عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 2008-04-22, 09:20 AM
الصورة الرمزية منصور المناع
منصور المناع منصور المناع غير متواجد حالياً

 

مؤسس الموقع

 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
الدولة: تمـير
المشاركات: 3,921
جنس العضو: ذكر
منصور المناع is on a distinguished road
افتراضي

"الطيور المهاجرة" تملأ الفضاء بحثاً عن "لقمة العيش"


تعتبرالساعات الثلاث الأولى بعد بزوغ الشمس ومثلها الساعات الثلاث قبل مغيبها أفضل الأوقات لالتقاط الصور الفوتوغرافية، وما عدا ذلك فمن النادر أن يخرج المصور بلقطات جيدة للمناظر الطبيعية، ومع هذا كنت أوزع يوميا أوقات الصباح الباكر بين تصوير المناظر الطبيعية وبين تتبع أثر الطيور والحيوانات خاصة الأخيرة فأغلبها ليلي المعيشة لا يظهر نهارا.


لقد شاهدت أثر الثعلب والجرابيع والجرذان الصحراوية والأرانب البرية وأكثرها في ذعبلوتن وشقة سرداب، كما شاهدت آثار أنواع من الزواحف منها الصقنقور الذي يعرف أيضا باسم الدسيسة. أما الطيور البرية المهمة فقد شاهدت مرة واحدة أثر الكروان، لكن المشهد المثير الذي لم أتوقعه هو أثر الحبارى (جرة الحبارى).


جرة الحبارى
توقفت عند الأثر والتقطت له عدة صور، ولو كنت هاويا للصيد بالصقور لأصبت بارتباك وربما خفة، فلا شيء يثير (الصقار) في رحلة القنص أكثر من (جرة الحبارى)، فهذا الأثر يعني الإثارة المرتقبة في مشهد رحلة الصيد، ومعه تأتي النشوة ونسيان تعب الرحلة التي تكون غالبا طويلة وشاقة، وهي لحظة بدء استنفار الخبرة والتحدي في العثور على الحبارى نفسها، ثم المعترك والمحك - إذا عثر الصقار على الحبارى - لاختبار حسن تعليمة وتدريبه لصقره أو مزيد من التعلق والثقة بالصقر إذا كان مدرباً ومجرباً. ليس هذا فحسب بل إن المشاعر نفسها تمر على الصقار عندما يسمع عبارة (عندي جرة)؛ التي يخبر بها الصقارون بعضهم بواسطة أجهزة اللاسلكي عندما تكون السيارات متفرقة في رحلة الصيد.
لكن عبارة (عندي جرة) أصبحت قليلة الاستخدام بسبب ندرة الحبارى، فقد يمر الموسم والموسمان بما فيه من جولات ورحلات دون أن يرى الصقار الحبارى أو جرتها لأن السنوات الأخيرة من القرن العشرين شهدت (في مسرح رحلات المقناص) سباقا في التفاخر والتباهي بارتكاب عمليات إبادة واسعة النطاق لهذه الطريدة المغلوبة على أمرها في صحارى المملكة.
إن المحميات الطبيعية هي الملاذ الوحيد للحبارى التي تعيش في المملكة حاليا، وحتى هذه المحميات لم تسلم من عبث مقتحميها لدواعي الصيد. وقلة من الصقارين يدركون أن الحبارى توشك على الانقراض، ونادرا ما نجد من يوازن بين الاستمتاع في هواية صيد الحبارى وبين المساعدة في المحافظة على طريدته بعيدة عن شبح الانقراض الكامل.


قصيدة المشتاق
أعرف تماما أن الصديق ثامر بن عبدالله الماضي من هؤلاء المتعلقين بالصيد بالصقور والمتعقلين في ممارسة الهواية. اتصلت به بعد التقاط صورة الأثر، وأنا أعرف أنه لم ير أثر الحبارى رغم كثرة رحلاته هذا الموسم،لأقول له مداعبا (عندي جرة يا ثامر)، فجاءني صوته عبر الهاتف الفضائي (الثريا) متلهفا يسأل، أين مكانها؟ قلت له إنني في منطقة (القماعير) في الربع الخالي. وهذا ما انتهت عليه المكالمة في الصباح، ولأن ثامر شاعر أتى صوته حزينا في المساء يتصل ليسمعني القصيدة التالية:


الصيد ولعـة والليالـي مدابيـر
وبيني وبين الطير عشق وعلاقـة

عشقة تساوي مع بنـي غناديـر
مرة تفوق البنـت ومـرات فاقـه

مالي هوى بالسوق صر الدنانيـر
ولا لي هوى دش البحر والحداقة

أنا هـواي الخـرب لارده الطيـر
ومن عقب ما رده تنكس وعاقـه

بارض خلا ما تلمح اللي بها يسير
غير بـدوي سـارح فـي نياقـه

مير البلا هالوقت ما عينت خيـر
طيور الحرار اللي سريع انطلاقـه

قل الحباري هـم كـل الصقاقيـر
حتى على الجره تجيهـم شفاقـة

ولو تذكر الجره جنوب القماعيـر
والا شمال الاجردي فـي طراقـه

راحوا لها ما حسبـوا للمخاسيـر
ولو قبلهم قناص جاهـا وحاقـه

كله رضا للقلب طرق المشاويـر
والا ان عصيت القلب زاد اختناقه

أنا أشهد ان الصيد ولعة وتعزيـر
ولاجتمعن الثنتين صارت حماقـة

ويا كم ربطن الطيـور المغاتيـر
ما منهن اللي داغر الخرب ذاقـه


هجرة الطيور
لم يكن أثر الحبارى هو المشاهدة الوحيدة للطيور وآثارها إذ شاهدنا أنواعا من الطيور المحلية والمهاجرة، وفيما يلي تسميتها (وما بين الأقواس هي التسميات المحلية أو الشعبية في المملكة)، ومن هذه الطيور العصقور الدوري (الكحالي)، وبلشون القطعان (الغرنوق العربي، أو غرنوق البقر)، والطول أسود الجناح (باعود)، والعوسق (الشبوط أو الشرياص أو الباشق)، وعقاب السهول (العقاب)، والنسر المصري (الرخمة)، والأبلق الرملي (الرقيعي)، ودخلة الصحراء (دخيخلة الخلا)، والدخلة المغردة (البصوة)، والقبرة الهدهدية (أم سالم)، والقبرة المتوجة (القوبعة)، والسنونو (الخاطوف)، واليمام المطوق (القوقسي)، والذعرة البيضاء (المسلق أو أم عجلان)، والصرد الرمادي (الصبري أو السّرد أو أبا العلا).
ولعل من المهم الإشارة هنا إلى أن توقيت رحلتنا إلى الربع الخالي لم يوافق إحدى رحلتي الهجرة أو العودة للعديد من أنواع الطيور المهاجرة التي تعبر الربع الخالي في واحد من أهم مسارات هجرتها مثلما تعبر بقية مناطق المملكة في مسارات أخرى. فهجرة الطيور من شمال الكرة إلى جنوبها تتركز في شهر سبتمبر أما رحلة العودة من الجنوب إلى الشمال فتوافق شهر أبريل. والمعروف - علميا - أن معظم الطيور التي تهاجر من الشمال إلى الجنوب هي طيور تستوطن قارة أوروبا وأجزاء من آسيا.
ولقد أظهرت الدراسات أن الطيور التي تستوطن في مناطق غرب أوروبا تسلك طريق الجنوب الغربي إلى مضيق جبل طارق متجهة إلى أفريقيا، أما الطيور التي تستوطن في وسط أوربا فتأخذ طريقها نحو الجنوب الشرقي ثم تقوم بجولة حول البحر الأبيض المتوسط متجهة إلى مصر لتتبع نهر النيل حتى تصل مناطق قضاء الشتاء في قارة أفريقيا، غير أن الطيور عندما تصل إلى شرق البحر الأبيض المتوسط قد تسلك واحداً من ثلاثة طرق فرعية هي:
@ الطريق الأول: الاتجاه جنوبا على امتداد المناطق المرتفعة غربي شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر حتى تصل إلى اليمن قبل اندفاعها فوق مضيق باب المندب متجهة إلى القارة السمراء.
@ الطريق الثاني: الاتجاه بمحاذاة الشواطئ الشرقية لشبه الجزيرة العربية (غرب الخليج العربي) حتى تصل إلى سلطنة عمان.
@ الطريق الثالث: الطيران بمحاذاة شواطئ الخليج العربي الشرقية حتى تلتقي مع الطيور التي عبرت الخط الثاني عند مضيق هرمز.





ويشكل الخط الذي يصل بين مضيقي هرمز وباب المندب ويقطع الربع الخالي مسار العبور الرئيسي لأغلب أنواع الطيور المهاجرة التي تمر على الخليج العربي في رحلة الهجرة خريفا، ثم تعود في اتجاه عكسي في رحلة العودة صيفا. وإذا أخذ في الاعتبار أن هناك عوامل تجعل الطيور مرغمة - خلال عبورها - على النزول إلى الأرض والانتشار فيها وقضاء عدة أيام أو أسابيع، وهذه العوامل متعددة منها حاجة الطيور إلى الغذاء الذي يكسبها الطاقة لمواصلة الرحلة، ومنها حاجتها إلى الاستراحة أو اضطرارها إلى النزول في الأرض للبحث عن ظل مؤقت بسبب ارتفاع درجات حرارة الجو غير الملائمة لطيرانها أو لعدم توافر تيارات هوائية صاعدة تعينها على الطيران، فإذا أخذت هذه العوامل وعوامل أخرى فإن الربع الخالي يعتبر واحداً من المناطق الهامة لتواجد الطيور المهاجرة.
وبالمناسبة هناك جانب اختلاف مهم في هاتين الرحلتين، وهو أن الطيور في رحلة العودة التي تتم في فصل الربيع بعد أن قضت فصل الشتاء في المنطقة التي اختارتها يكون عشها الذي تسعى حثيثا إليه لغرض التناسل والتكاثر في موطنها يحتل جانباً من الصدارة من حيث الأهمية، ولهذا تكون هجرة كل نوع كمجموعات متحدة، ويصاحب هذه الرحلة ممارسة الذكور في بعض أنواع الطيور الغناء كي تدفع الإناث إلى المضي في رحلة العودة، ويترتب على ذلك أن تكون هذه الرحلة مجهدة للطيور أكثر من رحلة الهجرة. أما في رحلة الهجرة التي تتم في أواخر فصل الصيف وفي فصل الخريف لقضاء فصل الشتاء في المنطقة التي تختارها الطيور في أفريقيا فيكون بحثها عن الغذاء هو الأهم، ولذلك وجد العلماء أن الطيور البرية تتفرق في رحلة الهجرة وتندس بين الطيور المحلية التي تجدها في المناطق التي تمر عليها لمشاركتها في الغذاء.