
2012-04-29, 05:29 AM
|
شاعـر متمكن
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الرياض
المشاركات: 12,234
جنس العضو: ذكر
|
|
اقتفاء تراثنا الشعبي في كتب الرحالة الغربيين
( عاصفة ) الخفس وعاصفة شعيب الشوكي سنة 1918م
سعود المطيري
يتندر أهالي الأسياح بحكاية متقاض بسيط وطيب عندما سأله قاضي المحكمة أثناء الجلسة متى حصل ذلك ؟ قال : ( سنة العجة الحمراء ) .. لم يفهم الشيخ شيئا لأنه اصغر سنا من تاريخ ( العجة ) فأعاد صياغة السؤال ورد الرجل مرة أخرى : سنة العجة الحمراء عفا الله عنك يوم تَعرس بنت جريس قال الشيخ وهو يبتسم خلنا على العجة الحمراء أحسن . هذا الرجل كان احد المدعوين للعرس قبل خمسين عاما وأثناء قيامهم للعشاء الذي كان يقدم قبل صلاة المغرب داهمتهم عاصفة رملية هائلة اقتلعت خيمة العروس حينما كانت تجلس مع ممشطاتها ودفنت الصحون المملوءة بالطعام وفر الضيوف تاركين طعامهم ولم يسلم حتى بشت العريس وشماغه الذي طار بالعجة فهرعوا يلاحقونه على رؤوس الأشجار وبقي هذا الرجل يتذكر الحدث بكل تفاصيله ويعتقد أن ما من إنسان إلا ويعرف حادثة العجة الحمراء تلك . وقتها والى عهد قريب ما كان قد حدث مثل هذه الاضطرابات المناخية المتلاحقة التي غيرت مواعيدها بالتغيرات البيئية نتيجة عبث الإنسان فكانت العواصف قليلة ومواعيدها معروفة بمثل هذه الأيام من السنة وكانت أيضا أرحم بكثير من عواصف اليوم وتأتي غالبا في الفترة مابين العصر والعشاء ويواجهها البدو بالركض إلى مضاربهم والتشبث بأعمدة الخيام لتثبيتها أثناء العواصف أو نزعها بعد إطفاء النار لتنزل على كل ما بداخلها من أثاث وأطفال يندسون عادة بين فراغات العفش وفي كثير من الأحيان يغمر ظهورها الرمل الناعم فتتحول بتعرجاتها إلى ما يشبه نتوءات رملية تندمج مع طبيعة الأرض لا تكتشف خصوصا في الليل إلا مع حركة رؤوس الأطفال والنساء ونداءاتهم تحتها.

في أربعينيات القرن الميلادي الماضي كان المستشرق الانجليزي فيلبي يرافق المخيم الملكي في منطقة الخفس على الطرف الغربي من الدهناء وهي وفق ما ذكر منطقة منخفضة , تراكمت فيها كافة أحجار القفار , لكنها الآن أصبحت مغطاة بأعشاب وزهور الربيع , وفي منطقة صحراوية مجاورة , كان أحد الطيارين الأمريكيين الخاصين بالملك قد حدد موقعها إذ خصصت لكبار الزوار والدبلوماسيين العرب والأجانب الذين يأتون إليها بأعداد كبيرة
ثم يستطرد : كان الملك يخرج كل يوم للتجوال في المناطق الصحراوية باحثاً عن الطرائد , وبدأ أن طائر الحبارى قد تعلم أن يتوارى عن أنظار الصقور وكانت الطيور المهاجرة تأتي بأعداد كبيرة , ومن بينها طيور السنونو , والسمان والخطاف وصقور العوسج وطيور أخرى تدعى ( آكلة النمل ) . والطيور الأوروبية وتدعى ( آكله القمح ) وأنواع أخرى من الطيور الصحراوية إضافة إلى طيور الغداف وهو غراب أسود ونوعان من الصقور وطيور الطيهوج وما شابه ذلك . كان الناس يبدون اهتماماً بالغاً بالحيوانات الصحراوية التي تظهر في فصل الربيع .

حدث أن استمتعنا جميعأً حيث كنت جالساً في خيمتي أطبع على آلتي الكاتبة آخر فصل من كتابي ( خلفية دين الإسلام ). تحت ضوء الفانوس الذي يعمل بالكيروسين وفجأة ودون أية مقدمات طارت الخيمة في الهواء وهبطت على مسافة مئة ياردة . فقد جاءت ريح صرصر حاملة معها أمطاراً ورمالاً من أراضي الصحراء . صبت تلك العاصفة جماح غضبها علي وأنا جالس لا حول لي ولا قوة وكنت مرتدياً ملابس صيفية وقد حملت الريح معها أوراقي وغطت الرمال ومياه المطر الآلة الكاتبة وانقلب المصباح , لكن من حسن الحظ انطفأ نوره على الفور. وكل ما كان بوسعي عمله هو الإمساك بالسجاد في أرض الخيمة ولفه حوالي لأجعل ظهري في وجه الريح . وبدأت أرتجف من البرد وأنعي حظي على جهدي الذي هدر وكان بمنزلة ثمرة عمل دام لعدة أسابيع . وهكذا استمرت العاصفة بريحها ومطرها في الهطول علي دام نصف ساعة لكنها تلاشت بالسرعة نفسها التي بدأت بها مخلفة فترة قصيرة من البرد القارص الذي لم يسبق لي أن شاهدته طيلة حياتي في الصحراء . أطاحت العاصفة بكل خيمة من خيام المعسكر بما فيها مضارب الملك التي كانت معدة على أكمل وجه . لكن من حسن الحظ عندما تجمعنا حوله لمناقشة ما حدث أن كان للملك عربة كبيرة مغطاة بشراع جلسنا فيها إلى أن هدأت العاصفة أكد لنا ابن سعود أنه لم يشهد في حياته مثل تلك العاصفة الرملية . أما أنا فسبق لي أن شاهدت واحدة في منطقة الشوكي عام 1918 م , كما شاهدت أخرى في الخفس وكانتا إلى حد ما متشابهتين لتلك العاصفة . والغريب في الموضوع أن الطائرة الملكية التي كانت مقيدة بالحبال على أرض المهبط قاومت العاصفة لدرجة أن طاقمها احتمى تحتها من العاصفة . قال غرانت قائد الطائرة الأمريكية إذ كان لديه خبرة واسعة في الطيران الحربي إنه : لا بد وأننا كنا أثناء هبوب العاصفة في مركز ذلك الإعصار .
استيقظت صباح ذلك اليوم بدأت البحث عن أوراقي فوجدت نصفها فقط , إذ كانت معلقة على الشجيرات والأشجار التي اكتسحتها العاصفة .

|