~*¤®§ ][^*^] قائد عسكري فذ [^*^][ §®¤*~
~*¤®§ ][^*^] أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [^*^][ §®¤*~
لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأيده الله بنصره
وبالمؤمنين ، وألف بين قلوبهم بعد العداوة ، ومنعته أنصار الله من الأحمر والأسود ،
رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة ،
والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو والصفح ، حتى قويت الشوكة ، فحينئذ أذن
لهم في القتال ، ولم يفرضه عليهم ، فقال تعالى :
(( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ))
وهي أول آية نزلت في القتال ، ثم فرض عليهم قتال من قاتلهم ، فقال تعالى :
(( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ))
ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، فقال تعالى :
(( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ))
~*¤®§ ][^*^] خصائص رسول الله العسكرية [^*^][ §®¤*~
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه في الحرب على أن لا يفروا ،
وربما بايعهم على الموت ، وربما بايعهم على الجهاد ، وربما بايعهم على الإسلام ،
وبايعهم على الهجرة قبل الفتح ، وبايعهم على التوحيد والتزام طاعة الله ورسوله .
وبايع نفرا من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئا ، فكان السوط يسقط من
أحدهم ، فينزل عن دابته فيأخذه ، ولا يسأل أحدا أن يناوله إياه .
وكان يبعث البعوث يأتونه بخبر عدوه ، ويطلع الطلائع ، ويبث الحرس والعيون ،
حتى لا يخفى عليه من أمر عدوه شئ .
وكان إذا لقي عدوه دعا الله واستنصر به ، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله ،
والتضرع له .
وكان كثير المشاورة لأصحابه في الجهاد .
وكان يتخلف في ساقتهم ، فيزجي الضيف ، ويردف المنقطع .
وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها .
وكان يرتب الجيش والمقاتلة ، ويجعل في جنبة كفؤا لها .
وكان يبارز بين يديه بأمره ، وكان يلبس للحرب عدته ، وربما ظاهر بين درعين
كما فعل يوم بدر .
وكان له ألوية ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثاً ثم قفل .
وكان إذا أراد أن يغير ينتظر ، فإذا سمع مؤذنا لم يغر ، وإلا أغار .
وكان يحب الخروج يوم الخميس بكرة .
وكان إذا اشتد البأس اتقوا به ، وكان أقربهم إلى العدو .
وكان يحب الخيلاء في الحرب ، وينهى عن قتل النساء والولدان ، وينهى عن
السفر بالقرآن إلى أرض العدو .
~*¤®§ ][^*^] أول لواء [^*^][ §®¤*~
أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء حمزة بن عبد المطلب رضي
الله عنه في شهر رمضان في السنة الأولى ، بعثه في ثلاثين رجلا من المهاجرين
خاصة ، يعترض عيرا لقريش ، جاءت من الشام ، فيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل ،
حتى بلغوا سيف البحر من ناحية العيص ، فالتقوا واصطفوا للقتال فحجز بينهم مجدي
بن عمرو الجهني ، وكان موادعا للفريقين ، فلم يقتتلوا .
~*¤®§ ][^*^] يوم الفرقان وقعة بدر الكبرى [^*^][ §®¤*~
في رمضان بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع
أبي سفيان ، فيها أموال قريش ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج
إليها ،فهذه فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة اقتصادية قاصمة، تتألم
لها قلوبهم على مر العصور، لذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا :
" هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها "
فخرج مسرعا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان ،
وكان معهم سبعون بعيرا، يعتقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، واستخلف على
المدينة عبد الله ابن أم مكتوم .
ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، والراية إلى علي ، وراية الأنصار إلى سعد بن
معاذ رضي الله عنهم ، وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، وبعثه حثيثا إلى مكة ، مستصرخا قريشا بالنفير
إلى عيرهم ، فنهضوا مسرعين ، وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب ، وخرجوا من
ديارهم ، كما قال تعالى :
(( بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ))
فجمعهم الله على غير ميعاد ، كما قال تعالى : (( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ))
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش ، استشار أصحابه ، فتكلم
المهاجرون ، فأحسنوا ، ثم استشارهم ثانيا ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا ، ثم ثالثا ،
ففهمت الأنصار أن رسول الله إنما يعنيهم ، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه :
كأنك تعرض بنا يا رسول الله وكان إنما يعنيهم ، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار
ترى عليهم أن لا ينصروك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار ، وأجيب عنهم ،
فأمض بنا حيث شئت ، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا
ما شئت ، وأعطنا منها ما شئت ، وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت ، فوالله
لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، ووالله لئن استعرضت بنا هذا
البحر لخضناه معك وقال المقداد بن الأسود رضي الله عنه :
إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى (( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا
قاعدون )) ولكن نقاتل من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك .
فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم وقال :
" سيروا وأبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، وإني قد رأيت مصارع القوم "
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، وخفض أبو سفيان ، فلحق بساحل
البحر ، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ، فأتاهم الخبر ،
فهموا بالرجوع ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا ، فنقيم بها ، نطعم من
حضرنا ونسقي الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا تزال تهابنا أبدا
وتخافنا .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر ، فقال الحباب
بن المنذر رضي الله عنه : إن رأيت أن نسير إلى قلب قد عرفناها كثيرة الماء عذبة ،
فننزل عليها ونغور ما سواها من المياه ؟
وأنزل الله تلك الليلة مطرا ، صلب الرمل ، وثبت الأقدام ، وربط على قلوبهم ، ومشى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة وجعل يشير بيده ، ويقول :
" هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان إن شاء الله "
فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم .
فلما طلع المشركون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها ، جاءت تحادك ، وتكذب رسولك ، اللهم
فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة " وقام ورفع يديه ، واستنصر ربه ، وبالغ
في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه ، وقال :
" اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ، اللهم إن تهلك هذه العصابة
لن تعبد في الأرض بعد "
فالتزمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ورائه ، وقال :
حسبك مناشدتك ربك ، يا رسول الله فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك .
واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فأوحى الله إلى الملائكة :
(( أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق
الأعناق واضربوا منهم كل بنان )) وأوحى الله إلى رسوله :
(( أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ))
فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها ، وقلل الله المسلمين في أعينهم ، وقلل الله
سبحانه المشركين أيضا في أعين المسلمين ، ليقضي أمرا كان مفعولا .
وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دم أخيه ، فحمي
القوم ، ونشبت الحرب ، وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ، ثم انصرف
وغفا غفوة ، وأخذ المسلمين النعاس ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحرسه ، وعنده سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وجماعة من
الأنصار على باب العريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ،
ويتلو هذه الآية : (( سيهزم الجمع ويولون الدبر))
وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة
من الأنصار ، فقالوا : أكفاء كرام ، ما لنا ما بكم من حاجة ، إنما نريد من بني عمنا .
فبرز إليهم حمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقتل علي
قرنه الوليد ، وقتل حمزة قرنه شيبة ، واختلف عبيدة وعتبة ضربتين ، كلاهما أثبت
صاحبه ، فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه ، واحتملا عبيدة ، وقد قطعت رجله .
ولما دنا العدو قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوعظ الناس ، وذكرهم بما لهم
في الصبر والثبات من النصر ، وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله ،
فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات من قرنه يأكلهن ، ثم قال :
لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، فرمى بهن ، وقاتل حتى قتل ،
فكان أول شهيد .
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه ترابا ، فرمى به في وجوه القوم ،
فلم تترك رجلا
إلا ملأت عينيه ، فهو قوله تعالى : (( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ))
ولما بردت الحرب ، وانهزم العدو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من ينظر لنا ما صنع أبو جهل "
فانطلق ابن مسعود ، فوجده قد ضربه معوذ وعوف ابنا عفراء حتى برد ، فأخذ بلحيته
و احتز رأسه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قتلته .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آلله الذي لا إله إلا هو ؟ " ثلاثا ثم قال :
" الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه "
فانطلقنا ، فأريته إياه ، فلما وقف عليه ، قال : " هذا فرعون هذه الأمة "
وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف ، وابنه عليا ، فأبصره بلال وكان أمية
يعذبه بمكة فقال : رأس الكفر أمية ؟ لا نجوت إن نجا ، ثم استحمى جماعة من الأنصار ،
واشتد عبد الرحمن بهما ، يحجزهما منهم ، فأدركوهم ، فشغلهم عن أمية بابنه علي ،
ففرغوا منه ، ثم لحقوهما فضربوه بالسيوف حتى قتلوه .
ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين ، فتناولوهم قتلا وأسرا ، فقتلوا سبعين ،
وأسروا سبعين ولما انقضت الحرب أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف على
القتلى ، فقال :
" بئس عشيرة النبي كنتم ، كذبتموني ، وصدقني الناس ، وخذلتموني ، ونصرني
الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس "
ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب ( قليب بدر ) ثم وقف عليهم ، فقال :
" يا عتبة بن ربيعة ! ويا شيبة بن ربيعة ! ويا فلان ، ويا فلان : هل وجدتم ما وعدكم
ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا "
فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟
فقال : " ما أنت بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا "
ثم ارتحل مؤيدا منصورا ، قرير العين ، معه الأسرى والمغانم ، فلما كان بالصفراء
قسم الغنائم ، وضرب عنق النضر بن الحارث ، ثم لما نزل بعرق الظبية ، ضرب عنق
عقبة بن أبي معيط ، ثم دخل المدينة مؤيدا منصورا ، قد خافه كل عدو له بالمدينة ،
فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ، ودخل عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأصحابه
في الإسلام .