عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2012-03-13, 03:12 PM
الصورة الرمزية سمو المشاعر
سمو المشاعر سمو المشاعر غير متواجد حالياً
عضو متميـز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: جــــــــــــــــدة الطحلاوي
المشاركات: 2,183
جنس العضو: ذكر
سمو المشاعر is on a distinguished road
افتراضي

شكراً أخي سعد الحمود على طرحك لهذا الموضوع بارك الله فيك

النّقد الغربيّ - رغم ما نزوعه إلى إرساء النمّاذج الصّارمة و الموضوعيّة في قراءة النّصّ الأدبيّ - ما انفكّ ينظر إلى النّصّ باعتباره أثرا فنّيّا قابلا للقراءة و التّأويل بل ما انفكّ ينظر إلى النّقد باعتباره فعلا إبداعيّا محايثا للإبداع الشّعري و القصصي . و ما تنوّع الاتّجاهات النّقديّة في صلب المنهج البنيويّ نفسه بين بنيوية توليدية بنيوية أسلوبية وتفكيكية و شكلانيّة إلا دليلا على رحابة أفق الخلفيّة النّظريّة الّتي يستند إليها النّقد البنيويّ فهي تضع في حسباننا جميعا أنّ المنهج قابل للتّطوير لا يمكن التّعامل معه باعتباره قالبا محنّطا تصهر بداخله الظّواهر الأدبيّة . و ما ذاك الولع بالأنظمة الخفيّة الّتي يرنو الباحث البنيويّ إلى اكتشافها لدى سبره أغوار النّصّ و تجاوز المعمار الظّاهر الجليّ إلى معماره الخفيّ إلا من قبيل إرواء الضّمإ و الشّوق و التّشوّق لما لاذ بالصّمت من الكلام و ان اتّخذ هذا التّحليل طابعا جدوليّا رمزيّا و رياضيّا أحيانا هذا فضلا عن كون هذا المنهج يعيد الاعتبار للنّصّ الأدبيّ و يتعاطى معه في ذاتيّته النّصيّة و هو ما يمنح النّقد الأدبيّ فرصة للخروج من مأزق التّصنيفات النّقديّة للنّصوص على أساس انتمائها لفئة أو طائفة تصل بينهم رابطة الدّم أو القربى أو النّسب . وهو ما يسمح بإزاحة الغبار عن كمّ هائل من النّصوص الأدبيّة ربّما ما كان ليكتب لها أن ترى النّور بسبب الفئويّة الضّيّقة في النّقد الأدبي النّاتجة عن التّصنيفات التّقليديّة للنّصوص حسب المقاييس الإخوانيّة السّالفة الذّكر . ومن مزايا النّقد البنيوي -و هذا ما لا يريد أن يفهمه الكثيرون - أنّه لا ينسف مقولة التّاريخ أو الزّمن في دراسة النّصوص الأدبيّة و إنّما هو يؤسّس لزمنيّة جديدة أثناء تعامله مع الموضوع المدروس . إنّه يستعيض عن تعاقب الأحداث التّاريخيّة المتّصلة بذات الشّاعرأو ذات المؤلّف على خط الزّمن -و الّتي كثيرا ما يتمّ إسقاطها في الدّراسة النّفسيّة أو الاجتماعيّة على النّصّ فتخنق دلالته و تحول دون تدشين آفاق جديدة للقراءة - بتعاقب الآنيّات لدى تناول مستويات الظاهرة الأدبيّة الإيقاعيّة و المعجميّة و التّركيبيّة و البلاغيّة فإذا الباحث ينتقل من دراسة تاريخ الخطاب إلى دراسة خطاب التّاريخ إنّ هذا التّحوّل الجوهري في الدّراسة البنيويّة من تناول تاريخ الظّاهرة الأدبيّة إلى التّركيز على الظّاهرة الأدبيّة نفسها حال سكونها في لحظتها التّاريخيّة الرّاهنة هو ما يشكّل اللّحظة الفارقة و المفصليّة بين تاريخ الأدب و الأدب نفسه .

إنّ ما يتحتّم علينا فعله ليس هو الثّورة على النّموذج النّقدي الغربي . بل محاولة الاستفادة من إمداداته الأساسيّة . نحن لا تعنينا تلك النّماذج الكلّيّة الّتي صاغها الشّكلانيّون أو الفرنسيّون لدى دراستهم لنصوص أدبيّة أرادوا أن يبلغوا عند تناولها ذروة العلميّة . نحن معنيّون بأمور لو استفدنا منها غاية الاستفادة حققنا التّقدّم لنقدنا الأدبي لعلّ من أبرزها :

-أهميّة التّعاطي مع النّقد الأدبيّ باعتباره فعلا إبداعيّا محايثا للتّجارب الإبداعيّة الأخرى و هو ما يفضي إلى تقليص المسافة بين النّاقد و النّصّ لفتح الأبواب على مصاريعها لتقبّل قراءات جماليّة للنّصوص تحسن تذوّقها و ترغّب القارئ في قرائتها و التّفاعل معها

-لا بدّ من التّخلّص من وهم أنّ النّاقد يجب أن يقول ما أراد الشّاعر قوله لأنّ ذلك قد يكون فيه إرضاء لغرور الشّاعر و لكن لن يكون فيه إنصاف للنّصّ في ذاتيّته النّصيّة . لأنّ اللّغة تقول دائما أكثر ممّا يريد صاحبها قوله .

- لا بدّ من الاستفلدة من التّفكيكيّة مع جاك داريدا الّتي تنحو منحى التّفكيك للعمل الأدبي لتعيد بناءه من منطلق إنتاج المعنى فهذا المنحى يرى أنّ إنتاج المعنى هو من شأن القراءة و ليس من شؤون الشّاعر أو الكاتب و هو بذلك يفتح الأبواب على مدارات التّأويل الّتي من شأنها أن ترتقي بالمنتج الأدبيّ وتخرج به من حيّز الدّلالة المفردة إلى حيز التّعدّد الدّلالي و هذا لعمري من المسائل النّقديّة الّتي أشار إليها عبد القاهر الجرجاني عندما تحدّث عن المعنى و معنى المعنى و المعاني الأول و المعاني الثّواني و الثّوالث . ضمن نظريّته في النّظم .

لا بأس بتحييد الكاتب أو الشّاعر عند التّعامل مع النّصّ لسبر أغواره من خلال لغته عبر الاستفادة من المباحث الأسلوبيّة و المعجميّة و النّحويّة دون السّقوط في الوصفيّة الفجّة الّتي تجعل من التّحليل الأدبيّ ضربا من ضروب الإحصاء للتّراكيب و الصّيغ الصّرفيّة و الظّواهر البديعيّة و الإيقاعيّة و الذّهاب بعيدا في التّصنيف بكيفيّة تذهب بروح النّصّ الأدبي و من ثمّ بروح العمليّة النّقديّة الّتي هي كلام على كلام و الكلام على الكلام صعب كما يقول التّوحيدي .

لا بدّ من المراهنة على أنّ القراءة الآنيّة هي تعيّن في النّصّ من الدّاخل لا من خارجه . و هو ما يضمن عدم تنصيب صاحب الأثر حرسا شديدا على أثره . بما يكفل حرّيّة قراءته على ان تكون القراءة متوسّلة بلغة النّصّ بعيدا عن الإسقاطات التّاريخيّة و النّفسيّة الّتي من شأنها أن تخرجنا من دائرةالنّقد الأدبي إلى دائرة التّاريخ وعلم النّفس التّحليلي ..

- لا بأس من الاستفادة ممّا تقدّمه المباحث النفسيّة و الاجتماعيّة و تطعيم دراستنا للنّصوص ببعض منتجاتها و آليّات التّحليل فيها إذا وجدنا صدى لتلك المقاربات في النّصوص و إذا ما كانت هناك قرائن لغويّة و أسلوبيّة واضحة تدلّ عليها . و لنا في ذلك أسوة في مدرسة البنيويّة التّكوينيّة مع لوسيان غولد مان .

-لا يجب إخضاع قراءة النّصوص إلى تلك المقاربات المنهجيّة البنيويّة الصّارمة و يستحسن إدماج تلك الظّواهر اللّغويّة و الأسلوبيّة و المعجميّة و الإيقاعيّة و البلاغيّة بحسب حضورها في النّص ضمن نسق رؤيويّ يحدّده النّاقد لحظة القراءة ويكون ذلك من خلال اتّباع القراءة المحوريّة الدّلاليّة بكيفيّة تعكس الترابط المنطقيّ بين أجزاء المقاربة النّقديّة في مسار التّحليل .كما يمكن التّعاطي مع النّصوص الأدبيّة في ضوء نظام الوحدات البنائيّة ليتمّ التّطرّق لكلّ وحدة على حدة على أن يحكم النّاقد اختيار معيار التّقسيم أو التّقطيع حتّى لا تكون القراءة مفكّكة لاحقا .

إنّ مشكلة المنهج ليست مطروحة لدى الغرب الأوروبّي (فالمناهج عندهم متعدّدة-) بقدر ما هي مطروحة و بإلحاح عندنا . في اعتقادي المتواضع و البسيط أنّ النّاقد الحقيقيّ لا تسلّط عليه المناهج . بل هو من يجب أن يبتكر منهجه في قراءة النّصوص و هو معنيّ بتأصيل فكرة التّعدّد و التّنوّع في قراءة النّصّ وأن يأخذ بعين الاعتبار دائما أنّ كلّ نصّ قد يفرض منهجا مغايرا و مختلفا أثناء التّعامل معه . و أنّ مدار النّجاح أو الإخفاق في العمليّة النّقديّة في مدى وجاهة النّقد الموجّه إلى نصوص تستمدّ منها قرائن قراءتها و نقدها و في مدى إقناعيّة الخطاب النّقدي و جماليّته .

" م "

التوقيع:
رد مع اقتباس