"الجماهير" دائما ً بحاجة إلى "بطل"..
فإن لم تجده في أرض الواقع، رسمته في سماء الخيال!
تصنع له أجنحة خيالية، وتجعله يطير في فضاءات أحلامها
تؤلف عنه الحكايات الخرافية..
وتسمّي الأولاد باسمه!
وكل "بطل" في هذا العالم، هو في النهاية يشبه "جمهوره"..
لأن هذا الجمهور هو الذي شكّله من طين أحلامه، ونحته في صخر معاناته!
فلا تتوقع - على سبيل المثال - من مجتمع بدوي أن يكون "بطله"
كاتباً روائياً أو عالماً فيزيائياً... سيّد القبيلة وبطلها هو "الفارس"
الذي يعرف كيف يقتل الآخرين ولا يُقتل!
ولا يزال "الفارس" في عالمنا العربي هو "البطل" الوحيد الذي
تحتفي به الجماهير منذ أيام الجاهلية الأولى.. حتى يومنا هذا.
فالذاكرة العربية لا تحتفي إلا بالفرسان، وأغلب قصائد المدح منذ
أيام "عنترة" حتى يومنا هذا كُتبت في الفرسان .. والزعماء الذين يتشبهون بهم !
وفي عالمنا العربي.. أسهل الصناعات، وأكثرها رواجاً،
صناعة "الأبطال"...
فأنت لست بحاجة إلى صناعة قنبلة نووية
أو اكتشاف دواء جديد
أو كتابة رواية رائعة تترجم لكل لغات العالم
أو النضال لإصلاح مجتمعك
أو بناء مؤسسة مهمة
أو تقديم اختراع مذهل
أو ابتكار "فكرة" خلاّقة
لا.. لا.. أنت لست بحاجة لكل هذا.. فكل ما تحتاجه هو أن تصوّر
نفسك عبر الإنترنت، وأنت ملثم، وتحمل بيمينك أحد الأسلحة
وتهدد بسحق كل الحكومات، وحرق كل الأوطان.. ثم ترسل
الشريط إلى إحدى الفضائيات!
هذا إذا كنت مواطناً .. أما إذا كنت زعيماً (سواء كانت زعامتك
لدولة أو لعشرة أشخاص!) فكل ما عليك فعله هو أن تخرج
لوسائل الإعلام - وذلك بعد أن تفتل شاربيك - وتقدم لهم تصريحاً
ناريا ً تتناقله وكالات الأنباء، و... دع الباقي لـ"الجماهير"
المُتعطشة للبطولة، فهي ستُكمل المشهد بدلا ًعنك!
كانت "الجماهير" - وما زالت - وستظل تستمتع بصناعة
"الأبطال" المزيفين!
وعندما يرتفع الوعي والمعرفة بين هذه "الجماهير"، وتحصل
على حقوقها كاملة، سيقل عدد "الأبطال".. وسيبقى المجتمع
هو "البطل" الوحيد.
الكاتب / محمد الرطيان