أبا محمد
2012-10-28, 01:07 PM
الكلمة الصادقة مفتاح العقل، وملاك النفس، وقائد الفكر، ومحرك العزم، ووقود القوة، ولأن الإنسان مميز بالنطق فهو مفضل بالتأثير، ولأنه مزود بالعقل فهو مُعَدّ للقيادة، ولأنه مخصوص بالفكر فهو مُعلم للحكمة، ولهذا فقد استحق التكريم من ربه، واستأهل الخلافة عن خالقه، وأعطيت له مفاتيح المعرفة، وعُلم الأسماء كلها، وسُخِّرت له العوالم، وفتحت أمامه الأسرار، وكان الوحى له كتابا، وخطاب الله له رشادا، وهداية الله له الكلمة، ووحى الله له ألفاظا، ودستور الله لحياته قرآنا.
ولأن الله علمه البيان فقد أناط به بلاغ الدعوة، وكلفه بحمل الرسالة، وأمره بتنفيذ المنهج بالحكمة والموعظة الحسنة، ووجهه لفتح مغاليق القلوب بالبرهان والإقناع، والحجة والمنطق، وجعل أصل الإيمان بالشهادة، وملاكه الإقرار بـ(لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وصيَّر الكلمة ناطقة بأعماله، وأعطى للإنسان كتابا شاهدًا عليه، فكان لسانه ملاكه، وجنته وناره، "وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!".
ومن يعرف متى يضع كلمته يغنم، ومن يلقى القول على عواهنه يندم، ومن أطلق لسانه فى بيان حاجته، وأبان بلفظه ما يقصد بوجهته فاز بالحسنى، وألزم بحجته، فقد قال بعض الحكماء يدعو إلى تدريب اللسان على البيان والإفصاح عن البغية: (اللسان عضو فإن مرنته مرن، وإن تركته حرن)، ومن لا يعرف كيف يوجه لسانه أو يؤدب بيانه، أو يحسن خطابه، كبا كبوة أليمة، وعثر عثرة مشينة تكشف عن جهله وانحدار فكره، وقد لا ينجو منها، وصدق من قال:
وَجرحُ السيفِ تأسُوهُ فيبرأ *** وجرحُ الدهر ما جَرَحَ اللسانُ
جراحاتُ الطِعانِ لها التئامٌ *** ولا يلتامُ ما جَرَحَ اللســانُ .
وقد قال أكثم بن صيفى: (مقتل الرجل بين فكيه). وقيل : تكلم أربعة من دهاة الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحد: قال كسرى: (أنا على رد ما لم أقل أقدر منى على رد ما قلت). وقال ملك الهند: (إذا تكلمت بكلمة ملكتنى وقد كنتُ أملكها).
وقال قيصر: (لا أندم على ما لم أقل، وقد ندمت على ما قلت) وقال ملك الصين: (عاقبة ما جرى به القول أشد من الندم على ترك القول).
وخطر الكلمة سلبا أو إيجابا كبير، وتأثيرها في الأمم والأفراد عظيم، وأقدم سلاح فى الحروب هو سلاح الكلام:
فإن النار بالعُودَين تذكى *** وإنَّ الحربَ أولُها الكلام
فمما لا ريب فيه أن الأسلحة الحاضرة لم تكن موجودة، يوم أن كان سلاح الكلام موجودا وله أثره ومضاؤه، فقد استعان به أصحاب كل دعوة، وأصحاب كل مذهب قبل استعانتهم بالسيوف والسهام، ووقف الشجعان أمام الجيوش يرهبونهم بالكلام، ويغزونهم باللسان قبل السنان.
واليوم أصبح نشر الدعوات فنًّا من أدق الفنون وأحوجها إلى البلاغة والمعرفة والدراية، وأصبحت قدرة الدولة على نشر دعوتها مساوية لقدرتها على إعداد سلاحها، وتنظيم جيوشها، وأضحت دبلوماسيتها أوفق وأجدى من آلتها الحربية، وإقناعها لشعبها وسياستها لأفرادها أفضل من شرطتها ومخابراتها، يستوى في ذلك من كان على حق ومن كان على باطل، لأن الحق كثيرًا ما يكون كالدواء المجهول، ولا بد للدواء النافع من عالِم يهدِى إليه، وطبيب يوصى به، ونصيحة تسوغه وتهيئ له القبول، وقد احتاج الناس بدون الحق إلى ألوف السنين للتمييز بين دواء الطب الصادق ودواء الطب الكاذب، مع أن الأثر قريب الظهور في الأجسام، وبين الأعراض في الإنسان، فما أحوجنا إلى التمييز بين الصحيح والكاذب، والصالح والفاسد، من الدعوات والأفكار والمذاهب، وهى عرضة للتشابه والاختلاط، وبهذا يتبين لنا آثار نعمة الهداية الربانية، وأفضال رعاية الله لنا بالوحى الإلهي، حيث اختصرت الجهود، وطويت الســنون، ووفرت التجارب، بتمام النعمة، ووضوح الطريق.
الكاتب/ توفيق الواعي
ولأن الله علمه البيان فقد أناط به بلاغ الدعوة، وكلفه بحمل الرسالة، وأمره بتنفيذ المنهج بالحكمة والموعظة الحسنة، ووجهه لفتح مغاليق القلوب بالبرهان والإقناع، والحجة والمنطق، وجعل أصل الإيمان بالشهادة، وملاكه الإقرار بـ(لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وصيَّر الكلمة ناطقة بأعماله، وأعطى للإنسان كتابا شاهدًا عليه، فكان لسانه ملاكه، وجنته وناره، "وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!".
ومن يعرف متى يضع كلمته يغنم، ومن يلقى القول على عواهنه يندم، ومن أطلق لسانه فى بيان حاجته، وأبان بلفظه ما يقصد بوجهته فاز بالحسنى، وألزم بحجته، فقد قال بعض الحكماء يدعو إلى تدريب اللسان على البيان والإفصاح عن البغية: (اللسان عضو فإن مرنته مرن، وإن تركته حرن)، ومن لا يعرف كيف يوجه لسانه أو يؤدب بيانه، أو يحسن خطابه، كبا كبوة أليمة، وعثر عثرة مشينة تكشف عن جهله وانحدار فكره، وقد لا ينجو منها، وصدق من قال:
وَجرحُ السيفِ تأسُوهُ فيبرأ *** وجرحُ الدهر ما جَرَحَ اللسانُ
جراحاتُ الطِعانِ لها التئامٌ *** ولا يلتامُ ما جَرَحَ اللســانُ .
وقد قال أكثم بن صيفى: (مقتل الرجل بين فكيه). وقيل : تكلم أربعة من دهاة الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحد: قال كسرى: (أنا على رد ما لم أقل أقدر منى على رد ما قلت). وقال ملك الهند: (إذا تكلمت بكلمة ملكتنى وقد كنتُ أملكها).
وقال قيصر: (لا أندم على ما لم أقل، وقد ندمت على ما قلت) وقال ملك الصين: (عاقبة ما جرى به القول أشد من الندم على ترك القول).
وخطر الكلمة سلبا أو إيجابا كبير، وتأثيرها في الأمم والأفراد عظيم، وأقدم سلاح فى الحروب هو سلاح الكلام:
فإن النار بالعُودَين تذكى *** وإنَّ الحربَ أولُها الكلام
فمما لا ريب فيه أن الأسلحة الحاضرة لم تكن موجودة، يوم أن كان سلاح الكلام موجودا وله أثره ومضاؤه، فقد استعان به أصحاب كل دعوة، وأصحاب كل مذهب قبل استعانتهم بالسيوف والسهام، ووقف الشجعان أمام الجيوش يرهبونهم بالكلام، ويغزونهم باللسان قبل السنان.
واليوم أصبح نشر الدعوات فنًّا من أدق الفنون وأحوجها إلى البلاغة والمعرفة والدراية، وأصبحت قدرة الدولة على نشر دعوتها مساوية لقدرتها على إعداد سلاحها، وتنظيم جيوشها، وأضحت دبلوماسيتها أوفق وأجدى من آلتها الحربية، وإقناعها لشعبها وسياستها لأفرادها أفضل من شرطتها ومخابراتها، يستوى في ذلك من كان على حق ومن كان على باطل، لأن الحق كثيرًا ما يكون كالدواء المجهول، ولا بد للدواء النافع من عالِم يهدِى إليه، وطبيب يوصى به، ونصيحة تسوغه وتهيئ له القبول، وقد احتاج الناس بدون الحق إلى ألوف السنين للتمييز بين دواء الطب الصادق ودواء الطب الكاذب، مع أن الأثر قريب الظهور في الأجسام، وبين الأعراض في الإنسان، فما أحوجنا إلى التمييز بين الصحيح والكاذب، والصالح والفاسد، من الدعوات والأفكار والمذاهب، وهى عرضة للتشابه والاختلاط، وبهذا يتبين لنا آثار نعمة الهداية الربانية، وأفضال رعاية الله لنا بالوحى الإلهي، حيث اختصرت الجهود، وطويت الســنون، ووفرت التجارب، بتمام النعمة، ووضوح الطريق.
الكاتب/ توفيق الواعي