عمان - نداء عواد
على بعد حوالي 250 كم الى الجنوب من عمان والى الغرب من الطريق الرئيس الذي يصل بين عمان والعقبة تقع المدينة الوردية ضاربة في عمق التاريخ والامجاد واكثر المواقع الاثرية عراقة في الاردن.. انها احدى عجائب الدنيا السبع.. انها "البتراء".
فقبل اكثر من الفي سنة اخذ اعراب الانباط القادمون من شبه الجزيرة العربية يحطون رحالهم في البتراء ليتخذوها فيما بعد عاصمة لدولتهم ، نظرا لموقعها المنيع والذي يسهل الدفاع عنه.
ودامت البتراء عاصمة لدولة الانباط ما بين 400 ق. م وحتى 106م.
فقد امسكت دولة الانباط بزمام التجارة بين حضارات هذه المناطق وسكانها وكانت القوافل التجارية تصل اليها محملة بالتوابل والبهارات من جنوب الجزيرة العربية والحرير من غزة ودمشق والحناء من عسقلان واللآلئ من الخليج العربي.
وما زالت البتراء حتى يومنا هذا تحمل طابع البداوة ومحطا لانظار الزائرين من مختلف انحاء العالم ، وذلك لتميز هذه المدينة الوردية بانها حفرت في صخر وادي موسى.
وهي مدينة متكاملة يستطيع السائح ان يرى فيها كل المعالم الاساسية للمدينة من "الخزنة" (بيت الحكم) الى المدرجات العامة التي بنيت للاحتفالات والاجتماعات العامة الى المحكمة واماكن العبادة ، وحتى بيوت اهلها المحفورة في صخرها الوردي الملون ، كما تتميز بمدخلها المحكم ، فقد حفرت بين جبال شاهقة صلدة مع شق ضيق يسمى "السيق" تظهر على جنباته بقايا غرف الحرس ومناطق المراقبة.
كما تميزت البتراء بنظامها المائي الفريد اذ تتوزع فيها اقنية مبنية بشكل هندسي يضمن انسياب الماء بفعل الجاذبية من منابعه وعيونه الى كافة المناطق الحيوية في المدينة.
والبتراء التي تسمى كذلك "سلع" ، تعتبر من اهم المواقع الاثرية في الاردن وفي العالم لعدم وجود مثيل لها في العالم فمؤخرا فازت بالمركز الثاني في المسابقة العالمية لعجائب الدنيا السبع ، والبتراء تعرف ايضا باسم "المدينة الوردية" نسبة الى لون الصخور التي شكلت بناءَها ، وهي مدينة اشبه ما تكون بالقلعة وعلى مقربة من المدينة يوجد جبل هارون الذي يعتقد انه يضم قبر النبي هارون عليه السلام والينابيع السبعة التي ضرب موسى بعصاه الصخر فتفجرت.
زيارة البتراء
يصل الزائر الى قلب المدينة الوردية ، ماشيا على قدميه او على ظهر جواد او في عربة تجرها الخيول ، عبر "السيق". انه شق هائل طوله الف متر يخيل للمرء ان جانبي الشق الصخري في عليائهما وعلى ارتفاع 300 متر وكأنهما يتلامسان.
وعندما يقترب السيق من نهايته ، فانه ينحني في استدارة جانبيه ثم لا تلبث الظلال الغائمة ان تنفرج فجأة فترى اعظم المشاهد روعة تسبح في ضوء الشمس ، انها "الخزنة" احدى عجائب الكون الفريدة ، والتي حفرتها الايدي في الصخر الاصم على واجهة بارتفاع 140 مترا وعرض 90 مترا.
بعد ان يتملى الزائر بنظره من روعة هذا المشهد البهي ، يتقدم في وسط المدينة فيشاهد على جانبيها مئات المعالم التي حفرها او انشأها الانسان من هياكل شامخة وأصرحة ملكية باذخة ، الى المدرج الكبير الذي يتسع لـ 7000 متفرج ، الى بيوت صغيرة وكبيرة ، الى الردهات وقاعات الاحتفالات الى قنوات الماء والصهاريج والحمامات الى صفوف الدرج المزخرفة والاسواق والبوابات ذات الاقواس والشوارع والابنية.
ولكن البتراء لا تقتصر على اثار الانباط وحدهم ، اذ يستطيع الزائر ان يشاهد على مقربة منها موقع البيضاء وموقع البسطة اللذين يعودان الى عهد الادوميين قبل 8000 سنة. كما يستطيع الزائر ان يسرح بصره في موقع اذرح التي اشتهرت بحادثة التحكيم في تاريخ العرب والتي تضم بقايا معالم من عهد الرومان.
تاريخ البتراء
مع بدء رحلات المستشرقين للعالم العربي في القرن التاسع عشر تم اكتشاف البتراء عام م1812 على يدي المستشرق السويسري يوهان لودفيج بركهارت الذي تعلم اللغة العربية ودرس الاسلام في سوريا وجاء الى البتراء مدعيا بانه مسلم من الهند بعد ان تنكر بزي اسلامي وهدفه تقديم اضحية الى النبي هارون وبذلك سمح له السكان المحليون بالدخول الى المدينة الوردية ، وقد احتوى كتابه المطبوع عام 1828 والمعروف باسم رحلات في سوريا والديار المقدسة على صور للبتراء. ومن اهم الرسومات التي اشتهرت بها البتراء كانت هي الليثوغرافيا التي رسمها ديفيد روبرتس للبتراء ومنطقة وادي موسى اثناء زيارته عام 1839 والتي تجاوز عددها عشرين لوحة ليثوغرافية وقد طبع العديد منها ما اعطى البتراء شهرة عالمية. ويوجد للبتراء العديد من اللوحات والصور الاخرى التي تعود للقرن التاسع عشر ما يدل على مدى الاهتمام الذي اضفاه اعادة اكتشافها على اوروبا في ذلك الوقت. من الاعمال المشهورة للبتراء لوحة فنية بالالوان المائية لمناظر البتراء للفنان شرانز حوالي 1840 واول خريطة مخطوطة للبتراء باللغة الانجليزية من رسم الرحالة لابودي حوالي عام 1830 وصور للبتراء تصوير فريت عام 1830 .. ويبلغ عرض الخزنة 28 مترا وارتفاعها 39,5 متر.
المواقع الاثرية داخل البتراء
اما بالنسبة للمواقع الاثرية فهناك العديد من الاماكن المثيرة داخل البتراء منها:
السيق
لفظة السيق سريانية قد تكون سريانية وقد تكون مأخوذة من لفظة شقاقا العربية وتعني الشق او الزقاق او المدخل او الدهليز وهذه المعاني بمجموعها تصف هذا المدخل الرئيس لمدينة البتراء وهو ممر بين صخرتين يبلغ طوله ألفا ومائتي متر وعرضه في بعض الاماكن مترين وارتفاعه من ثمانين الى مائة متر. وعلى يسار السيق حفر الأنباط قناة تحمل مياه عيون موسى الى وسط المدينة ويزدان جانبا المدخل بطبقات من الصخر تتراكب وتتمازج فيه الألوان ما يضفي عليه أجواء طبيعية ساحرة ومدهشة وتضيف الرياح وهبات النسيم العليلة نوعا من الموسيقى الحالمة المطربة. وفجأة.. يجد الزائر نفسه خارجا من هذا الممر ويرى أمامه تحفة أثرية ليس لها مثيل في العالم كله. وهي الخزنة.
الخزنة
بناء منحوت في الصخر يرتفع تسعة وثلاثين مترا وخمسين سنتمترا ، وعرضه ثمانية وعشرون مترا. سمي هذا البناء بخزنة فرعون لاعتقاد سكان المنطقة بأن فرعون وضع كنوزه في الجرة الموجودة في الطابق الثاني ، لذا حاولوا ضربها بالعيارات النارية لكسرها واخذ ما فيها من كنوز. وما هذا الموقع الا هيكلا قبرا يتكون من طابقين ، وواجهة الطابق السفلي عبارة عن ستة اعمدة كورنثية ومنه نرى البوابة الرئيسة التي تحتوي في كل من جانبيها غرفة صغيرة. ويتكون الطابق الثاني من ثلاث اسطوانات تفصل الواحدة عن الاخرى كوتان منحوتتان في الصخر. وتزين شرفة هذا الطابق رسومات الزهور والثمار والنسور.
المدرج الروماني
يتكون المدرج من 33 صفاً منحوتة في صخر رملي رمادي ويتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج.
ومقابل هذا المدرج توجد مجموعة من القبور المنحوتة في الصخر وقد عثر في هذا الموقع على وعاء للخمر وعلى زجاجة وعلى تمثال لأحد الآلهة من الرخام وقد أصابه التلف وعثر على قطعة نقدية فضية للملك عبيدة الثاني 30( - 9 ق م ) وعلى حلقتين من الذهب للأنف وعلى صحون فخارية جميلة يعود تاريخها للفرن الاول قبل الميلاد.
وعلى مقربة من القبور بلط الرومان الشارع الرئيس وورفعوا الاعمدة على طرفي الشارع.
قصر البنت
والبنت هي أميرة ذكرت في قصة خرافية كانت تسكن ذلك القصر وتتألم من عدم وجود مياه جارية فيه ومن ثم وعدت ان تتزوج من يحضر المياه للقصر وتزوجت شخصا كان طامعا بها. والقصر كان هيكلا بناه الانباط في القرن الأول قبل الميلاد تكريما للإله "ذو الشرى".
الدير
هيكل ضخم بلغت عرض واجهته 47 مترا تقريباً وارتفاعها 40 متراً تقريباً وقد حفرت واجهته في صخر رمادي اصفر. وفيه غرفة صغيرة حفرت في الصخر سكنها النساك وعلى واجهتيه رسماً لأسدين نقشا عليهما وأطلق على الدير لقب "قبر الاسد".
المذبح
يقع بين خزنة فرعون والمدرج الروماني.. له ساحة واسعة طولها 64 مترا وعرضها 20 مترا وفي هذه الساحة حفر الأنباط بئراً لتنظيف المذبح. ويقع الهيكل إلى الغرب من المذبح.
Date : 07-08-2009
جريدة الدستور