السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
مساكم الله بالخير.
إخترت لك مقالا شيقا عن رائحة الأرض بعد المطر.
طويل لكن ممتع بما فيه من معلومات يجهلها الكثير منا.
أترككم مع الدكتور أحمد الغامدي ورائحة المطر.
محبكم / أبو طلال
☔️☔️☔️☔️
(كيمياء رائحة المطر )
د/ أحمد بن حامد الغامدي
الكل يعلم رائحة (الأرض) بعد المطر وبحكم أن الماء هو سر الحياة وسحر التغيير فلذا ربما جال ببالنا أن رائحة المطر مرتبطة بالسماء أكثر من ارتباطها الأرض، ولكن ظواهر الأمور قد تخدع ففي الواقع رائحة المطر هي من الثرى وليس من الثريا.
الأبحاث العلمية تشير إلى أن المواد الكيميائية المسؤولة عن إعطاء (عبق المطر) متعددة لكن أهمها على الإطلاق مادة كيميائية تدعى جيوسمين Geosmin وهو مركب عضوي كحولي ثنائي الحلقة. هذا المركب في الواقع يفرز وينتج في الأرض عن طريق أنواع خاصة من البكتيريا التي تعيش في التربة وما يحصل بعد هطول الأمطار الغزيرة أنه يتم ذوبان هذا المركب الكحولي في مياه الأمطار والسيول ونتيجة لذلك يحصل له انتشار في الهواء بعد أن كان مغمورا في التربة.
فأساس الرائحة موجود طوال الوقت بينما دور ماء المطر هو بث الحياة والانتعاش فيها. سابقا أحد الشعراء ألهم التعبير عن هذا الأمر بأبيات جميلة ربما لك يكن يعي أنها تطابق الواقع بالفعل عندما ربط رائحة المطر بحياة الثرى:
ورائحة الشوق عند اللقاء
كرائحة الأرض بعد المطر
لأن حياةَ الثرى بعضُ ماء
وتحيا القلوب ببعض البشر
في واقع الأمر الرائحة أمر معقد ولهذا ينقل عن الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت قوله (لا تسمح الرائحة بالتعبير عنها) ولهذا كثيرا ما نحاول وصف الرائحة بنسبتها إلى حاسة أخرى مثل الذوق فنقول مثلا هذه الرائحة تشبه الليمون الذي نتعرف عليه بالدرجة الأولى بالمذاق.
وبحكم تعقيد الرائحة فمن الأمانة المتوجبة أن نشير إلى أن (رائحة المطر) كما ذكرنا يتسبب فيها العديد من المركبات غير مركب الجيوسمين ومن أهم ما يمكن ذكره كذلك أن الأمطار الغزيرة غالبا ما تكون مرتبطة بالعواصف الرعدة وهنا يُفتح المجال لذكر دور غاز الأوزون في إضفاء عبق المطر المميز.
أثناء البرق يحصل مع التفريغ الكهربائي الهائل أن تنشطر جزيئات غاز الأكسجين الثنائية O2 إلى ذرات غاز مفردة والتي بدورها يمكن أن تتحد مع جزئيات الأكسجين غير المنشطرة لتكون جزئي كيمائي جديد مكون من ثلاث ذرات أوكسجين O3 وهو ما يعرف بغاز الأوزون. ولغاز الأوزون رائحة نفاذة مميزة تساهم مع خليط المركبات الأخرى في إعطاء رائحة المطر المحببة.
الجدير بالذكر أنه كما يلهم العديد من الأدباء نظم القصائد الشعرية الرقيقة أثناء أجواء المطر الرومانسية فكذلك بعض العلماء تأتيهم ساعة الإلهام البحثي مع ذكريات المطر.
وهذا ما حصل مع الكيميائي الألماني كريستيان شونباين ففي منتصف القرن التاسع عشر وأثناء قيامة بتجربة التحلل الكهربائي للماء لاحظ شونباين وجود رائحة مميزة في مختبره تذكره برائحة المطر بعد العواصف الرعدية.
وبعد أن استطاع شونباين التعرف على مصدر الرائحة الجديدة وأنها غاز الأوزون أطلق عليه هذا الاسم والمشتق من الكلمة الإغريقية ozein بمعنى يشم.
الأجواء الخلابة في كنف الغمام تستحق أن يستمتع بها إلى أقصى درجة ولهذا بعيدا عن الكيمياء والفيزياء (البعض يمسي الفيزياء بعلم الطبيعة) لهذا يجدر أن نتوقف ونترك المجال للمتنزهين أن يستمتعوا بالطبيعة الحقة.
☔️☔️☔️☔️