فك ارتباط الريال وتغير سعر صرفه..بين الواقع والمأمول
000000000000000000000000000000000000000000000000
محمد بن عبد الله الشريف - كاتب في الشأن العام 20/09/1428هـ
0000000000000000000000000000000000000000
مع ازدياد هامش التضخم في الفترة الأخيرة بشكل غير معهود في المجتمع المحلي، ومع تزايد سعر صرف الدولار أمام اليورو الأوروبي، إلى مستوى غير معهود منذ ولادة اليورو، ازدادت المطالبة بفك ارتباط الريال بالدولار، وربطه بسلة عملات قوية يكون الدولار من بينها، أو على أقل تقدير، رفع سعر صرفه أمام الدولار، أسوة بما كان يحدث سابقا، حينما تم تخفيض سعر صرفه على دفعات كان آخرها في الثمانينيات من القرن الماضي، وبات من الصعب، على المواطن والمستورد على حد سواء، أن يريا الدولار يهبط إلى ما يقارب الدولار والنصف لليورو، ويسحب معه الريال، الذي لم يكن له ذنب في تقهقر الدولار، غير ارتباطه الأزلي به! بخاصة عندما يرون أن كل الدلائل تؤكد متانة الريال وقوة موقفه، ابتداء من وجود التغطية الآمنة من المعادن والعملات القوية، ومرورا بتسجيل الموازين الاقتصادية، كميزان المدفوعات والميزان التجاري، نقاطا لا تحصى لصالحه، وانتهاء بتوافر العملات الصعبة من كل لون، بشكل لا يوجد له مثيل بين الدول النامية، وبشكل يمكن معه لأي عامل أجنبي أن يشتري، أو يقتني، أو يحوّل ما يشاء، وهو وضع لا يصرفه إلا الآتون من دول يصعب فيها الحصول على العملة الصعبة، .. وهذا الوضع يخلق ميزة أفضلية إلى المزايا الأخرى التي يتمتع بها الاقتصاد المحلي، وقليل من الناس من يدرك هذا، ولكن من يدركه يتألم وهو يشعر أن ما يدفعه من زيادة في الأسعار مستلزمات أسرته الضرورية، نتيجة هبوط الدولار، كمن ينثر المال في الهواء، بخاصة وهو يرى جيرانه، في بعض الدول المجاورة، لم يكتووا بنفس المبضع، لأن عملتهم تتكئ على أكثر من سند!
لكن من يطالبون بفك الارتباط يستسهلون الأمر، ويعتقدون أنه ليس أكثر من قرار يتخذه المسؤول بين يوم وليلة، متناسين أن هذا الأمر يعد سلاحا ذا حدين في بلد يبيع أكثر من 80 في المائة من صادراته بالدولار، وبه تتكون معظم وارداته، وأقصد البترول، الذي كان لا يزال مسعرا بالدولار، ولم يستطع اتحاد مصدريه (منظمة الأوبك) بيعه بعملة أخرى، أو حتى بسلة عملات يبقى الدولار من بينها، وهي عملية أسهل من موضوع فك الارتباط، ولا سيما وهي تصب في مصلحة الجميع، البائع والمشتري، وتبعدهم عن تأثيرات تقلبات العملات. أما لو تم فصل الريال عن الدولار في ظل الوضع القائم لتسعير البترول، فإن تأثر الاقتصاد المحلي سلبا ببقاء الدولار ضعيفا سيبقى ما بقي الجزء الأعظم من الواردات ينهمر بالدولار، ومن هذا المنطلق فإن الجهود ينبغي أن توجه إلى تسعير البترول بسلة عملات، حتى لا تُظلم الدول المصدرة، وفي مقدمتها المملكة، وينظر إليها البعض بعين الحسد عندما يقفز سعر البترول فوق الثمانين دولارا، بينما لا يدرك هذا البعض أن الثمانين دولارا لم تعد تساوي سبعين بسعر الأمس، مثلهم مثل من يبالغ في حساب الدخل، وهم كثر، يضرب السعر المعلق لبرميل البترول في كمية الإنتاج، متناسيا عوامل مهمة كتكاليف الإنتاج، وأصناف البترول المنتجة.
وأما إذا اعتقدنا أن شبح التضخم سيزول بمجرد فك الارتباط، فإن هذا الاعتقاد تعوزه الموضوعية، لأن شطرا كبيرا من التضخم الحاصل في تكاليف المعيشة مولود محليا، وبصنع أيدينا، وليس مستوردا، أي ليس السبب كله عائدا إلى ضعف الدولار فيما نعانيه من تضخم، بل إن ما لا يقل عن 50 في المائة من الارتفاع الحاصل في الأسعار هو أمر مفتعل يقوده الطمع والجشع والرغبة في تعظيم الكسب، كما يفضل الآخرون، وإلا، فليس ثمة سبب خارجي لرفع إيجارات المساكن بنسب تصل إلى 30 في المائة وأكثر لمبان قائمة، ربما تكون قيمتها الدفترية لا شيء، لأن صاحبها استوفى قيمتها بالكامل؟! وليس هناك سبب خارجي لرفع أسعار المواد والأغذية، التي تعد إنتاجا محليا بالكامل، لا يدخل فيه أي عنصر خارجي؟! وغير ذلك كثير من المواد والخدمات التي ازدادت تكلفتها دون مبرر!
أما إذا التفتنا إلى الجانب الآخر من المشكلة وهو إمكانية تعديل سعر صرف الريال أمام الدولار، وهو السعر الثابت منذ الثمانينيات، طالما أن فك الارتباط أمر تعترضه بعض العراقيل كما رأينا، فإنه ينبغي أن ينظر إلى هذا الجانب بحذر أيضا، لما يكتنفه من عوامل ظاهرة، مثلما يراه بعيدوا النظر من الاقتصاديين، من أن وضع الدولار ليس بالضرورة أن يبقى على حاله، وقد يستعيد قوته ويتساوى مع اليورو، أو يزيد عليه، مثلما كان الأمر سابقا، وليس من الملائم بالتالي تعديل سعر صرف الريال كلما ارتفع وانخفض الدولار، ومن تلك العوامل التأثير السلبي الذي سيقع على دخل الدولة من البترول، إذ إن هذا الدخل يأتي بالدولار، وعندما يرتفع سعر الريال بأي قدر فإن الدخل سيقل تبعا لذلك، هذا إلى جانب ما قد يكون هنالك من عوامل خفية يكشف عنها الواقع العملي دائما، مثل التقلبات والمضاربات، واستغلال القرارات والأحداث لتحقيق مكاسب على حساب المصلحة العامة للمواطن، التي تظل هي الهدف من أي تغيير!
ولكن، مع ذلك، ورغم ذلك، يرى الواقعيون من المراقبين للوضع، أن هذا الجانب، أي تعديل سعر صرف الريال بالرفع، هو الأقرب إلى التفكير والعقلانية، والأكثر فائدة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن أنه تتوافر أسباب قوية لمثل هذا التوجه، لم تكن متوافرة في أي وقت مضى، ومنها:
- مضت عقود عدة على السعر الحالي دون تغيير!
- لم يسبق أن هبط الدولار، مثلما هو حاصل الآن!
- أن مركز الريال وقوته يتجاوزان سعره المعلن، وليس من العدل تحميله تبعات انخفاض الدولار كلها!
بيد أنه ينبغي أن يكون التعديل تدريجيا، وبصورة تؤمن الوضع ضد الشائعات، والصدمات، والاستغلال، ومن ثم فإن زيادة تقرب من نسبة 5 في المائة من سعر الصرف الحالي، كأن يكون السعر الجديد 3.55 ريال للدولار، كبداية، سيكون أمرا مقبولا، ومحمود العواقب إن شاء الله.
00000000000000000000000000000
https://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=6993