![]() |
رحلتي إلى مملحة القصب
قبل رحلتي إلى المملحة ؛ أحببت أن أتطرق إلى ما أورده علماء المنازل والديار عن : القصيبة ، والقصبات ، والقصب باليمامة ، والتي هي تعني مكانا واحدا .
قال ياقوت الحموي : القصبات ( بفتح القاف ، والصاد ، والباء ، بعدها ألف ، فتاء ) من قرى اليمامة لم تدخل في صلح خالد بن الوليد أيام مسيلمة ....... وقال : و (( القصيبة )) ( بضم القاف ، وفتح الصاد ، وإسكان الياء ، وفتح الباء ، بعدها هاء ) من أرض اليمامة لتيم ، وعدي ، وعكل ، وثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة .... ثم قال : وقصيبة الفجاج أظنها من نواحي اليمامة ، أقطعها إياه عبد الملك ........ وقال ابن حفصة – الكلام لياقوت - : القصيبة من أرض اليمامة ، لبني أمريء القيس – يقصد ابن تميم - ... وقال الهجري : ثم من الوشم ، الحمادة وهي سهب بين الوشم والعارض .... والقصيبة من الوشم ... وقال في بلاد العرب : وجٌل الوشم لبنيء امرئ القيس : مراة ، وثرمداء ، وأثيفة ، والقصيبة ، وذات غسل ، والشقراء ، وأشيقر . وقال الهمداني : والقصيبتان اللتان ذكرتا في اخبار بني وائل : قصبة الرغام ، والرغام جماع منها : سفوح ، وأرطاة ، والبردان ، والطويل ، وكل ذا فيه نخل كثير ....... ورملة الرغام مشرفة على ثرمداء . وذكرها الهمداني أيضا في الأملاح فقال : فأما الملح الذي يمتلح : فصباح ( ملح الحاجر ) ، و ( ملح الطلفية ) ، وملح ( القصيبة ) ، وملح يبرين ...... فالقصبات ، والقصيبة ، والقصب في اليمامة كلها تعني علما واحدا على الرغم من تباين الأقوال . أما رحلتي فكانت للملحة ، للوقوف على الملح ، وكيفية إنتاجه . لقد أودع الله في هذه الأرض نعمة الملح ، كما أودع نعما كثيرة ، فأصبح الإنسان في قلب الصحراء يجد بغيته من هذا المعدن . ولكي نأخذ من ذلك التراب أملاحا بيضاء ناصعة ؛ هناك عملية لابد منها ؛ وهي ببساطة متناهية (غسل التربة ) مرارا ، ثم ترسيب الأملاح في مكان منخفض ، وبعد تبخر المياه العذبة يبقى الملح في مكانه . في مختلف أنحاء الأرض يتوافر الملح غالبا في تربة جرداء يابسة ذات حجم كبير لا يتناقص إنتاجها رغم كثرة الأمطار ، ورغم قذف الأنهار بآلاف الأطنان سنويا من الملح في البحر. وسبخة القصب تشكل منخفضا وبحيرة صرف قديمة ، مثلها مثل عدد كثير من السبخات و المنخفضات التي زادت فيها نسبة الأملاح ؛ نتيجة قذف الأودية لأملاح ضمن حمولتها المتوالية سنويا ، ونشاط عملية التبخر في ذلك الوسط الجاف . تبعد سبخة القصب عن البلدة حوالي أربعة كيلو مترات إلى الجنوب ، وهي ذات مساحة واسعة ، فهي تقترب من النفوذ الغربي (عريق البلدان ) ، وتصل شرقا إلى الخط المزفت القادم من الرياض إلى القصب ؛ حيث تظهر بعض المعالم لها في شكل مزهرات من الأملاح ، والسبخات في مجاري الوديان الدنيا . ويغذي هذه السبخة أودية الحمادة كلها تقريبا ؛ حيث تتجه الأودية من كل صوب لتستقر ملقية بأحمالها من الطمي والرمال والأملاح مشكلة وسطا من الأرض الفقيرة زراعيا ونباتيا حيث لا يعيش نبات ، ولا ينمو شجر سوى شجيرات الطرفا القزمية ، وبعض الشجيرات التي أصابها شلل في نموها ؛ لوجود الأملاح الشديدة التركيز التي أعاقتها كثيرا ، أما الأعشاب والحشائش فإنها لا توجد. والأرض مستوية تماما في أرض السبخة ، وهذا الاستواء نتيجة طبيعية ، فالرواسب شكلت السطح والمياه جعلته مستويا . وتحاط هذه الأراضي السبخة بأراض أقل أملاحا. ونظرا لجودة تربتها فقد أصبحت مزارع جادت بمحاصيلها من القمح خاصة وقت غزارة الأمطار ، وبعضها يزرع بعليا على الأمطار فقط ، مثل : الحجيرة ، وأعيوج ، وإذا انقطعت الأمطار فترة ولو قصيرة صارت تلك الأراضي ذات تربة تزداد فيها نسبة الملوحة . تبدو عملية إنتاج الملح في ظاهرها لغير العارفين من أبسط أنواع الإنتاج ؛ لأنها لا توجد فيها عملية تحويل ، أو تعديل ، أو زيادة ، أو نقص ؛ بقدر ما تكون عملية حصول على مادة موجودة كما هي بعد كشف الأتربة عنها . ولكن حقيقة الأمر غير هذا ، فإنتاج الملح يتطلب جهدا ووقتا ومتابعة مستمرة ، وهذا يوضح لنا سبب قلة العاملين في هذا النوع من الإنتاج . لا يمكن التصديق بأن ذلك الملح الأبيض النقي خرج من وحل وطين بلون داكن وطين أسود ، ولكنها الحقيقة . إن الشخص يقوم باختيار مكان داخل أرض ((سبخة القصب)) ، ويحدده بواسطة وضع حبوس تمنع السيول التي تداهم أرضه ، ثم يبدأ في حفر جفر الملح ، وتكون أطواله 30x30مترا ، وقد يكون لديه القدرة فيزيد المساحة أكثر من ذلك بكثير . وإذا حفر بعمق حوالي ثلاثة أمتار وانكشف الماء الجوفي ؛ صار معرضا للشمس ؛ فتتبخر المياه منه وتترسب الأملاح ، وهذه الطريقة هي المتبعة في الماضي ، أما الآن فيقوم صاحب المشروع بتعميق أكثر لجزء من الأرض المحفورة ؛ ليصبح بالإمكان تركيب مضخة لسحب المياه ، وهذا الجزء يسمى ((عين الجفر )) ، وهو أساس الإنتاج .وماؤه إن كان صالحا لأن يٌنتج منه الملح صار صاحب المشروع ناجحا ، وخسارته معوضة مستقبلا ، وأحيانا يكون الماء غير مناسب إما لقلة الملوحة ، أو لشدة الملوحة أيضا وبقصر الإنتاج في الماضي على هذه الخطوة ، ويؤخذ الملح من الجزء المعرض للشمس في هذا المكان المحفور ، وكان يكلف صاحبه حوالي عشرة ألاف ريال ، فتبدلت الطريقة ، وزادت التكلفة ، فأصبحت حوالي خمسين ألف ريال وذلك لعجز الآلة الحديثة عن إنهاء العمل ، حيث يحتاج صاحب المشروع لليد العاملة التي تعمل في أرض مليئة بالوحل بأجور عالية ومدة طويلة . أما الخطوة التي تلي هذه فهي تجهيز خزان ضخم بجوار عين الجفر ؛ من أجل وجود رصيد من المياه التي سوف يحتاج إليها باستمرار ، وهذا الخزان من الطين ، و على وجه الأرض لا يرتفع كثيرا ؛ إلا بالقدر الذي يسمح بانسياب المياه منه إلى البرك . ولقد أستبدل الخزان بتمديد أنابيب من المضخة إلى الجفر لملئها باستمرار . ثم يوضع عدد من البرك حسب قدرة كل شخص ، وبأعداد ومساحات مختلفة أيضا ، وهذه البرك هي أساس إنتاج الملح ، وفيها يتم تبخير الماء ، وترسيب الأملاح ، ولم تكن طريقة البرك موجودة حتى فكر أحد المنتجين ( عبدالعزيز بن محمد بن قعيد في عام 1387هـ) بوضع أكبر قدر من المسطحات المائية ، وبأكبر مساحة يمكن أن تتعرض لحرارة الشمس في وقت كانت تقتصر عملية الإنتاج على حفر حفرة واحدة تترك حتى تتبخر مياهها . وهذا التحول الذي قلب عملية الإنتاج تماما من طرق قديمة بطيئة إلى طرق أكثر فائدة واختصارا للوقت ، أدى إلى رحيل كامل من منطقة الإنتاج القديمة المسماة ((الجفارة الدنيا )) إلى مساحة أكبر وارحب تسمى (( الجفارة القصوى )) ، انطلق فيها المنتجون وملؤها بالبرك التي تبدو للناظر من الجو كصفحات كتاب تناثرت أوراقه في سبخة القصب . إن هذه البرك تحتاج إلى ملئها بالماء ، ثم زيادتها يوما بعد آخر ؛ حتى بأتي اليوم الذي تكون البركة المستطيلة الشكل مملوءة بالملح الأبيض الصلب الملمس ، مستغرقة فترة من الزمن تتراوح بين شهرين أو ثلاثة . ويمكن للبركة الواحة أن تنتج مائة ألف كيس ؛ إذا ما أحسن إنشاؤها والعناية بها . لا يبقى الملح في البركة حتى تصديره ، بل لابد من تجفيفه خارج البركة بنقله منها إلى أرض مستوية بجانبها ، وتسمى عملية استخراجه منها ( غثاية الملح ) ، وتكون أكوام الملح بعد جفافها جاهزة للتصدير ؛ إما على حالها أو معبأة في أكياس هي في الغالب من البلاستيك . وتتواصل عملية المراقبة والمتابعة لتكون جزءا لا يتجزأ من كل ما سبق ، ولابد من استمرار عملية التنظيف ، والحماية من آثار السيول ، وما تخلفه وراءها من جرف للتربة وترسيبه في أماكن الحفر ؛ مما يكلف صاحب المشروع الشئ الكثير . ولا بد لكل مشروع مصاعب ومشاكل تواجهه فمن المشاكل : التكاليف العالية التي قد تصل إلى 200 ألف ريال . واحتياج المشروع إلى اليد العاملة المقيمة بجواره دائما ، وعدم بوافر المياه العذبة ، وما يلزم . والملح يكون جيدا إذا كثرت الأمطار وهذا في وسطها ، أما إذا قلت الأمطار فإن الجوانب تكون أفضل من الوسط . المراجع معجم البلدان لياقوت الحموي صفة جزيرة العرب للهمداني معجم اليمامة لعبدالله بن خميس القصب لناصر بن عبدالله الحميضي خريطة تبين موقع المملحة https://www.albrari.com/up/upload/ma11.JPG رسم كروركي للجفارة https://www.albrari.com/up/upload/ma12.JPG عين الجفر وهي جافة https://www.albrari.com/up/upload/qas01.JPG عين الجفر ويلاحظ المضخة فيها https://www.albrari.com/up/upload/qas02.JPG وقد يستخدمون بئرا بدلا من عين الجفر https://www.albrari.com/up/upload/qas03.JPG بركة ملح قبل أو بعد إستخدامها https://www.albrari.com/up/upload/qas04.JPG الماء وهو يصب في جفر الملح https://www.albrari.com/up/upload/qas05.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas06.JPG برك الملح https://www.albrari.com/up/upload/qas07.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas08.JPG يتبع >>>>>> |
<<<<< تابع
جفر ملح في طريقها للجفاف https://www.albrari.com/up/upload/qas09.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas10.JPG جفرة ملح بعد جفاف الماء منها ( ملح ناصع البياض ) https://www.albrari.com/up/upload/qas11.JPG من أكبر جفر الملح كما ذكر لي أحد العاملين هناك https://www.albrari.com/up/upload/qas12.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas13.JPG غثاية الملح وقد تكون بالآلة الحديثة https://www.albrari.com/up/upload/qas14.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas15.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas16.JPG أو بالطريقة اليدوية https://www.albrari.com/up/upload/qas17.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas18.JPG >>>>>>>>>> يتبع |
>>>>>>>>> تابع
========= https://www.albrari.com/up/upload/qas19.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas20.JPG الملح وهو مكوم حتى يجف https://www.albrari.com/up/upload/qas21.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas22.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas23.JPG تعبئة الملح في الأكياس https://www.albrari.com/up/upload/qas24.JPG ========== https://www.albrari.com/up/upload/qas25.JPG يقوم بتعبئة الملح الداكن – غير النقي – ويستخدم لدبغ الجلود https://www.albrari.com/up/upload/qas26.JPG ========= https://www.albrari.com/up/upload/qas27.JPG . ========= إنتهى . |
مشكور يا ابو محمد على الموضوع الرائع بارك الله فيك
|
موضوع أكثر من رائع تشكر عليه
دمت بصحة وعافية أخوي أبو محمد ننتظر إبداعك الجميل من آثار ورحلات أخوك / أبو عابد |
بارك الله فيك اخي ابو محمد
لم اكن اعلم بالطريقة قبل قراءة تقريرك لك كل شكر وتقدير |
ماشاء الله تبارك الله
الله يعطيك العافية اخي الكريم ابو محمد صور وتقرير في غاية الروعة كل الشكر والتقدير دمت في حفظ الله ورعايته |
اخي الكريم : ابو محمد
موضوع ذو شجون وتقرير كامل مدعوما بالصور والشرح المعين على فهم الصور هكذا عهدناك كبيرا في انتقاء المواضيع وكبيرا في الطرح اتحفنا بمواضيعك الرائعه شكرا لك |
وش هالزين ماشاء الله
تسلم |
ياهلا بالمبدع
والله موضوع كله ابداع ماشاء الله |
الساعة الآن 12:32 AM |
Powered by vBulletin .
جميع الحقوق محفوظة © لشبكة ومنتديات البراري 2010