aboanas
2007-06-28, 01:34 PM
--------------------------------------------------------------------------------
وقفات حول..
الخطاب الدعوي في قضية المرأة
محمد بن عبد الله الدويش
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي فـي قـضـيــة المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحـلـيـــل مضمونه تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهـتـمــــام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعـــض الـوقـفــــات الـسـريـعــة الـتي لا تــعــدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يـعــــــد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ، وقلما نجـد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمـن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهميـة قضيـة المـرأة لـدى الدعـاة إلى الله ـ عز وجل ـ أمور، منها:
الأمر الأول: التـأســـي بالـنـبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله علـيــه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس ـ رضـــــي الله عنهما ـ قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خـطــــب، ثــم أتى الـنـســاء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة"(1).
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يـومـــاً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "قالت النساء للنبي صلى الله علـيه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمــرهن فكان فيما قال لهن: ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنتين، فقال: واثنتين"(2).
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: "ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء"(3).
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لـصـــلاح الـمــرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما يـنـشـــــؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قـضـية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطـرحــونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عــودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ في قضية المرأة:
1 - تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله ـ عــز وجل ـ ثم جهود الدعاة للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.
2 - تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة، فأصـبـحـنــا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شـــريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 - الصحوة والـعـــودة إلى الله التي تحققت في أوساط المرأة، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الـحـجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحـرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف، ولعل ما حصل في تركيا ـ التي كانت أول من رفع لـــواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي ـ من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 - بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.
5 - بروز أنشطة دعوية نسائية، كـالـمـجــــلات النسـائـيـة، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثـغـــــرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقــديــة لواقعنا بين آونة وأخرى.
الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:
يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:
أ - الدائرة العامة والخاصة:
يـغـلـب على كـثـيـر مـــن المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلـسـاً من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلاحديثاً حول الحجاب ـ وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه ـ أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج ... إلخ، وهي قضايا لا اعتراض عـلـــى طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكـن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.
إن هناك أحكاماً وآداباً شرعية خـاصــــة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالباً ما يحصر نفسه في الدائرة الخاصة شعوراً منه بخصوصية المخاطبين.
إن الحديث عن الإيمان والتقوى والـتـوكــل على الله والـتـخــلـص مــن التعلق بما سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارهــا، والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلاً عن التربية وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحـــديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الـدعـوي الموجه للمرأة؟!
ب ـ الخطاب الموجه لغير المهتديات:
لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك. إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخــر، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة.
فحين يكون الحديث معها دائراً حول الحجاب وخـطـــــورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديـداً، لن تـسـمــع إلا الحــديــث حــول الأحـكام والحـلال والحــرام، وفـرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبـيـن أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.
لـقــد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإســـلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حـيـنـمــا يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.
فلِمَ لا يكون الحـديـث مــــع أمثال هؤلاء حديثاً عن السعادة والطمأنينة؟ حديثاً عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراســــات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نـتـنــاول الـحـديــث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم.. إلخ.
ج - أهمية شمول الطرح والمعالجة:
لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخــذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينـة يحددونهـــا ويريدون أن تكــون هـي موضـع النقاش والحـوار، كقضـية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛ وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخــروج من المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب... وهكذا.
وكثيراً ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف الوجه ونحوها ـ وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونـــــه، وأن مسألة الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقاً حقيقياً ـ فرفض الدعــــــاة لها لا ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها جــــزءاً من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.
إن الأمـــر يختلف حين تناقش هـذه المسائل لدى الفقهـاء، وحين يثيرها طائفة مـن دعـاة تحـريـر المـرأة، فـلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي المجرد.
د - مناصرة المرأة وتبني قضاياها:
إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولاً: انطلاقهم مـــن مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحياناً ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.
والدعاة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ هــم أوْلى الــنــاس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعــامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي، وأخذ والدهـــــا لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.
والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهـــم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقـد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فـــعــــن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صـلـــى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فذكر في الحديث قصة فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراًَ؛ فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتـيــن بفــاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً؛ فأما حقكم على نسائكم فــــــلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"(4).
وعن إيـــــــاس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إمــاء الله"(5) فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ(6) النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم"(7).
والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.
هـ - مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:
لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:
1 - الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.
2 - الفئات الأشــــد تأثراً، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن أكثر الفئات تأثراً واستعداداً للـتـجــــــــاوب مع التغيير سلباً وإيجاباً، فالاعتناء بهذه الطبقة وتوجيه الخطاب المناسب لها، والـسـعـي لاسـتـثــارة همم من يتعامل معهن من الآباء والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.
3 - الـمـتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزاً أكثر من غيرها؛ لأنها لم تستقر في المجـتـمـــــع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح المجال واسعاً أمام انتشارها في المجـتـمـــــــع وتقبُّله لها، وانتقالها من مرحلة الحالات الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية يصعب تغييرها.
4 - الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية، حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.
وقفات حول..
الخطاب الدعوي في قضية المرأة
محمد بن عبد الله الدويش
إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي فـي قـضـيــة المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحـلـيـــل مضمونه تحليلاً علمياً؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهـتـمــــام بعض المختصين.
ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعـــض الـوقـفــــات الـسـريـعــة الـتي لا تــعــدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.
الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟
يـعــــــد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ، وقلما نجـد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمـن شيئاً يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهميـة قضيـة المـرأة لـدى الدعـاة إلى الله ـ عز وجل ـ أمور، منها:
الأمر الأول: التـأســـي بالـنـبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتماماً؛ فكان صلى الله علـيــه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس ـ رضـــــي الله عنهما ـ قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خـطــــب، ثــم أتى الـنـســاء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة"(1).
ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يـومـــاً يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "قالت النساء للنبي صلى الله علـيه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمــرهن فكان فيما قال لهن: ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار. فقالت امرأة: واثنتين، فقال: واثنتين"(2).
الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: "ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء"(3).
ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.
الأمر الثالث: أن لـصـــلاح الـمــرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما يـنـشـــــؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.
الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قـضـية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطـرحــونه في قضية المرأة، فبدؤوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عــودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.
الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:
حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ. وليس صحيحاً أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.
فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ في قضية المرأة:
1 - تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله ـ عــز وجل ـ ثم جهود الدعاة للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.
2 - تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة، فأصـبـحـنــا نسمع كثيراً في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شـــريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.
3 - الصحوة والـعـــودة إلى الله التي تحققت في أوساط المرأة، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الـحـجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحـرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف، ولعل ما حصل في تركيا ـ التي كانت أول من رفع لـــواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي ـ من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.
4 - بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.
5 - بروز أنشطة دعوية نسائية، كـالـمـجــــلات النسـائـيـة، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.
ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثـغـــــرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقــديــة لواقعنا بين آونة وأخرى.
الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:
يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:
أ - الدائرة العامة والخاصة:
يـغـلـب على كـثـيـر مـــن المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلـسـاً من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلاحديثاً حول الحجاب ـ وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه ـ أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج ... إلخ، وهي قضايا لا اعتراض عـلـــى طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكـن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.
إن هناك أحكاماً وآداباً شرعية خـاصــــة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالباً ما يحصر نفسه في الدائرة الخاصة شعوراً منه بخصوصية المخاطبين.
إن الحديث عن الإيمان والتقوى والـتـوكــل على الله والـتـخــلـص مــن التعلق بما سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارهــا، والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلاً عن التربية وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحـــديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الـدعـوي الموجه للمرأة؟!
ب ـ الخطاب الموجه لغير المهتديات:
لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك. إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخــر، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة.
فحين يكون الحديث معها دائراً حول الحجاب وخـطـــــورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديـداً، لن تـسـمــع إلا الحــديــث حــول الأحـكام والحـلال والحــرام، وفـرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبـيـن أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.
لـقــد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإســـلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حـيـنـمــا يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.
فلِمَ لا يكون الحـديـث مــــع أمثال هؤلاء حديثاً عن السعادة والطمأنينة؟ حديثاً عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراســــات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نـتـنــاول الـحـديــث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم.. إلخ.
ج - أهمية شمول الطرح والمعالجة:
لا بد من تناول قضية المرأة تناولاً شمولياً، وأخــذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينـة يحددونهـــا ويريدون أن تكــون هـي موضـع النقاش والحـوار، كقضـية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛ وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخــروج من المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب... وهكذا.
وكثيراً ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف الوجه ونحوها ـ وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونـــــه، وأن مسألة الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقاً حقيقياً ـ فرفض الدعــــــاة لها لا ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها جــــزءاً من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.
إن الأمـــر يختلف حين تناقش هـذه المسائل لدى الفقهـاء، وحين يثيرها طائفة مـن دعـاة تحـريـر المـرأة، فـلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي المجرد.
د - مناصرة المرأة وتبني قضاياها:
إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولاً: انطلاقهم مـــن مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحياناً ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.
والدعاة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ هــم أوْلى الــنــاس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعــامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميداناً للكسب المادي، وأخذ والدهـــــا لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعاً في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.
والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهـــم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقـد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فـــعــــن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صـلـــى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فذكر في الحديث قصة فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراًَ؛ فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتـيــن بفــاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً. ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً؛ فأما حقكم على نسائكم فــــــلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"(4).
وعن إيـــــــاس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إمــاء الله"(5) فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ(6) النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم"(7).
والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.
هـ - مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:
لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:
1 - الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.
2 - الفئات الأشــــد تأثراً، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن أكثر الفئات تأثراً واستعداداً للـتـجــــــــاوب مع التغيير سلباً وإيجاباً، فالاعتناء بهذه الطبقة وتوجيه الخطاب المناسب لها، والـسـعـي لاسـتـثــارة همم من يتعامل معهن من الآباء والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.
3 - الـمـتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزاً أكثر من غيرها؛ لأنها لم تستقر في المجـتـمـــــع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح المجال واسعاً أمام انتشارها في المجـتـمـــــــع وتقبُّله لها، وانتقالها من مرحلة الحالات الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية يصعب تغييرها.
4 - الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية، حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.