أبا محمد
2012-10-20, 05:43 PM
إن مع العُسْر يُسْراً
هذا وعد من أصدق القائلين، وهو بُشْرى لعباده المؤمنين.
إن سُنَّة الله الماضية وحكمته القاضية تقضي بأن العسر بعده يُسْر؛ فلا يضيق الأمر ويشتد الكرب إلا ويتبعه يُسْر؛ فبشر كل مكروب ومنكوب بفَجْر صادق من الفرج، يصادر فلول الشدائد، وما أحسن هذه الآية سلوة للمعذَّبين بسياط الظالمين، وعزاء للمصابين، وبشرى لأهل البلاء..
هذه الآية هدية غالية لمن طُرح في السجن، وغُلَّت يداه، وكُبَّلت رجلاه؛ ليعلم أن فرجه قريب، وخروجه وشيك إلى عالم الحرية والانطلاق.. وهي تحفة ثمينة لمن أقعده المرض، وأضناه البلاء، أنه موعود بشفاء عاجل، وعافية قادمة؛ فبعد الجوع شبع، وإثر التعب راحة، وعقب السقم شفاء، وخاتمة الشدة رخاء، ونهاية الفقر غنى، والنهار يخلف الليل، والنور يطوي الظلام، والماء يزحف على الجدب.
إذا امتدت الصحراء فوراءها رياض خضراء، وإذا اشتد الحبل انقطع، وإذا رأيت السحب السود فاعلم أن الغيث الهنيء في جوانحها، وإذا هالك الظلام فتيقن أن الصباح مُقْبل لا محالة.
إن العسر بعده يسران، وليس يسراً واحداً؛ لتعلم أن مرارة المعاناة لها نهاية، وشظف العيش إلى انقطاع، وكبد الحياة إلى راحة.. لو أن الخوف دائم لتقطعت النفوس حسرة، ولكن بعده أمن وسكينة.. ولو أن الحزن مستمر لزُلزلت القلوب زلزالها، ولكن يعقبه سرور وأُنْس.. ولو أن اليأس مقيم لاسودت الحياة في العيون، لكن خلفه أمل؛ فلا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، لا تصارع الأوهام، وتقاتل الوساوس، بل انظر من بوابة الرجاء؛ لترى العالم المشهود، والحضرة المأنوسة، والسعادة القادمة، ولترى العناية الربانية تغمرك واللطف الإلهي يحوطك.
(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فاغسل همومك بنهر التوكل (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وذكِّر نفسك بـ(حسبنا الله ونعم الوكيل)، واحذر من تصديق وعد الأفَّاك الأثيم والشيطان الرجيم؛ لأنه (يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء)، ولكن صدِّق موعد أصدق القائلين: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فبشِّر آمالك بمستقبل زاهٍ وغَدٍ مُشرق وفَجْر باهٍ جديد؛ لأنه سبحانه ما ابتلاك ليهلكك، وما امتحنك ليخزيك؛ بل أراد أن يذكِّرك بسوط من ألم، وأن يوقظك من غفلتك بوخزه من ندم، وينبهك من رقدتك بجرعة من سقم؛ لتتذكر بالمصيبة النعمة، وبالبلاء العافية، وبالمرض الصحة، وبالسجن الحرية، وبالجوع الشبع.. وهو حكيم في المسلكَيْن؛ فلا تدري ما الأصلح، ولا تعلم ما الأحسن، بل هو الأعلم الأحكم الأحلم الأرحم - جل في علاه -؛ فارْضَ باختياره؛ فاختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك، وعِلْمه بمصالحك أجلّ وأعظم من علمك؛ لأنك عبد جاهل فقير ضعيف، وهو عليم غني قوي ملك رحمن رحيم..
*
عسى فــــرج يكون عـسى *** نعلــل نفـــــسنا بعــــــسى
فــلا تجـــــزع إذا قابلـ **** ـت همـــــــاً يقطع النفسا
فـــأقرب ما يكـــون المر *** ء من فــرج إذا يئـــــــساد
مقال د. عائض القرني
هذا وعد من أصدق القائلين، وهو بُشْرى لعباده المؤمنين.
إن سُنَّة الله الماضية وحكمته القاضية تقضي بأن العسر بعده يُسْر؛ فلا يضيق الأمر ويشتد الكرب إلا ويتبعه يُسْر؛ فبشر كل مكروب ومنكوب بفَجْر صادق من الفرج، يصادر فلول الشدائد، وما أحسن هذه الآية سلوة للمعذَّبين بسياط الظالمين، وعزاء للمصابين، وبشرى لأهل البلاء..
هذه الآية هدية غالية لمن طُرح في السجن، وغُلَّت يداه، وكُبَّلت رجلاه؛ ليعلم أن فرجه قريب، وخروجه وشيك إلى عالم الحرية والانطلاق.. وهي تحفة ثمينة لمن أقعده المرض، وأضناه البلاء، أنه موعود بشفاء عاجل، وعافية قادمة؛ فبعد الجوع شبع، وإثر التعب راحة، وعقب السقم شفاء، وخاتمة الشدة رخاء، ونهاية الفقر غنى، والنهار يخلف الليل، والنور يطوي الظلام، والماء يزحف على الجدب.
إذا امتدت الصحراء فوراءها رياض خضراء، وإذا اشتد الحبل انقطع، وإذا رأيت السحب السود فاعلم أن الغيث الهنيء في جوانحها، وإذا هالك الظلام فتيقن أن الصباح مُقْبل لا محالة.
إن العسر بعده يسران، وليس يسراً واحداً؛ لتعلم أن مرارة المعاناة لها نهاية، وشظف العيش إلى انقطاع، وكبد الحياة إلى راحة.. لو أن الخوف دائم لتقطعت النفوس حسرة، ولكن بعده أمن وسكينة.. ولو أن الحزن مستمر لزُلزلت القلوب زلزالها، ولكن يعقبه سرور وأُنْس.. ولو أن اليأس مقيم لاسودت الحياة في العيون، لكن خلفه أمل؛ فلا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، لا تصارع الأوهام، وتقاتل الوساوس، بل انظر من بوابة الرجاء؛ لترى العالم المشهود، والحضرة المأنوسة، والسعادة القادمة، ولترى العناية الربانية تغمرك واللطف الإلهي يحوطك.
(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فاغسل همومك بنهر التوكل (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وذكِّر نفسك بـ(حسبنا الله ونعم الوكيل)، واحذر من تصديق وعد الأفَّاك الأثيم والشيطان الرجيم؛ لأنه (يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء)، ولكن صدِّق موعد أصدق القائلين: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فبشِّر آمالك بمستقبل زاهٍ وغَدٍ مُشرق وفَجْر باهٍ جديد؛ لأنه سبحانه ما ابتلاك ليهلكك، وما امتحنك ليخزيك؛ بل أراد أن يذكِّرك بسوط من ألم، وأن يوقظك من غفلتك بوخزه من ندم، وينبهك من رقدتك بجرعة من سقم؛ لتتذكر بالمصيبة النعمة، وبالبلاء العافية، وبالمرض الصحة، وبالسجن الحرية، وبالجوع الشبع.. وهو حكيم في المسلكَيْن؛ فلا تدري ما الأصلح، ولا تعلم ما الأحسن، بل هو الأعلم الأحكم الأحلم الأرحم - جل في علاه -؛ فارْضَ باختياره؛ فاختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك، وعِلْمه بمصالحك أجلّ وأعظم من علمك؛ لأنك عبد جاهل فقير ضعيف، وهو عليم غني قوي ملك رحمن رحيم..
*
عسى فــــرج يكون عـسى *** نعلــل نفـــــسنا بعــــــسى
فــلا تجـــــزع إذا قابلـ **** ـت همـــــــاً يقطع النفسا
فـــأقرب ما يكـــون المر *** ء من فــرج إذا يئـــــــساد
مقال د. عائض القرني