خطبة أستسقاء لفضيلة العلامة " ابن عثيمين" رحمه الله تعالى ....
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم الحمد لله نحمده ونستعينه ونشكره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعي إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ رسالة ربه ونصح أمته وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
أيها الناس فقد قال الله تعالى ( إنما المؤمنون أخوة ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه ) وإن بعض بلاد اخواننا قد اصابها القحط ولم ينزل عليها مطر هذه السنة وهم كنحن في حاجة بل في ضرورة إلى غيث الله ورحمته أيها المسلمون إن الغيث الذي أنزله الله على عباده ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما أحدهما غيث القلوب بالعلم والإيمان وهذا الغيث هو الاهم وهو الذي نزلت من أجله الكتب و أرسلت من أجله الرسل وكانت من أجله الدنيا والآخرة ذلك ما يحصل للخلق من العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وآياته وأحكامه ثم الإيمان بذلك وتمثيل ما أمر الله به ورسوله امتثالاً فعلاً للمأمور واجتناباً للمحظور وإننا جمعياً أيها المسلمون في ضرورة إلى هذا الغيث والقحط من هذه الناحية منتشر في بلادنا وينتشر بسرعة هائلة وذلك لضعف وازع الدين في قلوبنا ونفوسنا أكثر الناس اليوم ليس لهم هم إلا في الدنيا يتكالبون عليها ويهرعون إليها ويتصارعون عليها كما تتصارع السباع على الجيف لكنه في أمر الآخرة في صدود وإعراض وإدبار واستكبار ولهذا كانت المعاصي تنتشر واصبنا بهذا المرض العظيم الذي يهدد وجودنا وحياتنا واستقرارنا وأمننا إننا والله لو قمنا بأمر الله عز وجل كما ينبغي لنا أن نقوم أيها الاخوة أقولها لكم بإيمان ودليل إننا لو قمنا بأمر الله كما ينبغي لنا أن نقوم به لم نأبه بأي عدو يكون أمامنا لا بأمريكا ولا بروسيا ولا بإنجلترا ولا بفرنسا ولا بغيرهم من دول الكفر لأنهم أهون على الله من البعوض ولأن الله عز وجل يقول وهو أصدق القائلين وهو القادر على ما يقول يقول تعالى( إن الله يدافع عن الذين أمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ) ولكننا نخاف الآن خوفاً عظيماً لأنه ليس عندنا سلاح معنوي وهو الإيمان بالله كما أننا من حيث السلاح المادي ضعفاء بالنسبة إلى دول الكفر فحن نخاف ولو أننا قمنا بما يجب علينا وأمنا بالله حق الإيمان وعرفناه حق المعرفة وقمنا بما يجب له علينا ما عبأنا بأحد من هؤلاء ولكننا نسأل الله تعالى أن يقيم للأمة الإسلامية يقظة صالحة يعون فيها ما يراد بهم وما خلقوا من أجله فيقوموا بما أمر الله عز وجل أيها المسلمون إننا في ضرورة إلى هذا الغيث إلى الغيث المعنوي وإننا إذا نظرنا إلى أنفسنا وإذا نحن مفرطون مفرطون في أنفسنا وفي أهلنا وفي جيراننا وفي مجتمعنا فمن منكم يرى جاره على منكر ثم يحاول إصلاحه بنصحه وموعظته مرة بعد أخرى فإن أفاد فيه ذلك و إلا رفعه إلى المسئولين وكان المسئولون هم الذين يتلقون إثمه إذا لم يقوموا بما يجب عليهم نحوه من منكم يفعل هكذا من منكم يفعل هكذا إنني أجزم وحسب ما رأيت إن الإنسان يرى جاره على منكر يرى جاره لا يصلي ويرى جاره عاكفاً على ما لا يحل له أن يعكف عليه ومع ذلك لا ينصحه ولا يعظه ولا يخوفه بالله عز وجل ثم لا يرفع أمره إذا عجز عنه إلى من فوقه من المسئولين لو أننا عملنا هكذا لوجدنا أننا أصلح من هذه الحال التي نحن عليها ولكن الكل منا أو الأكثر مشغلون مشغلون بدنياهم معرضون عن أخراهم فإنا لله وإنا إليه راجعون إني والله اعتقد أن هذه المصيبة أعظم من مصيبة المرض الفتاك أعظم من مصيبة الموت موت الأجساد أعظم من مصيبة القحط وعدم المطر وعدم نبات الأرض لأن هذا الموت موت القلوب الذي ليس بعده سعادة إلا متاع في الدنيا كما تتمتع البهائم أما الغيث الثاني وهو المطر الذي ينزل من السماء فإن الله تبارك وتعالى هو الذي ينزل الغيث وهو الذي يكشف السوء وهو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه وهو الذي يقول للشيء كن فيكون وهو الذي يبتلي عباده بالنغم كما يبتليهم بالنعم يبتليهم بالنغم ليرجعوا إليه كما قال تعالى(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41) إن الله تعالى لا يمنع نعمته عجزاً عن اعطائها ولا بخلاً بها ولكنه يمنع ذلك حكمة منه ليرجع العباد إلى ربهم ليعرفوا أنه لا يملك دفع الضرر عنهم إلا الله ولا يجلب لهم النفع إلا الله ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ)(الأنعام: من الآية64) عباد الله دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وضاع العيال فادعوا الله يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم أغثنا ثلاث مرات وليس في السماء من سحاب ولا قزعة بل السماء صافية صافية فبعث الله تعالى سحاباً سحاباً عظيماً رعد وأبرق ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر إلا والمطر يتحادر على لحيته وبقي المطر هكذا أسبوعاً ثم دخل رجل أخر أو الرجل الأول فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وغرق المال فادعوا الله تعالى فادعوا الله تعالى يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر وجعل يشير بيده إلى السحاب فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وخرج الناس يمشون في الشمس هكذا تتبين آيات الله تعالى وقدرته وتتبين آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه وهكذا تكون إجابة الدعوة إلى المؤمنين القائمين بأمر الله المجاهدين في سبيل الله وإن الله سبحانه وتعالى قريب مجيب يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً وما دعى داع ربه إلا رجع بغنيمة فإما أن يعطى سؤله الذي سأل وإما أن يفرج عنه من الشر ما هو أعظم من ذلك وإما أن يدخر له أجر دعائه يوم القيامة فما ربك سبحانه وتعالى ما ربك بغافل عما تعملون وما ربك بمضيع لأجر المصلحين واجتهدوا رحمكم الله في سؤال الله تعالى ما تحتاجون إليه في أمور دينكم ودنياكم فإنه لا غنى بكم عن ربكم طرفة عين وارفعوا في هذا المقام قلوبكم وأيديكم إلى ربكم واسألوه أن يسقيكم اللهم أسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من الغانطين اللهم أسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من الغانطين اللهم أسقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من الغانطين اللهم سقيا رحمة اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا غدقاً مجللاً عاماً طبقا كائناً نافعاً غير ضار اللهم أسقنا غيثاً تحيي به البلاد وترحم به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد ياذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا منان يا بديع السماوات والأرض نسألك أن تنزل علينا غيثاً عاماً ورحمة ولا تجعلنا من الغانطين اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قلب الرداء لعل الله أن يبدل حالنا من الشدة إلى الرخاء توبوا أيها المسلمون إلى ربكم توبوا إليه وارجعوا إليه واعلموا أن التوبة لا بد لها من شروط إذا لم تتم هذه الشروط لم تنفع لا بد أن يندم الإنسان على ما جرى منه من ذنب ولا بد أن يقلع عنه ويتباعد عنه إن كان متلبساً به ولا بد أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل فأما من قال إنه تائب وهو مصر على الذنب فإن توبته لا تقبل منه وأشبه ما يكون حالاً كالمستهزئ بربه لأن رجلاً يقول اللهم إني أتوب إليك من الربا مثلاً وهو يرابي الناس ولا يزال يرابي أين التوبة من هذا ورجل يقول اللهم إني أتوب إليك من غيبة الناس وهو لا يزال يغتاب الناس ويأكل لحومهم أين التوبة من هذا ورجل يقول اللهم إني أتوب إليك من إضاعة الصلاة وهو مقيم على إضاعة صلاته لا يصلي مع الجماعة وربما لا يصلي في الوقت فأين التوبة من هذا ورجل يقول اللهم إني أتوب إليك من إضاعة الزكاة وهو لا يزكي ماله أو يزكي ماله زكاة لا تنفعه ولا تبرأ بها ذمته فأين التوبة من هذا ورجل يقول اللهم إني أتوب إليك من زنى العين والأذن وزنى الكلام وهو لا يزال يزني بعينه وأذنه وكلامه لا يزال ينظر إلى النساء اللاتي لا يحل لهنّ النظر إليه ينظر إليهنّ بتلذذ فأين التوبة من هذا يسمع إلى كلامهنّ ويتسمعه تلذذاً بهذا المنطق فأين التوبة من هذا أيها المسلمون إن التوبة لا تنفع إلا بالندم والإقلاع عما فعل العبد رجل يقول اللهم إني أتوب إليك من أكل أموال الناس بالباطل وهو لا يزال مصراً على ذلك يدخل في أراضيه ما ليس منها ويدعي ما لا ليس له ويجحد ما عليه فتوبوا إلى الله وحققوا التوبة لعلكم تفلحون اسأل الله تعالى أن يمن عليّ وعليكم بالتوبة النصوح وأن يجعلنا هداة مهتدين ودعاة مصلحين وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه واسأله تعالى أن يغفر لنا ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
</I>