ملقاط
2006-12-05, 01:09 PM
محطات توليد الطاقة الكهربائية والكسارات ووسائل النقل أبرز مصادر التلوث في الرياض
"تلوث الهواء" بات مشكلة تؤرق الباحثين و المسؤولين والمواطنين على حد سواء، فمستويات تلوث الهواء - في مدينة الرياض تحديداً - ارتفعت عن الحدود القصوى المسموح بها عالمياً، بدرجات عالية، وأضرار التلوث على الصحة والبيئة العامة في تفاقم،إن لم تجد لها الحلول الفعالة لإيقافها أو على الأقل تقليص تأثيرها السلبي..
فما منابع هذا التلوث في مدينة الرياض تحديداً ؟ وما دور محطات توليد الطاقة الكهربائية في زيادة تلوثها ؟ وما الإجراءات التي من الممكن أن تتخذ لمعالجة هذا التلوث بفعالية؟
أسئلة كثيرة طرحتها "الرياض" على ضيف هذا التحقيق المقدم الدكتور المهندس - علي بن عمير بن مشاري - من المديرية العامة للدفاع المدني، وهو صاحب أول أطروحة دكتوراه من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة الملك سعود، وقد ناقش في دراسة بحثية، تُعد الأولى من نوعها في المملكة، مستويات تلوث الهواء الناتج عن بعض محطات توليد الطاقة الكهربائية بمدينة الرياض بتطبيق أساليب النمذجة الحديثة لقياس مستويات التلوث وتحديد العوامل المختلفة المؤثرة في ذلك..
وقد أجاب مشكوراً عن أسئلتنا .. وفيما يلي التفاصيل:
تحديد المصطلح
@ بداية .. ما المقصود بتلوث الهواء؟
- تلوث الهواء كمصطلح يصف تلك المواد التي تلوث الهواء وينتج عن ذلك تغيير سيئ في جودة الهواء. ومن طرف آخر فإن جودة الهواء تعني درجة النقاء التي يتعرض لها الناس والموارد الطبيعية في أي وقت. ولهذا تستعمل محطات الرصد لقياس تراكيز الملوثات مع تغير المكان والزمان. ومن المؤكد أنه كلما كان تركيز الملوثات عالياً كان الخطر عالياً كذلك على صحة الإنسان.
وفي الواقع فإن تلوث الهواء أصبح مشكلة حقيقية تهدد الصحة العامة نتيجة لزيادة النشاطات الإنسانية التي أدت إلى ارتفاع نسبة تراكيز الملوثات البيئية عن الحدود القصوى المسموح بها عالميا.
أضرار عامة
@ إذاً ما هي الأضرار التي من الممكن أن تنتج عن التعرض لهذه المشكلة؟
- تشير الدراسات إلى أن المستويات العالية من تلوث الهواء في المدن يؤدي إلى قصور في وظائف التنفس وزيادة في معدلات انتشار الإصابة والوفاة بأمراض القلب والتنفس. يضاف إلى ذلك، أن الهواء الملوث تصل آثاره إلى إتلاف الممتلكات العامة، فتصدأ المعادن أسرع في الجو الملوث، ويتلف الطلاء والمطاط وكذلك بعض المزروعات.
مصادر التلوث
@ ما هي مصادر تلوث الهواء في مدينة الرياض؟
- أهم مصادر التلوث في أي مدينة في العالم لا تخرج عن ما ذكر أعلاه. وفي مدينة الرياض بشكل خاص فإن محطات توليد الطاقة الكهربائية الست ووسائل النقل المختلفة ومصنع الإسمنت ومصنع الجبس والمصفاة والكسارات والمستشفيات والعواصف الرملية الموسمية هي أهم ملوثات الهواء الجوي. وتعتبر محطات توليد الطاقة الكهربائية ووسائل النقل أهم مصادر تلوث الهواء في مدينة الرياض، نظراً لما تنتجه من ملوثات غازية وجسيمات صلبة كنتيجة حتمية لعمليات الإحتراق ولوجود نسبة كبيرة من الشوائب المصاحبة للوقود. إن عدد السكان في مدينة الرياض وحدها يتجاوز الأربعة ملايين نسمة تقريباً، وهذه الأعداد بكل تأكيد أدت إلى زيادة كبيرة في أعداد وسائل النقل والحاجة إلى الطاقة والخدمات المختلفة وبالتالي زيادة في كميات إستهلاك الوقود وإحراقه مما أدى حتماً إلى زيادة مفرطة في معدلات انبعاث الملوثات. معدل استهلاك الكهرباء، على سبيل المثال، ارتفع إرتفاعاً شديداً في السنوات الماضية ولا يزال يتوقع له نفس الارتفاع مستقبلاً بمعدل 5.4% بحسب ما يؤكده المسؤولون في الشركة السعودية للكهرباء.
لا توجد بيانات!
@ هل نستطيع أن نقف على حجم المشكلة؟ أو بمعنى آخر ما كميات ملوثات الهواء؟
- وللأسف فإنها لا تتوفر بيانات حصر حديثة لانبعاث الملوثات من المصادر المختلفة في المملكة بشكل عام ولا في الرياض بشكل خاص.
مصادر محددة
@ طالما أنه ليس هناك أي معلومات متوفرة عن تلوث الهواء فكيف نستطيع أن نقول إن هناك مشكلة من تلوث الهواء في مدينة الرياض؟
- هناك قصور في الدراسات وفي المعلومات وطريقة توفرها للباحثين. وعموماً فإن هناك سبع محطات لمراقبة جودة الهواء في مدينة الرياض، إثنتان منهما تعودان لرئاسة الأرصاد الجوية وحماية البيئة والبقية تحت إشراف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وكما ذُكر سابقاً، فإن الدراسات المتعلقة بتلوث الهواء في مدينة الرياض محدودة للغاية. ومع ذلك، فقد أشارت بعض الدراسات إلى وجود أكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت، والجسيمات الصلبة وبعض الملوثات الأخرى داخل مدينة الرياض بتراكيز عالية تتجاوز الحدود القياسية المسموح بها. بالإضافة إلى ذلك وجد أن التلوث يكون بنسب أعلى في فصل الصيف منه في فصل الشتاء. وهذا قد يعود أساساً إلى الزيادات المفرطة في استهلاك الطاقة الكهربائية بشكل رئيس وبالتالي استهلاك الوقود خلال فصل الصيف لأغراض تكييف الهواء التي تستحوذ على 70% على الأقل من استهلاك الطاقة في المملكة.
وبشكل عام فإن وسائل النقل تعتبرمصدراً أساسياً من مصادر التلوث داخل مدينة الرياض. وهذا ناتج عن الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات المستخدمة داخل المدينة والتي تقدر ب 2.2مليون سيارة تقريباً تستهلك في حدود 8بلايين لتر وقود سنوياً. وهذا يؤكد على أن هناك زيادة مفرطة في كميات الوقود المستهلكة من هذا القطاع. كذلك تشكل محطات الطاقة الكهربائية مصدراً هاماً من مصادر التلوث داخل مدينة الرياض، حيث يعمل داخل مدينة الرياض وحدها ست محطات لتوليد ما يصل إلى 5400ميجا وات من الطاقة الكهربائية. ومعظم تلك المحطات تعمل بالوقود السائل ومنها اثنتان تعملان بالغاز الطبيعي وواحدة جزئياً. علماً بأن هناك توجهاً لدى شركة الكهرباء للتحول من استخدام الوقود السائل النفط الخام والديزل إلى إستخدام الغاز الطبيعي، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى إنخفاض كبير في مستويات إنبعاث الملوثات من محطات توليد الطاقة الكهربائية إلا أن هذا التوجه يقابله كثير من العراقيل الإدارية والفنية.
مصير الملوثات
@ إذاً.. عندما تخرج الملوثات من مصادرها المختلفة فإلى أين تتجه؟ وكيف يمكن معرفة ذلك؟
تنطلق الملوثات باستمرار من مصادرها المختلفة إلى الهواء الجوي. ويعتمد تشتت هذه الملوثات في الهواء على خصائص مصدر التلوث كمعدل إنبعاث الملوثات وطول المداخن (في المحطات مثلا وقطرها الداخلي وسرعة الغازات الخارجة ودرجة حرارتها وحالة الطقس سرعة الرياح واتجاهها ودرجة الحرارة وحالة الاستقرار الجوي وغيرها وبالإمكان التنبؤ بسلوك الملوثات في الهواء الجوي بعد انبعاثها وذلك باستخدام نماذج رياضية خاصة أو ما يعرف بنمذجة تلوث الهواء وهي تقنية تستخدم لتقدير تراكيز ملوثات الهواء وأنماط تشتتها في الهواء الجوي بناء على معطيات خصائص مصادر التلوث وحالة الطقس. وترتكز هذه التقنية على المقدرة على استخدام الحاسب الآلي لحل المعادلات الأساسية التي تصف ديناميكية الأرصاد الجوية وتأثيراتها على ظواهر تلوث الهواء. ولهذا نجد مستويات مختلفة من النماذج تختلف باختلاف الأساسيات النظرية ومستوى الإفتراضات التي تبنى عليها النماذج.
المحطات .. كارثة!
@ هل من الممكن توضيح علاقة محطات توليد الطاقة الكهربائية بتلوث الهواء؟
- من البديهي أن محطات توليد الطاقة الكهربائية واحدة من أهم مصادر ملوثات الهواء الجوي وزيادتها باستمرار. ولهذا فإن إنبعاث الملوثات وبخاصة أكاسيد النيتروجين وأكسيد الكبريت والجسيمات الصلبة من القضايا البيئية الأساسية للمحطات الكهربائية. وهذه الملوثات تنبعث إلى الهواء الجوي نتيجة للاحتراق غير الكامل للوقود إضافة إلى ما يحتويه الوقود من شوائب. إن احتراق الوقود الإحفوري بشكل عام في عمليات توليد الطاقة الكهربائية يقود إلى إنبعاث الملوثات الغازية إلى الهواء الجوي. ولهذا فإن لأي محطة توليد طاقة كهربائية تعمل على الوقود السائل (النفط أو الديزل) كما هو الحال في الرياض سيكون من أهم ملوثاتها أكاسيد النيتروجين وأكسيد الكبريت والجسيمات الصلبة. ويرتبط إنبعاث أكسيد الكبريت بنسبة الكبريت في الوقود المحترق. فكلما كان الوقود يحتوي على نسبة أكبر من الكبريت كان إنبعاث هذا الملوث إلى الهواء الجوي أعلى كما هو متوقع. أما أكاسيد النيتروجين فتنتج من جميع عمليات احتراق الوقود الإحفوري باستخدام الهواء كمؤكسد لتفاعل الاحتراق.
نتائج هامة
@ هل من الممكن معرفة أهم النتائج التي توصلتم إليها في دراستكم عن مستويات تلوث الهواء الناتج عن بعض محطات توليد الطاقة الكهربائية بمدينة الرياض ؟
النتائج تشير إلى أن متوسط تراكيز ثاني أكسيد النيتروجين في الساعة كانت أعلى بكثير من القيم القصوى المسموح بها من قبل رئاسة الأرصاد الجوية وحماية البيئة بنحو الضعف في المحطة الخامسة وبأكثر من أربع مرات في المحطة الثامنة و مرتين ونصف في المحطة التاسعة. أما المتوسطات السنوية فكانت أقل من القيم القصوى المسموح بها (معايير رئاسة الأرصاد وحماية البيئة) البالغة في جميع المحطات.
متوسطات تراكيز ثاني أكسيد الكبريت في كل ساعة كانت أكثر بكثير من معيار القيمة القصوى المسموح بها وذلك بمقدار 6مرات في المحطة الخامسة و 11مرة في المحطة الثامنة. والمتوسطات اليومية كانت أكثر من القيم القصوى المسموح بها بنحو 2.6مرة في المحطة الخامسة وبأكثر من 4مرات في المحطة الثامنة . أما المتوسط السنوي في المحطة الخامسة فقد كان أكثر من القيمة القصوى بأكثر من 1.5مرة، وبأكثر من ثلاث مرات في المحطة الثامنة.
@ وماذا عن علاقة إنتشار الملوثات بالرياح؟
- تراكيز الملوثات وأنماط تشتتها تأثرت كثيراً بأحوال المناخ وأهمها بالتأكيد إتجاه الرياح السائدة. ولهذا نجد أن تراكيز الملوثات في المناطق التي في إتجاه الرياح من المحطات كانت أعلى من تلك التي عكس إتجاه الرياح. ولهذا، فإن المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية والشمالية والشمالية الغربية كانت هي المناطق التي وجدت فيها تلك الملوثات بتراكيز أعلى من غيرها تبعاً لإتجاه الرياح في كل شهر. المستويات الدنيا من تراكيز الملوثات كانت في ساحات المحطات ثم تتزايد بالإبتعاد عن المحطات في إتجاه الرياح حيث تكون أعلى التراكيز ما بين 2و 4كم من المداخن، ثم تتناقص التراكيز بعد ذلك وببطء في المسافات البعيدة. ولقد وجد أن أعلى متوسطات تراكيز تلك الملوثات كانت في أواخر الليل وأوائل الصباح، وتحديداً ما بين الساعة العاشرة مساء إلى الساعة السابعة صباحا بشكل عام، ومن الساعة الثانية عشرة مساء إلى الساعة الثالثة فجراً بشكل أدق. ويلاحظ أن هذه الفترات هي الأوقات التي يكون فيها الهواء الجوي مستقراً والرياح في حالة سكون وهذا يوضح أثر الرياح على تشتت الملوثات وبالتالي قيم تراكيزها على سطح الأرض، حيث إن الرياح ذات السرعة المتدنية أو الساكنة تؤدي إلى أن تكون التراكيز بقيمها الأعلى على مستوى سطح الأرض، بينما تكون الأحوال الجوية في أوقات النهار في حالة عدم الاستقرار وبالتالي تتشتت الملوثات بصورة أكبر مما يجعل وجودها على سطح الأرض بتراكيز أقل.
محاولات للمعالجة
@ استناداً على تلك النتائج ما هي الإجراءات أو المتطلبات التي من الممكن عملها لمنع حدوث ذلك التلوث أو على الأقل التقليل منه؟
- في الواقع الأمر يتطلب نوعين من الإجراءات الفورية، النوع الأول يختص بالمحطات فيجب أن تقوم شركة الكهرباء بالتحول ولو تدريجياً إلى استخدام الغاز الطبيعي بدلاً عن النفط الخام أو الديزل في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية. كما يجب أن تعمل الشركة على زيادة ارتفاع المداخن فيها وبشكل فاعل حيث إن ارتفاعات المداخن في المحطات الثلاث غير كافية لتقليل تراكيز الملوثات على سطح الأرض إلى مستوى مقبول ولذلك يجب زيادة ارتفاعاتها إلى ما لا يقل عن ثلاث مرات في المحطة الخامسة ومرتين في المحطتين الثامنة والتاسعة.
النوع الثاني من الإجراءات يتعلق بالمباني القريبة من تلك المحطات وخاصة المحطتين الخامسة والثامنة، فإنه يجب على الجهات المعنية عدم السماح بتعدد الأدوار في المناطق المحيطة بالمحطتين الخامسة والثامنة وذلك لضمان عدم حدوث ظاهرة إنحدار النثار بفعل المباني. وهذه الظاهرة هي عبارة عن تأثير المباني في جعل الغازات المنبعثة من المداخن تنجرف إلى سطح الأرض الأمر الذي يزيد من تراكيز تلك الغازات على السطح.
وهناك بعض الإجراءات المتعلقة بدراسات تلوث الهواء بشكل عام حيث يجب تطبيق قياسات إنبعاث حقيقية بمعدل مرة واحدة في العام على الأقل. كذلك يجب تركيب وتشغيل محطات مراقبة جودة الهواء المحيط والأحوال الجوية في مناطق المحطات التابعة للشركة السعودية للكهرباء.
الرياض / 14043
ملقوووووط
"تلوث الهواء" بات مشكلة تؤرق الباحثين و المسؤولين والمواطنين على حد سواء، فمستويات تلوث الهواء - في مدينة الرياض تحديداً - ارتفعت عن الحدود القصوى المسموح بها عالمياً، بدرجات عالية، وأضرار التلوث على الصحة والبيئة العامة في تفاقم،إن لم تجد لها الحلول الفعالة لإيقافها أو على الأقل تقليص تأثيرها السلبي..
فما منابع هذا التلوث في مدينة الرياض تحديداً ؟ وما دور محطات توليد الطاقة الكهربائية في زيادة تلوثها ؟ وما الإجراءات التي من الممكن أن تتخذ لمعالجة هذا التلوث بفعالية؟
أسئلة كثيرة طرحتها "الرياض" على ضيف هذا التحقيق المقدم الدكتور المهندس - علي بن عمير بن مشاري - من المديرية العامة للدفاع المدني، وهو صاحب أول أطروحة دكتوراه من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة الملك سعود، وقد ناقش في دراسة بحثية، تُعد الأولى من نوعها في المملكة، مستويات تلوث الهواء الناتج عن بعض محطات توليد الطاقة الكهربائية بمدينة الرياض بتطبيق أساليب النمذجة الحديثة لقياس مستويات التلوث وتحديد العوامل المختلفة المؤثرة في ذلك..
وقد أجاب مشكوراً عن أسئلتنا .. وفيما يلي التفاصيل:
تحديد المصطلح
@ بداية .. ما المقصود بتلوث الهواء؟
- تلوث الهواء كمصطلح يصف تلك المواد التي تلوث الهواء وينتج عن ذلك تغيير سيئ في جودة الهواء. ومن طرف آخر فإن جودة الهواء تعني درجة النقاء التي يتعرض لها الناس والموارد الطبيعية في أي وقت. ولهذا تستعمل محطات الرصد لقياس تراكيز الملوثات مع تغير المكان والزمان. ومن المؤكد أنه كلما كان تركيز الملوثات عالياً كان الخطر عالياً كذلك على صحة الإنسان.
وفي الواقع فإن تلوث الهواء أصبح مشكلة حقيقية تهدد الصحة العامة نتيجة لزيادة النشاطات الإنسانية التي أدت إلى ارتفاع نسبة تراكيز الملوثات البيئية عن الحدود القصوى المسموح بها عالميا.
أضرار عامة
@ إذاً ما هي الأضرار التي من الممكن أن تنتج عن التعرض لهذه المشكلة؟
- تشير الدراسات إلى أن المستويات العالية من تلوث الهواء في المدن يؤدي إلى قصور في وظائف التنفس وزيادة في معدلات انتشار الإصابة والوفاة بأمراض القلب والتنفس. يضاف إلى ذلك، أن الهواء الملوث تصل آثاره إلى إتلاف الممتلكات العامة، فتصدأ المعادن أسرع في الجو الملوث، ويتلف الطلاء والمطاط وكذلك بعض المزروعات.
مصادر التلوث
@ ما هي مصادر تلوث الهواء في مدينة الرياض؟
- أهم مصادر التلوث في أي مدينة في العالم لا تخرج عن ما ذكر أعلاه. وفي مدينة الرياض بشكل خاص فإن محطات توليد الطاقة الكهربائية الست ووسائل النقل المختلفة ومصنع الإسمنت ومصنع الجبس والمصفاة والكسارات والمستشفيات والعواصف الرملية الموسمية هي أهم ملوثات الهواء الجوي. وتعتبر محطات توليد الطاقة الكهربائية ووسائل النقل أهم مصادر تلوث الهواء في مدينة الرياض، نظراً لما تنتجه من ملوثات غازية وجسيمات صلبة كنتيجة حتمية لعمليات الإحتراق ولوجود نسبة كبيرة من الشوائب المصاحبة للوقود. إن عدد السكان في مدينة الرياض وحدها يتجاوز الأربعة ملايين نسمة تقريباً، وهذه الأعداد بكل تأكيد أدت إلى زيادة كبيرة في أعداد وسائل النقل والحاجة إلى الطاقة والخدمات المختلفة وبالتالي زيادة في كميات إستهلاك الوقود وإحراقه مما أدى حتماً إلى زيادة مفرطة في معدلات انبعاث الملوثات. معدل استهلاك الكهرباء، على سبيل المثال، ارتفع إرتفاعاً شديداً في السنوات الماضية ولا يزال يتوقع له نفس الارتفاع مستقبلاً بمعدل 5.4% بحسب ما يؤكده المسؤولون في الشركة السعودية للكهرباء.
لا توجد بيانات!
@ هل نستطيع أن نقف على حجم المشكلة؟ أو بمعنى آخر ما كميات ملوثات الهواء؟
- وللأسف فإنها لا تتوفر بيانات حصر حديثة لانبعاث الملوثات من المصادر المختلفة في المملكة بشكل عام ولا في الرياض بشكل خاص.
مصادر محددة
@ طالما أنه ليس هناك أي معلومات متوفرة عن تلوث الهواء فكيف نستطيع أن نقول إن هناك مشكلة من تلوث الهواء في مدينة الرياض؟
- هناك قصور في الدراسات وفي المعلومات وطريقة توفرها للباحثين. وعموماً فإن هناك سبع محطات لمراقبة جودة الهواء في مدينة الرياض، إثنتان منهما تعودان لرئاسة الأرصاد الجوية وحماية البيئة والبقية تحت إشراف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وكما ذُكر سابقاً، فإن الدراسات المتعلقة بتلوث الهواء في مدينة الرياض محدودة للغاية. ومع ذلك، فقد أشارت بعض الدراسات إلى وجود أكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت، والجسيمات الصلبة وبعض الملوثات الأخرى داخل مدينة الرياض بتراكيز عالية تتجاوز الحدود القياسية المسموح بها. بالإضافة إلى ذلك وجد أن التلوث يكون بنسب أعلى في فصل الصيف منه في فصل الشتاء. وهذا قد يعود أساساً إلى الزيادات المفرطة في استهلاك الطاقة الكهربائية بشكل رئيس وبالتالي استهلاك الوقود خلال فصل الصيف لأغراض تكييف الهواء التي تستحوذ على 70% على الأقل من استهلاك الطاقة في المملكة.
وبشكل عام فإن وسائل النقل تعتبرمصدراً أساسياً من مصادر التلوث داخل مدينة الرياض. وهذا ناتج عن الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات المستخدمة داخل المدينة والتي تقدر ب 2.2مليون سيارة تقريباً تستهلك في حدود 8بلايين لتر وقود سنوياً. وهذا يؤكد على أن هناك زيادة مفرطة في كميات الوقود المستهلكة من هذا القطاع. كذلك تشكل محطات الطاقة الكهربائية مصدراً هاماً من مصادر التلوث داخل مدينة الرياض، حيث يعمل داخل مدينة الرياض وحدها ست محطات لتوليد ما يصل إلى 5400ميجا وات من الطاقة الكهربائية. ومعظم تلك المحطات تعمل بالوقود السائل ومنها اثنتان تعملان بالغاز الطبيعي وواحدة جزئياً. علماً بأن هناك توجهاً لدى شركة الكهرباء للتحول من استخدام الوقود السائل النفط الخام والديزل إلى إستخدام الغاز الطبيعي، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى إنخفاض كبير في مستويات إنبعاث الملوثات من محطات توليد الطاقة الكهربائية إلا أن هذا التوجه يقابله كثير من العراقيل الإدارية والفنية.
مصير الملوثات
@ إذاً.. عندما تخرج الملوثات من مصادرها المختلفة فإلى أين تتجه؟ وكيف يمكن معرفة ذلك؟
تنطلق الملوثات باستمرار من مصادرها المختلفة إلى الهواء الجوي. ويعتمد تشتت هذه الملوثات في الهواء على خصائص مصدر التلوث كمعدل إنبعاث الملوثات وطول المداخن (في المحطات مثلا وقطرها الداخلي وسرعة الغازات الخارجة ودرجة حرارتها وحالة الطقس سرعة الرياح واتجاهها ودرجة الحرارة وحالة الاستقرار الجوي وغيرها وبالإمكان التنبؤ بسلوك الملوثات في الهواء الجوي بعد انبعاثها وذلك باستخدام نماذج رياضية خاصة أو ما يعرف بنمذجة تلوث الهواء وهي تقنية تستخدم لتقدير تراكيز ملوثات الهواء وأنماط تشتتها في الهواء الجوي بناء على معطيات خصائص مصادر التلوث وحالة الطقس. وترتكز هذه التقنية على المقدرة على استخدام الحاسب الآلي لحل المعادلات الأساسية التي تصف ديناميكية الأرصاد الجوية وتأثيراتها على ظواهر تلوث الهواء. ولهذا نجد مستويات مختلفة من النماذج تختلف باختلاف الأساسيات النظرية ومستوى الإفتراضات التي تبنى عليها النماذج.
المحطات .. كارثة!
@ هل من الممكن توضيح علاقة محطات توليد الطاقة الكهربائية بتلوث الهواء؟
- من البديهي أن محطات توليد الطاقة الكهربائية واحدة من أهم مصادر ملوثات الهواء الجوي وزيادتها باستمرار. ولهذا فإن إنبعاث الملوثات وبخاصة أكاسيد النيتروجين وأكسيد الكبريت والجسيمات الصلبة من القضايا البيئية الأساسية للمحطات الكهربائية. وهذه الملوثات تنبعث إلى الهواء الجوي نتيجة للاحتراق غير الكامل للوقود إضافة إلى ما يحتويه الوقود من شوائب. إن احتراق الوقود الإحفوري بشكل عام في عمليات توليد الطاقة الكهربائية يقود إلى إنبعاث الملوثات الغازية إلى الهواء الجوي. ولهذا فإن لأي محطة توليد طاقة كهربائية تعمل على الوقود السائل (النفط أو الديزل) كما هو الحال في الرياض سيكون من أهم ملوثاتها أكاسيد النيتروجين وأكسيد الكبريت والجسيمات الصلبة. ويرتبط إنبعاث أكسيد الكبريت بنسبة الكبريت في الوقود المحترق. فكلما كان الوقود يحتوي على نسبة أكبر من الكبريت كان إنبعاث هذا الملوث إلى الهواء الجوي أعلى كما هو متوقع. أما أكاسيد النيتروجين فتنتج من جميع عمليات احتراق الوقود الإحفوري باستخدام الهواء كمؤكسد لتفاعل الاحتراق.
نتائج هامة
@ هل من الممكن معرفة أهم النتائج التي توصلتم إليها في دراستكم عن مستويات تلوث الهواء الناتج عن بعض محطات توليد الطاقة الكهربائية بمدينة الرياض ؟
النتائج تشير إلى أن متوسط تراكيز ثاني أكسيد النيتروجين في الساعة كانت أعلى بكثير من القيم القصوى المسموح بها من قبل رئاسة الأرصاد الجوية وحماية البيئة بنحو الضعف في المحطة الخامسة وبأكثر من أربع مرات في المحطة الثامنة و مرتين ونصف في المحطة التاسعة. أما المتوسطات السنوية فكانت أقل من القيم القصوى المسموح بها (معايير رئاسة الأرصاد وحماية البيئة) البالغة في جميع المحطات.
متوسطات تراكيز ثاني أكسيد الكبريت في كل ساعة كانت أكثر بكثير من معيار القيمة القصوى المسموح بها وذلك بمقدار 6مرات في المحطة الخامسة و 11مرة في المحطة الثامنة. والمتوسطات اليومية كانت أكثر من القيم القصوى المسموح بها بنحو 2.6مرة في المحطة الخامسة وبأكثر من 4مرات في المحطة الثامنة . أما المتوسط السنوي في المحطة الخامسة فقد كان أكثر من القيمة القصوى بأكثر من 1.5مرة، وبأكثر من ثلاث مرات في المحطة الثامنة.
@ وماذا عن علاقة إنتشار الملوثات بالرياح؟
- تراكيز الملوثات وأنماط تشتتها تأثرت كثيراً بأحوال المناخ وأهمها بالتأكيد إتجاه الرياح السائدة. ولهذا نجد أن تراكيز الملوثات في المناطق التي في إتجاه الرياح من المحطات كانت أعلى من تلك التي عكس إتجاه الرياح. ولهذا، فإن المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية والشمالية والشمالية الغربية كانت هي المناطق التي وجدت فيها تلك الملوثات بتراكيز أعلى من غيرها تبعاً لإتجاه الرياح في كل شهر. المستويات الدنيا من تراكيز الملوثات كانت في ساحات المحطات ثم تتزايد بالإبتعاد عن المحطات في إتجاه الرياح حيث تكون أعلى التراكيز ما بين 2و 4كم من المداخن، ثم تتناقص التراكيز بعد ذلك وببطء في المسافات البعيدة. ولقد وجد أن أعلى متوسطات تراكيز تلك الملوثات كانت في أواخر الليل وأوائل الصباح، وتحديداً ما بين الساعة العاشرة مساء إلى الساعة السابعة صباحا بشكل عام، ومن الساعة الثانية عشرة مساء إلى الساعة الثالثة فجراً بشكل أدق. ويلاحظ أن هذه الفترات هي الأوقات التي يكون فيها الهواء الجوي مستقراً والرياح في حالة سكون وهذا يوضح أثر الرياح على تشتت الملوثات وبالتالي قيم تراكيزها على سطح الأرض، حيث إن الرياح ذات السرعة المتدنية أو الساكنة تؤدي إلى أن تكون التراكيز بقيمها الأعلى على مستوى سطح الأرض، بينما تكون الأحوال الجوية في أوقات النهار في حالة عدم الاستقرار وبالتالي تتشتت الملوثات بصورة أكبر مما يجعل وجودها على سطح الأرض بتراكيز أقل.
محاولات للمعالجة
@ استناداً على تلك النتائج ما هي الإجراءات أو المتطلبات التي من الممكن عملها لمنع حدوث ذلك التلوث أو على الأقل التقليل منه؟
- في الواقع الأمر يتطلب نوعين من الإجراءات الفورية، النوع الأول يختص بالمحطات فيجب أن تقوم شركة الكهرباء بالتحول ولو تدريجياً إلى استخدام الغاز الطبيعي بدلاً عن النفط الخام أو الديزل في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية. كما يجب أن تعمل الشركة على زيادة ارتفاع المداخن فيها وبشكل فاعل حيث إن ارتفاعات المداخن في المحطات الثلاث غير كافية لتقليل تراكيز الملوثات على سطح الأرض إلى مستوى مقبول ولذلك يجب زيادة ارتفاعاتها إلى ما لا يقل عن ثلاث مرات في المحطة الخامسة ومرتين في المحطتين الثامنة والتاسعة.
النوع الثاني من الإجراءات يتعلق بالمباني القريبة من تلك المحطات وخاصة المحطتين الخامسة والثامنة، فإنه يجب على الجهات المعنية عدم السماح بتعدد الأدوار في المناطق المحيطة بالمحطتين الخامسة والثامنة وذلك لضمان عدم حدوث ظاهرة إنحدار النثار بفعل المباني. وهذه الظاهرة هي عبارة عن تأثير المباني في جعل الغازات المنبعثة من المداخن تنجرف إلى سطح الأرض الأمر الذي يزيد من تراكيز تلك الغازات على السطح.
وهناك بعض الإجراءات المتعلقة بدراسات تلوث الهواء بشكل عام حيث يجب تطبيق قياسات إنبعاث حقيقية بمعدل مرة واحدة في العام على الأقل. كذلك يجب تركيب وتشغيل محطات مراقبة جودة الهواء المحيط والأحوال الجوية في مناطق المحطات التابعة للشركة السعودية للكهرباء.
الرياض / 14043
ملقوووووط