عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2007-11-02, 12:08 AM
باحث أثار باحث أثار غير متواجد حالياً
عـضـو ذهـبـي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
الدولة: في قلب معشوقتي
المشاركات: 1,124

باحث أثار is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الرابع

منحر الناقة

بعد أن فرغت من تصوير أثر الناقة والفصيل طلب مني أحد الأدلاء وهو أعرفهم أن أتقدم إليه, وكان يقف مني على بعد خطوات, وهو ينظر إلى ربوة شرقينا تنحدر صوب شعب صغير شرقي الأكمة, وحين وقفت بجانبه ونظرت إلى تلك الربوة رأيت عجباً, إن جزأها الغربي بني يضرب إلى حمرة يسيرة, وأعلاها وطرفاها الجنوبي والشمالي ما بين رملي أبيض وصخور فاتحة اللون, فأشار لي صاحبي إلى الجانب المحمر من الربوة وقال: هنا نحرت الناقة فيما يقال والله أعلم وهذا أثر دمها, وقبائل الريث حريصون في الرواية لا يقطعون للزائر في هذه الآثار برأي رغم قناعتهم أنها ثمودية, بعد أن صورت منحر الناقة تحرك صاحبي وطلب مني أن أتبعه وهو يقول: تعال أريك لبن الناقة, فـقـلـت لــه لا أريد شاهداً بعد لون المنحر فألح علي ولكني لم أطعه, لأني كنت مجهداً, وإذا صحت ظنونهم في لبن الناقة فإنها كانت تحلب في فم ذلك الشعب الصغير, ولم أندم ندمي على عدم رؤية ما يزعم أنه لبن الناقة, والسبب أن الصور التي التقطتها لمنحر الناقة, عند طبعها لم توافق ما رأته عيني من لون الربوة, لأن أشعة الشمس كانت متوهجة عند التصوير وآلة التصوير لدي ليست بتلك, ولا هي مزودة بمكثف ضوئي يمتص جزءاً من أشعة الشمس عند توقد الحجارة.
لا يمكن لمثلي أن يفتي في حمرة تلك الصخور, والأمر بحاجة إلى تحـليل مخبري أما أنا فأظن الأمر لا يعدوا أن تكون تلك الحجارة تحمل قدراً من أكسيد الحديد, لأن الأرض لا تمتص الدم حسب علمي, ولو فرضنا أن ذلك اللون كان دماً فهل كان ذلك الموضع منسكاً وثنياً, أم هو دم الناقة أبقاه الله آية, فكم من منسك وثني كان بجزيرة العرب لم يبق له أثر.


مـنـحــــر الــنـــاقـــــة.
صورة رقم (13)

نادينا الحوار فحن كما تحن الإبل

ترددت كثيراً في رواية ما حدث بيننا وبين الحوار من نداء وإجابة, و أحسبني تأثرت بقبائل الريث, لقد وجدت حتى صغارهم لا يروون لك الخبر الصادق إذا خافوا أن ترتاب فيه, ولكن لم لا أذكر ما حدث مادمت صادقاً فوالله لم أكذب, مع أول مدرسة ابتدائية افتتحت في رخية وأظن ذلك في الثمانينات, التحق بالتدريس فيها بعض أبناء قريتنا فبدأنا نسمع عن جبل مشقوق داخل جبل القهر, يسمع منه صوت بعير أو حوار ورخية هي قرية قبائل الريث, تقع في السفح الغربي لجبل القهر وتصلهم بقرى السهل, ولكن في عسر ومشقة, حتى منّ الله عليها مؤخراً بطريق مزفتة, وأحسب أن كل وعر في منطقة جيزان سوف يذلل بعد الآن بهمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر مع توفيق الله دون شك. حين كنت أسمع في الثمانينات عن ذلك الجبل المشقوق وصوت البعير الذي يسمع منه, تمنيت أن أراه حتى أخرج برأي في ذلك الصوت, وكانت الأخبار عنه تصلنا مغلوطة, من أناس لم يقفوا على حقيقة الأمر وجليته, فقد قيل لي إنك إذا وضعت أذنك على الشق سمعت صوت البعير, وقيل إذا سال الوادي ظهر الزبد من الشق من أعلى الجبل, وقيل إن بعثة من وزارة الزراعة توجهت إلى ذلك الجبل لدراسة تلك الظاهرة وخرجت بنتيجة أن تحت الجبل بحيرة فإذا سال الوادي تسرب إليها الماء فكان لها خرير يشبه صوت البعير, ومنهم من قال: بل توصلوا إلى رأي مفاده أن الصوت متولد عن تسرب الريح إلى ذلك الشق في موضع ما من الوادي وبسبب تلك الروايات تخيلت الجبل المشقوق طوداً عظيماً شامخاً, و الوادي عند سفحه البعيد وصادف أ ن تعرفت على شاب من أبناء الريث قبل عامين, سألته عن الجبل المشقوق الذي تضع أذنك على الشق الذي فيه فتسمع صوت بعير, فقال لي: تسمعه دون أن تضع أذنك على الشق, وتسمعه من الوادي لا من الجبل, وفي أيام الربيع وخاصة بعد المطر تسمعه كل مرة من ناحية مختلفة, كأنه يتتبع المرعى, ثم سألني هل سمعت عن الكف الأحمر المرسوم في الصخرة, فأجبته بلا, وبسبب هذا الحديث قررت زيارة جبل القهر, ولازلت ألتمس الرفيق حتى وجدته, وكانت رحلات لا رحلة, وكان هذا المقال الذي بين يديك. لقد كانت وجهتنا بعد منحر الناقة إلى الجبل المشقوق نزوره ونسمع صوت الحوار فانكفأنا غرباً وكأننا عائدون أدراجنا, وفي الطريق ونحن لا نزال على مقربة من منحر الناقة, شاهدت في ذروة جبل رسماً يشبه السهم يشير إلى ناحية من الوادي مرسوم بنفس اللون الزهري الذي رسمت به معظم اللوحات الثمودية, وأخبرني أحد المرافقين عن وجود أسهم تتتابع حتى تشير إلى ناحية الجبل المشقوق, وقد غلب على ظن كثير منهم أن تلك الرسومات والأسهم تشير إلى كنز أو كنوز, وهم محقون في ذلك, فجبل القهر كنز سياحي كبير, ولما وصلنا إلى الجبل المشقوق وجدته صخرة مكورة كأنها الربوة, ثلثها الشمالي مشقوق من أول الجبل إلى آخره, وقيل لي إن الشق أو ذلك الصدع الضيق يمتد في القف الذي يليه إلى الوادي, وفي الجانب الغربي لتلك القارة أو الجبل حجران أملسان كأنهما ليسا منه بل غرسا فيه, ولما صعدت إليهما وجدتهما كأنما حرقا بالنار حتى صارا أملسين, وهما كعينين للجبل ينظر بهما إلى الغرب وأحسب ذلك من عادة ثمود في التطير, وإن لتلك القارة عندهم شأناً وصعدنا الجبل نبحث عن أي أثر للحوار, فوجدنا ما يشبه أثر حوار مضطرب, يتجه هنا وهناك وإن كان في غير وضوح لا يستطيع المرء أن يجزم انه أثر حوار ولا أن ينسبه لحيوان بعينه, ولقد صورته حتى يراه القارئ ويحكم عليه بنفسه, ثم انحدرنا إلى أسفل الشق من الناحية الغربية, والشق في عمومه ضيق لا يمكن إدخال كف الإنسان العادي فيه, إلاّ عند ملامسته للأرض من الناحية الغربية فإن بجانبه كسر في الصخرة وليس في الصدع نفسه, ومن عجيب صنع الله أنه يخرج من الصدع من باطن الأرض تيار هوائي لا ينقطع, ويروون كــابـراً عــن كـابـر أنه أزلي لا يتوقف لحظة, وبرغم أنه من باطن الأرض, لا يـــختلف فــــي حــرارتـه عـن الـهـواء الـمــحـيـط إلاّ بنصف درجة أو درجة هـــو أدفـأ, وإذا عــرضـت له كوباً من الزجاج مقلوباً, تلاحظ تكون قطرات خفيفة من الماء على جدران الكوب, أظنه بسبب اختلاف درجة الحرارة, وهذا التيار الهوائي كأنما تنفثه مروحة كهربائية سواء كانت الريح راكدة أو مـــتحركة, وسواء كــانت فـي اتجاهه أو مـعاكـسـة له, فإذا كان متولداً عن الهواء الخارجي فلماذا لا يتوقف إذا ركدت الريح؟!. بعدما تلمست بيدي ذلك التيار الهوائي تنحيت جانباً وقلت في نفسي: إذا كان حوار ناقة صالح في باطن هذه الصخرة, قد ضرب الله على أذنيه كما ضرب على آذان أهل الكهف, فهذا الهواء يحفظ حياته في رقدته بإذن الله, واستغرب أصحابي أن الحوار لم يحنَّ, وهو الذي ما أن يقترب أحد من الجبل إلا ويحن كفصيل يطلب أمه وبسبب ذلك الصمت منه, أخذ أحد المرافقين يناديه من أسفل الشق قرب التيار الهوائي بنداء الرعاة للإبل, فسمعنا بعد ثوانٍ صوت حاشي يحن من الوادي, والوادي منا على بعد ما يقارب الكيلومتر, فقال صاحبي هل سمعت؟ ثم استدرك: لا أدري إن كان في الوادي إبل أم لا, حال سماعي الصوت استشعرت أنه مشابه كثيراً لصوت الإبل, وصـمـت صاحبي وصـمـت البعير, فــقـلت له ادعه أخرى, فناداه بنداء الرعاة إبلهم, فعاود الحنين هذه المرة فيما يشبه صوت الناقة, ولا أدري كيف استرجع عقلي في أجزاء من الثانية حنين النوق الذي كنت أسمعه وأنا في الخامسة من عمري تنادي صغارها, ولا أدري كيف تيقنت أن الصوت تقليد وليس حقيقياً, فاستشعر قلبي أنه شيطان يضلل الناس, فأخذت أردد آية الكرسي في سري وطلبت من صاحبي أن يناديه فناداه فلم يجب,وأعدنا النداء المرة تلو الأخرى, ولم يجب في أي مرة, بل لم يحن بعد ذلك في أي زيارة من زياراتي اللاحقة, لا أدري إن كانت قراءتي صادفت انقطاع المسبب الطبيعي المولد لذلك الصوت, أم أنه شيطان, وقلبي إلى أنه شيطان أميل,وما يقال عن أنه ناتج عن الرياح أو السيل مما كنت سمعته عنه قبل هذه الزيارة لا يمكن الاقتناع به, فهو يكون مع وجود المطر ومع صحو السماء وحال الريح وحال ركود الهواء وليس هو صدى مناداتنا, فقد نادينا ولم يرتد إلينا صدى, فكل تعليل سمعته عنه لا أجده مقنعاً.
الجــبــل الـمـشـقـــوق. صورة رقم (14)


ربما يكون الفصيل دخل من هذا الموضع والأثر أثر أخفافه. صورة رقم (15)

يتبع