أحمد بن محارب الظفيري يقلب فيما كتبه ابن علوان أول رحالة مر بالكويت ، مستنتجا أن الكويت كانت بلداً مستقراً في القرن السابع عشر

[أحمد الحربي]

21/01/2010 السياسة 01:15:56 ص

أحمد بن محارب الظفيري
21/01/2010
أول رحالة مر بالكويت ودلالات ما كتبه عنها

تراثيات
يستنتج مما كتبه ابن علوان أن الكويت كانت بلداً مستقراً في القرن السابع عشر

ان اول رحالة (مسافر) مر بالكويت هو الرحالة العربي الشامي الحاج مرتضى بن علي بن علوان, لقد غادر دمشق في الشتاء في السادس والعشرين من شهر شوال سنة 1120 هـ (1708م) برفقة محمل الحاج الشامي, وذلك لتأدية فريضة الحج, ومر بالمدينة المنورة, ومنها اتجه الى مكة المكرمة, ووصل الى مكة المكرمة في اليوم الثامن (يوم التروية) من شهر ذي الحجة, وادى فريضة الحج, واقام في مكة اربعين يوما ثم غادر مكة متوجها الى المدينة المنورة لزيارة مسجد الرسول والسلام على الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى صحابته, ولزيارة ما اراد زيارته في المدينة. ثم رحل الحاج مرتضى بن علي بن علوان الى الاحساء مع قافلة الحج الاحسائية. ومن حسن الطالع ان هذا الحاج العربي مرتضى بن علي بن علوان يقرأ ويكتب وكان معه دفتر دون فيه كل مشاهداته وملاحظاته منذ بداية رحلته الى نهايتها, وسمينا هذا الدفتر مجازا »مخطوطة ابن علوان« او »رحلة ابن علوان« وهذه المخطوطة- الدفتر- محفوظة الان في مكتبة برلين (1).
واثناء مروره بنجد متوجها الى الاحساء مدح هواءها وماءها. واليكم ما كتبه في دفتره عن الاحساء يقول: »انها بلدة عظيمة البناء واسعة الرحاب كثيرة المياه تشتمل على عيون جارية وآبار ومساجد وعلماء وصلحاء, محصولها النخيل وجل غلالها التمر مع الرخص«.
ومكث الحاج مرتضى بن علي بن علوان في مدينة الاحساء ثلاثة اسابيع ونصف بسبب اصابته بالمرض, وكان وصوله الى الاحساء في زمن مشيخة الامير سعدون بن محمد بن براك آل حميد الخالدي وهو الحاكم الثالث في الامارة الخالدية, دام حكمه من 1103هـ / 1692 م الى 1135هـ /1723م.
وذكر الحاج مرتضى بن علي بن علوان في دفتره ان اهل الاحساء يطلقون على داخل البلد اسم »الكوت«, بينما يطلقون على بوابة البلد اسم »الدروازة« وعن طريق هذه الدروازة يدخل ويخرج الناس.
اما بخصوص الكويت فلقد ذكر الحاج مرتضى بن علي بن علوان, ان الكويت بلد عامر تشبه الاحساء بعمارتها وابراجها وبيوتها ولكنها اصغر من الاحساء. وذكر مشاهداته قبل وصوله للكويت قادما من الاحساء بثلاثة ايام- وهو في الطريق- انه كان يشاهد كثرة المراكب المبحرة الى ميناء الكويت, وكثرة المراكب الخارجة منه, وذلك لانه كان يسير مع قافلة الجمال القادمة من الاحساء على الطريق البري بمحاذاة ساحل البحر.
ولما وصل الى الكويت ذكر ان الحبوب وجميع المواد الغذائية والبضائع متوفرة في الكويت, وهي ارخص من مثيلاتها في الاحساء وذلك بسبب كثرة الواردات التي تصل الى الكويت,وذكر ان للكويت علاقات تجارية مع البصرة مستمرة يوميا عن طريق الرحلات البحرية. وذكر لنا الرحالة ابن علوان شيئا مهما جدا وهو ان اسم البلد هو »الكويت« وذكر كذلك ان الكويت تسمى ايضا بـ »القرين« مما يؤكد لنا على ان الاسمين كانا متداولين منذ ذلك الزمان.
نص ابن علوان عن الكويت
والان ولكي تكتمل الفائدة, ندون لكم نص ما ذكره الرحالة ابن علوان عن الكويت عندما مر بها في 10 جمادى الاولى سنة 1121 هـ الموافق 27 يوليو 1709 م, حيث قال ما نصه عن الكويت: »دخلنا بلدا يقال لها الكويت بالتصغير (لاحظ انه ذكر بكل وضوح ان اسم البلد هو الكويت) بلد لا بأس بها تشابه الحسا الا انها دونها, ولكن بعمارتها وابراجها تشابهها, وكان معنا حج (يقصد حجاج) من اهل البصرة فرق عنا من هناك على درب يقال له الجهراء, ومن الكويت الى البصرة اربعة ايام (يقصد على الجمال) وفي المركب يوما واحدا لان مينت (يقصد ميناء)البحر على كتف الكويت, واما الفاكهة والبطيخ وغير ذلك من اللوازم يأتي من البصرة في كل يوم في المركب لانها اسكلة (اسكلة: رصيف ميناء) البحر, اقمنا بها يوما وليلتين, وتوجهنا على بركة الله اتجاه النجف الاشرف نهار الاحد عشري الشهر المذكور, وهذه الكويت المذكورة اسمها القرين, ومشينا قبل وصولنا اليها على كنار (كنار: كتف, ساحل) البحر ثلاثة ايام, والمراكب مسايرتنا والمينة (الميناء) على حدود البلدة, من غير فاصلة, وهذه البلدة يأتيها ساير الحبوب من البحر حنطة وغيرها لان ارضها لا تقبل الزراعة حتى ما فيها شيء من النخيل ولا غير شجر اصلا, واسعارها ارخص من الحسا« . (انتهى)
(الكلمات المحصورة بين قوسين داخل النص, هي من عندنا لتوضيح معنى كلمة ابن علوان).
الكويت آمنة ومستقرة وغنية:
ونستنتج من كلام الرحالة ابن علوان ان الكويت كانت بلدا مستقرا آمنا وغنيا, وهذا الوضع له دلالاته المهمة على نظام الحكم الذي كان يحكم البلد في ذلك الزمان, فالحكم كان متمكنا ومستقرا ويدير شؤون البلد, حاضرة وبادية, بكل جدارة وفاعلية مما سهل تبادل المنافع وحماية النشاط البشري في كل مناحي الحياة بكل يسر وسهولة وأمان.
»القرين« اسم فرضة في بلد اسمه قديماً وحديثاً »الكويت«:
كنا فيما مضى وقبل ظهور مخطوطة ابن علوان نعتقد ونرجح ان مسمى »الكويت« قديم لهذا البلد المبارك الذي اصبح فيما بعد »دولة الكويت« وهو اقدم من مسمى »القرين«, وترجيحنا لقدم مسمى »الكويت« لم يأت من فراغ وانما جاء اعتمادا على الموروث الشعبي الذي يردده عربان المنطقة من بادية وحاضرة منذ قديم الزمان على عكس مسمى »القرين« الذي عرفناه من بعض الخرائط والكتب. وكلام الحاج مرتضى بن علي بن علوان الذي دونه في دفتره سنة 1709 م اكد لنا بما لا يقبل الشك ان الاسم الشائع للبلد هو »الكويت« وقال ايضا انه يسمى بـ »القرين« فأبطل ابن علوان الاعتقاد الخاطئ المتداول عند بعض المؤرخين والكتاب القائل: ان القرين اقدم من الكويت, وبذلك قدم لنا الحجة التي تقتل الشك باليقين, فهو يقول في بداية دخوله وكلامه عن البلد: »دخلنا بلدا يقال له الكويت بالتصغير« ثم يقول في اخر كلامه: »وهذه الكويت المذكورة اسمها القرين«. والذي نرجحه اعتمادا على الموروث الشعبي لعربان المنطقة وعلى مخطوطة ابن علوان هو ان اسم الكويت هو الاسم الشامل الكامل للمنطقة كلها بحرا وبرا, بينما اسم القرين هو اسم مكان ضمن مسمى منطقة اكبر منه هي الكويت, اي انه جزء من كل, فالقرين هو اسم لفرضة او ميناء يقع على بحر الكويت, وبالتالي ذاع اسم هذه الفرضة او هذا الميناء لاهميته للبحارة واهل السفن والمسافرين بحرا, فكتبه الهولنديون وغيرهم على خرائطهم البحرية وبجانبه اسم الكويت لان اصحاب الخرائط التي وصلت الينا هم بالاساس رجال بحر واصحاب سفن واساطيل ويتعاملون مع الموانئ والفرض البحرية.
مسمى »شيخ القرين« ليس حجة على أقدمية القرين:
بعض الكتاب والمؤرخين يدلل على اقدمية »القرين« بحجة ان بعض الاجانب من اصحاب السفن وبعض الموظفين والقناصل وصفوا شيخ الكويت في مراسلاتهم ومذكراتهم بمسمى »شيخ القرين« وهذا الامر جائز, فشيخ البلد هو شيخ لكل معالم واماكن ومواقع البلد, فهو شيخ لكل ميناء ولكل مدينة ولكل قرية تقع ضمن مساحة بلده, وبالتالي فان هذه الكتابات لا يعتد بها للتدليل على قدم القرين, فكل الخرائط الاجنبية القديمة كتبت الاسمين معا »الكويت + القرين«.
»الكوت« و»الكويت«... المعنى والأصل:
بخصوص كلمة »الكوت« ومصغرها »الكويت« فهي تعني القلعة او الحصن او البناية, واكثر الكتاب والمؤرخين يذكر انها كلمة اجنبية, ولا يستطيع اي واحد منهم ان يجزم باصلها فمن الجائز ان تكون هندية الاصل, فبعض المدن الهندية يحمل مسميات قريبة من اسم الكوت مثل مدينة »كلاكوتا« ومدينة »كلاكوت« ويجوز ايضا انها من أصل عربي او برتغالي, فكلنا يعلم ان البرتغاليين فيما مضى كانوا قبل غيرهم هم القوة البحرية الكبرى التي سيطرت على اكثر موانئ المنطقة وفرضها رغم المقاومة الشرسة التي ابداها عرب الجزيرة والخليج كالقواسم واهل الحجاز واليمن لصد الهجوم البرتغالي.
ولقد ذكر الرحالة ابن علوان ان اهل الاحساء يطلقون على داخل البلد اسم »الكوت«, بينما يطلقون على بوابة البلد اسم »الدروازة« وعن طريق هذه الدروازة يدخل ويخرج الناس, واسم الدروازة وجمعها دراويز, مازالت تستعمله حاضرة الكويت واهل الخليج بالمعنى نفسه حتى هذا اليوم, ولو سأل احدنا اي هندي عن معنى كلمة »دروازة« لاجابه بسرعة انها تعني في لغة الهند الباب او البوابة ومسمى »كوت« هو من المسميات السائدة والشائعة في المنطقة ففي الاحساء محلة كبيرة اسمها الكوت, ولقد حفلت المخطوطة الكبيرة للشيخ عبدالقادر باش الاعيان العباسي بمسميات كثيرة لامكنة متعددة مختلفة تحمل اسم »كوت« وكل كوت »قلعة او حصن« يسمى باسم بانيه او باسم اسرته او عشيرته, فهذا »كوت فلان« وذاك »كوت الفلانيين« وذكر باش الاعيان العباسي في مخطوطته كيفية بناء الكوت وطريقة اختيار موقعه وقربه وبعده من الساحل, فالكوت يبنى دائما قرب البحر او النهر.
باني الكويت هو الأمير الثاني في الإمارة الخالدية:
الرحالة ابن علوان مر ببلد الكويت قادما من الاحساء في زمن مشيخة الامير سعدون بن محمد بن براك آل حميد الخالدي امير الحسا والقطيف الامير الثالث في سلسلة الامارة الخالدية, وعند مروره بالكويت وجده بلدا عامرا مزدهرا, ومعنى ذلك ان الكويت »القلعة او الحصن« كانت مبنية قبل زمن مروره بها بمدة طويلة. لذلك فنحن نرجح ان باني الكويت هو الامير الثاني في سلسلة الامارة الخالدية, وهو الامير محمد بن براك بن غرير بن عثمان بن مسعود بن ربيعة آل حميد الخالدي زعيم بني خالد وملك الاحساء والقطيف, ودام حكم هذا الامير قرابة السنوات العشر من سنة 1093 هـ/ 1682م الى سنة وفاته 1103هـ/ 1692م ويؤيد ترجيحنا الموروث الشعبي لعربان البوادي فهم يرددون قصصا وحكايات كثيرة معظمها يقول: ان الكويت هو كويت الامير محمد بن براك, وان ارض الكويت وما جاورها كانت مسراحا لابل وخيل هذا الامير الخالدي, ولا تنس ان ثروة امراء وملوك ذلك الزمان تقاس بعدد ما يملكونه من الابل والخيل. وبقرب هذا الكويت 'البناية أو القلعة' كان لهذا الأمير فرضة »ميناء« تطل على البحر ينطلق منها الغواصون, وترد اليها البضائع ويأتي اليها المسافرون والحجاج. ويذكر بعض المصادر والروايات ان الأمير محمد بن براك الخالدي عين بعض الرجال المقربين من الأسر الخالدية كاسرتي »البورسلي« و»المصيبيح« لادارة امور هذه الفرضة »الميناء« وما حولها من السكان حاضرة وبادية, ولتنظيم كل ما يتعلق بأمور مصالح الناس, وكان مقر وسكن هولاء الرجال الخوالد المعينين من الامير داخل هذه البناية المسماة بـ »الكويت«.
والذي يجعلنا نرجح ان باني الكويت هو الامير الثاني محمد وليس والده الامير الاول براك هو: اضافة الى الموروث الشعبي, حقائق التاريخ ودلالات العقل التي تقول: ان المؤسس الاول لكل امارة او مملكة اول اهتماماته وجل تفكيره هو تثبيت حكمه وتأمينه ووضع الاسس التي تكفل ديمومته لمن يأتي بعده, اما الامراء الذين يأتون بعد الامير المؤسس فهم الذين يبنون ويعمرون ويوسعون المملكة وينظمون امور البلاد وسياسة الدولة, هكذا هي طبيعة الامور وقياسات المنطق, وصفها لنا القاضي العربي الشهير صاحب المقدمة الشهيرة عبدالرحمن بن محمد ابن خلدون (ت 808هـ / 1405م).
لا خلاف على أن باني الكويت هو أحد أمراء آل حميد:
تكاد تجمع المصادر التاريخية على ان باني الكويت »القلعة« هو احد حكام امارة ال حميد الخالدية التي نشأت في المنطقة الشرقية لجزيرة العرب, ولكن هذه المصادر اختلفت في سنة نشأة الكويت واسم الامير المنشئ, ومن هذه المصادر نذكر »التحفة النبهانية- الكويت« لمحمد بن خليفة النبهاني و»صفحات من تاريخ الكويت« ليوسف بن عيسى القناعي و»من تاريخ الكويت« لسيف مرزوق الشملان و»من هنا بدأت الكويت« لعبدالله الحاتم و»تاريخ الكويت« لعبدالعزيز الرشيد و»مختصر تاريخ الكويت« لراشد الفرحان. كل هذه المصادر وغيرها يؤكد على ان باني القلعة (الكويت) هو امير خالدي من امارة آل حميد التي حكمت الحسا والقطيف وما جاورها من البوادي وجاءت بعدها الدولة السعودية المباركة التي وحدت الجزيرة.
»القَرن« و»القُرين« .. المعنى والأصل:
اما بخصوص مسمى »قرن« ومصغره »قرين« فمعناهما عند الاعراب الاوائل والاواخر, وفي القواميس والمعجمات هو: الضلع »الجبل او التل« الصغير المرتفع, واذا تجاور الضلعان »الجبلان« اسموهما »قرنين« واذا كانا اكثر من اثنين اسموهما »قرون« وتسمية الجبل او التل الصغير والمتوسط بـ »الضلع« او بـ »القرن« او بـ »القرين« تسمية معروفة شائعة عند بادية اليوم والامس, فالعرب منذ عصور الجاهلية- والجاهلية لفظة لا تعني الجهل وانما تعني عصور ما قبل الاسلام - ومرورا بعصور الاسلام كانوا مغرمين ومولعين بتسمية تضاريس الارض بالحيوانات او باجزاء الجسم وبمكونات البيئة.
وسميت فرضة »ميناء« الكويت بـ »القرين« بسبب وجود »قرين«- اي ضليع »جبيل«- شاخص ومرتفع على ساحل البحر قريبا من فرضة »ميناء« البلد- الذي هو الكويت- فسميت هذه الفرضة على اسم 'القرين' المجاور لها, حيث اطلق عليها البحارة اهل السفن الذين يرتادونها ويتعاملون معها اسم »فرضة القرين«. والامثلة على مسمى قرن وقرين كثيرة فهناك »قرين الصبيحية« في الكويت وهو ضليع مرتفع يقع بالقرب من قلبان الصبيحية »عدود ماء يقطنها العربان« وفي شعيب الباطن يوجد »قرنين« وفي بوادي المملكة العربية السعودية يوجد الكثير من القرون والقرينات, مثل »قرية القرن« في منطقة الاحساء, و»قرن ابو وايل« موضع جنوب سلوى, و»قرن ام الشرار« موضع شمال النعيرية, و»القرين« جبل يقع شمال غرب واحة القطيف, و»القرين« قرية تقع شمال واحة الاحساء, و»قرين جراد« جبيل يقع في الصمان.
(1) مرتضى بن علي بن علوان, رحلة ابن علوان, مخطوط موجود في مكتبة برلين في مجموع تحت عنوان:
ahlwardt.no:6137=Bibl.wetz stein 11 no:1860 fol

جريدة الآن الالكترونية - ‏قبل 12 ساعات‏

[محمد النجيبان]

مشكوووووووور أخي أحمد على هذه المعلومات القيمة