عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2007-06-28, 01:35 PM
aboanas aboanas غير متواجد حالياً
عضو ذهبــي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2006
المشاركات: 1,683

aboanas is on a distinguished road
Arrow

الوقفة الرابعة: حول منهجية الخطاب وتتمثل في:

أ - تأصيل مبدأ التسليم:

لا بد من الاعتناء بتأصيل مـبــدأ الـتـسـلـيــم والخضوع لله ـ تبارك وتعالى ـ والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها ((ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) [الأحزاب: 63]، ((فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء: 56].

وحين نُعـنـى بتحقـيـق الإيمان والتسليم لله ـ عز وجل ـ فإننا نختصر خطوات كثيرة على أنفسنا، وتؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله ـ عز وجل ـ.

وينبغي أن نحذر مما تـسـعـى إليه بـعـض وسائل الإعلام المضللة التي تعقد حوارات حول القضايا الشرعية، فتجعل الحـكــــــم الشرعي رأياً آخر، ووجهة نظر قابلة للنقاش، وهي الخطوة الأولى التي يريدها دعاة التغريب والعلمنة.

ب - الاعتماد على المنهج العلمي:

مما نحتاجه عند تناولنا لقضية المرأة أن نـتـحـدث حـديـثــــــاً علمياً يحترم عقول الناس وتفكيرهم، فلم يعد الناس اليوم يقبلون أن يملي عليهم أحد ـ كـــائــنــــــاً من كان ـ آراءه واقتناعاته الشخصية.

فـحـيـن نـتـحــدث عن أن خروج المرأة للعمل يؤثر على رعاية منزلها وتربية أولادها فإننا نحتاج إلى أن نـسـتـشـهـد على صحة ما نقول بالدراسات العلمية التي أثبتت ذلك، وحين نتحدث عن صلة الاخـتـلاط وخـــــــروج المرأة بالجريمة، وحين نتحدث عن أثر العفاف والمحافظة على الاستقرار والنجاح في العلاقات الزوجية ... إلخ نحتاج في ذلك كله إلى أن ندعم ما نقوله بالأدلة العلمية، وبنتائج الدراسات المتخصصة.

ولدينا اليوم رصيد من الدراسات العلمية لا يزال حبيس الرفوف؛ فالاستفادة منه وتوظيفه أمر له أهميته، يضاف إلى ذلك ضــرورة إجراء دراسات علمية حول كثير من القضايا التي يُحتاج إليها، وينبغي استثمار مراكـــز الـبـحــوث، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وربما كانت هذه الدراسات الجادة أوْلى مما يـطـــرح في الساحة من كتب وكتيبات لا تزيد على بضعة نُقُول من كتابات قديمة(8).

ج - التفريق بين العادات والأحكام الشرعية:

ترتبط العادات ارتباطاً وثيقاً بقضية المرأة؛ إذ لا يخلو مجتـمــع من المجتمعات من عادات تختص بهذا الجانب؛ ولأن معظم العادات القبلية في المجتمعات الإسلامية تتسم بقدر من المحافظة، فقد يختلط الأمر لدى بعض الغيورين فيخلطون بين عــــــادات تواضــع عليها المجتمع وأصبحت جزءاً من ثقافته، وبين الأحكام الشرعية؛ فيصرون على الإبـقــاء على هذه العادات والمنافحة عنها، وقد لا يكون لها أصل في الشرع.

والأمـــــــر في ذلك يحتاج إلى الاعتدال؛ فالعادات التي ليس لها أصل من الشرع لا ينبغي الإصرار عـلــى التمسك بها والمنافحة عنها، فضلاً عن ربطها بالشرع، وفي المقابل لا ينبغي الإصرار على تحـطـيـمـهـا ونبذها بحجة أنها مما لم يأت بها الشرع، فما كان منها حسناً فليبق عليه، وما كان سيئاً فليترك.

د - الاعتناء بالضوابط الشرعية والحذر من تجاوزها:

لما كانت فتنة المرأة من أشد الفتن وأضرها أحاطها الشرع بالضوابط والأحكام التي تقلل من تأثيرها.

لذا فلا بد من الاعتناء بهذه الضوابط والالتزام بها، فقد يدفع حــــرص بعض الدعاة على نشر الدعوة وتوسيع نطاقها إلى السعي للتخفف من هذه الضوابط وتجاوزها.

وقد يكون الأمر ناشئاً عن ردة فعل تجاه ما يطرحه الآخر ويَصِمُ به الإســـــلاميين؛ فيبالغ بعض الدعاة في التحرر من الضوابط الشرعية، وربما يشن هجوماً غير متزن عـلــــى أولئك الذين يلتزمون بها.

إنـــه ليس من المقبول أن يبالغ أحد الدعاة في انتقاد فصل الرجال عن النساء في المؤتمرات والـمـنـتـديات الدعوية، أو يطلب أن تقدمه إلى الجمهور امرأة وتتولى قراءة الأسئلة، أو أن تصبح قـضـيــــــة فصل مصلى الرجال عن النساء من أكبر ما يتصدى لإنكاره في بلد يقطع خطوات حثيثة نحو التغريب وتحرير المرأة!

الوقفة الخامسة: الموقف من دعاة التغريب والتحرر ويتمثل ذلك في الآتي:

أ - التفريق بين من يتناولون قضية المرأة:

لقد حمل لواء الدعوة إلى تحرر المرأة وتغريب المجتمع الـمـسـلـــم طــائفة من رجال التيار العلماني، وسعوا بمكر ودهاء لسلوك أي طريق يمكن أن يوصلهم إلى أهـــدافـهــم المشبوهة، ولأن هؤلاء يسلكون أساليب ملتوية في طرح أفكارهم، ويتظاهرون بالدفاع عن قـضـيـة المـرأة والـسـعـي لإعـطــــائها حقوقها المسلوبة فقد سايرهم في ذلك طائفة من الكتاب والصحفيين والمثقفين مـمــن لا يحمل التوجه والفكر العلماني، إنما هم من المتأثرين بما يطرحه أولئك، وكثيراً ما يطرح المتأثرون بهم قضايا تتفق مع ما يسعى إليه أولئك.

فينبغي عند تناول القـضـيـــــة والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يـســــاير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل الفكر والتوجه العلماني.

ولقد فرق السلف بين أهل البدع، فأهل الأهواء والزندقة ليسوا كمن عرف عنه إرادة الخير وتحريه لكنه وافق بعض أهل البدع فـي بدعـتـهـم، والداعية إلى البدعة المنافح عنها ليس كغيره، وأصحاب البدع المكفرة ليسوا كمن دونهم من أصحاب البدع المفسقة.

ب - البعد عن الحديث عن النوايا:

إن الحق يجب أن يقال، والباطل يجب أن يواجــه ويبين للناس؛ لكن ثمة فرق بين بيان الحق والرد على المبطل، وبين الحكم على صاحبــــه؛ فنحن في أحيان كثيرة نشن انتقاداً لاذعاً لكل من يطرح طرحاً مخالفاً في قضية المرأة وغيـرهـــا، ولا نقف عند هذا الحد، بل نتهم الكاتب والمتحدث بسوء النية، وخبث الطوية... إلخ.

فليكن النقاش منصبّاً على الفكرة وعلى الموضوع، أما رموز التيار العلماني، ومن يحمل فكراً سيئاً فهؤلاء ينبغي أن يُفضحوا بالطريقة المناسبة ليس من خلال كتاب أو مقال واحد، بل من خلال رصد واسع لتوجهاتهم وأفكارهم، وأن يكون ذلك بطريقة تقنع الناس.

ج - النقد العلمي الموضوعي:

حين يتناول هؤلاء قضية المرأة أو غيرها فإنهم يُدبِّجون حديـثـهم بحجج ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي، وكثيراً ما يوظفون نـتـائــج البحث العلمي توظيفاً مضلِّلاً.

والملاحَظ أن كثيراً من ردود الدعاة على هؤلاء تتسم بالتشنج والـعـاطـفــــة، وتأخذ منحى الحكم على الأشخاص، والحديث عن المؤامرات التي تحاك على المرأة، ويـتـجـــاهـلــون النقاش العلمي الموضوعي لما يطرحه أولئك من مسوِّغات.

وهــــــذا الطرح إن أقنع فئات من المتأثرين بالدعاة، فإنه لن يقنع فئات أخرى ممن يعني الدعاة إقناعهم، بل ربما أسهم في إقناعهم بوجهة نظر الآخر.

إن الدعـــــاة أحوج ما يكونون إلى إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي الموضوعي، وإلى أن يدركوا أن مجــــرد كـونـهـــم ناصحين غيورين لن يجعل الناس منصتين لهم ينتظرون ما يطرحونه ويتلقونه بالتسليم والقبول.

الوقفة السادسة: لا بد من الاعتناء بالبناء والإعداد:

ينبغي الاعتناء بالبناء والإعــــداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما يثيره الأعداء؛ فحين تثار قضية نتفاعل معـهــا، ونكثر الحديث حولها وننسى ما سواها، ومن ثم تصبح دعوتنا مجرد انعكاس لما يثيره ويطرحه دعاة التغريب والتحرر.

ومع أن هذا لا يعني إهمال القـيـــام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إنما الاعتراض على أن يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.

والحديث الناشئ عن ردة الفعل سـيـتـحـكم في مضمونه ومحتواه ما يطرحه ويثيره الآخر، ومن ثم فلن يكون متكاملاً أو متوازناً في تناوله للقضية.

الوقفة السابعة: لا بد من التركيز على البرامج العملية:

لا يسوغ أن يبقى جهد الدعاة منحصراً في إطــــــار الخطاب النظري وحده، بل لا بد من الانطلاق إلى برامج عملية ومن هذه البرامج المهمة:

أ - الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن، وهذا يتطلب من الدعاة إلى الله أن يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.

ب - الاعتناء بإعداد برامج ومناهج تربوية تـتـفـــق مع طبيعة المرأة بحيث تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها.

ج - نـظـــراً لطبيعة المرأة وقلة الفرص المتاحة لها لتلقِّي التربية والتوجيه في مقابل ما هو متاح للـشـباب، فــــــــــإن هذا يستلزم الاعتناء بإيجاد محاضن للمرأة تتلقى فيها التربية والتوجيه، كدور القرآن ومــدارسـه، وأن تُطَوَّر هذه المحاضن ويُرتَقَى بها، وأن تتضافر في ذلك الجهود ولا يكون الأمر مختصاً بفئة يسيرة من المهتمين.

الهوامش:

(1) رواه البخاري، ح/ 579، ومسلم، ح/ 488 مطولاً.

(2) رواه البخاري، ح/ 201، ومسلم، ح/ 4362.

(3) رواه البخاري، ح/ 6905، ومسلم، ح/ 0472.

(4) رواه الترمذي، ح/ 3611، وابن ماجه، ح/ 1581.

(5) رواه أبو داود، ح/ 4381.

(6) ذَئِرْنَ: أي نفرن ونشزن واجترأن. (لسان العرب).

(7) رواه أبو داود، ح/ 6412، وابن ماجه، ح/ 5891، والدارمي، ح/ 9122.

(8) كثير من الكتابات في قضية المرأة مصادرها كتاب: المرأة بين الفقه والقانون، أو غيره مما قد مضى عليه ثلاثة عقود.
===========================