السحابة البركانية والسحابة الترابية
كلمة الاقتصادية
شهدت إجازة نصف السنة لهذا العام حركة سفر داخلية غير مسبوقة من حيث حجم السفر بين المدن والمناطق، وتوافقت ذروة الرحلات الجوية مع قدوم عاصفة ترابية تنقلت بين أرجاء المملكة، آتية من الشمال الشرقي، لتعبر المنطقة الوسطى، وتزحف يوما بعد يوم ناحية الغرب والجنوب، ما أدى إلى تدني مستوى الرؤية الأفقية دون الحد المسموح به دوليا للهبوط الآمن للطائرات باستخدام نظام الهبوط الآلي. فعند تحسن الرؤية في منطقة ما في المملكة، تكون الرؤية متعذرة في منطقة أخرى، ما أدى إلى حدوث تأخير في بعض الرحلات، وهذا وحده كان كافيا لإحداث موجة ارتدادية تؤثر في جميع جداول طائرات الأسطول. وقد تكون هذه المشكلة قد تفاقمت بسبب درجة الاستعدادية المتدنية في طائرات الخطوط السعودية، حيث إن أغلب طائراتها تصنف كطائرات متقادمة كثيرة الأعطال أو نقص في الأطقم الجوية.
ما حدث في المملكة الأسبوع الماضي نسخة مصغرة لما حدث في أوروبا من جرّاء السحابة البركانية التي غطت أجواء بعض الدول الأوروبية، وبسببها أوقف الكثير من شركات الخطوط الجوية رحلاته، لتبدأ أزمة لم تشهدها المطارات الأوروبية من قبل، حيث تكدس عشرات الآلاف من المسافرين في مطارات أوروبا، ومما زاد الطين بلة، تزامن ظهور السحابة البركانية مع موسم الإجازات، حيث تبلغ حركة السفر الجوي في أوروبا ذروتها، وتلامس الطاقة الاستيعابية لشركات الخطوط وللمطارات على حد سواء.
إدارة الأزمات في صناعة النقل الجوي علم قائم بذاته تشرف عليه وتوثق معاييره وتراعي تطوره هيئات الطيران المدني التي تمثل الدولة، وهيئة الطيران المدني في المملكة هي المسؤولة الأولى عمّا قد يحدث لمسافري الجو على أرض المملكة أو في أجوائها بغض النظر عن هوية الناقل الجوي.
تحرير الإعلام السعودي والزيادة التدريجية الحكيمة في هامش انتقاد المؤسسات الحكومية جعلا المؤسسات الخدمية في عين النيشان، ومن تلك المؤسسات ذات العلاقة المباشرة بكل من المواطن والمقيم شركات الخطوط والمطارات، التي دوما تنال النصيب الأكبر في النقد والانتقاد من وسائل الإعلام المختلفة. عند التعرض لمشكلة تكدس المسافرين في المطارات يجب ألا نغفل ضعف التكامل الإداري بين المطارات والخطوط، وغياب روح فريق العمل الواحد بينهما. في كل موسم تظهر نتائج ضعف التنسيق والعمل التكاملي الجماعي، وللهروب من هذه المشكلة تتبارى الخطوط مع هيئة الطيران المدني في إلقاء الكرة في ملعب الآخر. تأخير الرحلات لساعات طوال من مسؤولية الناقل لا مسؤولية المطار، وللمسافر عندما يشتري تذكرة السفر حقوق موثقة من قبل الاتحاد العالمي للنقل الجوي (أياتا)، ومن تلك الحقوق التعويض عن الأرواح ـــ لا قدر الله ـــ أو فقدان الأمتعة أو ما قد يلحق الراكب من أضرار نتيجة تأخر الرحلات. وحتى تنشر شركات الخطوط حقوق زبائنها على موقعها الإلكتروني، يتساءل المواطن دون إجابة ـــ من الجهات ذات العلاقة ـــ من المسؤول عن الإيواء والإعاشة لمن تقطعت بهم السبل لساعات طوال تصل إلى جزء كبير من اليوم؟ هيئة الطيران المدني عليها الأمر لشركات النقل الجوي بنشر حقوق المسافر وواجباته في وسائل الإعلام، وفي موقعها الإلكتروني، كونها الجهة التشريعية للسفر الجوي، والمسؤولة الأولى عما قد يجري للمواطن والمقيم من إخلال أو تقصير في حقوقه المشروعة عندما يشتري تذكرة من ذلك الناقل.