المرأة في الإسلام
لقد أكرمَ الإسلامُ المرأةَ ورفع مكانتها بين العالمين، ومن ذلك:
1/ أن دينَ الإسلامِ أعاد للمرأةِ إنسانيتها .
قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )) (الحجرات:13) فذكرَ سُبحانه أنَّها شريكة الرجل في مبدأ الإنسانية ، في حينِ كان النصارى يشكونَ هل هي إنسان!- كما هي شريكةُ الرجــل في الثوابِ والعقابِ على العمــــل (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97)، وقال تعالى: (( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ )) الأحزاب:73 .
وقال المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّما النساءُ شقائقُ الرجال)) (رواه أحمد و أبو داود وصححه والألباني).
قال الخطابي في معالمِ السُنن: "أي : نظائرُهم وأمثالُهم في الخلقِ والطباع، فكأنهنَّ شُققن من الرجال".
2 / أنَّهُ جعلَ المرأةَ مثلاً يُضرب للمؤمنين والمؤمنات.
فقد أشادَ بموقفِ ملكة سبأ (بلقيس) التي كانت في عهدِ سليمان- عليه السلام- وكيف أنَّها كانت سبباً في تحوّل قومِها من الشركِ للتوحيد، وذكرَ موقفُ آسيا- امرأةُ فرعون- في القرآن، وجعلهُ من أعظمِ الأمثلةِ في الثبات على الحق.
3 / أنَّهُ أكرمها أماً :
ويكفي شاهداً لذلك الحديث الذي رواه أبو هريرةَ- رضي الله عنه- قال : (( جاء رجلٌ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أُمك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أُمك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أُمك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أبوك)) (أخرجه البخاري) .
4 / وأكرمَ المرأة أختاً .
فعن أبي رمثةَ- رضي الله عنه- قال: "انتهيتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسمعتهُ يقول : (( برَّ أمكَ وأباك، وأختكَ وأخاك، ثُمَّ أدناك أدناك)) (أخرجه الحاكم والإمام أحمد وصححه الألباني).
ولنتأملَ كيف قدمَّ الأمُّ على الأبِ، وكذا قدَّم الأختُ على الأخ!
5 / وكرمها بنتاً .
فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( من عال جاريتين حتى تبلغا جاءَ يومَ القيامة أنا وهو)) ـ وضم أصابعه ـ أي : معاً. (أخرجه مسلم برقم2631).
6/ وصانها بالزواج الصحيح .
وجعل بين الزوجين المحبةَ والمودةَ والرحمة، قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الروم:21)
وقال تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )) (البقرة:228).
ولعلَ من أعظمِ ما يدلُّ على علوِّ شأنِ المرأةِ في الإسلام ورفعةِ مكانتها: وصيةُ النبي- صلى الله عليه وسلم- بها في أكبرِ مجمعٍ إسلامي في حجةِ الوداع، عندما قال -صلى الله عليه وسلم-: (( استوصوا بالنساء خيرا)) رواه البخاري (9/218) في النكاح).
7/ وأكَّد حقها في الدفاعِ عن نفسها في حال شقاقها مع زوجها .
وعرض الخلاف على محكمةٍ مختصة، قال تعالى : (( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا )) (النساء:35).
8/ وجعلَ عقابُ من قذفها ثمانين جلدة .
قال تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (النور:4).
9/ ومنها أنَّ مبايعةَ النبي- صلى الله عليه وسلم- للنساء كالرجال.
قال الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-: "كان النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُبايعُ الرجالَ على السمع والطاعة والنصرة، وكانت أولَّ بيعةٍ منه لنقباءِ الأنصار في عقبةِ منى قبل الهجرة، على بيعة النساء، كما في السيرة ـ ولكن آيةُ بيعةِ النساءِ لم تكن نزلت، وبايعهم البيعةُ الثانية الكبيرة ِعلى منعه ـ أي حمايته ـ ممَّا يمنعون منه نساءَهم وأبناءَهم، وبايع المؤمنين تحت الشجرةِ في الحُديبية، على أن لا يفروا من الموت، سنة ستٍ من الهجرة. وخصَّت بيعةُ النساء بذكر نصِّها في سورة الممتحنة، وهو قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (الممتحنة:12) .
نزلت يوم فتح مكة، وبايع النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- بها النساء على الصفا بعد ما فرغ من بيعةِ الرجالِ على الإسلام والجهاد، وكان عُمر بن الخطاب يبلغهُ عنهنَّ وهو واقفٌ أسفلَ منه" اهـ.
10/ ومن إكرامِ اللهِ عزّ وجل للزوجة أن جعلَ لها حقوقاً حماها الشرع ، وينفذها القضاء عند التشاحن .
وليست تلك الحقوق موكولةً إلى ضميرِ الزوج فحسب، وليس المقامُ مقامُ بسطها، وإنَّما هي لمحةٌ عابرةٌ لبعض حقوقها عليه:
11/ المهر .
وهو عطيةٌ محضة، فرضها اللهُ للمرأة، ليست مقابل شيءٍ يجبُ عليها بذلهُ إلا الوفاءَ بحق الزوجية، كما أنَّهُ لا يقبلُ الإسقاط، ولو رضيت المرأةُ، إلا بعد العقد(( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)) (النساء:4).
12/ النفقة عليها بالمعروف .
(( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) (البقرة:233).
13/ السكنُ والملبس.
(( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)) (الطلاق:6).
14/ وبجانبِ هذه الحقوقِ المادية لها حقوقٌ معنوية أخرى :
* فهي حُرةٌ في اختيار زوجها ، وليس لأبيها أن يُكرهها على ما لا تريد، قال صلى الله عليه وسلم: (( لا تُنكحُ البكرُ حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر)) (أخرجه البخاري).
* يجبُ على زوجها أن يُعلِّمها أصولِ دينها : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )) (التحريم:6).
قال الألوسي ـ رحمه الله ـ : "استدلَ بها على أنَّهُ يجبُ على الرجلِ تعلمُ ما يجبُ من الفرائض وتعليمه لهؤلاء".
* أن يَغار عليها ويصونها من العيونِ الشريرةِ، والنفوسُ الشرهة، فلا يُوردُها موارد الفساد، ولا يغشى بها دُورَ اللهو والخلاعة، ولا ينزعُ حجابها بحجةِ المدنيةِ والتطور.
* أن يترفَّع عن تلمسِ عثراتها، وإحصاءِ سقطاتها، ولذا كان النبيُّ- صلى اللهُ عليه وسلم- يكرهُ أن يأتيَّ الرجلُ أهلهُ طروقاً، والطروق: المجيءُ بالليل من سفرٍ أو من غيره، على غفلة.
* وأخيراً، فإنَّ عليه أن يُعاشرها بالمعروف والإحسان، فلا يستفزَّهُ بعضُ خطئها، أو ينسيه بعضُ إساءتها (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)) (النساء:19).
ويقولُ النبي- صلى الله عليه وسلم- : (( لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منــها آخر)) (رواه مسلم 1269) يفرك: يبغض ـ والفرك : البغض .
نسألهُ تعالى أن يجعلَ نساءَ المسلمين قدوةً لغيرهنَّ ، ويحفظهنَّ من دُعاةِ التبرجِ والسفور،
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
---------------------
(1) عودة الحجاب2/48.
(2) (ص18) .
(3) (عودة الحجاب2/50) .
(4) (ص / 62) .
(5) ذكره في شريطه (المرأة في الغرب) .
(6) قيد الصيد لمحمد العوشن (ص/ 58،57) .
===========================================
https://www.saaid.net/Doat/khabab/1.htm