المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة رائعة للإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى


أحمد الحربي
2013-02-25, 01:56 PM
هذه القصيدة الوعظية الجميلة للإمام ابن حزم الأندلسي عليه رحمة الله تعالى :







أعارتك دنيا مسترد
معارها * غضارة عيش سوف يذوي اخضرارها


وهل يتمنى المحكم الرأي عيشة * وقد حان من دهم المنايا مزارها


وكيف تلذ العين هجعة ساعة * وقد طال فيما عاينته اعتبارها


وكيف تقر النفس في دار نقلة * قد استيقنت أن ليس فيها قرارها


وأتى له في الأرض خاطر فكرة * ولم تدر بعد الموت أين محارها


أليس لها في السعي للفوز شاغل * أما في توفيها العذاب ازدجارها


فخابت نفوس قادها لهو ساعة * إلى حر نار ليس يطفي أوارها


لها سائق حاد حثيث مبادر * إلى غير ما أضحى إليه مدارها


تراد لأمر وهي تطلب غيره * وتقصد وجهاً في سواه سفارها


أمسرعة فيما يسوء قيامها * وقد أيقنت أن العذاب قصارها


تعطل مفروضاً وتعني بفضلة * لقد شفها طغيانها واغترارها


إلى ما لها منه البلاء سكونها * وعما لها منه النجاح نفارها


وتعرض عن رب دعاها لرشدها * وتتبع دنيا جد عنها فرارها


فيأيها المغرور بادر برجعة * فلله دار ليس تخمد نارها


ولا تتخير فانياً دون خالد * دليل على محض العقول اختيارها


أتعلم أن الحق فيما تركته * وتسلك سبلاً ليس يخفى عوارها


وتترك بيضاء المناهج ضلة * لبهماء يؤذي الرجل فيها عثارها


تسر بلهو معقب بندامة * إذا ما انقضى لا ينقضى مستثارها


وتفنى الليالي والمسرات كلها * وتبقى تباعات الذنوب وعارها


فهل أنت يا مغبون مستيقظ فقد * تبين من سر الخطوب استتارها


فعجل إلى رضوان ربك واجتنب * نواهيه إذ قد تجلي منارها


يجد مرور الدهر عنك بلاعب * وتغرى بدنيا ساء فيك سرارها


فكم أمة قد غرها الدهر قبلنا * وهاتيك منها مقفرات ديارها


تذكروا على ما قد مضى واعتبر به * فإن المذكي للعقول اعتبارها


تحامى ذراها كل باغ وطالب * وكان ضماناً في الأعادي انتصارها


توافت ببطن الأرض وانشت شملها * وعاد إلى ذي ملكه استعارها


وكم راقد في غفلة عن منية * مشمرة في القصد وهو سعارها


ومظلمة قد نالها متسلط * مدل بأيد عند ذي العرش ثارها


أراك إذا حاولت دنياك ساعياً * على أنها باد إليك أزورارها


وفي طاعة الرحمن يقعدك الونى * وتبدي أناة لا يصح اعتذارها


تحاذر إخواناً ستفنى وتنقضي * وتنسى التي فرض عليك حذارها


كأني أرى منك التبرم ظاهراً * مبيناً إذا الأقدار حل اضطرارها


هناك يقول المرء من لي بأعصر * مضت كان ملكاً في يدي خيارها


تنبه ليوم قد أظلك ورده * عصيب يوافي النفس فيها احتضارها


تبرأ فيه منك كل مخالط * وآن من الآمال فيه انهيارها


فأودعت في ظلماء ضنك مقرها * يلوح عليها للعيون إغبرارها


تنادي فلا تدري المنادي مفرداً * وقد حط عن وجه الحياة خمارها


تنادي إلى يوم شديد مفزع * وساعة حشر ليس يخفى اشتهارها


إذا حشرت فيه الوحوش وجمعت * صحائفنا وإنثال فينا انتثارها


وزينت الجنات فيه وأزلفت * وأذكى من نار الجحيم استعارها


وكورت الشمس المنيرة بالضحى * وأسرع من زهر النجوم إنكدارها


لقد جل أمر كان منه انتظامها * وقد حل أمر كان منه انتثارها


وسيرت الأجبال والأرض بدلت * وقد عطلت من مالكيها عشارها


فإما لدار ليس يفنى نعيمها * وإما لدار لا يفك إسارها


بحضرة جبار رفيق معاقب * فتحصى المعاصي كبرها وصغارها


ويندم يوم البعث جاني صغارها * وتهلك أهليها هناك كبارها


ستغبط أجساد وتحيا نفوسها * إذا ما ستوى إسرارها وجهارها


إذا حفهم عفو الإله وفضله * وأسكنهم داراً حلالاً عقارها


سيلحقهم أهل الفسوق إذا استوى * بجلبة سبق طرفها وحمارها


يفر بنو الدنيا بدنياهم التي * يظن على أهل الحظوظ اقتصارها


هي الأم خير البر فيها عقوقها * وليس بغير البذل يحمى ذمارها


فما نال منها الحظ إلا مهينها * وما الهلك إلا قربها واعتمارها


تهافت فيها طامع بعد طامع * وقد بان للب الذكي اختبارها


تطامن لغمر الحادثات ولا تكن * لها ذا اعتمار يجتنبك غمارها


وإياك أن تغتر منها بما ترى * فقد صح في العقل الجلي عيارها


رأيت ملوك الأرض يبغون هدة * ولذة نفس يستطاب اجترارها


وخلوا طريق القصد في مبتغاتهم * لمتبعه الصفار جم صغارها


وإن التي يبغون نهج بقية * مكين لطلاب الخلاص اختصارها


هل العز إلا همة صح صونها * إذا صان همات الرجال انكسارها


وهل رايح إلا امرؤ متوكل * قنوع غني النفس باد وقارها


ويلقى ولاة الملك خوفاً وفكرة * تضيق بها ذرعاً ويفنى اصطبارها


عياناً ترى هذا ولكن سكرة * أحاطت بنا ما إن يفيق خمارها


قد برهن الباني على الأرض سقفها * وفي علمه معمورها وقفارها


ومن يمسك الأجرام والأرض أمره * بلا عمد يبني عليه قرارها


ومن قدر التدبير فيها بحكمة * فصح لديها ليلها ونهارها


ومن فتق الأمواه في صفح وجهها * فمنها يغذي حبها وثمارها


ومن صير الألوان في نور نبتها * فأشرق فيها وردها وبهارها





فمنهن مخضر يروق بصيصه * ومنهن ما يغشى اللحاظ احمرارها


ومن حفر الأنهار دون تكلف * فصار من الصم الصلاب انفجارها


ومن رتب الشمس المنير أبيضاضها * غدوا ويبدو بالعشي اصفرارها


ومن خلق الأفلاك فامند جريها * وأحكمها حتى استقام مدارها


ومن إن ألمت بالعقول رزية * فلس إلى حي سواه افتقارها


تجد كل هذا راجع نحو خالق * له ملكها منقادة وائتمارها


أبان لنا الآيات في أنبيائه * فأمكن بعد العجز فيها اقتداها


فأنطق أفواهاً بألفاظ حكمة * وما حلها إثغارها وأتغارها


وأبرز من صم الحجارة ناقة * وأسمعهم في الحين منها حوارها


ليوقن أقوام وتكفر عصبة * أتاها بأسباب الهلاك قدارها


بوشق لموسى البحر دون تكلف * وبان من الأمواج فيه انحسارها


وسلم من نار الأونوق خليله * فلم يؤذه إحراقها واعترارها


ونجى من الطوفان نوحاً وقد هدت * به أمة أبدى الفسوق شرارها


ومكن داوداً بأيد وابنه * فتعسيرها ملقى له وبدارها


وذلل جبار البلاد لأمره * وعلم من طير السماء حوارها


وفضل بالقرآن أمة أحمد * ومكن في أقصى البلاد مغارها


وشق له بدر السماء وخصه * بآيات حق لا يخل معارها


وأنقذنا من كفر أربابنا به * وكان على قطب الهلاك منارها


فما بالنا لا نترك الجهل ويحنا * لنسلم من نار ترامى شرارها

كمال البدور
2013-02-25, 02:28 PM
وهل يتمنى المحكم الرأي عيشة * وقد حان من دهم المنايا مزارها


وكيف تلذ العين هجعة ساعة * وقد طال فيما عاينته اعتبارها


وكيف تقر النفس في دار نقلة * قد استيقنت أن ليس فيها قرارها


احسنت اخي احمد في النقل المفيد
تحياتي لك

محمد المقاطي
2013-02-25, 03:58 PM
بارك الله فيك أخي الكريم أحمد
على القصيدة النافعة
للفقيه ابن حزم
لاتحرمنا تواصلك الجميل
تحيتي

رذاذ
2013-02-25, 04:51 PM
قصيده جميــله جداً

سلمت أناملك أخينا أحمــد على نقلها هُنـــا

أسعـــدك الله ..

......

مقطع العروق
2013-02-26, 01:10 PM
بارك الله فيك اخوي احمد على هالاختيار الطيب

شكراً لتواصلك معنا

وتقبل مروووووري