تصريح وزارة الثقافة والإعلام رقم م ن / 154 / 1432


العودة   شبكة البراري > منتديـات البراري الرئيسيــة > منتدى الرحلات والسياحة والأجهزة البرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2007-12-27, 03:07 AM
الساري الساري غير متواجد حالياً
عـضـو ذهـبـي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: الرياض / الدرعية
المشاركات: 3,319

الساري is on a distinguished road
افتراضي رحلة الى بلاد نجد (( لليدي آن بلنت))


رحلة إلى نجد، مهد العشائر العربية سحر الشرق يقود الليدي آن بلنت إلى صحراء «ألف ليلة وليلة»
آن وولفريد باللباس العربي

دمشق - إبراهيم حاج عبدي
اكتسب الشرق في مخيلة الغربيين أبعادا ودلالات اقتربت من الأسطورة والخرافة، وأخذ هذا الشرق يتمتع في تلك المخيلة بصفة تكاد تكون «نمطية» تنطوي على الصدق حينا، وعلى الكثير من التصورات والأوهام الغامضة في أحيان أخرى، ولعل هذه التصورات، التي راحت تتضخم عبر العصور، جاءت من القصص والروايات التي تروى عن الشرق، ولا شك أن أهم عمل ساهم في صياغة هذه التصورات، وأطلق العنان للمخيلة، هو كتاب «ألف ليلة وليلة» الذي يقدم وبشكل مدهش قصصا خرافية تتحدث عن الأسفار في الصحراء والبحار، وعن الجن، والأقزام، واللصوص، وعن الليالي الملاح، وعن جمال النساء الشرقيات، وعن الوقائع والحوادث الخارقة...وذلك في سرد يومي متلاحق ترويه شهرزاد لزوجها شهريار تجنبا لعقوبة الموت التي تنتظرها إن هي أخفقت في خلق التشويق لدى شهريار، فالخدعة قائمة على أن ينتظر بشغف الليلة التالية ليسمع بقية القصة، وبهذا المعنى فإن شهرزاد حافظت على حياتها عبر فضيلة القص المباركة على عكس سابقاتها اللواتي قتلن.
فالشرق في هذا العمل وفي غيره من الأعمال هو متحف للأعراق، والاثنيات، والثقافات المختلفة، وهو فضاء تتعدد فيه الآلهة والقديسون، الأشرار والأتقياء، وهو موطن حافل بالخرافة والأساطير القادمة من تاريخ غابر، فها هو - على سبيل المثال - بطل رواية (طريق القلب) للروائي الأسباني فرناندو سانتشث دراغو يشرح سبب توقه إلى القيام برحلة إلى الشرق الآسيوي: «يحكون أن الناس يعيشون هناك دون الحاجة للمال، وأنهم رقيقون ومضيافون، والمعابد تؤوي الزوار، والقوانين غير موجودة أو أنها لا تطبق، وأن جوهرا غامضا وحادا يدور بشكل حر، قادرا على نقل الروح إلى مناطق الأثير»، كما أن هذا الشرق يضع أستارا، وحجبا في ما يتعلق بالجواري، والحسان، وكل ذلك أجج مخيلة الغربيين من الرحالة، والمؤرخين، والأدباء، والسياح، والتجار، والرسامين، والسياسيين، والفنانين الذين سعوا، وفي فترات تاريخية مختلفة، إلى زيارة هذا المسرح الشرقي المتلون أملا في خوض تجربة تخرجهم من رتابة الواقع في رفاهية المدن الأوربية، ورغبة في خوض مغامرة على أرض تصلح للمغامرة، وفي بلاد لا تني تغذي بحكاياتها وقصصها تلك النزعة الغربية التي هامت بالشرق.




الغلاف
رحلة آن بلنت إلى نجد:

وفي كثير من المرات قام هؤلاء بتدوين تفاصيل رحلاتهم في كتب عديدة صدرت في العواصم الأوربية المختلفة، ألفت على مدى العصور مكتبة أدبية لدرجة أصبحت معها من الأهمية بمكان العودة إلى هذه المصادر، ومحاولة ترجمة هذه الأعمال لما تزخر به من معلومات تاريخية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية هامة، ولعل هذا الدافع هو الذي يقف وراء مشروع دار المدى في دمشق المتمثل في إصدار سلسلة تحت عنوان «البحث عن الشرق» في محاولة لإحياء هذا التراث الغربي المعروف بـ «أدب الرحلات» الذي سجل ملامح الحياة في الشرق بكل تفاصيله بعيون غربية، وبأقلام كتاب من جنسيات أوربية عديدة، ومن مستويات مختلفة مثل: غوتيه، فولتير، جوزيف كونراد، غي دي موباسان، رامبو، جين دكبي، وويليام ب سيبروك...وغيرهم فضلا عن قائمة طويلة من الباحثين والكتاب الذين اهتموا بالشرق من مختلف النواحي وعرفوا بـ «المستشرقين».

جديد دار المدى ضمن سلسلة «البحث عن الشرق» هو كتاب «رحلة إلى نجد، مهد القبائل العربية»، الذي قام بترجمته «أحمد ايبش» الذي كتب مقدمة وافية للكتاب وزود الطبعة العربية هذه بمجموعة من الصور النادرة التي ترصد مسار الرحلة وأهم المحطات فيها، وكما يشير العنوان فإن الكتاب يتحدث عن رحلة قامت بها الرحالة البريطانية الليدي آن بلنت، فروت فيه أحداث هذه الرحلة المضنية من دمشق إلى حائل في أواخر القرن التاسع عشر عندما لم يكن هناك من وسيلة للتنقل سوى الدواب، فكانت أول امرأة أوربية تغامر باقتحام مجاهل صحراء النفود، وتتحدى مشاق السفر، ومخاطر الطرق الوعرة المليئة بالحيوانات الضارية، الخالية، ولمسافات طويلة، من البشر.

آن بلنت (1837- 1917)هي سيدة مثقفة، ورحالة جريئة أضافت إلى أدب الرحلات الغربية في الشرق نصوص رحلتين فريدتين إلى الجزيرة الفراتية السورية، وشمال شبه الجزيرة العربية. وهي حفيدة الشاعر الإنكليزي اللورد بايرون، وسليلة أسرة نبيلة توارثت العلم والأدب، وهي تزوجت من الشاعر الانكليزي ولفريد سكاون بلنت الذي امضى شطرا من حياته في الشرق الأوسط ديبلوماسيا حيث عمل في بغداد ودمشق والقاهرة، وارتبط بعلاقات صداقة مع شخصيات عربية بارزة، مثل أحمد عرابي ومحمد عبده، ونشر كتاباً مهماً بعنوان «التاريخ السري لاحتلال الإنكليز لمصر»، كما كتب، بدوره، وصفاً شاملاً لهذه الرحلة بعنوان: «زيارة إلى جبل شمر»، نشره في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية في لندن عام 1880، وبذلك فإن القدر قد جمع بين أديبين يعشقان حياة المغامرة والترحال في بوادي الشام والجزيرة العربية في عامي 1878 و1879، ودونت آن بلنت أحداث الرحلتين في كتابين أولهما «عشائر بدو الفرات»، والثاني «رحلة إلى نجد» الذي نعرض له.

قبل مغادرة دمشق المحطة الأولى في الرحلة إلى نجد، تلتقي آن بلنت وزوجها في هذه المدينة التي كانت خاضعة - آنذاك - للسلطة العثمانية، بالليدي جين دغبي المرأة الإنكليزية النبيلة التي عشقت سحر الشرق وتزوجت من الشيخ البدوي مجول المصرب، كما تلتقي بالأمير عبد القادر الجزائري الذي قاتل ضد الفرنسيين مدة 15 عاما، فنفي إلى دمشق منذ عام 1855 حتى وفاته 1883، كما عقدت بلنت لقاءات مع شخصيات متعددة من أبرزهم مدحت باشا الوالي العثماني آنذاك لمدينة دمشق، وزارت العديد من المعالم الأثرية، والأسواق الشعبية لتتعرف على أجواء المدينة، ولتجمع ما هو ممكن من المعلومات المفيدة حول طريق رحلتها المجهولة والطويلة إلى نجد، ولتأمين كل مستلزمات هذه الرحلة.




واحة الجوف
شغف ولهفة:

بذلك الشغف الذي يعتمل في قلوب المغامرين، وبتلك اللهفة التي تستقر بين حنايا أرواح الحالمين تقتحم الليدي بلنت الصحراء على ظهور الخيول والجمال، برفقة زوجها ولفريد بلنت وبعض المرافقين ومجموعة من الأدلاء، فتنطلق من دمشق مرورا بحوران، واللجاة، والحماد، ووادي السرحان، والجوف، وصحراء النفود...وصولا إلى حائل في نجد، وهي خلال هذه الرحلة الشاقة والمضنية التي بدأت في نهاية عام 1878 واستمرت ثلاثة اشهر، كانت تسجل يومياتها، فمثلما ان شهرزاد نجت بنفسها من الموت عن طريق القص، فان بلنت تخفف من متاعب السفر ومشقاته، وأهواله بالقص والكتابة، فتسجل تفاصيل الرحلة بكل ما فيها من دهشة، وإعجاب، ومخاوف، ومخاطر.




المؤلف مع فرس عربية
تقدم بلنت في كتابها نصا أشبه بالسيناريو السينمائي فلا تترك شيئا تقع عيناها عليه إلا وتسجله، لكنها ترسم ذلك بخطوط بارعة، ولقطات ذكية، فهي أتقنت الرسم على يد الفنان والناقد الإنكليزي الشهير جون راسكين، إلى جانب دراستها للموسيقى وخبرتها في أنواع الخيول العربية خصوصاً، ومعرفتها الواسعة بالجيولوجيا والآثار...فتقوم بتوظيف كل هذه الخبرات في معاينة هذه الأرض الواسعة المفتوحة على الآفاق الرحبة التي تحرض المخيلة على العمل، فتكتب المؤلفة بتفصيل دقيق عن طبيعة البدو، وعن طبيعة الحياة في الأماكن التي مرت بها، وتسلط الضوء على عاداتهم، وتقاليدهم، وطقوسهم، ونمط معيشتهم وإكرامهم للضيف، ولا تغفل عن الحديث عن مفردات البيئة، وثقافتها، وعناصر الطبيعة من الحيوانات والنباتات، والرمال، والأطلال الدارسة، وذلك عبر وصف لا تنقصه تلك اللغة الشاعرية الحالمة: «كان الغروب قد حل تقريبا عندما رأينا جبّة للمرة الأولى، تحتنا عند طرف السبخة، أشجار نخيل خضراء داكنة تقطع اللون الأزرق الباهت للبحيرة الجافة، وما وراء ذلك نسق من الصخور الحمراء ينتصب في صحراء النفود الوردية، وفي مقدمة المشهد رمل اصفر مكلل بالدر.كان المشهد برمته متوشحا في ضوء المساء، بديعا فوق كل وصف»، وعندما تصف خيلا تكتب بدقة تثير الإعجاب: «إنها فرس جميلة كستنائية، مطلقة اليمين، على خشمها غرّة (وضحة)، لها طريقة رائعة في الحركة..،جمالها يفوق سرعتها، رأسها جيد، عيناها واسعتان براقتان، جبهتها مسطحة، خدودها غائرة، حاركها منيف وظهرها قصير، أردافها مستديرة..،أوتارها قوية وحوافرها كبيرة مدورة، مكتنزة بشكل رائع...»، وفي مقطع آخر نجدها تصف صحراء النفود فتقول: «إن منظرها بديع إذ تتكون من رمل ابيض نقي، ارتفاعها بين خمسين ومئة قدم، تتخللها بقع من الأرض الصلبة، وتكسوها الأعشاب. فيما ينمو الغضا هنا بشكل أشجار ذات جذوع كثيرة العقد، بيضاء تقريبا، لها أوراق رمادية خفيفة». وتضيف: «لونها أحمر زاه يكاد يكون قرمزيا في الصباح عندما يرطبها الندى. أما رمالها فهي خشنة، ولكنها نقية لا تشوبها أية مادة دخيلة كالحصيات أو حبيبات الرمل الكبيرة أو التراب، ويبقى لونها، ومادتها ثابتين في كل أنحائها. ومن الخطأ الكبير أن نعتبرها صحراء قاحلة، بل هي على العكس غنية بالشجيرات والكلأ اكثر من أي جزء من البوادي التي مررنا بها منذ مغادرتنا لدمشق».

وهي تستهل كل فصل باقتباس جملة أو مقطع من أعمال المشاهير في الغرب فتدرج، مثلا، قولا لشكسبير يقول «تلك المفاوز القصية والبلاقع النائية، أحب إلى نفسي من المدن الآهلة بالناس» وكأنها بذلك تبرر لنفسها القيام بهذه الرحلة التي قادتها من رفاهية الحياة في بلدها إلى خوض تجربة محفوفة بالمخاطر، والتعب، والمفاجآت، وتقتبس عن لافونتين هذا المقطع «حجاجنا الجسورون/ عبر الوديان والدروب/في خاتمة المطاف سيبلغون مسعاهم»، وعن والتر سكوت تقتبس ما يتلاءم مع ما تشاهده: «كانت الصخور تتناثر عشوائيا، جروف صخرية سوداء شديدة الانحدار، وآكام سود من الحجارة».


نساء البدو الجميلات:

وكانت نساء البدو تجذب اهتمام الليدي آن بلنت سليلة النبلاء، ففي محطات الاستراحة التي تتوقف فيها القافلة في هذه القرية أو تلك ولدى هذا الشيخ أو ذاك كانت بلنت تتعمد أن تترك مجلس الرجال لتذهب إلى غرف النساء وتتحدث إليهن، وتتعرف على معاناتهن، وطريقتهن في الحياة، وتقرأ أفكارهن، وتصغي إلى قصصهن، وتحاورهن في شؤون مختلفة من حياتهن، وتكشف عن همومهن وأحلامهن،وها هي تتحدث عن إحدى البدويات، اسمها مطرة، فتقول: «لقد أحببت وجه مطرة مذ رأيتها، فلها نظرة صادقة تحدق إليك مباشرة بعينيها السوداوين الكبيرتين كعيني الخشف. لها بشرة لامعة نضرة، وصوت مبتهج محبب»، وكانت بلنت تحرص في كل مرة أن تتصرف مثلهن وان تكتسب عادات البدو وطباعهم لئلا تبدو غريبة، ونافرة وسط هذه الصحراء وناسها القساة، الكرماء، وفي صفحات الكتاب نشاهد لها صورا كثيرة وهي ترتدي الزي البدوي كدلالة على حبها وتعلقها بحياة الصحراء.

في العام 1881 انتقل الزوجان بلنت إلى مصر، واشتريا مزرعة الشيخ عبيد، جمعا فيها عدداً كبيراً من الخيول العربية، إضافة إلى المزرعة الأخرى التي يمتلكانها في بريطانيا، وبعد انفصال الزوجين في عام 1906، سافر ولفريد إلى بريطانيا، وبقيت آن في مصر حتى وفاتها عام 1917، وظل كتابها «رحلة إلى نجد» وثيقة حية عن الحياة البدوية قبل قرن وربع، والملاحظ ان ابنتها جوديث سارت على خطى والدتها، إذ زارت أيضا في العام 1924 السعودية وبقيت كوالدتها تحن إلى الشرق، وتتابع تقاليد الفروسية العربية، وتقرأ أشعار الفرسان العرب كعنترة وامرئ القيس وغيرهم.



قراءة في كتاب: رحلة إلى بلاد نجد
قراءة: مشعل الجبوري /
تأليف - الليدي آن بلنت 1297هـ



مقتطفات من القسم الأول الفصل الخامس
هذا هو الفصل الخامس من رحلة الليدي بلانت إلى نجد وذلك عام 1879م 1297ه وفيه تقدم مشاهداتها وانطباعاتها أثناء سيرها من كاف إحدى قريات الملح إلى الجوف مشاهد ربما بعضها ما زال قائماً ولكن طول هذه السنين وإن ابقت على المكان كما هو فقد ذهبت بالمغامرة والخطر وروعته وذهبت بوسائل المواصلات القديمة الهجن والخيل وبيت الشعر أيضاً. المسكن المثالي. بلدة كاف وسكانها:
كاف قرية صغيرة لطيفة لها طابعها الخاص متميزة تماماً وكل شيء نموذج مصغر الستة عشر بيتاً المربعة الصغيرة والأبراج الصغيرة ذات المشارف والأسوار بارتفاعها البالغ سبعة أقدام والسبعون أو الثمانون نخلة في بستان يروى من آبار وبعض أشجار حسبتها في البداية سروا ثم اتضح أنها نوع رقيق من الأثل ومع أنها محل صغير جداً فإن «كاف» ذات منظر فريد مزهر فكل شيء هناك أنيق وفي إصلاح حسن ولن تجد شرفة واحدة مكسورة أو باباً خارجاً عن مفصلاته وهناك أيضاً عدد طيب من صغار النخيل غرست في وسط النخلات الأكبر سناً وشجرات تين حديثة وكروم. أشياء قل أن تجدها في الشمال.
والناس لطاف المنظر حسنو السلوك ولو أنهم في البداية أفزعونا قليلاً بطوافهم والسيوف في أيديهم وهذه اما يحملونها منكسة على كلا الكتفين أو يقبضون غمدها بكلتا اليدين أشبه كثيراً بما يشاهده المرء في الاشكال المنقوشة على الصخر.
في ضيافة شيخ البلدة:
استقبلنا عبدالله القاسم شيخ القرية الذي إليه حملنا رسالة بأدب عظيم ونظفت غرفة في بيته من أجل استعمالنا وككل الغرف الأخرى فتح بابها على الفناء الذي في وسطه ربط فلو عمره سنتان وكانت غرفتنا مخزناً للوقود كما كانت بدون أثاث من أي نوع ولكنا اغتبطنا أن نجدها بدون سكان أيضاً والهندسة المعمارية هنا بسيطة جداً مجرد جدران من الطين بدون شبابيك أو فتحات من أي نوع باستثناء ثقوب مربعة قليلة قريبة من السقف وكان السقف من عمدان من الأثل بقواطع من النخل تملأ ما بينها فروع من النخل وتسمى الغرفة الرئيسية «القهوة» أو غرفة القهوة وفيها يوجد موقد مربع في الجانب أو من الوسط لصنع القهوة ولا توجد مدخنة ويخرج الدخان كما يستطيع ولكن هذا ليس غير مريح كما قد يتبادر إلى الذهن لأن احتراق الحطب هنا له لهب لامع جميل ويعطي أقصى حرارة بأدنى قدر من الدخان إنه الروثة أو الغضا ويجلس الناس حول الموقد بينما يجري صنع القهوة إجراء صامتاً يستغرق نصف ساعة تقريباً.
وبمجرد وصولنا أحضرت قطعة من التمر من محصول العام الماضي وهو لزج ومهروس ولكنه طيب وفي المساء تناولنا عشاء معتاداً مكوناً من البرغل ولحم الدجاج المسلوق إننا مندهشون جداً من الأدب الذي عليه كل فرد فعبدالله مضيفنا سألنا على الأقل عشرين مرة عن صحتنا قبل أن ننتقل من شيء إلى آخر ولم يكن من السهل أن نجد ثناء مناسباً للرد وكل شيء بالطبع بائس وبسيط ولكن المرء لا يملك إلا أن يحس أنه بين قوم متحضرين وقد أكثروا من اللجب مع مرافقنا ودليلنا محمد بن عروج الذي يعاملونه كشيخ.
تجارة كاف وأثرى:
إن مدينة كاف الصغيرة وجارتها أثرى حيث نحن الآن تجارياً لهما من الاتصال بالشمال أكثر من الجنوب لأن ثروتهما الأساسية كما هي الحال تنبع من تجارة الملح مع «بصرى» ويبدو أن عبدالله القاسم ميسور الحال لأنه يملك عدة عبيد ولديه أكثر من زوجة واحدة إلا أن الفلو الذي أشرت إليه هو كل ما يملك من ذوات الأربع كان سيأتي معنا كما قال لو كان له ذلول ولاحظت بضعة جمال وحمير وماعز حول القرية.
بلدة أثري:
لقد اتينا إلى أثري الواحة التوأم لكاف على بعد ساعتين ونصف إلى الشرق منها في وادي السرحان أيضاً وهو منخفض وفوضوي غريب من المحتمل انه قاع لبحر قديم مثل البحر الميت وهو هنا ذو أثني عشر ميلاً عرضاً وتوجد آبار عديدة هنا وفي كاف وهي عريضة وضحلة لأن الماء على عمق ثمانية أقدام فقط من سطح الأرض ومن هذه تسقى بساتين النخيل وتوجد أيضاً آبار في الخارج وكلها تقع على نفس المستوى والماء صالح للشرب وغير ممتاز بأية حال. عبرنا بحيرة مالحة واسعة وهي الآن جافة ومنها يجمع الملح للقوافل. وفي طريقنا سلانا محمد بحكايات عن مولده وأسلافه وقد سمع أهل كاف بابن عروج وأخبروا محمد أنه سيجد أقرباء في أجزاء كثيرة من بلاد العرب علاوة على الجوف.
وفي الواقع يبدو أن كل شيء يسير تماماً كما توقعنا.


ليست هذه قصة من قصص ألف ليلة وليلة,وإنما هي قصة حب الأمير النجدي الهلالي(سرحان) للأميرة (الشماء).فهؤلاء الهلاليون,وقبلهم عنترة بن شداد,وحاتم الطائي,جميعهم عاشوا في أرض نجد,فهاموا وتغنوا بها مرارا وتكرارا.‏

(رحلة الى نجد مهد العشائر العربية) ,لن تتحدث آن بلنت في هذا الكتاب عن هؤلاء الهلاليين وعمن عاش قبلهم في نجد,وإنما ستتحدث عن نجد القرن التاسع عشر,من خلال سردها لوقائع الرحلة التي ستقوم بها مع زوجها (ولفريد) الى قلب الجزيرة العربية,ووصفها لمشاهداتها أينما حلت.‏

وبالطبع لن يقوما بهذه الرحلة وحدهما وإنما سيرافقهما دليلهما وهو ابن شيخ تدمر محمد بن عبد الله العروق,وبعض الاتباع العرب.‏

-قبل هذه الرحلة قام الزوجان برحلة الى الجزيرة الفراتية وبادية الشام وقد سمعا أثناءها الكثير عن نجد من أبناء العشائر الشمالية,(على اعتبارها منبع أصولهم وموئل عزهم وافتخارهم).وهكذا عقدا العزم على القيام برحلة الى موطن العشائر الجنوبية(نجد),فكان ذلك في مطلع كانون الأول عام 1878م.‏

من دمشق كان الانطلاق,اتجهوا منها الى حوران فوادي الراجل ومنه الى واحة (كاف) وصولا الى وادي السرحان.خرجوا منه يعبرون الحماد بخط مباشر باتجاه الجوف,أثناء مسيرهم سيتعرضون لغزو مفاجىء,ولكن لحسن الحظ فقد كان الذين وقعوا بأيديهم أصدقاء.‏

-بعد الجوف سيصلون صحراء الرمال الحمراء (النفود).‏

المحطة التالية ستكون (جبة) ,وهي عبارة عن سبخة وسط النفوذ أو وطأة.‏

تقول في وصفها:(كان الغروب قد حل تقريبا عندما رأينا جبة نفسها للمرة الأولى,تحتنا عند طرف السبخة,بأشجار نخيل خضراء داكنة تقطع اللون الأزرق الباهت للبحيرة الجافة,وما وراء ذلك نسق من الصخور الحمراء...وفي مقدمة المشهد رمل أصفر مكلل بالأدر.....) ص 207‏

سيغذون السير في النفوذ ليدخلوا نجدا(...إنه لحلم حقا أن أجلس ها هنا.... وأتذكر ما كنت قرأته من وصف رومانسي...والذي لم يصدقه أحد...عن دولة نموذجية في قلب جزيرة العرب...أشعر أننا قد حققنا اليوم ما عجز عنه الآخرون..... أما جبل شمر فلا يشبهه أي شيء مهما كان) ص 242‏

-بدخولهم حائل سيستقبلهم الأمير محمد ابن رشيد.ستسعد بلنت ومن معها بهذا الاستقبال المهذب...(لم ألق في حياتي هذا العدد من الوجوه الباشة مجتمعة,أو أناسا بهذا التهذيب الجم) ص247‏

بانتهاء إقامتهم في حائل سينضمون الى الحجيج الإيراني ليرافقوهم في مسيرهم الى مشهد علي (النجف الأشرف) ومنها الى بغداد,حيث ستنتهي هناك رحلتهم,وسينفصل عنهم محمد العروق متجها الى تدمر,فالأوضاع السياسية فيها معقدة.‏

-نكتشف في هذا الكتاب ان الليدي آن بلنت تملك عينا ناقدة واصفة لكل ما تلمحه,تمتاز بدقة التصوير للمظاهر الطبيعية التي تشاهدها. فأينما حلت تتحدث عن جيولوجيا المكان وعن طبيعة نباتاته,والحيوانات المتواجدة فيه,وتهتم بالأمور الجغرافية من قياس لارتفاع بعض الأماكن عن سطح البحر,وتفسير لبعض الظواهر,من مثل:‏

تواجد الأفلاج في النفوذ,الضوء البروجي وغيرها.‏

وللجياد النجدية تخصص فصلا كاملا تذكر فيه أوصاف الأفراس التي رأتها في اصطبلات حائل...للخيول النجدية رقاب أقصر وأجسام أقصر,وتبقى أقل صلابة بكثير من خيول العنزة)ص294‏

-لن تخلو الرحلة من عنصر المفاجأة والمغامرة بالاضافة الى ذكر الكثير من القصص والأساطير التي يرويها الدليل والأتباع,مثل: قصة أبي زيد الهلالي مع الزيناتي خليفة ملك تونس,قصة النمرود وبرج بابل الشهير.‏

-الى جانب اهتمام بلنت بالسرد الوصفي,ستبدي اهتماما بالجانب السياسي التاريخي على طول الكتاب وستفرد فصلا كاملا للحديث عن الحكم الرعوي في نجد,حيث ترد وجود هذا الحكم الرعوي للحالة الطبيعية التي تعيشها الجزيرة.فهي عبارة عن سهول واسعة,خالية من النباتات,غير قادرة على الاحتفاظ بالماء,وبالتالي لا تحتوي نجد على مناطق زراعية,وهكذا لا توجد طبقة من القرويين.وعزلت كل مدينة عن مجاورتها (ما أدى الى نشوء الفرديات السياسية) ص.278‏

-من أهم الحروب العشائرية التي ستتحدث عنها آن بلنت حرب الرولة,التي كانت بسبب خلاف نشب بين جدعان ابن مهيد شيخ عشيرة الفدعان العنزية وسطام الشعلان شيخ الرولة حول مراعي حماة,وكيف رفض سطام العرض الذي قدمه له جدعان بواسطة الزوجين بلنت.‏

وأخيرا ...تلخص آن نتيجة الرحلة:(.. هنا تنتهي رحلتنا الى نجد التي تمت بنجاح دون حوادث مؤسفة,فالبكاد نتذكر يوما من الأيام الأربعة والثمانين التي قضيناها في الجزيرة العربية لم نستمتع فيه او نشعر بالسرور..)ص362‏

-من هي الليدي آن بلنت:‏

هي آنا بيلا كنيك نويل,حفيدة اللورد جورج بايرون الشاعر الانكليزي الكبير, وابنة الإيرل لفليس الاول. رحالة بريطانية جرئية وصادقة وسيدة مثقفة.‏

تميزت عن غيرها من الرحالات الغربيات, كونها أديبة تتقن فن الوصف والتشويق.زوجها هو النبيل الشاعر الانكليزي ولفريد سكاون بلنت,الذي أمضى شطرا من حياته في الشرق الأوسط ديبلوماسيا ومبشرا ورحالة .‏

(( آمل أن تكون قراءة هذه الكتب لمعرفة مايدور في أذهان المستشرقين ذلك الوقت بعد أن رزقنا الله العلم والمعرفة ))

  #2  
قديم 2007-12-27, 03:20 AM
ذهول العاصفة ذهول العاصفة غير متواجد حالياً
عـضـو ذهـبـي
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
الدولة: المدينـه المنــوره
المشاركات: 5,201

ذهول العاصفة is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اخي الكريم

المهاجـــــر
الله يعطيكـــ العافية على الطرح وايضاً هذا الكتاب
بس اكثر شي عجبني اسمها زي اسمينا هههههههههه
الليدي ان بلنت >>>> على وزن فلانها بنت فلان خخخخخ
في انتظار جديدكـــ الاجمل
لكـــ مني خالص
الاحترام والتقدير
!!!اخـــــــــوكـــــــــــ ذهـــــــــــول العاصفة ــــــــ!!!

  #3  
قديم 2007-12-27, 08:07 AM
مرزوق مرزوق غير متواجد حالياً
عـضـو نـشـيـط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
الدولة: بريدة
المشاركات: 304
جنس العضو: ذكر
مرزوق is on a distinguished road
افتراضي

الله يسلمك ويعافيك
لكن وين القى مثل هذه الكتب او بالاخص هذا الكتاب
شكرا لك

  #4  
قديم 2007-12-27, 09:14 AM
الصورة الرمزية الشيخ
الشيخ الشيخ غير متواجد حالياً

مراقب عام ومساعد المدير التنفيذي

 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
الدولة: شبكة ومنتديات البراري
المشاركات: 5,565
جنس العضو: ذكر
الشيخ is on a distinguished road
افتراضي

يعطيك ربي العافيه ويخليك لنا

اعطيت اوفيت بارك الله لك

الشيخ

التوقيع:
  #5  
قديم 2008-01-13, 01:37 PM
عبدالهادي المفرج التميمي عبدالهادي المفرج التميمي غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي لشبكة البراري
 
تاريخ التسجيل: Mar 2006
الدولة: تمير
المشاركات: 33,020
جنس العضو: ذكر
عبدالهادي المفرج التميمي is on a distinguished road
افتراضي

الله يعافيك ويسلمك اخوووووووي
مشكوور على هذي المعلومااااااات




سلام

التوقيع:
  #6  
قديم 2008-01-14, 06:28 AM
البارق البارق غير متواجد حالياً
عـضـو مـشارك
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: نجد
المشاركات: 143

البارق is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيك اخوي المهاجر
وعساك على القوة

  #7  
قديم 2008-01-14, 11:50 PM
عنيزاوي عنيزاوي غير متواجد حالياً
عضو متألــق
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 814
جنس العضو: ذكر
عنيزاوي is on a distinguished road
افتراضي

مشكور اخوي المهاجر وماقصرت يالغالي

  #8  
قديم 2008-02-01, 04:53 AM
خالد الشمري خالد الشمري غير متواجد حالياً
( مراسل حائل سابقًا )
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: حائــــــــــــل
المشاركات: 4,083
جنس العضو: ذكر
خالد الشمري is on a distinguished road
افتراضي

تسلم يالغالي ويعطيك الله ألف عافية..

  #9  
قديم 2008-02-03, 10:10 PM
خالد عبدالله خالد عبدالله غير متواجد حالياً
عـضـو ذهـبـي
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: حائل
المشاركات: 4,622
جنس العضو: ذكر
خالد عبدالله is on a distinguished road
افتراضي

  #10  
قديم 2008-02-08, 10:40 AM
ابونوره6 ابونوره6 غير متواجد حالياً
عضو ذهبــي
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
الدولة: الرس
المشاركات: 1,096

ابونوره6 is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيك

موضوع مغلق


المتواجدين الآن بالموضوع : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 04:21 PM


Powered by vBulletin .
جميع الحقوق محفوظة © لشبكة ومنتديات البراري 2010