التعليمـــات |
التقويم |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() ما بعد إجازة البحث بعد أن استوفيت تصوير الآثار في جبل القهر, أو هكذا خيل إليّ, تقدمت بالبحث الآنف إلى فرع وزارة الإعلام بجدة أطلب إجازته, بصفتي أول من تعرف على تلك الآثار, وأول من وثقها وقدم لها رؤية تاريخية مؤسسة على حجج, لا ينقص قيمتها أنها جاءت من غير متخصص, ولا أحسب ذا معرفة يدير لها ظهره بسهولة ولا أظن الآثاريين سيذهبون بعيداً عما ذهبت إليه, ولكني بعد أن أجزت بحثي وجدت آثاراً ذات أهمية وإن كانت محدودة العدد, وسأذكرها تالياً, والعثور عليها يؤكد الحاجة إلى المزيد من الجهد والوقت والإمكانيات, سيما إذا عرفنا اتساع جبل القهر ولكني صرت متيقناً أن التسول على أبواب المساجد أكرم بالمرء من البحث عن ممول لأمر علمي يعود نفعه على الوطن, وبسبب قناعتي هذه فضلت أن أعمل بقدراتي التي لا تسمى وأتجرع الصاب, ولا ألتفت لما يجنيه من لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الآخرون, ولعمري الصاب خير من المن والسلوى تجنى بسيمياء التزلف. أولها: لوحة أكف الصبية: قبل أن أتحدث عن هذه اللوحة أود أن أذكر ملحوظة مهمة عن رسومات جبل القهر فهي تنقسم إلى قسمين, الأول يتمثل في حفر يسير جداً في الصخر لرسومات غير ملونة وأظن هذا الأسلوب كان سابقاً, والقسم الآخر يتمثل في رسومات طبعت بما يشبه الريشة ملونة باللون الزهري وتمثل مرحلة تالية تدل على تطور مدني وأجيال تالية للأولى, ولوحة أكف الصبية في الواديين من النمط الأخير الملون, بل لفت نظري وجود خطوط مرسومة بعضها صاعد وبعضها ساقط, ولم أجد مثل هذه الخطوط في أي لوحة أخرى, وهي لاشك تعبر عن شيء, كتعبير الحروف عن الكلام, وإن كان بصورة بدائية, بل أظنها أول أشكال الكتابة في جزيرة العرب, إن لم يكن في العالم, وعدد الأكف إما أربعة أو خمسة وكل كف يشي بعمر صاحبه وجميعهم أغيلمه ما بين الصبا وبواكير الشباب, وهذه الأكف والخطوط مرسومة في صخرة قد قطعت بنفس أسلوب القطع الذي يحفظ الرسومات من عوامل التعرية وأحد الأكف كأنما حمل على عصا, وأسفل من الخطوط صورة ذات ثلاث شعب استوقفتني كثيراً وتأملتها ملياً, عند رؤيتي لها أول وهلة قلت ربما تكون صورة لزهرة ترمز إلى أن الصبية ماتوا وهم في عمر الزهور, ثم عدلت عن هذا الرأي وقلت لعلها رجل طائر قتل أولئك الأطفال, وتراجعت عن هذا الرأي لأقول لعلها ترمز لكوكب ما, ثم ترجح لديّ أنها صورة للشمس ولعل تلك الأمة كانت تعبد الشمس, ووجود الشمس في اللوحة تعبير عن صعود أرواح الصبية إلى الإله الذي يعتقدون, والسؤال الأهم من هذا, ما الذي جعل أصحاب تلك القرية يخلدون هؤلاء الصبية في لوحة؟, لعل السر يكمن في حادثة موتهم, ورممهم لا تزال موجودة جماجم وبقية من عظام نخرة, وربما يكمن الجواب عن سبب موتهم في صورة الكف المحمول على العصا, وفي كتب التاريخ ذكر لمقتل أبناء قوم من ثمود وردت بصورة لا يقبلها العقل, لعل حادثة القتل صحيحة ولكن القصة تحولت إلى أسطورة مع تعاقب الأجيال, فمن المعلوم أن من آمن من ثمود ظل نسلهم يتعاقب حتى اتصل بالعرب, إن لم يكن العرب منهم, و ظلت قصة هلاك من هلك منهم تداول حتى نزل القرآن وجاء ذكرهم فيه بالسرد القرآني الموجز فمازج الرواة بين ما لديهم من أساطير وما في كتاب الله, ومن ذلك قصة قتل الصبية أو قتل الأبناء حسب ما ورد في كتب التاريخ, وسأجتزئ منها هنا اللب والخلاصة, وعلى من يريد الإستزادة أن يرجع إلى كتب التاريخ,فقد ذكر المؤرخون ومنهم الطبري أن نبي الله صالحاً حين أوحى الله إليه أن قومه سيعقرون الناقة قال لهم ذلك فقالوا: ما كنا لنفعل قال: لا تعقروها أنتم, أوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها, قالوا ما علامة ذلك المولود فوالله لا نجده إلاّ قتلناه؟ قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر, فاختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية وجعلوا معهن شُرطاً كانوا يطوفون في القرية فإذا وجدوا المرأة تمخض نظروا ما ولدها فإن كان غلاماً قتلنه وإن كانت جارية أعرضن عنها. وفي موضع آخر عند ذكر خبر مهلك التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون حين بيتوا قتل نبي الله صالح, أن رجالاً ممن اطلع على ما عزموا عليه حين وجدوهم رضخاً رجعوا يصيحون في القرية أي عباد الله أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم. الراجح عندي أن لهذه القصة أصل في الواقع ولكن غلب عليها الجانب الأسطوري الذي لا يقره العقل, فكون نبي الله صالح أمرهم بقتل أبنائهم أو أنهم كانوا يقتلونهم بعلمه فأمر محال يخالف خلق المرسلين, وإذا كانوا يفعلون ذلك دون علمه فأمر ينافي خلق أتباع الرسل, أما الكفار من قومه فما أطاعوه في العبادة أيطيعونه في قتل أبنائهم؟!, كما يخالف هذا الفعل الفطرة السوية وما جبل عليه البشر من حب الأبناء, وعلى أي وجهة قلبت قتل الآباء لأبنائهم فإن العقل يردها ناهيك عما فيها من قطع للذرية وسيلة بقاء الجنس البشري, ولكن إن كان لهذه القصة من أصل فقد يكون شخص أو أشخاص ما قتلوا صبية ثم ألصقوا التهمة بنبي الله صالح وأتباعه كأن يقال إن المؤمنين قتلوهم حتى لا يكون منهم عاقر الناقة الذي قال عنه نبي الله صالح يوشك أن يولد فيكم من يعقرها فإذا كان الأمر على هذا الوجه أو قريباً منه فلعل هذه اللوحة تعبر عن هؤلاء الصبية الذين غُدر بهم ليتهم بهم نبي الله صالح عليه السلام وأتباعه, وأعداء الرسل يفعلون أكبر من ذلك, والله أعلم بالحقيقة ![]() كف على يمين الصورة (لوحة الصبية في الواديين). صورة رقم (43) ![]() عن ماذا تعبر هذه الخطوط (لوحة الصبية في الواديين). صورة رقم (44) ![]() لأيّ شيء يرمز هذا الشكل؟؟ يشبه شعار الشمس في معبد الشمس في مصر إن لم تخني الذاكرة (لوحة الصبية في الواديين). صورة رقم (45) ![]() رسمة كف (لوحة الصبية في الواديين). صورة رقم (46) ![]() كف محمول على عصا أو رمح غير واضح في الصورة (لوحة الصبية في الواديين). صورة رقم (47) ![]() كف لشخص في باكورة الشباب (لوحة الصبية في الواديين). صورة رقم (48) ![]() كــف أحـــد الصبية. صورة رقم (49) يتبع
|
#2
|
|||
|
|||
![]()
لوحة الراعي لقد نوهت فيما سلف أن الرسومات في جبل القهر ليست عبثية وليست أعمال لهو ولا إظهار براعة في الرسم, بل هي تدوين لأحداث يعدُّها أصحاب تلك الحضارة أحداثاً جساماً, ولا أظن لوحة الراعي تشذ عن هذه القاعدة, وإن كان أهم ما يدل على سبب تدوينها لم يعد واضحاً حتى يقال فيها بيقين. تقع لوحة الراعي في الشامية, وهي من الرسم القديم غير الملون, والغريب في هذا الرسم بقاؤه إلى وقتنا الحاضر, وأنا في كل مرة لا أتحسسه بيدي خشية أن أفسده لدقته, لقد تحسست في لوحة الشرقي صورة الفارسين فوجدتهما رُسِما بالحفر الغائر في صخر صلب بقدر ما لا يفسده اللمس, ولم أتحسس صور الحيوانات لأعرف هل هي رسم غائر أم بارز أم ملاط خفيف طبعت عليه الصور, خشية أن تحات الصورة بلمسي لها, وإن كنت أرجح أنه رسم بارز محفور فيه ما حول الصورة, وطبيعة الصخر الذي يميل إلى اللون الأبيض يعطي الصورة الوضوح المطلوب, وإذا كانت صور الحيوانات على هذا النحو فإن فيها إعجاز غريب, إذ لا بروز لها ظاهر, ولوحة الراعي هذه تشغل حيزاً أقدره بعشرين متراً طولاً أو أكثر وكل المساحة التي رسمت فيها اللوحة نحتت بنفس الطريقة التي نحتت بها اللوحات الأخرى, التي تحمي الرسوم من عوامل التعرية, إنها هندسة عجيبة, وليس في اللوحة غير أغنام يتبع بعضها بعضاً, وفي مقدمتها الراعي متوشحاً سيفه على عاتقه الأيمن, ولقد لفت نظري في لوحة معركة الشامية أن حملة السيوف قد علقوا الأغماد على عواتقهم الأيامن, وأظن تلك عادة الناس في توشح السيوف, فإذا حزب حامل السيف أمر سحبه بيسراه من فوق منكبه بغمده ونجاده واستله (النصل) بيمناه, إذ كيف يستل السيف من غمده وهو معلق على عاتقه الأيمن إلاّ بهذه الطريقة, أو أن يستله من فوق كتفه, وكون الراعي يسير في مقدمة أغنامه يدل على أنه في حالة رواح لا غدو, لأن الراعي إذا غدا للمرعى سار في مؤخرة أغنامه يسوقها, وإذا راح سار في مقدمتها وهي تتبعه وخلف ذلك الراعي يسير حمار عري, ويحمل الراعي فوق رأسه شيئاً غير واضح في الصورة, لقد تمعنت فيه كثيراً لكنه لم يعد واضحاً, لا أدري إن كان يحمل نتاج إحدى معيزه حديث الولادة, أو لعله وحش هاجم أغنامه فقتله وجاء به يحمله إلى المراح, فكان ذلك منه عملاً بطولياً استوجب تخليده في تلك اللوحة. ![]() الراعي يحمل على رأسه شيئاً ما وخلفه الحمار (لوحة الراعي). صورة رقم (50) ![]() أحد تيوس القطيع (لوحة الراعي). صورة رقم (51) ![]() ![]() مجموعة من الأغنام ( لوحة الراعي). صورة رقم (52) ![]() صورة تيس واضحة لحيته (لوحة الرعي). صورة رقم (53) يتبع
|
#3
|
|||
|
|||
![]()
لوحة الراعي لقد نوهت فيما سلف أن الرسومات في جبل القهر ليست عبثية وليست أعمال لهو ولا إظهار براعة في الرسم, بل هي تدوين لأحداث يعدُّها أصحاب تلك الحضارة أحداثاً جساماً, ولا أظن لوحة الراعي تشذ عن هذه القاعدة, وإن كان أهم ما يدل على سبب تدوينها لم يعد واضحاً حتى يقال فيها بيقين. تقع لوحة الراعي في الشامية, وهي من الرسم القديم غير الملون, والغريب في هذا الرسم بقاؤه إلى وقتنا الحاضر, وأنا في كل مرة لا أتحسسه بيدي خشية أن أفسده لدقته, لقد تحسست في لوحة الشرقي صورة الفارسين فوجدتهما رُسِما بالحفر الغائر في صخر صلب بقدر ما لا يفسده اللمس, ولم أتحسس صور الحيوانات لأعرف هل هي رسم غائر أم بارز أم ملاط خفيف طبعت عليه الصور, خشية أن تحات الصورة بلمسي لها, وإن كنت أرجح أنه رسم بارز محفور فيه ما حول الصورة, وطبيعة الصخر الذي يميل إلى اللون الأبيض يعطي الصورة الوضوح المطلوب, وإذا كانت صور الحيوانات على هذا النحو فإن فيها إعجاز غريب, إذ لا بروز لها ظاهر, ولوحة الراعي هذه تشغل حيزاً أقدره بعشرين متراً طولاً أو أكثر وكل المساحة التي رسمت فيها اللوحة نحتت بنفس الطريقة التي نحتت بها اللوحات الأخرى, التي تحمي الرسوم من عوامل التعرية, إنها هندسة عجيبة, وليس في اللوحة غير أغنام يتبع بعضها بعضاً, وفي مقدمتها الراعي متوشحاً سيفه على عاتقه الأيمن, ولقد لفت نظري في لوحة معركة الشامية أن حملة السيوف قد علقوا الأغماد على عواتقهم الأيامن, وأظن تلك عادة الناس في توشح السيوف, فإذا حزب حامل السيف أمر سحبه بيسراه من فوق منكبه بغمده ونجاده واستله (النصل) بيمناه, إذ كيف يستل السيف من غمده وهو معلق على عاتقه الأيمن إلاّ بهذه الطريقة, أو أن يستله من فوق كتفه, وكون الراعي يسير في مقدمة أغنامه يدل على أنه في حالة رواح لا غدو, لأن الراعي إذا غدا للمرعى سار في مؤخرة أغنامه يسوقها, وإذا راح سار في مقدمتها وهي تتبعه وخلف ذلك الراعي يسير حمار عري, ويحمل الراعي فوق رأسه شيئاً غير واضح في الصورة, لقد تمعنت فيه كثيراً لكنه لم يعد واضحاً, لا أدري إن كان يحمل نتاج إحدى معيزه حديث الولادة, أو لعله وحش هاجم أغنامه فقتله وجاء به يحمله إلى المراح, فكان ذلك منه عملاً بطولياً استوجب تخليده في تلك اللوحة. ![]() الراعي يحمل على رأسه شيئاً ما وخلفه الحمار (لوحة الراعي). صورة رقم (50) ![]() أحد تيوس القطيع (لوحة الراعي). صورة رقم (51) ![]() ![]() مجموعة من الأغنام ( لوحة الراعي). صورة رقم (52) ![]() صورة تيس واضحة لحيته (لوحة الرعي). صورة رقم (53) يتبع
|
#4
|
|||
|
|||
![]()
فرحة وترحة مع ترددي على جبل القهر صار لي مرافق من نفس سكانه اسمه شعبان مداوي في باكورة الشباب, تحمس لفكرة البحث, فكان إذا غاب يحيى الشمراني تكفل بقيادة السيارة, وقد طلبت منه أن يفتح عينيه على كل صخرة وشعب يستطيع الوصول إليه, فإن هو رأى لوحة أو نقشاً عليه أن يتصل بي لأجيء من جدة لتصويره. لقد كان شعبان مني كأحد أبنائي, أدعوه فيجيب, وآمره فيطيع, ويقضي في صحبتي اليوم كاملاً, دون أجر أو وظيفة, بل شهامة ونبلاً, لا تزال مقاطعة جيزان بخير, وبفضل هذا الشاب عثرنا على لوحة أكف الصبية ولوحة الراعي, ولم يعثر عليهما مصادفة, بل بالبحث وسؤال المسنين من سكان الجبل, وفرصته في هذا الجانب أفضل مني, فلو أني ذهبت أسأل كبار السن في جبل القهر لأثرت ريبتهم. حين اتصل بي شعبان وأخبرني أنه وجد لوحة ومقبرة أثرية غير معروفة التاريخ توجهت إليه دون إبطاء, وصعدنا الجبل وتوجهنا إلى الشامية, وأراني لوحة الراعي التي عرفت بها فيما سلف, وبعد تصويرها عدنا أدراجنا إلى المقبرة التي أخبرني عنها, وترجلت أمشي بين القبور وشعبان وأصدقائه لم يغادروا السيارة, ولم أعرف سبب تفضيلهم عدم النزول, وقد لفت نظري في المقبرة أنها فوق الأرض وليست في باطنها, يبنى القبر بناءً مستطيلاً فيه ضلعان أطول من الآخرين, وذلك برص الحجارة فوق بعضها دون خلب لاصق, حتى إذا ارتفع القبر على قدر معين وضع الميت داخله ثم دفن بتراب أظنه يؤتى به من المزارع المجاورة, والبعض الآخر من القبور بنيت بنصب عدد من الصفا للجدارين الطوليين بدلاً من رص الحجارة فوق بعضها, ويوضع الميت بينهما فوق الأرض ثم يهال عليه التراب المجلوب, وقلت لنفسي إن الذي أملى على هذه الأمة دفن الموتى فوق الأرض كون أرضهم صخرية يصعب حفرها, ويخيل إلي أن صخور بعض القبور مقطوعة ومهيأة لتناسب البناء, وهذا ما جعلني أميل إلى قول شعبان ورفاقه إنها في غاية القدم ولا يعرف زمانها. ومن هذه القبور ما يبلغ ارتفاع بنائه المتر, وأكثرها دون ذلك, والمبني منها برص الحجارة فوق بعضها يوحي بجاه المدفون, حيث هي أكثر إحكاماً, ومنها ما كأنه بني بالأمس لولا ما يدل عليه التراب الذي بداخله من قدم. وبعد أن قمت بتصوير تلك القبور عدت إلى السيارة وسألت شعبان ورفاقه وبإلحاح شديد إن كانت تلك المقبرة حقاً قديمة, فأصروا جميعاً إنها أثرية, فعدت إلى جدة وفي نفسي من المقبرة شيء, كنت أتمنى أن تكون لثمود, وفي قرارة نفسي أنها ليست كذلك, ولكن أين موتى من خلدوا تلك الجبال المنحوتة واللوحات المرسومة في أعمال جليلة لا يقوى عليها سوى أصحاب حضارة وقدرات جسدية غير عادية وربما عقلية كذلك, إن لي ما يقارب الثلاثة أعوام أتجول في هذا الجبل, صحيح أن ما قطعته منه هو القليل, والمجاهيل المتبقية لا تحصى, ولكني زرت الأماكن التي تجاور المزارع, في الواديين والشرقي والشامية وبقعة بن فيصل, وأي أمة عاشت في جبل القهر يجب أن تكون عاشت في مطمئنات الجبل حول تلك المزارع, وطوال تجوالي لم أجد قبوراً يمكن الجزم أنها ثمودية, غير قبر الصبية في الواديين تحت لوحة الصبية, وقبري القتيلين في معركة الشامية تحت لوحة الشامية, وقبري التسعة الرهط تحت صخرة المعاهدات في الشرقي, وقبراً في الشرقي في كهف ليس جواره ما يدل على أهميته ولا يمكن الجزم أنه ثمودي, ولا أدري لم دفن منفرداً في قفر؟ وهذا القبر قريب من حفرة الحبوب التي سيرد ذكرها, لعله أحد من حفروها مات أثناء العمل فدفن غير بعيد عنها, ولم يحمل إلى المقبرة, ولهذا السبب لا يزال في ذهني سؤال عن ثمود هل كانوا يحرقون موتاهم؟, لا أظن فهم أمة أرسل لهم رسول, ولم يرد في القرآن ذكر لذلك, والرمم التي ذكرت تنفي مثل هذا الظن, أم أن لهم مقبرة في مجاهيل الجبل لم أزرها بعد, الأمر المرجح عقلاً أن يكون لهم جوار كل موقع تقوم حوله حياة ومساكن مقبرة, حتى لا يتطلب دفن الموتى سفراً, فإذا كانت هذه المقبرة التي عثرنا عليها في الشامية ثمودية فأين المقابر في الشرقي والواديين وبقعة بن فيصل, ولقد سألت شعبان هل هم الآن يدفنون موتاهم على نفس المنوال فوق الأرض فأجاب بالنفي فترجح لديّ أن تلك المقبرة موغلة في القدم, وما هي إلاّ أيام على إقامتي في جدة حتى خطر لي خاطر, لقد قلت لنفسي لا بد من العودة إلى تلك المقبرة والتأكد من قبورها هل هي موجهة للقبلة فنحكم أن موتاها مسلمون أو هي إلى غير القبلة فنحكم أن عمرها لا يقل عن ألف وخمسمائة سنة, لذلك عدت أدراجي وقد اصطحبت معي بوصلة وآلة لتحديد القبلة, وقبل وصولنا إلى المقبرة بمسافة قصيرة رأيت مقبرة تشبهها ظننتها هي, فترجلت لأعاين قبورها, ولكن شعبان هتف بي إنها ليست التي نريد, ولم أجبه بل أخذت ومعي يحيى الشمراني نعاين القبور ونحدد القبلة, وسألنا شعبان إن كانت القبلة كما تشير الآلة فأجاب بنعم فهالنا أن نجد جميع القبور غير موجهة للقبلة, ومعظمها في اتجاه واحد, فحكمت دون تردد أن عمرها أكثر من ألف وخمسمائة سنة, وقلت إن لم تكن ثمودية فهي أثرية وذات أهمية تاريخية, والله وحده يعلم كم كانت فرحتي وفرحة الإخوة المرافقين بهذا الكشف, وقلت في سري إن هذه الأمة وإن تكن غير إسلامية فإن لها اعتقاداً ما في دفن الموتى, فجميع القبور تمتد طولياُ في اتجاه واحد, ثم توجهنا إلى المقبرة الأخرى لأجبر خاطر شعبان, وإلاّ فقد اكتفى عقلي بهذه المقبرة, وفي نفس اتجاه قبور المقبرة التي عاينا وجدت قبور المقبرة الثانية, تنحرف عن القبلة في نفس الإتجاه, وسرت خطوات مع صف القبور فرأيت عدداً يسيراً من القبور تنحرف عن عامة المقبرة في اتجاه آخر, ولا تتجه إلى القبلة, وقبراً واحداً منفرداً يتجه إلى القبلة, وذهبت أفلسف الأمر فقدرت أن أصحاب المقبرتين أهل ملتين, وداخلني بعض الشك بسبب القبر المنـفرد, ورحت أسأل شعبان فكان يصر أن المقبرة سابقة للإسلام فقبورها إلى غير القبلة, ومرتفعة عن مستوى الأرض بمتر أحياناً, وبرغم هاتين الحجتين بقي في نفسي شيء ولكنه ظن وارتياب لا يدعمه دليل, وفي الطريق وجدنا شيخاً ينيف على السبعين أشار لنا أن نحمله معنا وما أن أخذ مجلسه حتى أمطرته بالأسئلة عن المقبرة لحاجتي للمعلومة اليقينية, فأكد لي قدمها, وأن لا أحد يعرف تاريخها فسألته إن كان أدرك الناس وهم يقبرون فيها فأجاب بنعم, حين كان صغيراً في سن الصبا, فتعجبت وقلت بإنكار شديد كيف والقبور موجهة لغير القبلة؟, فضحك وقال والله ما عرفنا الإسلام إلاّ من اثنتين وخمسين سنة, ومراده ما تفقهنا في الدين إلاّ منذ كيت وكيت وأردف ولقد كنا ندفن موتانا كيفما اتفق, وكان يشير بقوله هذا إلى عام 1374هـ حين أدخلت الدولة إلى جبلهم عنوة من يعلمهم ويفقههم في الدين, وكانوا في عزلة لا يدخل موطنهم غريب وأصبحوا على ما هم عليه الآن, إن الزائر ليسر من محافظتهم على الصلوات الأميّ منهم والمتعلم, ولا أظن دولة دخلت جبل القهر قبل ذلك على مر التاريخ, إنه قلعة طبيعية وحجر حصين, لذلك لم يكن الشيخ مجانباً للصواب في قوله, ولكنه أحال فرحتي بالمقبرة إلى ترحة, كم كنت أتمنى أن يثبت أنها من العصر الجاهلي على الأقل, فعدت أسأل نفسي أين مقابر ثمود؟, فكل جبال جبل القهر تشهد أن ثمود عاشت هنا, لقد ترجح لدي أن بعض قبور المقابر الحالية القريبة من المزارع والمساكن داخل الجبل ثمودية, وأن الناس في هذا الجبل توارثوا مقابر ثمود وطريقتهم في بناء القبور الآنف بيانها حتى كان عام 1374هـ فعرفوا حفر القبور ودفن الموتى وتوجيههم إلى القبلة, ولعل الآثاريين إن قدر لهم أن يزوروا جبل القهر ويشاهدوا أعظم آثار جزيرة العرب أن يجلوا لنا علامة الاستفهام هذه, إن عدم معرفة قبائل الريث بتوجيه موتاهم إلى القبلة يؤكد أن إدعاءهم أن ناقة صالح كانت بأرضهم معلومة متوارثة تناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل, لا عن قراءة في كتاب, وهذا يزيد يقيننا أن ثمود كانت في هذا الجبل الحجر الممتنع. ![]() مـقـبـرة الـشـامـيـة. صورة رقم (54) ![]() أحد قبور مقبرة الشامية يقارب طوله الثلاثة أمتار. صورة رقم (55) ![]() قبر آخر طوله ثلاثة أمتار تقريباً. صورة رقم (56) ![]() مجموعة من قبور مقبرة الشامية. صورة رقم (57) يتبع
|
#5
|
|||
|
|||
![]()
فرحة وترحة مع ترددي على جبل القهر صار لي مرافق من نفس سكانه اسمه شعبان مداوي في باكورة الشباب, تحمس لفكرة البحث, فكان إذا غاب يحيى الشمراني تكفل بقيادة السيارة, وقد طلبت منه أن يفتح عينيه على كل صخرة وشعب يستطيع الوصول إليه, فإن هو رأى لوحة أو نقشاً عليه أن يتصل بي لأجيء من جدة لتصويره. لقد كان شعبان مني كأحد أبنائي, أدعوه فيجيب, وآمره فيطيع, ويقضي في صحبتي اليوم كاملاً, دون أجر أو وظيفة, بل شهامة ونبلاً, لا تزال مقاطعة جيزان بخير, وبفضل هذا الشاب عثرنا على لوحة أكف الصبية ولوحة الراعي, ولم يعثر عليهما مصادفة, بل بالبحث وسؤال المسنين من سكان الجبل, وفرصته في هذا الجانب أفضل مني, فلو أني ذهبت أسأل كبار السن في جبل القهر لأثرت ريبتهم. حين اتصل بي شعبان وأخبرني أنه وجد لوحة ومقبرة أثرية غير معروفة التاريخ توجهت إليه دون إبطاء, وصعدنا الجبل وتوجهنا إلى الشامية, وأراني لوحة الراعي التي عرفت بها فيما سلف, وبعد تصويرها عدنا أدراجنا إلى المقبرة التي أخبرني عنها, وترجلت أمشي بين القبور وشعبان وأصدقائه لم يغادروا السيارة, ولم أعرف سبب تفضيلهم عدم النزول, وقد لفت نظري في المقبرة أنها فوق الأرض وليست في باطنها, يبنى القبر بناءً مستطيلاً فيه ضلعان أطول من الآخرين, وذلك برص الحجارة فوق بعضها دون خلب لاصق, حتى إذا ارتفع القبر على قدر معين وضع الميت داخله ثم دفن بتراب أظنه يؤتى به من المزارع المجاورة, والبعض الآخر من القبور بنيت بنصب عدد من الصفا للجدارين الطوليين بدلاً من رص الحجارة فوق بعضها, ويوضع الميت بينهما فوق الأرض ثم يهال عليه التراب المجلوب, وقلت لنفسي إن الذي أملى على هذه الأمة دفن الموتى فوق الأرض كون أرضهم صخرية يصعب حفرها, ويخيل إلي أن صخور بعض القبور مقطوعة ومهيأة لتناسب البناء, وهذا ما جعلني أميل إلى قول شعبان ورفاقه إنها في غاية القدم ولا يعرف زمانها. ومن هذه القبور ما يبلغ ارتفاع بنائه المتر, وأكثرها دون ذلك, والمبني منها برص الحجارة فوق بعضها يوحي بجاه المدفون, حيث هي أكثر إحكاماً, ومنها ما كأنه بني بالأمس لولا ما يدل عليه التراب الذي بداخله من قدم. وبعد أن قمت بتصوير تلك القبور عدت إلى السيارة وسألت شعبان ورفاقه وبإلحاح شديد إن كانت تلك المقبرة حقاً قديمة, فأصروا جميعاً إنها أثرية, فعدت إلى جدة وفي نفسي من المقبرة شيء, كنت أتمنى أن تكون لثمود, وفي قرارة نفسي أنها ليست كذلك, ولكن أين موتى من خلدوا تلك الجبال المنحوتة واللوحات المرسومة في أعمال جليلة لا يقوى عليها سوى أصحاب حضارة وقدرات جسدية غير عادية وربما عقلية كذلك, إن لي ما يقارب الثلاثة أعوام أتجول في هذا الجبل, صحيح أن ما قطعته منه هو القليل, والمجاهيل المتبقية لا تحصى, ولكني زرت الأماكن التي تجاور المزارع, في الواديين والشرقي والشامية وبقعة بن فيصل, وأي أمة عاشت في جبل القهر يجب أن تكون عاشت في مطمئنات الجبل حول تلك المزارع, وطوال تجوالي لم أجد قبوراً يمكن الجزم أنها ثمودية, غير قبر الصبية في الواديين تحت لوحة الصبية, وقبري القتيلين في معركة الشامية تحت لوحة الشامية, وقبري التسعة الرهط تحت صخرة المعاهدات في الشرقي, وقبراً في الشرقي في كهف ليس جواره ما يدل على أهميته ولا يمكن الجزم أنه ثمودي, ولا أدري لم دفن منفرداً في قفر؟ وهذا القبر قريب من حفرة الحبوب التي سيرد ذكرها, لعله أحد من حفروها مات أثناء العمل فدفن غير بعيد عنها, ولم يحمل إلى المقبرة, ولهذا السبب لا يزال في ذهني سؤال عن ثمود هل كانوا يحرقون موتاهم؟, لا أظن فهم أمة أرسل لهم رسول, ولم يرد في القرآن ذكر لذلك, والرمم التي ذكرت تنفي مثل هذا الظن, أم أن لهم مقبرة في مجاهيل الجبل لم أزرها بعد, الأمر المرجح عقلاً أن يكون لهم جوار كل موقع تقوم حوله حياة ومساكن مقبرة, حتى لا يتطلب دفن الموتى سفراً, فإذا كانت هذه المقبرة التي عثرنا عليها في الشامية ثمودية فأين المقابر في الشرقي والواديين وبقعة بن فيصل, ولقد سألت شعبان هل هم الآن يدفنون موتاهم على نفس المنوال فوق الأرض فأجاب بالنفي فترجح لديّ أن تلك المقبرة موغلة في القدم, وما هي إلاّ أيام على إقامتي في جدة حتى خطر لي خاطر, لقد قلت لنفسي لا بد من العودة إلى تلك المقبرة والتأكد من قبورها هل هي موجهة للقبلة فنحكم أن موتاها مسلمون أو هي إلى غير القبلة فنحكم أن عمرها لا يقل عن ألف وخمسمائة سنة, لذلك عدت أدراجي وقد اصطحبت معي بوصلة وآلة لتحديد القبلة, وقبل وصولنا إلى المقبرة بمسافة قصيرة رأيت مقبرة تشبهها ظننتها هي, فترجلت لأعاين قبورها, ولكن شعبان هتف بي إنها ليست التي نريد, ولم أجبه بل أخذت ومعي يحيى الشمراني نعاين القبور ونحدد القبلة, وسألنا شعبان إن كانت القبلة كما تشير الآلة فأجاب بنعم فهالنا أن نجد جميع القبور غير موجهة للقبلة, ومعظمها في اتجاه واحد, فحكمت دون تردد أن عمرها أكثر من ألف وخمسمائة سنة, وقلت إن لم تكن ثمودية فهي أثرية وذات أهمية تاريخية, والله وحده يعلم كم كانت فرحتي وفرحة الإخوة المرافقين بهذا الكشف, وقلت في سري إن هذه الأمة وإن تكن غير إسلامية فإن لها اعتقاداً ما في دفن الموتى, فجميع القبور تمتد طولياُ في اتجاه واحد, ثم توجهنا إلى المقبرة الأخرى لأجبر خاطر شعبان, وإلاّ فقد اكتفى عقلي بهذه المقبرة, وفي نفس اتجاه قبور المقبرة التي عاينا وجدت قبور المقبرة الثانية, تنحرف عن القبلة في نفس الإتجاه, وسرت خطوات مع صف القبور فرأيت عدداً يسيراً من القبور تنحرف عن عامة المقبرة في اتجاه آخر, ولا تتجه إلى القبلة, وقبراً واحداً منفرداً يتجه إلى القبلة, وذهبت أفلسف الأمر فقدرت أن أصحاب المقبرتين أهل ملتين, وداخلني بعض الشك بسبب القبر المنـفرد, ورحت أسأل شعبان فكان يصر أن المقبرة سابقة للإسلام فقبورها إلى غير القبلة, ومرتفعة عن مستوى الأرض بمتر أحياناً, وبرغم هاتين الحجتين بقي في نفسي شيء ولكنه ظن وارتياب لا يدعمه دليل, وفي الطريق وجدنا شيخاً ينيف على السبعين أشار لنا أن نحمله معنا وما أن أخذ مجلسه حتى أمطرته بالأسئلة عن المقبرة لحاجتي للمعلومة اليقينية, فأكد لي قدمها, وأن لا أحد يعرف تاريخها فسألته إن كان أدرك الناس وهم يقبرون فيها فأجاب بنعم, حين كان صغيراً في سن الصبا, فتعجبت وقلت بإنكار شديد كيف والقبور موجهة لغير القبلة؟, فضحك وقال والله ما عرفنا الإسلام إلاّ من اثنتين وخمسين سنة, ومراده ما تفقهنا في الدين إلاّ منذ كيت وكيت وأردف ولقد كنا ندفن موتانا كيفما اتفق, وكان يشير بقوله هذا إلى عام 1374هـ حين أدخلت الدولة إلى جبلهم عنوة من يعلمهم ويفقههم في الدين, وكانوا في عزلة لا يدخل موطنهم غريب وأصبحوا على ما هم عليه الآن, إن الزائر ليسر من محافظتهم على الصلوات الأميّ منهم والمتعلم, ولا أظن دولة دخلت جبل القهر قبل ذلك على مر التاريخ, إنه قلعة طبيعية وحجر حصين, لذلك لم يكن الشيخ مجانباً للصواب في قوله, ولكنه أحال فرحتي بالمقبرة إلى ترحة, كم كنت أتمنى أن يثبت أنها من العصر الجاهلي على الأقل, فعدت أسأل نفسي أين مقابر ثمود؟, فكل جبال جبل القهر تشهد أن ثمود عاشت هنا, لقد ترجح لدي أن بعض قبور المقابر الحالية القريبة من المزارع والمساكن داخل الجبل ثمودية, وأن الناس في هذا الجبل توارثوا مقابر ثمود وطريقتهم في بناء القبور الآنف بيانها حتى كان عام 1374هـ فعرفوا حفر القبور ودفن الموتى وتوجيههم إلى القبلة, ولعل الآثاريين إن قدر لهم أن يزوروا جبل القهر ويشاهدوا أعظم آثار جزيرة العرب أن يجلوا لنا علامة الاستفهام هذه, إن عدم معرفة قبائل الريث بتوجيه موتاهم إلى القبلة يؤكد أن إدعاءهم أن ناقة صالح كانت بأرضهم معلومة متوارثة تناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل, لا عن قراءة في كتاب, وهذا يزيد يقيننا أن ثمود كانت في هذا الجبل الحجر الممتنع. ![]() مـقـبـرة الـشـامـيـة. صورة رقم (54) ![]() أحد قبور مقبرة الشامية يقارب طوله الثلاثة أمتار. صورة رقم (55) ![]() قبر آخر طوله ثلاثة أمتار تقريباً. صورة رقم (56) ![]() مجموعة من قبور مقبرة الشامية. صورة رقم (57) يتبع
|
#6
|
|||
|
|||
![]()
حفرة الحبوب حين سمعت أن حفرة في الشرقي " أي الجهة الشرقية من القهر" محفورة في الصخر توجهت إليها, فوجدت حفرة محفورة بإتقان لا نستطيع بالمثاقب الحالية التي تعمل بضغط الهواء أو بالكهرباء أن نحفر مثلها دون أن يتشظى الصخر من حولها برغم أنها محفورة في صخر رملي, وقطر فوهة هذه الحفرة 54 سم وتنبسط قليلاً في الأعلى إلى 82 سم, حيث موضع الصخرة الغطاء التي تسد بها عند اللزوم وعمقها "الحفرة" 150سم, وتتسع كلما اقتربت من القاعدة, وليس في جبل القهر على شاكلتها حفرة سواها, وقد سألت إن كانت تستعمل لشيء فقيل فيما مضى كان يوضع فيها الحب "الطعام" عند الخوف وتسد فوهتها بصفاة وتطين, فإذا ارتحل عنها أهل ذلك الموضع لا يهتدي الأعداء إليها, فإذا أمنوا وعادوا إلى الديار وجدوا الحب بداخلها سليماً, وهذا الكلام إن صح فإنه يقتضي أن يكون الحب المدفون نوعاً واحداً لا أكثر إما دخناً أو ذرة, كما يشير إلى خلافات كانت تقع بين عشائر الريث فوصول القبائل المجاورة إليهم محال, ويغلب على ظني أن هذه الحفرة غير ثمودية وأنها حفرت في وقت متأخر, واخبرني يمني أن في قرى صعدة حفر مشابهة وأظن في إريتريا كذلك, وربما في أماكن أخرى من السراة. ![]() حفرة الحبوب في الشرقي. صورة رقم (58) ![]() قبر داخل كهف في ذروة جبل قرب حفرة الحبوب... ربما يكون لواحد ممن حفروا الحفرة؟ صورة رقم (59) ![]() قمة الجبل سليمة من النحت باقية على حالها وما فوق الغار تبدو آثار النحت فيه جلية. صورة رقم (60) يتبع
|
#7
|
|||
|
|||
![]()
حفرة الحبوب حين سمعت أن حفرة في الشرقي " أي الجهة الشرقية من القهر" محفورة في الصخر توجهت إليها, فوجدت حفرة محفورة بإتقان لا نستطيع بالمثاقب الحالية التي تعمل بضغط الهواء أو بالكهرباء أن نحفر مثلها دون أن يتشظى الصخر من حولها برغم أنها محفورة في صخر رملي, وقطر فوهة هذه الحفرة 54 سم وتنبسط قليلاً في الأعلى إلى 82 سم, حيث موضع الصخرة الغطاء التي تسد بها عند اللزوم وعمقها "الحفرة" 150سم, وتتسع كلما اقتربت من القاعدة, وليس في جبل القهر على شاكلتها حفرة سواها, وقد سألت إن كانت تستعمل لشيء فقيل فيما مضى كان يوضع فيها الحب "الطعام" عند الخوف وتسد فوهتها بصفاة وتطين, فإذا ارتحل عنها أهل ذلك الموضع لا يهتدي الأعداء إليها, فإذا أمنوا وعادوا إلى الديار وجدوا الحب بداخلها سليماً, وهذا الكلام إن صح فإنه يقتضي أن يكون الحب المدفون نوعاً واحداً لا أكثر إما دخناً أو ذرة, كما يشير إلى خلافات كانت تقع بين عشائر الريث فوصول القبائل المجاورة إليهم محال, ويغلب على ظني أن هذه الحفرة غير ثمودية وأنها حفرت في وقت متأخر, واخبرني يمني أن في قرى صعدة حفر مشابهة وأظن في إريتريا كذلك, وربما في أماكن أخرى من السراة. ![]() حفرة الحبوب في الشرقي. صورة رقم (58) ![]() قبر داخل كهف في ذروة جبل قرب حفرة الحبوب... ربما يكون لواحد ممن حفروا الحفرة؟ صورة رقم (59) ![]() قمة الجبل سليمة من النحت باقية على حالها وما فوق الغار تبدو آثار النحت فيه جلية. صورة رقم (60) يتبع
|
#8
|
|||
|
|||
![]()
في كل مرة ينحسر القناع شعرة هذه الحضارة التي أتردد عليها كالحسناء المقنعة الراغبة المتمنعة التي تكشف مرة عن حاجب وأخرى عن عين وتارة عن شفة وهكذا, فكلما عدت من زيارة عمل وعناء بمعلومات أقول هي الأخيرة, ما أن تمر أيام حتى تثور في ذهني أسئلة تتطلب مني العودة للبحث عن إجاباتها, فأعود وأنا أعلم مشقة زيارة تلك الأرض الوعرة وتمنحني كل زيارة زيادة على إجابة الأسئلة التي بذهني معلومة جديدة, فتكشف عن معلم جديد وشاهد عملاق من أعمال ثمود, كنت أمر به دون أن أتنبه له, وأول هذه المعالم جبل سميته الجبل المربع. الجبل المربع: ويقع جنوب قارة البعير, وهذا الجبل أقرب ما يكون إلى الشرقي, وذروته أو قل ثلثه العلوي منحوت على هيئة تجعله متماثلاً من الأربع الجهات, ومخلفات النحت لا تزال على صفحته, تشبه مخلفات شق ورصف الطرق الجبلية, حيث يتهيل الحصى والأتربة على صفحة الجبل على امتداد الطريق, ولأن ذروة هذا الجبل منحوتة على هيئة تشبه جنباتها الأربع بعضها بعضاً, لذلك فقد يتغير موقعك منه دون أن تتنبه, من الغرب إلى الشمال أو من الشمال للشرق, وفي تشابه جنبات ذروته قدر من الإتقان يثير الإعجاب, وإن لم يكن متطابقاً كل التطابق, فهو تشكيل لجبل بالقداديم وليس تشكيل قطعة حلوى, ولأن هذا الجبل لا تصل إليه السيارة لم أقترب منه ناهيك عن صعوده, وأخبرني بعض الرعاة أنهم صعدوه إلى ما دون النحت, ويخيل إليّ أن الجزء المنحوت يحول دون اعتلائه. ![]() الجبل المربع من إحدى جهاته. صورة رقم (61) المتناظران جبلان عظيمان في الشرقي على جانبي الوادي جوار صخرة المعاهدات بينها وبين الأكمة التي خرجت منها الناقة, ذاهبان في السماء, وهما منحوتان من الذروة إلى القاعدة في شكل يثير الإعجاب ويبهر العقل, شكل في غاية الجمال ولكن التعب حال بيني وبين تصويرهما, ويتعذر تصويرهما أو أحدهما من القمة إلى مسيل الوادي بآلة التصوير التي لدي, ويمكن تصوير جزء منهما إذا استلقيت على ظهري على رمال الوادي, ولن يبين جمال نحتهما إلاّ بآلة تصوير تلفزيوني. ![]() رسمة طير في أحد الجبلين المتناظرين. صورة رقم (62) ![]() شكل يشبه رأس بطة مرسوم في الجبلين المتناظرين. صورة رقم (63) الجبل المموج الجبال المنحوتة في جبل القهر أكثر من أن تحصى, وكثير منها منحوت على هيئة مدرجات, وفي الغالب ينتهي الجبل في أعلاه بما يشبه القبعة أو رأس أبي الهول وفي الشرقي كثير من هذه النحوت, وفي الواديين بقدر أقل, أما في الشامية فأظن أنه كان بينها وبين الشرقي تنافس في نحت الجبال, وأجمل ما رأيت على هذه الشاكلة جبلاً في الشامية على يمين الطريق وبعيداً عنها منحوتاً في مدرجات تراه فلا تشبهه إلاّ بموج البحر يتبع بعضه بعضاً, لا شك أن ثمود لم تكن تنحت الجبال لحاجة ليس إلاّ, فاعتقادي أنه كان للتفاخر والبطر دور في نحت بعضها. ![]() الجبل المموج (الشامية). صورة رقم (64)
|
#9
|
|||
|
|||
![]()
في بيت ثمودي للمفسرين فيمن آمن من ثمود قولان, أحدهما أنهم خرجوا من ديارهم حين أنذر قومهم العذاب ثم عادوا إليها فيما بعد, وقول يرى أصحابه أنهم خرجوا من ديارهم ومواطنهم ولم يعودوا إليها, ولا أريد أن أناقش الرأيين برغم أن لي فيهما قول, ولكن الذي لا مرية فيه أن أبناء إسماعيل سكنوا هذا الجبل وعرفوا بيوت ثمود وسكنوها وبنوا على منوالها ما يناسب أجسامهم وحاجاتهم, لقد وجدوا جبالاً منحوتة وتحت البعض منها بيوتاً سليمة أو متهدمة فكانت لهم خير مرشد, ولا يزال البعض القليل من الناس يبني مثل هذه البيوت ويسكنها, وقال لي أحدهم إن الذباب لا يدخلها وإذا صح هذا القول فذلك يعود لهندسة النحت, ولقد تيسر لنا دخول بيت ثمودي مهجور منذ أمد بعيد, يتكون من غرفتين منفصلتين متجاورتين, يمثل الجزء المنحوت من الجبل الجدار الداخلي الخلفي لكل غرفة, كما يكون الجبل جزءاً من السقف, أما ما تبقى من السقف فمن القلام وجذوع الشجر, وإحداهما أوسع من الأخرى, يغلب على ظني أن الصغرى كانت مطبخاً والأخرى سكناً, فجدار الصغرى يضرب إلى السواد, إذ تبدو عليه ما يشبه آثار الدخان المتصاعد عن الطبخ, وبجوار الغرفتين حائط متهدم أظنه كان يستعمل زريبة للمواشي, ربما أنه كان متصلاً بذروة الجبل ليكون دافئاً للماشية في فصل الشتاء, وفي الغرفة المطبخ وجدنا رفاً موضوعاً عليه بعض الآنية غير المستعملة في وقتنا الحاضر, و لقد كانت تستعمل في الماضي القريب, وجدناها موضوعة على رف من الصخر, وهذا الرف يتكون من صفاة مثبتة في الجدار بثقل ما فوقها من الحجارة المرصوصة فوق بعضها وبقليل من الخلب, والجدار المبني فيه خلب من الداخل يسد فراغاته, وليس هو على هيئة ملاط يجعل الجدار أملس, كما نفعل بالجص والإسمنت, أما الباب فمنخفض جداً في الغرفتين يحتاج الداخل إلى الانحناء كثيراً حتى يلج فيه, وباب الغرفة التي للسكن له مصراعان, أظنهما من خشب السدر, أما باب المطبخ فمن مصراع واحد وفتحة الباب ضيقة, وهذا يدل على نحافة أجساد ساكنيه,لقد كان دخولنا الغرفتين غير مريح, بل يثير الضيق وهو لمرة واحدة, فكيف كان ساكنو هذا البيت يدخلون ويخرجون آناء الليل وآناء النهار, ومرد ضيق الأبواب في هذا البيت الثمودي فيما أظن عائد للعرف والعادة ولدفع برد الشتاء ولذوق سكانه, وإن كان يوحي بقصر قامات ساكنيه ونحافة أجسادهم, وقد رأينا بيوتاً على شاكلته أبوابها في علوّ أبوبنا أو تقل شيئاً يسيراً, وكانت رؤيتنا لها عن بعد يسير, ولقد أثار تعجبي عدم وجود أي رائحة غير مستحبة في هذا البيت المهجور, وكأن ساكنيه غادروه قبل وصولنا بأيام. ![]() الغرفتان الثموديتان في الأعلى. صورة رقم (65) ![]() إحدى الغرفتين من الخارج (البناء قديم ومتقن). صورة رقم (66) ![]() الجدار المبني من البيت الثمودي (من الداخل). صورة رقم (67) ![]() مشجب من الخشب مثبت في الجدار المبني. صورة رقم (68) ![]() البيت الثمودي من الداخل "غرفة الطبخ" (الشامية). " الجدار المنحوت من الجبل" صورة رقم (69) ![]() أخشاب السقف في البيت الثمودي. صورة رقم (70) ![]() القطعة البيضاء في الصورة هي مفتاح من الخشب للباب موضوع على نتوء من الجدار المنحوت من الجبل. صورة رقم (71) ![]() رف من الصفا مثبت في الجدار المبني من الحجارة بالخلب وبثقل الحجارة التي تعلوه. صورة رقم (72) ![]() سارية البيت الثمودي التي تحمل السقف المكون من القصب وأغصان الشجر. صورة رقم (73) ![]() آنية وجدناها في البيت الثمودي. (ليست ثمودية كانت تستعمل إلى عهد قريب). صورة رقم (74) يتبع
|
#10
|
|||
|
|||
![]()
دلائل أخرى ![]() هذا الجبل منحوت من أكثر من جهة وقمته منحوتة على شكل رأس أبي الهول ( أو رأس حيّة كبرى) وأسفل منه يشبه الفناء (الشرقي). صورة رقم (75) ![]() قمة الجبل منحوتة في هيئة تشبه رأس أبي الهول (الشرقي). صورة رقم (76) ![]() جبل منحوت في الشرقي. صورة رقم (77) ![]() جبل آخر منحوت مدرجات في الشرقي. صورة رقم (78) ![]() جبل منحوت في الشرقي أسفله رسم. صورة رقم (79) ![]() جبال منحوتة مدرجات في الشرقي. صورة رقم (80) ![]() نحت في صفحة الجبل. صورة رقم (81) ![]() نحت بارز في جبل يقع في الواديين يقع أسفل منه بيت ثمودي. صورة رقم (82) يتبع
|
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|