عرض مشاركة واحدة
  #445  
قديم 2014-05-15, 10:14 PM
الصورة الرمزية تركي الوايلي
تركي الوايلي تركي الوايلي غير متواجد حالياً
محلل تنبؤات الطقس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: المنطقة الشرقية
المشاركات: 44,718
جنس العضو: ذكر
تركي الوايلي is on a distinguished road
افتراضي

«الكورونا» ... هل نحن على أعتاب حرب جديدة؟


د. سعيد بن على العضاضي

انتشر مرض الكورونا وأصبح بالفعل يمثل وباء وخطرا على صحة الناس. وتعد السعودية في طليعة الدول التي ينتشر فيها هذا المرض فهناك المئات من المصابين - حسب الإحصائيات المتحفظة - والوفيات تقارب المائتين بينما دول العالم شبه خالية منه سوى فرد أو فردين في أجزاء متفرقة من هذا العالم.
كل هؤلاء المصابين في شتى بقاع الأرض يشتبه في أنهم اكتسبوا المرض نتيجة وجودهم في السعودية أو أن لهم علاقة بشخص قد وصل توا من بلادنا. الشيء اللافت للانتباه أن أسبابه ما زالت غير واضحة فكل التصريحات التي نسمعها سواء من وزارة الصحة السعودية أو من المنظمات الصحية الدولية لا تشفي ظمأنا وما هي سوى تكهنات وتوقعات ولسان الحال يقول: "وتسأل عن كليب كل ركب وعند جهينة الخبر اليقين" وكأن هناك جهة تعرف بالضبط أسباب المرض؟ وكيف انتشر؟ ومن نشره؟ وقد يوجد عندها الحل السحري فتخرج لنا الدواء واللقاح في وقته؟
إن انتشار المرض في السعودية دون بقية دول العالم أمر يحتاج بالفعل إلى وقفة. فالمرض قد انحصر إقليميا، ولو تتبعت الحدود السياسية للدول لوجدت أن المرض مفصل على دول بعينها وفي مقدمتها السعودية. وعندما نتأمل مثل هذا نريد أن نعود إلى أنفسنا ونسأل ونتساءل لماذا السعودية بالذات مصدر انتشار المرض؟ البعض يضع اللوم على الخدمات الصحية التي لم تستطع أن تحصر المرض، والبعض الآخر يتهمنا بقلة النظافة وأننا كشعب وأمة لا نعرف أبجديات التنظيف والطهارة، وصنف ثالث يرمي بالتهمة على الحيوانات التي تعيش بيننا دون غيرها من دواب الأرض. وحتى نعطي الموضوع حقه دعونا نأخذ هذه الأسباب ونفصل فيها قليلا لنرى هل هناك منطقية في طرحها خصوصا أنه لا توجد أبحاث ولا دراسات من مراكز علمية محايدة تؤيد أو ترفض مثل هذه الادعاءات ولهذا تظل هذه الأسباب في حكم الفرضيات.
لو أخذنا الخدمات الصحية في بلانا ووضعناها تحت المجهر وقارنا بينها وبين مثيلاتها في اقتصاديات بلدان أخرى لنرى هل خدماتنا بوضعها الحالي عاجزة عن احتواء المرض. نعم لدينا خلل في تقديم الخدمات الصحية ونحن لا ننكره ونعرض أدق تفاصيله على الملأ وفي وسائل الإعلام ولكن ليس لدرجة أن وزارة الصحة وغيرها من المستشفيات العملاقة في بلادنا لا تستطيع أن تحاصر المرض. هل تعلم أيها القارئ الكريم أن هناك دولا لا يوجد فيها مستشفيات بالمعنى الحقيقي للمستشفى فترى المرضى صرعى على الأرض أو على أخشاب ممددة تتسابق إلى المريض الحشرات والبعوض والذباب قبل أن تصل إليه يد الطبيب. المستشفيات في بعض الدول عبارة عن ركام من القصب دون تهوية في الصيف ودون تدفئة في الشتاء، وقد تسحب العينات من مريض ثم تسحب من مريض آخر مباشرة دون تعقيم. كما لا يزال الحلاق والجزار يمارسان مهنة الطب في بعض الدول في يومنا هذا، فلماذا لم ينتشر مرض الكورونا في تلك البيئات وانتشر في بلادنا التي هي أشد منها منعة من الناحية الصحية والطبية والبنية التحتية.
هذا من ناحية الخدمات الصحية فماذا عن التهمة الثانية وهي النظافة. لو أردنا أن نتهم النظافة في بلادنا ونقول إن النظافة هي مصدر الوباء الثاني في انتشار مرض الكورونا فهناك مجتمعات بأكملها تعيش على ضفاف أنهار من المستنقعات ومخرجات الصرف الصحي، وأظن بعضكم قد زار بعض دول المشرق والمغرب وبعض دول إفريقيا وغيرها من بقاع الأرض فرأى عائلات بأكملها يعيش أفرادها صغارا ويشبون كبارا فيهرمون ثم يموتون وهم على مجرى مستنقع وليس عائلة واحدة بل مئات العائلات، فلماذا لم تنتشر الأمراض ومنها الكورونا في تلك البيئات وانتشرت في بلادنا؟ نعم لدينا خلل في هذا الجانب ولكن لم يصل الأمر أن نجد مجموعة من الأفراد يعيشون على مخلفات الناس وإن كان هناك فبعيد عن أعين الناس ولو عرفوا لتم تدارك الأمر إما من الجهات المعنية وإما من الجيوب الموسرة.
لو أتينا إلى السبب الثالث وهو الحيوانات فقد اتهم رفيق العرب ومصدر قوتهم وسفينة سفرهم وهو الجمل بأنه مصدر انتقال الكورونا ولو كنا متهورين لأحرقنا جميع الجمال بل لتتبعنا سلالتها في جميع أقطار العالم. لماذا لا تكون القطط على سبيل المثال هي مصدر انتشار المرض أو الكلاب - الحيوانات الصديقة للغرب؟ لماذا لم تتهم الفئران؟ أو الخنازير؟ لماذا الجمال بالذات؟ ولنا الحق في الذب عن الجمل ورفع التهمة عنه طالما الوضع في حالة اجتهاد ولم يتم إثبات ذلك بدراسات ميدانية ذات مصداقية عالية أو إحصائيات دقيقة.
أرى أن الأسباب التي تم طرحها غير منطقية فهناك أسباب أخرى مخفية فالسيناريوهات التي نراها والأسباب التي تم عرضها تجعلنا نعيد التفكير ونخرج عن الصمت ونصدع بما في أنفسنا، فالمنطق لا يقبل أن وزارة الصحة في السعودية مهما كان تخبطها مصدر في انتشار المرض، ومستوى النظافة في بلادنا لا يقبل البتة أن يكون سببا آخر، والحيوانات التي تعيش بيننا منذ قرون دون غيرها لا يمكن أن تكون سببا منطقيا وهذا يعني أن هناك أسبابا أخرى لم تظهر بعد. لذا علينا أن نفكر بعقلانية ونعرف ما يدور حولنا ولا نقبل إلا الحقائق المجردة المدعمة بالدراسات الميدانية، فإن لم يوقف موضوع كهذا فسنصبح بؤرة وباء تزرع الفيروسات في بلادنا بيد ويوزع علينا العقار باليد الأخرى وبهذا نصبح على أعتاب حرب من نوع جديد. حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين وبلاد الله أجمعين من المرض والوباء والأنفس الحقيرة وأصحاب المصالح الدنيئة.

رد مع اقتباس