
2007-11-02, 12:06 AM
|
عـضـو ذهـبـي
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2007
الدولة: في قلب معشوقتي
المشاركات: 1,124
|
|
الجزء الثاني
صخرة المعاهدات:
أفضى بنا المضيق إلى وادٍ صغير أوقفنا فيه السيارة وترجلنا عنها حسب طلب المرشد, وصعدنا صخرة ترتفع عن مجرى السيل قليلاً, صلدة بعض الشيء ومعظم صخور جبل القهر غير صلدة, وهذه الصخرة من ثلاثة أجزاء متصلة بعضها ببعض, جزء منها كالسقف في غير استواء, يتدرج من أعلى إلى أسفل في البعد عن المحور, وجزء كالمصطبة وقفنا عليه خمستنا ويتسع لأكثر من ذلك, أما الجزء الثالث فأمامنا كلوحة الدرس, وعلى الجزء الذي نقف عليه قبران أسطوانيا الشكل مبنيان من الحجارة والخلب, ومغطاة بجذوع العرعر والصفا.
نبهني أحد المرافقين وأنا أنظر لجزء الصخرة الذي كالسبورة أمامي قائلاً: ما رأيك في هذه الكفوف المرسومة؟, لم أكن أرى في الصخرة أي شيء قبل أن ينبهني صاحبي, وبعد ثوان معدودة, ظهرت لي أكف مطبوعة في تلك الصخرة, كأنما جاءتني من الغيب, منها أكف غير واضحة,ومنها ما هو في غاية الوضوح, والذي أثار انتباهي أن تسعة أكف طبعها أصحابها في مكان واحد, وبأسلوب أرادوا به التدليل أنهم فريق واحد, إنهم لاشك يتعاهدون على أمر, ويغلب على الظن أن طبع الأكف على الصخر كان أسلوب التقاسم والتعاهد لدى ثمود, وبين تلك الأكف كف غلام, وهذا ما أثار دهشتي, فطلبت من أحد المرافقين أن يكشف عن القبرين ويعد الجماجم, فالعظام قد رمت, فوجدها تسعا إحداها لغلام, لقد تعاهد التسعة على أمر وهلكوا عليه, وقبل هذا تنبهت إلى الصخرة, إذ لم تكن على تلك الهيئة دون تدخل الإنسان, بل أنها مقطوعة من الأعلى إلى الأسفل, بأسلوب هندسي يحقق للوحة إضاءة تامة, ويمنع المطر من الوصول إلى الأكف والقبرين, بل وأظنه يمنع الرطوبة أيضاً لأن الخشب الذي يغطي القبرين سليم لم يتعفن أو يتحلل, ولم تمسه الأرضة والعثة,إن الميول المتخذة في قطع الصخرة تدل على حساب دقيق, ومعرفة جيدة فاللوحة تبدوا مكشوفة ولكنها محمية من المطر!, ولقد رأيت رمة أحدهم مكفنة الصدر والبطن بنطع مهترئ, وقد ذر على تلك الرمم النؤرة أو شيء يشبهها وأحسب ذلك ساعة قبروا, و الأكف مطبوعة بأسلوب التفريغ, كأنهم وضعوا أكفهم على الصخرة وقام آخر برش مسحوق أكسيد الحديد على أكفهم والصخرة, فلما نزعوها بقي أثر الأكف مطبوعاً على الصخرة, سواء فعلوا ذلك دفعة واحدة أو واحد بعد الآخر, والذي يتتبع الصخرة من اليمين إلى اليسار يجزم أنهم تتابعوا على ذلك الموضع, ولم يحضروا دفعة واحدة, وأحسب أن أول من حضر منهم ثلاثة لا أظن الغلام منهم, ثم اكتملوا تسعة, والغريب أننا حين أردنا أن نصور رفات تلك الرمم وجدنا بطاريات الفلاش فارغة من الكهرباء "لا أعرف للفلاش تعريباً" واضطررنا أن نصور دون إضاءة والجو شبه غائم, على أن نعود لتلك الصخرة مرة أخرى ولقد جاءت الصور أفضل مما لو أننا استعملنا الفلاش, سواء في تصوير الأكف, أو في تصويرنا لإحدى الجماجم, لا أدري هل سبب ذلك يعود لأسلوب قطع الصخرة أو للمادة التي دفن فيها أولئك الرهط, وحتى الجزء الذي طبعت عليه الأكف من الصخرة, كأنه مُطين بخليط من مسحوق حجر أسود ورمل أبيض, ولا شك أن الصخرة كانت مقطوعة قبل طبع الأكف, والحقيقة التي أود الإشارة إليها أني لم أعد الجماجم بنفسي وحاولت فلم أفلح, ولكن وجدنا لوحة أخرى في موضع بعيد, رسم فيها كفان وعدد الرفات لشخصين, فوثقت بعد صاحبي للجماجم, ولقد ذكرني هذا العدد بالرهط التسعة الذين أرادوا قتل نبي الله صالح فرضختهم الملائكة بالحجارة وهم تحت صخرة, غير بعيد من مسجد نبي الله صالح, وفي هذه الصخرة "أقصد صخرة المعاهدات" سهم يشير إلى أسفل, كأنه يشير إلى حيث هلك أصحاب القبرين يضاف إلى ذلك أن ما بقي من رفات لأولئك التسعة يدل على أنهم ماتوا ما بين مقرفص ومقرفط ومتكور, وكأنهم يتقون رجماً, أما أنا فعلى اقتناع تام أنهم من قال الله فيهم في ســورة الـنـمـل: (( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ {48} قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )), يغلب على ظني ومن فهمي لروايات المؤرخين ومن مشاهداتي لصخرة المعاهدات أن أول ما وصل إلى الصخرة ثلاثة عقروا الناقة ثم تبعهم ستة, فتأمروا "جميعهم" على تبييت نبي الله صالح وطبعوا أكفهم كنوع من العهد.
تسعة أكف, الكف الأخير الأسفل الذي على يسار المشاهد كف غلام.
صورة رقم (4)
جمجمة أحد التسعة.
صورة رقم (5)
أحد القبرين اللذين تحت صخرة المعاهدات.
صورة رقم (6)
القبر الآخر الذي تحت صخرة المعاهدات.
صورة رقم (7)

|