قصيدة (لامية العجم )…الطغرائي
أصالةُ الرأي صانتني عن الخطلِ * ***وحليةُ الفضلِ زانتني لدى العَطَلِ
مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرعٌ * ***والشمسُ رَأدَ الضحى كالشمس في الطفلِ
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَكنِي **** بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِفر الكف مُنفردٌ **** كالسيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
فلا صديقَ إليه مشتكى حَزَني **** ولا أنيسَ إليه مُنتهى جذلي
طال اغترابي حتى حَنَّ راحلتي * ***وَرَحْلُها وَقَرَا العَسَّالةَ الذُّبُلِ
وضج من لغبٍ نضوى وعج لما **** ألقى ركابي ، ولج الركب في عَذلي
أريدُ بسطةَ كفٍ أستعين بها **** على قضاء حقوقٍ للعلى قِبَلي
والدهر يعكس آمالي ويُقنعني **** من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفلِ
وذي شِطاطٍ كصدر الرمحِ معتقل **** بمثله غيرُ هيَّابٍ ولا وكلِ
حلو الفُكاهةِ مرُّ الجدِّ قد مزجت **** بشدةِ البأسِ منه رقَّةُ الغَزَلِ
طردتُ سرح الكرى عن ورد مقلته **** والليل أغرى سوام النوم بالمقلِ
والركب ميل على الأكوار من طربٍ **** صاح ، وآخر من خمر الكرى ثملِ
فقلتُ : أدعوك للجلَّى لتنصرني **** وأنت تخذلني في الحادث الجللِ
تنامُ عيني وعين النجم ساهرةٌ **** وتستحيل وصبغ الليل لم يحُلِ
فهل تعينُ على غيٍ همتُ به **** والغي يزجر أحياناً عن الفشلِ
إني أريدُ طروقَ الحي من إضمٍ **** وقد حماهُ رماةٌ من بني ثُعلِ
يحمون بالبيض والسمر الِّلدان به **** سودُ الغدائرِ حمرُ الحلي والحللِ
فسر بنا في ذِمام الليل معتسِفاً **** فنفخةُ الطيبِ تهدينا إلى الحللِ
فالحبُّ حيث العدا والأسدُ رابضةٌ **** حول الكِناس لها غابٌ من الأسلِ
تؤم ناشئة بالجزم قد سُقيت **** نِصالها بمياه الغُنْج والكَحَلِ
قد زاد طيبُ أحاديثِ الكرام بها **** ما بالكرائم من جبن ومن بخلِ
تبيتُ نار الهوى منهن في كبدِ **** حرَّى ونار القرى منهم على القُللِ
يَقْتُلْنَ أنضاءَ حُبِّ لا حِراك بهم **** وينحرون كِرام الخيل والإبلِ
يُشفى لديغُ العوالي في بيُوتِهمُ **** بِنَهلةٍ من غدير الخمر والعسلِ
لعل إلمامةً بالجزع ثانيةٌ **** يدِبُّ منها نسيمُ البُرْءِ في عللي
لا أكرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت **** برشقةٍ من نبال الأعين النُّجلِ
ولا أهاب الصفاح البيض تُسعدني **** باللمح من خلل الأستار والكللِ
حبُّ السلامةِ يثني هم صاحبهِ **** عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ
فإن جنحتَ إليه فاتخذ نفقاً **** في الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُلا للمقدمين على*** * ركوبها واقتنعْ منهن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ **** والعِزُّ عند رسيم الأينق الذّلُلِ
فادرأ بها في نحور البيد جافِلةً **** معارضات مثاني اللُّجم بالجدلِ
إن العلا حدثتني وهي صادقةٌ **** فيما تُحدثُ أن العز في النقلِ
لو أن في شرف المأوى بلوغَ منىً **** لم تبرح الشمسُ يوماً دارة الحملِ
أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمعاً **** والحظُ عني بالجهالِ في شُغلِ
لعله إن بدا فضلي ونَقْصهمُ **** لِعينه نام عنهم أو تنبه لي
أعللُ النفس بالآمال أرقبها **** ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل
لم أرتضِ العيشَ والأيام مقبلةٌ **** فكيف أرضى وقد ولت على عجلِ
غالى بنفسي عِرْفاني بقينتها*** * فصنتها عن رخيص القدْرِ مبتذَلِ
وعادة السيف أن يزهى بجوهرهِ **** وليس يعملُ إلا في يديْ بطلِ
ماكنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمني **** حتى أرى دولة الأوغاد والسفلِ
تقدمتني أناسٌ كان شوطُهمُ **** وراءَ خطوي لو أمشي على مهلِ
هذاء جزاء امرىءٍ أقرانهُ درجوا **** من قبلهِ فتمنى فسحةَ الأجَلِ
فإن علاني من دوني فلا عَجبٌ **** لي أسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحلِ
فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضَجِرِ **** في حادث الدهر ما يُغني عن الحِيلِ
أعدى عدوك من وثِقتْ به **** فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
فإنما رُجل الدنيا وواحدها **** من لايعولُ في الدنيا على رجلِ
وحُسن ظنك بالأيام معجزَةٌ **** فَظنَّ شراً وكن منها على وجَلِ
غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت*** * مسافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
وشان صدقكَ عند الناس كذبهم **** وهلْ يُطابق مِعْوجٌ بمعتدلِ
إن كان ينجع شيءٌ في ثباتهمُ **** على العهود فسبق السيف للعذلِ
يا وراداً سُؤر عيش كلُّه كدرٌ **** أنفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لجَّ البحر تركبهُ **** وأنت تكفيك منهُ مصة الوشلِ
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا **** يُحتاجُ فيه إلى الأنصار والخَولِ
ترجو البقاء بدارٍ لاثبات بها **** فهل سمعت بظلٍ غير منتقلِ
ويا خبيراً على الإسرار مطلعاً **** اصمتْ ففي الصمت منجاةٌ من الزلل
قد رشحوك لأمرٍ إن فطٍنتَ له **** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
تـُسمـَّى هذه القصيدة بلامية العجم ، لأنَّ رويـِّـها ( الحرف الأخير ) هو اللام ُ ،
للشاعر مؤيد الدين الحسين علي بن عبد الصمد المشهور بالطغرائي نسبةً
إلى ديوان الطغراء الذي كان شاعرنا يعمل فيه كاتبا ً للرسائل المرسلة إلى
الولاة والحكام والملوك ، ويعود نسب الطغرائي إلى أبي الأسود الدؤلي ، ولدَ
الطغرائي سنة 453 هـ في أصبهان ، وتوفي بها مقتولا ً سنة 515 هـ