حوار الكرابيج
في أمسية نادي جازان الأدبي عن آثار جبل القهر، لم يتسع لي الوقت لأجيب عن كل الأسئلة، لذلك نشرت رداً متكاملاً، تناولت فيه الأحاديث الواردة في غزوة تبوك، وقد أشرت للأخوة في شبكة البراري بالرابط الذي يوجد فيه ذلك الرد، رابط مسامرة نادي جيزان عن اكتشافات أبوعامرية الآثارية, ******حرر********* , حتى لا تتكرر عين الأسئلة ونفس الأجوبة، ولكني فوجئت بتكرار عين الأسئلة، وها أنا أعيد نشر الرابط، فمن كان له رأي، فليكن طعناً في فهمي أو شرحي للأحاديث الواردة في ردي على مسامرة جيزان، لا بإعادة نفس الأسئلة، وأن نبتعد في حوارنا عن العجب وحب الظهور، وأن تكون المعرفة غايتنا، وأن لا نجعل محبة الله ورسوله وصحابته ذريعة كاذبة للانتصار للذات، أو كلمة حق يراد بها باطل, فكلنا إن شاء الله محب لله ولرسوله ولصحابته، حباً صادقاً لا ادعاء فيه ولا تصنع ممن يتزهد ليقال زاهد، أو يلبس ثوب شهرة ليقال عابد، ما نفع الرياء والله يعلم السر وأخفى، ولست من رجال الحديث، لذلك أترك تتبع رواة الأحاديث لأهل الحديث، ولكني أعلم أن الأدلة إما أن تكون قطعية الدلالة والثبوت، أو ظنية الدلالة قطعية الثبوت, أو ظنية الدلالة والثبوت، أو قطعية الدلالة ظنية الثبوت، وإذا كان في الحديث الصحيح والمتواتر والحسن، فإن منها الضعيف والمرسل والموقوف، بل والموضوع, وقد قيض الله للحديث رجالاً نقوا الكثير من شوائبه، ولكن إذا وجدنا حديثاً يتعارض مع كتاب الله، أو يتعارض مع العقل، ولم نجد له وجهاً للتأول، أليس الواجب وعلى أقل تقدير، أن نشير إلى هذا التعارض، ذلك ما سأفعله.
أشار أحد الأخوة بحديث أورده ابن كثير في تفسيره، وهو في اعتقادي ظني الثبوت، ويريد مني إلا أن آخذ به، رغم أنه يتعارض مع العقل ومع كتاب الله، ومنطق صاحبي هذا يدل على أنه ينظر إلى صحابة رسول الله كمعصومين، وأن البخاري ومسلم وأصحاب السنن، جلسوا إلى صحابة رسول الله وجهاً لوجه ونقلوا عنهم دون واسطة، لا رواية في الأمر ولا رواة، مثل هذا تحاوره!!، لذلك قررت عدم محاورة من كان على هذه الشاكلة، وسوف أورد رأيي, وأتناول أي سؤال وأي استفسار، دون توجيه الرد إلي شخص مباشرة, إلا من أرى انه يستحق الرد والمحاورة، وسوف أبين للقارئ رأيي في هذا الحديث، وأرجو من القارئ أن لا ينسى أن حوارنا يدور حول:
- هل آثار وادي القرى ثمودية ؟ ، وقبل أن أتناول الحديث المشار إليه سأورد كلاماً لجرجي زيدان في كتابه العرب قبل الإسلام، عن آثار حجر وادي القرى، وعليه جميع علماء الآثار، وأنا أستشهد به، إذ ليس بين يدي أي شيء للدكتور الفاضل عبد الرحمن الأنصاري، أو أي عالم آثار سعودي.
قال جرجي زيدان: أما الثابت من قراءة الآثار: أن مدائن صالح "الحجر" دخلت قبل تاريخ الميلاد في حوزة النبطيين، والأطلال المشار إليها زارها غير واحد من المستشرقين كما ذكرناه في مقدمة هذا الكتاب، ودرسوا بقاياها، وهي منقوشة في الصخر، أهمها أنقاض تعرف بقصر البنت وقبر الباشا والقلعة والبرج، وقرءوا ما عليها من نقوش نبطية، فإذا أكثرها أو كلها تبركات منقوشة على القبور، وهذا مثال منها:
هذا القبر الذي بنته كمكم بنت وائلة بنت حرم وكليبة ابنتها لأنفسهن وذريتهن في أشهر طيبة من السنة التاسعة للحارث ملك النبطيين محب شعبه، فعسى ذو الشرى وعرشه، واللات وعمند ومنوت وقيس، تلعن من يبيع هذا القبر أو يشتريه أو يرهنه، أو يخرج منه جثة أو عضواً، أو يدفن أحداً غير كمكم وابنتها وذريتها، ومن يخالف ما كتب عليه، فيلعنه ذو الشرى وهبل ومنوت خمس لعنات، ويغرم الساحر، غرامة مقدارها ألف درهم حارثي، إلا من كان بيده تصريح من يد كمكم أو كليبة ابنتها بشأن هذا القبر.
وأنا أسأل من اشتهروا بالعصبية القطرية هل هذا النص ثمودي؟!!
يلاحظ ذكر تاريخ كتابة النص، فقد كتب زمن ملك النبطيين الحارث، في أشهر طيبة وقد غلب على شمال الجزيرة العربية في تلك الفترة، استعمال الأشهر القبطية وكان العرب في تهامة يستعلمون حسابين فلكيين، الأشهر القمرية من أجل شعيرة الحج، ومنازل القمر على حساب ربيع تهامة، وليس على حساب ربيع العراق، والأشهر القبطية توافق حساب الأبراج، كل شهر ثلاثين يوماً، وهي كمنازل القمر في تهامة، متعلقة بمواسم القطر والبذر، والسنة القبطية فيما أعلم تبدأ بأول يوم من تساوي الليل والنهار، أي يوم واحد الميزان، بشهر توت، وتنتهي بشهر مسري، الموافق لبرج السنبلة، وأقباط مصر أعرف مني بهذا الحساب، وقد أصاب الأقباط، إذ جعلوا السنة تبدأ بتساوي الليل والنهار، لولا أنهم جعلوا السنة ثلاثمائة وستين يوماً، في حين أن دورة الأرض حول الشمس 364 يوماً، وحساب منازل القمر في تهامة، هو أفضل رصد لحركة الشمس وتبدل الهواء وحركة الفصول، والفرق بين حساب تهامة وحساب الفلكيين ثلاث منازل وأحد عشر يوماً، يتقدم فيها حساب تهامة، أي ستون يوماً، وقد عرف صحابة رسول الله منازل القمر، بل أظن هذا العلم نشأ في تهامة وانتشر في سائر الجزيرة العربية حتى وصل السودان.
أراني بعدت قليلاً عن لب الموضوع فأقول إن النص النبطي الآنف، الموجود على قبر كسائر القبور الموجودة في مدائن صالح، يدل على حداثة هذه الآثار، التي عاشت قبيل الميلاد وأظن الميلاد أدركها، لم أستوف موضوع البعد الزمني الشاسع بين حضارة ثمود، وآثار مدائن صالح، لأني مضطر للانتقال للحديث الذي أشار إليه أحد المحاورين، حتى لا يقال إني أتهرب من الإجابة، لذا أضيف قبل أن أختم هذا المقال.
للنسابين في نسب النبطيين أقوال، فمن قائل أنهم من ذرية نابت بن مدين بن إبراهيم ومن قائل نابت بن إسماعيل بن إبراهيم، وفي مدين
أنه ابن إبراهيم، وقول آخر أنه ابن واحد ممن آمن بإبراهيم عليه السلام, وجدته
لأبيه بنت نبي الله لوط عليه السلام، وقد لا يصح من هذا القول شيء، المهم أن الأنباط ومدين أمتان متجاورتان متقاربتان زمناً ومكاناً، نزل بإحداها العذاب ولم ينزل بالأخرى.
هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية..