أحمد الحربي
2012-05-13, 10:05 PM
رحلة وزينة وصلوات
تاريخ النشر : 2012-05-13
دنيا الوطن
ـ تأملات عصفور من الغرب: مجموعة مقالات أدبية وتربوية .ـ المقالة التاسعة : رحلة وزينة وصلوات .ـ يحدث لك أحيانا أن تكون داخل أحد البيوت وإذا كان القريب أو الصديق الذي تزوره حِلاًّ بمفرده فإنه يخطر ببالك أن ترفع صوتك مناديا عليه وقد تنقلك الخطى إلى بعض الغرف باحثا عنه . تجده أخيرا في إحدى الزوايا قد اقتبل القبلة وانغمس في الصلاة ؛ لا قدرة لك على الحديث معه لأنك تشعر مع نفسك أنه في عالم غير العالم الذي أنت فيه . ما أبعد المسافة بينكما !! ربما كان ذهنك في هذه اللحظة منشغلا بأي أمر من أمور الدنيا التي لا عد لها ولا حصر ، أما هو فقد تركها وراء ظهره عندما كبر وأخذ في الصلاة !! إنك لا تحس بالملل وأنت تنتظره وإذا ما فرغ من صلاته وسلم ثم رفع كفيه بالدعاء سرت في قلبك رعدة خفيفة قد تكون الغبطة سببها ولكنك على أي حال قلما تفكر في هذا الأمر . أخيرا يقوم هذا القريب أو الصديق للقائك فتندفع نحوه بكل حب وعطف ثم تلاحظ على محياه مسحة الرضى والعافية المختلطين بالمهابة والجلال بل ربما حدثتك نفسك في هذه الآونة أنك رأيت على وجهه نورا كريما . وإذا كان مغناطيس الصلاة يجذبك إليه مثل هذا القريب فإنه لا يبقى في قلبك مجال للشك حول ما رأيته أو أحسست به لأنك تعلم علم اليقين أن هذه الفريضة المطهرة نور خالص . إنك تدرك أنها ذلك العالم الذي تسمو فيه روحك إلى العلياء لتناجي فيه ربك سبحانه وتخلص العبادة له عز وعلا ؛ وإذا فرغت من صلاتك وسرت على الأرض آمنا منتشيا بحلاوة عبادتك لم تستطع أي يد أن تنتزع تاج النور الذي يرصعك كاملا لأنه تاج من السماء ملكته بصلاتك!! ـ يتساءل العقل أحيانا عن الغاية من السر أو الجهر أو هما معا حينما يجتمعان مثلا في صلاة المغرب أو العشاء فيأتيك الجواب من أعماق نفسك ليأخذ ك من موجة تساؤلاتك ويثبتك بأن الذي تناجيه هو خالقك الكريم سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة عينك وما يخفيه صدرك . يكفي أن تذكره جل في علاه على أي نحو وبأية صغة أصغر جوارحك مثنية عليه بالحمد والشكر ليذكرك سبحانه وتعالى برحماته ويغشاك بها ؛ إنه لا حدود لفضله جل وعلا إذا ما أقبل عليه العبد بقلب سليم ونية خالصة يسأله العون ويتوكل عليه في أموره . إن العناية الربانية سرعان ما تتولاه وتحيط به من كل صوب لتيسر السبل أمامه وتحقق له كل ما يطلبه ويزيد!"! إن مجرد إسباغه لوضوئه قبيل أداء الصلاة يجعله صفحة نقية طهرت من الذنوب والخطايا مثل ثوب طهر من الدنس ؛ وحينما يرفع عقيرته بالشهادة فإنه يلوذ بحصن قوي مفاتيح ولوجه دعاء وابتهال وأبواب رحماته لطف وتجليات واستجابة . أواه ما أعظم سرعة هذا التجاوب الذي لا يوجد له أي نظير و ما أقدر ذلك الرد الرباني الكريم في تحققه إذ هو يسبق السؤال بالإستجابة قبل أن تصدره حنجرة العبد أو صوته!! مواعيد معدودة تضربها معك فريضة الصلاة فتجدد خلالها عهدك على طاعة المولى عز وعلا وعلى الإعتراف الدائم بوحدانيته ثم تمضي ولسان حالك يدعوه أن يوفقك لما فيه رضاه سبحانه وتعالى . ألا فليهنأ صدرك ولينعم قلبك بالطمأنينة ما دام ذكر الله سبحانه شعارك والإعتصام بهديه جل وعلا هو أملك وقبلتك !! كلا ، لن تخشى حالات الهوس من فرط الذكر ـ وليتنا نعلم بحلاوتها ـ بل اطمئن أنه لن يراودك مثل هذا الشعور حينما تعلم أن كل حياتك هي خالصة لوجهه تبارك وتعالى !! إن مطيتك لبلوغ هذا الهدف هي رهن إرادتك وهي تكمن في مراقبته عز وعلا الدائبة وإخضاع كل حركاتك وسكناتك لمقياس درجات الإيمان التي تتوالى عليك وتملأ صدرك وقلبك وروحك!! لقد علمتك الصلاة أن تتحرى الصدق على الدوام وبدء ا مع نفسك لأن تحري الصدق مع الخالق عز وعلا ومع الآخرين ومع النفس أيضا هو مكسب لو تدري عظيم . أما رأيت أنك في أكثر دعواتك تتوسل إلى الله تبارك وتعالى بلسان الجماعة وأنك لست تفعل هذا سوى لاقتناعك بحب الآخرين تماما كما هو الشأن بالنسبة لنفسك !؟ إن الصبغة الإلاهية التي فطرعليها الناس تجعل نفوسهم في ساعة صفائها تصل إلى العدل والإنصاف وتعرض عن كل ما من شأنه أن يجر إليها التعاسة أو يشعرها بالحزن والكآبة . من أجل هذا وغيره ترى النفوس تعيش بوازع الألفة الإنسانية ولو علمت أن أنبل مشاعرها وأرقاها هي من مأدبة الصلاة لوهبتها حظا أوفر من التقديس والحب والإرتباط .هل للألسنة أن تعرض عن طيب ما قدمته وتقدمه لها مائدة الصلاة ثم تعزف عنه وترضى بسموم الغيبة وفحش الكلام ؟! هل من الخير أن تعجل بتقديم الموعظة للآخرين ثم تضن بالنصيحة لصاحبها وهو أجدر الناس بها وأحوجهم إلى الإصلاح!؟ إن أقرب هوة تفضي بنا إلى الإخفاق تبدأ عند شعورنا واعتقادنا بأن نفوسنا سوية ومنزهة عن الخطإ وأن بصمة الزلل إنما هي عالقة بنفوس الآخرين . حبذا لو وضعنا العين والأذن والفؤاد وباقي الجوارح الأخرى موضع الإتهام وعرضناها على محك المراقبة والتشذيب والصقل الذي يقوم اعوجاجها ويهذبها !!. إنه ليس أفضل من الصلاة كمفتاح ووسيلة لبلوغ هذه الغاية ؛ أما أن يحدث في النفوس والسلوك غير ذلك التأثير القويم الذي ينشده كل منصف فذلك ليس من الصلاة في شيء وهي منه براء !!. إن أي فريضة من فرائض الصلاة تؤديها لن تثقل كاهلك إذا علمت أن غايتها القصوى هي تطهير باطنك وظاهرك وبالتالي إراحتك ؛ إنه والحالة هذه ليست تريد سوى أن تطلعك على كل ما هو جميل وطاهر وطيب . إن سر روعتها سيظهر لك في أبهى صوره يوم تدرك أن حياتك كلها وحياة الآخرين على وجه البسيطة لم تكن يوما قط عبثا . إن أفضل شكل يظهرها لنا بأنها عبادة خالصة ينبغي أن يبدأ بتغيير نظرتنا إلى الحياة التي نحياها ، إننا نمضي جميعا في رحلة ستنتهي في يوم من الأيام وكم يليق بنا أن نسير فيها بأفضل ما لدينا وما عندنا !!. إن الصلاة تقدم لنا أعظم زينتها وأبهى حللها فهل تهافتنا لتقبل عطاياها الغالية يا ترى؟! هيا بنا إذا!!
تاريخ النشر : 2012-05-13
دنيا الوطن
ـ تأملات عصفور من الغرب: مجموعة مقالات أدبية وتربوية .ـ المقالة التاسعة : رحلة وزينة وصلوات .ـ يحدث لك أحيانا أن تكون داخل أحد البيوت وإذا كان القريب أو الصديق الذي تزوره حِلاًّ بمفرده فإنه يخطر ببالك أن ترفع صوتك مناديا عليه وقد تنقلك الخطى إلى بعض الغرف باحثا عنه . تجده أخيرا في إحدى الزوايا قد اقتبل القبلة وانغمس في الصلاة ؛ لا قدرة لك على الحديث معه لأنك تشعر مع نفسك أنه في عالم غير العالم الذي أنت فيه . ما أبعد المسافة بينكما !! ربما كان ذهنك في هذه اللحظة منشغلا بأي أمر من أمور الدنيا التي لا عد لها ولا حصر ، أما هو فقد تركها وراء ظهره عندما كبر وأخذ في الصلاة !! إنك لا تحس بالملل وأنت تنتظره وإذا ما فرغ من صلاته وسلم ثم رفع كفيه بالدعاء سرت في قلبك رعدة خفيفة قد تكون الغبطة سببها ولكنك على أي حال قلما تفكر في هذا الأمر . أخيرا يقوم هذا القريب أو الصديق للقائك فتندفع نحوه بكل حب وعطف ثم تلاحظ على محياه مسحة الرضى والعافية المختلطين بالمهابة والجلال بل ربما حدثتك نفسك في هذه الآونة أنك رأيت على وجهه نورا كريما . وإذا كان مغناطيس الصلاة يجذبك إليه مثل هذا القريب فإنه لا يبقى في قلبك مجال للشك حول ما رأيته أو أحسست به لأنك تعلم علم اليقين أن هذه الفريضة المطهرة نور خالص . إنك تدرك أنها ذلك العالم الذي تسمو فيه روحك إلى العلياء لتناجي فيه ربك سبحانه وتخلص العبادة له عز وعلا ؛ وإذا فرغت من صلاتك وسرت على الأرض آمنا منتشيا بحلاوة عبادتك لم تستطع أي يد أن تنتزع تاج النور الذي يرصعك كاملا لأنه تاج من السماء ملكته بصلاتك!! ـ يتساءل العقل أحيانا عن الغاية من السر أو الجهر أو هما معا حينما يجتمعان مثلا في صلاة المغرب أو العشاء فيأتيك الجواب من أعماق نفسك ليأخذ ك من موجة تساؤلاتك ويثبتك بأن الذي تناجيه هو خالقك الكريم سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة عينك وما يخفيه صدرك . يكفي أن تذكره جل في علاه على أي نحو وبأية صغة أصغر جوارحك مثنية عليه بالحمد والشكر ليذكرك سبحانه وتعالى برحماته ويغشاك بها ؛ إنه لا حدود لفضله جل وعلا إذا ما أقبل عليه العبد بقلب سليم ونية خالصة يسأله العون ويتوكل عليه في أموره . إن العناية الربانية سرعان ما تتولاه وتحيط به من كل صوب لتيسر السبل أمامه وتحقق له كل ما يطلبه ويزيد!"! إن مجرد إسباغه لوضوئه قبيل أداء الصلاة يجعله صفحة نقية طهرت من الذنوب والخطايا مثل ثوب طهر من الدنس ؛ وحينما يرفع عقيرته بالشهادة فإنه يلوذ بحصن قوي مفاتيح ولوجه دعاء وابتهال وأبواب رحماته لطف وتجليات واستجابة . أواه ما أعظم سرعة هذا التجاوب الذي لا يوجد له أي نظير و ما أقدر ذلك الرد الرباني الكريم في تحققه إذ هو يسبق السؤال بالإستجابة قبل أن تصدره حنجرة العبد أو صوته!! مواعيد معدودة تضربها معك فريضة الصلاة فتجدد خلالها عهدك على طاعة المولى عز وعلا وعلى الإعتراف الدائم بوحدانيته ثم تمضي ولسان حالك يدعوه أن يوفقك لما فيه رضاه سبحانه وتعالى . ألا فليهنأ صدرك ولينعم قلبك بالطمأنينة ما دام ذكر الله سبحانه شعارك والإعتصام بهديه جل وعلا هو أملك وقبلتك !! كلا ، لن تخشى حالات الهوس من فرط الذكر ـ وليتنا نعلم بحلاوتها ـ بل اطمئن أنه لن يراودك مثل هذا الشعور حينما تعلم أن كل حياتك هي خالصة لوجهه تبارك وتعالى !! إن مطيتك لبلوغ هذا الهدف هي رهن إرادتك وهي تكمن في مراقبته عز وعلا الدائبة وإخضاع كل حركاتك وسكناتك لمقياس درجات الإيمان التي تتوالى عليك وتملأ صدرك وقلبك وروحك!! لقد علمتك الصلاة أن تتحرى الصدق على الدوام وبدء ا مع نفسك لأن تحري الصدق مع الخالق عز وعلا ومع الآخرين ومع النفس أيضا هو مكسب لو تدري عظيم . أما رأيت أنك في أكثر دعواتك تتوسل إلى الله تبارك وتعالى بلسان الجماعة وأنك لست تفعل هذا سوى لاقتناعك بحب الآخرين تماما كما هو الشأن بالنسبة لنفسك !؟ إن الصبغة الإلاهية التي فطرعليها الناس تجعل نفوسهم في ساعة صفائها تصل إلى العدل والإنصاف وتعرض عن كل ما من شأنه أن يجر إليها التعاسة أو يشعرها بالحزن والكآبة . من أجل هذا وغيره ترى النفوس تعيش بوازع الألفة الإنسانية ولو علمت أن أنبل مشاعرها وأرقاها هي من مأدبة الصلاة لوهبتها حظا أوفر من التقديس والحب والإرتباط .هل للألسنة أن تعرض عن طيب ما قدمته وتقدمه لها مائدة الصلاة ثم تعزف عنه وترضى بسموم الغيبة وفحش الكلام ؟! هل من الخير أن تعجل بتقديم الموعظة للآخرين ثم تضن بالنصيحة لصاحبها وهو أجدر الناس بها وأحوجهم إلى الإصلاح!؟ إن أقرب هوة تفضي بنا إلى الإخفاق تبدأ عند شعورنا واعتقادنا بأن نفوسنا سوية ومنزهة عن الخطإ وأن بصمة الزلل إنما هي عالقة بنفوس الآخرين . حبذا لو وضعنا العين والأذن والفؤاد وباقي الجوارح الأخرى موضع الإتهام وعرضناها على محك المراقبة والتشذيب والصقل الذي يقوم اعوجاجها ويهذبها !!. إنه ليس أفضل من الصلاة كمفتاح ووسيلة لبلوغ هذه الغاية ؛ أما أن يحدث في النفوس والسلوك غير ذلك التأثير القويم الذي ينشده كل منصف فذلك ليس من الصلاة في شيء وهي منه براء !!. إن أي فريضة من فرائض الصلاة تؤديها لن تثقل كاهلك إذا علمت أن غايتها القصوى هي تطهير باطنك وظاهرك وبالتالي إراحتك ؛ إنه والحالة هذه ليست تريد سوى أن تطلعك على كل ما هو جميل وطاهر وطيب . إن سر روعتها سيظهر لك في أبهى صوره يوم تدرك أن حياتك كلها وحياة الآخرين على وجه البسيطة لم تكن يوما قط عبثا . إن أفضل شكل يظهرها لنا بأنها عبادة خالصة ينبغي أن يبدأ بتغيير نظرتنا إلى الحياة التي نحياها ، إننا نمضي جميعا في رحلة ستنتهي في يوم من الأيام وكم يليق بنا أن نسير فيها بأفضل ما لدينا وما عندنا !!. إن الصلاة تقدم لنا أعظم زينتها وأبهى حللها فهل تهافتنا لتقبل عطاياها الغالية يا ترى؟! هيا بنا إذا!!