نفور شديد من المصريين واليهود إلى وقت طويل ، حتى أن سيدنا يوسف لم يكن ليأكل مع إخوته . ولا يذكر القرآن شيئا من هذا النفور من المصريين تجاه عائلة سيدنا يعقوب الآيات أرقام (59 - 93 - 99) من سورة يوسف ".......... أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ {59}" .. "اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ {93}" .. "فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ {99}" .
أما عن طوفان سيدنا نوح عليه السلام ، فيذكر سفر التكوين ( 7 : 32 ) ، أن كل شئ حى على وجه الأرض قد غرق ، البشر والأنعام وكل الزواحف وطيور السماء ؛ وأنها امحت من على وجه الأرض ، وسيدنا نوح ومن كانوا فقط على السفينة هم من بقوا عليها !!! وبالرجوع إلى المعلومات التاريخية التى وردت بالتوراة ، فإن هذه الكارثة حدثت فى القرن الثانى والعشرون قبل الميلاد ، والبراهين العلمية الحديثة ، تثبت أنه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن ، توجد حضارات فى أنحاء متعددة من العالم ، وهذا ما يناقض ما جاء بالتوراة . أما ما جاء بالقرآن الكريم ، لا يتعارض مع ما توصل إليه العلم ، فالطوفان قضى فقط على قوم نوح المعاندين ، وذلك كما جاء بسورة الفرقان ، "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}" .
ومن التناقضات المذهلة بين القرآن والتوراة ، أن التوراة تذكر مراحل خلق الكون بالأيام التى نعرفها ، أى 24 ساعة ليلا ونهارا ، وذلك كما ورد بسفر التكوين ( 1 : 5، 8 ، 13 ، 19 ، 23 ، 31 ) ... وقد كان هذا هو الإعتقاد لقرون كثيرة ، إلى أن تقدم العلم وأثبت أن خلق الأرض أخذ أوقاتا أكثر من ذلك بكثير . وفى القرآن الكريم ، فإن الأيام عند الله سبحانه وتعالى كثيرة ، وذلك كما ورد فى الآية من سورة الحج "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47}" . وسورة المعارج "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4}" . وهذه الآيات تدل على شيئن ، أ ) أن هذه "الأيام" ، لا تفهم حرفيا بمقاييس الأرض ، ولكنها تشير إلى فترات أطول بكثير مما نعد . ب ) حينما يشير القرآن إلى كلمة "يوم" بالنسبة لله سبحانه وتعالى ، لا يعنى هذا وقتا محددا كما فى الآيات .
وأحيانا حينما يذكر القرآن قصة نبى من النبياء ، أو شخصية معينة ، أو حدث ، فإنه يذكر تفاصيل ليست موجودة فى التوراة أو الإنجيل ، ويشير إليها لتكون آية نثبت فيما بعد . وهذا كما حدث بالنسبة للطوفان كما ورد سابقا . وكذلك فى قصة غرق فرعون حينما طارد موسى وانطيق عليه البحر :
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92} سورة يونس ... وما ورد فى الآية رقم 92 ، لهو لفتة دقيقة لم ترد إلا فى القرآن الكريم ، عن نجاة بدن فرعون ليكون آية على صدق القرآن وعبرة لمن بعده إلى يومنا هذا . شخصية فرعون الخروج كانت مثار جدل . وقد أجرى موريس بوكاى العالم الفرنسى عدة دراسات معملية على مومياء "منبتاح" الذى خلف "رمسيس الثانى" ، وأثبت فى عام 1975 أنه هو فرعون الخروج ، حيث وجد داخله أملاحا تدل على أنه غرق فى البحر ، وهذه المومياء أكتشفت بوادى الملوك فى طيبة عام 1898 ، أى بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول القرآن الكريم على النبى محمد عليه الصلاة والسلام . وقد كان هذا الإكتشاف سببا فى إسلام بوكاى ، وتأليفه لكتاب "التوراة والقرآن والعلم" . وبذلك يكون القرآن قد ألمح إلى نقطتين ، الأولى والمباشرة ، هى نجاة جسد فرعون ليكون آية لمن بعده . والثانية ، أن المصريين القدماء كانوا حريصين على تحنيط الجثث لتبقى سليمة .
القرآن والعلم :
سأختصر هذا الباب ، حيث أن الكلام فيه معاد ، وقد تكرر كثيرا ، وأعتقد أن الرجوع لدراسات "الدكتور زغلول النجار" ، توفر الكثير من الجهد ، كما أنها أشمل وأدق مما ورد فى الكتاب .
فقد تكلم الكتاب عن اختلاف وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين لبحث موضوع الإعجاز العلمى فى القرآن ، ثم تطرق إلى دراسات موريس بوكاى وكتابه عن "التوراة والقرآن والعلم" . ثم تكلم عن كروية الأرض وتكوير الليل والنهار :
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {5} سورة الزمر
وأن عسل النحل ينتج من أنثى النحل كما ورد بالقرآن :
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بييُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {69} سورة النحلوتكلم عن تطورات الجنين وموقف الدكتور كيث موور :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14} سورة المؤمنون
وتكلم عن الرتق والفتق بالنسبة للسموات والأرض :
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30} سورة الأنبياء
وطى السموات والأرض كطى السجل للكتب :
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ {104} سورة الأنبياء
( 10 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
إعتبارات مركزية
قد يصاب كثير من المسلمين بالإحباط حينما أذكر أن كثيرا من النقاط التى سبقت من المحتمل أنها لن تقنع غير المسلمين بأن القرآن الكريم هو وحى من عند الله سبحانه وتعالى !!! العبقرية شئ كبير ، ولكنه فى نفس الوقت شئ غامض لا يدل بالضرورة على أنه إلهى . ولذلك نجد فى عدة مراحل من القرآن الكريم ، الإجابة على الأسئلة الدائمة : "هل الله موجود .. وإذا كان موجودا فما هى العلاقة بين العبد وربه .. وما هو معنى الحياة ؟؟؟" .
المجاز فى القرآن الكريم :
لا شك أن ترجمة نص مقدس من لغة إلى أخرى يؤدى إلى كثير من فقد فى المعنى . ولكن حينما يكون المترجم له دافع للترجمة الصحيحة والإلتزام بها ، وله ولاء للشئ المترجم ، فذلك قد يحيى بعض الإشراقات المبثوثة فى النصوص والتى لا يمكن إظهارها بواسطة البشر العاديين المحدودين . فبالتأكيد ما جاء فى الأصل ، من خوف ورجاء ، وجمال وتألق ، كما جاء فى مجاز القرآن ووصفه للأشياء ، فذلك هو الذى يعمق الشعور الذى يفتقد فى الترجمة . فالصورتان المتقابلتان للجنة والنار ، العظمة والبهاء فى مقابل الوحشة والرعب ، كما ورد بمجاز القرآن الكريم ، هذا ما يعمق الشعور بصدق ما جاء به . ولا شك أن السياق العام للقرآن الكريم يوضح أنه سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده العذاب ، ويحثهم على طلب المغفرة والتوبة والعودة إليه . وهذا سيحتاج تفصيلا فيما بعد . وبالرغم من أن الغربيين المتحولون للإسلام يعتمدون على تفاسير القرآن ، إلا أنهم يشعرون بالأسلوب الأدبى للقرآن كميزة هامة له ، وذلك لأن قارئه سواء كان عربيا أو غير عربى ، يجد تأثيره المعنوى ، وكأنه يشارك بنفسه فى تلقى الوحى بالقرآن الكريم .
وفى تعبير أفضل لدنى "Denny" ، يقول :
تأتى هناك لحظة وأنت تقرأ القرآن ، مركزا على فهم معانيه ، سواء كنت تتلوه بصوت عال أو صامتا ، بقشعريرة تنتابك . وبدلا من قراءتك للقرآن ، تجد أن القرآن يقرأك أنت . هذه تجربة مربكة وفى نفس الوقت رائعة ، وبأى شكل ، تجده يطالبك بالإسلام دون أن تشعر . هذا الشعور هو الذى يقابله أكثر المتحولين للإسلام ، وهو السبب فى الإنتشار السريع له ، بالإضافة إلى خلق المسلمين الذين يلتزمون بتعاليم القرآن الكريم وبالدين الإسلامى .
*عودة للآيات :
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} سورة فصلت
الآيات لا توجهنا فقط ، بل تؤكد وتثبت لنا خطواتنا وقرارتنا ، لذا فنحن نعيش مع آيات القرآن الكريم فى الآفاق البعيدة وفى أنفسنا . عمليا فكل آيات القرآن لمظاهر الطبيعة ، نجدها وسط آيات التذكير بواجب الإنسان ، وعلاقته مع الله سبحانه وتعالى ، وحسابه فى الآخرة . والآيات السابق ذكرها تشهد لهذه النقطة .
وقد اخترت الآيات التى ستلى ، لما فيها من جمال :::
سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} سورة النور
هذه بداية سورة النور ، إحدى السور المعروفة جيدا من الكتاب المسلمين وغيرهم . وفى تفسير عبقرى ، لمالك بن نبى "فيلسوف مسلم جزائرى" ، لمقطعين رائعين من هذه السورة كآيات بينات :::
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38}
فهذا المثل يوضح لنا أن هذا النور المشع ، الذى ينبع من مصباح فى زجاجة ، ويضاء بمصدر لم يكن معروفا حين نزول الوحى ، ".... لا شرقية ولا غربية ...." ، ويكاد يضئ ولو لم تمسسه نار ، يقول ابن نبى ، ربما أشار هذا إلى المصباح الكهربائى !!! ، وكثيرا فى القرآن الكريم ، ما تمزج الآيات بين المحسوس والمعنوى .
"مداخلة : أود أن ألفت النظر هنا إلى شئ ، نادرا ما نتفكر فيه ::: فلنتصور التاريخ الطويل السابق لاختراع المصباح الكهربائى ، وكيف كان الوضع حينما تغرب الشمس ؟ وكيف كان يعيش الناس ؟ والوضع فى أيامنا هذه ، وكيف استحال الليل نهارا ، وأصبحت المدن لا ترى الظلمة إلا إذا استدعيتها استدعاء بغلق النوافذ وغلق المصابيح الكهربائية ، وبالرغم من ذلك يتسرب إليك الضوء من حيث لا تشعر ... أليس هذا تطورا مذهلا ؟
وملحوظة ثانية ::: مالك بن نبى عالم فيلسوف لا يشق له غبار ، وما ورد بخصوص المصباح الكهربائى ، فأعتقد أنه لا يتكلم إلا عن جزئية من الآية وهى المصباح فى زجاجة ، ولا يقصد بالتشبيه أن ذلك تفسير للآية ، لأن معنى الآية الكريمة أشمل بكثير من هذه الجزئية" .
وفورا بعد هذا المقطع ، يأتى مثلين عن الكفر وتاثيره المدمر ::
والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ {40}
الآية رقم ( 39 ) ، يشير ابن نبى ، إلى أن التشبيه فى الصورة الأولى يمكن لأهل مكة استيعابه ، لأنهم كانوا أهل صحراء ، ولكن الآية التالية رقم ( 40 ) ، صورة الغيوم المظلمة ، والأمواج المتراكمة ، فهذه الصورة هى لأهل الشواطئ الشمالية ، وأهل المحيطات ، وتعرف هذه الظاهرة الآن ، والظلام الحالك فى أعماق المحيطات نتيجة لامتصاص الماء للضوء ، من فترة ليست بالبعيدة .
"مداخلة : ورد بسورة النور عدة آيات ومواقف ، منها ما هو مباشر للمعاصرين للوحى ، وبالطبع لمن بعدهم ، وتختم هذه الآيات بـ (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ......) الآية رقم ( 34 ) ، وآيات أخرى لمن بعدهم ولم يكونوا هم يتصوروها وتختم بـ (لقد أنزلنا آيات مبينات ....) الآية رقم ( 46) ، بدون إليكم ." .
الواضح هنا ، أن الحياة إذا كرست بشكل رئيسى للدنيا ، فستنتهى إلى خيبة الأمل ، ووأد للناحية الروحية . نحن نستشف هذا بوضوح من الآيات ، بغض النظر عما جاء به ابن نبى . الأسلوب القرآنى جميل . وبما أنى قد عشت على الشاطئ الشمالى من نيو إنجلند ، فقد كانت نظرتى للمواج أنها "موج بعد موج" ، بدلا من "موج من فوقه موج" ، لأننا نشاهد الأمواج بعضها بعد بعض ، وهكذا يأتى القرآن الكريم بتصوير أدق "موج من فوقه موج" . أيضا ، فلو لم أكن أمارس الغطس العميق ، ما كنت أحس بجمال الآية ، لآنه لا يحس المرء بالظلمة فى المياه الضحلة ... سواء البحيرة أو حوض السباحة ... لأن الضوء لا يمتص إلا فى الأعماق . وجمال هذه الآيات ، كما سبق أن ذكرت ، أن القرآن الكريم يمزج المحسوس بالمعنوى .
دور التعقل :
".................. أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {44}" سورة البقرة
يندبنا القرآن الكريم لأن ندرس تصرفاتنا وعقائدنا بشكل حاسم . خلاصنا هو فى البحث والإستسلام للحق . ومن أحد أهداف القرآن ، أن يكون منهاجنا فى تلقى تعاليم الدين ، بالفكر المنظم ، لنكتشف التناقضات فى تصرفاتنا وأفعالنا . نجد ذلك متناثرا فى الأمثال المعروضة ، والقصص المختلفة ، والدروس التى تناقش الصحيح والخطأ من الأفكار . القرآن يؤكد على أهمية البرهان والحجة والدليل ، فى أى نقاش ، وكمثال على ذلك ، بعضا من هذه الآيات :::
( 1 ) وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {111} سورة البقرة
( 2 ) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ {148} سورة الأنعام
( 3 ) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34} أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {36} سورة الطور
( 4 ) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13} سورة النور
( 5 ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {113} سورة البقرة
( 6 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {47} سورة يس
الآية الخامسة المذكورة أعلاه ، تذكرنا بالمثل الذى يقول "من بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة" .
فى حين أن الآية السادسة ، لو تبنينا هذا المنطق المعوج ، فلن يكون هناك تكافل ولا صدقة ولا ترابط بين البشر وتعاطف .
( 7 ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} سورة الأعراف
والآية رقم ( 7 ) من سورة الأعراف ، تعطى المثل الحى للمعاندين ، الذين تصل إليهم الرسالة والبراهين على صدقها ، فيبتعدون عنها حرصا على الدنيا :
( 8 ) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً {22} سورة الكهف
وفى سورة الكهف ، يعطيك المثل فى ( 8 ) ، السطحية فى التفكير لبعض الناس ، واللجاجة فى سؤال أسئلة لا تسمن ولا تغنى من جوع ، فكون أصحاب الكهف ، ثلاثة أو أكثر أو أقل ، ماذا يفيد العلم بعددهم فى صلب الموضوع ؟
( 9 ) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ {78} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ {79} سورة الأنبياء
وفى هذه الآيات يوضح سبحانه وتعالى أن الإلهام للقضاء الصحيح ، يكون منه ، وذلك حضا لنا لنسأله الهداية فى كل الأمور .
( 10 )أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً {78} مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً {79} سورة النساء
الآية رقم ( 10 ) هى درس لنا لنفرق بين الأفعال التى تعود "إلى الله" ، وتلك التى تأتى"من الله" ، فبينما نحن المسئولين عن أفعالنا ، فقدرتنا وما أودع فينا من فعل الشر ، هى من عند الله . لهذا ففعل الشر ينسب إلينا ، وليس إلى الله . فالشر فى هذا الكون ليس مطلقا ، بل له هدف معين "التمحيص" .
هذا المفهوم ، يثير أمامنا موضوع من أهم العقبات بين الإيمان والكفر ، ويطل برأسه فى أيامنا هذه ، كما فرض نفسه فى الماضى . "الإيمان والسببية" أو "التسيير والتخيير" ، وسنناقشه فى الحلقة التالية .
"مداخلة : بمناسبة ما ورد أعلاه من آيات ، فكثيرا ما أقف أمام هذه الآية الكريمة من سورة يس :::
"أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79}" سورة يس
هذه الاية التى ترد بمنتهى العقلانية والقوة على منكرى البعث ، أنت أيها الإنسان ترى بعينيك كيف بدأت خلقتك "من نطفة" ، هذه النطفة الضعيفة تكونت عظاما ، ثم إنسانا ... فهل يعجز خالقك الذى أنشأك من ضعف ، أن يعيدك مرة ثانية ؟؟؟ ... وبقية الآيات التى تشير لخلق السموات والأرض ، التى لو قارنت نفسك بها لذهلت ، كم تساوى هذه الأرض التى تعيش عليها بالنسبة للكون الفسيح ؟؟؟ ، وكم تساوى أنت بالنسبة للأرض ؟؟؟ هل يعجز خالق هذا الكون من أن يعيدك كما بدأت ؟؟؟ ... كفاك تكبر وجهل ، وعد إلى خالقك وآمن به ، وآمن بقدرته ، وسبحه ليلا ونهارا لعله يرضى عنك" .
يتبع