المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مما اعجبني من الشعر العربي


ناصر العبدلي
2012-04-14, 11:39 AM
غادَرْتُ يوماً دَوحَةَ الأحْلامِ،
أنشدُ دَوْحَةً أُخْرى
تُبادِلُني الحقيقةَ
فانْتَهيتُ إلى سرابْ.
سلَّمْتُ أمري ..
واعْتَزَلْتُ الرَّكْبَ،
علَّ النّاَقَةَ العَرْجاءَ
تُرْشِدُني إلى ما أشتهي ..
فهي التي تقوى
على وَهَجي وشَوْكي وارْتِحالي،
دونما لغة تُفَسِّرُ آهتي
وثباتَ رأْسي في الطَّريقْ.
خضَّبتها بالوَرْسِ
فانْتَصَبَتْ،
تَجِسُّ برأْسِها صَدْري
لِتَسْمَعَ ما أقولْ.
ياأيُّها السِرُّ الدَّفينُ ألا انْجلِ،
قالتْ
فأَضْمَرْتُ البُكاءْ.
حدَّانِ كم أخشاهُما:
جَلَدي
ودَمْعَةَ ناقَتي.
ودَّعْتُ أرضَ المِسْكِ
مُصفَرَّ الجبينِ
كنَبْتَةٍ في الظِّل
تَحْمِلُ جَذْوَةَ الشَّمْسِ.
وخَرَجْتُ من دنيا الخيالِ
بِفِكْرَتي زمناً
يُلاحِقُني الكلامُ،
فأنْتَقي منهُ الحزينَ
لِفَرْطِ مااسْتشرَى السَّوادُ
بضِحْكَةِ الأَمْسِ.
يا أيُّها التَّاجُ المُوَشَّى بالنُجومِ
إلامَ يعبدُكَ الجرادُ ؟
وأَنْتَ أوْهى مايكونُ الجَدْبُ ..
لستُ جرادةً ..
بل صفحةُ القدرِ الذي
يَهَبُ الحقيقةَ وجْهَها.
كُنْ ماتشاءُ،
فلنْ يجيبكَ في الظلامِ
سوى الجرادْ.
ما اعتَدْتُ صدقَ نُبوءَةِ الأحْلامِ،
لكنّ الحقيقةَ كذبةٌ أُخرَى
يُسَوِّغُها الشُّذوذُ بألفِ بابٍ
كلُّها تُفْضي إليهِ.
فهل لنا بابٌ،
سوى كشفِ الغِطاءِ عنِ السُّؤالِ
وقلبِ ميزانِ الأُمورِ بِكَفَّتيهِ!
أم هل لنا دربٌ،
سوى تلك التي تَرَكَ القطيعُ
فظلَّ عمَّا يدَّعيهِ.
أنا ليس لي وجهٌ سوى وجهي،
ولا لغةٌ،
سوى تلك التي أُرْضِعْتُ
قبل اللََّثْغَةِ الأولى،
ولا قلبٌ
يُقَلِّبُهُ المُقامِرُ في يديهِ.
أنا قِصَّةٌ تُحْكى،
إذا يَبِسَ الرَّمادُ
على شِفاهِ الجاهِلِيَّةِ في عُكاظْ.
أنا همسُ ساقيةٍ بأُذْنِ الرِّيحِ
تُنْبِئُها بما قد كان
من أمرِ الذين تراجعوا
عن موكبِ الشَّهداءِ في أحدٍ.
وما قدْ كانَ من أمرِ الرُّماةِ،
وما اسْتَجَدَّ من النِّفاقِ الصِّرْفِ
والكُفْرِ البواحِ.
عن جنَّةٍ،
قالوا سترجعُ
بالكثيرِ من الكلامِ
أو القليلِ من الكِفاحِ.
أنا ما عَجِبْتُ
لمن يموتَ علىالتخومِ
فداءَ خيمَتِهِ الصَّغيرَةِ،
بل عَجِبْتُ
لمن يُريدُ الأرْضَ
كامِلةَ التُّرابِ بلا جراحِ.
أنا ليلةٌ تَعِبَ السُّهادُ بها
ونامَ مُعَطَّراً بالشِّعْرِ،
فاسْتَيْقَضْتُ
من حُلُمِ الخواطرِ،
حامِلاً قبسَ الحقيقةِ
فوقَ أكتافِ الصَّباحِ.

بِرائحةِ المسكِ،
وأُخرى بالزّبلِ،
وثالثةٌ،
ليس لها طعمٌ
أو رائحةٌ
أو لونْ.
تلكَ الأيامُ المائِيّةُ،
خبّىءْ نارَكَ عنها
واربأ بِجنونِك،
مصحوباً
بِبقِيّةِ يومٍ مجنونْ.

أدِرْها تَدُرْ
واصْطَبِرْ
كَيْ تدورَ الدِّماءُ .
وتُلقي بآخِرِ ما لا يُمَسُّ
بِجُعبَتِها البَبّغاءُ .
عِجافٌ مواسِمُها
لم تذُقْ
مُنذُ أن أهملتْها الفُصولُ العليلَةُ
قمحاً،
وما تركوهُ بِسُنبُلِهِ
للزَمانِ البخيلِ خواءُ
أدِرها تدُرْ
لاتدَعْ قُطبَها للظُروفِ
وقد أمّنتْكَ عليها السّماءُ .
بدأتَ
ولم تكتمِلْ بعدُ دورتُها ..
مكِّنِ القبضَةَ اليعرُبِيَةَ
تُهدِكَ صاغِرةً قرنَها
هكذا يُستثارُ الغُثاءُ .
إنها جمرةٌ
أنت مُضرِمُها
قُربَ هذا الهشيمِ
أطِلْ عُمرَها
ساعةً
من زمانِ الصُّمودِ،
تُسَيِّجْ نُخيلاتِكَ الوارِفاتِ
بِأضلاعِها الحانِياتِ النّساءُ .
أطِلْ عُمرَها ساعةً،
تسْتَطِلْ أذرُعُ النّخلِ
عبرَ المَتاريسِ
من كُلِّ قبرٍ
تمَلْمَلَ ساكِنُهُ ..
إنها نفرةُ الثأْرِ يا كرْبلاءُ .
أدِرْها تدُرْ
إنها الجَوْلةُ الفَصْلُ،
فلْتُخرِسِ البُندُقِيّةُ
أفواهَ من كبّلوها
على طاولاتِ القِمارِ السِياسِيِّ
كي يستُروا نِصفَ عَوْراتِهِمْ حِكمةً
في الظُّروفِ العَصيبةِ
فَلْيَسْقُطِ الحُكماءُ .
يقولونَ جُنّ العِراقُ ..
وأنْعِمْ بِهِ من جنونٍ
تخِرُّ له الطائِراتُ
بِسَبّابةٍ ، نقَشَتْ في سماءِ الأساطيرِ :
\" مِنقاشْ \"
تَجلّيتَ \" منقاشُ \" صقْراً
يصيدِ العُلوجَ من الجوِّ
أسقطتَ كُلّ الموازينِ
حينَ انتخيتَ بِهَدْلةَ
فَلْتَصْطَبِحْ هَدْلةُ اليوْمَ بالعِزِّ
وَلْيَخْسأِ الجُبَناءُ .

من أي الأنهارِ الدّفقُ الأعمى هذا؟
كم كُنتَ شفيفاً
أبيضَ
حين تحدّرْتَ من السّفحِ
لقطفِ الجوريّةِ
من حُضنِ الوادي.
كم كُنتَ بسيطاً،
يُغريكَ البوحُ
فتسري في الأرضِ العطشى ..
قُلتَ بأنّ معينَكَ لا يفنى،
ففنيتَ وأفنيتْ.
كيفَ تشِفُّ كقُمصانِ الصيفِ عن الّلوزِ؟
أما تخشى أن يكوي روحَكَ بردُ الغفلةِ؟
أو تنسى الجورِيّةُ مِعطفها
من فرطِ الخَدرِ الّليلِيِّ على شُبّاكِ الكونِ؟
كأنكَ لا تدري أن الساعةَ جاوزتِ الحدَّ
وأن الرّيحَ المجنونةَ لا يعنيها الوردْ.
أستارُ الخيمةِ ذوّبها غَزَلُ النّجمِ القُطبِيِّ
وتسأَلُ من أينَ يجيءُ البردْ!
كُنْ ما شِئتَ
وقِفْ ما شِئتَ على بابِ الصّبحِ
بأوراقِ الليلِ الحُبلي بالهذيانِ
وقُل إنّك أغويتَ الغاوين فتابوا
ودعوتَ الشُّعراءَ فآبوا
وتماهيتَ مع الألطافِ المبثوثةِ في الغيبِ
فكُنْتَ الألطفَ والأبهى ..
من أيِّ الأنهارِ نَفَذْتَ حثيثاً
تترقْرقُ في أحداقِ العُشاقِ
لتَقذِفَ في صحنِ الصّبحِ عُصارةَ روحِكَ
من أيّ سماءٍ هذا الماءُ استوحى رِقّتهُ في الليلِ؟
وأيُّ الطّينِ سيحمِلهُ
ويُحَمِّلُهُ سرّ الخلقِ الأمثلْ؟
جاوزْتَ الحدَّ كساعةِ عُمرِكَ
أدْخَلْتَ النّخلَ بغيرِ مواسِمِهِ
وسريتَ بروحِ حمامتِكَ البيضاءِ
على كفِّ الفرحةِ في غاباتِ النّجْمِ
وعُدتَ حزيناً
تتحسّسُ ماءَ الوردِ على غُرّتِها
وتضُمُّ جناحيها في صدركَ
علّكَ توغِلُ أكثرَ في أسرارِ الطّيرِ
وتخرُجَ أكثرَ جهلاً بالخوفِ
وعِلماً بالجهلِ
بحالاتِ العِشقِ القُصوى ..

قبلَ سِتّينَ عاماً،
تأبّطَ حاوٍ، بِسوقِ الحِجامةِ،
سيفاً قديماً،
وصُرّةَ زعترْ.
ونادى بِأهلِ المدينةِ:
يا أيُّها القومُ،
ثُمّ اختفى ..
وما زالَ أهلُ المدينةِ يستمعونْ.

أين كنتِ ؟
وفي أيّ مرجٍ تكوّرَ هذا النّدى ؟
قبلَ أن تتفتّحَ عيناي بالوردِ،
أو ينبضَ القلبُ
باللونِ والكلماتِ معاً ..
أينَ كنتُ ؟
وأيُّ المسافاتِ تلكَ التي
زرعَتْنا على طرفيها ؟
لتَطرَحَ جذوتُنا أربعينَ خريفاً
من البوحِ والوجعِ المُستطابِ
على الطّاوِلةْ ؟
أينَ كُنّا ؟
وكيفَ سنمضي غَريبَينِ
مُتّكِأَينِ على اللونِ والحرفِ
في الوطنِ الرّخوِ ..؟
يا بعضَ ما كُنتُ أخشى ..
وما كُنتُ أنسِجُ في الحُلمِ
شُدّي على مِعْصَمَيَّ
وقولي:
لقد كُنتُ،
أرسِمُ نِصفَ جِدارِيّتي في العَراءِ ..
وُكُنتَ،
بِنِصفِ القصيدةِ تسنِدُ ظهرَ الجِدارْ.

سراب
2012-04-14, 11:46 AM
الله الله الله
تسلم اخوي ناصر على الرائعة
يسلم ذوقك اخوي

كمال البدور
2012-04-14, 11:53 PM
اشكرك اخي على ذائقتك الجميله
يبارك بعمرك
تقبل مروري