عاصمة الربيع
2011-09-14, 10:44 PM
أن مفهوم اﻻستخﻼف لﻺنسان هو خير رابط بين اﻹنسان وبيئته. وهناك العديد من اﻵيات الدالة على مدى الترابط بين اﻹنسان والكون. اﻹسﻼم وعﻼقة الوفاق بين اﻹنسان والبيئة:إن خالق كﻼ من اﻹنسان والبيئة في اﻷصل واحد وهو "الله سبحانه": "الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق اﻹنسان من طين" (السجدة:7) وغايتهما واحدة وهي العبادة: "ولله يسجد من في السموات واﻷرض طوعًا وكرهًا" (الرعد:15).والكائن البشري غير منفصل عن البيئة؛ فهو عنصر مميز من عناصرها -المسخرة له- ومكون فريد من مكوناتها، وعلى ضوء كل ذلك إذا فإن عﻼقة اﻹنسان ببيئته الطبيعية ﻻ تتحول إلى سيطرة بمسيطر عليه أو عﻼقة مالك بمملوك، إنما عﻼقة أمين استؤمن عليها بكل ما يعنيه من وفاق وانسجام وتكامل معها، وبكل ما يترتب عليه من سلوك يفترض أن اﻹنسان بفضل طاقاته الخﻼقة، ومن خﻼل تفاعله مع البيئة سيواجه أحداث وتغييرات مستمرة لكل منها تغييرات يجب أن تمكث في إطار الحدود التي فرضتها السنن الطبيعية والخصوصيات البيولوجية والعقلية الثابتة للفطرة البشرية، ﻷن هذه السبيل هو الكفيل وحده لﻼستمرار في التمتع بالخيرات الطبيعية عبر الزمان والمكان.ومن ثم ضمان البقاء واﻻستمرار للجنس البشري بمختلف أجياله الحاضرة والمقبلة، وﻷن هذا المنهج أضحت في إطاره اﻷمانة جزءًا من المؤتمن فهو اﻷقدر بذلك على تجاوز ما رسخته حضارة الصراع والسيطرة فيما بين اﻹنسان وبيئته، وما أفرزته من اضطراب وحيرة وخوف.ولهذا نرى أن اﻹسﻼم يحرص ويحث على حماية البيئة فحمايتها تعد اللسبيل اﻷقوم للحفاظ على اﻹنسان، والخطوة اﻷولى في هذا السياق تمثلت في دعوة اﻹسﻼم إلى عدم اﻹسراف ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها: "كلوا واشربوا من رزق الله وﻻ تعثوا في اﻷرض مفسدين" (البقرة: 60)، "وﻻ تطيعوا أمر المسرفين* الذين يفسدون في اﻷرض وﻻ يصلحون" (الشعراء:151-152) وكذلك بقية العناصر الطبيعية من ماء وهواء اللذين أوﻻهما اﻹسﻼم عناية كبرى، وسر ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود اﻹنسان والنبات والحيوان واستمرار حياتهم "وجعلنا من الماء كل شيء حي" (اﻷنبياء: 30) "والله أنزل من السماء ماءً فأحيا بها اﻷرض بعد موتها" (النحل:65).وإلى جانب القرآن الكريم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حث بدوره على حماية البيئة ومكوناتها، وليس أدل على ذلك من وصاياه التي أوصى بها جيشه في غزوة مؤتة وهو يتأهب للرحيل: "ﻻ تقتلن امرأة، وﻻ صغيرًا رضيعًا، وﻻ كبيرًا فانيًا، وﻻ تحرقن نخﻼً، وﻻ تقلعن شجرًا، ﻻ تهدموا بيوتًا" (صحيح مسلم) هذا في الحرب ومن باب أولى في السلم، حيث تزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة؛ ومن ثم الحد من أثر الظواهر الطبيعية مثل: اﻻنجراف والتصحر والجفاف؛ وفي هذا اﻹطار يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسًا إﻻ كان له صدقة" (صحيح مسلم).فآنئذ ﻻ يملك المسلم إﻻ أن ينخرط بصفة كلية ونشيطة في عملية الغراسة والتشجير. ينبغي أن يكون ذلك منه بصفة متواصلة إلى آخر رمق في حياته يعمل دائما بالحكمة القائلة: "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون" وﻻ يغيب عن ذهن المسلم ذلك الحديث الشريف الذي دعا إلى الغراسة دائما …حتى ولو كانت الساعة تقوم؛ عن هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِى يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا " ...إنه منتهى اﻷمل وتواصل العمل بدون كلل.وورد أيضًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: "ما هذا السرف؟" فقال: "أفي الوضوء إسراف؟" قال "نعم وإن كنت على نهر جارٍ" (سنن ابن ماجه). وانسجامًا مع هذه التوجه فقد سار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على نفس الدرب حيث قال في هذا السياق: "ﻻ تعقروا نخﻼً وﻻ تحرقوه وﻻ تقطعوا شجرة مثمرة، وﻻ تذبحوا شاة وﻻ بعيرًا إﻻ لمأكلة"