الشبيعان
2009-05-15, 01:23 PM
رئيس مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن.. د. فاروق الباز لـ«الجزيرة»:
خزانات مياه هائلة فوق سطح الأرض تحيط بشبه الجزيرة العربية
http://www.al-jazirah.com/166919/jo.jpg (http://www.al-jazirah.com/166919/jo.jpg)
حاوره - فهد العجلان
رجل يحمل في وجهه وعزمه الكثير من ملامح الصحراء وفي خياله وتطلعه الأكثر من وهج الفضاء.. حين سألته عن سبب اهتمامه بالصحراء وبحثه الدائم في إسرارها ابتسم بهدوء قائلا: الهروب من الفضيحة، ورغم أن الحديث كان مع علم من أعلام الجيولوجيا في العالم فقد تضمن درساً حضارياً، حيث يرى الباز أن شرط انجاز الحضارة المتقدمة يستلزم من بناتها المعرفة الجغرافية العميقة بالبيئة التي تبنى عليها.
أسئلة كثيرة طرحتها (الجزيرة) على الدكتور فاروق الباز رئيس مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية في حوار خاص بدأ من الصحراء وانتهى بالفضاء مرورا بأحلام العلماء العرب فإلى الحوار:
* دكتور فاروق أنتم الآن في زيارة علمية للمملكة.. هل لكم أن تحدثونا عن طبيعة هذه الزيارة والعلاقة بينكم وبين المراكز البحثية والعلمية في المملكة؟
- صحيح قدمت إلى المملكة العربية السعودية بدعوة رسمية من جامعة الملك سعود في إطار مبادرتها الجديدة بإنشاء كرسي أبحاث المياه في الربع الخالي وهي في الحقيقة ليست الزيارة الأولى لي للمملكة فقد كانت أول زيارة في منتصف السبعينات في رحلة علمية أيضا، وتربطني في الحقيقة علاقة حميمية بالصحراء ودراسة ألغازها فأنا باحث وهذا هو عملي الأساسي الذي يتناول تضاريس هذه المساحات الممتدة من الرمال وتغيراتها مع الزمن وتطوراتها، ومساهمتي خلال هذه الزيارة ستتناول استخدام صور الفضاء للبحث في ما يتعلق بموضوعات الصحراء وإجابة أسئلتها المعقدة ولعلنا تقنية التصوير الفضائي من الأقمار الصناعية أن تساهم في حل الغاز الصحراء.
* الصحراء سؤال كبير ومهمة بحثية شاقة.. وأنتم الأستاذ المتخصص في الجيولوجيا كيف تنظرون إلى الصحراء في منطقتنا العربية؟
- الصحراء كما أشرت سؤال كبير وهي لم تكن كذلك في الماضي فإذا كانت مياه وأنهاراً في العصور السابقة كما اكتشفنا من خلال البحوث فالسؤال: أين تقبع المياه الآن، وهذه الزيارة ستكون جزء من المساهمة في البحث والإجابة عن سؤال المياه وسيشاركنا البحث زملاء باحثون وسنتزود بمعلومات من وزارة المياه ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبالطبع لن نستطيع الإجابة بسرعة ولكن نأمل من خلال المعلومات الفضائية أن تقودنا الصور إلى المساعدة على إجابة سؤال: كيف تجمعت وتركزت المياه في الربع الخالي.
* د. فاروق تتحدثون علن الصحراء بشغف ويقين بكنوزها ومن المعلوم أنها لا تحوي مقومات الحياة.. كعالم جيولوجي هل يمكن لهذه الصحاري المنتشرة في العالم العربي أن تكون مصدر ثروة وتقدم للعالم العربي؟
- من خلال دراساتي حول الصحراء أدركت أن معلوماتنا المتوفرة حولها شحيحة للغاية من الناحية الجيولوجية, وقد حاصرتني هذه الحقيقة وأخجلتني وأحزنتني كجيولوجي عربي تعلم في بلده وتلقى أفضل التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والتقيت أعظم الجيولوجيين في العالم وسالت نفسي عن حجم ما أعلمه عن الصحراء وهي تنتمي إلى المنطقة التي توجد بها جذوري فاكتشفت بأني لا أعلم إلا القليل فاعتبرتها فضيحة!
* د. فاروق وصفت الجهل بالصحراء بالفضيحة وهو وصف ذو بعد عميق فهل ترى بأن التعمق في معرفة الصحراء يمكن أن يقودنا إلى تقدم وازدهار ولحاق بركب العالم؟
- حين أدركت حجم الجهل بالصحراء انتابني هذا الشعور واتجهت للغوص في أعماقها والبحث في أسرارها وكانت أول رحلة علمية إلى المملكة في عام 1974م وتواصلت مع جيولوجيين في المنطقة فاكتشفت بأننا جميعا جهلة في الصحراء ولا نملك معلومات سوى من الأحاديث الشفهية، والسعي إلى العلم بالصحراء ليس فقط لمجرد العلم وإشباع رغبة البحث والاكتشاف ولكن من خلال قراءاتي في الحضارة استطيع التأكيد على أن أي أمة ترغب في انجاز حضارة لابد باأن تستوعب وتفهم الموقع الجغرافي بشكل عميق، فالتضاريس لابد بأن تكون خارطتها وتفاصيلها معروفة وبعمق كشرط من شروط تأسيس الحضارة المتقدمة لأن معرفة الأرض سيساهم في معرفة الثروة التي تحويها ومن ثم استخدامها على امثل وجه. الربع الخالي مثلا ما يزال منطقه مليئة بالإلغاز ولم نتعرف بعد على الثروات الموجودة فيه.
* تحدثتم د. فاروق عن الربع الخالي وعن الثروات التي قد يحويها، فهل لكم أن تطلعونا على ما توصلتم إليه من خلال الصور الفضائية في هذه المنطقة؟
- هناك أسئلة كثيرة نطرحها كباحثين وجيولوجيين في هذه المنطقة ولعل أهم سؤال: كيف تكون الربع الخالي؟ ولماذا تكونت الرمال؟ ولماذا هو ربع خالي؟ وهذه الأسئلة اتحدي أي جيولوجي على سطح الأرض أن يقدم لها إجابات شافية، الفكر الجيولوجي القديم يشير إلى أن حبة الرمل أتت مع الهواء وتولدت من الهواء وحبات الرمل عندما تصطدم ببعضها تنتج حزم دوارة وهذا هو تعريف الرمل؟ ولكن.. هذا التعريف الذي تعلمته كجيولوجي في الماضي اكتشفت أنه خاطئ 100%، فنشوء الرمل ليس له علاقة إطلاقاً بالهواء، فالرمال تولدت من الماء وليس من الهواء وتكونت في باطن الأنهار، عندما تنزل الأمطار على الجبال يكون هناك احتكاك بين الصخور المتواجدة في الجبال وتمر منها المياه بين الشقوق والصخور حينها تتفتت وتنشئ الرمل الذي يتواجد في منخفضات المياه، فعلى سبيل المثال لدي بركة مياه ووضعت فيها حبات رمال وتغير المناخ مع مرور الوقت فعندها تبتدئ المياه بالتبخر والرمل يظل في مكانة، وتأتي الرياح لتعيد من تشكيل الترسبات التي كانت بالمنخفض على شكل كثبان رملية، ومعنى ذلك أن الرمال ولدتها المياه وشكلتها الرياح.
* د. فاروق يبدو لي من خلال هذا التفسير أن الربع الخالي كان بحرا من المياه؟
- نعم صحيح، كان بحرا من المياه وجزء منه تبخر وجزء منه تسرب في المسام التي بين الصخور والربع الخالي في الواقع ليس مجرد كثبان بل إن قواعد هذه الكثبان صخرية بمعنى أن أسفل الربع الخالي صخور فهي عبارة عن رمل وفي أسفل الرمل (سبخة) جافة وهي تمثل الماء الذي تسرب وتحتها الصخور التي جاء عليها جزء من الماء الذي كان في الربع الخالي، وفي غرب الربع الخالي هناك صخور رملية وفي شرقه صخور جيرية وتحتها صخور رملية، وتحتهن جميعاً (الشرقية والغربية) صخور نارية كبيرة (وهي القاعدة) مثل جبال الحجاز، وهي متواجدة في العمق.
* الحديث حول مخزون مياه كبير في الربع الخالي يجعلنا نطمئن إلى حد كبير حول مستوى المياه وعدم وجود أزمة مستقبلية؟
- المياه المتواجدة في الربع الخالي من الممكن أن تقينا من أي أزمات مياه إذا استخدمناها (للإنسان والحيوان) وليس للزراعة كزراعة (القمح) كما حدث بالمملكة في السابق عندما تم زراعة قمح زائد عن الحاجة ثم تطور إلى التصدير، وتصدير القمح الذي يستهلك المياه بكميات كبيره بالنسبة للمملكة لا يمكن تصويره سوى أن المملكة تصدر الماء؟ وهو أمر غير مقبول أبدا.
* د. فاروق العالم أجمع يتحدث عن أزمة مياه حقيقة ومنطقتنا من المناطق التي تواجه هذا الخطر بشكل أكبر فهل لك أن توضح لنا طبيعة مخزون المياه الجوفية أو غيرها والتي يمكن أن تقينا من أزمة المياه فيما لو حدثت لا سمح الله؟
- سؤال وجيه ولكن دعني أوضح أمرا فهناك تساؤل يطرح، هل الوسيلة الوحيدة التي تتكون فيها المياه الجوفية هي في باطن الأرض؟ سأقول لك لا، فالمياه الجوفية أكثرها يتجمع في الصخور النارية والشقوق مثل جبال الحجاز والجبال العالية في شبة الجزيرة وهي مليئة بالشقوق والشق عندما يكون موجوداً فإنه متوقع أن تكون هناك حركة إما رأسية أو أفقية وتهشم للصخور ومعناه (مسامية) والمسامات التي في الصخور تتسرب إليها المياه وتتكون خزانات مياه وبعد ذلك ومن خلال تشابك الشقوق تتكون شبكة وبعض هذه الشقوق توصل المياه المتكونة من آلاف السنين إلى البحر فتصب هناك وتضيع هدرا دون أن نشعر بها ويمكن القول أن شبه الجزيرة العربية محاطة بحزام من خزانات المياه الكبيرة المخزنة في الجبال العالية المحيطة بها.
* حديثكم د. فاروق يدفعني للتساؤل: هل يمكن أن نحفر أبارا في هذه الجبال أم أن طرقا أخرى أكثر عملية يمكن تطويرها في هذا المجال؟
- نعم يستحسن أن نحفر آبارا داخل الجبال قبل أن تذهب المياه إلى البحر وتضيع هدرا، والحقيقة أن كثيرا من المعلومات التي يمكن أن تساعد في اكتشاف الشقوق التي في داخل البحر قد ماتت وانقضت برحيل صيادي اللؤلؤ التقليديين من كبار السن في الخليج عندما كانوا يغطسون في البحر ويأخذون معهم قِرب الماء في رحلاتهم ويذهبون للشقوق داخل البحر ويقومون بتعبئتها بالمياه العذبة كي يشربوا منها... كثير من أولئك الصيادين ماتوا وغابت معهم الكثير من تلك المعلومات وللأسف.. واذكر أني قد التقيت عددا منهم في السبعينات وسألتهم كيف تكتشفون الشقوق في البحر لملأ قربكم بالماء العذب من داخل البحر وعلى أي أساس توقفون مراكبكم لتغطسوا في منطقة معينه؟ واكتشفت أنهم يتحدثون عن الشقوق وعن تغير لون الماء وعن ستارة أو حاجز داخل الماء توضح لهم الموقع وهي معلومات دقيقة أعتقد أننا فقد الكثير منها برحيل جيل صيادي اللؤلؤ في الخليج.
* هل حددتم هذه الشقوق ودرستم التضاريس بشكل كامل؟
- في الواقع سنقوم بالدراسة وسنفحص التضاريس؟ وبالنسبة لي فأنا لست خبير مياه ولكن هناك زملاء أكفاء في هذا الجانب ولكن أنا انظر إليها كباحث جيولوجي من منظور الجيولوجيا وسنزور المناطق المحيطة بالربع الخالي وما يحيط به من جبال عسير وجبال عمان وغيرها وهذا الجبال كلها مقرات للسيول وسندرس الشقوق وتجمعات المياه ومستوى الملوحة.
* إذا كانت هذه الجبال خزانات مياه كبيره فهل لكم د. فاروق أن تطلعونا على التقديرات المبدئية لمنسوب المياه فيها؟
- من المستحيل تحديد منسوب معين. ولكن أتوقع أن تكون كميات المياه كبيرة لأن المنخفض كان كبيرا والمياه تجمعت منذ آلاف السنين وقد استنتجنا ذلك بعد دراستنا للصحراء الكبرى في إفريقيا وهي نفس البيئة الجيولوجية في المملكة فمن موريتانيا إلى جبال عمان هناك بيئة جيولوجية واحدة.
* د. فاروق تمر المملكة وتحديدا في منطقة العيص بالمدينة المنورة بهزات زلزالية شبه يومية.. هل من تفسير جيولوجي وما مخاطر ذلك على المنطقة؟
- ما يحدث في الواقع أمر لا يدعو للقلق ولا يمثل غرابة فحركة قشرة الأرض أمرا محتمل وهو أمر يحدث دوريا وعلى سكان المنطقة أن لا يفزعون من هذه الهزات.. ولكن لابد من تطوير العلم والمعرفة والتكنولوجيا للاستشعار بالمخاطر واستشراف الزلازل لمحاصرة الآثار السلبية التي تحدثه سواء على مستوى الممتلكات أو طمأنينة الناس.
* د. فاروق ارتبط اسمكم بالفضاء من خلال وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ولا يمكن أن نتجاوز الحديث عن الفضاء ونحن نسمع أحاديث تتداول في كثير من دول العالم عن نهاية محتملة للعالم؟ كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
- لا أستطيع القول أكثر من أنها مجرد خرافات ولأتحمل أي أساس علمي وللأسف أن معظم إشاعات نهاية العالم مصدرها عربي وليس غربيا.
* د. فاروق وصل العالم إلى القمر وألان المريخ فهل لكم أن تطلعونا على مسار هذا البحث وهل صحيح ما تردد من إمكانية إقامة حياة متكاملة جديدة لتتطور الهجرة ليس من دولة إلى دولة بال من كوكب إلى آخر؟
- الوصول إلى القمر جاء في سياق البحث العلمي ولم يكن من اجل الترف واستكمال البحث يدعمه هذا التوجه أيضا ومحاولة استكشاف كوكب المريخ بدأت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات حينما بعثنا بأجسام غير مأهولة وبدأت تصور لنا سطح المريخ وجاءت الصور وكان أمر غريبا لي فقد وجدت أن أجزاء من عينات في سطح المريخ وجدتها قريبة للغاية من الصور التي أخذناها من صحراء مصر الغربية، لدرجة إنني أخذت صورة فضائية من جنوب غرب مصر ونزعت جوانب الصورة وعرضتها على المجموعة العلمية من المتخصصين والمعنيين بتفسير الصور القمرية وعددهم ثمانية علماء، وسألتهم من أين هذه القطعة؟ فقالوا إنها من المريخ، وقمت بعد ذلك بإعطائهم الورقة المقصوصة فاستغربوا وتعجبوا من التشابه الكبير بين الصور، والسر الذي توصلت إليه أن الصحراء العربية وخصوصاً في المناطق الجافة منها مرت في نفس التطورات البيئية كما حصل لمعظم سطح المريخ وساروا في نفس الخطوات البيئية وتغيروا جيولوجياً.
ومعنى كلامي انه كان هناك كوكب وكانت هناك صخور والصخور صدمت ونتيجة للبراكين كان هناك غلاف جوي وأمطار والأمطار نزلت فوق السطح وكانت هناك أودية تأخذ الماء من الأعلى للأسفل والمياه هذه تتسرب للصخور وبعد ذلك بحكم أن كوكب المريخ صغير ولا توجد هناك جاذبية فالماء برد والمياه التي على سطح المريخ جفت وتثلجت، فالفرق الوحيد بين المريخ والأرض فيما يتعلق بالحفر أن الحفر في سطح المريخ يخرج ثلج.
* الثلج د. فاروق يعني أن هناك ماء فهل يمكن الاستفادة من ثلج المريخ؟
- نحن نبحث في هذا الشيء ونتمنى أن تكون المياه هناك صالحة للشرب لأن ذلك يعني بأننا سنرسل رواد فضاء دون مياه.
* وهل تعتقدون أن يتبع ذلك زراعة على سطح المريخ وبداية حياة جديدة؟
- وجود المياه سيفتح الباب للزراعة وهناك مشكلة نقص في الأوكسجين إذا تم التغلب عليها علميا وتطور الوضع في معالجتها وفي المجمل فان التطور العلمي والتكنولوجي قد لا يكون معه أن تكون الحياة فوق كوكب المريخ مستحيلة.
* كيف ترون الواقع العلمي الجيولوجي في العالم العربي وما هو مستوى مراكز الأبحاث وكيف يمكن تطويرها في منطقتنا؟
- لو طرحت علي هذا السؤال قبل خمس سنوات من الآن لكانت الإجابة مختلفة ولقلت بان الحالة يرثى لها فكان من المستحيل علينا أن نواكب الغرب أو الشرق ولا نملك القدرة على الإضافة على معلوماتهم ومعارفهم ولكنت قلت لك بأنه ليس لدينا مستقبل في إنتاج التكنولوجيا لأن الاهتمام بالبحث العلمي كان ضعيفا جدا ولكن مثل عشر سنوات كانت قد بدت توجهات جيدة وصحوة علمية على مستوى العالم العربي.
* د. فاروق تحدثتم عن صحوة فهل يمكن لكم أن تعودوا إلى العالم العربي وتشاركون في إنضاجها؟ وهل يمكن لنا أن نراكم في إحدى الجامعات الكبرى العربية مثل جامعة الملك عبدا لله للعلوم والتكنولوجيا والتي تنتهج رغبة إحياء المجد العلمي العربي والإسلامي؟
- لم أغادر العالم العربي باختياري ولكن لظروف البحث عن العمل في التخصص وتطويره ولم أقل يوما بأنني لن أعود إلى العالم العربي والواقع أنا مشاركاتي وزياراتي لم تنقطع مثل هذه الزيارة واعتقد أن هذا جزء من التواصل الذي لا يقل أهمية عن الإقامة والبحث في العالم العربي.
خزانات مياه هائلة فوق سطح الأرض تحيط بشبه الجزيرة العربية
http://www.al-jazirah.com/166919/jo.jpg (http://www.al-jazirah.com/166919/jo.jpg)
حاوره - فهد العجلان
رجل يحمل في وجهه وعزمه الكثير من ملامح الصحراء وفي خياله وتطلعه الأكثر من وهج الفضاء.. حين سألته عن سبب اهتمامه بالصحراء وبحثه الدائم في إسرارها ابتسم بهدوء قائلا: الهروب من الفضيحة، ورغم أن الحديث كان مع علم من أعلام الجيولوجيا في العالم فقد تضمن درساً حضارياً، حيث يرى الباز أن شرط انجاز الحضارة المتقدمة يستلزم من بناتها المعرفة الجغرافية العميقة بالبيئة التي تبنى عليها.
أسئلة كثيرة طرحتها (الجزيرة) على الدكتور فاروق الباز رئيس مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية في حوار خاص بدأ من الصحراء وانتهى بالفضاء مرورا بأحلام العلماء العرب فإلى الحوار:
* دكتور فاروق أنتم الآن في زيارة علمية للمملكة.. هل لكم أن تحدثونا عن طبيعة هذه الزيارة والعلاقة بينكم وبين المراكز البحثية والعلمية في المملكة؟
- صحيح قدمت إلى المملكة العربية السعودية بدعوة رسمية من جامعة الملك سعود في إطار مبادرتها الجديدة بإنشاء كرسي أبحاث المياه في الربع الخالي وهي في الحقيقة ليست الزيارة الأولى لي للمملكة فقد كانت أول زيارة في منتصف السبعينات في رحلة علمية أيضا، وتربطني في الحقيقة علاقة حميمية بالصحراء ودراسة ألغازها فأنا باحث وهذا هو عملي الأساسي الذي يتناول تضاريس هذه المساحات الممتدة من الرمال وتغيراتها مع الزمن وتطوراتها، ومساهمتي خلال هذه الزيارة ستتناول استخدام صور الفضاء للبحث في ما يتعلق بموضوعات الصحراء وإجابة أسئلتها المعقدة ولعلنا تقنية التصوير الفضائي من الأقمار الصناعية أن تساهم في حل الغاز الصحراء.
* الصحراء سؤال كبير ومهمة بحثية شاقة.. وأنتم الأستاذ المتخصص في الجيولوجيا كيف تنظرون إلى الصحراء في منطقتنا العربية؟
- الصحراء كما أشرت سؤال كبير وهي لم تكن كذلك في الماضي فإذا كانت مياه وأنهاراً في العصور السابقة كما اكتشفنا من خلال البحوث فالسؤال: أين تقبع المياه الآن، وهذه الزيارة ستكون جزء من المساهمة في البحث والإجابة عن سؤال المياه وسيشاركنا البحث زملاء باحثون وسنتزود بمعلومات من وزارة المياه ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبالطبع لن نستطيع الإجابة بسرعة ولكن نأمل من خلال المعلومات الفضائية أن تقودنا الصور إلى المساعدة على إجابة سؤال: كيف تجمعت وتركزت المياه في الربع الخالي.
* د. فاروق تتحدثون علن الصحراء بشغف ويقين بكنوزها ومن المعلوم أنها لا تحوي مقومات الحياة.. كعالم جيولوجي هل يمكن لهذه الصحاري المنتشرة في العالم العربي أن تكون مصدر ثروة وتقدم للعالم العربي؟
- من خلال دراساتي حول الصحراء أدركت أن معلوماتنا المتوفرة حولها شحيحة للغاية من الناحية الجيولوجية, وقد حاصرتني هذه الحقيقة وأخجلتني وأحزنتني كجيولوجي عربي تعلم في بلده وتلقى أفضل التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والتقيت أعظم الجيولوجيين في العالم وسالت نفسي عن حجم ما أعلمه عن الصحراء وهي تنتمي إلى المنطقة التي توجد بها جذوري فاكتشفت بأني لا أعلم إلا القليل فاعتبرتها فضيحة!
* د. فاروق وصفت الجهل بالصحراء بالفضيحة وهو وصف ذو بعد عميق فهل ترى بأن التعمق في معرفة الصحراء يمكن أن يقودنا إلى تقدم وازدهار ولحاق بركب العالم؟
- حين أدركت حجم الجهل بالصحراء انتابني هذا الشعور واتجهت للغوص في أعماقها والبحث في أسرارها وكانت أول رحلة علمية إلى المملكة في عام 1974م وتواصلت مع جيولوجيين في المنطقة فاكتشفت بأننا جميعا جهلة في الصحراء ولا نملك معلومات سوى من الأحاديث الشفهية، والسعي إلى العلم بالصحراء ليس فقط لمجرد العلم وإشباع رغبة البحث والاكتشاف ولكن من خلال قراءاتي في الحضارة استطيع التأكيد على أن أي أمة ترغب في انجاز حضارة لابد باأن تستوعب وتفهم الموقع الجغرافي بشكل عميق، فالتضاريس لابد بأن تكون خارطتها وتفاصيلها معروفة وبعمق كشرط من شروط تأسيس الحضارة المتقدمة لأن معرفة الأرض سيساهم في معرفة الثروة التي تحويها ومن ثم استخدامها على امثل وجه. الربع الخالي مثلا ما يزال منطقه مليئة بالإلغاز ولم نتعرف بعد على الثروات الموجودة فيه.
* تحدثتم د. فاروق عن الربع الخالي وعن الثروات التي قد يحويها، فهل لكم أن تطلعونا على ما توصلتم إليه من خلال الصور الفضائية في هذه المنطقة؟
- هناك أسئلة كثيرة نطرحها كباحثين وجيولوجيين في هذه المنطقة ولعل أهم سؤال: كيف تكون الربع الخالي؟ ولماذا تكونت الرمال؟ ولماذا هو ربع خالي؟ وهذه الأسئلة اتحدي أي جيولوجي على سطح الأرض أن يقدم لها إجابات شافية، الفكر الجيولوجي القديم يشير إلى أن حبة الرمل أتت مع الهواء وتولدت من الهواء وحبات الرمل عندما تصطدم ببعضها تنتج حزم دوارة وهذا هو تعريف الرمل؟ ولكن.. هذا التعريف الذي تعلمته كجيولوجي في الماضي اكتشفت أنه خاطئ 100%، فنشوء الرمل ليس له علاقة إطلاقاً بالهواء، فالرمال تولدت من الماء وليس من الهواء وتكونت في باطن الأنهار، عندما تنزل الأمطار على الجبال يكون هناك احتكاك بين الصخور المتواجدة في الجبال وتمر منها المياه بين الشقوق والصخور حينها تتفتت وتنشئ الرمل الذي يتواجد في منخفضات المياه، فعلى سبيل المثال لدي بركة مياه ووضعت فيها حبات رمال وتغير المناخ مع مرور الوقت فعندها تبتدئ المياه بالتبخر والرمل يظل في مكانة، وتأتي الرياح لتعيد من تشكيل الترسبات التي كانت بالمنخفض على شكل كثبان رملية، ومعنى ذلك أن الرمال ولدتها المياه وشكلتها الرياح.
* د. فاروق يبدو لي من خلال هذا التفسير أن الربع الخالي كان بحرا من المياه؟
- نعم صحيح، كان بحرا من المياه وجزء منه تبخر وجزء منه تسرب في المسام التي بين الصخور والربع الخالي في الواقع ليس مجرد كثبان بل إن قواعد هذه الكثبان صخرية بمعنى أن أسفل الربع الخالي صخور فهي عبارة عن رمل وفي أسفل الرمل (سبخة) جافة وهي تمثل الماء الذي تسرب وتحتها الصخور التي جاء عليها جزء من الماء الذي كان في الربع الخالي، وفي غرب الربع الخالي هناك صخور رملية وفي شرقه صخور جيرية وتحتها صخور رملية، وتحتهن جميعاً (الشرقية والغربية) صخور نارية كبيرة (وهي القاعدة) مثل جبال الحجاز، وهي متواجدة في العمق.
* الحديث حول مخزون مياه كبير في الربع الخالي يجعلنا نطمئن إلى حد كبير حول مستوى المياه وعدم وجود أزمة مستقبلية؟
- المياه المتواجدة في الربع الخالي من الممكن أن تقينا من أي أزمات مياه إذا استخدمناها (للإنسان والحيوان) وليس للزراعة كزراعة (القمح) كما حدث بالمملكة في السابق عندما تم زراعة قمح زائد عن الحاجة ثم تطور إلى التصدير، وتصدير القمح الذي يستهلك المياه بكميات كبيره بالنسبة للمملكة لا يمكن تصويره سوى أن المملكة تصدر الماء؟ وهو أمر غير مقبول أبدا.
* د. فاروق العالم أجمع يتحدث عن أزمة مياه حقيقة ومنطقتنا من المناطق التي تواجه هذا الخطر بشكل أكبر فهل لك أن توضح لنا طبيعة مخزون المياه الجوفية أو غيرها والتي يمكن أن تقينا من أزمة المياه فيما لو حدثت لا سمح الله؟
- سؤال وجيه ولكن دعني أوضح أمرا فهناك تساؤل يطرح، هل الوسيلة الوحيدة التي تتكون فيها المياه الجوفية هي في باطن الأرض؟ سأقول لك لا، فالمياه الجوفية أكثرها يتجمع في الصخور النارية والشقوق مثل جبال الحجاز والجبال العالية في شبة الجزيرة وهي مليئة بالشقوق والشق عندما يكون موجوداً فإنه متوقع أن تكون هناك حركة إما رأسية أو أفقية وتهشم للصخور ومعناه (مسامية) والمسامات التي في الصخور تتسرب إليها المياه وتتكون خزانات مياه وبعد ذلك ومن خلال تشابك الشقوق تتكون شبكة وبعض هذه الشقوق توصل المياه المتكونة من آلاف السنين إلى البحر فتصب هناك وتضيع هدرا دون أن نشعر بها ويمكن القول أن شبه الجزيرة العربية محاطة بحزام من خزانات المياه الكبيرة المخزنة في الجبال العالية المحيطة بها.
* حديثكم د. فاروق يدفعني للتساؤل: هل يمكن أن نحفر أبارا في هذه الجبال أم أن طرقا أخرى أكثر عملية يمكن تطويرها في هذا المجال؟
- نعم يستحسن أن نحفر آبارا داخل الجبال قبل أن تذهب المياه إلى البحر وتضيع هدرا، والحقيقة أن كثيرا من المعلومات التي يمكن أن تساعد في اكتشاف الشقوق التي في داخل البحر قد ماتت وانقضت برحيل صيادي اللؤلؤ التقليديين من كبار السن في الخليج عندما كانوا يغطسون في البحر ويأخذون معهم قِرب الماء في رحلاتهم ويذهبون للشقوق داخل البحر ويقومون بتعبئتها بالمياه العذبة كي يشربوا منها... كثير من أولئك الصيادين ماتوا وغابت معهم الكثير من تلك المعلومات وللأسف.. واذكر أني قد التقيت عددا منهم في السبعينات وسألتهم كيف تكتشفون الشقوق في البحر لملأ قربكم بالماء العذب من داخل البحر وعلى أي أساس توقفون مراكبكم لتغطسوا في منطقة معينه؟ واكتشفت أنهم يتحدثون عن الشقوق وعن تغير لون الماء وعن ستارة أو حاجز داخل الماء توضح لهم الموقع وهي معلومات دقيقة أعتقد أننا فقد الكثير منها برحيل جيل صيادي اللؤلؤ في الخليج.
* هل حددتم هذه الشقوق ودرستم التضاريس بشكل كامل؟
- في الواقع سنقوم بالدراسة وسنفحص التضاريس؟ وبالنسبة لي فأنا لست خبير مياه ولكن هناك زملاء أكفاء في هذا الجانب ولكن أنا انظر إليها كباحث جيولوجي من منظور الجيولوجيا وسنزور المناطق المحيطة بالربع الخالي وما يحيط به من جبال عسير وجبال عمان وغيرها وهذا الجبال كلها مقرات للسيول وسندرس الشقوق وتجمعات المياه ومستوى الملوحة.
* إذا كانت هذه الجبال خزانات مياه كبيره فهل لكم د. فاروق أن تطلعونا على التقديرات المبدئية لمنسوب المياه فيها؟
- من المستحيل تحديد منسوب معين. ولكن أتوقع أن تكون كميات المياه كبيرة لأن المنخفض كان كبيرا والمياه تجمعت منذ آلاف السنين وقد استنتجنا ذلك بعد دراستنا للصحراء الكبرى في إفريقيا وهي نفس البيئة الجيولوجية في المملكة فمن موريتانيا إلى جبال عمان هناك بيئة جيولوجية واحدة.
* د. فاروق تمر المملكة وتحديدا في منطقة العيص بالمدينة المنورة بهزات زلزالية شبه يومية.. هل من تفسير جيولوجي وما مخاطر ذلك على المنطقة؟
- ما يحدث في الواقع أمر لا يدعو للقلق ولا يمثل غرابة فحركة قشرة الأرض أمرا محتمل وهو أمر يحدث دوريا وعلى سكان المنطقة أن لا يفزعون من هذه الهزات.. ولكن لابد من تطوير العلم والمعرفة والتكنولوجيا للاستشعار بالمخاطر واستشراف الزلازل لمحاصرة الآثار السلبية التي تحدثه سواء على مستوى الممتلكات أو طمأنينة الناس.
* د. فاروق ارتبط اسمكم بالفضاء من خلال وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ولا يمكن أن نتجاوز الحديث عن الفضاء ونحن نسمع أحاديث تتداول في كثير من دول العالم عن نهاية محتملة للعالم؟ كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
- لا أستطيع القول أكثر من أنها مجرد خرافات ولأتحمل أي أساس علمي وللأسف أن معظم إشاعات نهاية العالم مصدرها عربي وليس غربيا.
* د. فاروق وصل العالم إلى القمر وألان المريخ فهل لكم أن تطلعونا على مسار هذا البحث وهل صحيح ما تردد من إمكانية إقامة حياة متكاملة جديدة لتتطور الهجرة ليس من دولة إلى دولة بال من كوكب إلى آخر؟
- الوصول إلى القمر جاء في سياق البحث العلمي ولم يكن من اجل الترف واستكمال البحث يدعمه هذا التوجه أيضا ومحاولة استكشاف كوكب المريخ بدأت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات حينما بعثنا بأجسام غير مأهولة وبدأت تصور لنا سطح المريخ وجاءت الصور وكان أمر غريبا لي فقد وجدت أن أجزاء من عينات في سطح المريخ وجدتها قريبة للغاية من الصور التي أخذناها من صحراء مصر الغربية، لدرجة إنني أخذت صورة فضائية من جنوب غرب مصر ونزعت جوانب الصورة وعرضتها على المجموعة العلمية من المتخصصين والمعنيين بتفسير الصور القمرية وعددهم ثمانية علماء، وسألتهم من أين هذه القطعة؟ فقالوا إنها من المريخ، وقمت بعد ذلك بإعطائهم الورقة المقصوصة فاستغربوا وتعجبوا من التشابه الكبير بين الصور، والسر الذي توصلت إليه أن الصحراء العربية وخصوصاً في المناطق الجافة منها مرت في نفس التطورات البيئية كما حصل لمعظم سطح المريخ وساروا في نفس الخطوات البيئية وتغيروا جيولوجياً.
ومعنى كلامي انه كان هناك كوكب وكانت هناك صخور والصخور صدمت ونتيجة للبراكين كان هناك غلاف جوي وأمطار والأمطار نزلت فوق السطح وكانت هناك أودية تأخذ الماء من الأعلى للأسفل والمياه هذه تتسرب للصخور وبعد ذلك بحكم أن كوكب المريخ صغير ولا توجد هناك جاذبية فالماء برد والمياه التي على سطح المريخ جفت وتثلجت، فالفرق الوحيد بين المريخ والأرض فيما يتعلق بالحفر أن الحفر في سطح المريخ يخرج ثلج.
* الثلج د. فاروق يعني أن هناك ماء فهل يمكن الاستفادة من ثلج المريخ؟
- نحن نبحث في هذا الشيء ونتمنى أن تكون المياه هناك صالحة للشرب لأن ذلك يعني بأننا سنرسل رواد فضاء دون مياه.
* وهل تعتقدون أن يتبع ذلك زراعة على سطح المريخ وبداية حياة جديدة؟
- وجود المياه سيفتح الباب للزراعة وهناك مشكلة نقص في الأوكسجين إذا تم التغلب عليها علميا وتطور الوضع في معالجتها وفي المجمل فان التطور العلمي والتكنولوجي قد لا يكون معه أن تكون الحياة فوق كوكب المريخ مستحيلة.
* كيف ترون الواقع العلمي الجيولوجي في العالم العربي وما هو مستوى مراكز الأبحاث وكيف يمكن تطويرها في منطقتنا؟
- لو طرحت علي هذا السؤال قبل خمس سنوات من الآن لكانت الإجابة مختلفة ولقلت بان الحالة يرثى لها فكان من المستحيل علينا أن نواكب الغرب أو الشرق ولا نملك القدرة على الإضافة على معلوماتهم ومعارفهم ولكنت قلت لك بأنه ليس لدينا مستقبل في إنتاج التكنولوجيا لأن الاهتمام بالبحث العلمي كان ضعيفا جدا ولكن مثل عشر سنوات كانت قد بدت توجهات جيدة وصحوة علمية على مستوى العالم العربي.
* د. فاروق تحدثتم عن صحوة فهل يمكن لكم أن تعودوا إلى العالم العربي وتشاركون في إنضاجها؟ وهل يمكن لنا أن نراكم في إحدى الجامعات الكبرى العربية مثل جامعة الملك عبدا لله للعلوم والتكنولوجيا والتي تنتهج رغبة إحياء المجد العلمي العربي والإسلامي؟
- لم أغادر العالم العربي باختياري ولكن لظروف البحث عن العمل في التخصص وتطويره ولم أقل يوما بأنني لن أعود إلى العالم العربي والواقع أنا مشاركاتي وزياراتي لم تنقطع مثل هذه الزيارة واعتقد أن هذا جزء من التواصل الذي لا يقل أهمية عن الإقامة والبحث في العالم العربي.