تصريح وزارة الثقافة والإعلام رقم م ن / 154 / 1432


العودة   شبكة البراري > منتديـات البراري الرئيسيــة > منتدى الرحلات والسياحة والأجهزة البرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2008-04-22, 09:10 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي رحلة إلى الربع الخالي : جولة وتصوير محمد سليمان اليوسفي

بسم الله الرحمن الرجيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"الرياض" ترصد جولة الرحالين للكشف عن "بحور الرمال" و"الحضارات البائدة" في الربع الخالي




جولة وتصوير محمد سليمان اليوسفي Ucv4@yahoo. com

أنزلت هذة الرحله على سبعه أجزاء في جريدة الرياض وهي كمايلي :-













  #2  
قديم 2008-04-22, 09:12 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

الرمال طمرت الآثار والكنوز والقصور التاريخية.. وأبقت "اللغز محيراً"!



انطلقت مجموعة من المتخصصين في قافلة من سيارات الدفع الرباعي الحديثة من الرياض باتجاه الجنوب في رحلة إلى الربع الخالي استغرقت عشرة أيام.

وسبق الرحلة التنسيق مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة، للإفادة من إمكاناتها وبتوجيهاتها في أثناء عملية البحث.
كان المسير على الطريق "المسفلت" المؤدي إلى وادي الدواسر قبل الوصول إلى عروق بني معارض التي تلتقي مع سلسلة جبل طويق في الحافة الشمالية الغربية للربع الخالي.
الوصول إلى عروق بني معارض تلك المنطقة التي تتميز بأنها وعرة المسالك لم يكن إلا نقطة البداية في مسار يمتد إلى جهة الجنوب الشرقي مرورا بعدة نواح من الربع الخالي ثم الانحراف شرقا حتى الوصول إلى العروق المعترضة في الزاوية الجنوبية الشرقية من المملكة ثم المضي باتجاه الشمال الغربي حتى الوصول إلى عروق الشيبة ومن ثم العودة باتجاه الغرب جهة حرض والخرج ثم الرياض.
شملت الرحلة أجزاء عدة من الربع الخالي إما بالمرور عليها وإما بأطرافها ومنها:
شقة أم الكناور، وشقة البكرة، والقعاميات، والقماعير، ومغدرات، ومشابك الخشناء، ورقعة شنان، والدغيمة، وشقاق، سرداب، وعروق الخرخير، وطويلة هادي، وشقة الثوادي، وعرق مزمولة، وعرق السحيم، وعرق وذران، وعرق الطويل، والحباك، وقلمة المهولة، والعروق المعترضة، وقعيدة أم طناب، وذعبلوتن، وشقة الحزوم، ومنادر غنيم، والقعد، ورملة الغاقة، ورملة ابن سعيدان، وعرق المناهيل، وعروق الشيبة، والحصان، وسبخة الحمر.
"الرياض" ترصد جولة "فريق المتخصصين" في الربع الخالي على مدى سبع حلقات متتالية، تعرض خلالها جوانب من الآثار والحضارات والحيوانات التي تسكن هذه المنطقة.
وتبدأ جولة اليوم بالحديث عن الربع الخالي وموقعه وحدوده وسبب تسميته بهذا الاسم وأحدث ما كتب حول سكن قوم عاد في هذه المنطقة.

الربع الخالي
يشغل الربع الخالي- حسبما جاء في نشرة صدرت عن هيئة المساحة الجيولوجية- ربع مساحة شبه الجزيرة العربية ويقع في جنوبها الشرقي فيما بين خطي الطول 3044- 3056شرقا ودائرتي عرض 3016- 0023شمالا، ويعد أكبر صحراء رملية متصلة في العالم إذ تبلغ مساحته أكثر من ستمائة ألف كم
2.ويتفاوت طول وعرض الربع الخالي، وفي أقصى مسافة يبلغ طوله 1200كلم 2تقريبا وعرضه 640كلم 2تقريبا. وتتوزع مساحته فيما بين المملكة والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والجمهورية اليمنية غير أن 80% من مساحته تقع في المملكة.
وقد حدد الشيخ عبدالله بن خميس الربع الخالي في كتابه (رمال الجزيرة) بحدود طبيعية فمن الجهة الشمالية يحده صمان يبرين ورمال الجافورة والجيبان وسبخا مطي وواحة ليوا، ومن الجنوب السيحان الممتدة من جبل ظفار بعمان وجبال حضرموت، ومن الغرب منطقة نجران وجبال طويق والرميلة، أما من الشرق فحدده بالسيح الممتد من جبال عمان إلى جهة الغرب، ويضم الجبل الأخضر وصحراء أم السميم وجدة الحراسيس. ويقع داخل هذه الحدود مسطح رملي هائل متنوع التشكل.

لماذا سمي الربع الخالي؟
يطلق على الربع الخالي في المصادر القديمة أكثر من اسم فقد عرف ب(رمال وبار) و(صحراء صيهد). أما التسمية بالربع الخالي فقد أعادها بعض الباحثين إلى القرن التاسع الهجري ونسبوها إلى الرحالة العربي ابن ماجد الذي أطلق على هذا الحيز من شبه الجزيرة العربية اسم الربع الخالي، كما سبق ذلك تسميته في أواخر القرن الثامن الهجري بالفج الخالي حيث ذكر محققو كتاب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لابن فضل العمري أن المقصود بالفج الخالي ما يسمى بالربع الخالي في الجنوب الشرقي من بلاد العرب.
في حين ذهب الشيخ حمد الجاسر إلى القول إن الربع الخالي اسم حديث للجانب الجنوبي من الدهناء وما كان يعرف قديما برمال وبار وقسم من صحراء صيهد ورمل الحوش، والاسم- وفقا لهذا الرأي- مأخوذ من تعبير يستعمله أصحاب البحر فيما بين عمان وشواطئ الخليج حينما يكونون سائرين في البحر، فعندما يريدون توجيه السفينة إلى إحدى الجهات الفرعية أي الشمال الغربي أو الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي أو الجنوب الغربي يعبرون بكلمة الربع الخالي ويقصدون أحد هذه الاتجاهات، ونظرا لأن أكثر المرافئ في الخليج بالنسبة للقادمين إليه تقع في واحد من هذه الاتجاهات التي تشير إلى هذا الحيز من اليابسة جاءت لذلك التسمية.
ويرى بعض الباحثين أن الربع الخالي تعريب لكلمة (The Empty Quarter) التي وردت في كتب الرحالين والمستشرقين المتأخرين، والتسمية بذلك جاءت لأن هذه الصحراء المتصلة تغطي ربع مساحة شبه الجزيرة العربية، إلى جانب أنها خالية من الحياة البشرية بسبب قلة مواردها الطبيعية ووعورة طبيعتها التي يصعب معها التنقل في أرجائها وبالتالي ندرة وجود البشر معظم فصول السنة.

هيكل قوم عاد
لعل كثيرين اطلعوا على صورة فوتوغرافية تناقلتها قبل سنوات مواقع ومنتديات الانترنت والمجموعات البريدية، وما أن ينسى الناس هذه الصورة حتى تعود من جديد عبر هذه البوابات وحتى في أحاديث المجالس.
والجديد عن هذه الصورة أن البسطاء وعامة الناس يتبادلونها منذ أشهر عبر رسائل الوسائط والبلوتوث منبهرين. والصورة هي لهيكل بشري ضخم يقف بجواره إنسان يبدو بحجم ضئيل مقارنة بالهيكل.
وقد زعم مروجوها أنها واحدة من صور التقطت بالطائرة لموقع في الربع الخالي اكتشفته شركة أرامكو، وقيل إنها بقايا هيكل عظمي يعود إلى قوم عاد! فما علاقة قوم عاد بالربع الخالي؟
قبل الإجابة، علينا أن نعرف أن هذه الصورة المفبركة هي عمل فني لواحد من محترفي التعديل والتبديل على الصور بواسطة برنامج الفوتوشوب والبرامج المماثلة. وكانت الصورة موضوعا تقدم به كمتسابق لأحد المواقع الأجنبية المتخصصة. وقد أتى من نقلها ودلس بإضفاء بعد تاريخي على الصورة وانطلت كذبة أنها لهيكل عظمي من بقايا قوم عاد في الربع الخالي بينما هي صورة مزيفة لا علاقة لها بأي من اكتشافات شركة أرامكو.

مملكة عاد..
أما عن علاقة قوم عاد بالربع الخالي فقد تباينت المصادر التاريخية في التحديد الدقيق لمكان سكن قوم عاد. ومن أحدث ما كتب حول تفسير بعض الآيات التي أخبرت عن قوم عاد مقال علمي للعالم المصري الدكتور زغلول النجار نشر في صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 2002/10/7م، وفصّل النجار في تفسير آيات من سورة الفجر في قول الحق تبارك وتعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد). وأورد اختلاف المفسرين وأقوالهم حول تفصيلات تتعلق بتفسير هذه الآيات وآيات أخرى من سورة الأحقاف التي أخبرت عن قوم عاد الأولى، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشاً، فبعث الله فيهم هودا ليذكَّرهم عليه السلام بتلك النعمة ويرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم. فكذبوه وكانوا متمردين عتاة جبارين خارجين عن طاعة الله تعالى، فأنجى الله هودا عليه السلام ومن آمن معه منهم ثم نزل عليهم العذاب فأهلكهم (بريح صرصر عاتية).
وذكر الدكتور زغلول النجار في مقاله المطول نصوص المفسرين للآية : (ذات العماد)، فمنهم من قال إنها صفة للقوم للدلالة على طولهم، ومنهم من قال إنها صفة لطول أعمدة مساكنهم المبنية، ومنهم من قال إنها أعمدة شداد لبيوت الشعر التي كان القوم يسكنون فيها.
ويخلص الدكتور النجار في مقاله إلى ما يأتي: (في تفسير ما جاء عن قوم عاد في القرآن الكريم نشطت أعداد من المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الأنساب المسلمين، من أمثال الطبري والسيوطي والقزويني والهمداني وياقوت الحموي والمسعودي، في الكشف عن حقيقة هؤلاء القوم، فذكروا أنهم كانوا من العرب البائدة، وهو تعبير يضم كثيراً من الأمم التي اندثرت قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، ومنهم قوم عاد، وثمود، والوبر، وغيرهم كثير، وعلم المفسرون من آيات القرآن الكريم أن مساكن قوم عاد كانت بالأحقاف - جمع حقف أي : الرمل المائل - وهي جزء من جنوب شرقي الربع الخالي بين حضرموت جنوباً، ومعظم الربع الخالي شمالاً، وعمان شرقاً).
وفي نهاية المقال أورد الدكتور النجار خبرا يفيد أن أحد مكوكات الفضاء؛ المزود بجهاز رادار له القدرة على اختراق التربة الجافة إلى عمق عدة أمتار يعرف باسم جهاز رادار اختراق سطح الأرض، التقط في سنة 1984م صورا لباطن الأرض كشفت عن العديد من المجاري المائية الجافة مدفونة تحت رمال الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غرباً إلى أواسط آسيا شرقاً. وبمجرد نشر نتائج تحليل الصور المأخوذة بواسطة هذا الجهاز تقدم أحد هواة دراسة الآثار الأمريكان - واسمه نيكولاس كلاب - إلى مؤسسة بحوث الفضاء الأمريكية (ناسا) طالبا الصور التي أخذت بتلك الواسطة لجنوب الجزيرة العربية. وقد اتضح من دراستها وجود آثار مدقات للطرق القديمة المؤدية إلى عدد من أبنية مدفونة تحت الرمال السافية التي تملأ حوض الربع الخالي، وعدد من الأودية القديمة، والبحيرات الجافة التي يزيد قطر بعضها على عدة كيلو مترات. واحتار الدارسون في معرفة حقيقة تلك الآثار مما دعاهم إلى التنقيب في المصادر التاريخية وسؤال عدد من المتخصصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم الذين أجمعوا على أن الآثار التي كشفتها الصور الفضائية هي ( إرم) عاصمة ملك عاد. وقدر عمرها بالفترة من 3000ق. م. إلى أن نزل بها عقاب ربها فطمرتها عاصفة رملية غير عادية.
ووفقا لما يشير إليه النجار فإن أحدى الجهات العلمية الأمريكية أعدت تقريراً ذكرت فيه أن اثنين من العلماء القدامى قد سبق لهما زيارة مملكة عاد في أواخر حكمها، وكانت المنطقة لا تزال عامرة بحضارة زاهرة، والأنهار فيها متدفقة بالماء، والبحيرات زاخرة بالحياة، والأرض مكسوة بالخضرة، وأن قوم عاد يشكلون الحضارة السائدة فيها. وكان أحد هؤلاء العلماء هو بليني الكبير من علماء


الحضارة الرومانية، والذي عاش في الفترة من 23م إلى 79م، والآخر كان هو الفلكي والجغرافي بطليموس الإسكندري الذي كان أميناً لمكتبة الاسكندرية، وعاش في الفترة من 100م إلى 170م تقريبا، وقام برسم خريطة للمنطقة بأنهارها وطرقاتها التي تلتقي حول منطقة واسعة أطلق عليها اسم ( سوق عمان).
ووصف بليني الكبير حضارة عاد الأولى بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى على وجه الأرض، وذلك في ثرائها ووفرة خيراتها وقوتها حيث كانت على مفترق طرق التجارة بين كل من الصين والهند من جهة وبلاد الشام وأوروبا من جهة أخرى والتي كانت تصدِّر إليها البخور والعطور والأخشاب، والفواكه المجففة والذهب والحرير وغيرها.
وقد علَّق كثير من المتأخرين على كتابات كل من بليني الكبير وبطليموس الاسكندري بأنها ضرب من الخرافات والأساطير، وشكك فيها - من وصفهم النجار- بمدعي العلم في زماننا ممن لم يستطيعوا تصور الربع الخالي - وهو من أكثر أجزاء الأرض جفافاً اليوم - مملوءاً في يوم من الأيام بالأنهار والبحيرات والعمران، ولكن صور المكوك الفضائي جاءت مطابقة لخريطة بطليموس الأسكندري، ومؤكدة ما قد كتبه من قبل كل منه ومن بليني الكبير كما جاء في تقرير معهد الدفع النفاث.
وفي موضع آخر قال الدكتور زغلول النجار (كل ما نشر على قلته يؤكد صدق ما جاء بالقرآن الكريم عن قوم عاد بأنهم كانوا في نعمة من الله عظيمة، ولكنهم لم يشكروها. إن وصف بليني الكبير لتلك الحضارة بأنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى، كأنه ترجمة لمنطوق الآية الكريمة (التي لم يخلق مثلها في البلاد)، وإن هذه الحضارة قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية وهو ما سبق القرآن الكريم بالإشارة إليه).

إرم ذات العماد
ولعل الجزء التالي من مقال النجار هو أكثر ما أثار الباحث الميداني الأستاذ عبدالله بن محمد الشايع الذي وصف المقال بأنه متسرع. فيقول النجار (هذه قصة إرم ذات العماد، مدينة قوم عاد التي جاءت الكشوف الأثرية الحديثة بإثبات ما ذُكر عنها في القرآن الكريم، وإن كان نفر من الأقدمين قد حاول إنكار ذلك تطاولاً على الله وكتابه، فإن نفراً من المحدثين قد حاول إنكاره تطاولاً على العلم وأهله في زمن يتكلم فيه "الرويبضة" كما أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ويبقى ما جاء في القرآن الكريم من ذكر لقوم عاد ولمدينتهم ولما أصابها وأصابهم من دمار بعاصفة رملية غير عادية صورة من صور الإعجاز التاريخي في كتاب الله).



أما الشايع فقد رد على النجار في سياق أحد موضوعات كتاب له بعنوان (في أرض البخور واللبان) بقوله: (كأني بالدكتور النجار أخذ ما أجمع عليه الدارسون الغربيون بالقبول؛ حيث أجمعوا على أن الأثر المكتشف هو آثار عاصمة ملك عاد. لقد بلينا بالمسارعة في تصديق كل ما يصدر عن هذا الطريق ما دام أن هناك صورا مأخوذة بواسطة مكوك فضائي، وكأن ما يأتي من هذا الجانب وحي من السماء. والقرآن الكريم لا يحتاج إلى من يؤكد لنا صدقه؛ لأن جميع ما جاء فيه صدق وحق لا شك ولا ريب فيه. ثم إن القول بأن حضارة عاد قد طمرتها عاصفة رملية غير عادية فقول مردود، لأن القرآن الكريم لم يرد فيه أن الريح التي عُذب بها عاد قوم هود قد طمرت مساكنهم تحت الأرض، وإنما أبقاها الله سبحانه وتعالى عبرة وعظة لمن يأتي بعدهم.
ومضى الشايع في قوله: "ولا أدري ماذا يقصد - النجار - بالعلم وأهله، فإن كان يقصد علماء المسلمين المحققين فلم يقل أحد منهم إن مساكن عاد مدفونة تحت الأرض، وأما إذا كان يقصد أهل العلم الحديث الذي انساق وراء تخرصاتهم، فإن قولهم لا يعتد به لأنه قول يعارض نص القرآن ولأن هذا الأثر المكتشف لا يعرف كنهه حتى الآن ولم يستكمل البحث الأثري فيه، وهناك من - المتخصصين - من له رأي معارض لما قيل عنه".

  #3  
قديم 2008-04-22, 09:13 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

"الكثبان الرملية" تكشف معنى "الأحقاف"


تناولنا في الجزء الأول من رحلة الربع الخالي موقعه وتكوينه وسبب تسميته بهذا الاسم وكذلك ما كتب حول سكن قوم عاد في هذه المنطقة، واليوم نتحدث عن (الأحقاف) التي ستكون مدخلا في هذا الجزء لمعرفة مسميات تشكيلات الرمال في الربع الخالي.

جاء في لسان العرب والقاموس المحيط أن (الحِقءف، بالكسر: المُعءوَج من الرّمل، جمعه: أحءقاف وحِقاف وحُقوف وحِقَفة، وجمع الجموع: حَقائِف وحِقَفَة. أو هو الرَّمءل العَظيم المُسءتَدير، أو المُسءتَطيل المُشءرِف. ومنه قيل لما اعءوَجّ: مُحءقَوءقِف).
وجاء في موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة (ويبدو أن المقصود بالحقف تلك العروق الرملية الحلزونية الشكل الناتجة عن استطالة أحد أطراف كثيب هلالي نتيجة لاختلاف في هبوب الرياح والتحامه بطرف كثيب هلالي متقدم مما يؤدي إلى ظهور مجموعات من الكثبان الحلزونية قد تمتد عدة كيلو مترات، ويسود هذا النوع جنوب الربع الخالي بصفة خاصة. وتسمى تلك المنطقة الأحقاف).
وعموما فإن تشكل الكثبان الرملية يرتبط باتجاهات هبوب الرياح السائدة في كل منطقة من الربع الخالي، ولهذا تختلف أشكالها فيما بين كثبان طولية وكثبان هلالية وكثبان نجمية.

وصف الكثبان الرملية
وهناك عدة مصطلحات تستخدم لوصف الكثبان الرملية جاءت في لسان العرب والقاموس المحيط، كما ذكرت في كتب البلدانيات والمصادر الجغرافية، وكتب الرحلات ومن ذلك كتاب الشيخ عبدالله بن خميس (رمال الجزيرة) في جزئه الأول عن الربع الخالي، وموسوعة الثقافة التقليدية في المملكة في جزئها السابع المتخصص في المعارف الجغرافية، وكتاب للدكتور ناصر الوليعي بعنوان (بحار الرمال في المملكة)، ومعظم تلك المصطلحات مستخدمة في أطلس المملكة.
وفيما يلي ملخص لما ذكر في هذه المصادر من مصطلحات مع دمجها بالتسميات الشعبية التي يستخدمها عامة الناس في المناطق الرملية لوصف تشكيلات الكثبان:

@ الجلدة: أرض صلبة واسعة سهلة المسالك لا رمال فيها. ويوجد في الربع الخالي أرض بهذه الصفة تقع في وسط جزئه الغربي تسمى الجلدة.
@ الحبل أو العرق: مرتفعات من الرمل ممتدة بنسق واحد سواء كان الامتداد طويلا أو قصيرا. ويستخدم في الخرائط الطبوغرافية كلمة العرق وفي الربع الخالي هناك عروق بني معارض وعروق بني حمران وعروق الأوارك والعروق المعترضه، وإذا كان الحبل أو العرق قصيرا يقال عريق. وغالبا يكون الحبل أكثر امتدادا من العرق.
@ الخب والخبة والصريمة والشقة والشقيقة والفلق والجندلية: كل هذه الأسماء تطلق غالبا على الأرض التي تقع بين حبلين (عرقين)، وتكون عادة هي الطريق الذي تسلكه القوافل والسيارات. ويستخدم أبناء منطقة الربع الخالي غالباً كلمة الشقة أما في الدهناء والنفود الكبير فتستخدم كلمة الخبة أو الفلق. وستجد كلمة الشقة موقعة على خرائط الربع الخالي مثل شقة الإشارات. والخبب أو الشقق هي التي تستخدم أحيانا في الزراعة بسبب قرب الماء من سطحها.



@ الدكاكة: الرمل المنبسط الممتد الذي تنبت فيه الشجيرات.
@ الزبارة: كومة من الرمل سواء كانت كبيرة أو صغيرة.
@ الصيهد: وهي أرض من الرمل شبه مستوية تضم الرمال الخشنة. أو هي الأرض المنبسطة والمنخفضة عن المرتفعات الرملية. وتقل الشجيرات في الصياهد بينما تكثر فيها الأعشاب الحولية ولذلك تعد من الأراضي الرعوية التي يقصدها أصحاب الماشية في فصل الربيع.
@ الطعس: وهو كثيب مجتمع من الرمل، وفي أحد جانبيه يكون مرتفعا بالتدريج بسبب أنه مواجه لهبوب الرياح ويسمى هذا الجانب الظهر، أما الجانب الآخر فيسمى اللهد الذي يكون منحدرا بشدة بسبب أنه معاكس لاتجاه هبوب الرياح. وتكثر الطعوس في الربع الخالي ومنها طعوس أم الأطناب وطعوس متيهيمة.
@ العثمور وجمعها عثامير: وهي مناطق يقل فيها الرمل وتتميز بالوعورة بسبب وجود شجيرات تصد بعض الرمال فتتكون في الاتجاه المعاكس لهبوب الرياح أكوام متقاربة من الرمال. والعثامير من البيئات التي تتخذها الزواحف - خاصة الثعابين - سكنا لها.
@ العدانة: منطقة رمال عظيمة تتكون من مجموعة من الطعوس مما ينشأ عنها منخفضات تشبه النقر.
@ القصيم: جزء من الرمال المتداخلة والمتفاوتة في الارتفاع والانخفاض التي ينبت فيها شجر الغضا. (المقصود هنا تعريف الكلمة كمصطلح لوصف تكوين من الرمال وليس القصيم المنطقة المعروفة في وسط المملكة).
@ القعدة: والجمع قعد، وهو الرمل المتزبر المشابه للنقا لكنه في الربع الخالي ينصرف إلى تلك التشكيلات المتشابهة والمتفرقة عن بعضها وسط الأراضي الملحية أو الجيرية أو الحصوية، وتعرف بالكثبان النجمية حيث يتفرع عن المرتفع الرئيسي ألسنة من الرمال تبدو من أعلى متخذة أشكال نجمية.
@ اللغف: جانب العرق الممتد( بطنه).
@ المشبك أو المعجم: النقطة التي يتصل بها حبلان (عرقان) من الرمال.
@ المعيزيلة: مجموعة من الرمال منعزلة عن غيرها.
@ النقاء والقوز: ما استدق وارتفع من الرمال.
@ النقرة والحقنة والحاوي والقرويطة: هذه أسماء تطلق على منخفض وسط منطقة رملية وحاد من جميع الاتجاهات، وبعض هذه النقر خطيرة جدا إذا دخلتها السيارة فقد ترتكز على مقدمتها ويصعب سحبها. وفي الربع الخالي يوجد حقن تتخذ شكلا مخروطيا، ويعرفها سكان البادية ويتجنبونها لخطورتها، ومنها حقنة أم خرص، وحقنة بينة.
@ الهيال: يشبه اللهد فهو الجانب المنحدر بشدة والواقع في أعلى العرق ويكون معاكسا لاتجاه هبوب الرياح السائدة، ويتخذ غالبا شكل الهلال، ويصعب على الراجل والحيوان والسيارة اجتيازه، وأحيانا يكون له حافة مرتفعة تسمى السيف.

الحالة المناخية للربع الخالي
عند الحديث عن أجواء الربع الخالي تبرز عدة أسئلة تجاه الحالة المناخية السائدة، وأهم الظواهر والمنخفضات الجوية التي تتحكم في فترات الانتقال بين فصول السنة، وكيفية انخفاض درجات الحرارة وارتفاعها، وفي هذا الخصوص أوضح أخصائي الأرصاد الأستاذ حسن مصطفى كراني.
إن منطقة الربع الخالي منطقة صحراوية من ناحية التكوين الجغرافي تكسوها الرمال وتخلو تقريبا من الغطاء النباتي معظم فترات السنة.
وقال ان هذه المنطقة تتأثر خلال الفترة الانتقالية بين فصلي الشتاء والربيع بطابع شتوي ربيعي يميل إلى الاعتدال نهارا والبرودة النسبية ليلا نتيجة تعمق وتراجع امتداد المرتفع الجوي (مرتفع سيبيريا) عبر أجواء شمال المملكة، والذي يمتد محوره جنوبا حتى الربع الخالي، وتقدم وتراجع امتداد المرتفع الجوي (مرتفع الآزور) الذي يلي ويتبع مناطق التخلخل في الضغط والمنخفضات الجوية الحركية المصحوبة بموجات هوائية باردة وأخرى ساخنة من شمال غربي المملكة إلى شمال شرقها، وتسود تقلبات جوية متلاحقة أجواء الربع الخالي.
وأضاف: ان من أهم الظواهر الجوية نشاط للرياح السطحية، وأتربة مثارة، وعواصف رملية، وتكون سحابي ممطر، مع ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة الصغرى والعظمى، مشيراً إلى أنه يستمر تأثير تلك الظواهر طوال فصل الربيع مع زيادة نسبية في تكوّن الغطاء السحابي ونسبة هطول الأمطار، وتلك الزيادة مرتبطة ارتباطا كليا بتقدم وتراجع ما يعرف ب (الخط الوهمي للجبهة البين مدارية) وذلك على جنوب ووسط وشمال الربع الخالي.
وأشار إلى أنه وبعد ذلك تعيش المنطقة فترة انتقالية بين فصلي الربيع والصيف، وعندها يكون الطقس ربيعي صيفي يتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وضعف التكوين السحابي والذي يتلاشى تماما لدى تعمق امتداد المنخفض الحراري (منخفض الهند الموسمي) على أجواء الربع الخالي عبر أجواء القطاع الشرقي للمملكة، ثم يزداد تدريجيا الارتفاع في درجات الحرارة وتنخفض نسبة الرطوبة بشكل محسوس نتيجة تأثير الكتلة الهوائية الحارة والجافة المصاحبة لامتداد منخفض الهند الموسمي.
وقال: أما في فصل الخريف والشتاء فتعاود التقلبات الجوية والتي تؤثر بصورة شبه متلاحقة على أجواء الربع الخالي وذلك في الفترة من أواخر شهر سبتمبر حتى أوائل شهر أكتوبر، فتنخفض درجات الحرارة الصغرى والعظمى تدريجيا، ويصاحب ذلك ارتفاع نسبي في الرطوبة مما يساعد في تكون سحابي ممطر أحيانا، وهذا عكس ما كان عليه الوضع خلال الصيف، ويرافق ذلك بداية تكون ملامح (الخط الوهمي للجبهة الهوائية البين مدارية) في جنوب ووسط الربع الخالي، وتزداد ملامح هذا الخط الوهمي وضوحا في منتصف فصل الخريف ونهايته فيتكون في الأجواء حزام سحابي على الربع الخالي نتيجة جلب الرطوبة على وسط وشمال الربع الخالي. ثم تعيش المنطقة وبالتدريج فترة انتقالية بين فصلي الخريف والشتاء حتى تأخذنا إلى فصل الشتاء الذي يشهد انخفاض ملموس في درجات الحرارة الصغرى والكبرى مع ازدياد تكون الحزام السحابي خاصة إذا تحركت مناطق التخلخل في الضغط من شمال غربي المملكة إلى شمالها الشرقي، هذا فضلا عن نشاط في الرياح السطحية والأتربة المثارة، موضحاً أنه وتستمر تلك الظواهر في التأثير طوال فصل الشتاء وحتى حلول الفترة الانتقالية بين فصلي الشتاء والربيع فتأخذ درجات الحرارة الصغرى والعظمى في الارتفاع التدريجي، كما تزداد فرصة هطول الأمطار.وهكذا تتداخل فصول السنة في منطقة الربع الخالي ونشهد الانتقال من فصل إلى آخر بنظام دقيق ومنتظم بقدرة وتدبير الخالق سبحانه وتعالى.

قرية الفاو شاهد على حضارة كندة
قرية الفاو الأثرية أحد المواقع التي يمكن زيارتها لمن يأتي إلى الربع الخالي من جهته الشمالية الغربية. وهي قرية مهجورة قرب مزرعة صغيرة لأحد المواطنين. ويعود الفضل في كشف أسرارها إلى بعثات جامعة الملك سعود التي أجرت عمليات الحفر والتنقيب على فترات متفاوتة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
تقول المصادر التاريخية أنها عاصمة لواحدة من أهم الممالك في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وهي مملكة كندة الأولى التي سادت خلال منتصف القرن الأول قبل الميلاد إلى بداية القرن الرابع الميلادي. وقد اكتسبت القرية أهميتها قديما من وقوعها على واحد من الطرق التجارية الهامة التي تربط أطراف الجزيرة العربية ببعضها. وتعتبر- حديثا- أحد شواهد العمران قبل الإسلام بما تبقى من أطلال مساكن أهلها وأسواقهم، وبما فيها من دلالات للمظاهر الدينية والزراعية.


تبلغ مساحة القرية حوالي خمسة عشر كلم2، وتقع في الناحية الشمالية الغربية للربع الخالي ويتقاطع موقعها في نقطة التقاء وادي الدواسر بثغرة من سلسلة جبال طويق تسمى الفاو، وتبعد عن جنوب غربي الرياض بمسافة 700كم تقريبا، وعن جنوب شرقي الخماسين بوادي الدواسر بمسافة 150كم 2تقريبا.
ويمكن أن يشاهد زائر القرية طرازا قديما من بقايا المنازل والسوق والمقابر والمعابد بما فيها من نقوش على الأحجار كتبت بالخط المسند الجنوبي، وقد حدد المتخصصون في الآثار تلك اللغة بأنها لغة عربية منتشرة في جنوبي وشرقي الجزيرة العربية. إبان تلك الحقب التاريخية.

  #4  
قديم 2008-04-22, 09:15 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

"الصيد الجائر" ينكشف أمام مظاهر الحياة الطبيعية في محمية عروق بني معارض



.. أوضحنا في الجزء الأول من هذه الجولة انها لا تهدف الى الصيد بأي حال من الأحوال، ولكن رحلة تستغرق مدة عشرة ايام بين هذه الكثبان الوعرة من دون صيد الأرانب البرية يراها البعض مضيعة للوقت، لكن الشواهد تقول ان الخمسين سنة الأخيرة شهدت تضييعا وعبثا ارتكبه أبناء أجيال متعاقبة من الصيادين حتى وقتنا الحاضر لأن فروسية الصيد التي مارسها بعضهم وراثة ممن سبقهم كانت في معظمها مزيفة وجائرة ومغلفة بالمفاخرة والمباهاة، وأجد مما يمثل ذلك بيتين لشاعرة عاشت قبل اكثر من ثلاثمائة عام تفتخر (بفروسية) رجال قبيلتها في قولها:

صيادنا يروح شريق وينثني
يجي بالجوازي داميات خدودها
تسعين عدد صيدنا في عشية
وضيحية نجعل دلانا جلودها
ولك ان تعرف ان وزن عدد تسعين من الوضيحي (المها العربي) يصل في أقل تقدير الى ستة اطنان من اللحم، ومثل هذه الشاعرة قال احد الشعراء ان تمكن ابناء الصحراء من استخدام البنادق المتطورة، في الصيد قبل أكثر من مائة وخمسين عاما:
ولي بندق رميها يفدي غثا بالي
ومخضب عقبها من كف صاحبها
اضرب بها الوعل لا منه تهيا لي
ابوحنية كبير الراس شايبها
ضربت عشر بها والظل ما مالي
والحادية روحت تثلغ مضاربه


ولك أن تعرف ايضا ان الوعول العشرة التي اصطادها شخص واحد تساوي نصف طن من اللحم.. ان هذه الاطنان من اللحوم التي تفوق الحاجة اذا كان هناك حاجة ملحة اصلا هي الاحياء الفطرية التي قضى عليها بشكل سريع بمساعدة امتلاك ابناء الصحراء للسيارات التي اوصلتهم الى معظم مناطق الصيد في المملكة واخرها الربع الخالي الذي قال عنه الرحالة البريطاني عبدالله فيلبي، وهو واحد من أشهر عابري الربع الخالي في وصفه للحيوانات الفطرية هناك ابان منتصف القرن الميلادي الماضي فيما يشبه النعي: (تراجعت اعداد الغزلان في الربع الخالي باعداد يرثى لها).

محمية الجمال في بني معارض
لم تكن جولتنا في اول الايام الى الربع الخالي على اطلال قرية الفاو الأثرية بما تحتويه من معالم لمملكة كندة سوى دخول في دهاليز متهالكة لتاريخ واحدة من حضارات الأموات، ولولا انضمام الصديق ابي فايز معنا وهو أحد المتخصصين والمهتمين في علم الآثار مما اكسب الجولة مذاقا قائما على تقديم المعلومات المحققة والتفسيرات العلمية لاشكال بناء كل جزء من مكونات القرية لما وجدت بين هذه المدافن التاريخية ما يستحق ان نخسر الوقت من أجله ما دمنا على أعتاب مكان آخر لايزال يحتفظ بأحياء جميلة تجسد عيوناً في ديوان العرب من مثل قول علي بن الجهم:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وقول آخر:
يقتلنا منها عيون، كأنها
عيون المها، ما طرفهن بحادج



ذلك المكان هو محمية عروق بني معارض التي تضم قطعاناً محدودة من المها العربي افلتت ابان اواخر القرن الميلادي الماضي قبل ان يفتك بها "الصيد الجائر" ويبيدها نهائيا مثلما اباد النعام العربي.
.. تعد محمية عروق بني معارض واحدة من المحميات الطبيعية التي أنشئت في المملكة لغرض المحافظة على الأحياء الفطرية واكثارها في محاولات لانقاذ بعضها من شبح الانقراض الكامل.
وتقع المحمية في الحافة الغربية للربع الخالي وشرق الجزء الجنوبي لنهاية سلسلة جبال طويق، وتضم عددا من التشكيلات الارضية والمواطن الفطرية الطبيعية الهامة منها كثبان رملية مرتفعة وهضبة جيرية متقطعة.
وتعتبر الحالة البيئية للمحمية بصورة عامة جيدة والحياة الفطرية فيها غنية ومتنوعة، ومن أكثر النباتات شيوعا فيها الغضى والأثموم واشجار الطلح والبان والحرمل والطرفا والعشار واشجار السمر والسرح وشجيرات واعشاب اخرى متنوعة.


ومن الطيور الحبارى والقطا والحجل والصرد الرمادي "والرخمة المصرية" وعدة أنواع من القنابر والزواحف، وتعتبر المحمية آخر المواطن في الجزيرة العربية التي وجد فيها المها العربي (الوضيحي) بحالته الفطرية، حيث شوهد عام 9791، كما ان النعام العربي وغزال الريم كانت موجودة في المنطقة.
وقد حظيت المحمية عام 5991باعادة توطين المها وغزال الريم بنجاح ويظهر ذلك في زيادة اعدادها حاليا كما تم ايضا توطين غزال الادمي عام 6991، الى جانب ما هو موجود في السابق من غزال الادمي وغزال العفري والوعل والمها العربي والنعام والحبارى كما لا تزال المحمية تأوي أنواعا عديدة من الحيوانات منها الأرنب والوبر والذئب والضبع "المخطط" وثعلب الرمال وقط الرمال وغيرها.

مشاهد وصياد
انتقلنا في اليوم التالي على ضوء تنسيق مسبق مع الهيئة الى زيارة المحمية، وقد وضعت في اول اهتماماتي ان اقابل سلامة بن منيف وهو صياد ماهر تحول فيما بعد الى جوال تابع لهيئة حماية الحياة الفطرية، ولكن ظروفا منعته من التواجد خلال رحلتنا يقول سلامة عن واحدة من رحلات الصيد لقد وجدنا في يوم واحد قطيعا مكونا من 52غزالا تمكنا من القضاء على 02منها قبل ان تتمكن الخمسة الباقية من الفرار، وربما لحقت بعضها اصابات ادت الى نفوقها في مكان بعيد عنهم، وفي مقارنته بين الماضي والحاضر قال سلامة بعبارة مغلفة بالحسرة والمرارة (لقد فقدنا غاليا، ولم يبق في الصحراء بهجة او متعة بعد انقراض الغزالان وانعدام وجودها بحالتها الفطرية).


.. هذا الصياد السابق بعد ان اصبح الآن جوالا يتولى الدفاع عن الغزلان بلغ مرحلة متقدمة من الوعي، لكن هذا الوعي على محدودية انتشاره اتى متأخرا للأسف، بعد ان ابيدت الغزلان، وليس صحيحا ان قلة الامطار وانحسار الغطاء النباتي هو السبب الرئيسي لانقراضها، واليك شاهدا مما جاء في كتاب صدر حديثا وضم مجموعة من الدراسات في الصحراء والحياة الفطرية، حيث قال الدكتور يوسف السويدي في كتاب له صدر عام 6002م بعنوان (الصحراء ارض صامتة تنبض بالحياة) ان انتشار السيارات والبنادق الحديثة واستعمالها في الصيد في صحراء الجزيرة العربية بعد الحرب العالمية بلغ الى حد ان الرجل الواحد يصطاد ما معدله مائة غزال في اليوم الواحد، ولهذا فليس غريبا ان تنقرض الغزلان بسرعة.
.. لم نقابل سلامة بن منيف والتقينا بنائبه وهو محمد بن معجب الفهادي ومعه عشرات الرجال المتواجدين في ارجاء المحمية، وقال ان التكوين الطبيعي للمحمية مختلف عن معظم المحميات في المملكة، فثمة صعوبة امام مراهقي الصيد في الوصول الى المسالك بين كثبان او عروق بني معارض الوعرة، فضلا عن وجود سد طبيعي في أحد جهاتها وهو سلسلة جبال طويق، ويساعد في ذلك ميزة أن أبناء المنطقة متفهمون ومتعاونون مع الجوالين في تطبيق اجراءات الحماية.
حديث الأمير بندر بن سعود
في نهاية جولة اليوم توجهت الى صاحب السمو الأمير بندر بن سعود بن محمد الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها، وطرحت عليه عدة أسئلة تتمحور حول الاحياء الفطرية وحمايتها من الصيد الجائر، فقال سموه:
ان الهيئة تمكنت بتوفيق من الله عز وجل ثم بجهود حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - من اطلاق الوضيحي (المها العربي) لترتع في محمية عروق بني معارض بالربع الخالي حرة طليقة دون سياج، وهو ثاني محمية يطلق فيها الوضيحي، واول محمية غير مسيجة يطلق فيها حرا، وذلك بعد نجاح تجربة اعادة توطينه في محمية محازة الصيد "المسيجة" حيث تأقلم الحيوان على العيش معتمدا على نفسه في البرية، وتكاثر بمعدلات "طيبة" وهو ينتشر الان في بعض اجزاء الربع الخالي، وبذلك اصبح "الحلم حقيقة واقعية" ونأمل من الجميع التعاون في الحفاظ عليه وعدم صيده.
واضاف ان اعداد الوضيحي "المها" في محمية عروق بني معارض تقدر بنحو 071رأسا، وغزال الريم بنحو 003رأس، وغزال الادمي بنحو 021رأسا، مشيرا الى أن اعداد الغزلان في جميع المحميات تقدر بنحو 0005غزال تقريبا موزعة بين ست محميات هي( محمية جزر فرسان، ومحمية عروق بني معارض، ومحمية محازة الصيد، ومحمية الوعول، ومحمية حرة الحرة، ومحمية الخنفة) اما اعداد الوضيحي، فبالاضافة الى نحو 071رأسا في محمية عروق بني معارض يوجد نحو 005رأس في محمية محازة الصيد.
واشار الى أنه لا يوجد لدى الهيئة حاليا توجه لانشاء محميات جديدة في منطقة الربع الخالي، علما بان وزارة الداخلية تحظر كافة انشطة الصيد بالمنطقة لمدة معينة لاتاحة الفرصة لازدهار الأحياء الفطرية بها، وهناك منطقة العروق المعترضة بالربع الخالي تخطط الهيئة لحمايتها ضمن منظومة المناطق المحمية، موضحا ان الهدف من انشاء المحميات هو المحافظة على مساحة مناسبة من اراضي المملكة تضم نماذج ممثلة لجميع البيئات الطبيعية فيها بما تحويه من حياة فطرية نباتية وحيوانية،
حي البيئة
وقال لقد اتفق علماء العالم على أن المساحة التي يجب حمايتها من أراضي كل دولة هي مساحة تعادل 8-01% من مساحتها الكلية، ويعني ذلك أننا في المملكة يجب أن نحمي مساحة حوالي 002ألف كيلو متر مربع لم نحم منها حتى الآن إلا حوالي 18ألف كيلو متر مربع أي بنسبة 4% تقريباً من مساحة المملكة.
وأضاف ما زالت هناك بيئات طبيعية كثيرة في المملكة برية وبحرية لم يتم حماية مناطق ممثلة لها، ونحتاج إلى حمايتها لاستكمال منظومة المناطق المحمية التي أعدتها الهيئة وصدر قرار مجلس الوزراء المبني على توصية مجلس الشورى بالإسراع في حمايتها لما فيه فائدة للمواطنين، مشيراً إلى أن هناك خطة تتبعها الهيئة في إقامة المحميات الجديدة متى ما توافر لديها الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لإدارتها وتشغيلها، فالمحميات هي المكتسبات الباقية للوطن والمواطنين من الأجيال الحالية والمستقبلية بإذن الله.
وأشار إلى أن هناك هدفاً أشمل من حماية نوع واحد بعينه من الحيوانات، فالهدف هو حماية التنوع الاحيائي والنظم البيئية بما تحويه من أنواع مهددة بالانقراض أو أنواع نادرة، وتشمل الحماية كافة أنواع المفترسات من القطط البرية والذئب العربي والنمر العربي وغيره من المفترسات وجميعها تلعب دوراً محورياً في حفظ التوازن البيئي.
وقال إن الهيئة تقوم حالياً بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة في بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان) بتنفيذ برنامج لإكثار النمر العربي تحت الأسر باعتباره من أكثر المفترسات ندرة وتعرضاً لخطر الانقراض في الوقت الراهن، كما تقوم الهيئة بحملات توعية للمواطنين للحفاظ على هذه الأنواع، إلى جانب قيامها بتطوير الأنظمة والتشريعات الخاصة بالحماية.
ووصف سموه الذين يقتحمون المحميات لغرض الصيد بأنهم غير هواة صيد، لأن الصياد الحق لا يقتل المصيد ويسفك الدماء، مشيراً إلى أنهم نفر قليل اجتمع عليهم "الجهل" مع انعدام الوعي وضعف الحس الوطني، فخالفوا النظام وعصوا الله الذي أمرهم بطاعة ولي الأمر فيما يراه لصالح الوطن والمواطنين، ومع ذلك فنحن نتعامل معهم طبقاً لأمر الله الذي أمر رسوله عليه السلام أن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فنحن نقوم بجهد كبير للتوعية البيئية لايقاظ "الوعي الغائب" فيهم، ثم بعد ذلك نعمد إلى تطبيق الأثر القائل "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، فنتعامل معهم من خلال تطبيق أنظمة الحماية بالتعاون مع مقام وزارة الداخلية ممثلة في إمارات المناطق.
وبين سموه أن العقوبات المعمول بها حالياً والتي تطبق بحق مقتحمي المحميات تختلف وفقاً لحجم المخالفة ونوعها، ومن الواضح أنها غير رادعة، وإلا لتوقفت المخالفات والتعديات ولما تكررت المخالفة من بعضهم، وهي تتراوح من الإنذار وأخذ تعهد كتابي بعدم العودة، ثم الغرامة والحبس ومصادرة الأدوات المستخدمة في تنفيذ المخالفة.
وكشف سموه أن الهيئة تقدمت بمشروع لتعديل العقوبات وجعلها رادعة للمخالفين بعد أن وافق عليه مجلس إدارة الهيئة وتم رفعه للمقام السامي الكريم للتفضل بالموافقة وإقراره.

زيارة المحميات مفتوح
وحول ما يتردد بين هواة الصيد أن بعضهم يستطيعون الحصول على إذن يسمح لهم بالدخول إلى المحميات والصيد فيها، قال سموه إن المبدأ الأساسي الذي تطبقه الهيئة هو منح إذن بالدخول إلى المحمية لكل مواطن يتقدم بطلب الحصول على هذا الإذن، وليس الأمر مقصوراً على فئة دون فئة ونظام المناطق المحمية ونظام الصيد واضحين وقاطعين في منع الصيد داخل المحميات بأي شكل وفي أي وقت طوال العام، والهيئة تطبق هذه الأنظمة بالتعاون مع مقام وزارة الداخلية بكل دقة والتزام، فضلاً عن أن أحد الأهداف الأساسية من إنشاء المحميات هو بناء الوعي واتاحة الفرصة للتعليم البيئي في الطبيعة ولا يتأتى ذلك إلا إذا اتيح للمواطنين الفرصة كاملة لزيارة المحميات وهي متاحة للجميع دون تفضيل، والهيئة ترحب بزوار المحميات خاصة أولئك الذين يلتزمون النظام ويستمتعون بجمال الطبيعة ولا يتسببون في ازعاج الحيوانات الفطرية بالمحمية أو التعدي على النباتات أو اتلاف البيئة.
الجوالون
وفيما يتعلق بالجوالين الذين يتولون مراقبة المحميات قال إنهم يقومون بدور رئيسي في تشغيل المحميات، ويؤدون واجباً وطنياً فهم يعملون في لهيب الصيف وفي برد الشتاء القارس بعيداً عن عوائلهم من أجل الحفاظ على مكتسبات الوطن وثرواته الفطرية، وهم يبذلون قصارى جهدهم لأداء واجبهم ودائماً نطمح منهم للمزيد من الجد والاجتهاد، ونؤكد أهمية "التعامل الطيب" مع المواطنين ومد يد العون لهم عند الحاجة مؤكداً أن نجاحهم في عملهم يتوقف على دعم ومساندة المواطنين وتفهمهم ووعيهم لما يقومون به في سبيل الحفاظ على تراثنا الفطري، والأمانة العامة للهيئة تعمل وتحرص دوماً على تطوير جهاز الحماية ورفع مستوى أدائه وكفاءته من خلال تنظيم الدورات التدريبية اللازمة للجوالين ورؤسائهم على مستويات مختلفة تبدأ بالبرنامج التدريبي لتأسيس الجوالين وهناك دورات تدريبية على رأس العمل في محمية حرة الحرة ومحمية الخنفة أقامها مركز التدريب في الهيئة بالتعاون مع معهد حرس الحدود، وسوف يستمر البرنامج لتغطية باقي المناطق تباعاً، كما قامت الهيئة مؤخراً بتعيين جوالين مستشارين في بعض المناطق المحمية لمساعدة جهاز الحماية على القيام بعمله على الوجه الأكمل وتوثيق أواصر التواصل مع الأهالي بما يؤدي إلى تحسين العلاقة بين المواطنين وإدارة المحمية.
نوادي الصيد الأهلية
وقال سموه لا يزال هناك من يخالف النظام ويقتل الصيد دون رحمة ويسهم في انقراضه، حيث عملت الهيئة على تنفيذ برامج مكثفة للتوعية البيئية ومحاولة ايجاد متنفس لهم لارضاء نزعاتهم وممارسة أنشطتهم بشكل منضبط لا يؤثر سلباً على الحياة الفطرية، حيث تتوجه الهيئة في الوقت الراهن نحو تشجيع القطاع الخاص على إقامة محميات أهلية لتنظيم الصيد، إلى جانب إقامة نواد للصيد والرماية تشبع رغبات الصيادين وتحافظ على التراث الفطري للمملكة ولن يمر وقت طويل إن شاء الله قبل أن تبدأ بواكير هذا النشاط في الظهور والعمل بعد أن خول مجلس إدارة الهيئة الأمانة العامة للهيئة بإعداد الدراسات اللازمة لإنجاح هذا المشروع.
نقد القنوات الفضائية


وانتقد سمو الأمير العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بعض القنوات الفضائية المتخصصة في الموروث الشعبي التي بدأت ترسخ عبر بعض برامجها الصيد الجائر، بواسطة بث أفلام تسجيلية للصيادين خاصة الصقارين، والتي يصورونها بطريقتهم الخاصة في ميادين الصيد وفيها ممارسة واضحة للصيد الجائر.
ورداً على سؤال حول الهواية الجديدة التي بدأت بالانتشار منذ سنوات وتتمثل بمطاردة فئة من الصيادين للذئاب في مناطق تواجدها البعيدة عن التجمعات السكانية والماشية ومن ثم (قتلها) بالبنادق وبث هذه العمليات عبر مواقع الصيادين على الانترنت أو نشرها في الصحف تحت غطاء أنها معتدية على الماشية، قال سموه إن من يقوم بمثل هذه الأفعال من مطادرة الذئاب وقتلها بدون سبب مقنع يكون آثماً فهذه الأحياء لم يخلقها الله سبحانه وتعالى عبثاً، بل لتؤدي دورها في الكون كما أوكلها الله لأدائه، وقتل هذه الأحياء دون سبب وجيه ثم بث هذه الأنشطة العبثية على الملأ في شبكة الانترنت والصحف والمجلات يزيد من إثم فاعلها، وقد نهى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتخذوا طائراً هدفاً للتسديد نحوه، كما أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعيدوا صغار طائر الحمرة إلى أمها بعد أن فجعوها بأخذها من العش، وهذه الحيوانات المفترسة تعيش في مواطنها التي هيأها الله لها وهي غالباً ما تكون بعيدة عن التجمعات السكانية وتقوم بدور كبير في حفظ التوازن البيئي والصحة العامة، والإنسان هو الذي زاحمها في بيئتها وهدد بقاءها بأسلحته وأدواته الحديثة، وهذا مخالف للشرع الحنيف وللأنظمة والتشريعات الوطنية والدولية، وحتى الإنسان الذي يضطر لقتل حيوان منها دفاعاً عن نفسه وماشيته فعليه ألا يفاخر بفعله ويصوره على أنه عمل بطولي لأنه في الحقيقة خلاف ذلك.

  #5  
قديم 2008-04-22, 09:17 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

"الرمال الذهبية" تستهوي "جواسيس الصحراء"



.. نصل اليوم إلى الجزء الرابع من رحلة الربع الخالي، نفند فيها آراء وحقائق تتعلق بالرحالة الأجانب الذين عبروا الربع الخالي، وبعض المقترحات التي طرحها متخصصون في هذا المجال، فضلا عن آراء وحقائق علمية حول واحد من الثعابين التي تعيش في الربع الخالي.


الثعبان الدفان والغاز السام
.. كنا في كل يوم من أيام رحلتنا نحدد الساعة الرابعة والنصف عصرا موعدا لنهاية التجوال، ففي هذا التوقيت تتوقف قافلة السيارات الست ونبدأ في تجهيز المكان بنصب الخيام إذا لزم الأمر، وإعداد وجبة العشاء التي نتناولها غالبا فيما بين الساعة السابعة والثامنة، ولا يبقى وقت للسمر سوى ساعة أو أكثر قليلاً فالجميع يخلد إلى النوم فيما بين الساعة التاسعة والتاسعة والنصف بعد عناء يوم حافل.
.. في إحدى الليالي وكنا في الجهة الجنوبية من الربع الخالي حل ضيف من أبناء المنطقة في ترتيب مسبق مع أحد أعضاء الرحلة، وروى لنا أن هناك ثعباناً يوجد في الربع الخالي ينفث هواء على جسم الإنسان ويؤدي إلى موته مباشرة.
سألت الضيف أسئلة لأستوضح الأمر وعرفت من الأوصاف التي ذكرها أنه يتحدث عن ثعبان يوجد في المناطق الرملية في المملكة يسمى الثعبان الدفان، وقد سمي بهذا الاسم بسبب قدرته على اختراق الرمال بسرعة ودفن جسمه في باطنها، وهو النوع الوحيد في المملكة من تلك الفصيلة التي تعرف بما يسمى الثعابين العاصرة؛ حيث يلتف الثعبان على فريسته ويعصرها بقوة حتى تموت ثم يبلعها، لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك سوى مع فرائس لا تتجاوز حجم القوارض الصغيرة بسبب أنه صغير إذ يبلغ طوله نصف متر، ليس هذا فحسب بل إنه غير سام نهائيا وليس له أنياب ولا أسنان ولا يتسبب بأي أذى على الإنسان، بعكس ما ذكر لنا الضيف، أما مسألة قدرته على نفث غاز سام فهي خرافة من خيال العوام.
امتد حديث السمر في تلك الليلة عن قصص التعرض لعضات الثعابين ولدغات العقارب؛ وهذا واحد من الموضوعات الرئيسة عند معظم هواة الرحلات البرية عندما يلتفون حول النار قبيل النوم بما يشوب ذلك من قصص وأساطير ومزاعم مكرورة ليس لها سند سوى أننا سمعناها من غيرنا أو أن البعض يتحمس فقط ليشارك في الحديث.
والغريب أن هناك قصصا متشابهة في التفاصيل ومختلفة في الأماكن والأشخاص، وبعضها يرقى إلى الاعتقاد بصحة نتائجها مثل الاعتقاد بجدوى عملية مساهر القريص؛ والقريص هو الشخص الذي تعرض لعضة ثعبان أو لدغة عقرب، فهناك زعم شعبي يقول إن دفع الإنسان القريص إلى عدم النوم عدة أيام يؤدي إلى شفائه من أعراض التسمم ونجاته من الموت، وقد كانت تمارس إلى وقت قريب طقوس تجاه ذلك فيتناوب أقرباء وأصحاب القريص للجلوس والتحدث معه وإذا لزم الأمر تدق الدفوف والطبول لئلا ينام، ويبقون على هذه الحالة عدة أيام ثم يتركونه إذا ظنوا أنه شفي تماما.
والواقع أن القريص قد يكون ملدوغا من ثعبان غير سام أو ثعبان ضعيف "السميّة" أو حتى ثعبان شديد السمية لكن لم ينفذ إلى جسمه جرعة كافية تؤدي إلى الموت، ولهذا يعتقدون أن سهر الملدوغ هو الذي أدى إلى علاجه بينما السم لم يدخل إلى جسمه أو أن الجرعة لم تكن قاتلة.
.. تركز مدار الحديث عن موضوع القريص ومساهرته، وتناولناه من أكثر من جانب، وكان أحد أعضاء الرحلة (تعليمه فوق الجامعي ) يعتقد أنه قد يكون لهذه العملية سند علمي إذا درست وأجريت لها الاختبارات المعملية.
.. وكنت قد سألت الزميل الصيدلي محمد الأحيدب بصفته مدير عام المركز الوطني للقاحات والأمصال.. هل مساهر القريص عملية نافعة لعلاجه؟ وهل الطرق الشعبية الأخرى التي تستخدم لإخراج السم أوعلاج التسمم تؤدي إلى نتائج إيجابية مثل استخدام عامة الناس لطريقة لف مكان اللدغة بكرش خروف بعد ذبحه مباشرة أو وضع كبد غراب أو تقطير سائل يغلي من قطعة من إطار السيارة بعد حرقها، أو استخدام البنزين والعملة المعدنية أو أحجار يؤتى بها من قارة أفريقيا .. هل هذه الطرق وغيرها من الأساليب الشعبية السائدة مفيدة في علاج القريص؟
.. أجاب الأحيدب بقوله: (لا يوجد تفسير علمي لكل الأساليب والطرق الشعبية المتبعة في علاج سموم الثعابين والعقارب، ولم تثبت فاعلية وإمكانية قدرتها على شفط السم أو معالجة التسمم).
.. لكن أنصار استخدام الطرق الشعبية يشيرون إلى أنه بعد تطبيق إحداها على شخص تعرض للدغة ثعبان يحدث أن يخرج سائل أصفر من مكان اللدغة، ويعتبرون ذلك دليلا على النجاح في إخراج السم من جسد الضحية، ويعتقدون أن هذا السائل هو السم. وهذا أيضا غير صحيح- حسب توضيح الأحيدب- لأن موقع الإصابة خاصة بلدغة الثعبان لا يلبث أن يحدث فيه ما يعرف برشح البلازما؛ حيث يخرج سائل أصفر من موقع اللدغة يعتقد المشاهد أنه السم، ويحدث الرشح أيضاً بصورة أقل في لدغة العقرب، وهذا الرشح يحدث سواء استخدمت الطرق الشعبية أو لم تستخدم، فإذا صادف وضع عملة معدنية أو قطعة محروقة من إطار سيارة أو التمر على مكان الإصابة وانساب عليها هذا السائل، اعتقد من يراه أنه خروج السم، وهذا غير صحيح، ولهذا فإن جميع الطرق الشعبية لاستخراج السم من المصاب غير مأمونة، ولا ينصح باستخدامها.
والحل هو في عمل الإجراءات المعروفة لإسعافه، ومنها ربط العضو المصاب للتخفيف من سريان السم داخل أوردة الدم ثم دفع المصاب إلى التخفيف من نشاطه البدني حتى لا تنشط الدورة الدموية لأن نشاطها يساعد في سريان الدم في الجسم ومعه السم، وبعد ذلك ينقل إلى المستشفى لتلقي المصل المناسب لنوع الثعبان مع الحرص على طمأنة المصاب ومساعدته على الاحتفاظ برباطة الجأش.

ضب الخرخير
.. دعا عامل آسيوي في محطة توقفنا فيها للتزود بالوقود في الخرخير أن يسألنا (أنت فيه أكل ضب). وقد يكون احتك بالصيادين من المنطقة الوسطى المهووسين بصيد وأكل الضب والذين يعبرون هذه المناطق في رحلاتهم لصيد الأرانب البرية غير آبهين بمنع الصيد في الربع الخالي، أو سمع منهم عن اسم هذا الكائن بينما الضب لا يوجد في هذه المنطقة من الكثبان الرملية وإن كان يوجد في أطراف أخرى من الربع الخالي بعيدة عن هذا المكان، ولا أدري لماذا تذكرت حينها ذلك الرحالة التركي أوليا جلبي، فهل الرابط بين العامل الآسيوي والرحالة التركي هو الجهل المشترك في تكوين كل منطقة وطبيعة الأحياء الفطرية التي تعيش فيها، فالرحالة التركي الذي قدم إلى شبه الجزيرة العربية في القرن الحادي عشر الهجري استعان مثل غيره من الرحالة بأبناء المنطقة في عبور قفارها.
وقال في وصفه لسلوك مرافقيه إنهم يقدمون لكبيرهم سمكا وهم في عرض الصحراء مستغربا من ذلك وهو لا يرى أنهارا أو بحيرات، كما قال الرحالة التركي في سياق وصفه لرحلته إلى شبه الجزيرة العربية في كتاب عن رحلاته في مناطق عديدة من العالم: (وقد أكلت أنا العبد الفقير من هذا السمك، وكان لذيذا ومقويا بدرجة ملحوظة، وكانت الأسماك تسبح في الرمال كما لو كانت تسبح في البحر).
وفي تعليق مترجم الكتاب إلى العربية وهو الدكتور الصفصافي أحمد المرسي رجح أن هذا الوصف عن سمك الصحراء ما هو إلا حديث عن الضب.
ولعل مرافقي التركي كانوا يقدمون إليه الضب بعد تقطيع أطرافه وعكرته وطبخه بحيث يبدو بشكل مشابه للسمك، وعلى أي حال سنعتبر وصف التركي فقيرا في المعلومة.
وقد تتساءل عزيزي القارئ ماذا لو كان أوليا جلبي بشهرة الرحالة الذين عبروا الجزيرة العربية أمثال عبدالله فيلبي أو مبارك بن لندن، هل سيأتي من هو مثله في الجهل بهذا الجانب ليحلل هذا الوصف ويخرج بحقائق عن أسماك الصحراء في شبه الجزيرة العربية؟!
.. مثل هذه "المضحكات" في كتب بعض الرحالة لا تجعلنا نغفل أنها من أهم مصادر البحث خاصة فيما يتعلق بالربع الخالي الذي قال عنه ولفرد ثيسجر الملقب مبارك بن لندن وهو من أشهر عابري الربع الخالي في القرن الميلادي الماضي، قال مندهشا في كتابه الرمال العربية: (منذ أن تركت جزيرة العرب سافرت إلى أماكن كثيرة منها هندوكوش وجبال تركستان ومستنقعات العراق، مدفوعا دائما إلى الأمكنة البعيدة؛ حيث لا تصل السيارات، ولقد رأيت قسما من أروع المناظر في العالم، وعشت بين قبائل غير معروفة، ولكن واحدا من هذه الأمكنة لم يهزني كما فعلت صحراء (الربع الخالي).
.. وبصرف النظر عن البحث وراء مسببات إعجاب بن لندن وأمثاله وتعلقهم بالربع الخالي، فقد كتب عدد من الباحثين عن أهداف الرحالة الأجانب الذين غامروا خلال القرن التاسع عشر الميلادي في عبور هذا المنطقة "المهلكة"، وقد أعجبني ما كتبه المحقق والباحث الميداني الأستاذ عبدالله بن محمد الشايع في أحد موضوعات كتاب له بعنوان "في أرض اللبان والبخور"، حيث قال: (هؤلاء الرحالة الغربيون أمثال برترام وعبدالله فيلبي وويلفرد ثيسجر الملقب مبارك بن لندن وويندل فيلبس، هؤلاء حباهم الله قوة الاحتمال ورباطة الجأش، وحب المغامرة وكشف المجهول، وفي رحلاتهم في رمال الربع الخالي قدموا لنا معلومات قيمة عن أطراف وأعماق هذه الرمال ودونوا لنا أسماءها التي كان سكان المنطقة يسمونها بها عند عبورهم لهذه الرمال. ولم يكن باستطاعة هؤلاء تنفيذ مهماتهم لولا أولئك "الرجال الشجعان" من أبناء القبائل العربية الذين كانوا يرتادون رمال الربع الخالي ويرعون إبلهم ويمرون من خلالها في أسفارهم؛ فهم الذين أرشدوهم إلى مسالك وموارد المياه المطمورة تحت الرمال بحيث لا يعرفها إلا مثلهم، وكان هؤلاء الرحالة ينتقون من هؤلاء الأدلاء من يتوسمون فيه القوة والشجاعة؛ ولهذا تحقق لهؤلاء الرحالة ما أرادوه من التجول عبر هذه الكثبان والبحار الرملية وكتبوا لنا نتائج رحلاتهم التي أصبحت مراجع لنا وللأجيال القادمة).
.. وإذا ذهبنا إلى أبعد مما قاله الشايع سنصل إلى الحقيقة التي يتداولها كثير من المهتمين والباحثين في هذا المجال، تلك الحقيقة التي أجدها ملخصة ومختصرة في التعريف بالنسخة العربية لكتاب الصحراء والمعمورة للرحالة غيرترود لوثيان بل ترجمة عادل زكار، حيث كتب الناشر على الغلاف الخلفي للكتاب: (منذ أوائل القرن التاسع عشر بدأت الحكومات الأوروبية ترسل الرحالة والمبعوثين إلى البلاد العربية والإسلامية بذرائع الكشوف الجغرافية والبحث عن الآثار، ولكن معظم هؤلاء الرحالة كانوا في الحقيقة (جواسيس) من أجل دراسة أحوال البلاد الاقتصادية والسياسية و"المذهبية" وإيجاد السبل التي تساعد على استعمارها. وتندرج رحلة غيرترود لوثيان ضمن هذا التوجه من الرحلات).

"التغريز" في جامعة الربع الخالي
.. أثناء التخطيط لرحلتنا إلى الربع الخالي كنا نرى أن الخطوة الأهم هي الاستعداد بسيارات حديثة ذات دفع رباعي مزودة بكل معدات السلامة والمستلزمات اللازمة لاقتحام الكثبان التي درسنا طبيعتها اعتمادا على الخرائط الطبوغرافية والصور الجوية المتاحة باستخدام برنامج (Google Earth) الذي يوفر تصورا لحجم هذه الكثبان الشاهقة الارتفاع والمتداخلة بألسن من الرمال المتشابكة، لكن المعايشة على الطبيعة مختلفة تماما إذ تتطلب قيادة السيارة هناك مهارة عالية تراعي التكيف مع طبيعة الأرض لا عنادها، فقد يستغرق قطع مسافة خمسة كيلومترات في اتجاه محدد مدة نصف ساعة من الدوران والالتفاف على تشكيلات الرمال، ويتطلب الأمر أيضا جرأة وإقداماً من السائق خاصة إذا توسطنا فيما يعرف بالعرق فنصل مرتفعات ومنحنيات تشتبك بشكل مفاجئ بمنحدرات لا يرى السائق بعدها ما الذي أمامه هل هو "لسان مائل أو نقرة"، خاصة إذا كان السير في وقت الظهيرة عندما تتعامد الشمس فتختفي الظلال؛ التي تعطي بعدا يجسد التضاريس، فلا يبصر السائق جيدا حواف تشكيل الرمال. وفي مثل هذه الحالات ليس هناك مجال للتردد، بل يتطلب الأمر مزيدا من الإقدام الحذر وبالذات من السائق الذي يتقدم القافلة لأنه سيكون بمثابة الدليل للسيارات التي تليه فإذا تردد وتوقف بين ألسنة الرمال الضيقة في


مسالكها سيوقع السيارة في التغريز، وبالتالي تقع بقية السيارات فيما وقع فيه.
.. في إحدى الحالات وقع "التغريز" بمنطقة تسمى سرداب، في وسط حفرة من الرمال وفشلت محاولات السائق في إخراجها فاضطررنا إلى استخدام سيارة أخرى لسحبها بالونش المثبت في المقدمة واستطعنا فعلاً إخراج السيارة، وبعد هذه الحالة في تلك المنطقة البالغة الوعورة، وأثناء الانتظار كي يكمل كل سائق الاستعداد لمواصلة تسلق العرق من جديد، أمسكت بملف أحتفظ به ويحوي مجموعة من القصاصات الصحفية عبارة عن مقالات وتقارير وأخبار سابقة عن الربع الخالي. استوقفني مقال يطرح فكرة إقامة جامعة في الربع الخالي. سألت مرافقي ما رأيك في إقامة جامعة للربع الخالي في هذا المكان، فنظر إلي بارتياب لكنه تجاوب معي لما عرف أنني أقرأ مقالا نشر في صحيفة الرياض، ورأى مرافقي أن هذه فكرة غير واقعية ولا يمكن تطبيقها.
.. إن تناول هذه الفكرة بالتأكيد لا يكون بهذه البساطة، وحتى لو درست فإن مراعاة الظروف الملائمة لتحقيقها سوف تؤخذ بالحسبان، وإذا كانت غير واقعية فمنطلقها منطقي جدا. وعلى أي حال فإن الفكرة وأفكار مماثلة هي للكاتب المعروف الأستاذ عابد خزندار الذي كتب في سلسلة مقالات عن الربع الخالي ما يلي:
@ في نهاية مقال له نشر في صحيفة الرياض بتاريخ 1428/10/12ه ناشد ب (أن يؤسس جامعة في قلب الربع الخالي تعنى بعلوم وأبحاث الصحراء، فتسعون في المائة من أراضينا صحراوية، وعار علينا أن نعتمد على علماء من دول أخرى قد يجدون الوقت أو لا يجدونه لدراسة الصحراء وخاصة أنه لا صحراء لديهم).
@ وفي مقال آخر نشر في الرياض بتاريخ 1427/11/20ه كتبه معقبا على تصريح لمعالي رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي يفيد بأن الدولة ستدعم البحث العلمي حتى يصل إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي، قال خزندار: (إننا نحتاج إلى تأسيس ثلاثة معاهد للبحوث نستقدم لها خبراء من جميع أنحاء العالم)، وذكر منها (معهد لأبحاث الربع الخالي ذلك المجهول الأكبر فرغم مرور خمسين عاما على إنشاء الجامعات إلا أنها جميعا لم تقم بأي محاولة لإجراء أبحاث على هذه القارة المجهولة).


@ وفي مقال ثالث بعنوان مرة أخرى عن الربع الخالي دعا خزندار إلى تشجيع تأسيس مدينة لأبحاث الربع الخالي تؤسس في قلبه أو قريباً من المياه العذبة، بحيث تحتوي المدينة على كلية لعلوم الصحارى ومعهد لأبحاث علوم الصحارى نجلب لهما أساتذة وخبراء من كافة أنحاء العالم).
.. وفي هذا السياق واعتمادا على نظرة استراتيجية اقتصادية اقترح قبل عامين الأستاذ الدكتور ناصر الوليعي أستاذ الجغرافيا الطبيعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مقال مماثل تأسيس منطقة إدارية سماها الربع الخالي، وحددها من الجهة الشمالية في منطقة جنوب حرض عند درجة عرض 24، واقترح أن تكون إمارتها في يبرين أو الخرخير، وتوقع الوليعي أن تكون منطقة الربح الخالي وفقا لاقتراحه من أكثر مناطق المملكة نشاطا سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو بالسياحة.

  #6  
قديم 2008-04-22, 09:18 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

حياة الصحراء تتجدد مع "وسائل التقنية".. وتكسر خوف "المترددين"



تتناول جولة اليوم من رحلتنا إلى الربع الخالي أحد المشاهدات المفاجئة وهي أسراب من الجراد انطلقت من الجزء الجنوبي الشرقي إلى شمال غرب الربع الخالي، كما امتدت إلى تبيان حقائق حول هجرة الجراد إلى شبه الجزيرة العربية إضافة إلى جانب الحديث عن الجراد كواحد من مصادر الغذاء بالنسبة لجيل الآباء والأجداد. كما نتجول في مكان من أفضل المناطق التي تميزت بغطاء نباتي كثيف نسبيا. كذلك تناول بعض الآراء التي طرحت عقب قيام هيئة المساحة الجيولوجية في مارس من عام 2006م بتنظيم رحلة لعدد من العلماء والمتخصصين.

سيول غزيرة سبقت إعصار قونو
أبو محمد أحد الأصدقاء في رحلتنا إلى الربع الخالي كانت له جولة قبل عامين في الجهة الجنوبية من الربع الخالي.
قال في وصفه للغطاء النباتي أثناء جولته التي تزامنت مع فصل الربيع أنه ضعيف جدا، ونادرا ما كان يرى غير أشجار متباعدة من الأرطى. أما في جولتنا هذه فقد مررنا بمناطق ذات غطاء نباتي كثيف، وشاهدنا مساحات واسعة؛ خاصة في الأجزاء الجنوبية الشرقية من الربع الخالي، حيث اكتست أرضها بنباتات الزهر والأرطى والثداء والنصي والحاذ. ومن المعروف أن أكثر النباتات التي تنمو في الربع الخالي يكفيها سيل غزير يهطل مرة واحدة لتبقى خضراء طوال العام بل إن الأرطى ينمو ويبقى غضا مدة ثلاث سنوات إذا هطلت الأمطار بغزارة مرة واحدة. كنا نتوقع أن الأرض ارتوت بتأثير أمطار هطلت عقب إعصار قونو الذي ضرب السواحل العمانية قبل عشرة أشهر وربما امتد حتى وصل هذا الجزء من الربع الخالي، لكن الأمر ليس كذلك حسب إفادة حسن الفهادي الذي وجدناه هناك ومعه إبل مجاهيم ترعى في المكان؛ حيث قال إن أمطار إعصار قونو لم تصل إلى هذه المنطقة، مشيراً إلى أنه نمت النباتات بعد سيول غزيرة هطلت صيفا قبل أكثر من عام، ولما سألته عن سبب قلة أعداد الإبل التي ترعى في المنطقة قال إن معظم أصحاب الإبل يضطرون إلى ترك المراعي حتى لو كانت غنية ويذهبون إلى مناطق أخرى قرب الهجر أو مصادر المياه فدرجات الحرارة تبدأ في الارتفاع التدريجي في مثل هذه الأيام وتتجاوز الخمسين في الصيف، فلا يحتمل الرعاة ولا إبلهم نقص المياه التي يصعب إحضارها بسبب وعورة المنطقة.
شح المياه
وتبقى مسألة شح المياه التي ترافق الحديث عن بالربع الخالي واحدة من أهم مظاهره كما يرتبط في أذهان الكثيرين، وقد اعتمد السكان على التزود بالمياه من القلمات (مفردها قلمة) وهي تلك الأنابيب الظاهرة على سطح الأرض المتصلة بآبار محفورة، مثل (قلمة المهولة)، واعتمدوا كذلك على الآبار والعدود أو ينابيع يتسرب بعضها في أراض سبخة فتنتج مستنقعات أشبه بالبحيرات، وقد شاهدنا بعضها، كما شاهدنا في رحلتنا تجمعات مائية ناتجة عن أعمال حفر في المناطق المنخفضة بين حبلين (عرقين) من الرمال، وفيما يبدو أن مقاول إنشاء الطرق هناك هو الذي حفرها من أجل استخراج المياه واستخدامها في أعمال السفلتة، لكن ليس كل هذه المصادر صالحة للشرب فبعضها مياه كبريتية وأخرى مالحة أو فيما يعرف عند البادية (هماج).
رحلة هيئة المساحة الجيولوجية
لقد ألقت قضية المياه في هذه المنطقة بظلالها على رحلة الربع الخالي التي نظمتها خلال شهر مارس عام 2006م هيئة المساحة الجيولوجية ودعت للمشاركة فيها عدد من العلماء والمتخصصين من داخل المملكة وخارجها، وواكب هذه الرحلة التي سميت بالعلمية الاستكشافية تغطية إعلامية مكثفة، وكان من أهم ما أثير إعلاميا القول بأن هذه الرحلة العلمية نتج عنها اكتشاف بحيرات في الربع الخالي.
وفي حين رأي عدد من المتخصصين أن رحلة هيئة المساحة الجيولوجية لها ايجابيات أهمها لفت الانتباه إلى هذه المنطقة التي توصف عند بعضهم بالمنطقة المجهولة، فقد واجهت هذه الرحلة نقدا من كتاب ومتخصصين رأوا أنها رحلة لم تنضبط بمعايير الرحلة (العلمية)، ومن أبرز هؤلاء المنتقدين الدكتور عبدالعزيز الجارالله الكاتب في هذه الصحيفة؛ حيث قال في مقال نشر عقب تصريح عدد من المتخصصين المشاركين في الرحلة بأنهم اكتشفوا مواقع جديدة، قال: (لابد من التقيد العلمي في استخدام عبارة الاكتشاف لأن الربع الخالي كما يظهر للبعض أنه خال وغير مكتشف أمر يخالف الواقع العلمي)، وعلل الجارالله ذلك بأن معظم مظاهر التضاريس هناك موجودة على الخرائط إضافة إلى توافر معلومات في سجلات شركة أرامكو وكتب الرحالة الذين عبروا الربع الخالي ومحرك البحث (Google Earth) الذي يوفر لأي مستخدم للإنترنت صورا جوية حديثة لأي بقعة في العالم، فضلا عن أن المظاهر الجغرافية معلومة لدى القبائل التي سكنت في الربع الخالي.
"الرياض" والربع الخالي
وقد وصل الأمر إلى حد أن وكيل وزارة المياه الدكتور علي الطخيس؛ الذي أدلى بتصريح لنشرة (مياه الشرقية) عقب رحلة هيئة المساحة الجيولوجية، قال: (إن ما توصل إليه الفريق وأطلق عليه اكتشافات بحيرات هو حقائق معروفة للوزارة منذ أربعين عاما عن آبار تعرضت للتأكل) مشيرا إلى أن تكلفة مياه البحر أقل بكثير من جلب ومعالجة مياه الربع الخالي المرتفعة الملوحة. ورغم الانتقادات التي وجهت إلى الرحلة التي نظمتها هيئة المساحة الجيولوجية فإن من أبرز ايجابياتها أنها حفزت عدداً من المتخصصين المشاركين وغير المشاركين في الرحلة للكتابة والإسهام عبر وسائل الإعلام المحلية بأفكار ومقالات علمية طرحت أمام أصحاب القرار والمسئولين وعامة الناس، وقد يوازي حجم ونوعية ما نشر من تقارير ومقالات علمية عن الربع الخالي خلال سنة واحدة بعد الرحلة في صحيفة واحدة مثل الرياض حجم ما نشر في كل الصحف المحلية خلال عشرة أعوام.
إشارة إلى تحقيقات "الرياض" التي نشرها الزميل محمد الغنيم، وتم نشرها في كتاب "الرياض".
يوم الجراد
كتبت في حلقة سابقة أن قائد السيارة الذي يتقدم القافلة في رحلتنا تقع عليه مهمة إرسال التنبيهات والتحذيرات إلى بقية السيارات بواسطة أجهزة الاتصال اللاسلكي، وكنا نتابع المسير في ظهيرة اليوم السابع في أطراف منطقة تسمى الحباك قبل أن نصل إلى منطقة العروق المعترضة في الزاوية الجنوبية الشرقية من المملكة، وهاتان المنطقتان من أجمل المناطق التي مررنا عليها من حيث تميزها بكثافة الغطاء النباتي من شجيرات الأرطى والعلقى والزهر والثدّاء والهرم والحاذ، ولم ننتظر في هاتين المنطقتين بالذات من قائد سيارة المقدمة الزميل (أيمن)، إلا تنبيهات لما اعترضه من مصاعب قد تعيق تقدم بقية السيارات، لكن المفاجأة الجميلة بالنسبة إلى بعضنا أن صوت السائق انطلق عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي بعبارة (الجراد.. الجراد.. لا يفوتكم). كانت المسافة التي تفصل بين السيارة والأخرى من السيارات الست في حدود نصف كيلومتر ولهذا لم تتسن مشاهدة أسراب الجراد إلا لراكبي سيارات المقدمة بعد أن أفزعتها السيارة الأولى وطارت في أسراب بدت كالسحاب في كبد السماء - حسب إفادة السائق - منطلقة باتجاه الشمال الغربي في عمق أراضي المملكة من الربع الخالي.
أوقفنا السيارات وترجلنا لمشاهدة ما تبقى من الجراد على الأرض كي نتلقط الصور الفوتوغرافية قبل أن ننطلق من جديد لمواصلة الرحلة. وهنا حدث نقاش بين الزملاء الذين توقفوا وشاهدوا الجراد عن قرب، فأبو صالح - وهو أكبرنا سنا - رأى أن هذا نوع من الجراد يسمى (العيفاني) وهو بحجم الجراد الذي يباع خلال موسمه في الأسواق (طوله 6سم تقريبا)؛ والعيفاني وفقا للتسمية الشعبية مختلف تماما عن ذلك النوع الذي يؤكل ويتخذه - إلى وقت غير بعيد - سكان بعض مناطق المملكة مصدرا من مصادر الغذاء، بل ويعتقدون بفائدة أكله فيقولون في الأمثال (إذا جاء الفقع صر الدواء وإذا جاء الجراد انثر الدواء)، لأن الجراد المأكول يتغذى على أنواع من النباتات ذات عناصر وخواص علاجية بينما يصعب تنظيف الفقع من الأتربة فضلا عن أنه عسير الهضم فيتعب المعدة والأمعاء.
ورأى أبو صالح أيضا أن الجراد المأكول لا يأتي إلا في بداية الشتاء وتحديدا في المربعانية، بينما رأى غيره أن هذا هو الجراد الصحراوي المأكول لكنه في طور من أطوار حياته، وقد فرغت الإناث من أحشائها البيض فاكتسبت لونا مختلفا عن اللون الذي تكتسبه في مرحة وجود البيض في جوفها. والمرجح أن هذه الأسراب فرغت بيضها في هذا المكان من الربع الخالي، حيث أن البيض - حسبما تؤكد المصادر العلمية - قد يبقى عدة سنوات ثم (يفقس) لاحقا متى ما تهيأت الظروف الملائمة لذلك.
كما أنه يوجد أنواع من الجراد الصحراوي المهاجر متقاربة في الشكل والحجم، وأهم ما يميزها كبر حجمها بمقارنتها بأنواع أخرى من الجراد المحلي في المملكة، أما لونها فهو أحمر عند البلوغ، وأصفر شاحب بعد البلوغ. وبقدر ما كان سكان شبه الجزيرة العربية يخشون الجراد الصحراوي بسبب نهمه الشديد وقدرته على تدمير الحقول الزراعية والمناطق الرعوية بالتهامه النباتات والمزروعات كانوا يستبشرون في زمن الحاجة وقلة الموارد ويرونه صيداً ثميناً وطعاماً مرغوباً في موسمه. وكانوا يسمونه التهامي ويضربون به المثل في كثرة الشيء، وقد قال الشاعر دندن الفهيم (من قدماء شعراء شمال المملكة):
قال من هو شاق له لفظ الكلام
والمثايل وردن لمن بغاه
هاض قيلي مثل عمدان الجراد
التهامي مروح يتبع رحاه
وقال الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري:
الله من قلب همومه تقزيه
تدك به مثل الجراد التهامي
من ما جرى قامت تتله مشاحيه
تل الرشا من فوق هدف المقامي


إن أغلب أنواع الجراد الصحراوي المهاجر تأتي إلى أراضي المملكة من شرق ووسط إفريقيا حيث تتكاثر هناك خلال مواسم الأمطار ثم تنطلق على هيئة أسراب كبيرة في أكثر من اتجاه. ولم يتوصل العلماء إلى دوافع هجرة الجراد، ويشيرون إلى أنها قد تكون بسبب نقص الغذاء أو حدوث فيضانات في المنطقة التي تعيش فيها، كما أن الدراسات لم تستطع رسم مسارات لطرق هجرة أسراب الجراد بشكل محدد وثابت، إذ تختلف وجهتها من عام إلى آخر، وقد تهاجر في أي سنة، وهناك من العلماء من توصل إلى أن للجراد موجات هجرة تتكرر كل خمسة عشر عاماً. وقد تصل خطورتها إلى حد أن عدد السرب الواحد يبلغ آلاف الملايين من الجراد متكونة أثناء طيرانها في هيئة غيوم تحجب أشعة الشمس. ورغم التقدم في وسائل الرصد والتتبع مثل استخدام الرادارات والصور الجوية لمعرفة اتجاه طيرانها، ورغم التقدم في الأساليب التي يمكن من خلالها السيطرة على الحيوانات والحشرات للحد من تكاثرها مثل إنتاج ذكور عقيمة لا تستطيع التخصيب، إلا أن تلك الأساليب وغيرها لم تنجح في السيطرة على أسراب الجراد، ولهذا مازالت عملية الرش بالمبيدات هي الطريقة الفاعلة للقضاء على أنواع الجراد ومنعها من تدمير الحقول الزراعية والغطاء النباتي، ولذلك ينبغي أن يحذر الأشخاص الذين ما زالوا يتسلون بأكل الجراد في الوقت الحاضر وأن يتابعوا النشرات والأخبار التي تعلن بواسطة وسائل الإعلام والجهات المعنية والتي تتضمن عادة التحذيرات من خطورة أكل الجراد الذي تمت مكافحته بالمبيدات مع توضيح أماكن الرش، والمسارات المتوقع أن تسلكها أسرابه.


حارس فراش النوم بالمجان
صالح أحد الأصدقاء في رحلتنا إلى الربع الخالي، هو من أولئك الرجال الذين يجدون راحتهم ومتعتهم في خدمة رفاقهم يساعده في ذلك أنه يتمتع بمزايا عديدة فمن المهارة في قيادة السيارة وسط معترك كثبان الرمال إلى معرفة أدق التفاصيل في ميكانيكا السيارة وتجهيزاتها اللازمة للرحلة وليس انتهاء بحسن تدبيره لما يتعلق بالاستعداد التمويني. ومن اللافت طوال أيام الرحلة أنه أول من يصحو قبيل صلاة الفجر ليبدأ يومه بهمة ونشاط وآخر من ينام في نهاية يوم حافل بالنشاط وأحيانا بالإجهاد بعد أن يتحقق من أن كل شيء يسير حسب الترتيبات المتفق عليها. في إحدى الليالي تأخرت في النوم، والتأخير هنا يعني أن الساعة تجاوزت التاسعة والنصف ولم ننم، جاء صالح ليطمئن فأخبرته أنني أحاول الإمساك بالحارس الشخصي لفراش النوم. كان مستغربا وقال: رغم أنني من محبي الصحراء وقد أمضيت جزء من عمري في الرحلات البرية بما يتطلب ذلك من معايشة الكائنات البرية بأنواعها المختلفة إلا أن فكرة الحارس الشخصي لا أعرفها، ثم بدأ يراقبني أثناء قيامي بتصوير نوع من المفصليات (الحشرات)، وسأل كيف تكون هذه الحشرة حارسا لفراش النوم. أجبته بأن هذا النوع اسمه السرعوف ويعرف عند عامة الناس باسم (فرس النبي)، وينتمي إلى الحشرات المفترسة، ومنه أنواع صغيرة وكبيرة، وقد يصل طول النوع الكبير إلى عشرة سنتيمترات، ولا يظهر (السرعوف) إلا في الصيف، وربما كان لدفء الأجواء في الربع الخالي دور في أن نجده تلك الليلة، فقد بلغت درجة الحرارة ونحن في أوائل شهر فبراير 31درجة في ظهيرة أحد أيام الرحلة. وهذه الحشرة توجد غالبا على الأرض وقد تبقى على الأشجار المشابهة للونها لعدة أيام، ولا تستخدم الأجنحة للطيران إلا في حالات نادرة. والسرعوف خاصة النوع الأخضر الذي يتميز بقدرته على مد أطرافه الأمامية منطبقة أمامه، يعتبر نافعا حيث يتغذى على الحشرات الضارة بالإنسان، ويساعده في الافتراس فك قوي يواجه به دون خوف العناكب والعقارب ويقتلها. ومع هذا هو حشرة هادئة عندما يتعامل معها الإنسان وقد يألفه فيأكل من يد الإنسان إذا أطعمه، كما يمكن الاستفادة منه بواسطة ربطه بخيط طويل إلى جوارك أثناء النوم في الصحراء ليعمل حارسا أمينا فيقف بالمرصاد لبقية الحشرات الأخرى ويفترسها فيكفيك من شر هجماتها. والغريب أن قدرة (السرعوف) على افتراس الحشرات لا تنفعه في مقاومة ألد أعدائه وهي الرعاشات (الزنابير) التي تصغره في الحجم لكنها تفترسه بعد تخديره ثم تنقله إلى عشها لتتغذى عليه اليرقات.

  #7  
قديم 2008-04-22, 09:20 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

"الطيور المهاجرة" تملأ الفضاء بحثاً عن "لقمة العيش"


تعتبرالساعات الثلاث الأولى بعد بزوغ الشمس ومثلها الساعات الثلاث قبل مغيبها أفضل الأوقات لالتقاط الصور الفوتوغرافية، وما عدا ذلك فمن النادر أن يخرج المصور بلقطات جيدة للمناظر الطبيعية، ومع هذا كنت أوزع يوميا أوقات الصباح الباكر بين تصوير المناظر الطبيعية وبين تتبع أثر الطيور والحيوانات خاصة الأخيرة فأغلبها ليلي المعيشة لا يظهر نهارا.


لقد شاهدت أثر الثعلب والجرابيع والجرذان الصحراوية والأرانب البرية وأكثرها في ذعبلوتن وشقة سرداب، كما شاهدت آثار أنواع من الزواحف منها الصقنقور الذي يعرف أيضا باسم الدسيسة. أما الطيور البرية المهمة فقد شاهدت مرة واحدة أثر الكروان، لكن المشهد المثير الذي لم أتوقعه هو أثر الحبارى (جرة الحبارى).


جرة الحبارى
توقفت عند الأثر والتقطت له عدة صور، ولو كنت هاويا للصيد بالصقور لأصبت بارتباك وربما خفة، فلا شيء يثير (الصقار) في رحلة القنص أكثر من (جرة الحبارى)، فهذا الأثر يعني الإثارة المرتقبة في مشهد رحلة الصيد، ومعه تأتي النشوة ونسيان تعب الرحلة التي تكون غالبا طويلة وشاقة، وهي لحظة بدء استنفار الخبرة والتحدي في العثور على الحبارى نفسها، ثم المعترك والمحك - إذا عثر الصقار على الحبارى - لاختبار حسن تعليمة وتدريبه لصقره أو مزيد من التعلق والثقة بالصقر إذا كان مدرباً ومجرباً. ليس هذا فحسب بل إن المشاعر نفسها تمر على الصقار عندما يسمع عبارة (عندي جرة)؛ التي يخبر بها الصقارون بعضهم بواسطة أجهزة اللاسلكي عندما تكون السيارات متفرقة في رحلة الصيد.
لكن عبارة (عندي جرة) أصبحت قليلة الاستخدام بسبب ندرة الحبارى، فقد يمر الموسم والموسمان بما فيه من جولات ورحلات دون أن يرى الصقار الحبارى أو جرتها لأن السنوات الأخيرة من القرن العشرين شهدت (في مسرح رحلات المقناص) سباقا في التفاخر والتباهي بارتكاب عمليات إبادة واسعة النطاق لهذه الطريدة المغلوبة على أمرها في صحارى المملكة.
إن المحميات الطبيعية هي الملاذ الوحيد للحبارى التي تعيش في المملكة حاليا، وحتى هذه المحميات لم تسلم من عبث مقتحميها لدواعي الصيد. وقلة من الصقارين يدركون أن الحبارى توشك على الانقراض، ونادرا ما نجد من يوازن بين الاستمتاع في هواية صيد الحبارى وبين المساعدة في المحافظة على طريدته بعيدة عن شبح الانقراض الكامل.


قصيدة المشتاق
أعرف تماما أن الصديق ثامر بن عبدالله الماضي من هؤلاء المتعلقين بالصيد بالصقور والمتعقلين في ممارسة الهواية. اتصلت به بعد التقاط صورة الأثر، وأنا أعرف أنه لم ير أثر الحبارى رغم كثرة رحلاته هذا الموسم،لأقول له مداعبا (عندي جرة يا ثامر)، فجاءني صوته عبر الهاتف الفضائي (الثريا) متلهفا يسأل، أين مكانها؟ قلت له إنني في منطقة (القماعير) في الربع الخالي. وهذا ما انتهت عليه المكالمة في الصباح، ولأن ثامر شاعر أتى صوته حزينا في المساء يتصل ليسمعني القصيدة التالية:


الصيد ولعـة والليالـي مدابيـر
وبيني وبين الطير عشق وعلاقـة

عشقة تساوي مع بنـي غناديـر
مرة تفوق البنـت ومـرات فاقـه

مالي هوى بالسوق صر الدنانيـر
ولا لي هوى دش البحر والحداقة

أنا هـواي الخـرب لارده الطيـر
ومن عقب ما رده تنكس وعاقـه

بارض خلا ما تلمح اللي بها يسير
غير بـدوي سـارح فـي نياقـه

مير البلا هالوقت ما عينت خيـر
طيور الحرار اللي سريع انطلاقـه

قل الحباري هـم كـل الصقاقيـر
حتى على الجره تجيهـم شفاقـة

ولو تذكر الجره جنوب القماعيـر
والا شمال الاجردي فـي طراقـه

راحوا لها ما حسبـوا للمخاسيـر
ولو قبلهم قناص جاهـا وحاقـه

كله رضا للقلب طرق المشاويـر
والا ان عصيت القلب زاد اختناقه

أنا أشهد ان الصيد ولعة وتعزيـر
ولاجتمعن الثنتين صارت حماقـة

ويا كم ربطن الطيـور المغاتيـر
ما منهن اللي داغر الخرب ذاقـه


هجرة الطيور
لم يكن أثر الحبارى هو المشاهدة الوحيدة للطيور وآثارها إذ شاهدنا أنواعا من الطيور المحلية والمهاجرة، وفيما يلي تسميتها (وما بين الأقواس هي التسميات المحلية أو الشعبية في المملكة)، ومن هذه الطيور العصقور الدوري (الكحالي)، وبلشون القطعان (الغرنوق العربي، أو غرنوق البقر)، والطول أسود الجناح (باعود)، والعوسق (الشبوط أو الشرياص أو الباشق)، وعقاب السهول (العقاب)، والنسر المصري (الرخمة)، والأبلق الرملي (الرقيعي)، ودخلة الصحراء (دخيخلة الخلا)، والدخلة المغردة (البصوة)، والقبرة الهدهدية (أم سالم)، والقبرة المتوجة (القوبعة)، والسنونو (الخاطوف)، واليمام المطوق (القوقسي)، والذعرة البيضاء (المسلق أو أم عجلان)، والصرد الرمادي (الصبري أو السّرد أو أبا العلا).
ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن توقيت رحلتنا إلى الربع الخالي لم يوافق إحدى رحلتي الهجرة أو العودة للعديد من أنواع الطيور المهاجرة التي تعبر الربع الخالي في واحد من أهم مسارات هجرتها مثلما تعبر بقية مناطق المملكة في مسارات أخرى. فهجرة الطيور من شمال الكرة إلى جنوبها تتركز في شهر سبتمبر أما رحلة العودة من الجنوب إلى الشمال فتوافق شهر أبريل. والمعروف - علميا - أن معظم الطيور التي تهاجر من الشمال إلى الجنوب هي طيور تستوطن قارة أوروبا وأجزاء من آسيا.
ولقد أظهرت الدراسات أن الطيور التي تستوطن في مناطق غرب أوروبا تسلك طريق الجنوب الغربي إلى مضيق جبل طارق متجهة إلى أفريقيا، أما الطيور التي تستوطن في وسط أوربا فتأخذ طريقها نحو الجنوب الشرقي ثم تقوم بجولة حول البحر الأبيض المتوسط متجهة إلى مصر لتتبع نهر النيل حتى تصل مناطق قضاء الشتاء في قارة أفريقيا، غير أن الطيور عندما تصل إلى شرق البحر الأبيض المتوسط قد تسلك واحداً من ثلاثة طرق فرعية هي:
@ الطريق الأول: الاتجاه جنوبا على امتداد المناطق المرتفعة غربي شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر حتى تصل إلى اليمن قبل اندفاعها فوق مضيق باب المندب متجهة إلى القارة السمراء.
@ الطريق الثاني: الاتجاه بمحاذاة الشواطئ الشرقية لشبه الجزيرة العربية (غرب الخليج العربي) حتى تصل إلى سلطنة عمان.
@ الطريق الثالث: الطيران بمحاذاة شواطئ الخليج العربي الشرقية حتى تلتقي مع الطيور التي عبرت الخط الثاني عند مضيق هرمز.





ويشكل الخط الذي يصل بين مضيقي هرمز وباب المندب ويقطع الربع الخالي مسار العبور الرئيسي لأغلب أنواع الطيور المهاجرة التي تمر على الخليج العربي في رحلة الهجرة خريفا، ثم تعود في اتجاه عكسي في رحلة العودة صيفا. وإذا أخذ في الاعتبار أن هناك عوامل تجعل الطيور مرغمة - خلال عبورها - على النزول إلى الأرض والانتشار فيها وقضاء عدة أيام أو أسابيع، وهذه العوامل متعددة منها حاجة الطيور إلى الغذاء الذي يكسبها الطاقة لمواصلة الرحلة، ومنها حاجتها إلى الاستراحة أو اضطرارها إلى النزول في الأرض للبحث عن ظل مؤقت بسبب ارتفاع درجات حرارة الجو غير الملائمة لطيرانها أو لعدم توافر تيارات هوائية صاعدة تعينها على الطيران، فإذا أخذت هذه العوامل وعوامل أخرى فإن الربع الخالي يعتبر واحداً من المناطق الهامة لتواجد الطيور المهاجرة.
وبالمناسبة هناك جانب اختلاف مهم في هاتين الرحلتين، وهو أن الطيور في رحلة العودة التي تتم في فصل الربيع بعد أن قضت فصل الشتاء في المنطقة التي اختارتها يكون عشها الذي تسعى حثيثا إليه لغرض التناسل والتكاثر في موطنها يحتل جانباً من الصدارة من حيث الأهمية، ولهذا تكون هجرة كل نوع كمجموعات متحدة، ويصاحب هذه الرحلة ممارسة الذكور في بعض أنواع الطيور الغناء كي تدفع الإناث إلى المضي في رحلة العودة، ويترتب على ذلك أن تكون هذه الرحلة مجهدة للطيور أكثر من رحلة الهجرة. أما في رحلة الهجرة التي تتم في أواخر فصل الصيف وفي فصل الخريف لقضاء فصل الشتاء في المنطقة التي تختارها الطيور في أفريقيا فيكون بحثها عن الغذاء هو الأهم، ولذلك وجد العلماء أن الطيور البرية تتفرق في رحلة الهجرة وتندس بين الطيور المحلية التي تجدها في المناطق التي تمر عليها لمشاركتها في الغذاء.

  #8  
قديم 2008-04-22, 09:21 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

"أبناء الربع الخالي" يتعايشون مع بيئتهم ب "الكرم.. والشجاعة"



..اليوم نصل إلى نهاية رحلة طويلة في الربع الخالي، ويتضمن هذا الجزء الأخير جانبا يتعلق بملامح التوزيع السكاني هناك، إضافة إلى إلقاء الضوء على مهارة "قص الأثر"، أو "العيافة" بحسب قواميس اللغة العربية والمصطلح الذي عرف عند العرب منذ أيام الجاهلية، كما سنقدم حواراً مع واحد من الأشخاص الذين دمجوا المهارة المكتسبة في "قص الأثر" مع الدراسة، حيث حصل على درجة الماجستير في هذا الموضوع.

الكرم.. والأصالة
.. عندما تجاوزنا "محطة الحصان" باتجاه حرض في طريق العودة إلى الرياض، وبعد أن دبت الحياة في هواتفنا الجوالة اتصل أحد الأصدقاء من الرياض يسألني عن مشاهداتي في الربع الخالي، وتأكد لي من طبيعة أسئلته أنه من أولئك الذين ترسبت في أذهانهم "أفكار مشوشة" عن الربع الخالي وساكنيه.
رويت للسائل موقفين كمثالين يبينان طيبة الأشخاص الذين التقينا بهم هناك وكرمهم وأصالتهم، الأول: عن رجل اسمه هادي بن علي الصقور اليامي قابلناه في أول أيام الرحلة في هجرة تماني في الجزء الغربي من الربع الخالي، وكان أحد أعضاء الرحلة قد قابله في رحلة سابقة وعرف أنه متمرس في معرفة مساحة واسعة من النصف الغربي للربع الخالي، ولهذا احتجنا إلى مساعدته كدليل يرافقنا في تجوالنا هناك، قابلناه لأول مرة عند منزله وعرضنا عليه طلبنا فوافق لكنه اشترط أن يستضيفنا أولاً ويقيم لنا وليمة يدعو إليها "الجيران"، ثم يمضي معنا في الرحلة، وبالكاد قبل اعتذارنا عن قبول دعوته بعد وعد منا بأن نزوره في مرات قادمة، أمضى الرجل معنا يوماً كاملاً واستفدنا من معرفته وخبرته في عملية الوصول إلى الأماكن التي كنا نرغب في زيارتها بأيسر الطرق، ثم عاد إلى قريته وقد عرف أننا سنتوجه في اليوم التالي إلى منطقة تتوافر فيها خدمة الهاتف الجوال، وبسبب أنه "أمي" لا يقرأ ولا يكتب طلب منا أن نسجل أرقام هواتفنا الجوالة، ثم تلقينا منه في اليوم التالي اتصالا ليطمئن على وصولنا ويوصينا بالتمهل في قيادة السيارات والحرص على أن نتبع ضوابط الأمن والسلامة، وليذكرنا بوعدنا له بالزيارة.. هذا مثال بسيط لطيبة أبناء المنطقة وكرمهم.
..الموقف الآخر حدث في منتصف الرحلة وكنا قد تجاوزنا مدينة شرورة باتجاه الخرخير، وقبل أن نصل إليها مررنا بالصدفة في بلدة صغيرة تسمى "الأخاشيم"، وتوقفنا في طرفها جوار محطة وقود تحت الإنشاء لنستوضح من "عامل آسيوي" عن طبيعة الطريق الموصل إلى الخرخير وعدد محطات الوقود عليه، وبعد مغادرتنا البلدة تبعتنا سيارة جيب يقودها شاب في حدود الخامسة عشرة من العمر اسمه مسفر بن سالم علي الصيعري، كان يؤشر بمصابيح السيارة فتوقفنا ثم ترجل وأقبل علينا بوجه بشوش يدعونا إلى منزل والده محتجا بأنه لا يليق بأبناء البلدة أن يغادرها زائروها دون الاستضافة في أحد منازلها، وأيضاً حاولنا الاعتذار، لكن ارتأينا أن الشاب يستحق "المجاملة" بقبول دعوته حتى ولو لمجرد الوقوف أمام منزلهم والسلام على أبيه، وبالفعل قابلنا أباه وأقاربه واستضافونا في بيت شعر ملحق بمنزل حديث وقدموا لنا القهوة العربية، تأملت في تعبيرات وجه الشاب وهو يقف ليقدم لنا القهوة وبدا منتشيا وبمعنويات عالية، فما الذي جعله سعيدا وهو يستضيفنا في منزل والده؟ هو الكرم وأصالة أبناء القبائل هناك.
قبائل الربع الخالي
.. وفي إطار الحديث عن القبائل التي تسكن في الربع الخالي ثمة مقال من أحدث ما كتب عن سكان الربع الخالي نشر قبل أقل من عامين في هذه الصحيفة للأستاذ الدكتور رشود بن محمد الخريف أستاذ جغرافيا السكان في جامعة الملك سعود، ذكر فيه بعض القبائل وتوزيعها في منطقة الربع الخالي، ومنه: (هناك قبائل كثيرة تقطن الربع الخالي أو بعض أطرافه، ومنها قبيلة آل مرة التي ارتبطت بالسكن في معظم أجزائه، وآل كثير ومنهم آل راشد والعفار وآل خوار الذين يتركزون في شرق الربع الخالي، أما قبيلة الصيعر فهم في الجنوب بالقرب من شرورة، ومن القبائل أيضاً قبيلة المناهيل الذين يتركزون في الخرخير وما حوله، وقبيلة المهرة في جنوب الربع الخالي في مناطق الحدود مع عمان واليمن، أما قبيلة يام فتقطن الجزء الجنوبي الغربي، بينما تتركز قبيلة الدواسر في الجزء الغربي، كما يتخذ المناصير والعوامر المناطق في الشمال الشرقي من الربع الخالي مقراً لهم).
..مقال الدكتور الخريف كتبه إثر قيامه بعدة رحلات ميدانية إلى الربع الخالي وزيارات لأبناء القبائل هناك، وذكر فيه اللغة المهرية التي لازال أبناء قبيلة المهرة يتحادثون بها إضافة إلى اللغة العربية، فقال الخريف: (ومن أكثر الأمور إثارة سماع أفراد قبيلة المهرة يتحدثون بلغتهم المحلية التي لا يمكن لأحد فهمها أو فك رموزها إلا من يتقن هذه اللغة ويعرف أصولها، وهذه اللغة تبدو من اللغات القديمة جداً السائدة في شبه الجزيرة العربية، ولا شك أن هذه اللغة تستحق الاهتمام من قبل علماء اللغة والمتخصصين في اللغات القديمة من علماء التاريخ والآثار، إذ لا أعلم بدراسات علمية لبنية هذه اللغة وتراكيبها وأصولها).
..آل مرة وقص الأثر
..كنا في آخر ليلة من رحلتنا في طريق العودة إلى الرياض قبل أن نصل إلى حرض، ومررنا بمركز الطويلة التي تعد مورداً قديماً يتزود منه أبناء البادية بالمياه ولا زالت، ويسكنها حاليا مجموعة من أبناء قبيلة آل مرة. قوبلنا فيها بحفاوة واستضافة كريمة من العميد المتقاعد ناصر بن صالح العرق المري.
المفاجأة الجميلة بالنسبة لي أن المجلس ضم شقيقه عبدالهادي العرق الذي سمعت عنه كواحد من البارعين في قص الأثر، إضافة إلى أنه نال درجة الماجستير من جامعة نايف للعلوم الأمنية وكانت دراسته عن فئة قصاصي الأثر، والاثنان هما أبناء لصالح العرق المري الذي يعد أول شخص التحق بالعمل في الدولة بصفة قصاص أثر إبان عهد الموحد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وصالح العرق هو المقصود في بيتين من الشعر الشعبي القديم (لم أعثر على اسم صاحبهما)، حيث قال الشاعر يستحث راحلته على سرعة المسير مثلما تسرع السيارة التي تقل قصاصي الأثر (المريه) عندما يندفعون لتولي مهمة تتبع أثر سارق، فقال:
يا فاطري روحي مرواح سياره
مرواح فرت مصندق فيه مريه
تبغي تدور سروق ضاعت اخباره
يقصه العرق ما قصه عليميه
الفراسة.. علم ومهنة
..وقبل أن أقدم حوارا أجريته مع عبدالهادي العرق، لعل من المهم توضيح أن العرب اهتموا ومنذ الجاهلية الأولى بما كان يعرف بالقيافة والعيافة والريافة والفراسة، ويعد كتاب السياسة في علم الفراسة لأبي عبد الله شمس الدين الانصاري المتوفي خلال النصف الأول من القرن الثامن الهجري أشهر المصادر في التراث العربي التي أصلت لما وصف بعلم الفراسة، وتعني كلمة الفراسة النظر والتثبت والتأمل في الشيء والتبصر به، وإذا قيل تفرس فلان في الشيء أي توسمه، أما من نظر إلى الفراسة كعلم فقد عرفه بأنه الاستدلال على أخلاق الناس الباطنة من النظر إلى أقوالهم وحركاتهم وأحوالهم الظاهرة مثل لون البشرة وهيئات الأجسام وأشكال الأعضاء، والفراسة أنواع فهناك ما يتعلق بالإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك، ويتفرع عن الفراسة ما يسمى بالقيافة وهي إما قيافة البشر أو قيافة الأثر، فالأولى هي الاستدلال على معرفة أحوال الإنسان، أما الثانية فهي تتبع آثار الأقدام والحوافر في الطريق، وهي أيضا مرادف إلى حد ما بالعيافة، لكن العيافة ارتبطت عند العرب قديما بالتكهن والتطير وخرافات أخرى، وهناك أيضا ما يسمى بالريافة التي تختص بما يقال إنها قدرة الإنسان على الاستدلال على مصدر الماء تحت الأرض.
..وبصرف النظر عن الاختلافات حول ما إذا كانت قيافة الشخص (قدرته على قص الأثر) تأتي من تلقي علم له أساسياته ومنهجه أو إلهام أو مهارة أو موهبة أو تخمين وحدس يعتمد على التعايش والتعامل مع البيئة وطبيعة البشر والأرض والحيوان والنبات، ومن ثم الربط فيما بين القرائن التي تفضي إلى استنتاجات موصلة إلى الحقائق، بصرف النظر عن ذلك، فإن قبيلة آل مرة تعد واحدة من أشهر القبائل التي عرف عن بعض أبنائها قدرتهم على قص وتتبع الأثر إلى درجة أن الناس ذهبوا في الاصطلاح الشعبي إلى تسمية قصاص الأثر الماهر ب(المري) حتى لو كان من قبيلة أخرى.
حوار مع قصاص الأثر..
@ سألت عبدالهادي العرق المري.. هناك زعم غريب بين "عامة الناس" يفسرون فيه براعة أبناء آل مرة في قص الأثر، فما هو؟
- أظنك تقصد ما يردده بعض أبناء البادية قديما، حيث يقولون إن أم أو جدة آل مرة (جنية) في تفسيرهم لبراعة كثير من أبناء القبيلة في قص الأثر، لكن هذا الزعم بالتأكيد ينم عن الجهل في التفسير الصحيح وهو أن معظم أبناء آل مرة كانوا يسكنون في الربع الخالي أو أراض رملية مشابهة تتميز بأن آثار أي كائن يطأها تنطبع عليها بشكل واضح حتى لو كان لأصغر الحشرات، ولهذا حتمت ظروف التعايش مع البيئة أن يكونوا مميزين في معرفة الأثر وتتبعه.
@ هل تعني أن من لم يسكن في المناطق الرملية لن يستطيع معرفة الأثر وقصه؟
- إلى حد ما، لكن هناك خصوصية في هذا الجانب بالنسبة لآل مرة، فأنا مثلا من مواليد مدينة الرياض وعشت فيها إلا أنني قضيت الإجازات الدراسية وما تيسر من الوقت في المناطق البرية. كما أن معرفة الأثر وقصه من المهارات المكتسبة عند جيل الآباء، وربما أدى انبهار الناس من خارج القبيلة بهذه المهارة إلى أن يجعل الأجيال المتعاقبة من آل مرة تتشرب المهارة كميزة يحافظون عليها ويتعلمون في ميدانها وفنها.
@ هل تقصد أنكم تسعون إلى اكتساب المهارة في قص الأثر بصورة متعمدة؟
- لا.. في إجابتي السابقة أحاول تقديم تفسير للظاهرة لكن لو طبقت الأمر على نفسي فلا أعرف بالتحديد متى نشأ معي الاهتمام بقص الأثر، فمنذ الصغر وعيت على الاهتمام بهذا الجانب إلى أن بلغ أوجه ذلك بدراسة الماجستير في هذا الموضوع قبل عقدين من الزمن تقريبا.
@ بالقياس على إجابتك حول تأثير طبيعة البيئة الرملية فسوف أفترض أن كل القبائل التي سكنت في منطقتي الدهناء والنفود الكبير لديهم المهارة في قص الأثر، لكن لماذا أخذت قبيلة آل مرة الشهرة؟
- صحيح هناك أفراد من قبيلة شمر وعنزة وغيرهم من سكان القرى عرفوا بالمهارة العالية في قص الأثر، لكن الشهرة كانت وما زالت لآل مرة حتى أن قصاص الأثر يطلق عليه حالياً (المري)، وإن كان لا ينتسب لآل مرة، لأن (المري) عند عامة الناس تسمية لقصاص الأثر على الإطلاق، وهذا يعود إلى أن السواد الأعظم من قصاصي الأثر هم من آل مرة خصوصا أن 90% تقريبا منهم كانوا يقطنون في الربع الخالي وهذه منطقة وميدان مختلف في سعته عن الدهناء والنفود الكبير.
@ لننتقل إلى قصاص الأثر نفسه، ما المهارات التي تجعل شخصا بعينه لديه معرفه بقص الأثر؟ هل هي قوة ملاحظة أم قوة ذاكرة أم حدة بصر أم ماذا؟
- كل ما ذكرته في سؤالك مطلوب، إضافة إلى الذكاء وصفاء الذهن والقدرة على التركيز وهذه هبة من الله، وأضيف إلى ذلك شيئاً مهماً وهو الخوف من الله دائما والخشية منه سبحانه، خاصة إذا كان مطلوبا منه التعامل مع آثار في مسرح الجريمة.
@ بالنسبة لك، إذا كان الأثر الذي تتبعه لرجل حافي القدمين وتداخل مع آثار حفاة بنفس الحجم، كيف لك أن تستمر في التتبع؟
- قبل أن أجيبك سأروي قصة قديمة عن رجل من آل مرة فقد ناقته فتتبع آثارها إلى أن وصل مورد ماء، ثم تبين له أن المورد يخرج منه أكثر من مساق: وهو الدرب الذي تمشي عليه الإبل إذا وردت وصدرت من الماء، وكان يحتاج إلى تتبع هذه (المساقات) ليعثر على الأثر ويواصل تتبعه، وكان على مورد الماء مري آخر تبرع في مساعدته رغم أنه لا يعرف الناقة لكنه سأله (الناقة من هي عليه؟) ويقصد السؤال عن الفحل الذي ضرّب أمها (أب الناقة)، فسمى صاحب الناقة الفحل وهو معروف ومشهور، ثم تفرق الاثنان، وبعد فترة قصيرة من البحث صوت المتبرع لصاحب الناقة ليشير على أثر الناقة الذي عثر عليه رغم أنه لم يرَ الناقة من قبل، فواصل صاحب الناقة تتبع الأثر.
طبعا سوف يعتقد البعض أن في ذلك مبالغة فكيف عرف الثاني الأثر وهو لا يعرف الناقة، وربما يأتي آخر فيقول كيف يعرف قصاص الأثر أصلا أثر ناقته والخفاف متشابهة، فأقول إن قصاص الأثر البارع تصل معرفته إلى التمييز بين أثر خفاف الإبل وحجمها وشكل استدارتها، أما الثاني الذي لا يعرف الناقة فقد استعان بمعرفته وخلفيته عن إنتاج الفحل من الإبل التي تكون سلالة متشابهة.
..وعليه فلا أبالغ إذا قلت إن تتبع الحالة التي ذكرتها في سؤالك عن الحفاة أسهل علي من التفريق بين وجوه البشر، لأن الأرجل بشكل عام- وهذا من أسرار قصاصي الأثر- مختلفة فيما بين ثلاثة حالات لوصف أقدام البشر، فهنالك (الأكرف: وهذا وصف للأقدام التي تكون مائلة إلى الداخل، فالقدم اليمني تكون مائلة قليلا جهة اليسار والقدم اليسرى تكون مائلة جهة اليمين)، وهناك (الأزرح: والمقصود عندما تكون القدمان متباعدتان)، وهناك ( الأمد: أي الأقدام مستقيمة)، وهناك ثقل الوزن وعلاقته بعمق الأثر الذي ينطبع على الأرض، وهناك أصحاب العاهات حتى لو كانت محدودة مثل انحراف أصبع عن بقية الأصابع، وهناك أسرار كثيرة ربما نحتاج إلى صفحات كي نوضحها بالتفصيل.
@ وماذا لو كانت الآثار ليست لحفاة بل لمن يلبسون أحذية رياضية متشابهة في شكل الأثر والمقاس؟
- هنا يمكن الاستدلال بشكل الأقدام التي وضحتها في إجابتي على السؤال السابق، إضافة إلى قوة الأثر وعلاقته بالوزن، وهناك قرائن أخرى تتعلق بالخطوة المتزنة التي يختلف أثرها عن "الخطوة المرتبكة" التي أستنتج منها الحالة النفسية للشخص وما إذا كان متعاطياً مخدراً أو مسكراً، وهكذا.
@ هذا على افتراض أن يكون الأثر على أرض رملية، وماذا لو دخل في أرض حصوية أو صخرية؟
- هنا أعتمد على أشياء أخرى مثل تخلخل الحصى والصخور عندما تطأها الأقدام، وهيئة النباتات والأغصان الخفيفة التي تتكسر أو تميل في حال داستها الأقدام، ثم يمكن عمل الاستقطاع وهو الدوران على حواف الأرض الحصوية في اتصالها بالأرض الرملية من أجل معرفة المكان الذي خرج منه صاحب الأثر.
@ كيف ترد على من لا يصدق أن هناك أشخاصا لديهم القدرة على قص الأثر وتتبعه ومن ثم تحديد صاحبه، ويعتبر ذلك من الخرافات؟
- أولا هذا علم من العلوم التي برع فيها العرب منذ الجاهلية، كما أن الشواهد دلت على أنه تم الاستعانة بقصاصي الأثر منذ صدر الإسلام وحتى وقتنا الحاضر، ثم لو رغبت لقمت بإجراء تجربة في الميدان بالشكل الذي تطلبه لتطلع عليها شخصياً وتحكم بنفسك.
@ لقد شهدت التجربة واقتنعت تماما بأن القصاص يستطيع تتبع الأثر وتحديد شخصية صاحبه، لكن ما تأثير العوامل الجوية كالمطر والرياح في تتبعك للأثر؟
- بكل صراحة أقول إذا اشتدت الرياح أو هطلت الأمطار على الأرض واختفت المعالم الرئيسية للأثر فإن القصاص لا يستطيع الاستدلال عليه، وسؤالك يدفعني إلى توضيح أن القصاص يستطيع تحديد توقيت الأثر في مثل هذه الحالات، إضافة إلى انه يستفيد من آثار الحشرات والزواحف الصغيرة، فمثلا إذا كان أثر الشخص فوقه أثر حشرة أو أحد الزواحف فيستدل على أن الأثر فات عليه يوم، وإذا كان فوق أثر الحشرة أثر آخر لحشرة فيحتمل أن يكون الأثر منذ يومين أو أكثر، وهكذا.
@ حول الكائنات، أعرف أن هاوي الصيد خاصة الصقار لديه المقدرة على تتبع أثر طيور الحبارى والكروان، ومثله هاوي صيد الأرانب يستطيع تتبع أثرها بل ومعرفة حالاتها من كونها ترعى أو تسعى إلى جحرها أو هل هي ذكر أم أنثى، بينما تجد مثل هؤلاء لا يمتلكون المهارة في معرفة أو تتبع اثر البشر، هل يعني ذلك أن الشخص إذا اهتم بأثر معين يستطيع معرفة أسراره؟
- هذا صحيح، لكن لا بد أن تتوافر في الصياد أو الشخص الخصائص التي ذكرناها في معرض الإجابة على سؤال سابق، ولهذا تجد حتى الصيادين يتباينون في المهارة شأنهم في ذلك شأن قصاصي الأثر.
@ ماذا عن السيارات، هل تستطيع تتبع الأثر الذي ترسمه الإطارات على الأرض؟
- نعم، إذا كانت في أرض رملية أو ما يشبهها، لكن فيما يتعلق بالسيارات لا يستطيع قصاص الأثر سوى الاستدلال على أثر الإطارين الخلفيين لأنهما يمحوان أثر إطاري المقدمة، ومع هذا يمكن الاستدلال على شكل إطاري المقدمة في حالة انحراف السيارة أو دورانها، وأحياناً توجد عيوب في الإطار مثل قطع صغير يستطيع القصاص من خلاله تحديد السيارة.
@ من خلال دراستك وحصولك على درجة الماجستير في موضوع قص الأثر، هل يمكن عقد دورات لتدريب الأفراد على قص الأثر؟
- نعم، وكنت عملت هذا الشيء سابقا، لكن أعيد التأكيد على ضرورة توافر الخصائص التي تميز أشخاصا عن غيرهم مثل الذكاء وصفاء الذهن وقوة الملاحظة والذاكرة مع ضرورة وجود الرغبة في فهم الجانب النظري والعملي في موضوع قص الأثر.


@ في ميدان قص الأثر ما أغرب حالة تعاملت معها؟
- من أغرب الحالات أو أطرفها أن شخصاً من جنسية عربية زعم أن مجهول قام بالسطو على منزله وكسر شنطة حديدية وسرق كل ما تحتويه من نقود، وهي عبارة عن أمانات أودعها أصحاب له من نفس الجنسية، ولما حضرت إلى المكان تبين لي أن الشنطة كسرت عمداً وبُعثرت محتوياتها وعرفت أن الجاني لم يترك أثر بصمة أو شيء آخر يدل عليه، ومن حسن الحظ، أوسوء حظ هذا الشخص أن هناك بقايا غبار حول الشنطة وتبين لي أثر الأقدام وما يشير إلى أنها للشخص الذي كسر القفل، وتبين لي أيضاً أن الأثر لنفس الشخص الذي بلّغ عن الأمانات المسروقة، ولهذا أخبرت الشرطة وبعد التحقيق اعترف، وكان يريد من هذه الحادثة تثبيت سرقة المال ليستحوذ عليه، فانطبق عليه المثل (على نفسها جنت براقش)..

  #9  
قديم 2008-04-22, 09:52 AM
خالد الشمري خالد الشمري غير متواجد حالياً
( مراسل حائل سابقًا )
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: حائــــــــــــل
المشاركات: 4,083
جنس العضو: ذكر
خالد الشمري is on a distinguished road
افتراضي

كل الشكر لك على ما قدمت


وجزاك الله خير الجزاء


تحياتي

  #10  
قديم 2008-04-22, 10:39 AM
زلطه زلطه غير متواجد حالياً
عـضـو ذهـبـي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الرياض
المشاركات: 3,126
جنس العضو: ذكر
زلطه is on a distinguished road
افتراضي

الله يعطيك العافية اخوي

موضوع مغلق


المتواجدين الآن بالموضوع : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 02:12 AM


Powered by vBulletin .
جميع الحقوق محفوظة © لشبكة ومنتديات البراري 2010