مشاهدة النسخة كاملة : صراع من أجل الإيمان Struggling to surrender
فارس الغربيه
2011-07-29, 06:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني وأخواتي حبيت أهدي إليكم هذا الكتاب الرائع الذي جمعت ترجمته من عدة مواقع وهو يحكي عن قصة إسلام الدكتور جفري الأمريكي الأصل والمصعاب التي قابلته قبل وبعد إسلامه أرجو أن يحوز إعجابكم هذا الكتاب
( 1 )
تعريف
بأستاذ الرياضيات الجامعي الأمريكي
الدكتور جفري لانج
مؤلف كتاب
"صراع من أجل التسليم للإيمان"
نبذة عنه:
أستاذ الرياضيات في جامعة كنساس في أمريكا، ولد عام 1954، اعتنق الإسلام في أواخر الثمانينيات، قبل ذلك،نشأ كاثوليكياً ثم تحول إلي الإلحاد وعمره 18 سنة لأنه لم يجد الجواب الشافي علي أسئلته العديدة التي كان يطرحها حول دينه، ورغم تخرجه وحصوله على الدكتوراه في الرياضيات، إلا إنه ظل على إلحاده.
و ساق له الله في المحاضرة الأولي له -والتي ألقاها في إحدى جامعات سان فرانسيسكو- بين طلابه شاباً مسلماً، تعرف عليه لانج ونشأت بينه وبين أسرة الطالب صداقة عميقة، حتى حصل علي نسخة من القرآن الكريم من هذه الأسرة المسلمة.
لم يكن يفكر أو يبحث عن دين ولكنه بدأ فى قراءة القرآن الكريم بروح رافضة له.
وفي ذلك يقول: " أنت لا تستطيع قراءة القرآن ببساطة ، إلا إذا كنت جاداً فى قراءته . إما أن تكون مستسلماً له ، أو أن تكون محارباً له . القرآن يرد بقوة، يجيب بشكل مباشر ، بشكل شخصى ، يناقش ، ينتقد ، يضع العار عليك ، يتحدى . من البداية يثير معركة ، وأنت فى الجانب الآخر منها " . لذلك وجد نفسه فى معركة مثيرة " وجدت نفسى فى الجانب الضعيف، فمؤلف القرآن يعرفنى أكثر من معرفتى لنفسى ".
انبهر لانج بالقرآن الكريم وفي ذلك يقول:
"قد يستطيع الرسام جعل عيني شخص ما في بورتريه تبدو و كأنها تنظر إليك أينما ذهبت، ولكن من ذا الذي يستطيع كتابة نص ثابت يرد على تساؤلاتك اليومية أياً كانت.
في كل يوم، كنت أكون العديد من التساؤلات حول موضوعات مختلفة، وبطريقة لا أعرفها، كنت أكتشف الإجابة في اليوم التالي بين السطور، لقد بدا وكأن مؤلف هذا الكتاب يقرأ أفكاري ويكتب الإجابة المناسبة بحيث أجدها عند قراءتي التالية. لقد قابلت نفسي بين الصفحات..".
لقد كان القرآن دائماً يسبق تفكيره، يزيل الحواجز التي بناها أعواماً كثيرة.
ثم يكمل:
" إلى هؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام ، الدليل الأعظم إلى الله ، الصمد ، القيوم ، المعين ، الله الذى من حبه للبشر أنزل القرآن هدى لهم ، وكمحيط واسع عميق ، يغريك بالنزول فيه، ومن أعمق إلى أعمق فى أمواجه الرائعة، تغرق فيها . وبدلاً من أن تغرق فى ظلمات هذه الأمواج ، إذا بك تغرق فى محيط من الوحى والرحمة ..كلما قرأت القرآن الكريم ، أو صليت صلاة الإسلام ، يفتح فى قلبى باباً كان مغلقاً ، وأشعر بأنى غمرت فى رقة عارمة.الحب أصبح أكثر ثبوتاً من الأرض التى تحت قدمى ؛ إنها القوة التى أعادت إلىّ نفسى ، وجعلتنى أشعر بالحب ، لقد أصبحت سعيداً بما فيه الكفاية ، أن وجدت الإيمان بدين أعقله. وما كنت أتوقع أن يلمس هذا الدين شغاف قلبى".
وعندما سئل كيف ألف قراءة القرآن الكريم باللغة العربية وهي غريبة تماماً بالنسبة له، قال:"ولماذا يرتاح الرضيع لصوت أمه، رغم أنه لا يفهمه، إن القرآن يعطيني الراحة والقوة في الأوقات الصعبة".
وتربط الدكتور جفري لانج صداقة قوية بالداعية الإسلامي الأمريكي جيرالد ديركس الذي يمكنكم قراءة قصة إسلامه في الفصل الأول.
بعد اعتناق الإسلام ألف جفري كتابان (صراع من أجل الإيمان Struggling to surrender)، (حتى الملائكة تسألEven Angels Ask) وبصدد تأليف الثالث.
وسنترككم مع جزء من كتابه الثاني ،يتراوح بين لحظات روحانية غامرة وبين أفكار فلسفية عميقة، ترجمته إحدى الصحف السعودية.
يقول المؤلف: "في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام ، قدم إليَّ إمام المسجد كتيباً يشرح كيفية أداء الصلاة. غير أني فوجئت بما رأيته من قلق الطلاب المسلمين ، فقد ألحوا عليَّ بعبارات مثل: (خذ راحتك) ( لا تضغط على نفسك كثيراً ) ( من الأفضل أن تأخذ وقتك ) ( ببطء.. شيئاً ، فشيئاً ). وتساءلت في نفسي ( هل الصلاة صعبة إلى هذا الحد؟ ).
لكني تجاهلت نصائح الطلاب ، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها. وفي تلك الليلة ، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً على الأريكة في غرفتي الصغيرة بإضاءتها الخافتة ، حيث كنت أدرس حركات الصلاة وأكررها ، وكذلك الآيات القرآنية التي سأتلوها ، والأدعية الواجب قراءتها في الصلاة. وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة العربية ، فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي ، وبمعانيها باللغة الإنجليزية. وتفحصت الكتيب ساعات عدة ، قبل أن أجد في نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى، وكان الوقت قد قارب منتصف الليل، لذلك قررت أن أصلي صلاة العشاء.
ودخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على الصفحة التي تشرح الوضوء. وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة ، بتأن ودقة ، مثل طاهٍ يجرب وصفة لأول مرة في المطبخ. وعندما انتهيت من الوضوء ، أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي. إذ تقول تعليمات الكتيب بأنه من المستحب ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء.
ووقفت في منتصف الغرفة ، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة.
نظرت إلى الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي ، ثم توجهت إلى الأمام ، واعتدلت في وقفتي ، وأخذت نفساً عميقاً ، ثم رفعت يدي ، وبراحتين مفتوحتين ملامساً شحمتي الأذنين بإبهامي ثم بعد ذلك ، قلت بصوت خافت (الله أكبر). كنت آمل ألا يسمعني أحد . فقد كنت أشعر بشيء من الانفعال. إذ لم أستطع التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس علي. وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة. وتساءلت: ماذا لو رآني أحد الجيران ؟ تركت ما كنت فيه ، وتوجهت إلى النافذة ، ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد. وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية ، أحسست بالارتياح. فأغلقت الستائر ، وعدت إلى منتصف الغرفة. ومرة أخرى ، توجهت إلى القبلة ، واعتدلت في وقفتي ، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذني ، ثم همست (الله أكبر)،وبصوت خافت لا يكاد يسمع ، قرأت فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم ، ثم أتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئاً لو سمع تلاوتي تلك الليلة. ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي واضعاً كفي على ركبتي وشعرت بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي. ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرفة. وبينما كنت ما أزال راكعاً ، كررت عبارة (سبحان ربي العظيم) عدة مرات. ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ (سمع الله لمن حمده) ثم (ربنا ولك الحمد)...... أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبرت مرة أخرى بخضوع فقد حان وقت السجود... وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض.
لم أستطع أن أفعل ذلك ، لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض ، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأن العبد الذي يتذلل أمام سيده... لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء.... لقد أحسست بكثير من العار والخزي، وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم ، وتخيلت كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم ، وكدت أسمعهم يقولون (مسكين جفري فقد أصابه العرب بمس في سان فرانسيسكو ، أليس كذلك؟). وأخذت أدعو ( أرجوك ، أرجوك ، أعني على هذا). أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول... الآن صرت على أربعتي ، ثم ترددت لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغط وجهي على السجادة... أفرغت ذهني من كل الأفكار ، وتلفظت ثلاث مرات بعبارة (سبحان ربي الأعلى)، (الله أكبر) قلتها ورفعت من السجود جالساً على عقبي وأبقيت ذهني فارغاً رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي. (الله أكبر) ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى. وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة (سبحان ربي الأعلى) بصورة آلية. فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك. (الله أكبر) وانتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي: لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي. وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة. لكن الأمر صار أهون في كل شوط. حتى إنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة. ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير ، وأخيراً سلمت عن يميني وشمالي.
وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالسا على الأرض ، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها ، لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها. ودعوت برأس منخفض خجلاً : ( اغفر لي تكبري وغبائي ، فقد أتيت من مكان بعيد ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه ) .
وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك يصعب عليّ وصفه بالكلمات.... فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري.
وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية حتى إنني أذكر أنني كنت أرتعش. غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي ، فقد أثرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضا. لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ... ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب ، فقد أخذت الدموع تنهمر على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة.... وكلما ازداد بكائي ، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني.ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ، رغم أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور... لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطلقاً عنان مخزون عظيم من الخوف والغضب بداخلي. وبينما أنا أكتب هذه السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً... ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ، منتحباً ورأسي بين كفي. وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق. فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها... وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها.
أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله وإلى الصلاة ، وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير : « اللهم ، إذا تجرأت على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني قبل ذلك ، خلصني من هذه الحياة... ومن الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك » ".
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
مقدمة المترجم :::
من بين الكتب التى وجدت فيها عمقا لأحد المسلمين الجدد ، هذا الكتاب الذى سأقوم بترجمته على حلقات . وبالرغم من طوله "الكتاب يحتوى على 250 صفحة بالبنط 14"، فإن المجهود فى ترجمته لن يذهب هباء بإذن الله ، وسيجد كثير منكم المتعة فى تتبع صفحاته ، فهو يبين لنا مدى النعمة التى أنعمها الله علينا بأن هدانا للإسلام . وستجدون كيف أن هذا الدين عظيم ، ونظرا لأنه دين الفطرة السليمة ، فما أن يقترب منه أحد بتجرد ووعى ، إلا وجد نفسه منجذبا إليه .
بالإضافة إلى أن هذا الكتاب يبين المراحل التى مر بها هذا المسلم إلى أن اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين ، إلا أنه يحتوى على موضوعات أخرى دعمت إيمانه بهذا الدين العظيم .
وأثناء الترجمة قد أختصر بعض الأجزاء التى أعتقد أنها لا تضيف شيئا هاما للموضوع ، وفى نفس الوقت لا تنقص من قيمته .
مقدمة المؤلف :::
"إلى ... جميلة .. سارة .. فطين"
**********************
"لماذا اعتنقت الإسلام ؟" سؤال ألقاه على أحد مستجوبى !!! ما هى الإجابة التى ستفهمها براءتهم ؟؟؟ حملق الإثنان فى وجهى بلا إنفعال ، ولكن فى شوق لتلقى الإجابة . ربما يكون السؤال فقط لمجرد السؤال ، ولمعرفة ما يدور بخلدى .
لا !!! أعتقد أن سؤالهم أكثر شخصية من ذلك .. أتذكر فى الصغر حينما سألت أبى ، "لماذا أصبحت كاثوليكيا ؟؟" . لم يكن سؤالى حبا للإستطلاع ، ولكنه كان نتيجة للبحث عن فهم ذاتى . وحينما أصبحت مسلما لم يرد بذهنى عدد الخيارات التى ستمر بى ، ليس بالنسبة لى فقط بل بأبنائى وأحفادى أيضا . من الطبيعى ، فهم يريدون معرفة سبب إتخاذى هذا الموقف ، لأنه سيؤثر عليهم حاضرا وفى مستقبلهم المعاش .
فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول "فاطمة جزء منى ، وأنا جزء منها .. سعادتها سعادتى ، وحزنها حزنى" . فالأب يجد إلتزاما بعلاقته مع بناته . فمن خلال طبيعتهن الأنثوية ، يجد الأب أنه يتعاطف معهن ، ويتخلى عن طبيعته الرجولية التى يتعامل بها فى حياته العادية . هن يتممن ويعادلن حياته ، ليس فقط كإناث ، بل أيضا كبناته ، وهو يرى تكامل شخصيته فيهن .
"لماذا أصبحت مسلما ؟؟؟" ... هذا السؤال يختلف معناه بالكلية ، حينما يصدر من بناتى ، لأنه فى هذه الحالة ينبع من داخلى . إنه صدى لى ، وهو استجواب طاهر لحقيقة مشاعرى . لقد شرحت لهن الوضع باختصار ، حسب إمكانياتى ، ولكن ليس بطريقة مفصلة لأنهى الموضوع ، فقد أردت أن يصبح الباب مفتوحا لمزيد من الإستفسار . وقد كانت أسئلتهن هى الحافز وراء هذا الكتاب ، والذى بدأ كانعكاسات ليلة على تساؤلاتهن . إذا لم تكن أمينا مع بناتك ، فأنت غير صادق مع نفسك . ولهذا السبب ، لقد بذلت جهدى لأكون مخلصا وأمينا معهن بقدر الإمكان ::: لأقص الحقيقة "كما هى بالضبط" ، معنى هذا أن أقص الإيجابيات والسلبيات التى واجهتنى ، والإكتشافات والشكوك ، إجابات وأسئلة . ولهذا فلا يعتبر هذا الكتاب ، بأنه كتاب موثق عن الإسلام بالولايات المتحدة . بناتى يعلمن أن والدهم ليس عالما مسلما ، وكذلك فالمسلمون سيكتشفون ذلك الأمر أيضا . لهذا فأنا أنوه بهذا الأمر تحذيرا لأولئكم الذين لا يعرفون كثيرا عن الإسلام . وبالنسبة للذين يريدون معرفة الحقائق عن الإسلام ، فأرشح لهم كتابات "د. جمال بدوى" ، سلسلة التعاليم الإسلامية الممتازة .
هذا العمل أمامك ، يمكن وصفه بأنه يصف خبرتى وانطباعى عن الإسلام ، أو أنه سيرتى الذاتية العقائدية ، أو جريدة شخصية ، قد تكون لها أهمية لبعض القراء . وبما أنى لا أستطيع أن أسجل كل انطباع لى ، أو سؤال سألته نفسى ، فأنا ألزم نفسى بأن أذكر الأمور العامة التى تهم المهتدين إلى الإسلام ، ويمكن نشرها فى الصحف والمجلات الإسلامية التى تنشر بالولايات المتحدة . بالإضافة إلى ذلك ، فقد حرصت على لقاء بعض الذين اعتنقوا الإسلام حديثا ، وأدرجت فى هذا الكتاب بعضا من تجاربهم فى هذا المضمار .
بعض الموضوعات "الإشارات بالنسبة للقرآن الكريم والعلم" أثارت انتباهى أثناء مراحل تحولى للإسلام ، بينما موضوعات أخرى "أسئلة حول الرحمة والعدالة الإلهية" كانت جوهرية فى بحثى عن الروحانيات . الفصل الأول ، هو لإلقاء الضوء عن كيف أصبحت مسلما ؟؟؟ والفصل الثانى ، يوضح تأثير القرآن الكريم فى توجهاتى . وبالرغم من أنى قد بذلت جهدى فى توضيح هذين الموضوعين بالنسبة لتحولى للإسلام ، إلا أنى أشعر أن هناك الكثير الذى ما زال غامضا على . الفصول الثلاثة الأخيرة ، والتى تشكل الجزء الأكبر من هذا العمل ، تعتبر فى الحقيقة ملحقات لهذا الموضوع . وتتعلق بالصعاب التى مرت بى بعد اعتناق الإسلام ، والصراع الذى واجهته للإندماج والعيش فى المجتمع الإسلامى .
عادة ما يكون من يتحول للإسلام من الأمريكيين ، هم من النصارى أو اليهود أصلا ، ومعنى ذلك أنه أو أنها ، قد رفض ديانة سماوية كانت جزءا من التاريخ ، لصالح ديانة سماوية أخرى ، وثيقة الصلة بديانته السابقة . هذا يشكل تمردا ضد العقيدة السابقة ، ولا يخفى أن المعتنقين الجدد للإسلام ، غالبا ما كانوا متشككين فى تقاليده ، خصوصا فى أحاديث وسيرة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
التقاليد ، الثقافة الإسلامية ، تصرفات المسلمين ، انتقادات الغرب ، كل ذلك يشكل الحيرة والتناقض التى يقع فيها المتحول للإسلام ، وهذا هو موضوع الفصل الثالث .
المجتمعات الإسلامية بالولايات المتحدة تختلف إختلافا بينا بعضها عن بعض ، ثقافة وعادات ، ومعظمها له جذور دينية . الغالبية خرجت من مجتمعات لها تقاليد محافظة . وككل المهاجرين الآخرين ، فإنهم يصابون بصدمة حين وصولهم للبلاد مما تسبب لهم الحيرة والخوف . ونفس الشئ يواجه الذين يتحولون عن دينهم الأصلى ، لأنه / لأنها يجد نفسه فى المجتمع المسلم الجديد الذى لم يتعود عليه ، ويعتبر فيه كأقلية . هذا الشعور وهذه الصعوبات يغطيها الفصل الرابع من الكتاب ، مع التأكيد على العلاقات مع الأجناس المختلفة . والفصل الأخير يتكلم عن الصعوبات التى تواجهك كمسلم جديد ، فى أسرة ومجتمع من غير المسلمين .
لقد ترددت بينى وبين نفسى كثيرا ، فى نشر هذا الكتاب أو عدم النشر . وهذا التردد لم يكن خوفا من المناقشات والمواجهات التى سأقابلها ، ولكن لأن هذا الموضوع شخصى جدا . بلا شك فهو ترجمة أمريكية للإسلام ، وكيف لا يكون كذلك ؟؟؟
لا أستطيع "ولا أتوقع" ، أن أتخلص من السنوات الثمانية والعشرون من حياتى السابقة على الإسلام . وسأستمر فى اتباع الإستراتيجية التى كنت أتبعها حينما كنت ملحدا : وهو دراسة آراء الطرفين ، فالطرف الذى يتكلم من داخل الدين ، فقد يلمعه ، والطرف الذى يتكلم من خارجه ، فعادة يكون متحيزا ضده ، والموازنة بين الاٌثنين هى المطلوبة . وهذا يعنى ، أن تكون المقارنة حذرة بين الإتجاهين . ولهذا فإن فهمى للإسلام يتأثر بقول علماء غير مسلمين . على كل حال ، فقد شجعنى بعض الأصدقاء المسلمين أخيرا ، على نشر هذا الكتاب ، منبهين على أن الفكرة التى أتبناها ، وهى أن مواجهة الأسئلة الكثيرة التى يثيرها المسلمين الأمريكان تحتاج إلى صراحة ووضوح ، وذلك فى سبيل توحيد هذا المجتمع .
وبناء على ذلك ، فهذا الكتاب يعتبر مساهمة منى فى نمو الإسلام بالولايات المتحدة . وككل الكتاب المسلمين الأول أقول ، أن ما ورد صحيحا فى الكتاب ، فهو من رحمة الله وفضله ، وما ورد غير ذلك ، فإنى أطلب مغفرته وعفوه .
( 3 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الأول
الشهادة :::
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {120} سورة طه
كنا فى غرفة صغيرة جدا بدون أثاث ، ولا يوجد شئ على جدرانها الرمادية المائلة للبياض ، والزينة الوحيدة بالدرجة الأولى ، كانت سجاد أحمر يغطى الأرضية . وهناك شباك صغير أمامنا ، كشبابيك البدروم ، فى مواجهتنا ، وكان الغرفة مضاءة . كنا نجلس فى صفوف ، وكنت فى الصف الثالث . لم يكن هناك نساء معنا ، وكنا نجلس على كعوبنا متجهين ناحية الشباك .
كان الشعور غريب . لم أكن أعرف أيا من الموجودين . ربما كنت فى بلدة أخرى . كنا ننحنى بانتظام ، ووجوهنا للأرض . كان الهدوء والسكون يتغشاتا ، كأن الأصوات قد منعت . وفجأة تحركنا على كعوبنا للخلف ، وحينما نظرت للأعلى ، تحققت أننا نتبع تعليمات رجل يقف فى المنتصف على شمالى ، أسفل النافذة . كان يقف بمفرده لا أحد بجواره . فقط أخذت نظرة خاطفة لظهره . كان يلبس رداء أبيض ، وعلى رأسه كان يلبس وشاحا أبيض اللون بتعريجات حمراء . ثم استيقظت .
تكرر هذه الرؤية خلال العشرة سنوات التالية عدة مرات ، وكانت دائما بهذا الإختصار ، وهى هى . فى البداية لم أعر لها التفاتا ، ولم أكن أفهم لها معنى !!! ومع تكرارها ، اعتقدت أن لها مغزى دينى . وبالرغم من أنى أشركت بعض الأصدقاء المقربين لى فى ذكرها لهم ، وذلك مرة أو مرتين ، إلا أنها لم تكن تستحق منى التفكير فيها كثيرا . لم تكن تشغلنى ، وفى الحقيقة أشعر براحة دائما عندما أستيقظ .
أثناء أول مرة أرى فيها هذه الرؤية ، أو بعدها ، فقد طردت من الدروس الدينية !!! وقبل هذا الفصل الدراسى ، لم يكن عندى أى خوف على إيمانى . فقد كنت قد عمدت ، ونشأت متأثرا بدراساتى ككاثوليكى . كانت الكاثوليكية هى الديانة الوحيدة الصحيحة فى كونيكتيكت "Connecticut" . كل أصدقائى وجيرانى وأقاربى ومعارفى ، باستثناء قليل من اليهود ، كانوا كاثوليك . ولكن الأمور تتبع بعضها بعضا .
كنت فى بداية سنتى الدراسية العليا فى مدرسة " نوتردام للأولاد" المدرسة العليا ، وكان مدرسنا كاهن لطيف حقا ، وبدأ ليقنعنا بوجود الله ، ولهذا بدأ فى شرح التكوين فى مراحل الخلقة الأولى . وقد كنت مولعا بالرياضيات ، ومفتون بعلم المنطق الرياضى ، ولهذا لم أقاوم معارضة إستنتاجاته . وكانت حجتى ببساطة ، أن شرح موضوع ما ، لا يعتبر برهانا عليه . إذا أعطيت للوجود الأعظم الصفات الصحيحة ، فهذا يفسر وجودنا نحن ، وتصوراتنا العميقة للذنب ، والصواب والخطأ ، ولكن هناك تفسير آخر ... بالطبع هو تفسير غير صحيح الآن ... وهذا التفسير نخرج به من العلوم الطبيعية ، فبينما مازال الصراع فى المفاهيم الدينية قائم على قدم وساق ، وكذلك التناقضات التى لا يقبلها العلم ، إلا أن العلوم الدنيوية قد وصلت إلى نوع من الإستقرار . "مداخلة : لا حظ أنه يتكلم حينما كان كاثوليكيا ." . المناقشة المنطقية فى وجود الله لن تؤدى إلى برهان ، لأنها تنبع من الخوف والجهل المنتشر ، وربما لو حصلنا على مزيد من الأمان فى حياتنا ، لم نلتزم بالدين ، وهذه هى الحالة الآن مع الرجال المثقفين ، خصوصا الأكادميين منهم .
وخلال الأسابيع التالية ، كنا نعقد مجموعات من الطلبة لنناقش هذا الأمر ، وقد إنحاز عدد منهم فى صفى ، وتبنوا الإلحاد والبعد عن الدين منهجا . وحينما وصلنا إلى طريق حرج مسدود ، نصحنا الكاهن أنا وزملائى ، بأن نترك الصف الدراسى حتى تتعدل نظرتنا للأمور ونراها بشكل مختلف ، وإلا رسبنا فى هذه المادة .
وفيما بعد ، فى بعض الليالى على العشاء ، فكرت أن أفاتح أبوى ، لماذا سأنسلخ من التدين ؟؟؟ والدتى صعقت ، ووالدى غضب جدا وصرخ فى ، "كيف لا تعتقد فى وجود الإله ؟؟؟" ، وتنبأ لى تنبأ صحيحا ، قائلا : "سيأتى بك الله ساجدا له على ركبتيك جفرى ، وحينئذ ستتمنى أنك لم تولد" ... سألت نفسى ، لما قال ذلك والدى ؟؟؟ بالطبع لأنه لم يستطع الرد على !!!
هكذا كنت فى عين أسرتى "ملحدا" ، وكذلك فى عين أصدقائى ، وزملائى فى الدراسة .
الشئ الغريب فى الموضوع ... فى هذه الآونة ... أنى ما تركت الإعتقاد فى وجود الله ، ولكنى كنت أناقش فقط حبا فى الجدال . لم أذكر قط أن الله غير موجود ، ولكنى أقرر بأن الحجج التى تذكر فى الفصل الدراسى غير مقنعة وغير كافية لصحة الإعتقاد .
مع هذا ، فأنا لم أرفض الوضع الجديد الذى أنا فيه ، وذلك لأن هذا الصراع النفسى قد أثر على كثيرا . وهذا الصراع ، قد جعلنى أتأكد ، بأنى لا أعرف ماذا أعتقد ولماذا أعتقده ؟؟؟ وظللت فى الشهور التالية ، أتصارع مع نفسى بالنسبة لوجود الله . كان الشك هو الغالب فى وقتنا هذا ، الشك فى كل المؤسسات ، حتى الدينية منها . نحن جيل نشأ على سوء الظن !!! فى أثناء المراحل الدراسية الأولى كنا نتدرب على اللجوء إلى السراديب تحسبا لغارة جوية نووية ، وكنا نجهزها بالمواد الغذائية لمجابهة الطوارئ . أبطالنا ، ككنيدى ، ومارتن لوثر كنج الراحلين ، قد اغتيلوا ، واستبدلوا برؤساء يسهل الضغط عليهم لإنتهاج سياسة مخزية وموجهة . كان هناك اضطهاد عنصرى ، حرائق ، نهب ، خصوصا فى البلدان الصناعية كالتى أعيش فيها . كل ليلة نرى قتلى لا عدد لهم ، على التلفزيون . نعيش فى رعب ونتوقع الأذى فى أى وقت ، ومن أى شخص ، وبدون سبب نعرفه . فكرة أن الله خلقنا بهذه الطريقة ، وأنه سيعاقب غالبيتنا ، مرعبة ومحزنة أكثر مما لو نعتقد بالدين بالمرة . لقد أصبحت ملحدا فى الثامنة عشر .
فى البداية ، شعرت بالحرية ، والتحرر من الخوف ، ومن أن أحدا يتدخل فى أفكارى ، وتصوراتى ، ثم يديننى .
أعيش حياتى لنفسى ، ولست فى حاجة للخوف من وجود أعلى ، ومراعاته فى تصرفاتى . وبدرجة ما كنت فخورا بأنى أملك الشجاعة لتحمل المسئولية الفردية التى تتحكم فى حياتى . كنت أشعر بالأمان الشخصى ، فى مشاعرى ، فى نصوراتى ، فى رغباتى ، كلها نابعة من داخلى ، لا يشاركنى فيها الوجود الأعلى ، ولا أى شخص آخر . أصبحت أنا مركز كينونتى ، وأصبحت أنا خالقها ، ورازقها ، والمتحكم فيها . أنا أقرر لنفسى ما هو الخير ، وما هو الشر ، أصبحت أنا إلهى ، ومنقذى . وغنى عن القول أنى أصبحت جشعا إلى أقصى درجة ، ومنكبا على اللذات ، حيث اعتقدت حينئذ ، أكثر من أى وقت مضى، فى المشاركة والإهتمام . وقد كان السبب فى ذلك ، أنى لا أنتظر مكافأة مستقبلية : لقد شعرت بحب إنسانى حقيقى ، نعيش الحب ، ليكون هو العاطفة العليا للإنسان . سواء أكان هذا نتيجة للتطور ، أو الصدفة ، أو للبيئة الحيوية ، فهذا لا يهم ، لأنه حقيقة ككل شئ آخر ، يعطينا السعادة . حينما تعطى هذا الحب ، تجد مقابله فورا ، هنا والآن . "مداخلة : وهذا تفسيرا للآية الكريمة ((مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً {18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً {19} سورة الإسراء)) ، وذلك لأن الذين لا يؤمنون بالثواب والعقاب ، وأنهم محاسبون يوم القيامة على أفعالهم ، يصلون بأعمالهم إلى الأنانية المفرطة ، وحب الذات ، والفساد فى الأرض" .
ذهابك للكلية ، ليس كتركك للمنزل : فأنت ببساطة لن تعيش مع والديك بعد ذلك . هذه فترة انتقال بين الإعتماد والإستقلال ، الوقت المناسب والمكان المناسب لتختبر نفسك وآراءك . لقد تعلمت بسرعة أن لا أحد يعرف معنى الوحدة ، كالملحد . الشخص العادى حينما يشعر بالوحدة ، يلجأ من عميق شعوره للواحد الأحد ، الذى يعرفه ، ويوحى له بالجواب ، أما الملحد فلا يسمح لنفسه بهذا الفضل ، ويذكر نفسه بسخافاته . الملحد يتخذ هواه ليكون إلهه ، وينظر إلى نفسه على أنها هى محور الكون ، وما أصغره من كون !!! فحدود هذا الكون لا يتعدى تصوراته هو ، وهى آخذة فى الإضمحلال . الرجل المتدين ، يؤمن بأشياء خارجة عما يحس به أو يتصوره ، بينما الملحد ، لا يثق فى هذه الأمور . تقريبا ، لا شئ حقيقى عنده ، حتى ولا الحقيقة نفسها . مفاهيمه للحب ، والعاطفة ، والعدالة ، دائما متقلبة حسب ميوله ، والنتيجة أنه هو ومن حوله ، ضحايا عدم الإستقرار . ينطوى على نفسه ، محاولا لملمة الأمور بعضها لبعض ليصل إلى حالة من التوازن ، حتى يستطيع أن يجد لها معنى . فى نفس الوقت ، يتصارع مع القوى الخارجية التى تنافس مفاهيمه ، هذه العلاقات الإنسانية التى لا يستطيع التحكم فيها ، والتى تقتحم عالمه . هو يحتاج للبساطة ، والخلوة ، والعزلة ، ولكنه يحتاج أيضا إلى أن يمد نفسه إلى أبعد من نفسه . كلنا يرغب فى الخلود . إشكالية رجل الدين محلولة بخلود الآخرة ، الجنة ، أما الملحد ، فهو يبحث له عن وسيلة تحقق له هذا الخلود ، الآن وفى هذه الدنيا !!! يبحث عنها فى العائلة لتكون امتدادا له ، فى تأليف كتاب ، فى اكتشاف ما ، فى عمل بطولى ، ليظل باقيا فى أذهان الناس . هدفه النهائى ليس ليذهب للسماء ، بل مجرد أن يذكره الناس .
بالرغم من ذلك ، إلى ماذا سيؤدى هذا الإختلاف ؟؟؟ ... الإنسان دائما يتطلع إلى الكمال ، هذه رغبة داخلية فيه ، وهى التى تدفعنا إلى العمل . هل سأصبح يوما ما ، عالم رياضيات مرموق ، عداء ، طباخ ، عالم إنسانيات ، أب فاضل ؟؟؟ بالنسبة للملحد ، لا شئ من هذا يلبى رغباته ، لأنه لا يؤمن بالكمال ولا بالمطلق . النقطة التالية ، هى الإستقرار !!!
الأمثلة الإجتماعية التى ذكرتها ، ليست لأنى أفضلها ، ولكن لأنها وظيفية ونافعة .بعد الإنتهاء من دراستى الجامعية ، تزوجت . وانتقلت أنا وزوجتى لغرب لافايت "West Lafayette" بإنديانا ، وذلك لألتحق بجامعة بوردو ، مدرسة الخريجين . ورغم أننا حديثى الزواج ، إلى أننا اتفقنا على أن زواجنا لن يكون ارتباط دائم ، وأن يتم الإنفصال بالتفاهم فى حالة وجود فرصة أفضل لأحدنا ، ولكن فى الوقت الحالى فإن هذا الزواج له فوائد عملية . كنا أصدقاء ولكن بلا عواطف ، وكما توقعنا حدث الطلاق بعد ثلاث سنوات ، بشروط جيدة . وعلى غير المتوقع ، وجدتنى ملئ بالحزن لهذا الطلاق . ليس لأنى فقدت حبى أو الشخص الذى يمكننى أن أعيش معه ، ولكن لأنى تركت وحيدا مرة ثانية مع نفسى . وعندما فكرت فى الوضع ، اتضح لى أنى كنت وحيدا مع نفسى فى كلتا الحالتين ، سواء كنت متزوجا أو أعزبا . كانت زوجتى رائعة ، ولكن لم يكن لدى فى مكان لأحد فى حياتى . لقد كنت فى السنوات الثلاثة ، أتمنى هذه اللحظة . وفى اليوم الذى تركتنى فيه ... علما بأن زوجتى هى التى طلبت الطلاق ... تبين لى أن الجامعة أصبحت سجنا لى ، ومكان لأختفى فيه ، ولكنى لم أتبين من أى شئ أهرب !!! لم يكن من السهل على أن أبقى إلاها بعد كل هذا !!!
فى هذه اللحظة ، أردت بشدة أن أستريح ، أردت أن أكون كل شئ للناس ، وأصبحت أهتم نظرتهم لى ، بالرغم من أنى كنت أنكر هذا لنفسى . كلنا يهتم بهذا الأمر ، وأن يثبت كل منا نفسه وكيانه ، وإذا لم يهتم بك أحد ، ولم تشعر بقيمتك ، إذا فما هى قيمة الحياة بالنسبة لك ؟؟؟ ولماذ تبقى فى هذه الحياة ؟؟؟ ووجدت فى علم الرياضيات الذى أمارسه ضالتى ، فانكببت عليه لأنهى دراستى . وخلال الدراسة ، كنت أمارس بعضا من الرومانسيات فى السنتين التاليتين ، لمجرد الجنس ، لا لإنشاء رابطة زوجية .
هنا حدث شئ غريب جدا . قدمت أطروحتى لنيل درجة الدكتوراه ، وكنت أجلس خارج الغرفة التى تجتمع فيها اللجنة للوصول إلى قرار . خمسة سنوات من الإنكباب على موضوعى ، استنزفت فيها كل عواطفى . وإذا بباب الغرفة يفتح ، لتتم تحيتى "مبروك دكتور لانج" .
ولكن أثناء عودتى لشقتى ، بدأت بهجتى تتلاشى من داخلى ، وكلما حاولت إعادتها ، تغلبت على الكآبة والإحباط والمرارة ، وقارنت بين شعورنا ونحن كبار بالكريسماس ، ومحاولة الإبتهاج به ، ولكننا لا نستطيع لأننا لم نصبح أطفالا . ربما تكون الحياة هى إعلانات تلفزيونية متتابعة ، هذا ما فكرت فيه ، ولهذا فنحن شغوفين لتحقيق الأشياء الطائشة . نخدع أنفسنا بأننا لنا قيمة ما ، والحقيقة أننا نوع آخر من الحيوانات نحاول أن نعيش . هل هذه هى الحياة التى نحياها ؟؟؟ ... إنتصار صناعى يخلفه إنتصار آخر . بدأت أعيد ترتيب أوراقى من جديد .
( 4 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الأول
كان حصولى على درجة الدكتوراة فى ديسمبر 1981 ، وبقيت كمحاضر لفنرة دراسية أخرى ، بينما كنت أبحث عن عمل آخر . بقائى فى لافايت الغربية كان للتفكير ؛ لم يكن هناك شئ آخر أعمله . كانت لى كمدينة جامعية ، تصبح كمدينة أشباح ، حينما يذهب طلبتها فى أجازة . بها مطعم للأكلات السريعة ، قاعاتنا للسينما ، بضع كنائس ، ثلاث غسالات ، وبعض بقالات كبيرة . حينما تريد التجول فيها ، لا تذهب بعيدا حتى تجد المزارع حولك . كنت أمارس هواية المشى لعدة أميال كل يوم ، على الطرقات ، والثلوج السميكة تتحطم تحت قدمى ، كان هذا أقسى شتاء مر بى . البحر الأبيض اللون من حولى ، كان هادئا ممتعا ، وأنا غارق فى أفكارى . ولا أنسى المرأة الشابة التى جاءت لمكتبى للمساعدة . حينما فتحت لها الباب ، كانت أمامى مفاجأة !!! من المحتمل أنها امرأة شرق أوسطية تواجهنى . كانت مغطاة بالكامل ، باللون الأسود من أسفل إلى أعلى ، إلا وجهها وكفيها !!! وافقت على مساعدتها ، وفورا ، انطباعاتى السابقة عن المرأة العربية تحطمت . كانت طلبة خريجة فى الرياضيات ، ولما كانت تشارك فى مكتب ، كمكتبى ، أساتذة مساعدين ، فافترضت أنها مثلهم أستاذة مساعدة . ولكنى لم أتصور كيف تقف أمام طلبة من مواطنى إنديانا ، من أصول ألمانية ، بمنظرها هذا ؟؟؟ وفى نفس الوقت كانت متزنة وذات شخصية ، بمقارنتها بنفسى ، شعرت بالخجل منها . وجدت نفسى لا أجرؤ للنظر إليها ، بالرغم من أن وجهها جميل بشكل متألق .
وبالرغم من أنى شرحت لها ما تريد لمرتين ، شعرت بأنى أريد أن أتكلم معها مرة ثانية ... لا أعلم إذا كان ذلك كفضول منى أو هياما بها ... ربما كانا الإثنين معا . كانت هناك جاذبية داخلى ، وشعور لطيف نحوها أردت أن أتبينه . وفى عدة مرات كنت أهم بالطرق على باب غرفتها ، ولكنى لم أفعل ذلك مطلقا .
من إحتكاكى بالطلبة ، بدأت التعرف والإهتمام بالأديان الأخرى ، فقد بدأت الإحتكاك بطلبة من مصر والهند وباكستان واليابان والصين . وحتى هذه اللحظة ، كنت دائما أعتبر ظاهرة أستعراض الأنظمة الدينية المختلفة المختلفة ، بأن ذلك ضد عقيدة التوحيد . ولكنى الآن رأيت ، أن أساس العقائد متشابه إلى حد كبير ، ولكنها الرموز ، والطقوس ، والمقدسات هى التى تختلف . لربما كانت هناك قوة ، أو روح عالمية ، اخترقت كياننا ، كما كنت أعتقد . والرموز التى تعبر عن معرفتنا بهذه القوة ، تختلف بإختلاف الثقافات التى منها نشأت . هذا يفسر تعدد الأفكار . وبما أننا نتشكل حسب ثقافاتنا المختلفة ، فيمكننى الآن العودة إلى جذور دينى .
من الممكن الآن العودة ، ومشاركة أبى فى الذهاب لحضور القداس بالكنيسة . مراسلاتى المختلفة ، ومكالماتى التليفونية تشير إلى ما كنت أبحث عنه . يمكننى الآن الوقوف فى الصفوف الخلفية بالكنيسة ، كما كان يفعل أبى دائما ، منصتا باهتمام شديد للخطبة . على كل حال ، فكلماتها لم تصلنى ، فعلى ما أعتقد فالقس كان ، كأنه يخاطب أحدا غيرى ، هؤلاء الذين يعتقدون فيما يقول . وحتى هم ، أشعر أنهم لم يكونوا ينصتون له ، كما لم يفعلوا ذلك بالمرة فى أى وقت من الأوقات ، كما أتذكر . ولكن أنهم لابد أن يحصلوا على شئ ما من الإجتماع ، وإلا فلماذا يحضرون ؟؟؟ . وهذه لم تكن الحالة معى . وحينما كنا نخرج لأكل الفطائر بعد الكنيسة ، ، كان أبوى ، لمعرفتهم بشكوكى ، وبعدم اقتناعى ، يشاركونى تجاربهم الشخصية ، ويناقشونى فى هذه الشكوك ، وكنت أحبهم ، لمحاولاتهم هذه . كنت أعرف أنهم يحاولون مساعدتى . وقد حضرت الكنيسة ، لثلاث مرات متتالية . وكان من الصعب على ، أن أذكر لأمى ، بأنى لن أذهب معهم فى الحد الرابع ، حتى أنى لم أستطع النظر فى وجهها ، وأعطيتها ظهرى ، حينما جاءت لتوقظنى للذهاب للكنيسة . "الكنيسة ليس لى ماما" ، قلت لها ذلك . وكان هناك صمت لفترة وجيزة ، ربما للمحاولة فى أن تحثنى على الذهاب . ربما تكون قد أرادت ، أن تقول لى ، أعطى التجربة فترة أخرى ، وأن ثلاث مرات غير كافية للحكم . "حسنا بنى" ، قالت ذلك أمى أخيرا . بنغمة من اليأس والإنسحاب ، بقلب أم محبة وتتألم من طفلها الذى لا تستطيع مساعدته . أحسست رغبتى فى أن أقوم من السرير لأحتضنها ، وأتأسف لها . ولكنى لم أستطتع حتى الإلتفات إليها . بقيت صامتة بجوارى للحظات ، ثم سمعت وقع أقدامها تاركة الغرفة .
كان وجودى فى سان فرانسسكو ، لأبدأ من جديد ، فالأماكن الجديدة مناخ للفرصص الجديدة . يمكنك أن تفعل فيها شيئا مختلفا وغير متوقع ، وذلك لأنك ما زلت غير معوف . أساتذتى حثونى على أن أبحث عن مكان آخر ، ولكنى فضلت جامعة سان فرانسسكو للعمل فيها . لم أكن أعرف السبب . لم تكن مدرسة أبحاث ، كما أنى لم أكن أحب المدن الكبيرة . في بدايةِ الفصل الدراسي، حياتي الشخصية كَانتْ مثيرةَ وفوضويةَ . قررت أن أعيش لحظتى ، ولا أفكر فى المستقبل ولا الماضى . كان رائعا أن تحصل على مرتب حقيقى ، بدلا من مصاريف الإعاشة التى كنت أحصل عليها كطالب خريج كما تعودت .
كنت على وشك البدء فى محاضرتى الأولى ، حينما ظهر هذا الشاب العربى الوسيم ، ذو ملامح ملكية ، فى الباب الخلفى للقاعة - وأدلف إلى الحجرة . كان طويل القامة نحيف ، ويلبس ملابس تعكس حسن الذوق . ألتفت إليه كل من كان فى المحاضرة ، اعتقدت أنهم ربما وقفوا له . كان من الواضح أن الكل يعرفونه ، وأنه يعرف الجميع ، حيث وزع عليهم ابتساماته ، وإيماءته المؤدبة ، والكل يضحك وهو يأخذ مقعده . حدث تغير فى جو المجموعة .
كان لمحاضرتى علاقة بالأبحاث الطبية ، وسألت عما إذا كان أحد الطلبة له إلمام بالموضوع ليشارك ؟؟؟ فرفع هذا الشخص يده ، وأحسبه أنه أحد الأمراء . وبلهجة انجليزية سليمة ، وثقة فى النفس ، أخذ فى شرح الموضوع للصف . سألته ما اسمك ؟؟؟ قال اسمى "محمود قنديل" . فقلت له ، الظاهر أنك تعرف الكثير عن الطب ، هل هذا مجال دراستك ؟؟؟ أجاب بالنفى ، لا لقد قرأت هذا الموضوع فى احدى المجلات من أيام .
"حسنا ، وشكرا للمشاركة ، أعتقد أنه سيكون لك مستقبلا فى الطب ، ومن الآن سأدعوك ، دكتور "قنديل" ، ابتسم ممتنا للمجاملة .
وأخذ على عاتقه ، أن يرينى سان فرانسيسكو . وأينما ذهبنا ، وجدت الناس تعرفه "تحبه ربما كانت كلمة أليق": عمدة المدينة ، رئيس البوليس ، نجوم الروك ، أصحاب الصيدليات ، حتى بعض الناس فى الشارع . كان كريما جدا ، ويشعر أقل الناس بأنهم مهمين . فى نفس الوقت ، كان متفتحا ومتواضعا >
لا يمكنك إخفاء شئ عن محمود ، فهو قد قبلك كما أنت . مهارته الكبيرة كانت مع الناس !!! يمكنه اكتشاف ما يؤلمك ، ويجعلك تنساه ، على الأقل مؤقتا . كان ساحرا ، مرحا ، من الصعوبة أن تتقدم عليه خطوة فى أى موضوع . لقد ذهبت معه لأماكن كثيرة ، ورأيت كيف الحفاوة به . كان عالما لم أره من قبل ، سيارات فارهة ، ملابس ، مجوهرات ، مطاعم ، مأكولات شهية ، يوخوت ... الكثير من الرفاهية . تألق فى كل اتجاه -- كالثلج !!! ولكن مناقشات باردة ، لا حياة فيها ، ليس لها معنى . كنا كنجوم تافهة نلعب أدوارا ثانوية . كل منا كان يبحث فقط عن قضاء وفت طيب ، مشغول بأن يكون "فى" ، "ومعها" ، "ومودرن" . لم تكن هناك بهجة ولا سعادة ، ضحكات فارغة . لم أشعر فى السابق بهذه المعاناة ، كما شعرتها فى هذا الوقت بالذات . لم أنسجم مع هذا المجتمع ، ولم أكن أريد ذلك . وبالرغم من أن محود قد لعب هذه اللعبة ، إلا أنه هو أيضا لم يكن من هذا النسيج . أساسا ، فهو رجل متواضع وكريم . جاذبيته ، كانت نتيجة لبراءته ، وأمانته ، وروحه الطفولية ، وهذه الصفات لم تلوث ، رغم وجوده فى سان فرانسيسكو ، وذلك بأعجوبة . ولم أكن أنا فقط الذى يفتقد شيئا ما ، فمحمود أيضا كانت له معاناته الخاصة . لولا آلامه هو ، لما كان يستطيع أن يخفف آلام الآخرين . وكنت أتنمنى له منكل قلبى ، أن يجد ضالته .
قدمنى محمود لعائلته . لم يتضح لى فى البداية ، من يعول من !!! ولكنهم ذكروا الكثير عن أنفسهم أكثر مما ذكرت لهم عن نفسى . كان محمود هو الإبن الأكبر ، وله وضع المسئولية عن العائلة فى نظام الأسرة السعودية . وأخوه عمر ، كان طالبا نابها ، فى المواد العلمية بجامعة كاليفورنيا - بيركللى . وأختهم راجيا ، كانت أيضا طالبة فى نفس الجامعة ، تحمل كل الطيبة والنقاء . هوازن كانت خطيبة محمود الشابة . تشع عينيها بالذكاء الوقاد ، والإبتسامة الحلوة . وقد مات والده وهم أطفال ، وما زال الحزن يتغشاهممن حين لحين . أما والدته فتعيش وحيدة بالعودية ، وحولها مجموعة من الخدم يرعونها .
الفترة التى قضبتها معهم فى النزهة أو فى اليخت بالبحر أو فى تناول الطعام معهم فى منزلهم ، كانت من أجمل الفترات التى مررت بها منذ وقت طويل .
لم ننكن نتاقش فى الدين كثيرا ، وحينما يحدث ذلك ، فتكون أسئلتى هى الدافع للنقاش . لم أكن ألح فى السؤال ، لأنى كنت أفضل أن تبقى صداقتنا بعيدة عن مثل هذه الأمور . وقد شعرت بأنهم أيضا يرحبون بهذا الوضع . ولذلك فقد فوجئت حينما أهدى إلى ترجمة لمعانى القرآن الكريم من الأخ الأصغر ، وبعض الكتب عن الإسلام . كنت أعرف أنهم مرتبطين بعقيدتهم ، ولكنهم لم يكونوا ملتزمين بها بدقة ، كما أنهم لم يكونوا على صلة بأحد من ذلك الصنف . لا أعلم من هو الذى بدأ الفكرة لإعطائى الترجمة . فعمر كانت لديه الروحانية ، وراجيا عندها الشفقة ، كما أن محود يعرفنى جيدا . هل ذلك لأنهم أحسوا بعدم سعادتى ؟؟؟ على كل حال قبلت الهدية ، وشعرت أنها مشاركة شخصية منهم . وفى المقابل سأقرأه وأحاول أن أفهم ما وراءه . لا تستطيع أن تقرأ القرآن إلا إذا كنت جادا فى قراءته . إما أن تستسلم له ، وإما أن تدافعه .
من البداية القرآن يهاجمك بعناد ، وبشكل مباشر ، وشخصى ، ويناقشك ، وينتقدك ، ويضع العار عليك ، ويتحداك . من البداية يبدأ معك المعركة ، وقد كنت معه فى الجانب الآخر . لقد كنت فى الجانب الضعيف ، فالمؤلف يعرفنى أكثر من نفسى . الفنان قد يرسم العين تتابعك أينما ذهبت ، ولكن كيف يتسنى لمؤلف كتاب مقدس أن يتابع أفكارك ، ويتوقعها فى تقلباتك اليومية ؟؟؟ القرآن الكريم دائما يسبق ما أفكر فيه ، يزيل حواجز وضعتها أمامه منذ سنين طوال ، ويجيبنى على أسئلتى .
كنت كل ليلة ، أضع أسئلة واعتراضات ، وفى اليوم التالى أجد فيه الإجابة عليها .
الظاهر أن المؤلف كان يقرأ أفكارى ، ويضع الإجابة عنها فى الأسطر التالية التى سأقرأها !!! لقد وجدت نفسى خلال صفحات القرآن الكريم ، وكنت مرتعبا لما أراه . وجدتنى مدفوعا لزاوية لا أستطيع فيها إلا خيارا واحدا !!!
لابد أن أتكلم مع أحد ... ولكن ليس عائلة قنديل ... أكلم أحدا لا يعرفنى حتى لا يكون لديه أى توقعات . وفى يوم السبت ، كنت فى حديقة البوابة الذهبية ، متجها للخلف لمرتفعات دياموند ، وذلك بعد رياضة المشى اليومية .، وخطر لى حل : أن أذهب لمسجد الطلبة المسلمين فى يوم الإثنين .
( 5 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الأول
تشكل كنيسة سانت إجناتييس ، الواقعة فى قمة جولدن جيت بولفارد ، مصدرا للفخر لجامعة سان فرانسيسكو . ويحتوى كتالوج الجامعة على عدة صور لها من زاوايا مختلفة . فى أحد يوم الأربعاء ، وقد كان يوما مشرقا عليل النسمات ، وقفت خارج المركز العلمى هارنى ، حيث يقع فيه مكتبى ، أنظر إلى الكنيسة . وفى خلف هذه الكنيسة بالسرداب ، يقع مسجد للمسلمين ، فقد كان اليسوعيون يسمحون للطلبة بإقامة الصلاة فيه (فى الواقع فقد كان عرفة صغيرة) . وعكس ما كنت أخطط له ، فلم أذهب بعد للمسجد . بل ما زلت مترددا ، هل قرارى هذا سليم ، أم أنى تسرعت فيه ؟؟؟ وفى النهاية ، قررت الإقدام على تنفيذه ، واضعا فى اعتبارى ، أننى فقط سألقى بعض الأسئلة لا أكثر . وراجعت فى نفسى المقدمة التى سأبدأ بها ، وذلك أثناء تقدمى لموقف السيارت للكنيسة . الدرج المؤدى للمسجد إلى أسفل كان للشمال ، كما سبق أن وضحه لى أحد الأمريكان من فترة ، ملقيا و وجهى بعض النكات ، قائلا "هناك إشاعات تقول بأنهم بعض يحفظون يعض الجثث ملقاة هناك" .
وصلت إلى أعلى الدرج ، وألقيت نظرة على الباب بالأسفل ، وكانت عليه كتابة باللغة العربية ، لا شك فى هذا . وشعرت بنبضات قلبى تتسارع ، مما زاد فى قلقى . وقررت أن أسأل أحدا فى الكنيسة ، إذا كان هذا هو المكان الصحيح للمسجد . وذهبت إلى المدخل الجانبى ، وقد كان الظلام يغطى المكان . مررت بجوار صورة المسيح ، ولكنى لم أركع له . عجيب أن مناقشة الأفكار سابقا ، قد انطبعت فى تصرفاتك .
سألت شخصا ، "هل تدلنى على المسجد أين هو ؟؟؟" . كنت مضطربا ، فقد كانت انطباعاته مزيجا من الدهشة والإمتعاض . ولم أنتظر إجابته ، وعندما خرجت من المكان ، تنهدت مرتين ، كم جميلا أن تعود للشمس مرة ثانية . كنت فى حاجة للراحة بضع دقائق . وحمت ثانية حول الكنيسة لأرى إن كان هناك مدخلا آخر للمسجد . وفعلا وجدت المدخل ، ولكن الباب كان موصدا . وبذلك عدت كما بدأت ، بجوار التمثال .
كنت قلقا ، ومتضايقا بعض الشئ وأن أنزل الدرج ، وفى منتصف الطريق كان صدرى يضيق ، وقلبى يسارع فى النبض ، وحاولت صعود الدرج مرة ثانية .
"مهلا دقيقة" ، وأنبت نفس ! ماذا أنت فاعل ؟؟؟ تريد أن تنتعش بالشمس المشرقة ، وفى كل يوم وأنت ذاهب لمكتبك ، وهناك طلبة فى هذا المكان المظلم ، يطلبون وجه الله !!!
أخذت نفسا عميقا ، وبدأت فى النزول أسفل الدرج مرة ثانية . وفى منتصف الطريق كان الأسوأ !!! حينما وصلت للأسفل ، شعرت بانقباض . قدماى التى كانت تسير يوميا سبعة أميال ، تضعف أن تتحملنى الآن . وصلت لمقبض الباب . يداى ترتجفان . العرق يتزايد . عدت أدراجى للأعلى .
تسمرت هناك وظهرى للمسجد . لا أعلم ماذا أفعل . شعرت بالخجل والهزيمة . وبدأت فى العودة لمكتبى . مرت بعض الثوانى وأنا أحملق فى السماء ، كانت واسعة ، غامضة و مريحة . لقد حاربت عشر سنين فى التوجه إلى الله ودعائه ، ولكن مقاومتى إنهارت الآن فقلت "يا إلهى ! إذا كانت إرادتك لى أن أنزل إلى مكان المسجد ، فامنحنى القوة لفعل ذلك" . وانتظرت . لا شئ ! كنت أتمنى أن تميد الأرض من تحتى ، أن أتلقى وميض ضوء ... وإذا بى أدور 180 درجة عائدا للمسجد ، وفتحت الباب ودخلت .
"هل تبحث عن شئ ؟؟؟"
لقد قطعت حديثهم . كانوا يقفون أمامى ناحية الحائط الأيسر ، بقدمين بلا أحذية ، وكانوا أقصر منى قليلا . كان أحدهم يرتدى ملابس شرقية ، مع غطاء رأس مستدير أبيض ، والآخر يلبس ملابس افرنجية .
نسيت ما كنت أخطط له . "هل عمر أو محمود هنا ؟؟؟" ، هذا ما صدر منى . وبدأت مرة ثانية فى القلق .
"ما هو اسمهم الآخير ؟؟؟" ... والرجل بلا غطاء رأس بدأ فى الشك .
"قنديل" ... قالا ... لا يوجد أحد هنا سوانا .
"آسف ... ربما أكون فى مكان خطأ" . ودرت لأعود أدراجى .
"هل تريد أن تعرف شيئا عن الإسلام ؟؟؟" . قال ذلك الشخص الذى يرتدى غطاء الرأس .
"نعم نعم فعلا أرغب فى ذلك" ، وتوجهت نحوهم .
"هل تسمح بخلع نعليك" طلب منى ذلك بأدب .
وبدأ الذى يلبس الملابس الشرقية فى الكلام ، والآخر ينظر إلى تعبرات وجهى .
جلسنا على الأرض فى الركن الأيسر .
عبد الحنان طالب من ماليزيا ، ومحمد يوسف الطالب الآخر ، من فلسطين . وذكرت لهما ما أعرفه عن الإسلام ، فكانوا معجبين ومندهشين من معلوماتى ، وقد تكلمنا لحوالى ربع الساعة . سألت بعض الأسئلة السطحية ، ولكن الإجابة لم تكن كما توقعتها .
تكلم عبد الحنان عن الملائكة تضرب أرواح الكفار فى القبر ، وعن عذاب القبر الذى سيلاقيهم . فتظاهرت بالإستماع ، ثم قلت لهم أن عندى محاضرة وأريد الذهاب . "وهذه حيلة كثيرا ما تنفع" وشكرتهما وحاولت العودة .
وبينما كنت على وشك الإنصراف ، إذ بالباب يفتح وأرى ظل رجل فى المدخل ، فقد كانت الإضاءة ضعيفة فى الحجرة ، له لحية كثة ، ويلبس جلبابا قصيرا بعض الشئ ، وعلى رأسه عمامة . كان كأنه موسى عليه السلام عائدا من جبل سيناء . شكله له سحر ، مما اضطرنى للبقاء .
دخل بهدوء ، وكان من الواضح أنه لم يشعر بوجودنا . تمتم بشئ لمحمد ، ثم دخل غرفة المغسلة .
هذا الأخ "غسان" ، إمام المسجد والذى يؤم المصلين فى الصلاة . ذكروا لى ذلك بحيوية وانشراح . ولكنى أعلم من قراءتى بأن المسلمين ليس عندهم كهنة رسميين ، فأيا منهم يمكنهم الإمامة فى الصلاة ، قلت ذلك لهما . فقال محمد "نعم من الممكن أن أؤم أنا أو عبد الحنان أو أى شخص" . وبعد دقيقة عاد غسان للحجرة ، فأفسح له الطالبان مكانا ليجلس فيه . وضع يديه على ركبتى ، وسألنى ما هو اسمك . وكان هو أول من سألنى عن اسمى ، فلم يفعل ذلك نحند أو عبد الحنان ، قلت له "جيف لانج"... هل أنت طالب فى الجامعة ؟؟؟ ، وذلك لأن ملامحى تظهر أنى أصغر من سنى الحقيقى . فقلت له "لا ، أنا مدرس رياضيات بالجامعة" . فاتسعت حلقتى عينيه وهو ينظر للآخرين . ثم استأذنى غسان ، لأنهم سيصلون صلاة العصر . وبدأوا فى الصلاة .
بدأ غسان المناقشة ، "ما الذى جعلك تهتم بالإسلام ؟؟؟" . فقلت لقد قرأت عنه ، وأخذنا نناقش بعض الأمور الفنية ، ولكننا لم نكن متواصلين فى النقاش . وانتهى ما فى جعبتى من أسئلة ، كما انتهى ما فى جعبتهم من إجابات ، فهممت بالإنصراف . فسألنى "هل لديك أسئلة أخرى ؟؟؟" . فقت لا .
وفجأة خطر لى سؤال لا أعرف كيف أصوغه ، فسكت لحظة ثم قلت "هل تستطيع أن تخبرنى ، ماهو شعورك بأن تكون مسلما ؟؟؟ أعنى كيف ترى علاقتك مع الله ؟؟؟" .
عرفت فيما بعد بأن غسان له وضعه هنا وفى الخارج ، كزعيم روحى ، وله قدرة على محاورتك فى كثير من الأمور والقدرة على إقناعك ، بمعنى آخر له هيبة وحدس .
كانت أول كلمة تصدر منه ، عبارة عن خشوع ونداء "الله" ، ومد فيها طويلا . ثم سكت وأخذ نفسا عميقا . "إنه الكبير ونحن لا شئ بجوار عظمته ، نحن أقل من ذرة رمل بجواره" . "وبالرغم من ذلك فهو يحبنا ، ويكرمنا ، ويرحمنا أكثر من رحمة الأم مع رضيعها" . شعرت أنى قد فجرت فيه كل العواطف بسؤالى هذا .
"ولا يحدث شئ إلا عن إرادته" ، ووضع يديه على صدره ، "لا نتنفس إلا بأمره ، ولا نخرج النفس إلا بأمره ، لا نحرك أرجلنا إلا بأمره ، لا تسقط ورقة من شجرة إلا بأمره ، لا نتكلم إلا بأمره ، وحينما نسجد لعظمته على الأرض نشعر كمسلمين بالسعادة الغامرة تغشى قلوبنا ، نشعر بالقوة التى يمنحها لنا ، ولا توجد كلمات يمكن التعبير بها عن شعورنا تجاه عظمنه . لابد من أن تذوقها بنفسك ... فلو أراد شخص أن يشرح لك طعم شئ لم تذقه ، فلن يستطيع ، إلا أن تفعل ذلك ، لابد من التجربة" .
بقى هادئا لعدة ثوان ، كأنه يريد أن تتفاعل الكلمات معى ، وفعلا كنت أود أن نتبادل المواقف ، ولو لبضع دقائق ، لأشعر بالرغبة ، والعاطفة ، والشوق للإله . كانت كلماته تخرج من القلب ، ولا تملك حياله إلا التسليم للإيمان .
أردتُ معْرِفة الصفاءِ والعذابِ،الرجاء والخوف، وأن أتمرّد على التفاهةِ التى أعيش فيها ، وأن إستسلمِ للإيمان . إشتقتُ أَنْ أُنتعَشَ مِنْ هذا الموتِ الروحيِ .
واصطك بأذنى هذا السؤال ، "لذا، هَلْ تَرغَبُ فى أَنْ تَكُونَ مسلما؟" . كان كالصريخ فى أذنى !!! ما الذى دعاه لهذا السؤال ؟؟؟ ماذا سأقول لعائلتى ، لأصدقائى ، لزوجتى السابقة ... أنا أعمل فى جامعة يسوعية ، ماذا سيكون موقفى فى عملى ؟؟؟ "أجبت على الفور .. لا ليس الآن على كل حال ، أنا مجرد أردت أن أطرح بعض الأسئلة" .
تمنيت أن لو كنت أنهيت الموضوع حينئذ . ما الذى سأفعله هنا ؟؟؟ شعرت بالتوتر يشل كل جسدى ، استعد للهجوم التالى !!!
كنت أعرف أنى لابد أن أكون أكثر صلابة هذه المرة ، ولكن جزءا منى كان يحن لسماع كلام غسان مرة ثانية . استقصاء ، وصول ، إلتماس ، توسل ، صلاة "لا تتركنى يارب بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة" . لاشك أن غسان قد مر بمثل هذا الموقف من قبل ، وهو يعلم أنه لا يجب عليه أن يستسلم بسهولة . فأعاد مرة ثانية بهدوء , "ولكنى أشعر بأنك تؤمن به ، لماذا لا تحاول ؟؟؟" .
تلاشت الأصوات والوجوه ، لا داعى لهذا الإنزعاج . أنا لا أدين لأحد بشئ ، لا غسان ولا الأصدقاء ولا لأى أحد . القرار قرارى أنا بمفردى . حينئذ تذكرت ما علمنيه والدى ، "اتبع مشاعرك ، دون النظر إلى الآخرين" . نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" .
يتبع
فارس الغربيه
2011-07-29, 06:57 AM
( 6 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الأول
نظرت إلى الثلاثة ، وقلت "نعم أريد أن أكون مسلما" .
تهللت وجوههم بالبهجة والإرتياح ، وذكرونى بمهندسى الناسا وهم يحطون على سطح القمر . فعجبت لماذا كل هذا الإهتمام ، هل تحولوا هم أيضا للإسلام ؟؟؟
على كل حال ، لم أتحول بعد رسميا ، وما زال أمامى إجراءات رسمية . فتح باب المسجد ثانيا ، وكان هناك ظل شخص آخر يلبس جبة وعمامة ، أضخم قليلا من غسان ، فقد كان الضوء خافتا .
"مصطفى" ... ناداه غسان . هذا الأخ يريد أن يدخل فى الإسلام .
كان وجه مصطفى أبوى كبير ، تهلل وأقبل يعانقنى .
"مصطفى" ، قال غسان ، عليه أن ينطق بالشهادتين ، وتراجع بهدوء . فلتعلمه ماذا يقول .
أخذ مصطفى يشرح لى معنى الشهادتين ، باللغة الإنجليزية ، ثم أتبع شرحه باللغة العربية ، طالبا منى ترديدها خلفه . "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" . رددتها وراءه ، وشعرت بالحماية ، والأمان ، والإنطلاق ، والحرية .
لقد غمرنى شعور من الحب ، وأحسست بحب الواحد الأحد لى . لقد عدت إلى حقيقتى مرة ثانية .
"الله" ... نطقها مصطفى . وكررتها مرتين خلفه .
بعد يومين ، أديت أول صلاة للجمعة فى المسجد . كان يوما مشرقا دافئا فى سان فرانسيسكو ، ووقفت فى الصف الثانى ، بينما غسان يرتل القرآن الكريم ، بطريقته المحببة المميزة . كانت التلاوة ببطء ، لها وقع موسيقى جميل ، وتخرج من فم غسان بعمق ، كأنه طفل تائه يلتمس أبويه بنغمة حانية . كنا نقف جنبا إلى جنب ، وكتفا إلى كتف .
"الله أكبر" ... وحين سماع الأمر نركع ويدينا على ركبتينا ، وظهورنا عمودية على أرجلنا . وتمتمت "سبحان ربى العظيم ... أحمدك يارب أن جئت بى إلى هنا" .
"سمع الله لمن حمده" ... "ربنا ولك الحمد" . وعدنا وقوفا ، فى حركة كأننا جسم واحد . لقد صليت أربع صلوات فى المسجد مع آخرين ، ولكن ليس بهذا العدد . الآن يوجد بالمسجد ثمانون شخصا ، فى هذه الغرفة الضيقة . شباب من كل بقاع العالم ، يمثلون ربما حوالى عشرون دولة ، يحيُون معنى الأخوة .
"الله أكبر" ... انحنينا بسيولة وبشكل رشيق ، إلى الأرض ، أولا على ركبنا ، ثم وضعنا أصابعنا على الأرض ، ثم جباهنا على السجاد ، "سبحان ربى الأعلى" كررتها عدة مرات ، مناجيا ربى "اللهم لا تجعلنى أعود لما كنت فيه" .
"الله أكبر" ... جلسنا على الأرض فى صفوف خلف غسان ، وكنت فى الصف الثالث ، فقد كان غسان يقف فى الأول بمفرده .
"الله أكبر" ... سجدنا على السجاد ذو الخطوط الحمراء والبيضاء ، ثم جلسنا مرة ثانية . وشملنا الهدوء ، كأن الصوت قد أغلق .
وحينما نظرت إلى الأعلى ، وجدت غسان إلى شمالى فى المنتصف ، أسفل الشباك ، والضوء خافت من خلاله ، وكان بمفرده دون صف بجانبه ، وكان يلبس جلبابا أبيضا طويلا ، وعلى رأسه غطاء أبيض بخطوط حمراء .
"الرؤية" صرخت من داخلى . "الرؤية بالضبط" ، لقد كنت قد نسيتها بالمرة ، والآن ذهلت وارتعبت . هل أنا فى حلم ؟؟؟ هل سأستيقظ منه ؟؟؟ وأخذت أتلفت حولى لأطمئن أنى لست نائما !!! أحسست ببرودة شديدة ، جعلتنى أرتعش . يا إلهى !!! إنها حقيقة . وفجأة شعرت ببعض الدفء ، فقد انهمرت الدموع من عينى !!!
"السلام عليكم ورحمة الله" ... التفتنا إلى اليمين ورددنا الكلمات .
"السلام عليكم ورحمة الله" ... التفتنا إلى الشمال ورددنا الكلمات ... وانتهت الصلاة .
جلست على البساط ، وأخذت أحملق فى الجدران وأفكر لمدلول هذه الرؤى !!! ... شئ غريب هذه الرؤى ، وهناك الكثير الذى لا نفهمه !!! ولكن مهما كانت الآلية خلفها ، ففى هذه الرؤية ، رأيت خلالها تفاصيل حياتى --- أشياء فعلتها .. أناس قابلتهم .. فرص مرت بى .. خيارات اخترتها لم يكن لها معنى فى حينها --- كلها أدت إلى هذه الصلاة وكانت تتويجا لإستسلامى للإيمان . الآن أشعر بأن الله كان دائما قريبا منى يوجهنى ، ويخلق لى الفرص لأختار ، تاركا الإختيار لى .
كنت شارد الفكر عن حقيقة القرب والحب لله الموحى بها للبشر ، ليس لأننا نستحقها ، ولكنها هناك لمن يطلبها منه سبحانه وتعالى .
لا أستطيع أن أقول بالضبط ، ما معنى هذه الرؤية ، ولكنى أرى فيها فرصة جديدة للثبات على الإيمان .
انتهى الفصل الأول "الشهادة" ... ويتبع الفصل الثانى "القرآن الكريم"
ولهذا أول ما أنزل للبشر ، من خلال رسول الله عليه السلام ، "إقرأ" ، والقراءة والقلم هما من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية ، وكما قال "محمد أسد" الذى اعتنق الإسلام ، أن القلم يشير إلى الكتابة ، والكتابة تشير إلى العلم ، فالكتابة هى التى تربط بين أفكار الأفراد بعضهم ببعض ، وهى الصلة بين الثقافات ، وبين الأجيال جيلا بعد جيل ، فهى التى تحفظ التراث فلا يذهب هباء ، بل يتراكم على مر العصور ، فالحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ، وأعطانا القدرة لكى يشارك بعضنا البعض ، وهو الذى علمه البيان ، وبالرغم من ذلك ، فهذا الإنسان الذى خلق من نطفة ، حينما يظن أنه قد استغنى فإذا به يطغى فى الأرض ، وينسى أنه راجع إلى ربه فملاقيه . هذا الجحود هو سمة هذا العصر ، فالرجل العصرى ، يظن أن ما توصل إليه من علم يجعله فى غنى عن خالقه الذى وهبه كل إمكانياته التى تكرمه عن كثير ممن خلق .
وهكذا فى سورة العلق فهناك تأكيدان ، الأول أن الله خالقك ، والثانى انه هو الذى علمك وأعطاك القدرة والرغبة فى التحصيل ، والآيات "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8}" . تشخص حال الإنسان المعاصر الذى تخطى كل الحدود ، وأنكر نعم خالقه عليه .
فهذا التحدى المزدوج ، الخلق والعلم ، يجعلانك تتحسس موقعك من الحياة ، ونسبتهما إلى الله سبحانه وتعالى ، هما فى الحقيقة مدخل كثير ممن اعتنقوا الإسلام حديثا .
وقبل أن نستمر فى هذا الموضوع ، أحب أن أتكلم عن أسلوب ترجمات القرآن الكريم .
( 7 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
القرآن الكريم ، فى أذهان كثير من المسلمين قد سمى وارتفع على التحديات الغربية ، وهو القوة الدافعة للصحوة الإسلامية . هو بالنسبة لأكثر من مليار مسلم يشكل "الهداية والرحمة الخاتمة والنعمة الموحاة من الله سبحانه وتعالى ، إلى البشرية ، الحكمة والجمال فى التعبير النهائى لهم ، بالإختصار (كلمة الله)" .
ولكن ، ماذا عن المهتدين الجدد من الغرب ؟؟؟ أولئكم الذين هم بعيدون عن الثقافة والعادات واللغة ، الذى يشكلها هذا الكتاب المقدس ويعلمها لأتباعه ... ما تأثير وأهمية هذا القرآن لهم ؟؟؟
هذا السؤال ليس ضروريا لأنه ليس كل معتنق لدين جديد يكون على معرفة بكتاب هذا الدين المقدس . ومن المحتمل إلا يسأل عنه ، كالبوذية والهندوسية والنصرانية ، مثلا .
أما فى الغرب ، فكل متحول أو متحولة للإسلام ، يتكلم عما تركه القرآن فى حياته .
فى الحقيقة ، فعامة المؤمنين بالإسلام ، فالقرآن بناء أساسى فى دينهم ، فتلاوته يوميا فى الصلاة فرض عليهم . ولهذا فكل من دخل الإسلام حديثا ، لابد أن يحفظ بعضا من سوره مع ترجمتها ليتفهمها ، وهذا يحدث بسرعة كبيرة . هذا الإتصال اليومى بالقرآن الكريم ، يؤدى إلى مزيد من دراسته ، ويقول عدد كبير من المتحولين للإسلام ، بأنهم يقرأون أجزاء من ترجمة معانيه يوميا ، بالإضافة إلى ترتيل آيات منه فى صلاتهم . والكثير يتحمسون لدراسة اللغة العربية ، وهى التى بالنسبة للأمريكان شاذة جدا ، وقليل منهم أنتجوا تفاسير جديدة وتفاسير سابقة للمفسرين القدامى ومترجمى معانى القرآن .
لهذا ، فالقرآن جزء لا يتجزأ من حياة المسلم ، لهذا فالقرآن يعيش معك ويجيب على أسئلتك فى التو واللحظة ، يتفاعل معك .
وبالرغم من أن الإسلام ينتشر بسرعة فائقة فى الغرب ، إلا أنه مازال حديثا فيه . ومازال الذين ألفوا فى الإسلام من الغربيين قليلون ، كأمثال ، محمد أسد ، مارمادوك بكتول ، مارتن لينجز ، مريم جميلة و حامد ألجار . اليوم نحن نرى كثيرا من الأوروبيون يكتبون عن الإسلام ، وآخرون متعاطفون معه . وفى كتاباتهم ، قد نرى بعض التكرار . وهدفى فى هذا الفصل ، أن ألقى بعض الضوء على ما كتبوا ، كما سأضيف لها تجاربى الخاصة ، ومناقشاتى مع الآخرين لتتكامل كلها لتضئ الطريق لقبول القرآن الكريم . وبكلمات أخرى ، سأحاول تقديم نموذج للتحول إلى الإسلام .
أنزل هذا الوحى فى مواطنى القرن السابع الميلادى من العرب . وحينما سمعوه يتلى عليهم بلسانهم ، وجدوا فيه أسلوبا رفيعا ، ولغة قوية جدا ، وكما يقرر القرآن الكريم فقد قالوا على الرسول الكريم بأنه ساحر ، كما ورد فى هاتين الآيتين ::
( 1 ) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ {2} سورة يونس
( 2 ) وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {4} سورة ص
وما كان العرب فى هذا العصر أن يجدوا صعوبة فى فهم وتصور ما يسمعوه ، ويعرفوا الأفكار التى يرمى إليها ، وذلك لأنه بلغتهم وواضح ومبين .
وحينما يعلمنا القرآن بأن نسأل الله "اهدنا الصراط المستقيم" ( 6 ) سورة الفاتحة ، فالقارئ الغربى قد يفهم أن المقصود من "الصراط" ، ذلك الفرق الحساس والغامض بين عبادة الله سبحانه وتعالى وشخص آخر ، أو معنى آخر . أو أنك تسأل الهداية للإتزان الهش بين المادية والروحانية . فالمسافر فى الصحراء ، فى القرن السابع ، قد يحدث له مثل هذا الفهم ، لأن الفهم يتأثر بالحالة النفسية ، فهذا المسافر يرى فى السؤال الطلب بأن يهديه الله إلى الطريق الآمن والذى قد ينجيه من الموت أو من قطاع الطرق مثلا . "مداخلة : لا أتفق مع هذا الشرح ، لأن الطريق المستقيم فى السورة معرف بوضوح ، فهو طريق المنعم عليهم ، لا المغضوب عليهم ولا الضالين !!!"
إشارات القرآن للكتب السابقة ، وللميزان ، ولشراء الله للأنفس ، وللجزاء يوم القيامة ، ولإقراض الله ، وأن جزاء كل هذا أضعاف أضعاف ما قدم ، وصور كل ذلك على أنه بيع وشراء بين العبد وربه ، فقد كان العرب فى هذا الزمان ، تجار يعيشون على التجارة . وحينما يقارن القرآن حالة الكفار بحالة من يموت من العطش فى الصحراء ، أو يقارن بين البعث يوم القيامة وإحياء الأرض الموات بعد المطر ، أو حينما يصف الجنة بأمور جد حيوية ومثيرة ، فلنا أن نتصور وقع هذه الصور على الذين يستمعون إليها لأول مرة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لم يكن العرب فى عهد الرسالة الإسلامية ، ملحدون أو لا أدريون ، ولكنهم لم يكونوا متدينين بعمق . كانوا بنفس الصورة التى عليها كثير من البشر الآن ، تطلعاتهم للدين عابرة ، الإيمان بالدين مجرد جزء من التقاليد ، ملحق بالثقافة ، ويمارس فى مكان ووقت محدود ، ويلجأ إليه عند اللزوم . وبمعنى آخر ، كانوا عباد أصنام ، يعتقدون فى عدة آلهة ، ويظنون أن لها تأثيرا على حياتهم الشخصية . مشكلة القرآن مع العرب ، ليست فى أنهم لا يعتقدون فى وجود الله ، بل فى اعتقاداتهم الخاطئة فى الله سبحانه وتعالى ، والتى أدت إلى تعزيز الفسوق .
جاء القرآن للإصلاح والتعديل ، لا للبداية من الصفر ، وقبول ما كان صحيحا والبناء عليه وتعديله إن كان فى حاجة لتعديل . جاء ليفكر العرب فى الدين بطريقة جديدة ، ويغرس فيهم مفاهيم جديدة ، وأطرا يرجعون إليها ، لتنقلهم من نظرة عالمية محدودة كانوا يعيشونها لنظرة عالمية أخرى ، أرقى وأعلى . هذه العملية التحويلية ، أخذتهم من تقليد الآباء ، إلى المسئولية الفردية ، من الفوضى إلى النظام ، من الجهل إلى العلم ، من الحدس إلى السببية ، وفى النهاية ، توافق كل هذه الأمور .
وفى المجتمع الأوربى المعاصر ، فالوضع هو تقريبا ، عكس ما جاء به القرآن . نظريات الإنتقاء الطبيعى ، أو التطور بالصدفة ، مما جعل الدين لا يوضح حقيقة الوجود .
ونجح علم النفس الحديث ، فى شرح أن القيم ، والميول الروحية ، والفضائل ، والمبادئ الأخلاقية ، التى يعيشها الغرب ، هى نتاج تطورات اجتماعية ديناميكية ، ولهذا فهى ليست "حقيقية" أو "مطلقة" ، ولكنها فقط شئ "نسبى" ، نتيجة لتصوراتنا واسعة الإنتشار . فوجود الله عند الغربيين لا ضرورة له ، ويحل محله العلم والمنطق . نتيجة لهذا ، فالذين يتحولون للإسلام منهم يختلفون عن كفار الجزيرة العربية الذين تحولوا من الشرك إلى الإسلام منذ أربعة عشرة قرن . النهاية واحدة ، ولكن الجذور السابقة مختلفة . المتحولين الآن للإسلام ، ينتقلون من الفردية فى الحكم على الأشياء إلى قبول تشريع علوى ، من المادية البحتة إلى المادية والروحانية معا ، من المحسوس إلى الغيب ، وبالأحرى ، تناغم كل ذلك معا .
ملاحظات أولية
ملحوظة : هذه الفقرة سأضطر لترجمتها بالمعنى ، وذلك لأنها فلسفية بعض الشئ وتحتاج للتبسيط حتى يمكننا فهم ما يقصده الكاتب .
تحديات للتدبر ( A Challenge to Reason) :
بالنسبة للأمريكان ، فمجرد الإيمان هو اللب ، وهو المطلوب، والمقصود من التدين "مداخلة : وبالنسبة للمسلم (الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل)" .
وبالنسبة لى .. أثناء بحثى عن الله ... فقد كان لقائى مع الطالب القائد ، وبعد مداولات وشرحه لى ، ماذا يعنى الإسلام له ، فقد كانت هذه المناقشة نقطة حاسمة فى تحولى للإسلام . وفى هذا الكتاب ، أطرح محاولاتى حتى أصبحت مسلما .
هذا التصور ، لا يعنى ان الإعتقاد فى وجود الله سبحانه وتعالى ، يجب أن يكون لا عقلانى ، وبالأحرى ، يجب التأكيد على المشاعر والروحانيات . فالسؤال "ماذا يعكس ذلك الإيمان لك وعليك ؟" ، هو سؤال مشروع . ومع ذلك فهو ليس السؤال الوحيد ، فالإيمان يجب أن يكون أكثر من إعمال للفكر أو لقاء مع الروح . والتركيز على جانب واحد فقط من هذين العنصرين ، يؤدى إلى إهمال للعنصر الآخر والإنسان خلق من مادة وروح .
فالحماسة التى تعترى المسلم وهو يتحاور فى الأديان ، ترجع لسببين أولهما : لأنه لا يفصل بين الدين والدنيا ، كل حياته بشقيها مقدسة . "مداخلة : "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} سورة الأنعام" وهو يرى فى الحقيقة أن كل حياته مرتبطة بأسماء الله الحسنى ، وهو يستمر فى الدعاء له ، فى كل حدث يحدث له . فكل حياته هى ممارسة للإيمان . وإذا كان غير المسلم يرى فى هذا التصرف شكلية ، فإن المسلم يراه ملائما وطبيعيا ، وكيف لا يكون ذلك ؟ والله سبحانه وتعالى متصرف فى كل صغيرة وكبيرة من حياتنا . ولذلك فحينما تطلب من المسلم أن يحدد أماكن ممارسة إيمانه ، أن تطبق الدين هنا ، ولا تطبقه هناك ، لا يفهم ما تطلبه منه ، فهذا خارج عن مفاهيم الإسلام .
السببالثانى : المسلم يرى أن الإسلام لا يناقض الفطرة ، بل هو دين الفطرة ، والحكمة والعقلانية وراء كل مَسلَْمَة من عناصره . وبالرغم من الإعتراف بمحدودية العقل عند الإنسان ، إلا أن الإسلام يعلى شأن العقل والتعقل فى محكم كتابه ، ويحث على التفكير والتدبر فى آياته ، فهذا شئ حيوى للإيمان بالخالق العظيم ، وبكتابه الموحى به .
ويركز القرآن الكريم على مفهوم العقل والتعقل للوصول إلى الإيمان . وهذا ما أقر به كثير من المستشرقين ، وكمثال ، فيقول رودنسون "Rodinson" "يشير القرآن كثيرا إلى الأدلة العقلية على قدرة الله المطلقة وعجائب الخلقة ، فيتكلم عن التناسل الحيوانى ، وحركة الأجرام السماوية ، والظواهر الجوية ، والتنوع فى الخلقة ، وتسخير ما خلقه الله للإنسان (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {190} سورة آل عمران) .
ويستطرد بعد قليل ، ليقول :
"ذكرت كلمة يعقلون ومشتقاتها فى القرآن الكريم أكثر من خمسون مرة ، منها حوالى ثلاث عشرة مرة بصورة الإستفهام الإستنكارى (أفلا تعقلون ؟) . ثم يذكر الآيات التى وصفت من لا يُعملون عقولهم بأنهم كالأنعام بل هم أضل ، وهؤلاء الذين يقلدون ما كان عليه آباءهم ، دون التفكر فيما إذا كانوا على حق أم فى ضلالة ...... وهكذا .
ولهذا أول ما أنزل للبشر ، من خلال رسول الله عليه السلام ، "إقرأ" ، والقراءة والقلم هما من أجل نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية ، وكما قال "محمد أسد" الذى اعتنق الإسلام ، أن القلم يشير إلى الكتابة ، والكتابة تشير إلى العلم ، فالكتابة هى التى تربط بين أفكار الأفراد بعضهم ببعض ، وهى الصلة بين الثقافات ، وبين الأجيال جيلا بعد جيل ، فهى التى تحفظ التراث فلا يذهب هباء ، بل يتراكم على مر العصور ، فالحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ،
وأعطانا القدرة لكى يشارك بعضنا البعض ، وهو الذى علمه البيان ، وبالرغم من ذلك ، فهذا الإنسان الذى خلق من نطفة ، حينما يظن أنه قد استغنى فإذا به يطغى فى الأرض ، وينسى أنه راجع إلى ربه فملاقيه . هذا الجحود هو سمة هذا العصر ، فالرجل العصرى ، يظن أن ما توصل إليه من علم يجعله فى غنى عن خالقه الذى وهبه كل إمكانياته التى تكرمه عن كثير ممن خلق .
وهكذا فى سورة العلق فهناك تأكيدان ، الأول أن الله خالقك ، والثانى انه هو الذى علمك وأعطاك القدرة والرغبة فى التحصيل ، والآيات "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى {7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {8}" . تشخص حال الإنسان المعاصر الذى تخطى كل الحدود ، وأنكر نعم خالقه عليه .
فهذا التحدى المزدوج ، الخلق والعلم ، يجعلانك تتحسس موقعك من الحياة ، ونسبتهما إلى الله سبحانه وتعالى ، هما فى الحقيقة مدخل كثير ممن اعتنقوا الإسلام حديثا .
وقبل أن نستمر فى هذا الموضوع ، أحب أن أتكلم عن أسلوب ترجمات القرآن الكريم .
( 8 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
الترجمات والخواص المتميزة فى القرآن الكريم :
حينما يقرأ المسلم ذو اللسان العربى القرآن الكريم ، فإنه يجد فيه الروعة والرقى والحلاوة والترابط والحكمة . أما غير العربى ، فإنه يعتمد على ترجمات المستشرقين ، التى تصور القرآن الكريم بعدم الترابط والتهافت والملل .
من أحد أسباب هذا الإختلاف الجذرى فى التصور ، أن الذين يقومون بالترجمة من المستشرقين الغربيين ، أو حتى من العرب ، لم يكونوا يملكون مفتاح اللغتين ، العربية واللغة الأخرى المترجم القرآن إليها . وهنا يكمن لب المشكلة ، فالترجمة الصحيحة تحتاج إلى إجادة قواعد اللغتين ، والتمكن منهما والعيش معهما وفيهما . لغة القرآن ، كما يقول علماء اللغة العربية ، معجزة ، كان عرب شبه الجزيرة العربية ، أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفهمونها حق الفهم ، وكذلك القرون التالية . وحتى العرب الذى أسلموا فيما بعد ، فقد يجدون صعوبات فى فهم كتابهم المقدس ، وهذه الصعوبات أحرى بمن يتناولون الترجمات .
وقد نجحت ترجمة محمد أسد للقرآن ، فى تخطى بعضا من هذه الصعوبات . وكذلك ترجمة يوسف على ، والتعليقات المرفقة بالترجمة ، ساعدت المتكلمين باللغة الإنجليزية كثيرا فى فهم القرآن الكريم . والكثير يفضلون ترجمة ، مارمادوك بكتول ، حيث أنها أقرب الترجمات للغة العربية . وبالنسبة لكل المسلمين ، فالقرآن هو كلمة الله سبحانه وتعالى الموحى بها . ولهذا فأى ترجمة إلى لغة أخرى ، لا تعتبر قرآنا ، ولن تكون فى دقة القرآن نفسه ، وستكون ناقصة بداهة ، فهى ليست قرآنا ولا ترجمة له ، ولكنها مجرد تفسير له . فالمسلم الذى يتحول من اليهودية أو النصرانية ، كما هو الحال مع معظم المسلمين من الغرب ، يواجه بداية ، بثلاثة سمات هامة يجدها فى القرآن الكريم مختلفة بحدة عن كتبهم المقدسة .
السمة الأولى ، هى أن القرآن وحى شخصى ، بمعنى أن الشكل العام للتوجيه الإلهى ، موجه للبشر . وعلى سبيل المثال : "قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} سورة الزمر .. "وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} سورة الضحى وحتى إذا طلب من القارئ التضرع إلى الله فإنه يبدأ بكلمة "قل" كما فى سورة الناس ، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" .
سمة أخرى ، وهى أن القرآن الكريم ليس كتاب تأريخ كالإنجيل والتوراة . فبينما تحتوى هذه الكتب على تاريخ وسير ذاتية ، فمن المستحيل أن تجد فى القرآن الكريم تاريخا محددا ، أو سيرة ذاتية لشخص معين ، ولكنه يتكلم فى ذلك بصورة عامة ، خارجة عن مثل هذه التفصيلات . ولذلك فأنت قد تقرأ القرآن دون الإلتزام بترتيب معين ، لا يطلب منك قراءته بترتيب محدد ، فيمكنك القراءة من أى موقع تبدأ به ، وهذه سمة ليست موجودة فى كتاب آخر ، وبما أن محتوياته شاملة ومغطاة ، ففهم محتواه لا يحتاج إلى مراجع خارجية عنه . وبالنسبة للمسلمين ، فهذا فى حد ذاته له علاقة على أن القرآن قد تخطى حدود الزمان والمكان ، وأنه دليل على علم الله وحكمته ، وأنه فوق قدرة البشر .
السمة الثالثة ، وهى أن الإسلام كما ورد بالقرآن الكريم ، لا يفرق فى الحقيقة بين الدين والدنيا ، فهو يمازج بين مظاهر متعددة من صعود وفناء الأمم ، يوصف الحياة الطبيعية للأمم ، يضع أسس المجتمعات الصالحة ، يضع القوانين ، ويحلل النفس البشرية ... كل ذلك ليضئ للإنسان طريقه فى الحياة ، وليعلن وحدانية الله سبحانه وتعالى .
التاريخ ، والحياة ، والخلق ، شهود على ، وكلها تلتقى لتؤكد ، الحقيقة العليا الوحيدة : بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق ، القيوم ، المهيمن على الكون . كل هذه السمات فى القرآن الكريم ، تختلف اختلافا بينا عن بقية الكتب الدينية الأخرى .
مقارنة بين القرآن الكريم ، والعهد القديم والجديد من الكتاب المقدس :
يقرر القرآن أن كل الأمم فى العصور المختلفة ، قد بعث إليها رسول ، كما ورد فى هذه الآيات كمثال على ذلك ، وأن الإنسان لابد له أن يذعن لأمر الله سبحانه وتعالى ويعبده :
( 1 ) شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ {13} سورة الشورى
( 2 ) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {136} سورة البقرة
( 3 ) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ {24} سورة فاطر
فالعقيدة واحدة لا تتغير ، والشريعة والمناهج هما اللذين يتغيران طبقا لأحوال العصور المختلفة . فالبشرية ظلت فى تطور ورقى ولذلك كانت الشريعة تتغير ، إلى أن جاء الرسول الخاتم ، محمد صلى الله عليه وسلم ، الذى اوحى إليه القرآن ليقرر الشريعة الخاتمة للبشرية جمعاء . هذا الرسول الكريم ، هو من سلالة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أبو الرسل ، وقد كان من قبيلة قريش ، التى هى من سلالة سيدنا إسماعيل ، ولد إبراهيم عليهما السلام . وسيدنا محمد هو النبى الذى جاء بعد فترة من الرسل ، "يشبه موسى" ، ومن اخوة اليهود "Berthern of the Hebrews" كما ورد ذلك ( فى سفر التكوين 12: 2-3 ، وسفر التثنية 18: 18 ) .
وفى السنوات الأخيرة ، فمجموعات من الطلبة المسلمين بأمريكا ، يثيرون عدة مناقشات مع الطلبة النصارى ، عن هل الإنجيل أم القرآن هو كلمة الله ؟؟؟ ووجهة نظر المسلم ، هى انه ما دامت التوراة والإنجيل يحتويان على نصوص متعارضة مع بعضها البعض ، أو تعارض الحقائق الثابتة ، فهذا يعنى أن بهما نصوصا غير موحى بهما من الله . وهذه الحقائق هى نتاج أبحاث طويلة من علماء اللاهوت أنفسهم لعدة قرون . معظم النصارى المشاركين فى النقاش يقبلون هذه المسلمة ، ولكنهم لا يقبلون الإستنتاج ، وذلك لاختلاف فى مفهوم الوحى عند الطرفين !!! فالمسلم يرى فى معنى الوحى المعنى المباشر له : أن الإنسان "محمد صلى الله عليه وسلم" هو الوسيلة التى "يتكلم" الله من خلالها بشكل حرفى ويكشف عن إرادته للبشرية ، كما جاء بالكتب السابقة المقدسة على لسان سيدنا موسى عليه السلام :
"سأبعث فيهم نبى من بين اخوتهم مثلك وأضع كلماتى فى فمه وهو سيتكلم لهم بكل ما سآمرهم به" سفر التثنية 18 : 18 وكذلك "مع ذلك يأتى روح الحقيقة الذى سيوجهك لكل الحق : لن يتكلم من نفسه ، ولكن كل ما سيسمعه سيتكلم به ، وسينبئك بكل ما سيأتى" إنجيل يوحنا 16 : 13
والمسلم يعترف بأن الوحى له عدة طرق ، وأن ما ذكر ليس هو الطريقة الوحيدة للوحى ، وذلك كما ورد بالقرآن الكريم :
"وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ {51} سورة الشورى"
والغالبية من علماء اللاهوت ، يقرون اليوم بأن الكتب المقدسة هى مركبات من مستويات مختلفة من الوحى المقدس !!!
وفى هذا الصدد ، يعلق "موريس بوكاى" : "فكرة (محتوى الوحى) ... يمكن أن تقبل بدون أى سؤال ... فى حالة إذا كان المحتوى فعلا هو كلمة الله !!! ولكن الواقع يدل على أن المحتوى هو من كلام مختلف الرجال الفانين ، متأثرا بتقاليدهم وأساطيرهم وخرافاتهم التى كانت سائدة فى وقت تحرير النصوص" .
وبخصوص الإنجيل ، فيقول كراج "Cragg" : "لاشك أن فى الإنجيل نصوصا مما قاله سيدنا عيسى عليه السلام ، وهناك الكثير من المواقع ، وليست أقلها كما فى إنجيل يوحنا ، ما أضافه القديسين من مواد ، سواء بقصد أو غير قصد . هناك تراكمات وتحريرات واختيارات وتعديلات وكذلك شهود . الأناجيل جاءت من خلال تصورات كاتبيها . وهى من تواريخ ذكرت نتيجة تجارب أملتها . ويرى كراج ، أن هذا التفسير هو المناسب بتفوق ، والملائم بوضوح .
ومن وجهة نظر النصارى ، فإن التناقضات التى وردت بكتبهم ، شئ طبيعى ومتوقع ، لتعدد المصادر التى رجع إليها كتاب الأناجيل ولطبيعة الوحى الغير مباشر . والمهم عندهم ، أن الأناجيل فى النهاية ، فيها من الوحى ما يؤدى إلى هداية البشرية !!! وبالطبع فإن هذا المفهوم من الصعب إعتماده والتعويل عليه .
ويؤكد فى كلامه عن التوراة شيئا من مثل هذا المعنى .
وفى مثل هذه المناظرات ، فإن النصارى يدعون أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، منتحل للإسلام من الأديان السابقة التى كانت موجودة بشبه الجزيرة العربية ،فى ذلك الوقت . بينما فقد هذا المفهوم مصداقيته بين المستشرقين المعاصرين ، فهم الآن يرفضون هذا الإدعاء . وكل ما يدعى به على الإسلام ، فأكثر منه يمكن أن يوجه للنصرانية المعاصرة . "مداخلة : وذلك كما ورد بالآية الكريمة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {30} التوبة)" .
والإنطباع الإيجابى ، الناتج من مثل هذه المواجاهات ، هى ان القرآن الكريم خال تماما من التناقضات الواقعية ، مثل تلك التى جعلت علماء اللاهوت يعيدون صياغة الوحى ، بينما المسلمون يقرون بعصمة القرآن الكريم "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً {82} سورة النساء" .
أحد الزملاء فى دراسة الأديان المقارنة ، أقر بأن القرآن الكريم أدق من الكتب الأخرى ، وأرجع ذلك لعبقرية محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد كان ذو بصيرة ، فبما أنه أقتبس من هذه الكتب ، فقد تدارك المسببات التى تؤدى إلى التناقضات ، وحذف التفاصيل ، والكميات ، والتوقيتات ، والأماكن ، والأعداد ، ومثل هذه التفاصيل التى قد تؤدى للتناقض فيما بعد !!! "مداخلة : لقد فهمت بوضوح معنى الآية الكريمة (.......... وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) ... حينما يشعر الإنسان بإفلاسه ، يلجأ للتلاعب بالكلام والتخريف لعله يجد من يصدقه" .
( 9 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
بداية يجب الإقرار بأن القرآن الكريم ذكر قصص توراتية ولكن بعد حذف بعض التفاصيل ، وفى كل مرة يأتى بتفاصيل أخرى خافية لم تذكر بالكتب السابقة . وهناك أمثلة كثيرة على ذلك . فقصة سيدنا سليمان التى ذكرت بالقرآن الكريم ، تنفى عن هذا النبى المجتبى من الله سبحانه وتعالى أن يكون من عبدة الأصنام ، كما جاء بسفر الملوك (11 : 4) ، وذلك كما ورد بالآية 102 من سورة البقرة "وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ..........." .
وكذلك ما ورد عن قصة سيدنا إبراهيم بخصوص ذبح ابنه سيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، فقد ورد بسفر التكوين ( 22 : 1 - 19) ، أن الله تكلم مباشرة لسيدنا إبراهيم طالبا منه ذبح ابنه ، فى حين أن القرآن يرجع هذا الطلب إلى رؤية منامية رآها سيدنا إبراهيم ، كما ورد بسورة الصافات من الآية 101 - 111 .
والقرآن الكريم ينفى بشدة مسألة صلب المسيح عليه السلام لم تحدث على الإطلاق ، بل شبه لهم صلبه .
بل إن القرآن كثيرا ما يوضح مشاكل وقع فيها الإنجيل والتوراة ، وظهرت فى الغرب فيما بعد البعثة المحمدية بقرون . ومن الأمثلة على ذلك ، ماورد فى قصة يوسف عليه السلام ، وأن أبناء سيدنا يعقوب سافروا على الحمير فى صحراء سيناء (سفر التكوين ، 42 : 26) . ومن المعروف أن الحمير لا تصلح للسفر الطويل بالصحراء ، كما أنه ليس من عادة البدو الإعتماد عليها ، وقد كان أحفاد سيدنا إبراهيم بدوا إلى أن استقروا فى مصر . بل الجمال هى التى تصلح لذلك ، وقد أكد القرآن فى سورة يوسف على أن إخوة يوسف استخدموا العير فى تنقلاتهم ، وذلك فى الآيات (65 - 70 - 72 - 82) " ..... وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ {65}" .. "..... أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ {70}" .. "..... وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ {72}" .. "وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {82}" .
وفى نفس القصة فى سفر التكوين (43 : 32) ، يذكر السفر بأنه كان هناك نفور شديد من المصريين واليهود إلى وقت طويل ، حتى أن سيدنا يوسف لم يكن ليأكل مع إخوته . ولا يذكر القرآن شيئا من هذا النفور من المصريين تجاه عائلة سيدنا يعقوب الآيات أرقام (59 - 93 - 99) من سورة يوسف ".......... أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ {59}" .. "اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ {93}" .. "فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ {99}" .
أما عن طوفان سيدنا نوح عليه السلام ، فيذكر سفر التكوين ( 7 : 32 ) ، أن كل شئ حى على وجه الأرض قد غرق ، البشر والأنعام وكل الزواحف وطيور السماء ؛ وأنها امحت من على وجه الأرض ، وسيدنا نوح ومن كانوا فقط على السفينة هم من بقوا عليها !!! وبالرجوع إلى المعلومات التاريخية التى وردت بالتوراة ، فإن هذه الكارثة حدثت فى القرن الثانى والعشرون قبل الميلاد ، والبراهين العلمية الحديثة ، تثبت أنه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن ، توجد حضارات فى أنحاء متعددة من العالم ، وهذا ما يناقض ما جاء بالتوراة . أما ما جاء بالقرآن الكريم ، لا يتعارض مع ما توصل إليه العلم ، فالطوفان قضى فقط على قوم نوح المعاندين ، وذلك كما جاء بسورة الفرقان ، "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}" .
ومن التناقضات المذهلة بين القرآن والتوراة ، أن التوراة تذكر مراحل خلق الكون بالأيام التى نعرفها ، أى 24 ساعة ليلا ونهارا ، وذلك كما ورد بسفر التكوين ( 1 : 5، 8 ، 13 ، 19 ، 23 ، 31 ) ... وقد كان هذا هو الإعتقاد لقرون كثيرة ، إلى أن تقدم العلم وأثبت أن خلق الأرض أخذ أوقاتا أكثر من ذلك بكثير . وفى القرآن الكريم ، فإن الأيام عند الله سبحانه وتعالى كثيرة ، وذلك كما ورد فى الآية من سورة الحج "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47}" . وسورة المعارج "تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4}" . وهذه الآيات تدل على شيئن ، أ ) أن هذه "الأيام" ، لا تفهم حرفيا بمقاييس الأرض ، ولكنها تشير إلى فترات أطول بكثير مما نعد . ب ) حينما يشير القرآن إلى كلمة "يوم" بالنسبة لله سبحانه وتعالى ، لا يعنى هذا وقتا محددا كما فى الآيات .
وأحيانا حينما يذكر القرآن قصة نبى من النبياء ، أو شخصية معينة ، أو حدث ، فإنه يذكر تفاصيل ليست موجودة فى التوراة أو الإنجيل ، ويشير إليها لتكون آية نثبت فيما بعد . وهذا كما حدث بالنسبة للطوفان كما ورد سابقا . وكذلك فى قصة غرق فرعون حينما طارد موسى وانطيق عليه البحر :
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92} سورة يونس ... وما ورد فى الآية رقم 92 ، لهو لفتة دقيقة لم ترد إلا فى القرآن الكريم ، عن نجاة بدن فرعون ليكون آية على صدق القرآن وعبرة لمن بعده إلى يومنا هذا . شخصية فرعون الخروج كانت مثار جدل . وقد أجرى موريس بوكاى العالم الفرنسى عدة دراسات معملية على مومياء "منبتاح" الذى خلف "رمسيس الثانى" ، وأثبت فى عام 1975 أنه هو فرعون الخروج ، حيث وجد داخله أملاحا تدل على أنه غرق فى البحر ، وهذه المومياء أكتشفت بوادى الملوك فى طيبة عام 1898 ، أى بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول القرآن الكريم على النبى محمد عليه الصلاة والسلام . وقد كان هذا الإكتشاف سببا فى إسلام بوكاى ، وتأليفه لكتاب "التوراة والقرآن والعلم" . وبذلك يكون القرآن قد ألمح إلى نقطتين ، الأولى والمباشرة ، هى نجاة جسد فرعون ليكون آية لمن بعده . والثانية ، أن المصريين القدماء كانوا حريصين على تحنيط الجثث لتبقى سليمة .
القرآن والعلم :
سأختصر هذا الباب ، حيث أن الكلام فيه معاد ، وقد تكرر كثيرا ، وأعتقد أن الرجوع لدراسات "الدكتور زغلول النجار" ، توفر الكثير من الجهد ، كما أنها أشمل وأدق مما ورد فى الكتاب .
فقد تكلم الكتاب عن اختلاف وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين لبحث موضوع الإعجاز العلمى فى القرآن ، ثم تطرق إلى دراسات موريس بوكاى وكتابه عن "التوراة والقرآن والعلم" . ثم تكلم عن كروية الأرض وتكوير الليل والنهار :
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَر كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {5} سورة الزمر
وأن عسل النحل ينتج من أنثى النحل كما ورد بالقرآن :
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بييُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {69} سورة النحلوتكلم عن تطورات الجنين وموقف الدكتور كيث موور :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14} سورة المؤمنون
وتكلم عن الرتق والفتق بالنسبة للسموات والأرض :
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30} سورة الأنبياء
وطى السموات والأرض كطى السجل للكتب :
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ {104} سورة الأنبياء
( 10 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
إعتبارات مركزية
قد يصاب كثير من المسلمين بالإحباط حينما أذكر أن كثيرا من النقاط التى سبقت من المحتمل أنها لن تقنع غير المسلمين بأن القرآن الكريم هو وحى من عند الله سبحانه وتعالى !!! العبقرية شئ كبير ، ولكنه فى نفس الوقت شئ غامض لا يدل بالضرورة على أنه إلهى . ولذلك نجد فى عدة مراحل من القرآن الكريم ، الإجابة على الأسئلة الدائمة : "هل الله موجود .. وإذا كان موجودا فما هى العلاقة بين العبد وربه .. وما هو معنى الحياة ؟؟؟" .
المجاز فى القرآن الكريم :
لا شك أن ترجمة نص مقدس من لغة إلى أخرى يؤدى إلى كثير من فقد فى المعنى . ولكن حينما يكون المترجم له دافع للترجمة الصحيحة والإلتزام بها ، وله ولاء للشئ المترجم ، فذلك قد يحيى بعض الإشراقات المبثوثة فى النصوص والتى لا يمكن إظهارها بواسطة البشر العاديين المحدودين . فبالتأكيد ما جاء فى الأصل ، من خوف ورجاء ، وجمال وتألق ، كما جاء فى مجاز القرآن ووصفه للأشياء ، فذلك هو الذى يعمق الشعور الذى يفتقد فى الترجمة . فالصورتان المتقابلتان للجنة والنار ، العظمة والبهاء فى مقابل الوحشة والرعب ، كما ورد بمجاز القرآن الكريم ، هذا ما يعمق الشعور بصدق ما جاء به . ولا شك أن السياق العام للقرآن الكريم يوضح أنه سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده العذاب ، ويحثهم على طلب المغفرة والتوبة والعودة إليه . وهذا سيحتاج تفصيلا فيما بعد . وبالرغم من أن الغربيين المتحولون للإسلام يعتمدون على تفاسير القرآن ، إلا أنهم يشعرون بالأسلوب الأدبى للقرآن كميزة هامة له ، وذلك لأن قارئه سواء كان عربيا أو غير عربى ، يجد تأثيره المعنوى ، وكأنه يشارك بنفسه فى تلقى الوحى بالقرآن الكريم .
وفى تعبير أفضل لدنى "Denny" ، يقول :
تأتى هناك لحظة وأنت تقرأ القرآن ، مركزا على فهم معانيه ، سواء كنت تتلوه بصوت عال أو صامتا ، بقشعريرة تنتابك . وبدلا من قراءتك للقرآن ، تجد أن القرآن يقرأك أنت . هذه تجربة مربكة وفى نفس الوقت رائعة ، وبأى شكل ، تجده يطالبك بالإسلام دون أن تشعر . هذا الشعور هو الذى يقابله أكثر المتحولين للإسلام ، وهو السبب فى الإنتشار السريع له ، بالإضافة إلى خلق المسلمين الذين يلتزمون بتعاليم القرآن الكريم وبالدين الإسلامى .
*عودة للآيات :
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53} سورة فصلت
الآيات لا توجهنا فقط ، بل تؤكد وتثبت لنا خطواتنا وقرارتنا ، لذا فنحن نعيش مع آيات القرآن الكريم فى الآفاق البعيدة وفى أنفسنا . عمليا فكل آيات القرآن لمظاهر الطبيعة ، نجدها وسط آيات التذكير بواجب الإنسان ، وعلاقته مع الله سبحانه وتعالى ، وحسابه فى الآخرة . والآيات السابق ذكرها تشهد لهذه النقطة .
وقد اخترت الآيات التى ستلى ، لما فيها من جمال :::
سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} سورة النور
هذه بداية سورة النور ، إحدى السور المعروفة جيدا من الكتاب المسلمين وغيرهم . وفى تفسير عبقرى ، لمالك بن نبى "فيلسوف مسلم جزائرى" ، لمقطعين رائعين من هذه السورة كآيات بينات :::
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ {36} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38}
فهذا المثل يوضح لنا أن هذا النور المشع ، الذى ينبع من مصباح فى زجاجة ، ويضاء بمصدر لم يكن معروفا حين نزول الوحى ، ".... لا شرقية ولا غربية ...." ، ويكاد يضئ ولو لم تمسسه نار ، يقول ابن نبى ، ربما أشار هذا إلى المصباح الكهربائى !!! ، وكثيرا فى القرآن الكريم ، ما تمزج الآيات بين المحسوس والمعنوى .
"مداخلة : أود أن ألفت النظر هنا إلى شئ ، نادرا ما نتفكر فيه ::: فلنتصور التاريخ الطويل السابق لاختراع المصباح الكهربائى ، وكيف كان الوضع حينما تغرب الشمس ؟ وكيف كان يعيش الناس ؟ والوضع فى أيامنا هذه ، وكيف استحال الليل نهارا ، وأصبحت المدن لا ترى الظلمة إلا إذا استدعيتها استدعاء بغلق النوافذ وغلق المصابيح الكهربائية ، وبالرغم من ذلك يتسرب إليك الضوء من حيث لا تشعر ... أليس هذا تطورا مذهلا ؟
وملحوظة ثانية ::: مالك بن نبى عالم فيلسوف لا يشق له غبار ، وما ورد بخصوص المصباح الكهربائى ، فأعتقد أنه لا يتكلم إلا عن جزئية من الآية وهى المصباح فى زجاجة ، ولا يقصد بالتشبيه أن ذلك تفسير للآية ، لأن معنى الآية الكريمة أشمل بكثير من هذه الجزئية" .
وفورا بعد هذا المقطع ، يأتى مثلين عن الكفر وتاثيره المدمر ::
والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ {40}
الآية رقم ( 39 ) ، يشير ابن نبى ، إلى أن التشبيه فى الصورة الأولى يمكن لأهل مكة استيعابه ، لأنهم كانوا أهل صحراء ، ولكن الآية التالية رقم ( 40 ) ، صورة الغيوم المظلمة ، والأمواج المتراكمة ، فهذه الصورة هى لأهل الشواطئ الشمالية ، وأهل المحيطات ، وتعرف هذه الظاهرة الآن ، والظلام الحالك فى أعماق المحيطات نتيجة لامتصاص الماء للضوء ، من فترة ليست بالبعيدة .
"مداخلة : ورد بسورة النور عدة آيات ومواقف ، منها ما هو مباشر للمعاصرين للوحى ، وبالطبع لمن بعدهم ، وتختم هذه الآيات بـ (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ......) الآية رقم ( 34 ) ، وآيات أخرى لمن بعدهم ولم يكونوا هم يتصوروها وتختم بـ (لقد أنزلنا آيات مبينات ....) الآية رقم ( 46) ، بدون إليكم ." .
الواضح هنا ، أن الحياة إذا كرست بشكل رئيسى للدنيا ، فستنتهى إلى خيبة الأمل ، ووأد للناحية الروحية . نحن نستشف هذا بوضوح من الآيات ، بغض النظر عما جاء به ابن نبى . الأسلوب القرآنى جميل . وبما أنى قد عشت على الشاطئ الشمالى من نيو إنجلند ، فقد كانت نظرتى للمواج أنها "موج بعد موج" ، بدلا من "موج من فوقه موج" ، لأننا نشاهد الأمواج بعضها بعد بعض ، وهكذا يأتى القرآن الكريم بتصوير أدق "موج من فوقه موج" . أيضا ، فلو لم أكن أمارس الغطس العميق ، ما كنت أحس بجمال الآية ، لآنه لا يحس المرء بالظلمة فى المياه الضحلة ... سواء البحيرة أو حوض السباحة ... لأن الضوء لا يمتص إلا فى الأعماق . وجمال هذه الآيات ، كما سبق أن ذكرت ، أن القرآن الكريم يمزج المحسوس بالمعنوى .
دور التعقل :
".................. أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {44}" سورة البقرة
يندبنا القرآن الكريم لأن ندرس تصرفاتنا وعقائدنا بشكل حاسم . خلاصنا هو فى البحث والإستسلام للحق . ومن أحد أهداف القرآن ، أن يكون منهاجنا فى تلقى تعاليم الدين ، بالفكر المنظم ، لنكتشف التناقضات فى تصرفاتنا وأفعالنا . نجد ذلك متناثرا فى الأمثال المعروضة ، والقصص المختلفة ، والدروس التى تناقش الصحيح والخطأ من الأفكار . القرآن يؤكد على أهمية البرهان والحجة والدليل ، فى أى نقاش ، وكمثال على ذلك ، بعضا من هذه الآيات :::
( 1 ) وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {111} سورة البقرة
( 2 ) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ {148} سورة الأنعام
( 3 ) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34} أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {36} سورة الطور
( 4 ) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13} سورة النور
( 5 ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {113} سورة البقرة
( 6 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {47} سورة يس
الآية الخامسة المذكورة أعلاه ، تذكرنا بالمثل الذى يقول "من بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة" .
فى حين أن الآية السادسة ، لو تبنينا هذا المنطق المعوج ، فلن يكون هناك تكافل ولا صدقة ولا ترابط بين البشر وتعاطف .
( 7 ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {176} سورة الأعراف
والآية رقم ( 7 ) من سورة الأعراف ، تعطى المثل الحى للمعاندين ، الذين تصل إليهم الرسالة والبراهين على صدقها ، فيبتعدون عنها حرصا على الدنيا :
( 8 ) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً {22} سورة الكهف
وفى سورة الكهف ، يعطيك المثل فى ( 8 ) ، السطحية فى التفكير لبعض الناس ، واللجاجة فى سؤال أسئلة لا تسمن ولا تغنى من جوع ، فكون أصحاب الكهف ، ثلاثة أو أكثر أو أقل ، ماذا يفيد العلم بعددهم فى صلب الموضوع ؟
( 9 ) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ {78} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ {79} سورة الأنبياء
وفى هذه الآيات يوضح سبحانه وتعالى أن الإلهام للقضاء الصحيح ، يكون منه ، وذلك حضا لنا لنسأله الهداية فى كل الأمور .
( 10 )أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً {78} مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً {79} سورة النساء
الآية رقم ( 10 ) هى درس لنا لنفرق بين الأفعال التى تعود "إلى الله" ، وتلك التى تأتى"من الله" ، فبينما نحن المسئولين عن أفعالنا ، فقدرتنا وما أودع فينا من فعل الشر ، هى من عند الله . لهذا ففعل الشر ينسب إلينا ، وليس إلى الله . فالشر فى هذا الكون ليس مطلقا ، بل له هدف معين "التمحيص" .
هذا المفهوم ، يثير أمامنا موضوع من أهم العقبات بين الإيمان والكفر ، ويطل برأسه فى أيامنا هذه ، كما فرض نفسه فى الماضى . "الإيمان والسببية" أو "التسيير والتخيير" ، وسنناقشه فى الحلقة التالية .
"مداخلة : بمناسبة ما ورد أعلاه من آيات ، فكثيرا ما أقف أمام هذه الآية الكريمة من سورة يس :::
"أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79}" سورة يس
هذه الاية التى ترد بمنتهى العقلانية والقوة على منكرى البعث ، أنت أيها الإنسان ترى بعينيك كيف بدأت خلقتك "من نطفة" ، هذه النطفة الضعيفة تكونت عظاما ، ثم إنسانا ... فهل يعجز خالقك الذى أنشأك من ضعف ، أن يعيدك مرة ثانية ؟؟؟ ... وبقية الآيات التى تشير لخلق السموات والأرض ، التى لو قارنت نفسك بها لذهلت ، كم تساوى هذه الأرض التى تعيش عليها بالنسبة للكون الفسيح ؟؟؟ ، وكم تساوى أنت بالنسبة للأرض ؟؟؟ هل يعجز خالق هذا الكون من أن يعيدك كما بدأت ؟؟؟ ... كفاك تكبر وجهل ، وعد إلى خالقك وآمن به ، وآمن بقدرته ، وسبحه ليلا ونهارا لعله يرضى عنك" .
يتبع
فارس الغربيه
2011-07-29, 07:06 AM
( 11 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
الإيمان بالمتشابه :
"مداخلة : الإيمان لا يكون إلا للغيب ، وعلى هذا فالمتشابه هو غيب لم يأت تأويله بعد ، كما سيتضح مما سيأتى فيما بعد" .
هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ {7} سورة آل عمران
يرى "محمد أسد" ، أن مفتاح فهم آيات القرآن الكريم يندرج تحت الآية رقم ( 7 ) من سورة آل عمران "أعلاه" .
والتمييز بين الآيات المحكمات وتلك المتشابهات هو السبب فى اختلاف وجهات النظر . ويعرض "محمد أسد" ، تفسيرا معقولا لرسالة القرآن الكريم بالنسبة للآيات المتشابهات ، فهى تلك الآيات الحقيقية والتى ليست فى متناول الفهم والتجربة للبشر والتى يقول عنها القرآن أنها "غيب" . ويقول ، أن عقل الإنسان يعمل فقط فى نطاق تجاربه السابقة وما يلمسه أمامه ، فكيف ستصل له الإفكار الدينية الغيبية بنجاح وكيف سيتصورها ؟ كيف سنهضم أفكارا ليس لها مثيل ولو جزئيا فى تجاربنا السابقة ؟
وكمثال تقريبى جدا ، كالذى ورد فى إحدى الكتب ، كيف ستشرح السحاب لشخص ولد أعمى ؟ "مداخلة : أو كيف ستشرح لشخص لم يذق البرتقال فى حياته ، ما هو طعم البرتقال ، إلا أن تقربه له بما يعرف سابقا" . ولهذا فالقرآن الكريم يطلب منا أن نفهم الأشياء المتشابهة قياسا على الأشياء المحكمة ، ولا نجهد أنفسنا فى تأويلها وكيف ستكون منتظرين الوقت الذى سيأتى فيه تأويلها .
"مداخلة : ونظرا لأهمية هذه القاعدة فى فهم النصوص الدينية فى القرآن ، فقد أعطانا الله سبحانه وتعالى مثالا على المستوى الشخصى ، يعاينه كل فرد من حين لآخر ، وهو الرؤية المنامية الصادقة ... (......... يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43} قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ {44} سورة يوسف) . وأقول الصادقة ، لأن الرؤية هى التى تؤول ، ولكن الأحلام لا تؤول ، فهناك أحلام من الشيطان ، وأخرى مما تحدث به نفسك حين اليقظة وكلاهما حلم لا يؤول ... وحين يأتى تأويل الرؤية الصادقة تجد أن حقيقة ما آلت إليه يختلف عن حرفية الرؤية ، وأن الرؤية لم تكن إلا رموزا فقط ، فمثلا رؤية سيدنا يوسف عليه السلام آلت إلى أب وأم واخوة ، وقد كانت شمسا وقمرا وكواكبا ، وكذلك رؤية الملك ، آلت إلى سنين رخاء وسنين جدب ، وكانت الرؤية مجرد رموز لذلك ... وهكذا" .
وبناء على ذلك ، فلو أننا أخذنا النصوص المتاشبهة فى القرآن الكريم بحرفيتها ، ولم ندرجها تحت الإحتمال المجازى ، لانتهكنا روح القرأن الكريم وروح الوحى .
ولهذا نجد أوصاف الجنة فى القرآن ، فيها تشبيهات من مغريات الدنيا خصوصا للمعاصرين فى القرن السابع حين نزول القرآن ، بالرغم مما ذكره الله سبحانه وتعالى فى آية سورة السجدة :
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {17}
وبالمثل ، فإن كل صفات الله سبحانه وتعالى لهى فوق كل ما يتصوره الإنسان :
"............ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} سورة الشورى" .
"وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ {4} سورة الإخلاص" .
وبالرغم من عدم إمكانية تصورنا له سبحانه ولصفاته ، فنحن الفقراء لعظمته والإعتماد عليه .
وبهذا ، فالآيات المتشابهات ، يندرج تحتها صفاته سبحانه وتعالى ، صفة يوم القيامة ، الجنة والنار ، وأشياء من هذا السبيل . لا نعرف حقيقتها ولا تأويلها ، إلى حين يأتى التأويل فنعاينه حينئذ فقط ، وهكذا يعيب الله سبحانه وتعالى الذين يتبعون تأويل المتشابه ابتغاء للفتنة ، ويخوضون فيما لا يعلمون :::
"وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {52} هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {53} سورة الأعراف" .
وهكذا فالمتشابهات ، لا توصف لنا هذه الأمور حرفيا ، بل تقربها إلى حد ما ، إلى مفاهيمنا وتجاربنا التى نعايشها .
الشياطين والجن :
فى أذهان الغربيين ، فإن كلمة "شيطان" ، تستدعى فورا صورة منظر من وراء الطبيعة ، لشخص نصفه حيوان والنصف الآخر إنسان ، ويحمل مطرقة فى يده . والـ "جنى" هو مثل ذلك ويعيش فى بوتقة زجاجية . وهذا التصور فى الواقع متأثرا بالفولكلور المتداول بالشرق الأوسط والأدنى . وبمرور الوقت أصبحت هذه هى الصورة الخاطئة المعتمدة فى الغرب . ولذلك فنحن فى حاجة لتعديل المفاهيم .
كلمة "جن" مشتقة من "جُنة" بضم الجيم ، وهى تعنى "غطاء .. إخفاء .. محمى .. مستور" . وبذلك ، فكلمة "جن" تعنى "مخلوق لا يمكن أن يدرك بحواسنا" . ولذلك يعتقد "يوسف على" فى ترجمته لمعانى القرآن الكريم ، "هو روح أو مخلوق لايرى أو قوة خفية" .
وفى تفسيره ، يقول الطبرى ، عن "الشيطان" ، أن العرب يستخدمون هذه الكلمة فى كل من شذ ، سواء من الجن أو الناس أو الوحوش وكل شئ ..... الشاذ من كل جنس فهو شيطان ، وذلك لأن أعماله وسلوكه تشذ عن باقى الصنف ، وهى أبعد ما يكون عن الصحيح . فكلمة "شيطان" تشير إلى البعد أو البعيد ، وهى مشتقة من "شطن" ... "شطن دارى من دارك" ، أى بعد دارى عن دارك . ومرة ثانية فهذه الكلمة يمكن أن تطلق على الإنس :
"وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ {14} سورة البقرة" .
وفى تفسير الطبرى ، يقول ابن عباس ، أن بعض الرجال من اليهود حينما كانوا يقابلون صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام يقولون آمنا ويقرون بالإسلام ، وعندما يعودون لأصحابهم فى الدين يقولون نحن معكم ، إنما كنا نستهزئ بهم . وفى قول لقتادة ومجاهد ، أن شياطينهم هم قادتهم للشر ، ورفقاؤهم من المنافقين والمشركين . وكذلك ينص القرآن الكريم ، على أن الشياطين والجن ، هى عوالم أخرى خارج نطاق احساسنا . وحتى لا يحدث خلط ، فسأشير فى كلامى فيما بعد ، إلى ، "كائنات روحية / قوى" أو "كائنات غير مرئية" ، وذلك حين مناقشة موضوع ما .
الزمن والخلود :
مفهوم الزمن والخلود وعلاقته بالله سبحانه وتعالى كان مثار المناقشات الفلسفية المختلفة عبر تاريخ الأديان . وقد قدم "محمد إقبال" رؤية جديدة فى هذا الموضوع فى أحد مؤلفاته تتفق مع ما توصل له العصر ، المصادر المذهبية الإسلامية . وقد قوبلت المحاولة بكثير من المديح من علماء مسلمين وغير مسلمين بالرغم من معارضة شديدة أيضا لأفكاره . وكلمات "إقبال" لا يجب أن نقلل من شأن أهميتها فى محاولتنا هذه ، حيث أن الكثير من التناقضات الأيدولوجية تنشأ من فهمنا لهذا الموضوع . من ناحية ، لا نستطيع مقاومة نسبة الزمن إلى الله ... وذلك ما يحدث فى نفس التنزيل ... ومن ناحية أخرى ... وهذه أكثر أهمية ... لابد أن نكون على وعى بقصر مفاهيمنا ومحدوديتها .
الحيرة الكبرى تنشأ حين نسقط صفات المخلوق على الخالق . فبما أنه سبحانه لا يحده مكان ... فهو خالق المكان ... فمن الطبيعى ألا ننسبه سبحانه إلى قيود مكانية . وفى نفس الوقت لا يحده الزمان ، من ماضى وحاضر ومستقبل ، لأن هذا الفهم يتعارض مع "..... ليس كمثله شئ ...." .
وبالنسبة لنا ، فنحن نتحرك فى المكان فى كل الإتجاهات ، أما بالنسبة للزمان فلا حراك ، لا نستطيع الرجوع لزمن مضى ، ولا نستطيع التقدم لزمن آت ، لا نستأخر ساعة ، ولا نستقدم ساعة ، نحن نعيش فى اللحظة التى نحن فيها .
نقطة جوهرية أخرى ، ذكرها القرآن الكريم ، وهى أن مفهوم الوقت لدينا نسبى وليس مطلقا . فمثلا ، فيوم الحساب كما ورد بالقرآن ، مقايسه مختلفة تماما عن مقياس الوقت بالدنيا .فهو أطول بمراحل :
( 1 ) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا {46} سورة النازعات
( 2 ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ {45} يونس
( 3 ) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً {52} سورة الإسراء
( 4 ) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً {103} نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً {104} سورة طه
( 5 ) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ {112} قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ {113} قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {114} سورة المؤمنون
( 6 ) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ {55} سورة الروم
المفسرون دائما ما يشيرون ليوم القيامة ، بصيغة المستقبل ، وذلك لأن هذا ما سيحدث مستقبلا ، غير أنه فى بعض آيات القرآن الكريم ، قد يشار ليوم القيامة بصيغة الماضى ، وهذه لفتة أدبية ، تدل على حتمية وقوعه . كما أن استخدام الفعل الماضى والفعل المستقبل ، يدل على شئ آخر ، وهو أن مقاييس الزمن حينئذ ستختلف عما نعيشه فى الدنيا .
كذلك ، فإن الأيام وطريقة حسابها عند الله متعددة كما ورد بالقرآن الكريم :
( 1 ) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47} سورة الحج
( 2 ) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {5} سورة السجدة
( 3 ) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4} المعارج
وبالطبع فمحاولة تحديد نسبة حساب الزمن عند الله هو ضرب من العبث ، وتحميل الإنسان ما لا يطيقه .
( 12 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم Struggling to Surrender Dedication
يقول المؤلف ، بأن "محمد على" ، (أعتقد انه يشير إلى "محمد على جناح .. مؤسس دولة باكستان") ، نبه بأن كلمة "تقدير" ، لم ترد فى القرآن الكريم لتدل على أن الله سبحانه وتعالى ، قد قدر علينا فعل الخير وفعل الشر ، بمعنى أننا مسيرين لا مخيرين ، وأن الكلمة جاءت بمعنى الدقة فى الخلق والتقدير المحكم ، كما تبين الآيات التالية :::
*( 1 ) *سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {1} الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى {2} وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى {3} سورة الأعلى
( 2 ) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {49} سورة القمر
( 3 ) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} سورة يس
( 4 ) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ {18} مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ {19} سورة عبس
(مداخلة : راجعت مشتقات الكلمة بمعجم ألفاظ القرآن الكريم ، كلمة كلمة ، فلم أجد قط معنى تقدير أعمال الإنسان من خير وشر ، أما ما ورد بالأحاديث من الإيمان بالقدر خيره وشره ، فهذا ينصب على ما يقع على الإنسان من أحداث خير أو شر لكى يختبر ، "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {35} سورة الأنبياء" ، بمعنى "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {51} سورة التوبة) .
ولا يفهم أحد من المسلمين من هذه الآيات ، أنه سبحانه خلق الخلق وقدره ، ثم تركه يعمل تلقائيا ، بل هو قيوم السموات والأرض وهو رب كل شئ ومليكه ، وهو الذى يمسك السموات والأرض أن تزولا ، وكل شئ يدار بحكمته وعلمه .
(مداخلة : يحضرنى هنا محاضرة سمعتها من شيخنا الفاضل "محمد متولى الشعراوى" ، فى مسألة التسيير والتخيير ، أضيفها هنا لإثراء الموضوع ، وقد كنت قد قرأت بعضا منها فى كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم فى شرح سورة الفاتحة ... الأصل هو هذه الآيات الكريمة "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {10} سورة الشمس" ، فالإنسان هو الذى يزكى نفسه فيكون من المفلحين ، وهو الذى يكون سببا فى خيبتها . والهداية كما وردت فى القرآن الكريم ، هداياتان ، هداية الرسل ، وهى لا تتعدى البيان والإيضاح ، وهداية استأثر بها سبحانه ، وهى هداية التمكين والثبات .
فحينما يقول الله للرسول "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {56} سورة القصص" ، فهذه الهداية التى استأثر بها سبحانه ... وحينما يقول "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {52} سورة الشورى" ، فهذه هداية الشرح والبيان ، هداية الرسل . وبناء على ذلك لا يختلط الأمر حينما تذكر أيا من الهدايتين .
وكثيرا ما كنت أقول لبعض المسلمين حينما أطلب منهم الإلتزام وأداء الصلاة ، فيردون على بنوع من التراخى قائلين "ربنا يهدينا" ، فأقول لهم "لقد هداك الله فعلا ، وهذه الهداية التى تطلبها ، أطلبها فى المسجد وعلى سجادة الصلاة ، فقد هداك الله بما أرسل به الرسل ، فإذا اهتديت بهذه الهداية فلتطلب منه التمكين والثبات" . فالله يقول "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ {17} سورة محمد" ، فنسب الهداية لك أولا ، فإذا اهتديت أتاك من فضله .
وبالمقابل فال فى اليهود "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {5} سورة الصف" ، فالجزاء من الله سبحانه العادل ، هو من جنس العمل .
وكان من استشهاد فضيلته لتوضيح المعنى هذه الآية "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {17} سورة فصلت" . فقد ذكرت الآية الهداية المنسوبة للبشر ، بحيث يقبلوها او لا يقبلوها ، لأنه لو كان المقصود هداية التمكين من الله ، لكانوا أجبروا على الهدى .
أما بخصوص علم الله المحيط بكل شئ ، فهو لا يؤثر فى فعل الإنسان بل يعلم ماذا ستفعل . وضرب مثلا على ذلك ، بمدرس أحد العلوم طلب من مدير المدرسة تقييم طلبته ، فقيمهم له وأعطى كل طالب درجة ، فطلب منه المدير أن يعقد لهم اختبار ، فعقد لهم الإختبار ، وكانت نتيجته هى نفس ما تنبأ به المدرس ... فهل علمه بمستواهم أثر على أدائهم فى الإختبار ؟؟؟ ... وهكذا علم الله ، ولله المثل الأعلى) .
هدف الإنسان من الحياة :
إذا لم تؤمن بأن هناك حياة أخرى بعد الموت ، فتصبح حياتنا هذه فى نظرك حياة لا معنى لها . ويصبح قبولك للفضائل والقيم عبثيا ، ولا تؤدى بك للإعتراف بوجود الله سبحانه وتعالى ، ولا لربط هذه الفضائل والقيم بعظمته . أما إذا آمنا بالله ربا ، فسنربط كل قيمنا ومفاهيمنا من العدل والحب والتعاطف والتسامح والصدق والرحمة به ، وسيصبح لها معنى فى حياتنا ، لأنها فى هذه الحالة مرتبطة بالله سبحانه ونابعة من عظمته . وهنا ، نفس الحياة يصبح لها معنى ، ويصبح ما نلاقيه من شظف العيش والمعاناة والخطأ والصواب الذى نقع فيه ، مقبولا ما دمنا نربطه باليوم الآخر . ما هو الغرض مما نلاقيه من صعوبات ؟ لماذا لم تبدأ حياتنا كبشر فى الجنة ؟ وكانت الحياة الدنيا فى تقدير الله سبحانه وتعالى مرحلة لابد منها لوجود الإنسان :
( 1 ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {191} سورة آل عمران
( 2 ) *وَمَا خَلَقْنَا السَّموَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ {38} سورة الدخان
( 3 ) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ {16} لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ {17} سورة الأنبياء
( 4 ) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {116} سورة المؤمنون
وفى حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنما الأعمال بالنيات ......" . ومفهومنا للهدف من الحياة يجب أن يعتمد على تأكيدات القرآن الكريم المترابطة ، وذلك للحصول على السعادة فى الدارين ، الدنيا والآخرة :::
( 1 ) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً {60} جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً {61} لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً {62} تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً {63} سورة مريم
( 2 ) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى {17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى {18} وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى {19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى {20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى {21} سورة الليل
( 3 ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ {6} سورة التين
( 4 ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {8} سورة الزلزلة
الإيمان بالله ، يؤدى إلى الأعمال الصالحة ، والسعادة الدائمة ؛ والإستقامة فى العمل إذا أديت بالنوايا الصادقة ، فهى تؤدى إلى مزيد من الإيمان وسلام داخلى أعمق . الله سبحانه ، ليس محتاجا لأعمالنا ، والخلاص الحق لا نصل إليه بمجرد الطقوس والشكليات ، فى العلاقات الإنسانية الإيمان الحقيقى يترجم بمدى التبتل فى العمل وخدمة المجتمع البشرى :
( 1 ) *لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {177} سورة البقرة
( 2 ) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {36} لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {37} سورة الحج
( 3 ) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110} سورة آل عمران
( 4 ) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {6} سورة العنكبوت
( 5 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً {96} فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً {97} سورة مريم
يربط القرآن الكريم ، سعادتنا وشقاءنا سواء فى الدنيا أو الآخرة ، بعقيدتنا ومدى تفاعلنا مع المجتمع الإنسانى . لذلك نجد الفتنة والإختبار فى كل لحظة من حياتنا ، فى أزواجنا ، أبائنا ، أبناءنا ، أقاربنا ، الفقير ، اليتيم ، ابن السبيل ، فى ثرواتنا ، فى نزاعتنا بعضنا مع البعض ، وهكذا . ويحضنا على أن نعطى أكثر مما نأخذ ، لنعفو ولا ننتقم ، نحب ولا نكره ، لنتعاطف ، لنكون عدولا حتى مع أعدائنا ، وذلك لأن هذه الأمور هى التى تجلب لنا السعادتين . يحثنا القرآن على كل ذلك ، وفى نفس الوقت لا ينهانا عن زينة الدنيا للإنسان ، فهى ضرورية له للحياة ، مع الحرص على أن نكون مع الله فى كل الأحوال .
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14} قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {15} سورة آل عمران
وهكذا يصف لنا القرآن الكريم ، ما نلقاه فى الآخرة نتيجة صبرنا وصدقنا فى الإيمان بالله ، وكرمنا مع المحتاج ، وتبتلنا فى طلب المغفرة لخطئنا من قلوب خاشعة :::
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {15} الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {16} الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ {17} سورة آل عمران
( 13 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
حينما كنت طفلا ، سألت أبى "أتعتقد يا أبى أن دخول الجنة متاح لنا ؟" ... فقال "لا أتخيل هذا ، لأن الإنسان لن يستطيع التغلب على الحسد ، والكراهية ، والجشع ، والغضب ... وإلى حد ما فقد رأيت أنه مصيب فى قوله ، لأن الإنسان لا يصح له العيش فى الجنة إلا إذا تخلص من هذه الآفات إلى حد كبير !!!
وهذا لا يعنى أن الإنسان لابد أن يكون مثاليا ، ولكن عليه أن يحاول للوصول لها والتغلب على الآفات وسيجد العون من الله .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ {7} سورة العنكبوت
وعند دخولهم الجنة يتم تطهيرهم ليكونوا أهلا للبقاء بها :::
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {43} سورة الأعراف
وهكذا فالغرض من الحياة الدنيا بدأ فى الوضوح . ننمو فى الفضيلة ونقاوم الرذيلة ، نعيش للقيم الرفيعة ، والحكمة ، والعدل ، والرحمة ، والتسامح ، والحق ، والإهتمام والحب للآخرين ، والتعاطف ، والصبر ، والكرم من خلال كفاحنا ومقاوماتنا . ويذكر كل ذلك فى القرآن الكريم ، على انه من علامات الإيمان الصحيح . لا نفعل كل ذلك لمجرد أن نحقق الأمة الفاضلة ، بل لأن هذه هى صفات الله سبحانه وتعالى الواحد الباقى ، مطلق الصفات . وبتبنى هذه الصفات نكون أهلا لرحمته سبحانه وفضله وعفوه ومغفرته ونكون من المقربين لديه .
خذ كمثال ، عاطفة الحب ... كلما ازددنا تذوقا لحب البشر ، كلما نضجت تجربتنا فى حب الله . أنا أفهم أن شعور أطفالى بحبى لهم أكبر من شعور كلبى بحبى له أكبر من شعور سمكتى بحبى لها , وذلك لأن إدراك أطفالى لهذا الشعور ، أعلى درجة من شعور كلبى وسمكتى . كما أن إدراكى لحب والديى لى ، يختلف الآن عن فترة الصبا . وذلك بعد أن أنجبت أطفالى ، ازداد شعورى لعاطفة حب الآباء لأبنائهم . ولهذا فكلما زدنا فى تجاربنا هذه ، كلما زدنا فى حب الله العظيم ، هنا فى الدنيا وهناك فى الآخرة .
"مداخلة : يفسر كثير من المفسرين معنى الخلافة فى الأرض ، بأنها خلافة الإنسان عن الله سبحانه ، وهذا المعنى ليس ببعيد ، فالمطلوب من البشر أن يجاهدوا أنفسهم ليحققوا كثيرا من صفات الله فى الأرض ، فجمال هذه الصفات وحسنها ، تدفع الإنسان للعمل على التشبه بها كإنسان لا كإله ، وتمسكه بهذه الصفات لا يخرجه عن بشريته ، بل يدل على حبه لخالقه .
كما أن هذه اللفتة ، تجعلنا نفكر فى معنى العبودية لله ، فصفات الله الحسنى ، لا يدور فيها إلا العبد المؤمن ، فالله قد خلقك وصورك ، فوجودك هو عبودية فى أسمائه سبحانه الخالق المصور ، والله منحك العلم وعلمك وعلم آدم الأسماء كلها ، فبعلمك تعبده فى اسمه العليم ، وأنت كمؤمن بالله ، قد تخطئ فتتوب ، فيقبل توبتك التواب الرحيم ، ويغفر لك ذنبك الغفور العفو ، وحينما تخطئ تعترف بضعفك أمام القوى وترى فضله عليك ، وهكذا ...... يدور المؤمن فى صفات الله كلها ، قد يكفيك منها تسعة وتسعون اسما كما ورد فى الحديث الشريف ، وإن زدت عن ذلك ، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
أما غير المؤمن بالله ، فهناك أسماء وصفات ، تسرى عليه رغم أنفه ، وهناك أسماء أخرى لا يقترب منها ظلما لنفسه ، كالتواب والرحيم والغفور والعفو والشكور ....... " .
يوم الحساب :
يوصف يوم القيامة ، حيث يتم فيه الحساب ، فى القرآن الكريم بأنه اللحظة الحاسمة التى لا حصر لها ، والتى تعرض فيها حقائق سعينا فى الحياة الدنيا واضحة لا يخفى منها خافية . فى هذا اليوم سنواجه بحقيقة ما وصلنا إليه ، وما كنا فيه من غفلة ولهو ، وسنترك وحيدين مع معتقداتنا الرئيسية وإنجازاتنا الروحية :
فى هذه اللحظة :
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ {8} سورة الزلزلة
وحسب التعبير القرآنى فمن ثقلت موازينه سينعم ويجد الحياة الرغدة ، وأما من خفت موازينه ، فسيلقى سعيرا وعذابا وحياة تعسة . كل ذلك بناء على تصرفاتنا الروحية والأخلاقية فى الدنيا . وبما أن هناك درجات فى الإلتزام الروحى والخلقى فى الدنيا ، فكذلك يقابلها درجات فى الجنة فى الآخرة . والعذاب فى النار كذلك دركات ، حسب دركات الإجرام فى الدنيا . وهذا كما هو موضح بالقرآن الكريم وبالسنة المحمدية . مرحلية تبدأ بوجودنا بالدنيا وتتطور لنصل إلى مصيرنا بالآخرة ، كما يحدث للجنين فى بطن أمه ، وعندئذ "........ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ......." .
تمر بنا فى حياتنا ومن تجاربنا ، ملامح ضئيلة جدا مما سنلقاه فى الجنة . عدم الأنانية ، والحب الذى يؤدى إلى التضحية بالنفس ، ويتمثل فى حب الآباء لأبنائهم . فكلما أنظر إلى بناتى الثلاثة وهن نيام بالليل ، أقف أمامهن أنا وزوجتى بشعور فياض ، وإحساس غامر بالدفء يملأ عينيى بالدموع ، وكما يقول المسلمون "شعور يساوى الدنيا وما فيها" .
"مداخلة : بمناسبة ذكر عدم الأنانية ، فكلما دعوت بهذا الدعاء (اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر) ، أشعر بجمال الإسلام وبروعة هدى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأنا أحمد النعمة على وعلى غيرى لأنها من رحمة الله سبحانه وتعالى ، ولا أحسد هذه النعمة على غيرى " .بجوار هذه الجماليات وهذه السعادة ومتوازيا معها ، نجد الإنحطاط الخلقى والمعاناة . ولكن لماذا ؟؟؟ فالجماليات التى ذكرناها تزين الحياة وتجعلها عظيمة البهجة - فلماذا لم نخلق من البداية هكذا أنقياء أتقياء ؟ لماذا لم نخلق مستقرين فى الجنة ؟ لماذا لم نكن مبرمجين على الخير فقط ؟
الجواب عن ذلك ، قد يكون واضحا : فالفضيلة ، إذا برمجت ، لن تكون الفضيلة الحقيقية ، فستكون شئ أقل . قد تبرمج كومبيوتر مثلا ، على ألا يصدر بيانات خاطئة ، وبالرغم من ذلك فلن يكون كومبيوتر مثاليا . وكذلك فجهاز الأشعة المقطعية (CAT Scanner) لا يمتلك الشفقة بالرغم من أنه يساعد المريض . القرآن الكريم ذكر أوصاف الملائكة بأنهم "......... لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} سورة التحريم ، وبالرغم من ذلك فالإنسان أفضل من الملائكة :
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {33} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34} سورة البقرة
فقد أكد القرآن الكريم على ثلاث صفات للإنسان ... الإرادة الحرة ، أو القدرة على الإختيار .. الفهم ، وهو الأداة لوزن نتائج اختياره والتعلم منها .. وثالثا ، وهذا فى نفس الأهمية ، هو مجابهة الشدائد .
نعود للمثالين السابقين ، لتتعلم الصدق ، يقتضى هذا إمكانية الكذب ، وبالتالى حرية الإختيار والتمييز . المستوى العالى من الأمانة يمكن الوصول إليه ، إذا أصررنا على قول الصدق حتى فى الشدائد ، واحتمال الخسائر الطبيعية والمادية . لتكون عطوفا ، لابد أن تقاسى وتتجاهل المشقة فى سبيل ذلك . وهكذا كل القيم :
الحب .. الصدقة .. العدل .. التسامح ..... الخ . لكى تمارس هذه الفضائل ، لابد أن تكون مخيرا لتمارس ما هو ضدها من كره ، وجشع ، وظلم ، وغضب ، فى جو من معاناة الفضيلة .
من الطبيعى ، أن يكون لدينا حب الخير من البداية ، على الأقل بذور من الفضيلة والتقوى حينما جئنا لهذه الدنيا . وهذا ما يفهمه المسلم ، من قوله سبحانه "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ {29} سورة الحجر" .
وهذا يوضحه أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ، ثم يقول : { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } .
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح"مداخلة : الروح من أمر الله وأمر الله يندرج تحت هذه الآية الكريمة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {82} سورة يس) ، فالروح خلق من خلق الله ، ونسبتها لله كنسبة الأشياء التى فضلها الله من خلقه ، كبيت الله ، وعبد الله ، وناقة الله ، ورسول الله ، وكتاب الله" .
الهدف من البأساء والضراء ، والمعاناة والكفاح فى الحياة الدنيا ، هى لكى نطور أوضاعنا الروحية والأخلاقية ، بالإضافة لنتذكر دائما الغرض المطلوب منا فى هذه الحياة وفى الأوقات العصيبة ، وهذا كما يبينه القرآن الكريم :
( 1 ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} سورة البقرة
( 2 ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ {214} سورة البقرة
( 3 ) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186}
( 4 ) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ {6} سورة الإنشقاق
( 5 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {200} سورة آل عمران
وهكذا فالحياة الدنيا هى المجال المتاح لنا للتقدم والتقهقر الروحى والخلقى ، وبالرغم من أنه سبحانه قد أعطانا الفرص العديدة للهداية ، إلا أنه لم يجبلنا عليها :
"........... أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً .........." {31} سورة الرعد
ترك لنا التجربة ، وبالإرتفاع على اخطائنا ، والعودة إليه والتوبة ، نصل إلى مستويات عالية من الصفاء ، بل يعيننا الله للوصول إليها :
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {70} سورة الفرقان
( 14 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
إنكار الألوهية ... كمثل ... لاشك أنه من أخطر الذنوب ، ولكن أن تقع فى هذا الذنب ، وتعايش البؤس والفراغ الذى يتغشاك ، ثم تجد حلاوة الإيمان ، لهى تجربة قيمة جدا بالرغم من قساوتها ، نتيجة لرفضك الإيمان بحقيقة تم تحذيرك منها - وأصبحت اليوم من الدروس الواضحة المعالم .
روحانياتنا يحدث لها ركود إن لم يكن هناك إمكانية الخطأ ثم التحقق من الصواب ثم التكيف للحق . وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم". ونقرأ فى القرآن الكريم :::
( 1 ) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً {17} سورة الكهف
( 2 ) فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {8} سورة فاطر
( 3 ) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23} سورة الزمر
يقول جولدزهير "Goldziher" أن التعبير هنا ، لا يعنى أن الله يجبر أحدا على الضلال ، بل يتركه لضلاله إن أراده . وكذلك إن أراد الهداية أعانه الله عليها ، كما يتضح من الآية التالية :::
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {110} سورة الأنعام
ولنتصور مسافر يريد الوصول إلى هدف ما ، فوصل لمفترق طرق ، فسأل عن الهداية ، فدُل على الطريق الصحيح ، فإما أن يقبل ما دُل عليه مصدقا لمن دله ، ويسير فى الطريق الذى يوصل إلى هدفه ، وإما أن يرفض الهداية شاكا فيمن دله ، ويسير فى الطريق الخطأ ، هنا فمن قبل الهداية ، يساعد على مصاعب الطريق وتوضح له العثرات التى سيقابلها ، أما ألاخر فيترك لضلاله وعمايته .
والقرأن الكريم يبين لنا من هم الذين يستحقون الضلالة من الله ، ومن هم الذين يستحقون الهداية . ففى الضلالة (الفاسقين "البقرة : 26" .. الظالمين "البقرة : 258" .. الكافرين "البقرة : 264") ... وفى الهداية من اتبع رضوانه "المائدة : 16" .. يهديهم ربهم بإيمانهم "يونس : 9" .. وهدوا إلى الطيب من القول "الحج : 24" .. آمنوا بربهم وزدناهم هدى "الكهف : 13" .. ويزيد الله الذين اهتدوا هدى "مريم : 76" ) .ومن هذا يتضح بأنه سبحانه ، لا ينظر إلا إلى المخلص والراغب فى التوجه لعظمته ، والله يهدى الذين يبحثون عنه :
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186} سورة البقرة
وهناك حديث يعرفه المسلمون جيدا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
القاعدة كما وردت بالقرآن الكريم ، أن المستفيد الرئيسى من توجيه الإرادة والعمل الصالح ، أو العكس ، لا أحد غير أنفسنا :
( 1 ) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {6} سورة العنكبوت
( 2 ) قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ {104} سورة الأنعام
( 3 ) إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ {41} سورة الزمر
من الآيات أعلاه ، يتبين لنا نظرة الإسلام لارتكابنا للذنوب ، فهى مدمرة لنا بفعلنا نحن لها لأنها تخرجنا عن طبيعتنا . فالله سبحانه لم يجبرنا على فعلها ، بل نحن الذين أسأنا إلى أنفسنا :::
( 1 ) لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {181} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ {182} سورة آل عمران
( 2 ) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {50} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ {51} سورة الأنفال
( 3 ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {53} سورة الأعراف
( 4 ) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {70} سورة التوبة
أنا مدين "لفضل الرحمن" بملاحظاته هذه فى هذا الشأن ، وذلك ما ورد فى كتابه "موضوعات رائدة فى القرآن Major Themes of the Qur'an" .
ومن رحمة الله سبحانه ، أنه يقبل التوبة عن عباده المنيبين إليه :
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53} سورة الزمر
العبارة التى وردت فى الآية "أسرفوا على أنفسهم" ، معناها ظلموا أنفسهم ، وحرموها من الخير واضطهدوها ، وهذا يوحى بأن اقتراف الذنب ، ما هو إلا تحطيم للنفس . وحينما يقول القرآن الكريم بأننا نرتكب ظلما لأنفسنا ، فهذا لأننا بالفعل نؤذيها ونسرق منها نمونا الروحى .
الطريق المستقيم :
حدد سيجموند فرويد "Sigmund Freud" ثلاثة عناصر للتأثير فى روح الإنسان : الهوية .. الأنا .. الأنا العليا . ويعرف الهوية بأنها مصدر الطاقة الروحية التى تثير الميول الحيوانية فى الإنسان والتى تعمل على بقائه الحيوى ، كالجشع ، والقوة ، والشهوة ، والحقد والتفاخر بالنفس . أما الأنا العليا فهى المسئولة عن حبه للفضيلة ، والأخلاق ، والذنب . فهى تدفعنا إلى ما نعتبره قيم عليا ، وأمور نبيلة . أما الأنا ، فهى الفكر الذى ينظم ويتحكم ويوازن بين إحتياجات الهوية مع متطلبات المجتمع والأنا العليا . ويعتقد فرويد ، بأن الشخصية الصحية ، هى التى يوازن فيها "الأنا" بين العنصرين الآخرين ، الهوية والأنا العليا بكفاءة ، لأنه فى حالة هيمنة أحدهما على الآخر ، فهذا يؤدى إلى تدمير النفس أو المجتمع . مفهوم فرويد هذا ، أدى إلى محاولات ودراسات ، للتمييز بين هذه العناصر الثلاثة .
وهذا التحليل صحيح من الوجهة الإسلامية ، فالعناصر الثلاثة تندرج تحت ، الشيطانية .. النفس .. الملائكية . فالشياطين سواء من الإنس والجن ، كما ورد بسورة الناس ، توسوس للإنسان بطريق خفى ليشبع رغباته ، والملائكية بالإضافة لأشياء أخرى ، تلهم بالشهامة والتضحية بالنفس . أما النفس فهى شخصية الإنسان التى توازن وتتحكم فى هذه التأثيرات . "مداخلة : النفس أُلهمت فجورها وتقواها حسب ما جاء بالقرآن الكريم ، وهنا يتنازعها الشياطين والملائكة ، الشياطين للفجور ، والملائكة للتقوى وذلك حسب ما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة : فأما لمة الشيطان ، فإيعاد بالشر ، وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك ، فإيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك ، فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى ، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ : { الشيطان يعدكم الفقر ويأمر بالفحشاء } الآية)) ... وبهذا فالشيطان يلعب على الفجور فى نفس الإنسان ، والملك ينبه فيها التقوى" .
هذه العناصر الثلاثة ، إذا تحكم فيها الإنسان بكفاءة ، كانت النتيجة لصالح الفرد والجماعة . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد فى صحيح مسلم "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن . قالوا : وإياك ؟ يا رسول الله ! قال : وإياي . إلا أن الله أعانني عليه فأسلم . فلا يأمرني إلا بخير . غير أن في حديث سفيان . وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة" .
الزوجية هى سنة الخلق كما ورد فى القرآن : وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {49} سورة الذاريات . فخلق الإنسان من مادة وروح للتكامل لا للتنافر بينهما ، وذلك يكون بالميزان الذى قدره سبحانه : وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ {8} سورة الرحمن
فالمسلم يجاهد نفسه ليحفظها على الطريق الوسط بين المادية والروحية ، بين الإنحطاط والسمو - وذلك من خلال الهداية والعمل والكفاح والخطأ والصواب . هو يحاول التقدم والنمو بالتقوى كما يقول القرآن ، وترجمتها "الخوف" ، والمعنى القرب هو "اليقظة" أو "المدافعة" ، وفى عرف الإسلام يكون ذلك بنقد النفس واتهامها والإستعداد للإستسلام للإيمان .
ويحذر القرآن أتباعه المؤمنين بتصويره للمنافقين والكذابين والجبناء والبخلاء ، ذاكرا أن هذه الآفات هى التى تحطم الإنسان . حاثا لهم على أن يحاسبوا أنفسهم ، ويراجعوا نياتهم ومدى صدقها : وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ {48} سورة الحاقة
كان أول ما أمر جبريل به الرسول عليه الصلاة والسلام القراءة ، وبالنسبة لنا ، فقراءة القرآن الكريم والمداومة على قراءته ، تنير لنا طريقنا المستقيم ، فالقرآن ينذر ويبشر ، كما أن الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج ، تعين المؤمن فى مراحل حياته وتأطره أطرا لهذا الطريق المستقيم . فهذه الفرائض تذكره باستمرار بهدفه ، وتعمل على تقوية شعوره الداخلى وعزيمته وسلوكه .
فى الغرب ، حينما سلم أحدهم يشعر بأنه يزحف فى ركن ما . وفجأة يجد نفسه أمام المشككين ، والمصدومين ، وفى بعض الأحيان الرافضين لسلوكه هذا ، سواء من العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء . بالطبع هذا من رواسب القرون الطويلة فى مهاجمة الإسلام والخصومة له ، وتشويه مفاهيمه ، ووسائل الإعلام الحريصة على ذكر كل نقيصة تتحدث . ولا شك أن هذا من التحديات التى تواجه من يدخل فى الإسلام حديثا .
بالنسبة لى شخصيا ، فقد وجدت فى المواظبة على الصلاة العون على ذلك والمساعدة فى مواجهة الصعوبات . خصوصا صلاة الفجر ، وفى البداية وجدت صعوبة فى انتزاع نفسى من السرير الساعة الخامسة صباحا ، فوجدت العون بأن أضبط ثلاث ساعات لتوقظنى ، أحدها بجوار السرير والأخرى بمكان بعيد بعض الشئ ، والثالثة بالقرب من دورة المياه . وأجعل بينها فرق خمسة دقائق لكل ، فحينما تدق التى بجوارى تلقائيا أسكتها ، وبعد خمس دقائق تدق الثانية ، فأتحرك لأطفئها ، وبعد الخمس الأخيرة أذهب لدورة المياه لأنوضأ وأؤدى الصلاة فى موعدها . وبعد فترة تناقصت الثلاث لاثنتين ثم لواحدة ، بل فى بعض الأحيان لو حدث سهو فى ضبطها ، أجدنى أقوم فى الوقت المحدد دون تنبيه . وهكذا كل الشعائر الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه الأمور لتربية النفس .
( 15 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
بالنسبة لى شخصيا ، فقد وجدت فى المواظبة على الصلاة العون على ذلك والمساعدة فى مواجهة الصعوبات . خصوصا صلاة الفجر ، وفى البداية وجدت صعوبة فى انتزاع نفسى من السرير الساعة الخامسة صباحا ، فوجدت العون بأن أضبط ثلاث ساعات لتوقظنى ، أحدها بجوار السرير والأخرى بمكان بعيد بعض الشئ ، والثالثة بالقرب من دورة المياه . وأجعل بينها فرق خمسة دقائق لكل ، فحينما تدق التى بجوارى تلقائيا أسكتها ، وبعد خمس دقائق تدق الثانية ، فأتحرك لأطفئها ، وبعد الخمس الأخيرة أذهب لدورة المياه لأنوضأ وأؤدى الصلاة فى موعدها . وبعد فترة تناقصت الثلاث لاثنتين ثم لواحدة ، بل فى بعض الأحيان لو حدث سهو فى ضبطها ، أجدنى أقوم فى الوقت المحدد دون تنبيه . وهكذا كل الشعائر الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه الأمور لتربية النفس . إختبارها لمدى الإلتزام ، ثم تعويدها على مقاومة الشيطان .
وقد ناقشت بعض أصدقائى ، وقلت لهم ، بغض النظر عن عقيدكم ، لو استطعتم أن تعودوا أنفسكم على الإستيقاظ يوميا فى الخامسة صباحا ، ستشعرون بأنكم قادرون على تحدى ما هو أصعب من هذا .
وتأتى مرحلة لمن اعتنق الإسلام حدبثا ، بعد النشوة التى شعر بها لدخوله إلى النور ، حينما يصبح الإلتزام والشعائر ثقال وروتينى .
"مداخلة : هذه هى مرحلة نشاط الشيطان ليخرج الناس من النور إلى الظلمات" .
وكما ذكرت سابقا ، فالمؤمنون الجدد يرون فى ذلك إختبارا وتمحيصا وتدريبا على المثابرة وتقوية العزيمة والإلتزام بالإيمان . ولذلك فهم يرون أن شعائر الإسلام تساعد المسلم على نفسه وعلى الشيطان . وذلك يمتد لكل العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج . وهذا هو جمال الإسلام . ولهذا فالمسلم الملتزم ، يجد نفسه يترقى فى تمسكه بالإسلام من يوم ليوم ، ويستشعر وجود الله سبحانه وتعالى فى كل وقت وحين ، ويزداد حبا لله ، هذا الحب الذى يسيطر على حياتهم ويوجه أفعالهم لكى تكون خالصة لوجهه الكريم . وهذا ما أسميه "عناقا قدسيا" . وهكذا ، فالشعائر بالنسبة للمسلم ، هى أبواب مفتحة لتنسم الحياة ، والشعور بحقيقتها ، وأنه أصبح لها معنى ، أفضل من أى شئ آخر على الأرض . وفى النهاية ، فإن هذا العطش لهذه الحياة الروحية ، وهذا الحب القدسى ، لهى المعين على الصعاب ، وهى الأمل للوصول لحياة أفضل من الحياة الدنيا .
وبالنسبة لى ، فصلاة الفجر فى المسجد واحدة من أجمل الشعائر المحركة للشعور فى الإسلام . هناك شئ باطنى فى الإستيقاظ والناس نيام ، واستماع آيات القرآن الكريم بأصوات ندية تملأ الظلام . فكأنك لفترة قد تركت هذه الدنيا لتَسْبَحَ مع الملائكة وفى الكون لتكون مع الله العلى العظيم .
على كل حال ، فالعبادة فى الإسلام تغطى معنى أكثر من أنها طقوس ، وكما هو الحال فى العديد من المفاهيم الإسلامية ، فجوهر العبادة يفهم من نفس الكلمة . العبادة مشتقة من كلمة"عبْد" أى خادم ، وبذلك فالهدف من العبادة هى الإلتزام التام والخضوع لله سبحانه وتعالى . والشرك فى العبادة هو أن تذل نفسك وتُعَبدُها لغير خالقك وتشرك معه آخرين والنتيجة هى تحطيم ذاتك . وحينما يقول القرآن الكريم "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً {43} سورة الفرقان" ، فهو يصور هذا الشخص الذى صار عبدا لأهواءه . وهناك أمثلة كثيرة تبين مدى تحكم الجشع والتقاليد والفخر والثروة والرغبات المختلفة بالإضافة إلى المؤلهين فى الدنيا . لكى تكون عبدا لهذه الآلهة الخاطئة ، لتنافس عبادتك لله وحده ، فسيبعدك ذلك عن تزكية نفسك وكمالها ، وظلمها ودمارها . الأمان الحقيقى والسعادة للإنسان ، هى تطويع رغباته لعبادة الله ، والحرص على ألا ينحرف نظره عن هدفه هذا .
المسلم لا يرى خضوعه لله سبحانه وتعالى هزيمة أو إذلال له ، بل يرى فيه حريته الحقيقية وإنسانيته الصحيحة ، بكل معنى الكلمة . هذا الخضوع لله ، هو نظام للهداية : داخليا نحو نفسه ، وخارجيا نحو زملائه من المخلوقات ، وذلك إضافة لعودته إلى خالقه كهدف نهائى . على الأقل يطلب المسلم من الله سبحانه وتعالى هدايته للصراط المستقيم ، سبعة عشرة مرة ، فى صلاته ، الصراط الذى يؤدى إلى الأمن الداخلى . الصراط الذى إذا كشف لنا ، حصلنا على القوة ، والجمال ، والسعادة المطمئنة فى هذه الحياة ، وفى الحياة الآخرة . حياة الإنسان صراع وبحث عن الروعة والرفعة والإستسلام الجميل ، وسعداء الحظ من يحصلون عليه ، والكل يتمنى الحصول عليه ويتوق للإستسلام للإيمان ... هذا هو الإسلام .
إعتبارات داخلية :
الكتب المقدسة لها طريقة لإحراج الإنسان وتعرية أسراره وضعفه . قد تكون قاسية لقراءتها ، طارحة علينا أسئلة نتهرب من الإجابة عنها أو تأجيل ذلك . تدريجيا وبدون أن نلحظ ، يعمل القرآن الكريم على إضعاف مقاومتنا .
وبدون توقع منك وأنت تقرأ القرآن ، تأتيك هذه الآيات التى تكشف إنسانيتنا لتؤدى تأثيرها فيك :
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {39} أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ {40} سورة النور
الملحد يعرف تماما ما هو الذى يستميت فى البحث عنه . يصرف حياته فى مسعى عقيم عن السعادة ، ويقضيها فى تتبع أشياء فارغة الواحدة بعد الأخرى ، يخرج من كل منها بالإحباط الذى يزيد من ظمأه بينما يتعلق بالظلام ويغرق فى أمور ؤقتية . *. يبرر ويحاجج فى قضيته متهما ومتحديا لله سبحانه وتعالى فى سبيلها . مؤكدا بأنه يجادل فى قضية نبيلة ، فى حين أنه يؤذى الناس ويؤذى نفسه قبلهم . هو ينغمس ببطء ويغلف نفسه بالضلالة .
"مداخلة : هذا وصف ملحد خبر الإلحاد ، ألا يتفق تماما مع قوله سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} سورة طه) " .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {205} سورة البقرة .
يتسابق فى الدنيا ليجمع أكثر مما يستهلك ظنا منه بأن فى ذلك سعادته ، وإلى أى مدى يكون هذا الجمع ؟؟؟ يظن أن رومانسيته تكون بعيدا عن الأسرة ويسعى لإشباع رغباته ، يتطلع للكمال ، ولن يملأ كل سرور الدنيا فراغ نفسه . والقرآن الكريم يؤكد له أن ثمرة عمله هذا سيراها حين لحظة الموت ، وحين البعث يوم القيامة . ولو أنه نظر إلى نفسه الآن بعين الحقيقة ، لتأكد أنه يعيش فى الجحيم :
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8} سورة التكاثر
وحينما يصور القرآن الكريم ، الجبان والمنافق والمنكر للحق والمستبد وأزلامه والمرائى فى عبادته بينما يهمل معاناة المحتاجين ، يعرف القارئ له ، أن هذه الأمور ، إلى حد ما ، ليس من الإسلام فى شئ .
نقرأ فى القرآن صفة المنافقين حينما يحين موعد الصلاة :
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} سورة المائدة
وكذلك صفة أؤلئكم المصلين الذين يرفضون عمل الخير لليتامى والمساكين والمحتاجين :
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ {1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ {2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ {3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ {4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ {6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ {7} سورة الماعون
ومن الصور الأخرى ، فإننا نرى أنانيتنا حينما يطلب منا العون والقتال فى قضية عادلة وكيف أدرنا ظهرنا ولم نكترث لمن يشاركونا فى الإيمان :
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً {75} سورة النساء
بمثل هذه الصور فى القرآن الكريم ، تكون تعرية أنفسنا وتعتبر موازين نقيس أنفسنا عليها . كما أن بالقرآن الكريم أمثلة أخرى ، للمصطفين عليهم الصلاة والسلام ، لتكون قدوة لنا : وهم الأنبياء مثل إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم السلام ، ومن النساء مثل السيدة مريم ، وآسيا إمرأة فرعون المستبد ، وملكة سبأ الذى تحولت من الشرك للإيمان بالله ؛ وسحرة فرعون التائبون ، والذين أعلنوا جهارا إيمانهم بالله رغم إنذارهم بالصلب ، ومؤمن آل فرعون الذى جاهر بإيمانه تأييدا للنبى موسى ، وأصحاب الأخدود ، وأصحاب الكهف ، وصبر سيدنا يعقوب المسن كما ورد بسورة يوسف . صورا لرجال ونساء وأطفال ، وأزواج وزوجات ، من المؤمنين وغير المؤمنين - عمليا نوعيات مختلفة من البشر ، منظور إجتماعى متكامل يساعدنا على كشف أنفسنا والصراع الذى لا ينتهى فى الحياة : لنجيب لأنفسنا على هذا السؤال : "هل أستسلم للحق ؟ أم أحيد عنه ؟
هذه القصص ، تتوالى فى خطى سريعة . وتدفعنا للمواجهة بين المنكر والمدافع عن الحق . التوتر فى المجابهة يعمل على أن نصل إلى قرارا سريع ، فالحياة فى الميزان . وخلال هذه الصور تقريبا ، يلوح للمؤمنين بالإنذار . ويغطى القرآن هذه النزاعات من وجهات نظر متعددة : بالنسبة للنبى والذين يؤمنون به ، وذلك المعاند وأتباعه ، ويناقش حجج الفريقين :
قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {109} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ {110} سورة الأعراف
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى {62} سورة طه
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ {28} يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ {29} وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ {30} مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ {31} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ {32} يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَوَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ {34} الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ {35} وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ {36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ {37} وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ {38} يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ {39} مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌوَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ {41} تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ {42} لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ {43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {44} سورة غافر
ونجد أنفسنا مرغمين على السؤال ، "أين موقعنا من كل هذا ؟؟؟ من من هؤلاء أكون أنا ؟؟؟" .
يتبع
فارس الغربيه
2011-07-29, 07:13 AM
( 16 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
حينما يقرأ أحدنا القرآن الكريم ، ويرى وصف شرائح من الناس كيف يفكرون وكيف يعملون ، والضياع الروحى لمعظمهم ، وقصص عينات كثيرة منهم ، يحدث له تغير ملحوظ . من هذه الصور ، ومن آيات القرآن ، ومن سوره ، يبدأ فى الذهن ظهور صورة واضحة . هناك فى نفسك يبدأ سطوع فجر جديد واضح حاد المعالم ، متغلغل فى جنباتها . يقترب منك القرآن دون أن تشعر ، ويصبح مرآة لنفسك ، ليظهر عيوبها ، وضعفها ، وألمها ، وخسارتها ، ويبين لك إمكانياتك وفشلك . ويخترقها بعمق ، ويأتى بها مذعنة لتقر ... بما كان مختبأ فيها من قبل ، ولكنه العند والجحود ... بأنه "لا إله إلا الله " .
"مداخلة : أليس هذا تصديقا لقوله تعالى ::: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً {82} سورة الإسراء ..... يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {57} سورة يونس)
على كل حال ، فالمعرفة ليست تماما كالإلتزام ؛ هناك ما زال حاجز من الخوف ، واعتقاد بالفصل بين الإيمان والتسليم . ولكن هناك آيات ترد فى القرآن تساعد المرء فى صراعه للإختيار بين البدائل . تأتى هذه الآيات كيد ممتدة من السماء إلى قلبك المضطرب وكأنها تتكلم مع روحك . حينما تريد أن تعرف بأن الله سبحانه معك ويسمعك ، يقول سبحانه لك : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186} .وحينما تشك ، فيؤكد الله لك أنه هناك أمل دائما ::: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53}وفى لحظات استسلامك لعظمته ، ومناجاته مناديا له ، قلقا من ذنوبك ، تتغشاك رحمته وأنت تناجيه ::: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ {193} رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ {194} فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {195}هناك آيات أخرى فى الكتاب ، تفتح أبواب التطهير الروحى والتوبة ، مثل ::: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286}وهناك آيات أخرى تؤكد لك أنه سبحانه لن يتركك إذا بحثت عنه . وأول مرة أقرأ فيها سورة الضحى ، أخذت بوعد الله لنا سبحانه وتعالى ، وبكيت ، ماذا سيحدث لى بعد نصف ساعة ؟؟؟ شعرت بأنى كالطفل التائه ، وأخيرا وجد والديه ، فالسورة تقول لنا أن الله لن يتركنا فى أى وقت سواء نهارا أو ليلا :::
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى {4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {5} أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى {6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى {7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى {8} فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11} سورة الضحى
"مداخلة : لفت نظرى هذا المفهوم الجديد ، وقد تعجبت منه لأول وهلة ، فهذه السورة الكريمة نزلت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور ، إلا أن من يقرأها لأول مرة ولا يعلم سبب نزولها ، كالكاتب ... وبتدبر وجهة نظره ... وجدت أن لها شيئا من الوجاهة ، فهناك قاعدة تقول أن التفسير يأخذ بعموم اللفظ لا بسبب النزول ، ومن إعجاز القرآن الكريم ، أن آياته يكون لها عدة معانى فى نفس الوقت ، أو فى وقت متقدم بعد أن يتقدم العلم ، ولا تتعارض هذه المعانى مع بعضها ، وهذا ليس لنظم آخر غير القرآن الكريم .
نعم ، نحن نولد أيتام ، لا يرعانا أحد إلا بفضل من الله ، بغض النظر عن وجود الأب والأم !!! فهما لا شئ إطلاقا لولا رحمة الله سبحانه التى خلقت فيهم وأودعت الحب والعطف ، ولولا ذلك لما رعانا أحد ، فالرعاية التى تحدث لنا ، هى أصلا من رحمته سبحانه ، وهذا تفسير "ما ودعك ربك وما قلى" ، أى هيأ لك المناخ الذى لا يجعلك يتيما ... وإذا التزمنا بالآيات الأخيرة فى السورة ، فلا نقهر اليتيم ، ولا ننهر السائل ، ونتحدث بيننا بنعم الله سبحانه وتعالى علينا ، وأى نعمة هى أكبر من نعمة الإسلام ؟؟؟ ... حينئذ تكون آخرتنا فى الدنيا والآخرة ، أفضل من وضعنا الأول ، بمعنى أنه سبحانه يزيد الذين اهتدوا هدى ، فإذا أحسنت ، أحسن الله إليك . وإذا أتيته تمشى أتاك هرولة ، فأى جمال بعد هذا الجمال ؟؟؟" .وقد سبق أن قلت بأن القرآن الكريم ليس له بداية أو نهاية ، بمعنى أن مفاهيمه الأساسية يمكِن أَن تتحقّقَ بغض النظر عن ترتيب قراءتك له . ولكن بالنسبة لمن هو على وشك الإستجابة لندائه ، فالترتيب محورى ، فكلما تقدم فى قراءته ، كلما كان تأثيره عليه أشد عمقا وعاطفة . وكنتيجة لهذا ، كلما اقترب الإنسان للتحول فى مفاهيمه ، كلما وجد أن القرآن يستدعيه للمثول بين يديه . السور القصار فى آخره ، تركز النصح والتحذير . وبعد تنبيه أخير للثمن المرعب للتكبر والعند ، تأتى الثلاث سور الأخيرة لتعلمك ماذا تقول لخالقك بشوق . ثلاث مرات متتالية كلمات تفصل بينها سطور قليلة ، حاثا لك على أن تنطق وتعلن إيمانك ، قائلا ::: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} سورة الإخلاص ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} سورة الفلق ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" .إلى هنا يكون القارئ للقرآن ، قد وصل إلى حافة حياة والتزام جديدين ، معبرا عن هذا الوضع الجديد ... كما حدث لى فى مسجد الطلبة ... بالكلمات التالية : "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" .
وبالنسبة لأولئكم الذين اعتنقوا الإسلام ، هذا القرآن يشهد على صفات الله سبحانه وتعالى ، الباقى ، الرقيب ، الرزاق ، الهادى . وكأن القرآن هو محيط رائع واسع ، تغريك موجاته المبهرة لتغوص فيه أعمق وأعمق . ولكنك لا تغرق فى ظلمات البحر ، ولكنك تجد نفسك فى خضم محيط من النور الإلهى والرحمة المهداة .
وبعد إسلامى ، واظبت على أداء الصلوات فى المسجد فى جماعة ، وخصوصا صلاة المغرب والعشاء والفجر ، لأنها صلاة جهرية ، تخالف صلاة الظهر والعصر الغير جهرية . وقد أثار هذا الوضع انتباه أحد المشاركين فى الجماعة لأنه يعلم أنى لا أعرف اللغة العربية لأنها غريبة عنى . ولم أكن أعير أنا هذا الموضوع أى انتباه ، ولكنى كنت أرتاح لسماع القرآن الكريم بالغريزة ، "فلماذا يرتاح الطفل حين سماع صوت أمه ؟" بالرغم من أنه لا يفهم شيئا مما تقول ، ذلك لأم صوت يريحه ويسكن له ، صوت يعرفه من على البعد ويسكن إليه . هناك أوقات أتمنى أن أعيش فى حماية هذا الصوت للأبد ، ولكن المؤمن الجديد بالإسلام يعيش وينمو فى جو حقيقى من الإيمان .
( 17 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ............................... {6} سورة الأحزاب
انتشرت الإشاعة بسرعة فى المدينة ، والجمهور الذى يغلى ويتململ ، يزداد فى القاعة كل دقيقة . وبالرغم من الإشارات فى الأيام القليلة السابقة ، وقد كانت هناك إشارات فى الفترة الماضية على الصدمة والرعب فقد كان زلزالا . قد يكون هذا الإختبار ، أشد من المعاناة التى يعيشوها ، أشد عليهم من هجرتهم ، من ملاقاة الكفار ، حتى من ملاقاة الموت ، وفى هذه المحنة كما كان عليه الصلاة والسلام فى كل المواقف -- قائدا ثابتا حكيما بروحانيته الكبيرة وشفقته، وإبتسامته المطمئنة، وطبعه اللطيف العطوف ، وروحه المرحة .
"قم يا أبا تراب" ... يقولها متلطفا وهو يزيل التراب من على ابن عمه على رضى الله عنه . وبتواضع عميق واحترام للآخرين ، يفرش عباءته ويفسح مكانا للمرأة العجوز لتجلس .
كيف ينسون مشيته الخشنة ، المحددة ، كأنه ينحدر من على تل ، أو حفيده وهو يركب على كتفيه وهو يؤمهم فى الصلاة ، كيف ينسون رعاية الله له فى كل المواقف ، فى الغار ، فى أحد ، وهو على المنبر . هذا غير معقول ، هكذا كان تفكيرهم !!! ماذا سنفعل الآن ؟؟؟
وقف سيدنا عمر رضى الله عنه ، شاهرا سيفه فى المسجد ، مرددا ، لقد كذبوا ، لقد كذبوا ، إنما ذهب للقاء ربه وسيعود ، كما ذهب سيدنا موسى ، وسأُعمل سيفى هذا فيمن يقول أنه مات !!!
كانوا فى حيرة من أمرهم ، هذا عمر الذى كان يقول فيه رسول الله "إن الشيطان إذا مشى عمر فى فج مشى الشيطان فى فج آخر" ، يقول شيئا ، وها هم أهله يبكون فى الداخل ، من نصدق ؟؟؟ يا الله !!! الحقيقة تقترب منهم ، اللهم كن معنا فى هذه المحنة . كانوا كالطفل الذى يرفض التصديق برحيل أبوه . وبدأو فى الشك فى كلام عمر ، حتى حضر أبو بكر رضوان الله عليه ، مسرعا على فرسه ، واستأذن للدخول ، فقالت ابنته ، لا استئذان بعد اليوم ، ودخل على النبى صلى الله عليه وسلم ، انحنى وقبل النبى قائلا "طبت حيا وميتا يا رسول الله" ، ورفع وجهه ووضعه بين يديه باكيا ، وانحدرت دموعه على وجه رسول الله ، ثم خرج ، قائلا "اجلس يا عمر ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت" ، ثم تلا قوله سبحانه وتعالى :
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ {144} سورة آل عمران
ذهل عمر ، وجثا على ركبتيه ، مستقبلا هذه الفاجعة ، وكأنه لم يسمع هذه الآية إلا اليوم ، هنا ارتج المسجد بالبكاء والنشيج ، وانتقل الخبر إلى باقى المدينة ، فإذا بها فجأة تضطرب اضطرابا لم تعهده من قبل ، وإذا بموقفها من الحدث ، بالضبط عكس موقفها فى أول يوم رأت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هاجر إلى يثرب . ورغم الموقف الصعب ، فثبات الصديق فى أصعب الظروف ، أوحى للكثير بأنه أحق الناس بالخلافة السياسية للرسول (حيث أن النبوة لا تورث إلا بنص من الله) .
مدة خلافة أبو بكر كانت محدودة ، فقد مات بعد سنتين من الرسول ، ولكن هاتين السنتين ، كانتا أصعب فترة مر بها المسلمون ، وكانت فى حاجة إلى قائد عبقرى ، يقود الأمة الإسلامية إلى بر الأمان . الوحى كان قد انتهى ، وتطبيق الرسالة فى مجالات جديدة وغامضة بدأ . التطبيق بدا سهلا لأن القائمين به من أصحاب الرسول عليه السلام ، قد كانوا مشبعين برسالته ، وبتربيته لهم مدة ثلاث وعشرون سنة الماضية . المثلان أمامهم ، القرآن الكريم وشخصية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم ، كانتا امامهم حية ، عايشوهما معايشة ، ولم يكونوا فى حاجة إلى البحث والدراسة فقد كانا جزءا من حياتهم . ولكن حادثين كبيرين واجها أبو بكر من البداية : القبلية ، والميل الإنسانى لتقديس الأشخاص ، وادعاء بعضهم بأنهم يوحى إليهم من الله ، والمتحول الغربى للإسلام ، يواجه مثل هذه المفاهيم ولكن من منظور مختلف بعض الشئ . بشكل ما ، فهو يجد أن المجتمع الجديد فى تقاليده ومنظوراته ، أجنبية عنه ، وفى نفس الوقت ، يجب عليه قبول شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام .
بداية مع القرآن الكريم :
الكتب المتداولة باللغة الإنجليزية فى الوقت الحاضر ، التى تتكلم عن الإسلام كعقيدة وممارسة ، قليلة جدا . نتيجة لهذا ، فالصلة الأولى للمسلم الأمريكى ، والغربى ، بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تأتى إلا من القرآن الكريم وما معه من تفاسير . وهذا بالتأكيد مناسبا ، فالقرآن هو دائما ينبوع الإيمان للمجتمع الإسلامى .
اليهود والنصارى ، يتوقعون من الكتاب المقدس عند المسلمين أن يكون غالبه عن رسول الله وصحبه . والحقيقة أنه غير ذلك ، فاسم الرسول ذكر فى القرآن أربع مرات فقط ، فى حين ذكر اسم سيدنا عيسى خمسة وعشرون مرة ، كما ذكر اسم سيدنا موسى 136 مرة .
وكما ذكرنا فى الفصل السابق ، فالقرآن أساسا ، لمن يقرأه ، يجده يركز على العلاقة بين القارئ وخالقه سبحانه وتعالى . نعم هناك إشارات تاريخية تتعلق بزمن الأنبياء ، ولكن الإخبار عنها كان غامضا تاريخيا ، لأن العبرة المقصودة هى بالأحداث والصراعات الإيمانية ، لا بالتواريخ . وهذه الصراعات قد تحدث للمجتمعات المختلفة فى أى وقت . مع هذا ، فهناك لمحات قرآنية عن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، مشاعره ، وآماله ، وأحزانه ، بل وبعض أخطائه ، لتعطى صورة عن شخصيته عليه السلام .
نظرتنا للنبى ، لن تكون كهؤلاء المستشرقين الذين يبحثون عن الدوافع النفسية والمادية ليفسروا من خلالها الوحى . ولكننا سنتكلم من خلال اقتناعنا ، بأن القرآن الكريم وحى من الله سبحانه ، لأن هذا هو الطريق الصحيح الذى يتوصل إليه من هدى إلى الإسلام : فالإقتناع بالقرآن يسبق الإقتناع يالرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا سنوضح الصورة التى يريدها لنا القرآن الكريم لمعرفة شخصية رسول الله .
أول هذه اللمحات هى ماجاء فى آية سورةالكهف :::
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110} سورة الكهف
هناك القليل جدا فى القرآن الكريم ، الذى يمكن أن يصف الرسول عليه الصلاة والسلام ، باكثر من أنه مبعوث بالرسالة . لقد سبق لنا ذكر الآية التى رددها أبو بكر للجمع ، حين وفاة الرسول ، وهناك آيات أخرى تنحو هذا المنحى :::
( 1 ) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49} سورة يونس
( 2 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ {38} سورة الرعد
( 3 ) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً {90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً {92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً {93} وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً {94} سورة الإسراء
( 4 )وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً {7} سورة الفرقان
( 5 ) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً {75} سورة الإسراء
يوازى القرآن الكريم بين الرسول ، والرسل من قبله عليهم الصلاة والسلام ، فهم كلهم بشر ، يسرى عليهم ما يسرى على البشر ، كا جاء فى هذه الآيات :::
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ {9} سورة الأحقاف
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {11} سورة إبراهيم
تسرى عليهم العاطفة الجنسية ، كما حدث بين سيدنا يوسف وامرأة العزيز ، "مداخلة : الآية فى سورة يوسف عن الهم به والهم بها ، يحاول بعض المفسرين أن يخرجوها عن سياقها ، بطريقة أو أخرى ، ليبرئوا سيدنا يوسف عليه السلام ، ولكن التدبر فى نص الآية لا يخرجه عن بشريته ، فالذى منعه من السوء والفحشاء هو رؤية برهان ربه ، فكلمة لولا تدل على ان هناك شئ منعه ، ومنعه من ماذا ؟؟؟ أليس من السوء والفحشاء كما جاء بنص الآية ؟؟؟ ، هذا إضافة إلى طلبه من الله سبحانه وتعالى أن يحميه من كيدهن ، وإلا كان من الجاهلين
... قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {33} سورة يوسف" .
كذلك حبهم لمتاع الدنيا ، كما جاء وصفا لسيدنا سليمان عليه السلام :::
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص[B]وفى قصة سيدنا موسى والخضر ، البحث عن العلم والمعرفة ممن هم أكثر علما ، كذلك عدم الصبر إذا غمض عليهم شئ .
والغضب ، حينما قتل المصرى ، وغضبه من قومه حينما عبدوا العجل .
والضيق ، حينما أبق سيدنا يونس من قومه فالتقمه الحوت وهو مليم .
واتباع الهوى ، كحكم سيدنا داوود لمن له نعجة واحدة ضد أخيه .
والقلق والخوف ، حينما بعث سيدنا موسى ، فخاف من أن يقتله فرعون انتقاما للمصرى الذى قتله .
وهم ككل البشر ، يرجون هداية الله سبحانه وتعالى ، ومغفرته . والآيات الدالة على ذلك كثيرة ( الأعراف - 151 .. القصص - 16 .. ص - 24، 25 .. ص -35 .. الأنعام - 77 ) .
" مداخلة : أضيف هنا ، موقف سيدنا نوح فى مراجعة الله سبحانه ، فى مسألة غرق ابنه ، وهذا يدل على عاطفة الأبوة ، رغم أن ابنه كان من الكافرين ، وهنا عاتبه الله على هذه المراجعة ، بقوله ( .... إنه عمل غير صالح .... ) ، وحسب سياق الآية ، فالعمل الغير صالح ، هو هذا السؤال لله ، بعد أن قضى الأمر ، والدليل على ذلك ، أن سيدنا نوح عليه السلام ، سارع فى التوبة من هذا السؤال قائلا ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ {47} سورة هود ) ، فطلب المغفرة والرحمة هى من السؤال المتسرع والذى يعتبر مراجعة لله فى أمر قد قضاه " .
كل هذه اللقطات ، لتبين أن الرسل عليهم الصلاة والسلام بشر ، وأن تكريمهم من الله ، لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ، فلا يصح أن يؤلهوا " .
طبيعة الرسول الإنسانية ، تتضح أكثر فاعلية ، فى الآيات التى تتكلم عن تطلعاته النفسية والروحية ، بالإضافة إلى الأحداث اليومية فى حياته . ويقوم علماء المسلمين فى البحث عن مثل هذه اللمحات ليقربوا إلينا بشريته عليه السلام .
ومن غير المعقول أن يكون تعرضه ، عليه السلام ، فجأة لنور الوحى لم يؤثر على وجدانه وتفكيره فى نفسه . حتى أنه قال للسيدة خديجة حال عودته من الغار ( أى خديجة ما لى لقد خشيت على نفسى .. فأخبرها الخبر ) ، إلى أن طمأنه سبحانه وتعالى بما جاء فى سورة الضحى ، وبشره برفع ذكره كما جاء فى سورة الشرح .
وفى سورة القلم " ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ {3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} " .
كما نرى فى عدة مواقف ، تصحيح الله له لما بدر منه ، كما جاء فى سورة عبس وتفضيله علية القوم من قريش على ابن أم مكتوم ، وسورة الأحزاب ، عن زواجه ببنت عمه زينب ، بعد طلاقها من زيد بن حارثة الذى كان قد تبناه سابقا ، وما جاء فى سورة التحريم ، حينما فضل مرضاة أزواجه وحرم ما أحل الله له .
ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر .( 18 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحيث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر . فالمقابلة بيننا وبينهم أنهم حالة استثنائية , فكما أنهم مجتبين من الله ، فهم أخيار :
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {47} سورة ص
وعلى درجة عالية من النقاء الإنسانى :
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ {85} سورة الأنعام
كما أنهم ْمُخْلَصِينَ :
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} سورة يوسف
ومقربين :
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً {52} سورة مريم
ومفضلين عن العالمين :
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ {86} سورة الأنعام
أما عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالخصوص ، فله منزلة سامية رفيعة :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21} سورة الأحزاب
وقد وصف بالخلق العظيم :
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} سورة القلم
وهو يستحق منا كل التبجيل والإحترام ، وكما صلى عليه سبحانه هو والملائكة ، فقد أمرنا بمداومة الصلاة عليه ، وهذا رفع لذكره كما وعده سبحانه فى سورة الشرح ، فذكره لا ينقطع على مدار الساعة من أتباعه ، عليه السلام .
وحتى فى حالة ما إذا وقع الرسول فى خطأ ولامه الله عليه وتاب منه ، فإن ذنبه هذا لا يكون تجاوزا متعمدا لما يريده الله منه ، بل هو خلط مؤقت بين مهمته المقدسة ومشاعره وتطلعاته الشخصية . وهذا الوضع من الصعب جدا أن يتجنبه الشخص العادى فهو معذور فى ذلك . لكنه سبحانه يطالب الرسول بمعايير مثالية فى تصرفاته ، ويوضح القرآن الكريم هذا الخيط الرفيع بين الإثنين . فقد لام سيدنا سليمان نفسه حينما شغلته الدنيا عن ذكر ربه ... " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {30} إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص" . كما أن حكم سيدنا داوود عليه السلام المتسرع ، فى اللذين تسوروا المحارب ، كان سببا فى أن يلومه الله عليه ، فالعدل هو أن تتاح الفرصة للمتخاصمين لعرض وجهات نظرهما . وغضب سيدنا موسى الشديد من أخيه هارون واتهامه بالتقصير حينما عبد بنو إسرائيل العجل ، ولم يترك له فرصة للدفاع عن نفسه ، وكذلك سيدنا يونس حينما أبق إلى الفلك بعذ أن خذله قومه ولم يؤمنوا برسالته ، وتصرف بدون إذن من الله . كل ذلك لحرصهم على الدعوة والإحباط الذى يواجهونه حينما يكذب بها المكذبون .
وليس من حقنا أن نلوم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا اتخذ مواقف ضد التعصب ، أو كان متحمسا لنشر الدعوة ، أو اتخذ مواقف عائلية بين زوجاته ، من وجهة نظره هو . فهذه المواقف الإنسانية الصرفة ، حينما تحيد قيد أنملة عما يرتضيه الله سبحانه له ... الذى قال لرسوله "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} سورة الطور" ... يسارع الوحى بتصحيحه ليكون القدوة للمسلمين ، فيقول له "عبس وتولى ....." .. "لم تحرم ما أحل الله لك ....." .. "عفى الله عنك لم أذنت لهم ...." .. "... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ..." ، وهكذا ، تحرسه عناية الرحمن فى كل خطواته .
وهكذا نرى القرآن الكريم يصف الأنبياء وصفا دقيقا لا مغالاة فيه ، فهم معصومون من الذنوب الكبيرة ، وذلك ليس كما فعلت التوراة التى نسبت إليهم كل نقيصة وشوهت صورتهم الحقيقية ، وأتباع الإنجيل ، الذى وصل بهم الأمر إلى تأليه سيدنا عيسى عليه السلام وغالوا فيه غلوا أخرجه من البشرية ، بالرغم من أن بشريته واضحة كل الوضوح فى نفس الأناجيل . وهكذا فالتفريط من جانب التوراة ، والإفراط من جانب النصارى أدى إلى تشويه الصورة الفعلية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
اتقد البعض الإسلام بعدم واقعيته الإيجابية ، وعدم اعترافه بشكل كاف ، بضعف الإنسان وميوله المتأصلة نحو الشر . ولو راجعنا الكلام السابق ، فالإسلام ، وبخاصة القرآن الكريم ، يضع فى اعتباره كاملا نزوع الإنسان لتحطيم نفسه ، وهذا الأمر ليس هو كل رسالة الإسلام . هداية الوحى ، ليس فقط ليجعلنا واعين لمشاعرنا المختلفة ، وذكر نعم الله سبحانه علينا ومغفرته لذنوبنا ، ولكن هذه الهداية أيضا لتشجعنا على التغلب على ضعفنا هذا وإصلاح أنفسنا . وبالرغم من هذه الأمور من الصعوبة علينا ، إلا أنه يحثنا على عدم فقد الأمل والمحاولة تلو المحاولة . الإستسلام لله يكون على خطوات ويحتاج إلى الصراع المستمر .
فسبحانه يوضح لنا فى القرآن الكريم ، أنه لا يطلب منا المثالية ومحاربة رغابتنا وشهواتنا ، تك الأمور التى لم يطالب بها المصطفين من عباده . بالأحرى ، يجب أن نكون مطمئنين من حب الله لعباده ، ويطلب من الجميع أن يقدموا أنفسهم طوعا لإرادته .
يلاحظ بعض المتحولين الجدد للإسلام من الغربيين ، أن ما ذكر عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى القرآن الكريم ، مختلف كثيرا عما هو فى كتب السيرة وبعض التفاسير وخطب الجمعة الأسبوعية . وحرى عن القول ، أن المرء يرى صورة مختلفة عما ورد فى القرآن . فالقرآن يركز على صفات معينة للنبى عليه الصلاة والسلام ، بينما المصادر الأخرى تتكلم عن معجزاته عليه السلام ، وتفاصيل انتصاراته فى الغزوات ، وقيادته العبقرية ، والطاعة الثابتة من أتباعه ، ونشر القواعد والأسس للدين ، والروحانية العظيمة له . وهذه هى السمات التى تؤثر فى الناس ، خصوصا المسلمين الأوائل ، وذلك لأنها تؤكد لهم أنه هو النبى المرسل من عند الله .
على كل حال ، فحينما نقرأ القرآن يتضاءل لدينا الغموض ، وتتضح لنا صفات رسول الله ، ونرى أمامنا إنسان ...
يستحى من ضيوفه حينما يطيلون المكوث عنده "سورة الأحزاب الآية 53"
إنسان يعامل أصحابه بعد أحداث غزوة أحد باللين ، ليس فظا غليظ القلب "سورة آل عمران الآية 159"
يبحث عن الأعذار للآخرين "سورة التوبة الآية 43"
والذى يستغفر لأعدائه حتى نهاه الله عن ذلك "سورة التوبة الآية 80"
وصف بأنه رؤوف رحيم "سورة التوبة الآية 128"
وصف بأنه رحمة للذين آمنوا "سورة التوبة الآية 61"
ورحمة للعالمين "سورة الأنبياء الآية 107"
وتلهفه الشديد واهتمامه لنجاح دعوته ، وحرصه على مصير أتباعه "سورة النحل الآيات 37 ، 127 وسورة الكهف الآية 6" للدرجة التى أدت إلى تذكيره مرارا بأن مهمته فقط هى توصيل الرسالة "سورة الأنعام الآية 107 .. سورة هود الآية 12" .
وأن هداية الرسل هى البلاغ ، وهداية التمكين هى لله سبحانه وتعالى فقط "سورة البقرة الآية 272" . وأنه ليس فى إمكانه هداية من يحب ، وأن الله يهدى من يشاء "سورة القصص الآية 56" .
هذه بعض اللمحات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى وردت بالقرآن ، ولكنها نقاط رئيسية تبين شخصيته عليه السلام .
الرغبة فى معرفة المزيد عن هذه الشخصية ، بطريقة أكثر قربا منه ، فى الواقع لا تقاوم ، خصوصا من أولئكم الذين عاشوا فى ظل الكتب السابقة ، حيث احتل الأنبياء مواقع مركزية . لايخوض القرآن فى تفاصيل دراماتيكية عن الصراعات الداخلية للرسول ، بل يتركنا بتلميحات وإشارات مختصرة . لانرى بوضوح مشاعره الداخلية من خوف وألم وشكوك ، كما نراه فى الإنجيل عن سيدنا عيسى عليه السلام حينما كان يحارب الرغبة فى الصحراء "متى : 4 .. لوقا : 4" ، أو أثناء الليل فى "جيثسمان" قبل القبض عليه "متى : 26 .. مرقص : 14 .. لوقا : 22" ، أو فى معاناته الأخيرة على الصليب "متى : 27 .. مرقص : 15 .. لوقا : 23" . وحتى فى المصادر الأخرى الإسلامية من كتب السيرة والحديث الشريف ... والتى سنناقشها فيما بعد ... نتعلم منها بياناته وردود أفعاله ، ولكن نادرا أفكاره الخاصة الداخلية .
ما أعنيه ، أننا نادرا ما نجد أنفسنا منفردين مع النبى عليه السلام ، وقد أتيح لنا نعمة الإحساس بشعوره الداخلى . وبدلا من ذلك ، نجد أننا نعرفه من خلال وسيط ثالث ، إما عن طريق الله سبحانه وتعالى كما ورد بالقرآن الكريم ، أو عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم . ربما كان هذا الوضع مقصودا فى ذاته ، حتى لا نفعل كما فعلت النصارى مع نبيهم ، وأن يكون توجهنا خالصا لوجه الله الكريم . وهذا يوضح جزئيا ، لماذا كان الرسول دائما يخاطب بصفته الرسول أو النبى .
وفى المسجد بعد عام من نطقى للشهادة ، وبعد أن صرت ومحمود أكثر من أصدقاء ، فقد كنا إخوة فى الإسلام . ذهبنا لسماع خطبة فى هذا المسجد بـ "Fairfield" ، حيث كان مبنى صغيرا يشرف عليه مجموعة صغيرة من الطلاب المسلمين وقد تحول إلى مسجد . وقفنا بالخارج مع مجموعة كبيرة من الحاضرين ، وقد كنت أنا ومحمود فقط الذين يرتدون الملابس الإفرنجية . وقد وجدنا مكانا على الأرض لنجلس فيه . وقد أوصى المحاضر المستمعين بأن يكونوا فى إيمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وقد قص عليهم هذه القصة .
قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدويا فى الصحراء ، فدعاه للإسلام ، فقابله البدوى بالرفض والعناد ، وقال له ، "هل هناك من يشهد لك بالنبوة ؟" ، ولم يكن هناك أى شخص إلا على بعد أميال ، فأشار الرسول إلى شجرة قريبة ، وقال هذه تشهد لى ، وفى الحال انخلعت الشجرة من على الأرض وتقدمت من رسول الله والبدوى ينظر إليها برعب ، ثم صرخ "أشهد أنك رسول الله" ونطق بالشهادتين .
رأى محمود فى عينى الضيق ، وحاول معالجة الأمر بعد المحاضرة ، قائلا ، أنه من الطبيعى ليس الحاضرون هم كل المسلمون . بالطبع كان كثير من الحضور مبهورون بالمحاضرة وبمثل هذه القصص التى ذكرت فيها ، فقد كانوا يُتْبعونها بتهليل وإعجاب شديدين . ولكنى شعرت بأن كلمات محمود كانت نوعا من الإعتذار الغربى ، وليس إعتذارا إسلاميا . من وجهة نظرى ، أن مثل هذه القصص تناقض الغرض الذى أراده القرآن الكريم . فالقرآن يريد لنا أن نؤمن بإعمال عقولنا ، وليس بمثل هذه الخوارق الطبيعية "مداخلة : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .... طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {3} إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ
أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ {4} سورة الشعراء ... وإليكم هذا الرابط الذى يفرق فيه فضيلة الشيخ القرضاوى بين الحقيقة والمغالاة فى نسبة المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1122528600456&pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaAAskTheScholar" . وكان مما قاله محمود لى بدبلوماسيته المعهودة ، "من نحن لننكر شرعية ما يراه الآخرون إذا تعارض مع رأينا ؟" .
هذا الموقف جعلنى أشعر ... بأنه من صالحى أنا ... لابد أن أفهم موقع الأحاديث النبوية فى حياة المجتمع الجديد .
كنت على وشك الدخول فى متاهات من التشويش ، والخلط ، والشك ، وكان يجب على أن أكتشف ما أنا فيه ، بطواعية وببساطة ، حيث المجال ضيق للهواجس .
يوجه المستشرقون السهام لعلم الحديث الشريف ، وللأسف فإن البحوث المقدمة من علماء المسلمين ، سواء الأصلية ، أو المترجمة للغة الإنجليزية ، لمقابلة هجومهم ، غير كافية . والحاجة لمثل هذه الأبحاث ، هامة جدا للمسلمين الجدد الذين يعيشون فى الغرب ، حيث أن هذا الموضوع يلعب دورا فاعلا لربطهم بالمجتمع الإسلامى ، ولمقابلة التحديات التى تواجههم ، ولصيانة أنفسهم من المحيط الذين يعيشون فيه .
( 19 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
"مداخلة : أحب أن أُذَكر ، بأن هذا الكتاب أصلا موجه إلى الغربيين من المسلمين الجدد أو من غير المسلمين ، ليغطى مساحة مفقودة فى الإتصال بهم . وهو بالنسبة لنا يمثل مجالا خصبا للإطلاع على نوعية من المسلمين الجدد حينما يباشر قلبهم حلاوة الإيمان ، فاندفعوا للدعوة التى آمنوا بها ، والبحث عن النقاط التى تشكل صعوبة لفهم مواطنيهم ليوضحوها لهم . كما أننا نجد فى الكتاب نقاط رائعة تخفى علينا لأننا ولدنا على الإسلام ، ولم نعرف الأديان الأخرى بالتفصيل ، لنفهم ما فهموه هم منها ، سواء سلبا أو إيجابا ، ويكون فهمنا لهم سببا فى التواصل معهم لنصل إلى عقولهم ، ومن ثم قلوبهم ، ونكون عونا لهم على الثبات على الحق الذى آمنوا به" .*
الحديث .. السنة .. السيرة :
قال عبد الله بن سلام ، عن الزبيدي : قال عبد الرحمن بن القاسم : أخبرني القاسم : أن عائشة رضي الله عنها قالت : شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( في الرفيق الأعلى ) . ثلاثا ، وقص الحديث . قالت : فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا ، فردهم الله بذلك . ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم ، وخرجوا به يتلون : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - الشاكرين } .
المذكور أعلاه هو مثل للحديث الشريف ، وجمعه "أحاديث" ، ومجموعها مجال آخر للمعرفة ، حيث كانت موضوعا لدراسة مستفيضة من علماء المسلمين وغير المسلمين ، منذ العصور الأولى للإسلام . المعنى الأساسى لكلمة "حديث" ، هو "جديد" ، فإذا بحثنا عن معنى الكلمة كنوع من الإتصال ، فيكون معناها "تقرير" أو "بيان" ، عن قول شخص ما ، أو عن شئ حدث ونقله إلينا شهود رأوه أو سمعوه من مصادر موثوق بها . وبالنسبة لعلماء الإسلام ، فعلم الحديث ينحصر فى دراسة أقوال وأفعال وإقرار ، رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعتبر هذه الأحاديث هى المصدر الثانى من المصادر التى يرجع إليها المسلمون "القرآن الكريم هو المصدر الأول من هذه المصادر" .
كلمة "سنة" أدبيا تعنى "طريقة" أو "المسار المتبع" . وبالنسبة لرسول الله ، فهى تشير إلى أمثلة عن حياته ، ونماذج من تصرفاته ، وهى بذلك مرتبطة جذريا بالأحاديث ، فمن خلال الأحاديث أساسا ، نعرف أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقواله .
"السيرة" ، هى السيرة الذاتية للرسول . غير أننا سنركز حاليا على "الحديث" .
حسب الحديث الشريف الذى ذكر أعلاه كمثل ، نجد أن كل حديث ينقسم إلى جزئين : الجزء الأول هو الإسناد ، والثانى ، هو المتن (أى النص) . والمختصين من المسلمين اهتموا بهذين العنصرين اهتماما شديدا . وكمثال ، فنظرتهم لحديثين بنفس المتن ولكن الإسناد يختلف ، فيكون تصنيفهما مختلفين من ناحية التوثيق . ويلاحظ فى العناية بالإسناد ، الإنتباه الدقيق لطريقة انتقال الحديث من مرحلة لمرحلة أخرى ، وذلك لكى يتأكد المسلمون من صحة النقل ، والضبط ، والسلامة ، والثقة فى الأفراد المنقول عنهم الحديث . وهذا الإنطباع دُعم نتيجة للمجهود المخلص من الأتقياء ، أمثال "البخارى" و "مسلم" ، الذين كانوا يقطعون المسافات البعيدة للتأكد من صحة الحديث ، وقد لاقوا الصعاب فى سبيل تحقيق النصوص ، والتأكد من السلسلة التى تروى الحديث . إن المجموعة التشريعية التى نتجت فى القرن الثالث فى العصر الإسلامى ، سميت بأسماء هؤلاء الذين جمعوا الحديث الشريف : "صحيح البخارى" و "صحيح مسلم" و "سنن أبو داوود" و "جامع الترمذى" و "سنن النسائى" و "سنن ابن ماجه" . فى حين أن هناك كتب أخرى لها اعتبارها ، كـ "سنن الدارقطنى" و "سنن الدارمى" ، وينظر كثير من المسلمين إلى الكتب الستة الأول بأنها أصح الكتب ، وأصحها على الإطلاق ، صحيحى البخارى ومسلم .
من أحد أسباب عمل هؤلاء المحدثين الكبار ، الصراعات والجدل الذى بدأ فى نهاية القرن الثانى من الهجرة ، فقد ملئت الساحة بالأكاذيب والإفتراءات السياسية منها ، والقصص المفبركة ، والمبالغات فى شخصية الرسول كما هى عادة البشرية فى عظمائها ، وظهور الفرق والنحل وتعصب كل لرجاله ، ونسبة كل ذلك للرسول لتدعيم كل فريق لقوله . كل ذلك وصل لدرجة وضع الأحاديث على لسان رسول الله والكذب عليه ، حتى أن ما جمعه البخارى كان حوالى 600 ألف حديث ، لم يعتمد منها غير 2,602 حديث فقط (غير المكررة منها) . هذا وضع محير جدا ، ولو أن البخارى لم ينف أن تكون هناك أحاديث غير التى أوردها يمكن أن تكون صحيحة .
وقد كان البخارى حينما يعتمد حديث ما ، فإنه ربما رفض أحاديث أخرى بنفس المتن ، ولكنه لم يعتمد إسنادها حسب القواعد التى عقدها لقياس صحة الإسناد . فبالنسبة له ولجميع المحدثين ، فقد كان الإسناد له الأولوية فى تقييم صحة الحديث . فلكى يعتمد الحديث صحيحا ، لابد أن تكون سلسلة الرواة قوية وجديرة بالثقة ، ولا توجد عيوب بها مخفية . فمثلا عند البخارى ، إذا ثبت عنده أن راويين لم يصادف أن لاقى بعضهم البعض ، فلا يأخذ بالحديث المروى عنهما .
وقد أدى هذا البحث فى القرن الثانى الهجرى فى الأسانيد ، إلى دراسة أحوال الرجال ومدى تقواهم ، وصدقهم ، وتصرفاتهم ، وذكاؤهم ، وأدى هذا إلى نشأة علم يسمى "أحوال الرجال" ، تطور إلى علم مستقل غنى بالمعلومات عن رواة الأحاديث ، حتى أن "سبرنجر Sprenger" سماه "الأدب المحمدى المجيد The Glory of Muhammadan Litrature" .
يقسم علم الحديث ، الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية : "الصحيح " ، "الحسن" و "الضعيف" . وهذا القسم الأخير ، ينقسم إلى "المعلق" ، "المقطوع" ، "المرسل" ، "الموضوع" ، وذلك الذى به خطأ فى الإسناد أو المتن ، ويسمى "المُصَحَّفْ" . كذلك تقسم الأحاديث حسب سلسة الرواة خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة . فالحديث المتواتر ، هو الحديث المنقول عن جمع من القرون الثلاثة الأول لا يشك كثيرا فى نقلهم . أقل عدد للتواتر هو سبعة ، وقد يصل إلى السبعين . والأحاديث من هذا الباب قليلة . وهناك الحديث "المشهور" ، وهى أكثر من السابق ، ورواتها من اثنين إلى أربعة من الرواة من القرن الأول ، وعدد كبير من القرنين التاليين . هذان النوعان عليهما يحتلان موقعا هاما فى التشريع منذ الأيام الأولى للإسلام . وأحاديث الآحاد التى رويت بواسطة أربعة رواة أو أقل فى القرون الثلاثة الأولى ، يعتبرا مع هذين النوعين ، وذلك بناء على مناقشات من "الإمام الشافعى" ، المصدر الثانى للتشريع السنى فى الإسلام .
من هذه المقدمة المختصرة ، يشعر المرء بالضخامة والتعقيد لهذا العلم القديم ، وللأسف كما يقول "الصديقى" ، فالخبراء هذه الأيام فى هذا العلم قليلون :
وفى الحقيقة ، فإن هذا العلم بالهند (على ما أعرف) ، وفى الدول الإسلامية ، قد تحول لمجرد أمور شكلية . فالقليل من العلماء يتبحرون فى "أسماء الرجال" - وهو من أهم العلوم لمعرفة الأحاديث . والمتحولون الجدد للإسلام ، يجدون تناولهم للأحاديث أقل بكثير من تناولهم للقرآن الكريم . وهذا ناشئ عن عدم وجود خبراء فى هذا المجال ، ومعلوماتهم تأتى من ترديد بعض المسلمين للأحاديث لمجرد أن يبرهنوا على رأى معين أو سلوك معين يمارسوه . والأمر بهذا الشكل أكثر تعقيدا للمسلمين الجدد . فهم قد أتوا من النصرانية أو اليهودية ، وقد رفضوا إرثا موازيا لم تستسيغوه عقولهم ولا يقبله العلم الحديث ، وقد كانت هذه الأمور مقبولة إلى فترة قريبة ، كذلك من الصعوبة بمكان أن تهمل انتقادات علماء غربيين ، نجحت فى كشف تناقضات فى الكتب المقدسة ، التوراة والإنجيل ، ووصلت إلى استنتاجات مماثلة وردت بالأحاديث الشريفة الموجودة ببعض كتب الأحاديث ، مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كذلك من الصعب بالنسبة لهؤلاء المسلمين الجدد ، ألا تناقش فى صحة مثل هذه الأقوال الغير مستساغة وغير معقولة التى تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام . وفوق كل هذا ، فيتوقع من المسلم أن يقبل بكل الأحاديث التى اعتمدها السابقون وعلماء المسلمين المعاصرين بأنها صحيحة وهى تقارير دقيقة عن أقوال وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام . هذا يضع كثير ممن أسلموا فى وضع غير مريح لتبرير ما يواجهون ، ثم يعتقدون به ، وليس مقبولا منهم أن يسألوا عنه ، وهم يجدون صعوبة فى الإيمان به ، فيلجأون إلى عمل موازنات للوصول إلى الحقيقة .
فيما يلى سنناقش هذه الصعوبات واحدة بعد الأخرى ، مبتدئين بالمقارنة بين الحديث الشريف والإنجيل .
الإنجيل والحديث الشريف :
يعتبر أكثر الكتاب المسلمين وغير المسلمين أن القرآن الكريم والكتب السابقة ، مختلفة خصوصا من الناحية الأدبية ، والأصالة ، وطريقة وصولها إلينا . نفس الشئ يمكن أن يقال عن مجموعة الأحاديث والتوراة ، فبينما الإختلافات ليست بنفس الكثرة كما فى الحالة الأولى ، إلا أن تعددها لا يشجع على الإستمرار فى المقارنة . وبينما يقول بعض الكتاب بأن التشريعات فى مجموعة الأحاديث والإنجيل فيها تشابه ، إلا أن البحث الدقيق فيهما يكشف عن اختلافات هامة كثيرة . فى الحقيقة فكليهما يعمل على هداية أتباعه فى الأمور الدينية ، وتحتوى على تعاليم نسبت إلى مصادر إلهية للرسل المجتبين . بالإضافة إلى أن كل تشريع أسس منذ عدة قرون ويسرى بين أتباعه فى حياتهم ، ويعتمد على الشهادات المنقولة من جيل لجيل ، منذ ذلك الوقت . ولمزيد من الفهم ، فإن الدوافع وراء تجميع كلا منها ونفس طريقة التجميع مختلفة .
أولا : لقد كان المعاصرين لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متأثرين بعمق بالرسالة ، وهذا طبيعى فى كل التجمعات الإنسانية ، وهذا ما جعلهم يجمعون ما يستطيعون من معلومات عنه ، أدت إلى حركة ثورية فى المجتمع .
ثانيا : أقواله كانت مصدرا مهما لتفسير القرآن الكريم .
ثالثا : مع مرور الوقت ، وانتشار الدولة الإسلامية ، ظهرت مشاكل قانونية متعددة ومعقدة ، شك الحكام فى مقدرتهم على حلها ، وكان لا بد من توضيحها بناء على هدى النبوة .
دوافع كتابة الإنجيل كانت مختلفة عن تلك الظروف . وكما هو المعهود فى كل الأنبياء ، فقد كانت توصيات عيسى عليه السلام تصب فى تغيير جذرى . وعلى كل حال ، يمكننا القول بأن تعليماته كانت أخلاقية وروحية ، ولَم تتضمن القواعدَ والمؤسساتَ الفعليةَ لحكم مجتمعِه. طَلبَ إصلاحاً، لكن لَيسَ إعادة صب النظام الإجتماعي الحالىِ .
*وقد يمكننا التكهن فى أى اتجاه كان سيسير المسيح لو بقى فترة أطول على الأرض ، وهذا مجرد افتراض . ربما كان سيؤكد على الروحانيات الداخلية ، وتغليبها على الأمور الخارجية ، وهذا مختصر بعثته ، وربما لسبب ما ، لم تسجل أقواله وأفعاله . وحسب معلومتنا ، لم يترك سيدنا عيسى أى كتاب مقدس يمكن ترجمته . فالكنائس النصرانية الأولى كانت تعيش تحت حكومات عدائية ، تعليم الإيمان الجديد ، وتصحيح بعض الإنتهاكات ، لا مجهود حقيقى لبناء رسمى وشامل يعتمد على تعليمات المسيح . والمجهود الذى قام به الكتاب النصارى الأوائل لم يشر إلى الأقوال الفعلية للسيد المسيح .
ومع بداية القرن الثالث الهجرى ، بلغ الحديث شأوا بعيدا وتأثيرا قويا ، على الأقل فى مجال القانون ، وثبتت الأحاديث الصحيحة وصارت المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم ، وأصبح الرجوع إليها مفضلا عن "القياس" ، و "الرأى" المستقل . واستجاب مؤلفوا الكتب الستة وآخرون لهذا التوجه ، فبدؤا فى تبويب كتبهم لسهولة الرجوع إليها لتأصيل الشريعة والوصول إلى الأحاديث الصحيحة ، وعنوا بذلك أشد العناية .
نحن هكذا نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة .
( 20 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
بالنسبة "لعلم الحديث الشريف" ، فنحن نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة . وكما هو منصوص فى "أكسوفورد الجديد" ، كتذييل للعهد القديم بأنه قد "حرف" ، أما العهد الجديد "الإنجيل" فله وضع آخر سنبينه :::
لماذا ، كيف ، ومتى ... جمعت الكتب الحالية للأناجيل فى مجموعة واحدة ؟؟؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها وذلك لقلة المعلومات الصحيحة . هذا يبرز اختلاف أساسى بين الشريعتين ، فشريعة الأحاديث النبوية ، فى القرن الثالث الهجرى كانت نتيجة تحقيق علمى منظم ودقيق ، بينما الفحص المقارن للأناجيل لم يبدأ إلا بعد 150 عاما بعد جمعه .
ومع هذا ، فقد بحث المستشرقين فى مدى صحة هذه الأحاديث ، وهذا ما سنفصله قريبا . كذلك ، فمحتويات وشكل هذين الجمعين مختلفين تماما .
يمكن أن نقسم الإنجيل إلى قسمين متمايزين : الإنجيل والرسائل . الرسائل الإنجيلية قد كتبت بواسطة معلمين من الكنيسة النصرانية المبكرة ، للتزويد بالمعلومات والحض على تنشئة المجتمعات ، وفى بعض الأحيان تكون موجهة لأفراد . كما أن الرسائل هى الأخرى تنقسم إلى قسمين رئيسيين : الرسائل المنسوبة إلى بولس والرسائل المنسوبة إلى آخرين . و من المعلوم الآن أن الرسائل المنسوبة لبولس ليست كلها من تحريره بل الغالبية منها ، وهناك البعض الذى حدث بها التعديل من كتبة أخر . رسائل بولس من المحتمل أنها هى من أوائل الرسائل الديانة النصرانية أو ما يسمى بالعهد الجديد ، حيث أن رسائله ورسائل أخرى كانت قد سبقت الأناجيل . الرسائل تحتوى بشكل عام على حفنة من أقوال منسوبة للسيد المسيح ، والنذر اليسير عن حياته . على كل ، فالنقاط الهامة فى العقيدة النصرانية ، كالصلب ، وبعثه بعد الصلب ، وتفويضه للتكفير ، والشريعة الجديدة التى حلت مكان الشريعة الإبراهيمية فهى كذلك موجودة فيها .
الأناجيل الأربعة من العهد الجديد ، كتبت فى الثلث الأخير من القرن الأول الميلادى ، فقد نسبت إلى أسماء مستعارة "متى ، مرقس ، لوقا ، يوحنا" ، وأسماء مؤلفيهم الحقيقيين غير معروفة . إنجيل مرقس حرر تقريبا عام 70 بعد الميلاد ، ويعتبر أقدم الأناجيل ، ويعتقد أن انجيلى منى ولوقا يعتمدان فى الغالب على هذا الإنجيل . وليس هناك مصدرا لأقوال السيد المسيح يمكن أن يطلق عليه مثلا "المصدر - ك Q - Source" . الأناجيل الثلاثة الآول ، نظرا لوجود تشابه بينها فلذلك يطلق عليها الأناجيل "Synoptic" ، أى متشابهة النظرة "من الكلمة الإغريقية Synopsis" .
أما الإنجيل "الباطنى" ليوحنا ، فهو يضع تأكيدات ورموز وألغاز عميقة تختلف عن الأناجيل الأخرى ، ومن الممكن القول ، بأن هذا الإنجيل هو الأكثر شعبية عند النصارى عن البقية . الناحية الأدبية للأناجيل تعتبر متعلقة بالسيرة وتركز على فترة قصيرة فى أواخر حياة السيد المسيح ووصاياه لأتباعه . كتب العهد الجديد ، حررت باللغة الإغريقية المعروفة فى ذلك الوقت ، والتى كانت متداولة بواسطة شعوب الإمبراطورية الرومانية وهم الذين كانوا مجال التبشير للنصارى .
الشريعة المستمدة من كتب الأحاديث النبوية ، مبوبة حسب الموضوعات ، ولهذا فهى تشبه كثيرا ، "إنجيل توماس" الذى أكتشف حديثا والذى يحتوى على أقوال سيدنا عيسى عليه السلام مع أقل القليل من المقدمات .
لم ترتب الأحاديث زمنيا ، ولا تحتوى على تعليقات من مؤلفى كتب الأحاديث موجهة للمسلمين ، بالرغم من أن هناك بعض التوجيهات تستشف من العنونة والإختيار والترتيب للأحاديث . الكتب الستة للأحاديث فيها كثير من العقائد المشتركة بينها ، ولهذا قوبلت بالقبول من السلف نتيجة المقاييس الدقيقة فى قبولها .
وهناك اختلاف جوهرى فى كتابة النصوص ، فلغة الأحاديث النبوية هى اللغة العربية ، وهى لغة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، بينما بالنسبة للأناجيل ، فكل المتخصصين يجمعون أنها كتبت باللغة ... الإغريقية ... وهى لغة لم يتكلم بها سيدنا عيسى ، فقد كانت لغته هى الآرامية ، وتعاليمه كانت بالآرامية ، لغة أهل فلسطين فى ذلك الوقت . هذا الإختلاف بين لغة الكلام ولغة التحرير تقتضى ترجمة الأناجيل والرسائل من ثقافة إلى ثقافة أخرى .
الخلاصة ، أن أدب الحديث بالنسبة للكتب الستة ، يختلف جذريا عن أدب الأناجيل ، من ناحية الكتابة ، والتجميع ، والدراسة ، والإستخدام . هذا هو الوضع ، ومن العبث أن يمتد شكنا للسنة بناء على شكنا فى الأناجيل . على كل حال ، هذا مايحدث بالنسبة للمسلمين الجدد خصوصا هؤلاء الذين أتوا بإرث دينى سابق غير إسلامى من الشك من النصارى ، وهو يعتقد فى صحة هذا وعدم صحة ذلك بناء على هذا الإرث ويطبقه على ما يسمعه من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أدب السيرة .
التوقعات :
بالنسبة لجيلى ، فى أواخر الستينات وأوائل السبعينات "من القرن المنصرم" كانت هذه الأيام تعتبر أيام السلام والحب . كان الشباب يطيلون شعورهم ويلبسون الثياب الرثة وكانوا شعثى اللحى ويمشون حفاة . فى اعتقادى أن هذه لم تكن مجرد صدفة بسيطة أن نتشبه بالمسيح بالصورة التى نشأنا عليها - الصورة التى نراها فى كتب الصلاة ، وفى الرسومات ، والأيقونات ، والنوافذ الزجاجية الملونة وفى الأفلام . ولو كنت ممن يتعاطون المخدرات فقد تصل إلى هذه الصورة الكليلة . هؤلاء الذين يمثلون هذه الصورة كانوا يعرفوا "بشواذ عيسى Jesus Freaks" ، بالرغم من أن هؤلاء لا يهتمون بالدين .
ومع ذلك ، فأنا أشعر بأن شيئا من هالة المسيح كانت هناك تؤثر حتى على غير المتدينين ، ليس فقط فيما يظهر به الشباب ، بل فى النداء إلى السلام والحب والدعوة إلى عالم جديد . كان عيسى بالنسبة لهم إيجابا وسلبا : المدافع عن الضعفاء والمظلومين (خصوصا النساء) ، يُدين نفاق المؤسسة ، متحاملا على ما تقوم به من اضطهاد ، وفى النهاية رافضا الإنتقام .
هناك هذه الأيام إعتراض على أن هذا كان هو المفهوم تاريخيا ، ولكن لمدة ألفى سنة كان كذلك فى نظر النصارى . وفى العيون الغربية ، على الأقل ، كانت تعاليمه هى الأكثر جاذبية والصورة الأكثر تعاطفا فى التاريخ - ليس فقط لأنه كان قائدا كبيرا ، وسياسيا محنكا ، وخطيبا ، ولكن لأنه أحب وعفى كما لم يحدث من الأشخاص الآخرون .
صورته من الصعب أن تقارن ، وبالنسبة للمسلمين ، ليس هناك حاجة للمحاولة فالقرآن يطلب من المؤمنين أن يقولوا :
............ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ .......... {285} سورة البقرة
فجوهر القرآن الكريم ليس بين الرسل ، ولكن بين حاجة الرجل ليسلم نفسه لله وحده .
إذا كان هذا هو نهاية المطاف ، فالمتحولون للإسلام المتوقعون يجدون أن هذه نقطة إيجابية فى جانب الإسلام . ولكن هذا ليس هذا هو النهاية . أعنى من هذا أن المرء يجب عليه أن يصحح مفاهيمه السابقة عن السيرة الذاتية والتقاليد التى دفعت النبى عليه الصلاة والسلام ليأمر بقتل الشعراء الذين هجوه ، وسماحه بقتل الرجال من بنى قريظة ، واستعباد الأحياء منهم ، زاوجه من بنت رئيس القبيلة التى حاربها وانتصر عليها ، الضغط على النساء بالتصدق بمجوهراتهن وتذكيرهن بأنهن أكثر أهل النار .
وغنى عن القول بأن هناك الكثير من هذه السير موجودة فى المصادر الغربية . وكمثال فتقييم "وات Watt" فى نهاية كتابه "محمد : النبى ورجل الدولة" يتضمن التصورات التالية التى تتقارب مع مشاعر المسلمين :
(ومن ضمن القصص العديدة وبعضها على الأقل يستحق التصديق ، فأرملة ابن عمه جعفر ابن أبى طالب ، روت لحفيدتها ، كيف عليه السلام استقبل نبأ وفاة جعفر . قالت لها : لقد كنت مشغولة بأعمال البيت فى صباح يوم ، وأنا أقوم بدبغ أرعين جلدا وأعجن العجين ، فإذا بالرسول ينادى . جمعت أولادى الثلاث ، وغسلت وجوههم ودهنتهم ، وعندما دخل رسول الله سأل عنهم . فأحضرتهم له ، فاحتضنهم وشمهم كما تفعل الأم برضيعها ، وإذا بعينيه تفيض من الدموع وانفجر باكيا . سألته ، "هل سمعت شيئا عن جعفر ؟" ، فقال لها لقد قتل . وأمر بعض المسلمين بإعداد طعام لنا قائلا "إنهم مشغولون ليفكروا فى أنفسهم" ... وهذا يدل على حبه للأطفال وعلى رفقه بهم . ربما كان هذا الحنان لفقده أطفاله وهم صغار ! ويؤكد عاطفة الأبوة هذه تبنيه لزيد بن حارثة . كذلك كان مرتبطا بابن عمه الصغير على ، عمه أبو طالب الذى رعاه فى صغره ، وكان على علم بأن على لن يكون سياسيا ناجحا . وكانت له عليه السلام حفيدة اسمها أمامة ، كان يحملها فى صلاته ، ويضعها أثناء الركوع أو السجود ، ثم يحملها من جديد بعد الإنتهاء منها . وفى إحدى المرات عرض أمام زوجاته عقدا قائلا أنه سيعطيه لأقرب واحدة منه ، فتتطلعن كلهن لتأخذ العقد ، ولكنه أعطاه لأمامة .
وكان يحب أن يشارك الأطفال ألعابهم ، وكان له أصدقاء منهم . وكان يمازح بعض الأطفال الذين عادوا حديثا من الحبشة ويتكلمون الحبشية . وفى أحد المنازل بالمدينة كان هناك طفل يحب أن يمازحه ، وفى يوم وجده حزينا ، فسأله عن السبب . فقال له أن العندليب قد مات ، فأخذ يروح عنه . وقد امتدت رحمته حتى للحيوانات ، وهذه صفة مميزة بالنسبة لعصره ، تدل على تفاعله مع الكائنات التى هى جزء من العالم . وحينما خرج الجيش لفتح مكة ، مروا على مكان به كلبة وجراء صغيرة ، فأمر عليه السلام بألا يثيروهم ، ولم يكتف بهذا الأمر بل خصص جنديا لمراقبة التنفيذ . هذه لمحات مهمة عن شخصيته عليه السلام ، وتلقى الضوء على تصرفاته مع المسلمين فى الأمور العامة . لقد اكتسب احترام وحب أتباعه ليس فقط من الناحية الدينية ، بل من الخصائص من الشجاعة والتصميم والنزاهة والحزم المغلف بالكرم . بالإضافة إلى ذلك ، فقد كان سحر أسلوبه سببا فى ولاء تابعيه وحبهم له) .
ولكن يصعب القول بأن الصورة لرسول الله المستقاة من الأحاديث وكتب السيرة ، هى أكثر إغراء من صورة سيدنا عيسى التى فى الإنجيل . وبالتأكيد فإن البحث عن الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى أكثر من المنافسة بين الشخصيات ، فقد تكون هذه الصفات غير مجسدة من الناحية التاريخية .
دفاع الكتاب من المسلمين المقنع عبر السنين عن كثير من الأحداث ، جعل الكتاب الغربيين يعيدون تقييم ما ذكره المستشرقون القدامى عن حياة النبى . وقد أوضح الكتاب المسلمون بأن هؤلاء المستشرقين قد على أقاويل باطلة لا يعتمد عليها ، وتركوا الأحداث الموثقة التى لا تتفق مع هواهم . وكمثال مما ذكر أعلاه وسنقوم بمناقشته فيما بعد معتمدين سياقا مخالفا لما ذكر ، هو عن أمره عليه الصلاة والسلام بقتل ستة شعراء كانوا يهجونه . يقول "على" بأن أربعة من هذه الحالات تعتمد على التقاليد بأن الثقافة الإسلامية تعتبر إما ضعيفة أو موضوعة ، أما الحالتين الأخريين ، فقد كانتا تمثل خيانة عظمى لأنهما أرتكبتا أثناء حرب مشتعلة بالمدينة .
بهذه الأمثلة فقد استطاع المسلمين المدافعين أن يناقشوا المستشرقين القدماء بأنهم استغلوا مصادر إسلامية ضعيفة حينما كانت تؤيد غرضهم ، وأهملوا مصادر أخرى يعتبرها المسلمون موثقة ، حينما كانت ضد أغراضهم الخبيثة . هذه المواقف والسلوكيات ، جعلت المسلمين ينظرون إلى هؤلاء المستشرقين بأنهم أعداء للإسلام . ثقافة الإستشراق الحديثة ، أصبحت أكثر موضوعية ، بالرغم من أن المسلمين ما زالوا ينظرون إليها بالشك والريبة .
يتبع
( 16 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثانى
القرآن الكريم
حينما يقرأ أحدنا القرآن الكريم ، ويرى وصف شرائح من الناس كيف يفكرون وكيف يعملون ، والضياع الروحى لمعظمهم ، وقصص عينات كثيرة منهم ، يحدث له تغير ملحوظ . من هذه الصور ، ومن آيات القرآن ، ومن سوره ، يبدأ فى الذهن ظهور صورة واضحة . هناك فى نفسك يبدأ سطوع فجر جديد واضح حاد المعالم ، متغلغل فى جنباتها . يقترب منك القرآن دون أن تشعر ، ويصبح مرآة لنفسك ، ليظهر عيوبها ، وضعفها ، وألمها ، وخسارتها ، ويبين لك إمكانياتك وفشلك . ويخترقها بعمق ، ويأتى بها مذعنة لتقر ... بما كان مختبأ فيها من قبل ، ولكنه العند والجحود ... بأنه "لا إله إلا الله " .
"مداخلة : أليس هذا تصديقا لقوله تعالى ::: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً {82} سورة الإسراء ..... يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {57} سورة يونس)
على كل حال ، فالمعرفة ليست تماما كالإلتزام ؛ هناك ما زال حاجز من الخوف ، واعتقاد بالفصل بين الإيمان والتسليم . ولكن هناك آيات ترد فى القرآن تساعد المرء فى صراعه للإختيار بين البدائل . تأتى هذه الآيات كيد ممتدة من السماء إلى قلبك المضطرب وكأنها تتكلم مع روحك . حينما تريد أن تعرف بأن الله سبحانه معك ويسمعك ، يقول سبحانه لك : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {186} .وحينما تشك ، فيؤكد الله لك أنه هناك أمل دائما ::: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {53}وفى لحظات استسلامك لعظمته ، ومناجاته مناديا له ، قلقا من ذنوبك ، تتغشاك رحمته وأنت تناجيه ::: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ {193} رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ {194} فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {195}هناك آيات أخرى فى الكتاب ، تفتح أبواب التطهير الروحى والتوبة ، مثل ::: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286}وهناك آيات أخرى تؤكد لك أنه سبحانه لن يتركك إذا بحثت عنه . وأول مرة أقرأ فيها سورة الضحى ، أخذت بوعد الله لنا سبحانه وتعالى ، وبكيت ، ماذا سيحدث لى بعد نصف ساعة ؟؟؟ شعرت بأنى كالطفل التائه ، وأخيرا وجد والديه ، فالسورة تقول لنا أن الله لن يتركنا فى أى وقت سواء نهارا أو ليلا :::
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى {4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {5} أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى {6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى {7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى {8} فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11} سورة الضحى
"مداخلة : لفت نظرى هذا المفهوم الجديد ، وقد تعجبت منه لأول وهلة ، فهذه السورة الكريمة نزلت فى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور ، إلا أن من يقرأها لأول مرة ولا يعلم سبب نزولها ، كالكاتب ... وبتدبر وجهة نظره ... وجدت أن لها شيئا من الوجاهة ، فهناك قاعدة تقول أن التفسير يأخذ بعموم اللفظ لا بسبب النزول ، ومن إعجاز القرآن الكريم ، أن آياته يكون لها عدة معانى فى نفس الوقت ، أو فى وقت متقدم بعد أن يتقدم العلم ، ولا تتعارض هذه المعانى مع بعضها ، وهذا ليس لنظم آخر غير القرآن الكريم .
نعم ، نحن نولد أيتام ، لا يرعانا أحد إلا بفضل من الله ، بغض النظر عن وجود الأب والأم !!! فهما لا شئ إطلاقا لولا رحمة الله سبحانه التى خلقت فيهم وأودعت الحب والعطف ، ولولا ذلك لما رعانا أحد ، فالرعاية التى تحدث لنا ، هى أصلا من رحمته سبحانه ، وهذا تفسير "ما ودعك ربك وما قلى" ، أى هيأ لك المناخ الذى لا يجعلك يتيما ... وإذا التزمنا بالآيات الأخيرة فى السورة ، فلا نقهر اليتيم ، ولا ننهر السائل ، ونتحدث بيننا بنعم الله سبحانه وتعالى علينا ، وأى نعمة هى أكبر من نعمة الإسلام ؟؟؟ ... حينئذ تكون آخرتنا فى الدنيا والآخرة ، أفضل من وضعنا الأول ، بمعنى أنه سبحانه يزيد الذين اهتدوا هدى ، فإذا أحسنت ، أحسن الله إليك . وإذا أتيته تمشى أتاك هرولة ، فأى جمال بعد هذا الجمال ؟؟؟" .وقد سبق أن قلت بأن القرآن الكريم ليس له بداية أو نهاية ، بمعنى أن مفاهيمه الأساسية يمكِن أَن تتحقّقَ بغض النظر عن ترتيب قراءتك له . ولكن بالنسبة لمن هو على وشك الإستجابة لندائه ، فالترتيب محورى ، فكلما تقدم فى قراءته ، كلما كان تأثيره عليه أشد عمقا وعاطفة . وكنتيجة لهذا ، كلما اقترب الإنسان للتحول فى مفاهيمه ، كلما وجد أن القرآن يستدعيه للمثول بين يديه . السور القصار فى آخره ، تركز النصح والتحذير . وبعد تنبيه أخير للثمن المرعب للتكبر والعند ، تأتى الثلاث سور الأخيرة لتعلمك ماذا تقول لخالقك بشوق . ثلاث مرات متتالية كلمات تفصل بينها سطور قليلة ، حاثا لك على أن تنطق وتعلن إيمانك ، قائلا ::: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} سورة الإخلاص ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} سورة الفلق ..... قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ {1}" .إلى هنا يكون القارئ للقرآن ، قد وصل إلى حافة حياة والتزام جديدين ، معبرا عن هذا الوضع الجديد ... كما حدث لى فى مسجد الطلبة ... بالكلمات التالية : "أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" .
وبالنسبة لأولئكم الذين اعتنقوا الإسلام ، هذا القرآن يشهد على صفات الله سبحانه وتعالى ، الباقى ، الرقيب ، الرزاق ، الهادى . وكأن القرآن هو محيط رائع واسع ، تغريك موجاته المبهرة لتغوص فيه أعمق وأعمق . ولكنك لا تغرق فى ظلمات البحر ، ولكنك تجد نفسك فى خضم محيط من النور الإلهى والرحمة المهداة .
وبعد إسلامى ، واظبت على أداء الصلوات فى المسجد فى جماعة ، وخصوصا صلاة المغرب والعشاء والفجر ، لأنها صلاة جهرية ، تخالف صلاة الظهر والعصر الغير جهرية . وقد أثار هذا الوضع انتباه أحد المشاركين فى الجماعة لأنه يعلم أنى لا أعرف اللغة العربية لأنها غريبة عنى . ولم أكن أعير أنا هذا الموضوع أى انتباه ، ولكنى كنت أرتاح لسماع القرآن الكريم بالغريزة ، "فلماذا يرتاح الطفل حين سماع صوت أمه ؟" بالرغم من أنه لا يفهم شيئا مما تقول ، ذلك لأم صوت يريحه ويسكن له ، صوت يعرفه من على البعد ويسكن إليه . هناك أوقات أتمنى أن أعيش فى حماية هذا الصوت للأبد ، ولكن المؤمن الجديد بالإسلام يعيش وينمو فى جو حقيقى من الإيمان .
( 17 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ............................... {6} سورة الأحزاب
انتشرت الإشاعة بسرعة فى المدينة ، والجمهور الذى يغلى ويتململ ، يزداد فى القاعة كل دقيقة . وبالرغم من الإشارات فى الأيام القليلة السابقة ، وقد كانت هناك إشارات فى الفترة الماضية على الصدمة والرعب فقد كان زلزالا . قد يكون هذا الإختبار ، أشد من المعاناة التى يعيشوها ، أشد عليهم من هجرتهم ، من ملاقاة الكفار ، حتى من ملاقاة الموت ، وفى هذه المحنة كما كان عليه الصلاة والسلام فى كل المواقف -- قائدا ثابتا حكيما بروحانيته الكبيرة وشفقته، وإبتسامته المطمئنة، وطبعه اللطيف العطوف ، وروحه المرحة .
"قم يا أبا تراب" ... يقولها متلطفا وهو يزيل التراب من على ابن عمه على رضى الله عنه . وبتواضع عميق واحترام للآخرين ، يفرش عباءته ويفسح مكانا للمرأة العجوز لتجلس .
كيف ينسون مشيته الخشنة ، المحددة ، كأنه ينحدر من على تل ، أو حفيده وهو يركب على كتفيه وهو يؤمهم فى الصلاة ، كيف ينسون رعاية الله له فى كل المواقف ، فى الغار ، فى أحد ، وهو على المنبر . هذا غير معقول ، هكذا كان تفكيرهم !!! ماذا سنفعل الآن ؟؟؟
وقف سيدنا عمر رضى الله عنه ، شاهرا سيفه فى المسجد ، مرددا ، لقد كذبوا ، لقد كذبوا ، إنما ذهب للقاء ربه وسيعود ، كما ذهب سيدنا موسى ، وسأُعمل سيفى هذا فيمن يقول أنه مات !!!
كانوا فى حيرة من أمرهم ، هذا عمر الذى كان يقول فيه رسول الله "إن الشيطان إذا مشى عمر فى فج مشى الشيطان فى فج آخر" ، يقول شيئا ، وها هم أهله يبكون فى الداخل ، من نصدق ؟؟؟ يا الله !!! الحقيقة تقترب منهم ، اللهم كن معنا فى هذه المحنة . كانوا كالطفل الذى يرفض التصديق برحيل أبوه . وبدأو فى الشك فى كلام عمر ، حتى حضر أبو بكر رضوان الله عليه ، مسرعا على فرسه ، واستأذن للدخول ، فقالت ابنته ، لا استئذان بعد اليوم ، ودخل على النبى صلى الله عليه وسلم ، انحنى وقبل النبى قائلا "طبت حيا وميتا يا رسول الله" ، ورفع وجهه ووضعه بين يديه باكيا ، وانحدرت دموعه على وجه رسول الله ، ثم خرج ، قائلا "اجلس يا عمر ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت" ، ثم تلا قوله سبحانه وتعالى :
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ {144} سورة آل عمران
ذهل عمر ، وجثا على ركبتيه ، مستقبلا هذه الفاجعة ، وكأنه لم يسمع هذه الآية إلا اليوم ، هنا ارتج المسجد بالبكاء والنشيج ، وانتقل الخبر إلى باقى المدينة ، فإذا بها فجأة تضطرب اضطرابا لم تعهده من قبل ، وإذا بموقفها من الحدث ، بالضبط عكس موقفها فى أول يوم رأت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هاجر إلى يثرب . ورغم الموقف الصعب ، فثبات الصديق فى أصعب الظروف ، أوحى للكثير بأنه أحق الناس بالخلافة السياسية للرسول (حيث أن النبوة لا تورث إلا بنص من الله) .
مدة خلافة أبو بكر كانت محدودة ، فقد مات بعد سنتين من الرسول ، ولكن هاتين السنتين ، كانتا أصعب فترة مر بها المسلمون ، وكانت فى حاجة إلى قائد عبقرى ، يقود الأمة الإسلامية إلى بر الأمان . الوحى كان قد انتهى ، وتطبيق الرسالة فى مجالات جديدة وغامضة بدأ . التطبيق بدا سهلا لأن القائمين به من أصحاب الرسول عليه السلام ، قد كانوا مشبعين برسالته ، وبتربيته لهم مدة ثلاث وعشرون سنة الماضية . المثلان أمامهم ، القرآن الكريم وشخصية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم ، كانتا امامهم حية ، عايشوهما معايشة ، ولم يكونوا فى حاجة إلى البحث والدراسة فقد كانا جزءا من حياتهم . ولكن حادثين كبيرين واجها أبو بكر من البداية : القبلية ، والميل الإنسانى لتقديس الأشخاص ، وادعاء بعضهم بأنهم يوحى إليهم من الله ، والمتحول الغربى للإسلام ، يواجه مثل هذه المفاهيم ولكن من منظور مختلف بعض الشئ . بشكل ما ، فهو يجد أن المجتمع الجديد فى تقاليده ومنظوراته ، أجنبية عنه ، وفى نفس الوقت ، يجب عليه قبول شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام .
بداية مع القرآن الكريم :
الكتب المتداولة باللغة الإنجليزية فى الوقت الحاضر ، التى تتكلم عن الإسلام كعقيدة وممارسة ، قليلة جدا . نتيجة لهذا ، فالصلة الأولى للمسلم الأمريكى ، والغربى ، بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تأتى إلا من القرآن الكريم وما معه من تفاسير . وهذا بالتأكيد مناسبا ، فالقرآن هو دائما ينبوع الإيمان للمجتمع الإسلامى .
اليهود والنصارى ، يتوقعون من الكتاب المقدس عند المسلمين أن يكون غالبه عن رسول الله وصحبه . والحقيقة أنه غير ذلك ، فاسم الرسول ذكر فى القرآن أربع مرات فقط ، فى حين ذكر اسم سيدنا عيسى خمسة وعشرون مرة ، كما ذكر اسم سيدنا موسى 136 مرة .
وكما ذكرنا فى الفصل السابق ، فالقرآن أساسا ، لمن يقرأه ، يجده يركز على العلاقة بين القارئ وخالقه سبحانه وتعالى . نعم هناك إشارات تاريخية تتعلق بزمن الأنبياء ، ولكن الإخبار عنها كان غامضا تاريخيا ، لأن العبرة المقصودة هى بالأحداث والصراعات الإيمانية ، لا بالتواريخ . وهذه الصراعات قد تحدث للمجتمعات المختلفة فى أى وقت . مع هذا ، فهناك لمحات قرآنية عن شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، مشاعره ، وآماله ، وأحزانه ، بل وبعض أخطائه ، لتعطى صورة عن شخصيته عليه السلام .
نظرتنا للنبى ، لن تكون كهؤلاء المستشرقين الذين يبحثون عن الدوافع النفسية والمادية ليفسروا من خلالها الوحى . ولكننا سنتكلم من خلال اقتناعنا ، بأن القرآن الكريم وحى من الله سبحانه ، لأن هذا هو الطريق الصحيح الذى يتوصل إليه من هدى إلى الإسلام : فالإقتناع بالقرآن يسبق الإقتناع يالرسول عليه الصلاة والسلام ، ولهذا سنوضح الصورة التى يريدها لنا القرآن الكريم لمعرفة شخصية رسول الله .
أول هذه اللمحات هى ماجاء فى آية سورةالكهف :::
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110} سورة الكهف
هناك القليل جدا فى القرآن الكريم ، الذى يمكن أن يصف الرسول عليه الصلاة والسلام ، باكثر من أنه مبعوث بالرسالة . لقد سبق لنا ذكر الآية التى رددها أبو بكر للجمع ، حين وفاة الرسول ، وهناك آيات أخرى تنحو هذا المنحى :::
( 1 ) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49} سورة يونس
( 2 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ {38} سورة الرعد
( 3 ) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً {90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً {92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً {93} وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً {94} سورة الإسراء
( 4 )وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً {7} سورة الفرقان
( 5 ) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً {75} سورة الإسراء
يوازى القرآن الكريم بين الرسول ، والرسل من قبله عليهم الصلاة والسلام ، فهم كلهم بشر ، يسرى عليهم ما يسرى على البشر ، كا جاء فى هذه الآيات :::
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ {9} سورة الأحقاف
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {11} سورة إبراهيم
تسرى عليهم العاطفة الجنسية ، كما حدث بين سيدنا يوسف وامرأة العزيز ، "مداخلة : الآية فى سورة يوسف عن الهم به والهم بها ، يحاول بعض المفسرين أن يخرجوها عن سياقها ، بطريقة أو أخرى ، ليبرئوا سيدنا يوسف عليه السلام ، ولكن التدبر فى نص الآية لا يخرجه عن بشريته ، فالذى منعه من السوء والفحشاء هو رؤية برهان ربه ، فكلمة لولا تدل على ان هناك شئ منعه ، ومنعه من ماذا ؟؟؟ أليس من السوء والفحشاء كما جاء بنص الآية ؟؟؟ ، هذا إضافة إلى طلبه من الله سبحانه وتعالى أن يحميه من كيدهن ، وإلا كان من الجاهلين
... قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {33} سورة يوسف" .
كذلك حبهم لمتاع الدنيا ، كما جاء وصفا لسيدنا سليمان عليه السلام :::
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص[B]وفى قصة سيدنا موسى والخضر ، البحث عن العلم والمعرفة ممن هم أكثر علما ، كذلك عدم الصبر إذا غمض عليهم شئ .
والغضب ، حينما قتل المصرى ، وغضبه من قومه حينما عبدوا العجل .
والضيق ، حينما أبق سيدنا يونس من قومه فالتقمه الحوت وهو مليم .
واتباع الهوى ، كحكم سيدنا داوود لمن له نعجة واحدة ضد أخيه .
والقلق والخوف ، حينما بعث سيدنا موسى ، فخاف من أن يقتله فرعون انتقاما للمصرى الذى قتله .
وهم ككل البشر ، يرجون هداية الله سبحانه وتعالى ، ومغفرته . والآيات الدالة على ذلك كثيرة ( الأعراف - 151 .. القصص - 16 .. ص - 24، 25 .. ص -35 .. الأنعام - 77 ) .
" مداخلة : أضيف هنا ، موقف سيدنا نوح فى مراجعة الله سبحانه ، فى مسألة غرق ابنه ، وهذا يدل على عاطفة الأبوة ، رغم أن ابنه كان من الكافرين ، وهنا عاتبه الله على هذه المراجعة ، بقوله ( .... إنه عمل غير صالح .... ) ، وحسب سياق الآية ، فالعمل الغير صالح ، هو هذا السؤال لله ، بعد أن قضى الأمر ، والدليل على ذلك ، أن سيدنا نوح عليه السلام ، سارع فى التوبة من هذا السؤال قائلا ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ {47} سورة هود ) ، فطلب المغفرة والرحمة هى من السؤال المتسرع والذى يعتبر مراجعة لله فى أمر قد قضاه " .
كل هذه اللقطات ، لتبين أن الرسل عليهم الصلاة والسلام بشر ، وأن تكريمهم من الله ، لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ، فلا يصح أن يؤلهوا " .
طبيعة الرسول الإنسانية ، تتضح أكثر فاعلية ، فى الآيات التى تتكلم عن تطلعاته النفسية والروحية ، بالإضافة إلى الأحداث اليومية فى حياته . ويقوم علماء المسلمين فى البحث عن مثل هذه اللمحات ليقربوا إلينا بشريته عليه السلام .
ومن غير المعقول أن يكون تعرضه ، عليه السلام ، فجأة لنور الوحى لم يؤثر على وجدانه وتفكيره فى نفسه . حتى أنه قال للسيدة خديجة حال عودته من الغار ( أى خديجة ما لى لقد خشيت على نفسى .. فأخبرها الخبر ) ، إلى أن طمأنه سبحانه وتعالى بما جاء فى سورة الضحى ، وبشره برفع ذكره كما جاء فى سورة الشرح .
وفى سورة القلم " ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ {2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ {3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} " .
كما نرى فى عدة مواقف ، تصحيح الله له لما بدر منه ، كما جاء فى سورة عبس وتفضيله علية القوم من قريش على ابن أم مكتوم ، وسورة الأحزاب ، عن زواجه ببنت عمه زينب ، بعد طلاقها من زيد بن حارثة الذى كان قد تبناه سابقا ، وما جاء فى سورة التحريم ، حينما فضل مرضاة أزواجه وحرم ما أحل الله له .
ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر .
( 18 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
ورغم التشايه بيننا وبين الأنبياء عليهم السلام وأنهم مشتركون معنا فى البشرية ، إلا أنهم على درجة عالية من النقاء بحيث اصطفاهم سبحانه وتعالى لحمل رسالته إلى البشر . فالمقابلة بيننا وبينهم أنهم حالة استثنائية , فكما أنهم مجتبين من الله ، فهم أخيار :
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {47} سورة ص
وعلى درجة عالية من النقاء الإنسانى :
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {83} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ {85} سورة الأنعام
كما أنهم ْمُخْلَصِينَ :
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} سورة يوسف
ومقربين :
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً {52} سورة مريم
ومفضلين عن العالمين :
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ {86} سورة الأنعام
أما عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالخصوص ، فله منزلة سامية رفيعة :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21} سورة الأحزاب
وقد وصف بالخلق العظيم :
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} سورة القلم
وهو يستحق منا كل التبجيل والإحترام ، وكما صلى عليه سبحانه هو والملائكة ، فقد أمرنا بمداومة الصلاة عليه ، وهذا رفع لذكره كما وعده سبحانه فى سورة الشرح ، فذكره لا ينقطع على مدار الساعة من أتباعه ، عليه السلام .
وحتى فى حالة ما إذا وقع الرسول فى خطأ ولامه الله عليه وتاب منه ، فإن ذنبه هذا لا يكون تجاوزا متعمدا لما يريده الله منه ، بل هو خلط مؤقت بين مهمته المقدسة ومشاعره وتطلعاته الشخصية . وهذا الوضع من الصعب جدا أن يتجنبه الشخص العادى فهو معذور فى ذلك . لكنه سبحانه يطالب الرسول بمعايير مثالية فى تصرفاته ، ويوضح القرآن الكريم هذا الخيط الرفيع بين الإثنين . فقد لام سيدنا سليمان نفسه حينما شغلته الدنيا عن ذكر ربه ... " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {30} إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ {31} فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ {32} رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ {33} سورة ص" . كما أن حكم سيدنا داوود عليه السلام المتسرع ، فى اللذين تسوروا المحارب ، كان سببا فى أن يلومه الله عليه ، فالعدل هو أن تتاح الفرصة للمتخاصمين لعرض وجهات نظرهما . وغضب سيدنا موسى الشديد من أخيه هارون واتهامه بالتقصير حينما عبد بنو إسرائيل العجل ، ولم يترك له فرصة للدفاع عن نفسه ، وكذلك سيدنا يونس حينما أبق إلى الفلك بعذ أن خذله قومه ولم يؤمنوا برسالته ، وتصرف بدون إذن من الله . كل ذلك لحرصهم على الدعوة والإحباط الذى يواجهونه حينما يكذب بها المكذبون .
وليس من حقنا أن نلوم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إذا اتخذ مواقف ضد التعصب ، أو كان متحمسا لنشر الدعوة ، أو اتخذ مواقف عائلية بين زوجاته ، من وجهة نظره هو . فهذه المواقف الإنسانية الصرفة ، حينما تحيد قيد أنملة عما يرتضيه الله سبحانه له ... الذى قال لرسوله "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} سورة الطور" ... يسارع الوحى بتصحيحه ليكون القدوة للمسلمين ، فيقول له "عبس وتولى ....." .. "لم تحرم ما أحل الله لك ....." .. "عفى الله عنك لم أذنت لهم ...." .. "... وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ..." ، وهكذا ، تحرسه عناية الرحمن فى كل خطواته .
وهكذا نرى القرآن الكريم يصف الأنبياء وصفا دقيقا لا مغالاة فيه ، فهم معصومون من الذنوب الكبيرة ، وذلك ليس كما فعلت التوراة التى نسبت إليهم كل نقيصة وشوهت صورتهم الحقيقية ، وأتباع الإنجيل ، الذى وصل بهم الأمر إلى تأليه سيدنا عيسى عليه السلام وغالوا فيه غلوا أخرجه من البشرية ، بالرغم من أن بشريته واضحة كل الوضوح فى نفس الأناجيل . وهكذا فالتفريط من جانب التوراة ، والإفراط من جانب النصارى أدى إلى تشويه الصورة الفعلية للأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
اتقد البعض الإسلام بعدم واقعيته الإيجابية ، وعدم اعترافه بشكل كاف ، بضعف الإنسان وميوله المتأصلة نحو الشر . ولو راجعنا الكلام السابق ، فالإسلام ، وبخاصة القرآن الكريم ، يضع فى اعتباره كاملا نزوع الإنسان لتحطيم نفسه ، وهذا الأمر ليس هو كل رسالة الإسلام . هداية الوحى ، ليس فقط ليجعلنا واعين لمشاعرنا المختلفة ، وذكر نعم الله سبحانه علينا ومغفرته لذنوبنا ، ولكن هذه الهداية أيضا لتشجعنا على التغلب على ضعفنا هذا وإصلاح أنفسنا . وبالرغم من هذه الأمور من الصعوبة علينا ، إلا أنه يحثنا على عدم فقد الأمل والمحاولة تلو المحاولة . الإستسلام لله يكون على خطوات ويحتاج إلى الصراع المستمر .
فسبحانه يوضح لنا فى القرآن الكريم ، أنه لا يطلب منا المثالية ومحاربة رغابتنا وشهواتنا ، تك الأمور التى لم يطالب بها المصطفين من عباده . بالأحرى ، يجب أن نكون مطمئنين من حب الله لعباده ، ويطلب من الجميع أن يقدموا أنفسهم طوعا لإرادته .
يلاحظ بعض المتحولين الجدد للإسلام من الغربيين ، أن ما ذكر عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى القرآن الكريم ، مختلف كثيرا عما هو فى كتب السيرة وبعض التفاسير وخطب الجمعة الأسبوعية . وحرى عن القول ، أن المرء يرى صورة مختلفة عما ورد فى القرآن . فالقرآن يركز على صفات معينة للنبى عليه الصلاة والسلام ، بينما المصادر الأخرى تتكلم عن معجزاته عليه السلام ، وتفاصيل انتصاراته فى الغزوات ، وقيادته العبقرية ، والطاعة الثابتة من أتباعه ، ونشر القواعد والأسس للدين ، والروحانية العظيمة له . وهذه هى السمات التى تؤثر فى الناس ، خصوصا المسلمين الأوائل ، وذلك لأنها تؤكد لهم أنه هو النبى المرسل من عند الله .
على كل حال ، فحينما نقرأ القرآن يتضاءل لدينا الغموض ، وتتضح لنا صفات رسول الله ، ونرى أمامنا إنسان ...
يستحى من ضيوفه حينما يطيلون المكوث عنده "سورة الأحزاب الآية 53"
إنسان يعامل أصحابه بعد أحداث غزوة أحد باللين ، ليس فظا غليظ القلب "سورة آل عمران الآية 159"
يبحث عن الأعذار للآخرين "سورة التوبة الآية 43"
والذى يستغفر لأعدائه حتى نهاه الله عن ذلك "سورة التوبة الآية 80"
وصف بأنه رؤوف رحيم "سورة التوبة الآية 128"
وصف بأنه رحمة للذين آمنوا "سورة التوبة الآية 61"
ورحمة للعالمين "سورة الأنبياء الآية 107"
وتلهفه الشديد واهتمامه لنجاح دعوته ، وحرصه على مصير أتباعه "سورة النحل الآيات 37 ، 127 وسورة الكهف الآية 6" للدرجة التى أدت إلى تذكيره مرارا بأن مهمته فقط هى توصيل الرسالة "سورة الأنعام الآية 107 .. سورة هود الآية 12" .
وأن هداية الرسل هى البلاغ ، وهداية التمكين هى لله سبحانه وتعالى فقط "سورة البقرة الآية 272" . وأنه ليس فى إمكانه هداية من يحب ، وأن الله يهدى من يشاء "سورة القصص الآية 56" .
هذه بعض اللمحات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى وردت بالقرآن ، ولكنها نقاط رئيسية تبين شخصيته عليه السلام .
الرغبة فى معرفة المزيد عن هذه الشخصية ، بطريقة أكثر قربا منه ، فى الواقع لا تقاوم ، خصوصا من أولئكم الذين عاشوا فى ظل الكتب السابقة ، حيث احتل الأنبياء مواقع مركزية . لايخوض القرآن فى تفاصيل دراماتيكية عن الصراعات الداخلية للرسول ، بل يتركنا بتلميحات وإشارات مختصرة . لانرى بوضوح مشاعره الداخلية من خوف وألم وشكوك ، كما نراه فى الإنجيل عن سيدنا عيسى عليه السلام حينما كان يحارب الرغبة فى الصحراء "متى : 4 .. لوقا : 4" ، أو أثناء الليل فى "جيثسمان" قبل القبض عليه "متى : 26 .. مرقص : 14 .. لوقا : 22" ، أو فى معاناته الأخيرة على الصليب "متى : 27 .. مرقص : 15 .. لوقا : 23" . وحتى فى المصادر الأخرى الإسلامية من كتب السيرة والحديث الشريف ... والتى سنناقشها فيما بعد ... نتعلم منها بياناته وردود أفعاله ، ولكن نادرا أفكاره الخاصة الداخلية .
ما أعنيه ، أننا نادرا ما نجد أنفسنا منفردين مع النبى عليه السلام ، وقد أتيح لنا نعمة الإحساس بشعوره الداخلى . وبدلا من ذلك ، نجد أننا نعرفه من خلال وسيط ثالث ، إما عن طريق الله سبحانه وتعالى كما ورد بالقرآن الكريم ، أو عن طريق الصحابة رضوان الله عليهم . ربما كان هذا الوضع مقصودا فى ذاته ، حتى لا نفعل كما فعلت النصارى مع نبيهم ، وأن يكون توجهنا خالصا لوجه الله الكريم . وهذا يوضح جزئيا ، لماذا كان الرسول دائما يخاطب بصفته الرسول أو النبى .
وفى المسجد بعد عام من نطقى للشهادة ، وبعد أن صرت ومحمود أكثر من أصدقاء ، فقد كنا إخوة فى الإسلام . ذهبنا لسماع خطبة فى هذا المسجد بـ "Fairfield" ، حيث كان مبنى صغيرا يشرف عليه مجموعة صغيرة من الطلاب المسلمين وقد تحول إلى مسجد . وقفنا بالخارج مع مجموعة كبيرة من الحاضرين ، وقد كنت أنا ومحمود فقط الذين يرتدون الملابس الإفرنجية . وقد وجدنا مكانا على الأرض لنجلس فيه . وقد أوصى المحاضر المستمعين بأن يكونوا فى إيمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وقد قص عليهم هذه القصة .
قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدويا فى الصحراء ، فدعاه للإسلام ، فقابله البدوى بالرفض والعناد ، وقال له ، "هل هناك من يشهد لك بالنبوة ؟" ، ولم يكن هناك أى شخص إلا على بعد أميال ، فأشار الرسول إلى شجرة قريبة ، وقال هذه تشهد لى ، وفى الحال انخلعت الشجرة من على الأرض وتقدمت من رسول الله والبدوى ينظر إليها برعب ، ثم صرخ "أشهد أنك رسول الله" ونطق بالشهادتين .
رأى محمود فى عينى الضيق ، وحاول معالجة الأمر بعد المحاضرة ، قائلا ، أنه من الطبيعى ليس الحاضرون هم كل المسلمون . بالطبع كان كثير من الحضور مبهورون بالمحاضرة وبمثل هذه القصص التى ذكرت فيها ، فقد كانوا يُتْبعونها بتهليل وإعجاب شديدين . ولكنى شعرت بأن كلمات محمود كانت نوعا من الإعتذار الغربى ، وليس إعتذارا إسلاميا . من وجهة نظرى ، أن مثل هذه القصص تناقض الغرض الذى أراده القرآن الكريم . فالقرآن يريد لنا أن نؤمن بإعمال عقولنا ، وليس بمثل هذه الخوارق الطبيعية "مداخلة : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .... طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {3} إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ
أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ {4} سورة الشعراء ... وإليكم هذا الرابط الذى يفرق فيه فضيلة الشيخ القرضاوى بين الحقيقة والمغالاة فى نسبة المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ... http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1122528600456&pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaAAskTheScholar" . وكان مما قاله محمود لى بدبلوماسيته المعهودة ، "من نحن لننكر شرعية ما يراه الآخرون إذا تعارض مع رأينا ؟" .
هذا الموقف جعلنى أشعر ... بأنه من صالحى أنا ... لابد أن أفهم موقع الأحاديث النبوية فى حياة المجتمع الجديد .
كنت على وشك الدخول فى متاهات من التشويش ، والخلط ، والشك ، وكان يجب على أن أكتشف ما أنا فيه ، بطواعية وببساطة ، حيث المجال ضيق للهواجس .
يوجه المستشرقون السهام لعلم الحديث الشريف ، وللأسف فإن البحوث المقدمة من علماء المسلمين ، سواء الأصلية ، أو المترجمة للغة الإنجليزية ، لمقابلة هجومهم ، غير كافية . والحاجة لمثل هذه الأبحاث ، هامة جدا للمسلمين الجدد الذين يعيشون فى الغرب ، حيث أن هذا الموضوع يلعب دورا فاعلا لربطهم بالمجتمع الإسلامى ، ولمقابلة التحديات التى تواجههم ، ولصيانة أنفسهم من المحيط الذين يعيشون فيه .
( 19 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
"مداخلة : أحب أن أُذَكر ، بأن هذا الكتاب أصلا موجه إلى الغربيين من المسلمين الجدد أو من غير المسلمين ، ليغطى مساحة مفقودة فى الإتصال بهم . وهو بالنسبة لنا يمثل مجالا خصبا للإطلاع على نوعية من المسلمين الجدد حينما يباشر قلبهم حلاوة الإيمان ، فاندفعوا للدعوة التى آمنوا بها ، والبحث عن النقاط التى تشكل صعوبة لفهم مواطنيهم ليوضحوها لهم . كما أننا نجد فى الكتاب نقاط رائعة تخفى علينا لأننا ولدنا على الإسلام ، ولم نعرف الأديان الأخرى بالتفصيل ، لنفهم ما فهموه هم منها ، سواء سلبا أو إيجابا ، ويكون فهمنا لهم سببا فى التواصل معهم لنصل إلى عقولهم ، ومن ثم قلوبهم ، ونكون عونا لهم على الثبات على الحق الذى آمنوا به" .*
الحديث .. السنة .. السيرة :
قال عبد الله بن سلام ، عن الزبيدي : قال عبد الرحمن بن القاسم : أخبرني القاسم : أن عائشة رضي الله عنها قالت : شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( في الرفيق الأعلى ) . ثلاثا ، وقص الحديث . قالت : فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا ، فردهم الله بذلك . ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم ، وخرجوا به يتلون : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - الشاكرين } .
المذكور أعلاه هو مثل للحديث الشريف ، وجمعه "أحاديث" ، ومجموعها مجال آخر للمعرفة ، حيث كانت موضوعا لدراسة مستفيضة من علماء المسلمين وغير المسلمين ، منذ العصور الأولى للإسلام . المعنى الأساسى لكلمة "حديث" ، هو "جديد" ، فإذا بحثنا عن معنى الكلمة كنوع من الإتصال ، فيكون معناها "تقرير" أو "بيان" ، عن قول شخص ما ، أو عن شئ حدث ونقله إلينا شهود رأوه أو سمعوه من مصادر موثوق بها . وبالنسبة لعلماء الإسلام ، فعلم الحديث ينحصر فى دراسة أقوال وأفعال وإقرار ، رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعتبر هذه الأحاديث هى المصدر الثانى من المصادر التى يرجع إليها المسلمون "القرآن الكريم هو المصدر الأول من هذه المصادر" .
كلمة "سنة" أدبيا تعنى "طريقة" أو "المسار المتبع" . وبالنسبة لرسول الله ، فهى تشير إلى أمثلة عن حياته ، ونماذج من تصرفاته ، وهى بذلك مرتبطة جذريا بالأحاديث ، فمن خلال الأحاديث أساسا ، نعرف أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقواله .
"السيرة" ، هى السيرة الذاتية للرسول . غير أننا سنركز حاليا على "الحديث" .
حسب الحديث الشريف الذى ذكر أعلاه كمثل ، نجد أن كل حديث ينقسم إلى جزئين : الجزء الأول هو الإسناد ، والثانى ، هو المتن (أى النص) . والمختصين من المسلمين اهتموا بهذين العنصرين اهتماما شديدا . وكمثال ، فنظرتهم لحديثين بنفس المتن ولكن الإسناد يختلف ، فيكون تصنيفهما مختلفين من ناحية التوثيق . ويلاحظ فى العناية بالإسناد ، الإنتباه الدقيق لطريقة انتقال الحديث من مرحلة لمرحلة أخرى ، وذلك لكى يتأكد المسلمون من صحة النقل ، والضبط ، والسلامة ، والثقة فى الأفراد المنقول عنهم الحديث . وهذا الإنطباع دُعم نتيجة للمجهود المخلص من الأتقياء ، أمثال "البخارى" و "مسلم" ، الذين كانوا يقطعون المسافات البعيدة للتأكد من صحة الحديث ، وقد لاقوا الصعاب فى سبيل تحقيق النصوص ، والتأكد من السلسلة التى تروى الحديث . إن المجموعة التشريعية التى نتجت فى القرن الثالث فى العصر الإسلامى ، سميت بأسماء هؤلاء الذين جمعوا الحديث الشريف : "صحيح البخارى" و "صحيح مسلم" و "سنن أبو داوود" و "جامع الترمذى" و "سنن النسائى" و "سنن ابن ماجه" . فى حين أن هناك كتب أخرى لها اعتبارها ، كـ "سنن الدارقطنى" و "سنن الدارمى" ، وينظر كثير من المسلمين إلى الكتب الستة الأول بأنها أصح الكتب ، وأصحها على الإطلاق ، صحيحى البخارى ومسلم .
من أحد أسباب عمل هؤلاء المحدثين الكبار ، الصراعات والجدل الذى بدأ فى نهاية القرن الثانى من الهجرة ، فقد ملئت الساحة بالأكاذيب والإفتراءات السياسية منها ، والقصص المفبركة ، والمبالغات فى شخصية الرسول كما هى عادة البشرية فى عظمائها ، وظهور الفرق والنحل وتعصب كل لرجاله ، ونسبة كل ذلك للرسول لتدعيم كل فريق لقوله . كل ذلك وصل لدرجة وضع الأحاديث على لسان رسول الله والكذب عليه ، حتى أن ما جمعه البخارى كان حوالى 600 ألف حديث ، لم يعتمد منها غير 2,602 حديث فقط (غير المكررة منها) . هذا وضع محير جدا ، ولو أن البخارى لم ينف أن تكون هناك أحاديث غير التى أوردها يمكن أن تكون صحيحة .
وقد كان البخارى حينما يعتمد حديث ما ، فإنه ربما رفض أحاديث أخرى بنفس المتن ، ولكنه لم يعتمد إسنادها حسب القواعد التى عقدها لقياس صحة الإسناد . فبالنسبة له ولجميع المحدثين ، فقد كان الإسناد له الأولوية فى تقييم صحة الحديث . فلكى يعتمد الحديث صحيحا ، لابد أن تكون سلسلة الرواة قوية وجديرة بالثقة ، ولا توجد عيوب بها مخفية . فمثلا عند البخارى ، إذا ثبت عنده أن راويين لم يصادف أن لاقى بعضهم البعض ، فلا يأخذ بالحديث المروى عنهما .
وقد أدى هذا البحث فى القرن الثانى الهجرى فى الأسانيد ، إلى دراسة أحوال الرجال ومدى تقواهم ، وصدقهم ، وتصرفاتهم ، وذكاؤهم ، وأدى هذا إلى نشأة علم يسمى "أحوال الرجال" ، تطور إلى علم مستقل غنى بالمعلومات عن رواة الأحاديث ، حتى أن "سبرنجر Sprenger" سماه "الأدب المحمدى المجيد The Glory of Muhammadan Litrature" .
يقسم علم الحديث ، الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية : "الصحيح " ، "الحسن" و "الضعيف" . وهذا القسم الأخير ، ينقسم إلى "المعلق" ، "المقطوع" ، "المرسل" ، "الموضوع" ، وذلك الذى به خطأ فى الإسناد أو المتن ، ويسمى "المُصَحَّفْ" . كذلك تقسم الأحاديث حسب سلسة الرواة خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة . فالحديث المتواتر ، هو الحديث المنقول عن جمع من القرون الثلاثة الأول لا يشك كثيرا فى نقلهم . أقل عدد للتواتر هو سبعة ، وقد يصل إلى السبعين . والأحاديث من هذا الباب قليلة . وهناك الحديث "المشهور" ، وهى أكثر من السابق ، ورواتها من اثنين إلى أربعة من الرواة من القرن الأول ، وعدد كبير من القرنين التاليين . هذان النوعان عليهما يحتلان موقعا هاما فى التشريع منذ الأيام الأولى للإسلام . وأحاديث الآحاد التى رويت بواسطة أربعة رواة أو أقل فى القرون الثلاثة الأولى ، يعتبرا مع هذين النوعين ، وذلك بناء على مناقشات من "الإمام الشافعى" ، المصدر الثانى للتشريع السنى فى الإسلام .
من هذه المقدمة المختصرة ، يشعر المرء بالضخامة والتعقيد لهذا العلم القديم ، وللأسف كما يقول "الصديقى" ، فالخبراء هذه الأيام فى هذا العلم قليلون :
وفى الحقيقة ، فإن هذا العلم بالهند (على ما أعرف) ، وفى الدول الإسلامية ، قد تحول لمجرد أمور شكلية . فالقليل من العلماء يتبحرون فى "أسماء الرجال" - وهو من أهم العلوم لمعرفة الأحاديث . والمتحولون الجدد للإسلام ، يجدون تناولهم للأحاديث أقل بكثير من تناولهم للقرآن الكريم . وهذا ناشئ عن عدم وجود خبراء فى هذا المجال ، ومعلوماتهم تأتى من ترديد بعض المسلمين للأحاديث لمجرد أن يبرهنوا على رأى معين أو سلوك معين يمارسوه . والأمر بهذا الشكل أكثر تعقيدا للمسلمين الجدد . فهم قد أتوا من النصرانية أو اليهودية ، وقد رفضوا إرثا موازيا لم تستسيغوه عقولهم ولا يقبله العلم الحديث ، وقد كانت هذه الأمور مقبولة إلى فترة قريبة ، كذلك من الصعوبة بمكان أن تهمل انتقادات علماء غربيين ، نجحت فى كشف تناقضات فى الكتب المقدسة ، التوراة والإنجيل ، ووصلت إلى استنتاجات مماثلة وردت بالأحاديث الشريفة الموجودة ببعض كتب الأحاديث ، مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كذلك من الصعب بالنسبة لهؤلاء المسلمين الجدد ، ألا تناقش فى صحة مثل هذه الأقوال الغير مستساغة وغير معقولة التى تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام . وفوق كل هذا ، فيتوقع من المسلم أن يقبل بكل الأحاديث التى اعتمدها السابقون وعلماء المسلمين المعاصرين بأنها صحيحة وهى تقارير دقيقة عن أقوال وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام . هذا يضع كثير ممن أسلموا فى وضع غير مريح لتبرير ما يواجهون ، ثم يعتقدون به ، وليس مقبولا منهم أن يسألوا عنه ، وهم يجدون صعوبة فى الإيمان به ، فيلجأون إلى عمل موازنات للوصول إلى الحقيقة .
فيما يلى سنناقش هذه الصعوبات واحدة بعد الأخرى ، مبتدئين بالمقارنة بين الحديث الشريف والإنجيل .
الإنجيل والحديث الشريف :
يعتبر أكثر الكتاب المسلمين وغير المسلمين أن القرآن الكريم والكتب السابقة ، مختلفة خصوصا من الناحية الأدبية ، والأصالة ، وطريقة وصولها إلينا . نفس الشئ يمكن أن يقال عن مجموعة الأحاديث والتوراة ، فبينما الإختلافات ليست بنفس الكثرة كما فى الحالة الأولى ، إلا أن تعددها لا يشجع على الإستمرار فى المقارنة . وبينما يقول بعض الكتاب بأن التشريعات فى مجموعة الأحاديث والإنجيل فيها تشابه ، إلا أن البحث الدقيق فيهما يكشف عن اختلافات هامة كثيرة . فى الحقيقة فكليهما يعمل على هداية أتباعه فى الأمور الدينية ، وتحتوى على تعاليم نسبت إلى مصادر إلهية للرسل المجتبين . بالإضافة إلى أن كل تشريع أسس منذ عدة قرون ويسرى بين أتباعه فى حياتهم ، ويعتمد على الشهادات المنقولة من جيل لجيل ، منذ ذلك الوقت . ولمزيد من الفهم ، فإن الدوافع وراء تجميع كلا منها ونفس طريقة التجميع مختلفة .
أولا : لقد كان المعاصرين لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متأثرين بعمق بالرسالة ، وهذا طبيعى فى كل التجمعات الإنسانية ، وهذا ما جعلهم يجمعون ما يستطيعون من معلومات عنه ، أدت إلى حركة ثورية فى المجتمع .
ثانيا : أقواله كانت مصدرا مهما لتفسير القرآن الكريم .
ثالثا : مع مرور الوقت ، وانتشار الدولة الإسلامية ، ظهرت مشاكل قانونية متعددة ومعقدة ، شك الحكام فى مقدرتهم على حلها ، وكان لا بد من توضيحها بناء على هدى النبوة .
دوافع كتابة الإنجيل كانت مختلفة عن تلك الظروف . وكما هو المعهود فى كل الأنبياء ، فقد كانت توصيات عيسى عليه السلام تصب فى تغيير جذرى . وعلى كل حال ، يمكننا القول بأن تعليماته كانت أخلاقية وروحية ، ولَم تتضمن القواعدَ والمؤسساتَ الفعليةَ لحكم مجتمعِه. طَلبَ إصلاحاً، لكن لَيسَ إعادة صب النظام الإجتماعي الحالىِ .
*وقد يمكننا التكهن فى أى اتجاه كان سيسير المسيح لو بقى فترة أطول على الأرض ، وهذا مجرد افتراض . ربما كان سيؤكد على الروحانيات الداخلية ، وتغليبها على الأمور الخارجية ، وهذا مختصر بعثته ، وربما لسبب ما ، لم تسجل أقواله وأفعاله . وحسب معلومتنا ، لم يترك سيدنا عيسى أى كتاب مقدس يمكن ترجمته . فالكنائس النصرانية الأولى كانت تعيش تحت حكومات عدائية ، تعليم الإيمان الجديد ، وتصحيح بعض الإنتهاكات ، لا مجهود حقيقى لبناء رسمى وشامل يعتمد على تعليمات المسيح . والمجهود الذى قام به الكتاب النصارى الأوائل لم يشر إلى الأقوال الفعلية للسيد المسيح .
ومع بداية القرن الثالث الهجرى ، بلغ الحديث شأوا بعيدا وتأثيرا قويا ، على الأقل فى مجال القانون ، وثبتت الأحاديث الصحيحة وصارت المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم ، وأصبح الرجوع إليها مفضلا عن "القياس" ، و "الرأى" المستقل . واستجاب مؤلفوا الكتب الستة وآخرون لهذا التوجه ، فبدؤا فى تبويب كتبهم لسهولة الرجوع إليها لتأصيل الشريعة والوصول إلى الأحاديث الصحيحة ، وعنوا بذلك أشد العناية .
نحن هكذا نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة .
( 20 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
بالنسبة "لعلم الحديث الشريف" ، فنحن نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة . وكما هو منصوص فى "أكسوفورد الجديد" ، كتذييل للعهد القديم بأنه قد "حرف" ، أما العهد الجديد "الإنجيل" فله وضع آخر سنبينه :::
لماذا ، كيف ، ومتى ... جمعت الكتب الحالية للأناجيل فى مجموعة واحدة ؟؟؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها وذلك لقلة المعلومات الصحيحة . هذا يبرز اختلاف أساسى بين الشريعتين ، فشريعة الأحاديث النبوية ، فى القرن الثالث الهجرى كانت نتيجة تحقيق علمى منظم ودقيق ، بينما الفحص المقارن للأناجيل لم يبدأ إلا بعد 150 عاما بعد جمعه .
ومع هذا ، فقد بحث المستشرقين فى مدى صحة هذه الأحاديث ، وهذا ما سنفصله قريبا . كذلك ، فمحتويات وشكل هذين الجمعين مختلفين تماما .
يمكن أن نقسم الإنجيل إلى قسمين متمايزين : الإنجيل والرسائل . الرسائل الإنجيلية قد كتبت بواسطة معلمين من الكنيسة النصرانية المبكرة ، للتزويد بالمعلومات والحض على تنشئة المجتمعات ، وفى بعض الأحيان تكون موجهة لأفراد . كما أن الرسائل هى الأخرى تنقسم إلى قسمين رئيسيين : الرسائل المنسوبة إلى بولس والرسائل المنسوبة إلى آخرين . و من المعلوم الآن أن الرسائل المنسوبة لبولس ليست كلها من تحريره بل الغالبية منها ، وهناك البعض الذى حدث بها التعديل من كتبة أخر . رسائل بولس من المحتمل أنها هى من أوائل الرسائل الديانة النصرانية أو ما يسمى بالعهد الجديد ، حيث أن رسائله ورسائل أخرى كانت قد سبقت الأناجيل . الرسائل تحتوى بشكل عام على حفنة من أقوال منسوبة للسيد المسيح ، والنذر اليسير عن حياته . على كل ، فالنقاط الهامة فى العقيدة النصرانية ، كالصلب ، وبعثه بعد الصلب ، وتفويضه للتكفير ، والشريعة الجديدة التى حلت مكان الشريعة الإبراهيمية فهى كذلك موجودة فيها .
الأناجيل الأربعة من العهد الجديد ، كتبت فى الثلث الأخير من القرن الأول الميلادى ، فقد نسبت إلى أسماء مستعارة "متى ، مرقس ، لوقا ، يوحنا" ، وأسماء مؤلفيهم الحقيقيين غير معروفة . إنجيل مرقس حرر تقريبا عام 70 بعد الميلاد ، ويعتبر أقدم الأناجيل ، ويعتقد أن انجيلى منى ولوقا يعتمدان فى الغالب على هذا الإنجيل . وليس هناك مصدرا لأقوال السيد المسيح يمكن أن يطلق عليه مثلا "المصدر - ك Q - Source" . الأناجيل الثلاثة الآول ، نظرا لوجود تشابه بينها فلذلك يطلق عليها الأناجيل "Synoptic" ، أى متشابهة النظرة "من الكلمة الإغريقية Synopsis" .
أما الإنجيل "الباطنى" ليوحنا ، فهو يضع تأكيدات ورموز وألغاز عميقة تختلف عن الأناجيل الأخرى ، ومن الممكن القول ، بأن هذا الإنجيل هو الأكثر شعبية عند النصارى عن البقية . الناحية الأدبية للأناجيل تعتبر متعلقة بالسيرة وتركز على فترة قصيرة فى أواخر حياة السيد المسيح ووصاياه لأتباعه . كتب العهد الجديد ، حررت باللغة الإغريقية المعروفة فى ذلك الوقت ، والتى كانت متداولة بواسطة شعوب الإمبراطورية الرومانية وهم الذين كانوا مجال التبشير للنصارى .
الشريعة المستمدة من كتب الأحاديث النبوية ، مبوبة حسب الموضوعات ، ولهذا فهى تشبه كثيرا ، "إنجيل توماس" الذى أكتشف حديثا والذى يحتوى على أقوال سيدنا عيسى عليه السلام مع أقل القليل من المقدمات .
لم ترتب الأحاديث زمنيا ، ولا تحتوى على تعليقات من مؤلفى كتب الأحاديث موجهة للمسلمين ، بالرغم من أن هناك بعض التوجيهات تستشف من العنونة والإختيار والترتيب للأحاديث . الكتب الستة للأحاديث فيها كثير من العقائد المشتركة بينها ، ولهذا قوبلت بالقبول من السلف نتيجة المقاييس الدقيقة فى قبولها .
وهناك اختلاف جوهرى فى كتابة النصوص ، فلغة الأحاديث النبوية هى اللغة العربية ، وهى لغة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، بينما بالنسبة للأناجيل ، فكل المتخصصين يجمعون أنها كتبت باللغة ... الإغريقية ... وهى لغة لم يتكلم بها سيدنا عيسى ، فقد كانت لغته هى الآرامية ، وتعاليمه كانت بالآرامية ، لغة أهل فلسطين فى ذلك الوقت . هذا الإختلاف بين لغة الكلام ولغة التحرير تقتضى ترجمة الأناجيل والرسائل من ثقافة إلى ثقافة أخرى .
الخلاصة ، أن أدب الحديث بالنسبة للكتب الستة ، يختلف جذريا عن أدب الأناجيل ، من ناحية الكتابة ، والتجميع ، والدراسة ، والإستخدام . هذا هو الوضع ، ومن العبث أن يمتد شكنا للسنة بناء على شكنا فى الأناجيل . على كل حال ، هذا مايحدث بالنسبة للمسلمين الجدد خصوصا هؤلاء الذين أتوا بإرث دينى سابق غير إسلامى من الشك من النصارى ، وهو يعتقد فى صحة هذا وعدم صحة ذلك بناء على هذا الإرث ويطبقه على ما يسمعه من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أدب السيرة .
التوقعات :
بالنسبة لجيلى ، فى أواخر الستينات وأوائل السبعينات "من القرن المنصرم" كانت هذه الأيام تعتبر أيام السلام والحب . كان الشباب يطيلون شعورهم ويلبسون الثياب الرثة وكانوا شعثى اللحى ويمشون حفاة . فى اعتقادى أن هذه لم تكن مجرد صدفة بسيطة أن نتشبه بالمسيح بالصورة التى نشأنا عليها - الصورة التى نراها فى كتب الصلاة ، وفى الرسومات ، والأيقونات ، والنوافذ الزجاجية الملونة وفى الأفلام . ولو كنت ممن يتعاطون المخدرات فقد تصل إلى هذه الصورة الكليلة . هؤلاء الذين يمثلون هذه الصورة كانوا يعرفوا "بشواذ عيسى Jesus Freaks" ، بالرغم من أن هؤلاء لا يهتمون بالدين .
ومع ذلك ، فأنا أشعر بأن شيئا من هالة المسيح كانت هناك تؤثر حتى على غير المتدينين ، ليس فقط فيما يظهر به الشباب ، بل فى النداء إلى السلام والحب والدعوة إلى عالم جديد . كان عيسى بالنسبة لهم إيجابا وسلبا : المدافع عن الضعفاء والمظلومين (خصوصا النساء) ، يُدين نفاق المؤسسة ، متحاملا على ما تقوم به من اضطهاد ، وفى النهاية رافضا الإنتقام .
هناك هذه الأيام إعتراض على أن هذا كان هو المفهوم تاريخيا ، ولكن لمدة ألفى سنة كان كذلك فى نظر النصارى . وفى العيون الغربية ، على الأقل ، كانت تعاليمه هى الأكثر جاذبية والصورة الأكثر تعاطفا فى التاريخ - ليس فقط لأنه كان قائدا كبيرا ، وسياسيا محنكا ، وخطيبا ، ولكن لأنه أحب وعفى كما لم يحدث من الأشخاص الآخرون .
صورته من الصعب أن تقارن ، وبالنسبة للمسلمين ، ليس هناك حاجة للمحاولة فالقرآن يطلب من المؤمنين أن يقولوا :
............ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ .......... {285} سورة البقرة
فجوهر القرآن الكريم ليس بين الرسل ، ولكن بين حاجة الرجل ليسلم نفسه لله وحده .
إذا كان هذا هو نهاية المطاف ، فالمتحولون للإسلام المتوقعون يجدون أن هذه نقطة إيجابية فى جانب الإسلام . ولكن هذا ليس هذا هو النهاية . أعنى من هذا أن المرء يجب عليه أن يصحح مفاهيمه السابقة عن السيرة الذاتية والتقاليد التى دفعت النبى عليه الصلاة والسلام ليأمر بقتل الشعراء الذين هجوه ، وسماحه بقتل الرجال من بنى قريظة ، واستعباد الأحياء منهم ، زاوجه من بنت رئيس القبيلة التى حاربها وانتصر عليها ، الضغط على النساء بالتصدق بمجوهراتهن وتذكيرهن بأنهن أكثر أهل النار .
وغنى عن القول بأن هناك الكثير من هذه السير موجودة فى المصادر الغربية . وكمثال فتقييم "وات Watt" فى نهاية كتابه "محمد : النبى ورجل الدولة" يتضمن التصورات التالية التى تتقارب مع مشاعر المسلمين :
(ومن ضمن القصص العديدة وبعضها على الأقل يستحق التصديق ، فأرملة ابن عمه جعفر ابن أبى طالب ، روت لحفيدتها ، كيف عليه السلام استقبل نبأ وفاة جعفر . قالت لها : لقد كنت مشغولة بأعمال البيت فى صباح يوم ، وأنا أقوم بدبغ أرعين جلدا وأعجن العجين ، فإذا بالرسول ينادى . جمعت أولادى الثلاث ، وغسلت وجوههم ودهنتهم ، وعندما دخل رسول الله سأل عنهم . فأحضرتهم له ، فاحتضنهم وشمهم كما تفعل الأم برضيعها ، وإذا بعينيه تفيض من الدموع وانفجر باكيا . سألته ، "هل سمعت شيئا عن جعفر ؟" ، فقال لها لقد قتل . وأمر بعض المسلمين بإعداد طعام لنا قائلا "إنهم مشغولون ليفكروا فى أنفسهم" ... وهذا يدل على حبه للأطفال وعلى رفقه بهم . ربما كان هذا الحنان لفقده أطفاله وهم صغار ! ويؤكد عاطفة الأبوة هذه تبنيه لزيد بن حارثة . كذلك كان مرتبطا بابن عمه الصغير على ، عمه أبو طالب الذى رعاه فى صغره ، وكان على علم بأن على لن يكون سياسيا ناجحا . وكانت له عليه السلام حفيدة اسمها أمامة ، كان يحملها فى صلاته ، ويضعها أثناء الركوع أو السجود ، ثم يحملها من جديد بعد الإنتهاء منها . وفى إحدى المرات عرض أمام زوجاته عقدا قائلا أنه سيعطيه لأقرب واحدة منه ، فتتطلعن كلهن لتأخذ العقد ، ولكنه أعطاه لأمامة .
وكان يحب أن يشارك الأطفال ألعابهم ، وكان له أصدقاء منهم . وكان يمازح بعض الأطفال الذين عادوا حديثا من الحبشة ويتكلمون الحبشية . وفى أحد المنازل بالمدينة كان هناك طفل يحب أن يمازحه ، وفى يوم وجده حزينا ، فسأله عن السبب . فقال له أن العندليب قد مات ، فأخذ يروح عنه . وقد امتدت رحمته حتى للحيوانات ، وهذه صفة مميزة بالنسبة لعصره ، تدل على تفاعله مع الكائنات التى هى جزء من العالم . وحينما خرج الجيش لفتح مكة ، مروا على مكان به كلبة وجراء صغيرة ، فأمر عليه السلام بألا يثيروهم ، ولم يكتف بهذا الأمر بل خصص جنديا لمراقبة التنفيذ . هذه لمحات مهمة عن شخصيته عليه السلام ، وتلقى الضوء على تصرفاته مع المسلمين فى الأمور العامة . لقد اكتسب احترام وحب أتباعه ليس فقط من الناحية الدينية ، بل من الخصائص من الشجاعة والتصميم والنزاهة والحزم المغلف بالكرم . بالإضافة إلى ذلك ، فقد كان سحر أسلوبه سببا فى ولاء تابعيه وحبهم له) .
ولكن يصعب القول بأن الصورة لرسول الله المستقاة من الأحاديث وكتب السيرة ، هى أكثر إغراء من صورة سيدنا عيسى التى فى الإنجيل . وبالتأكيد فإن البحث عن الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى أكثر من المنافسة بين الشخصيات ، فقد تكون هذه الصفات غير مجسدة من الناحية التاريخية .
دفاع الكتاب من المسلمين المقنع عبر السنين عن كثير من الأحداث ، جعل الكتاب الغربيين يعيدون تقييم ما ذكره المستشرقون القدامى عن حياة النبى . وقد أوضح الكتاب المسلمون بأن هؤلاء المستشرقين قد على أقاويل باطلة لا يعتمد عليها ، وتركوا الأحداث الموثقة التى لا تتفق مع هواهم . وكمثال مما ذكر أعلاه وسنقوم بمناقشته فيما بعد معتمدين سياقا مخالفا لما ذكر ، هو عن أمره عليه الصلاة والسلام بقتل ستة شعراء كانوا يهجونه . يقول "على" بأن أربعة من هذه الحالات تعتمد على التقاليد بأن الثقافة الإسلامية تعتبر إما ضعيفة أو موضوعة ، أما الحالتين الأخريين ، فقد كانتا تمثل خيانة عظمى لأنهما أرتكبتا أثناء حرب مشتعلة بالمدينة .
بهذه الأمثلة فقد استطاع المسلمين المدافعين أن يناقشوا المستشرقين القدماء بأنهم استغلوا مصادر إسلامية ضعيفة حينما كانت تؤيد غرضهم ، وأهملوا مصادر أخرى يعتبرها المسلمون موثقة ، حينما كانت ضد أغراضهم الخبيثة . هذه المواقف والسلوكيات ، جعلت المسلمين ينظرون إلى هؤلاء المستشرقين بأنهم أعداء للإسلام . ثقافة الإستشراق الحديثة ، أصبحت أكثر موضوعية ، بالرغم من أن المسلمين ما زالوا ينظرون إليها بالشك والريبة .
يتبع
تسلم وتسلم والله انك صاحب اطول موضوع قريته غي حياتي يييي
فارس الغربيه
2011-07-29, 09:48 PM
( 21 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
بغض النظر عن صحة المصادر ، فهناك مشكلة التاريخ والثقافة ، فما لا قد يكون مقبولا فى مكان ما أو زمن ما ، قد يكون مقبولا جدا فى مكان آخر أو زمن آخر .فمثلا ، حينما يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزواج من ابنة زعيم قبيلة قتل فى معركة بين المسلمين ، فإن هذا الحدث يبدو لدينا غريبا ، ولكن كما يقول "وات" ، لو قسناه بمقياس العصر حينئذ ، والعلاقات القبلية نجده شئ مألوف جدا ومتعارف عليه بين القبائل لتوطيد الصلة والسلام بينهما وإزالة ما نتج من أحقاد سببا للقتال . ولو أن الرسول لم يفعل ذلك لكان تصرفه غير نبيل وغير مقبول من القبيلة المهزومة .
وفى أعمال "جولدزهير Goldziher" إلقاء كثير من الضوء على هذا المفهوم . ففى دراسته المتعمقة فى الشعر الجاهلى . يقول أن العرب فى القرن السابع كانوا يعتبرون أن العفو عن القبائل المعادية فى حالة النصر عليهم ، يعرضهم لعدوان مستقبلى جديد ، وأن القائد الأكثر إحتراما ، هو ذلك السريع والعنيف فى الإنتقام . وقد عاقب رسول الله اليهود فى إحدى المرات لخيانتهم العهود ، بأن أجلاهم عن المدينة ، وفى المرة الثانية ، عقب غزوة الخندق التى مالئ فيها يهود بنى قريظة ، المشركين ونقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ، وألبوا عليهم القبائل ، وهددوا الوجود ذاته لدولة المدينة ، لم يجد الرسول بدا من أن يقتل ذكورهم البالغين نظرا للخيانة .
وفى نفس أعمال "جولدزهير" توجد قصائد مطولة من الشعر الجاهلى القبلى . يعرض فيها الروح الحيوية أثناء الحروب ، حينما كان الشعراء المهرة يثيرون القبائل بعضها على بعض ، وكان تأثيرهم يعتبر أمضى من السيف ، وهذا يفسر لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسو على الشعراء المناهضين للدولة الإسلامية ولقائدها عليه السلام ، فقد كانوا بشعرهم تهديدا مباشرا للمسلمين .
فى الولايات المتحدة ، تعتبر العبودية أحقر ما تقوم به المؤسسات ، بينما تعمل الشريعة الإسلامية على الحد منها ، ومعاملة العبيد المعاملة الإنسانية الكاملة ، واستنادا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية فهناك مواقف كثيرة تحث على تحرير العبيد ، حتى أنه أنشئت المؤسسات الخاصة لتمويل تحريرهم من الرق . "مداخلة : ويعتبر تحرير الرقاب مصرفا من مصارف الزكاة ، وكما قيل ، فالإسلام قد شرع العتق ولم يشرع الرق بل تركه لأحوال المجتمعات ، فلا يعقل أن يسترق عدوى منى ولا أعامله بالمثل . كما أننا إلى الآن نرى أن العبودية ما زالت قائمة فى صور مختلفة ، فالرقيق الأبيض واستغلال النساء والأطفال فى الدعارة نوع من أنواع الرق الذى يشجبه الإسلام كلية ."
وكمثال آخر ، فإن القرآن الكريم يبيح تعدد الزوجات إلى أربعة زوجات ، وفى أيامنا الحديثة الآن ، ينظر فى الغرب إلى هذا التشريع على أنه قهر للنساء ، ولكن لو نظرنا للعرب فى القرن السابع والحروب التى كانت مستعرة بينهم ، وعدد القتلى من الرجال ، لرأينا أن التعدد كان حلا لزيادة أعداد النساء على الرجال .
"مداخلة : موضوع تعدد الزوجات قد تم بحثه فى مواقع كثيرة ، وأرى أن الكاتب قد اكتفى بنقطة واحدة ولم يتطرق إلى النقاط الأخرى الكثيرة الإيجابية التى تؤكد أن التعدد هو حل لكثير من المشاكل ، فالإسلام قد أباح التعدد ... ولم يفرضه ... وحدده فى أربعة حليلات ، بينما كثير من غير المسلمين يمارسونه بلا حدود للخليلات ."
وفى النهاية ، لابد أن نتذكر بأن رسالة القرآن الكريم رسالة شاملة ، وهى أكثر من وحى : فقد كانت رسالة للتربية وتغيير المجتمع . لقد علمت المسلمين الأوائل كيفية الصبر على الشدائد ، والعفو مع القدرة على الإنتقام . ففى السنوات التى سبقت الهجرة من مكة ، لاقى المسلمون الأذى الشديد ونجحوا فى هذه الدروس عن الصبر والعفو وتحمل الشدائد .
وحتى هؤلاء الذين لم يتعاطفوا مع الإسلام ، لم يغمضوا حق المسلمين فى هذه الفترة وتعاطفوا معهم ، لأن الفطرة هى التعاطف مع المضطهدين والضعفاء . وإنه من الأيسر أن تكون الضحية بدلا من أن تكون المنتصر . غير أنه فى كثير من الأوقات يحتاج الأمر للقتال لحماية أنفسنا وآخرين من تسلط الفراعنة والقرشيين فى زمننا هذا ، الذين ينكرون علينا أبسط القواعد الإنسانية . وفى بعض الأحيان ننتصر وتكون لنا اليد العليا ، ومن ثم ، فالإسلام يهتم بهذه الفترات فيأمرنا بمراعاة الأخلاق والقيم سواء فى الحروب أو سن القوانين أو فى العدالة أو فى العقاب . ورغم أن هذه التوجهات ليست بنفس بريق أمور أخرى فى الإسلام ، إلا أنها من الأهمية بمكان . رسالة الإسلام هى للحياتين ، الدنيا والآخرة ، ولا يوجد بالنسبة للمسلمين رجل فى التاريخ طبق هذه المفاهيم ، أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إتباع هذه الأمور ليس ببساطة مجرد عاطفة بالنسبة لكثير من المسلمين ، ولكن هذا الإتباع هو إلتزام بالشق الثانى من الشهادة "..... وأن محمدا رسول الله" ، يقتضى اعتبار تصرفاته عليه السلام فى حياته هى الأسوة وأقواله وهديه هى التى يجب أن تتبع بغض النظر عن الزمان والمكان . ولذلك لكى يقنع المسلم الحضارة الغربية ، بأن الإسلام يقدم للبشرية طريقة أفضل للحياة ، فإما أن يخففوا من إتباع سنة الرسول ، أو يبذلون الوقت والجهد فى إقناع المخالفين بهذه الحقائق . الحالة الأولى هى فى الحقيقة انتحار ، أما فى الحالة الثانية ، فهذا يقتضى البذل المخلص والجاد لنشر الثقافة الإسلامية .
النقد الغربى للتراث الإسلامى :
حينما يتعلق الأمر من الناحية التأريخية ، فالمستشرقون وكذلك علماء المسلمين على حد سواء ، يقرون بأنُّ القرآنَ يُقدّم النطقَ الأصيلَ لمحمد عليه الصلاة والسلام وهو ما يعتبره الرسول وحيا إلهيا .
يقول "جب Gibb" : "إنه لمن المعقول أن نقرر بأنه لم تحدث أية تغييرات مادية فى القرآن الكريم ، وأن الأصل الذى نطق به محمد بقى كما هو بمنتهى الدقة" . وأكثر من ذلك ، ولسنين عدة فالمستشرقون يقبلون الأسلوب الذى استخدم فى تحقيق الأحاديث : وهو أن دراسة الحديث كانت مجالا خصبا من النشاط أثناء حياة رسول الله عليه السلام، هذا وقد بدأ وضع الأحاديث بعد وفاته بفترة قصيرة ، مما حدى بعلماء المسلمين إلى اختراع علم الإسناد وتطويره وتبنيه وتشكيله ، وذلك لعدة عقود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك حلا لمشكلة الوضع وتوثيق ما نطق به الرسول .
ويقبل المستشرقون بهذه المنظومة التى تطورت فى السنوات التالية ، وبقيت ثابتة لم تتغير بعد ذلك . وإذا قبلنا بوجهة النظر هذه ، فإن مقولة "مويير Muire" بأن الأحاديث الموضوعة التى لم تكتشف كانت فى القرن الأول الإسلامى ، تصبح مقولة صحيحة .
ولجولدزهير ، فى كتابه المتميز بعنوان "Muhammedanishe Studien II" ، والذى ناقش فيه مواصفات هذا العلم وتطوره ، والأمانة المتناهية فى تجميع الأحاديث بما فيها أحاديث التشريع . وبغض النظر عن القليل ، فمعظم الدراسات الغربية اللاحقة دعمت وجهات نظره . أما عن النقد الذى اتبع الطرق الحديثة فى النقد الأدبى والتاريخى ، قد أدت لبعض علماء الغرب للإستنتاجات التالية :::
( 1 ) : تعتمد الأحاديث لدرجة كبيرة على النقل الشفهى لمدة أكثر من قرن ، وأن الأحاديث التى وصلتنا لا تشير إلى أية مستندات وجدت فى العصور السابقة .
( 2 ) : عدد الأحاديث فى التجميع المتأخر أكثر بكثير من الأحاديث التى جمعت فى الفترة الأولى ، أو فى الأعمال السابقة للتشريع الإسلامى ، وهذا يشكل عند المعارضين ، نوعا من الشك فى هذه الحاديث .
( 3 ) : الأحاديث التى رويت من الصحابة الصغار أكثر من تلك التى رويت من الكبار منهم ، وهذا يشكل أيضا عند المعارضين ، حجة فى عدم الإعتماد على الإسناد .
( 4 ) : نظام الإسناد طبق انتقائيا للحديث ، بعد القرن الأول الهجرى . ولهذا فهو لا يثبت أصالة الحديث المسند .
( 5 ) : هناك أحاديث كثيرة يعارض بعضها بعضا .
( 6 ) : هناك أدلة محددة على نطاق واسع بوجود تزييف فى الإسناد وكذلك فى المتون .
( 7 ) : النقاد من المسلمين يهتمون فقط بنقد الإسناد ولا يهتمون بنقد المتون .
هذه الإنتقادات وانتقادات أخرى قد ناقشها علماء المسلمين وبعض علماء الغرب كذلك . ومن الكتب المتداولة فى الغرب ، تلك التى "لعزمى" ، "وآبوت "Abbott" ، "صديقى" ، و "عبد الجعفر" . ويرد على بعض هذه النقاط أعلاه بطرق بسيطة . مثال ذلك بالنسبة للنقطة ( 2 ) فطريقة انتقال الأحاديث من جيل إلى الجيل التالى ، يرد على هذه النقطة : الجيل الأصلى ينقل الحديث إلى معاصريه الذين ينقلوه تباعا إلى من هم أحدث منهم فى السن من الجيل التالى وهكذا . ولذلك فنحن نتوقع أن الصحابة الذين عمروا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلوا معلومات أكثر عنه من أولئكم الذين توفوا بعد فترة قصيرة من وفاة الرسول ، مثل الصديق وعمر بن الخطاب الذين قضوا بعده عليه السلام بمدة بسيطة . وهذا يوضح أيضا الرد على بند ( 3 ) . وحيث أن الأحاديث تسجل أعمال الرسول عليه السلام خلال فترة 23 عاما من البعثة التى عايشت تحركات كثيرة ، كما قابل فيها الرسول أصنافا متعددة من الناس وواجه مشكلات كثيرة معهم ، فمن غير المعقول ألا نجد تفاوتا فى تصرفاته مع هذه النوعيات المختلفة ، ومن ثم الرد على بند ( 5 ) .
"آبوت Abbott" و "عزمى" ناقشوا بإقناع مايتعلق بالبندين ( 1 ) ، ( 4 ) ، كما أن الدارسين الإسلاميين للحديث كانوا يضعون البند رقم ( 6 ) تحت أعينهم لمدة 14 قرنا وهو السبب فى أبحاثهم . وبينما وضع علماء الحديث القدامى تحت أبصارهم مسألة الإسناد ، فيقول "صديقى" ، "عبد الجعفر" أن البند ( 7 ) ببساطة غير صحيح لأن علماء الحديث القدامى كانوا يرفضون راوى الحديث الذى يثبت أن له ميولا شخصية تتفق مع الحديث المروى . ومعنى هذا أن المتن والإسناد كليهما قد أخذا فى الإعتبار . ولكن فى الحقيقة ، فإن التحقق من الإسناد بواسطة الآلية التى وضعها علماء الحديث تعتبر إلى اليوم هى الإختبار الموضوعى لأصالة الحديث ، فكيف يحكم المرء على صحة متن يعتمد كثيرا على ميول الراوى ترجمة وسياقا ؟؟؟ ( كمثال ، فدارس الحديث فى القرن العشرين يشك على الأرجح فى الأحاديث التى تروى المعجزات والتنبؤات ، مقارنة بذلك فى القرن السابع) "مداخلة : أعتقد أنه يقصد بأن حدوث ذلك ناتج عن كثرة الآراء والتعليقات التى صاحبت الموضوع" . وليس بخاف أن معظم الإنتقاد من الغرب يركز على إسناد الأحاديث .
كثيرا من القضايا المهمة تستحق مزيدا من العناية الدقيقة ، وذلك على الجانبين ، لا تكفى هذه العجالة لتوضيحها . فالمستشرقون عادة يتبنون فكرة أن الأحاديث كلية غير موثوق بها ، متعامون عن الإثباتات التى تنص على صحتها ، وعلى الفهم الطبيعى المخالف لما يفهمونه هم منها . وهم يميلون إلى وصم الأحاديث بصفات مختلفة ، "مزيفة " ، غير موثوق بها" ، "غير تاريخية" ... دون شرح لحجتهم ، وذلك لمجرد أنها تخالف وجهة نظرهم فقط .
الحقيقة ، أن خصومتهم الكلية للثقافة الإسلامية تقريبا لا يقبل بها المعنيين بدارسة التراث من المسلمين ، قال بوجهة النظر هذه جولدزهير وبدرجة أكبر "شاخت Schacht" . نظرياتهم هذه من المستحيل أن يقبل بها المسلمون ، لأنهم ألهموا موقفا من الدين ، لم يلوث حتى الآن .
بعض "المختصين" الذين يبحثون فى أصالة الأحاديث ، يعتمدون معاييرا تهمل ثلاثة عشر قرنا من جهد علماء المسلمين . فأولا ، إذا كان الحديث فى صالح مجموعة أو مدرسة معينة ، فهو عندهم "موضوع" . وإذا كان الحديث يهتم بروحانيات معينة ، فهو قد وضعه المتصوفة . وإذا كان الحديث موضوعى غير روحانى ، فالماديين هم من وضعوه . ثانيا ، فكلما كان الإسناد كاملا ، كلما قالوا بعدم صحة الحديث . السبب لذلك ، بالنسبة لهم ، أن الحاجة للدليل ، تتناسب مع مرور الزمن . هذه المناقشات لاشك أنها شيطانية بصفة عامة . كيف يعتقد هؤلاء المستشرقون أن الرجال الذين بحثوا فى أسانيد الأحاديث ودرسوا الرواة وأحوالهم ... هؤلاء الرجال الذين يخافون الله ويخشون عقابه ... يقومون بالتدليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هم يفترضون أن سوء النية هو الغالب على معظم العالم ، وهذا الإفتراض يدل على أن المستشرقين لا مشاعر عندهم ويعتقدون فى تضارب المشاعر الإنسانية .
(مداخلة : لما كان الجزء التالى من الترجمة دقيق بعض الشئ ، وكان يتعرض للأسانيد والأحاديث المرسلة وبالذات للأحاديث التى رويت عن التابعى "سعيد بن المسيب" ، وجدت أن أذكر قول علماء المسلمين بداية فى هذا الموضوع قبل البدء بالترجمة) .
مع التنبيه بأن الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء متأخرا وذلك بعد ظهور الطوائف والمذاهب ومحاولة انتصار كل لرأيه منسوبا للرسول . مما دعى العلماء للبحث فى مرتبة الرواة .
باب في مراسيل سعيد بن المسيِّب ومن يلحق به من كبار التَّابعين
باب في مراسيل سعيد بن المسيِّب ومن يلحق به من كبار التَّابعين
أخبرنا: أبو نعيم، الحافظ قال: أنَّا أبو العبَّاس، محمَّد بن يعقوب الأصمّ في كتابه قال: سمعت العبَّاس بن محمَّد الدوري يقول:
سمعت يحيى بن معين يقول: أصحّ المراسيل (مراسيل سعيد بن المسيب).
أخبرنا: محمَّد بن الحسين القطَّان قال: أنَّا عبد الله بن جعفر قال: ثنا يعقوب بن سفيان قال: حدَّثني الفضل بن زياد قال:
سمعت أبا عبد الله يعني: (أحمد بن حنبل) يقول:
مرسلات سعيد بن المسيِّب أصحّ المراسيل.
أخبرنا: القاضي طاهر بن عبد الله الطَّبريّ قال: أنَّا أبو طاهر، محمَّد بن عبد الرَّحمن المخلص قال: ثنا أبو بكر، أحمد بن عبد الله بن سيف قال: حدَّثنا المزني قال:
قال الشَّافعيّ: وإرسال ابن المسيِّب عندنا حسن.
قال الخطيب: اختلف الفقهاء من أصحاب الشَّافعيّ في قوله هذا.
منهم من قال: أراد الشَّافعيّ به أن مرسل سعيد بن المسيب حجة، لأنَّه روى حديثه المرسل في النهي عن بيع اللحم بالحيوان، وأتبعه بهذا الكلام، وجعل الحديث أصلاً، إذ لم يذكر غيره، فيجعل ترجيحاً له، وإنَّما فعل ذلك لأن مراسيل سعيد تتبعت فوجدت كلها مسانيد عن الصَّحابة من جهة غيره. (0/ 405)
ومنهم من قال: لا فرق بين مرسل سعيد بن المسيب وبين مرسل غيره من التَّابعين، وإنَّما رجح الشَّافعيّ به، والترجيح بالمرسل صحيح، وإن كان لا يجوز أن يحتج به على إثبات الحكم.
وهذا هو الصحيح من القولين عندنا، لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد مسنداً بحال من وجه يصح، وقد جعل الشَّافعيّ لمراسيل كبار التَّابعين مزية على من دونهم، كما استحسن مرسل سعيد بن المسيب على من سواه.
أخبرنا: أحمد بن محمَّد بن عبد الله الكاتب قال: أنَّا أحمد بن جعفر بن محمَّد بن سلم قال: ثنا أحمد بن موسى الجوهري.
ح، وأخبرنا: محمَّد بن عيسى بن عبد العزيز الهمذاني قال: ثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: ثنا محمَّد بن حمدان الطرائفي قال: ثنا الرَّبيع بن سليمان قال:
قال الشَّافعيّ: المنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - من التَّابعين، فحدَّث حديثاً منقطعاً عن النَّبيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم _ اعتبر عليه بأمور.
منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحَّة من قبل عنه، وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده، قيل: ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره، ممن قبِل العلم عنه من غير رجاله الذي قبل عنهم، فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله، وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النَّبيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - قولا له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -، كانت هذه دلالة على أنَّه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.
قال الشَّافعيّ - رحمه الله -: وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النَّبيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -، ثمَّ يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرِّواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما يروى عنه. (0/406)
قال الشَّافعيّ: ويكون إذا شرك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص، كانت في هذه دلائل على صحَّة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضرَّ بحديثه حتَّى لا يسع أحداً منهم قبول مرسله، وإذا وجدت الدلالة لصحَّة حديثه بما وصفت أحببنا أن يقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل.
وذلك أن معنى المنقطع مغيب، يحتمل أن يكون حمل عمَّن يرغب عن الرِّواية عنه إذا سمي، وأن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجهما واحداً من حديث من لو سمي لم يقبل، وإن بعض قول أصحاب النَّبيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - إذا قال برأيه لو وافقه، لم يدل على صحَّة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيهما، ويمكن أن يكون إنَّما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النَّبيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن يوافقه من بعض الفقهاء.
فأمَّا من بعد كبار التَّابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب النَّبيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - فلا أعلم منهم واحداً يقبل مرسله لأمور:
أحدها: أنَّهم أشد تجوزاً فيمن يروون عنه، والآخر أنَّهم يؤخذ عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه.
والآخر: كثرة الإحالة في الإخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه.
انتهى
( 22 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
وكتب "جب Gibb" على نفس المنوال السابق ، ولكن بحماس أقل ، وركز على صعوبة فبركة التراث ، بعد الأجيال القليلة الأولى :
تصاب ميكانيكية نقد سلسلة الرواة للحديث الشريف عند علماء الغرب بعيوب خطيرة . وهناك انتقاد متكرر ، يقول أنه من السهل على واضع الحديث أن يخترع الإسناد فى الوقت الذى يفبرك به متن الحديث !!! وهذا يتعامى عن صعوبة أن يقوم المفبرك بأن يأتى بإسناد (يكون اسمه فى نهايته) يكون مقبولا ويمكن أن يمر على العلماء المشهورين بالأمانة . وأن نقاد التراث من المسلمين الأمناء والورعين يمكن أن يتغاضوا عن ذلك ، حتى لو قبله البعض . أضف إلى ذلك ، أن علم الإسناد بدأ فى القرن الثانى من الهجرة .
المعايير والأحكام التى أخذ بها علماء الحديث الأوائل ، على الأقل ، قد استثنت عمليا معظم الأحاديث الدعائية من القرن الأول ، مثل تلك التى تتكلم فى القرن الثانى عن المذاهب الشيعية ، أو الإدعاءات العباسية ، أو تلك التى تتكلم عن ظهور المهدى .
فعادة ما تصاغ النظريات فى غالب الأحيان ، وتكون متطرفة أو متحيزة . والباحث مستندا إلى بعض الأصول ، يبدأ فى التخمين عن أقوى الإحتمالات التى تسمح بها أجزاء متفرقة من الأدلة ، ثم يعرضها على قرنائه إما لرفضها أو تهذيبها لتقترب من الحقيقة ، بينما تكون هناك أبحاث أخرى تؤدى إلى اعتبارات جديدة . على الأقل ، هذا هو المفروض أن يحدث . وهناك نقص طبيعى ، فقد تكون هناك ملاحظات هامة فى النتائج والصياغات الأولية تحتاج منا إلى شئ من اليقظة . "جينبول Juynboll" ، بعد دراسة مثابرة لمناقشات المسلمين المحدثين عن صحة الأحاديث النبوية ، وجد نفسه فى أبحاثه المتأخرة أنه يقف وسطا بين علماء المسلمين والعلماء الغربيين فى هذا الموضوع . وتضمنت مناقشاته بعض الحدس الذى جاء به جولدزهير وشاخت والتى دعمها مع إضافة ملاحظات جديدة . هذا وقد عرض "جينبول" دراسة مفصلة ودقيقة ومقنعة ، واضعا فى الإعتبار شكوى علماء المسلمين من النظريات الغربية التى بنيت على أحاديث سبق أن طعن فيها علماء المسلمين أنفسهم ، منذ قرون عدة . واعتمدت دراسته بدقة على الأحاديث المحققة لتبين وجهة نظره . وفيما يلى ملخصا لبعض من استنتاجاته :
(1) - "جينبول Juynboll" قام بعد دراسة دقيقة لدور القضاة الأوائل خلال القرون الثلاثة الأول فيما يخص المراكز الرئيسية للفكر القانونى ، اتفق مع "جولدزهير و شاخت" فى تقريرهم بأنه خلال القرن الإسلامى الأول ، فقد كان اتخاذ القرارت القانونية سواء من السلطة الحكامة أو من قبل الخبراء القانونيين ، كان يعتمد على ما كانوا يعتقدونه هو روح تعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليس بناء على نسخ دقيق لأعماله . فى هذا الوقت لم يكن هناك حاجة لمعرفة أو للبحث عن مواقف الرسول بدقة . "مداخلة : وذلك لأن الصحابة الذين عاصروه عليه السلام هم المرجعية لمن حولهم من المسلمين" . ويدافع "جينبول" بشدة ضد اتهام الفقهاء الأول فى القرن الثانى الهجرى ، بأنهم كانوا يضعون الأحاديث التى تناسبهم .
(2) - ويجادل "جينبول" متفقا مع "شاخت" فى تقريره "بأن الإسناد يميل للنمو خلفيا" ، بمعنى أن القرارات القانونية والحكم وصلت أولا من قبل الخبراء القانونيين ، وفيما بعد انعكست خلفيا بأسانيد كاملة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويَعْرضُ كَمِثال الآراء القانونيةَ لسعيد إبن المسيب (توفى عام 94 بعد الميلاد) ، والتى ظهرت فى كثير من الأحاديث فى المجموعاتِ التاليةِ مَع الإسناد وتَحتوي على اسمَه ، يُمْكِنُ أَنْ توْجَدَ في المصادرِ الأخرى كأقواله الخاصة ولَيستْ مُرتَبَطةَ بأشخاصِ أكبر سنّاً مِنْه . ويفسر علماء المسلمين هذه الظاهرة ، شارحين بأن أفكار ابن المسيب تعتمد على أمثلة رويت له عن النبى وأصحابه ، ويدعمون ذلك ، بأنه توجد أسانيد مرتفعة أخرى ليس فيها بن المسيب على الإطلاق ، ترفع إلى رسول الله . وإذا اعتمدنا هذا القول "بأن أفكار ابن المسيب تعود للخلف إلى سول الله صلى الله عليه وسلم" ، فكيف للمزورين أن يأتوا بالرواة فى كل السلاسل الأخرى ، التى تروى أكاذيب عن رسول الله ؟؟؟
وبدون الإشارة إلى هذا السؤال العميق ، يعلق جينبول :::
السبب فى أنه لابد من إعتبار هذه القرارات التشريعية ، فى المقام الأول ، من أنها من الرؤية الداخلية لسعيد ابن المسيب ، وأنها ليست صدى لأمثلة سابقة ، ذلك لأنها ذكرت على أنها من قراراته بصفة مطلقة . فالتشريعات المنصوص عليها من رسول الله أو من صحابته ، ببساطة لا تحتاج لأن توضع على أنها من أقوال سعيد وذلك للأسباب السابقة . الحالات التشريعية المتعددة التى اعتُمدَت من أفكار سعيد ، قطعا ترجع إلى سبب واحد فقط . أنه فكر فى المشكلة فى هذا الإطار أولا ، قبل صياغتها لأقوال نسبت لسلطات سابقة ففى الحقيقة ، ليس هناك حاجة لتصديق ابن المسيب ، لمجرد أنه يكرر الأفكار التشريعية لمن سبقوه سواء كانوا من الصحابة أو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
""مداخلة : ملاحظات "جينبول" سيناقشها مؤلف الكتاب "جفرى لانج" فيما بعد"" .
( 23 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
"مداخلة : لقد تأخرت فى نشر هذه الحلقة مدة طويلة لأن ما جاء بها يحتاج لمراجعة وتعليق عليها من متخصصين ، ولكنى والحمد لله وجدت أن المؤلف لم يتركها دون مناقشتها ، وسيرد ذلك فيما بعد"
(2) - ويجادل "جينبول" متفقا مع "شاخت" فى تقريره "بأن الإسناد يميل للنمو خلفيا" ، بمعنى أن القرارات القانونية والحكم وصلت أولا من قبل الخبراء القانونيين ، وفيما بعد انعكست خلفيا بأسانيد كاملة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويَعْرضُ كَمِثال الآراء القانونيةَ لسعيد إبن المسيب (توفى عام 94 هجرية) ، والتى ظهرت فى كثير من الأحاديث فى المجموعاتِ التاليةِ مَع الإسناد وتَحتوي على اسمَه ، يُمْكِنُ أَنْ توْجَدَ في المصادرِ الأخرى كأقواله الخاصة ولَيستْ مُرتَبَطةَ بأشخاصِ أكبر سنّاً مِنْه . ويفسر علماء المسلمين هذه الظاهرة ، شارحين بأن أفكار ابن المسيب تعتمد على أمثلة رويت له عن النبى وأصحابه ، ويدعمون ذلك ، بأنه توجد أسانيد مرتفعة أخرى ليس فيها بن المسيب على الإطلاق ، ترفع إلى رسول الله . وإذا اعتمدنا هذا القول "بأن أفكار ابن المسيب تعود للخلف إلى سول الله صلى الله عليه وسلم" ، فكيف للمزورين أن يأتوا بالرواة فى كل السلاسل الأخرى ، التى تروى أكاذيب عن رسول الله ؟؟؟
وبدون الإشارة إلى هذا السؤال العميق ، يعلق جينبول :::
السبب فى أنه لابد من إعتبار هذه القرارات التشريعية ، فى المقام الأول ، من أنها من الرؤية الداخلية لسعيد ابن المسيب ، وأنها ليست صدى لأمثلة سابقة ، ذلك لأنها ذكرت على أنها من قراراته بصفة مطلقة . فالتشريعات المنصوص عليها من رسول الله أو من صحابته ، ببساطة لا تحتاج لأن توضع على أنها من أقوال سعيد وذلك للأسباب السابقة . الحالات التشريعية المتعددة التى اعتُمدَت من أفكار سعيد ، قطعا ترجع إلى سبب واحد فقط . أنه فكر فى المشكلة فى هذا الإطار أولا ، قبل صياغتها لأقوال نسبت لسلطات سابقة ففى الحقيقة ، ليس هناك حاجة لتصديق ابن المسيب ، لمجرد أنه يكرر الأفكار التشريعية لمن سبقوه سواء كانوا من الصحابة أو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يذكر "جينبول" أيضا بأن هناك إشارات متعددة فى أعمال الرجال المبكرة التى ترفع أقوال بعض الصحابة أو التابعين إلى مستوى أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا فهذا المفهوم معروف لخبراء المسلمين . وقدم "جينبول" عدة أمثلة من بين درزينات من آخرين فى أعمال الرجال يتصلون بهذه الممارسة ، وهذا التراث يتعلق بالأمور التشريعية .
(3) كما يعتقد بأن الكثير من الأحاديث التى رواها بها "أنس بن مالك" (تقريبا ألفان وثلاثمائة حديث) مشكوك فيها . فلو قارن المرء بين تلك الأحاديث التى رويت بالمدينة والأخرى التى رويت ببغداد يجد فيهما ازدواجية . نحن نتوقع أن مثل هذا العدد الخصب والمؤثر ، أن يكون متماثلا حينما انتقل بين كلا الموقعين ، ولكن "جينبول" وجد قلة من حديث الحاديث متفقة فى البلدين . ويستخدم "جينبول" نفس الحجج على الأحاديث المروية من "أبى هريرة" .
(4) ويرى "جينبول" أن هذا التناقض هو ما أتاح للوضاعين بأن يلعبوا فى إسناد الأحاديث ، وسمى ذلك "خدعة العمر Age Trick" ، أو عزو الأعمار الوهمية للرجال ليعطوا الإسناد قوة أكبر . وذلك ممكن استخدامه إذا كان بين اثنين من الرواة حوالى قرن من الزمان . التناقض الظاهر يمكن تلطيفه ، بأن الراوى الأقدم قد يكون عاش لمدة طويلة ، ربما لأكثر بكثير من قرن . ويعتقد بأن هذه التقنية قد ترفع الراوى إلى مرتبة "الصحابة" , وبذلك يعطى الرواة والإسناد مرتبة كبيرة . ويلاحظ "جينبول" :
أن بعض الرجال الذين ذكروا فى الإسناد ، قد عمروا طويلا : مثل "قيس بن أبى زيد" (مات 135 / 852 وعمره تقريبا 100 سنة ، وفى تقرير آخر بأنه ولد فى الجاهلية) ، "عمرو سعد بن إياس" (مات 95 - 98 / 752 وعمره 120 سنة) ، "المعرور بن سويد" (حينما رأه الأعمش أعتقد أن عمره 120 سنة) ، "سويد بن غفلة" مات 80 - 82 / 699 -70 فى عمر يناهز 120 أو 130 ، وكان يقول بأنه فى نفس عمر النبى عليه السلام) ، "زر بن حبيش" (مات 81 - 83 / 700 - 702) ، وهكذا ... وأعمار هؤلاء المئويين التى دونت فى أعمال الرجال معقولة جدا ولا يشوبها شك فى أنهم قد وصلوا إليها . وقد سهلت هذه الأعمار للمزورين أن يتلاعبوا فى الإسناد ، سواء قام بعضهم بالتزوير بأنفسهم ، أو تم ذلك بواسطة آخرين غير معلومين . والأكثر من ذلك ، فالتراث المدعم بالأسانيد التى تحتوى على أسمائهم قد حدث ، وبدون استثناء ، فى مجموعة التشريعات القانونية .
(5) ويقول "جولدزهير" بأن الأحاديث المتواترة التى ذكرت "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" وأمثال ذلك ، هى نفسها موضوعة للحد من الوضع . ويحتج علماء المسلمين بقوله هذا ، على الإدعاءات الكاذبة للمستشرقين ، فجولدزهير لم يأتى بأى دليل على قوله هذا . وفى سرد طويل لـ "جينبول" مستندا إلى هذه الأحاديث يدافع هو الآخر عن وضع جولدزهير . ذاكرا أن التواتر لا يدل على صحة الحديث .
"مداخلة :::
عجبا والله !!!
كيف تكون الأحاديث متواترة وفى نفس الوقت موضوعة ؟؟؟ ... هذا ينم عن جهل فظيع !!!
فى تخريج الأحاديث ، ينظر العلماء الفطاحل إلى الإسناد ، فيقبلون حديثا ويصححونه ، وينكرون آخرا بنفس النص أو قريب منه ، ولكن بعض رواة الحديث الذى أنكروه مطعون فيهم ، وأعتقد أن (جولدزهير) لم ينتبه لهذه المسألة وقال قولته تلك........ وهذان الحديثان مثال على ذلك :::
************************************************** ************
أيما رجل كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
الراوي: القاسم بن أبي أمامة - خلاصة الدرجة: موضوع - المحدث: الإمام أحمد - المصدر: تاريخ بغداد
من كذب علي متعمدا ليضل به فليتبوأ مقعده من النار
الراوي: عبد الله بن مسعود - خلاصة الدرجة: منكر - المحدث: الطحاوي - المصدر: شرح مشكل الآثار
************************************************** ********************
سأذكر بعض الأحاديث التى جاءت فى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهى كثيرة ، وقد كان من رواتها (عثمان بن عفان .. عبدالله بن عباس .. عبدالله بن مسعود .. علي بن أبي طالب .. الزبير بن العوام .. أبو هريرة .. عبد الله بن عمرو بن العاص .. الزبير بن العوام .. المغيرة بن شعبة .. الزبير بن العوام .. أنس بن مالك .. سلمة .. أبو سعيد الخدرى ..... والروايات التى رويت عنهم كلها صحيحة .....
سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ، ومن رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل صورتي ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
الراوي: المغيرة بن شعبة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان ؟ قال : أما إني لم أفارقه ، ولكن سمعته يقول : من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار .
الراوي: الزبير بن العوام - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار .
الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار .
الراوي: سلمة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ، ومن رآني في المنام فقد رآني حقا ، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
لا تكتبوا عني . ومن كتب عني غير القرآن فليمحه . وحدثوا عني ، ولا حرج . ومن كذب علي - قال همام أحسبه قال - متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
الراوي: أبو سعيد الخدري - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح " .
(6) وختاما ، فلنا أن نذكر بـ "نظرية الإرتباط المشترك common link theory" التى قال بها "شاخت" ، ومعالجاتها الدقيقة . تقول هذه النظرية بأن المرء يستطيع أن يحدد كلا من الوضع ووقته لحديث ما ، إذا تقاطعت اسناداته المختلفة عند نقطة متوسطة مشتركة ، ويعطى "شاخت" مثالا لثلاث سلاسل من الإسناد لأحد الأحاديث التى تتشابه إلى راو معين فى نقطة محددة ثم تختلف السلسلة فى مكان آخر . وهنا فى هذه النقطة المحددة يكون من وضع الحديث هو هذا الراوى أو أن هذه النقطة هى التى وضع عندها الحديث .
يبدأ هنا مؤلف الكتاب فى مناقشة النقاط الست أعلاه قائلا :::
لقد اخترت عمل "جينبول" لأنه عمل حديث وأكثر شمولا وواضح فى الشرح . وقد ذكرت ما بدا لى أنه الأهم ، والذى يظهر بأنه غير معروف أو لم يتعامل معه المسلمون الذين يتكلمون اللغة الإنجليزية . ودعنى كرجل غير متخصص أشارك ببعض ملاحظات بدت لى على التو من القراءة ، وسأبدأ بالبند رقم (2) ، حيث أن البند الأول لا يثير اعتراض المسلمين كثيرا .
وقد أعطيت نظرية شاخت (التنبؤ الخلفى Projecting Back) معاملة كاملة فى مناقشة "عزمى" . وبالرغم من أن "عزمى" لم يناقش بالتفصيل كل أمثلة شاخت أو يتوقع معارضات جينبول ، فقد استخدم بعض الإستراتيجيات ضد ناقدى الحديث من الغربيين ، التى تنعكس على هذه التظرية وأشياء أخرى .
فيكرر إستنتاجاته بأن المستشرقين غالبا ما يكون انتقادهم للحديث :::
أ - أبعد ما يكون عن الضرورة (أى مبالغ فيه) .
ب - تعتمد على بيانات مجزأة تتعارض مع الكم الكبير من الحقائق المتاحة
جـ - مبنية على نظرة معيبة فى الأساس .
( 24 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
يبدأ هنا مؤلف الكتاب فى مناقشة النقاط الست أعلاه قائلا :::
لقد اخترت عمل "جينبول" لأنه عمل حديث وأكثر شمولا وواضح فى الشرح . وقد ذكرت ما بدا لى أنه الأهم ، والذى يظهر بأنه غير معروف أو لم يتعامل معه المسلمون الذين يتكلمون اللغة الإنجليزية . ودعنى كرجل غير متخصص أشارك ببعض ملاحظات بدت لى على التو من القراءة ، وسأبدأ بالبند رقم (2) ، حيث أن البند الأول لا يثير اعتراض المسلمين كثيرا .
وقد أعطيت نظرية شاخت (التنبؤ الخلفى Projecting Back) معاملة كاملة فى مناقشة "عزمى" . وبالرغم من أن "عزمى" لم يناقش بالتفصيل كل أمثلة شاخت أو يتوقع معارضات جينبول ، فقد استخدم بعض الإستراتيجيات ضد ناقدى الحديث من الغربيين ، التى تنعكس على هذه التظرية وأشياء أخرى .
فيكرر إستنتاجاته بأن المستشرقين غالبا ما يكون انتقادهم للحديث :::
أ - أبعد ما يكون عن الضرورة (أى مبالغ فيه)
ب - تعتمد على بيانات مجزأة تتعارض مع الكم الكبير من الحقائق المتاحة
جـ - مبنية على نظرة معيبة فى الأساس .
وفيما يتعلق بالبند (3) ، يشير "عزمى" إلى ملاحظة ذات علاقة ، بأن جينبول لم يضع فى اعتباره كاملا ::: أن النظريات الأوربية تعتمد على المقارنة بين الأحاديث والفقه . وعلوم هذين المجالين مستقلين ذاتيا حتى الآن ، حيث أن موضوع علم الحديث يندرج تحته أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله ، وبالرغم من أن علوم الفقه هى استنتاجات للعلم السابق ، إلا أنها تطوير لأنظمة الشريعة . من الطبيعى أن تكون معايير المحدثين أكثر دقة والتزاما من معايير الفقهاء . ويجب أن نكون حذرين حينما نتكلم عن علوم تعتمد على علوم أخرى . ويعتبر "عزمى" أن هذا هو خطأ أساسى فى البحوث الغربية الحديثة . وفى سبيل مناقشتهم لنظرية "التنبؤ الخلفى Projecting Back" ، الكتاب الغربيين يقعون فى خلط بين مصطلحاتهم . وقد وجدنا خلطا متكررا بين مثل هذه الكلمات "مساو Alike" ، "مماثل Identical" ، "متشابه Similar" ، فى النصوص التى يكتبونها . والإنطباع المأخوذ ، هو أنه إذا تشابهت أقوال العلماء فينسب ذلك إلى أقوال النبى . ولكن حينما نقارن بين الإثنين عادة ما نجد اختلاف فى التعبير بشكل عام . وفى هذه الحالات ، فيمكن أن تؤخذ تقارير العلماء على أنها وجهات نظر مبنية على أمثلة سابقة أو على عرف كان سائدا فى ذلك الوقت . وفيما يتعلق بذلك ، فيمكننا الفهم لماذا كانت سلاسل الآراء العلمية محفوظة بشكل مطلق . وبكلمات أخرى ، لماذا بذل الجهد لتتبع الآراء للخلف لأية سلطة فيما عدا الرسول عليه الصلاة والسلام أو صحابته ؟؟؟ فى زمن ما ، حينما تستعمل بعض التقارير الصادرة من مؤسسة ما ، فى دوائر قانونية ، ينظر إليها على أنه قد يكون من الضرورى أن ترجع إلى أصولها . مهما كانت هذه المصادر ، وذلك لتقبل كدليل . فى أيامنا هذه يمكننا البحث فى المراجع ، وهذه الميزة لم تكن متاحة فيما سبق .
ويردد "جينبول" بغضب : لماذا يعتمد الفقهاء على مصادر أخرى غير النبى حينما تكون هذه الآراء مشابهة أو متساوية مع ما قرره النبى ؟؟؟ وهناك عدة ردود ممكنة ضد هذا السؤال .
عادة ما يكون اقتباس رأى جهة لها اعتبارها ، أسهل من العودة إلى المنبع للوصول إلى الحجة الأولى والبرهان . الإشارة إلى هذه الجهة هى إحدى الطرق المعمول بها فى مناقشة إحدى الحالات . فهذا المرجع الخبير قد بذل جهدا سابقا للوصول إلى نفس النهايات . وكمثال ، إذا سألنى أحد هل يصفع الرجل المتزوج زوجته على وجهها حسب ما أشارت إليه آية سورة البقرة رقم (34) ، وذلك لأنها لم تطعه فى أمر ما ؟؟؟ سأجيبه "لا" ، فى الإسلام لا ينبغى للزوج معاملة زوجته بقسوة طبيعية إلا فى أصعب الحالات . وفى جميع الحالات بلا استثناء لا يصفعها على وجهها .
فى عقلى الباطن هناك أقوال متعددة مصاغة بنفس الطريقة ومستقاة من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم . على كل حال ، فقد ألجأ وقد لا ألجأ لإعادة ذكر هذه الأقوال لأدعم وجهة نظرى ، ويعتمد ذلك على أحوال السائل . وفى الحقيقة فالمتكلمون من المسلمين المعاصرين يرددوا أقوال "الطبرى" من القرن الثالث الهجرى الذى دعم أقواله بما صح عنده من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا المجال . الحقيقة أن فهمى يتطابق مع أقوال النبى ، حتى لو وصلت إليها بصورة منفردة مع عدم ذكر درجة الصحة لأنى أناقش مشكلة سلوكية فورية .
هذا قد يوضح الحالة بالنسبة إلى عالم يقرر مسألة تتفق مع أقوال الرسول . ولكن ماذا عن تلك البيانات التى يقول بها عالم ترجع للخلف مماثلة لأقوال الرسول فى الأحاديث ؟؟؟ جينبول فى ملاحظته بالبند "2" يصعب التغافل عنها هنا ، فكثيرا ما تظهر هذه الحالات كثيرا فى الأمور الفقهية والشعارات .
فى الحقيقة ، لماذا يعود المرء لإقرار ما لأحد العلماء بينما أن هذا الإقرار نابع من الرسول ؟؟؟
من المعقول ألا يرجع دائما علماء الفقه هؤلاء أقوالهم إلى الرسول ، حتى وهم يعلمون أنها ترجع إليه . فإلى يومنا هذا ، فالمتكلمون والكتاب من علماء المسلمين غالبا لا يرجعون ما يؤسسوا من قواعد السلوك إلى مصادرها .
قد يجد بعض المتحولين للإسلام إحباطا . ما الذى يبطل صلاتك ؟؟؟ متى يطلب منك الوضوء ؟؟؟ ما هو الذى يفعله من أدرك صلاة الجماعة ؟؟؟ من الذى يرث المسلم ؟؟؟ هذه فقط بعضا من التعليمات المتعددة التى نتعلمها دون أن ننسبها مباشرة لأفعال سابقة للرسول ، وذلك لسبب بسيط ، وهو أن هذه الممارسات تأسست وقبلت وبحثت ، بحيث لا يجد الخطيب أو المتكلم حاجة لتأصيلها . المتحول الجديد يجد سريعا نفسه أو نفسها يبحث عن الأصل فى كل نظام جديد يسمع به لأنه يعلم أن هذا الجديد قد يكون رأيا للكاتب أو الخطيب .
أيضا فيؤكد "عزمى" بأنه ليس كل مسلم فى القرون الثلاثة الأولى مثل الشافعى وليس كل طالب علم كالبخارى . البعض كانوا حريصين جدا فى دراساتهم ، وآخرون لم يكونوا بهذا الإلتزام . ولهذا فإن البعض قد يخلط أقوال بعض العلماء مع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم . وهذا يحدث إلى يومنا هذا ، فكثيرا ما نسمع منسوبا إلى الرسول أنه قال "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" ، وهذه الكلمات فى الحقيقة لم ترد مطلقا على لسان رسول الله ، ولكن بعض الخطباء والمتكلمين الذين لا يعلمون ذلك يرددون هذا على أنه من أحاديث الرسول . ولهذا ففى بعض الحالات التى يذكر فيها البعض أقوالا قريبة من أقوال الرسول ، فلا نستثنى الإحتمال بأن الذى قد صدر عنه هذا القول قد أسئ فهمه، بحيث أن المحاضر يفترض أن السامعين قد أ َلـِفـُوا هذا القول ، أو أنه متأكد بأنه سيذكر المصدر فى مناسبات أخرى .
وفوق كل شئ ، يجب ألا ننسى ، بأن المستشرقين حريصون على أن يظهروا هذه النقطة ، وهى أنه خلال القرن والنصف الأول من العصر الإسلامى فى أكثر مراكز الأفكار الفقهيه المختلفة ، كان يعتبر كافيا فى النزاعات الفقهية الإشارة إلى أن هذا الأمر معمول به منذ عهد الرسول . ولم تظهر ضرورة الحاجة لسوابق نبوية واضحة إلا فى نهاية القرن الثانى الهجرى . حتى هذا الوقت فقد كان كافيا للفقهاء المتنازعون أن يؤسسوا قاعدة بمجرد الإشارة إلى ممارسة آنية ، بدون إرجاعها إلى جذورها . هذه الحقيقة واضحة فى أدب الإستشراق . التقدم فى علم الحديث ، فيما بعد ، وعناصر أخرى ، أدى إلى تغير فى معايير المناقشات الفقهية . ومرة أخرى يحذر "عزمى" ضد إقحام تدخلات بين علم معين وتطورات تطبيقات أخرى .
وكما يلاحظ "جينبول" فإن أهل التراث من المسلمين كانوا على وعى أنه حتى الأمناء من الرواة للأحاديث ، قد يخطئون فى نقل حديث عن الرسول ، يذكر هذا الخطأ شخص آخر فى مرحلة متقدمة .
على كل حال ، هم لم يفترضوا كما تقول به نظرية "التنبؤ الخلفى Projecting Back" ، أن شخصا ما ، عادة ما يكون فقيها أو محدثا ، تعمد أن يكمل سلسلة من الرواة ليزيف بها معلومات للأحاديث . وهم يرون أن أفضل طريقة للتأكد من صحة الأحاديث هى الموازنة والتعارض لكل المادة فى الموضوع . وقد شعر علماء الحديث بأن البحث فى الإسناد هو من أقوى الوسائل لكشف الأخطاء من هذا النوع .
ملاحظات "جينبول" فيما يخص "أنس بن مالك" ، و "أبو هريرة" فى البند رقم "3" غير مقنعة . فيما قام به من اختبارات على عدد "36" حديثا لمالك فى الموطأ ، فقد تبين له أن الأحاديث التى ذكرها فى المدينة تخالف ما كان يقوله لطلبته فى العراق ، وذلك حسب رؤيته !!! هذا ما جعله يتعجب ، وأن ما رواه أنس بن المالك يجب أن يكون مماثلا لما ذكره بالبصرة .
لنضع جانبا السؤال ما هو بالضبط الذى يشكل "التطابق الكبير" لنسأل ، لماذا نتوقع هذا التطابق فى المقام الأول ؟؟؟
ما يقوم به المدرس ويعلمه عبر السنين يعتمد على الذات وعلى عوامل أخرى . ولسوء الحظ ، لا نملك مثل هذه المعلومات عن انس بن مالك ، ولكنى آمل ألا يعتبر عملى الذى أقوم به ، أحد الباحثين فى المستقبل أنه مختلق ، لأنى أقوم بمحاضرات مختلفة عن مسائل مختلفة خلال مهنتى . وبشكل أهم ، فإن أنس بن مالك يحاسب على 36 حديث شريف وجدهم "جينبول" فى الموطأ ، بينما ما رواه هو ما يقرب على 2300 حديث . هذه العينة البسيطة التى درست ، أثارت السؤال عن بقية الأحاديث . وملاحظات "جينبول" عن أبو هريرة غامضة أكثر من هذا الغموض ، فهو لم يعطى نسبة مئوية للأحاديث التى درسها ، وأيضا لم يعطى النسبة المئوية للأحاديث التى دخلت فى الفقه .
نظرية "خدعة العمر Age Trick" التى ذكرت فى بند "4" ، لمعلوماتى ، فهى أصلية .
ولسوء الحظ فإن عشرة أمثلة فقط منها قد أعطيت : أربعة حالات واضحة بالإضافة إلى الست حالات التى ذكرت أعلاه . وحيث أن هناك حوالى 10 آلاف سيرة ذاتية فى أعمال الرجال ، فمن الصعب أن نضع ثقتنا فى نظرية أسست على عدد قليل من الأمثلة . وبمنتهى الإنصاف ، فإن أى طالب حديث للأدب الإسلامى القديم لايمكنه المساعدة بل سيكون فى شك بالنسبة للأعمار المتقدمة المرتبطة بكثير من الرجال . وينسب كثير من الكتاب المسلمين هذا الوضع للغموض الذى أحاط بالبعض فى منطقة الشرق الأوسط خصوصا العرب . استخدام التقويم القمرى وعدم تسجيل المواليد والوفيات فى معظم البلدان الإسلامية قد يساعد كثيرا على هذه الظاهرة . ومن الغريب أن لى أصدقاء كثيرين من الشرق الأوسط يوجد معمرون بعائلاتهم قد تجاوزا المائة عام .
ويرى علماء المسلمين أن تواريخ الميلاد وتواريخ الوفاة المذكورة فى أعمال الرجال تقريبية إلى حد بعيد . وهذا أحد العناصر مضافة إلى عناصر أخرى تدخل فى اعتبار علماء الحديث .
يبين "عزمى" التفاوت الكبير فى مدى تقدير الأعمار فى دراسات السيرة الذاتية للرواة ، ونظرا للحقيقة بأنه ليست هناك تقديرات بالمرة يدفعه هذا إلى القيام بالتخمين لتاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة . والأدب المتعلق بالسيرة الذاتية هذا ، ليس فيه نوع من البراعة فى الخداع ، وذلك لأن غرضه هو أن يستخدم كل البيانات المتاحة عن الرواة للأحاديث .
إعتراضى الرئيسى على نظرية "خدعة العمر Age Trick" ، وبناء عليها قامت معظم الأبحاث الغربية على الأحاديث ، هو الذى أحب أن أطلق عليه "الخوف من الوضع Fabrication Phobia" . أعنى بهذا هاجس غربلة الكم الهائل من المعلومات التى جمعت بواسطة المختصين من علماء المسلمين الذين يعملون فى هذا المجال ، ودمغ كل غريب وشاذ بالصفة التى تناسبه ، خوفا من إمكانية قبوله كتخمينات أو أخطاء بشرية . أتعجب إذا كان هذا الدافع ، كما تراه ، من عدم الأمانة أو الغباء ... سمه كما تشاء ... الذى يـَسـِمُ الإجحاف والتكبر الغربى الذى ناقشه "إدوارد سعيد" فى كتابه الإستشراق .
يعترف "جينبول" أن حججه ضد أصالة حديثين متواترين ، (بند 5 أعلاه) تعتبر ضعيفة عند المؤرخين . هنا وخلال نصوصه الأخرى تقريبا تعتبر حججه (مناقشات صامتة argumenta e silentio) . الإفتراض الأساسى هو ، إذا حذف جمع من العلماء حديثا كان من الممكن أن يصبح واسع الإنتشار فى النهاية ، من مجموعتهم من الأحاديث ، فهذا يدل على شئ سلبى عن صحته . ويستمر علماء المسلمين أن يكونوا عرضة لإثارة هذا النوع من الحجج ، حيث أنه يفترض أن كل عالم قد سمع ببعض الأحاديث التى وجدت فى عصره وجمعها . وجهة النظر هذه ، فى الواقع ، لا تتيح مرونة للقيود الإنسانية والخارجية . أحد المصادر الأساسية لـ "جينبول" هو موطأ مالك ، وذلك بالرغم من أن مالك معروف بأنه وقبل كل شئ ، فقيه وليس بمحدث . بينما الموطأه يحتوى على عدد مناسب من الأحاديث الشريفة ، فلم يكن المقصود منه هو تجميع الأحاديث . ويؤكد "جينبول" نفسه فى عدة مواقف ، على أنه ليس كاملا فى مجال الأحاديث . ولهذا فحجج "جينبول" لا يمكن أن تؤخذ على أنها حاسمة .
نظرية "شاخت" (الإرتباط المشترك common link) ، قد دخلت فى معظم الدرسات اللاحقة لعلماء الغرب وعلماء المسلمين ، ومرة ثانية ، فهى تعتمد على دليل ضئيل . دعنا نفترض أن هناك عدة أحاديث بنصوص مماثلة وأسانيد كلها تحتوى على راو مشترك فى مرحلة متوسطة . فى هذه احالة ، فيرى شاخت (أن هناك دليل قوى [أن هذا الحديث] بدء به فى هذا الوقت [وقت ظهور الراوى المشترك] . " هناك قط حفنة من التطبيقات فى أدب الإستشراق الغربى ، واحدة ذكرها شاخت ، والقليل الآخر ذكرها جينبول ، والذى ذكر بأن هذه الظاهرة تعتبر نادرة . مثال شاخت يراه عزمى بأنه غير صحيح . وشرح كلا من شاخت وجينبول لهذه الظاهرة ، ليس على الإطلاق هو الشرح الوحيد أو الشرح الواضح جدا . فى حالة ما إذا عرف أن الحديث فعلا مزيف ، كما فى الحالات التى ذكرها جينبول فالإرتباط المشترك يوحى بالتأكيد على زمن التزييف .
عموما وعلى كل حال ، فالإرتباط المشترك لا يدل بالضرورة على التزييف . وعلماء المسلمين الذين كانوا على علم لقرون سابقة بهذه الظاهرة ، أشاروا إلى تفسيرات أخرى . وكمثال على هذا ، فمعروف عن بعض علماء الحديث أنهم قد بحثوا كتب الحديث المختلفة الحالية عن حديث معين للرسول ، ومنها كتب غامضة ، ونتيجة لهذا فنجد فى بعض الأحيان محدثا يجد حديثا فى عدة مصادر ، وخاصة إذا كانت معلوماته مطلوبة فهو ينقلها إلى طلبته الكثيرين . وكما يقول جينبول ، فإن علماء الحديث على علم بأنه من المحتمل أن يكون الإرتباط المشترك سببا فى وضع الأحاديث ، ولكن ، يخالف شاخت ، بأنهم يبحثون عن أسباب إضافية لتأكيد هذا الزعم .
وفى الخلاصة ، يجب على القول بأن وجهات نظر جينبول عن أدب الأحاديث ليست وسطا بين المستشرقين والمسلمين . ويظهر ... على الأقل لى ... بأنه ينتسب لمدرسة جولدزهير - شاخت . وبالرغم من أن شروحاته أكثر حذرا وأكثر إشراقا ، فأنا لا أرى بأى شكل من الأشكال ، أن أطروحاته واكتشافاته تبتعد كثيرا عن وجهات نظرهم ، أو أن أدلته ضدهم لماذا لا تطبق ضد آرائه أيضا . وفى تقديرى فإن دراسات جينبول لم تساهم فى تضييق الفجوة بين علماء المسلمين والمستشرقين فى مجال هذه الدراسات .
( 25 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
أنا كمسلم حديث ، ولأسباب سبق لى أن ذكرتها ، فقد كنت شاكا جدا فى صحة الأحاديث النبوية . وظللت كذلك لمدة أربعة سنوات من اعتناقى للإسلام ، حتى عثرت على كتاب باللغة الإنجليزية فى نقد الأحاديث لكاتب مسلم . كثير من الكتاب المسلمين يلمسون هذا الموضوع باختصار ، غير أن عرضهم له ، غالبا ما يكون عقائدى ؛ والأكثر أنى قرأت أعمال بعض المستشرقين التى كانت علمية وأكثر إقناعا . وبالرغم من أن أحكامهم دعمت شكوكى ، إلا أننى أصبحت أقل تأكدا منها بعد دراستهم . كانت فرضيات المستشرقين جريئة وهامة ، ولكن الصورة العامة المقدمة تفتقر إلى التماسك ، مثل "تيتوس بورخارت Titus Burkhart" الذى ذكرته سابقا ، فقد وجدت أن ما توصلوا إليه ، فيه تهكم غير واقعى .
بعد ذلك بوقت ما ، وبعد تنقيب كثير وحسن حظ ، وجدت كـُتـّابا علماء يدافعون عن ثقافة الحديث الموروث والذى بدى تفسير تطوره أكثر إشراقا وأقل تضاربا وأقرب نفسيا من تفسيرات المستشرقين . وأيضا قدرت ضخامة الجهد الذى بذله علماء المسلمين فى تجميع الكم الضخم من المعلومات عن النبى وأصحابه . وبالإضافة إلى ذلك ، وصلت إلى إحترام الأحاديث الصحيحة التى تلى القرآن الكريم فى صحته ، أكثر المعلومات صحة جمعت عن حياة نبى أو معلم فى أى من الأديان الأخرى . والأكثر أهمية ، أنى اكتشفت بأن مجهود خبراء المسلمين ليصلوا فقط إلى الصحيح من أقوال وأفعال الرسول ، بل فى جمعهم الكم الهائل من المعلومات التى يستند إليها فى الفقه الإسلامى ، مجهود عظيم . وسنأتى إلى تفصيل هذه النقطة قريبا .
وأتمنى ألا أترك إنطباعا بأن ما ذكره العلماء الغربيون الذين تكلموا فى الحديث ، بأنه غير مهم أو بلا فائدة . كل المؤلفين الذين ذكرتهم فيما سبق ، من الذين دافعوا عن سلامة هذا العلم الموروث ، كانت لهم تحفظات . وبالرغم من أنى لا أتفق مع كل نقد غربى ، إلا أنى أقر بأنى تعلمت أشياء لم أجدها فى كتب المسلمين عن علم الحديث . علاوة على ذلك ، فقد أسهم العلماء الغربيون بأشياء هامة فى هذا المجال . لقد أحيوا الإهتمام بالدراسة الكلاسيكية لعلم الرجال ، وعلم الأوائل (التقارير التى تحتوى على معلومات عن من كان الأول فى شئ ما ، أو أى من المدارس ظهرت أولا) ، من الأعمال ، ومثل النصوص التشريعية كالموطأ للإمام مالك ، والرسالة للإمام الشافعى ، والمسند للإمام ابن حنبل ، وترجماتها إلى اللغات الأوروبية .
الجداول والفهارست الأبجدية لتراث المسلمين ، والتى تظهر المجهودات المشتركة لأربعين عالما من دول مختلفة على مدى النصف قرن الماضى ، هى ذات قيمة هائلة . فهى تحتوى على كل التعبيرات المهمة التى حوتها كتب الأحاديث الستة (البخارى..مسلم..الترمذى..النسائى..أبو داوود..ابن ماجه) ، وأيضا سنن الدارمى وموطأ الإمام مالك ، ومسند أحمد بن حنبل ، وترتيبها حسب الحروف الأبجدية . بالإضافة إلى طرق النقد الحديثة التى يمكن أن يستفيد منها علماء المسلمين ويعيدوا التقييم ، كل ذلك قد تم تطويره .
السؤال عند الحاجة :
(مداخلة : الجزء التالى موجه أصلا إلى قراء ترجمة القرآن الكريم باللغة الإنجليزية ، وسأقوم بترجمته ، فقط ، ليفهم القصد منه ، وهو الرجوع إلى الآيات التى تحتوى تعبيرات معينة)
Obey God and the Messenger. (3:32; 3:132; 5:92; 8:1; 8:46; 9:71;
24:54; 33:33; 58:13)
Whoever obeys God and His Messenger, He will admit him into
Gardens. (4:13)
O believers, obey God and obey the Messenger. (4:59; 8:20; 47:33)
And whoever obeys God and the Messenger. . . (4:69; 24:52;
33:31; 33:71; 48:17)
Whoever obeys the Messenger, obeys God. (4:80)
And if they had referred it to the Messenger and to those in
authority. . . (4:83)
You have in God’s Messenger a beautiful example. (33:21)
Whatever the Messenger gives you, take. (59:7)
A messenger from among themselves, . . .teaching them the Book and the Wisdom. (2:129)
A messenger from among yourselves, . . .teaching you the Book
and the Wisdom. (2:151; 62:2)
An unlettered "الأمى" messenger from among themselves, . . .teaching
them the Book and the Wisdom. (3:164)
(أرجو الرجوع إلى الترجمة العربية فهذا النص هنا غير صحيح)
God has sent down upon you the Book and the Wisdom. (4:113)
It is only for the Messenger to deliver the clear Message. ( 24:54;
29:l8; 64:12)
أطيعوا الله والرسول (3:32؛ 3:132؛ 5:92؛ 8:46؛ 9:71؛ 24:54< 33:33؛ 58:13)
ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات (4:13)
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول (4:59؛ 8:20؛ 47:33)
ومن يطع الله والرسول (4:69؛ 24:52؛ 33:31؛ 33:71؛ 48:17)
من يطع الرسول فقد أطاع الله (4:80)
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم ... (4:83)
ولكم فى رسول الله أسوة حسنة ... (33:21)
وما آتاكم الرسول فخذوه (59:7)
رسولا منهم يتلو عليهم الكتاب والحكمة ... (2:129)
رسولا منكم يتلو عليكم ءاياتنا ...... ويعلمكم الكتاب والحكمة ... (2:151؛ 62:2)
رسولا من أنفسهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ... (3:164)
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة .... (4:113)
وما على الرسول إلا البلاغ المبين .... (24:54؛ 29:18؛ 64:12)
الفترة المتاحة "لجرانت Grant" على موعد الغذاء هى نصف ساعة . لابد له من استخدام دورة المياه ، يغتسل ، يصلى ثم يأكل . وذهب بعد ذلك لغرفة الرجال ، منتبها للصيغة الصحيحة التى يجب عليه أن يقولها عند الدخول برجله اليسرى ------ أو ياترى برجله اليمنى ؟؟؟ لم يكن متأكدا ؛ هذا شئ يتعلق بإمكانية الفطنة . جلس ليبول ، حريص على ألا يلوث نفسه أو ملابسه . آه لو رآه الآن زملاؤه السابقون فى البحرية ، وهو جالس فى دورة المياه كالنساء !!! حرص على ألا يفكر فى شئ يخص الدين ، ولكنه حاول ألا يكون فى حالة دفاع عن النفس . وعند تركه للجناح ، ردد دعاء آخر ثم توجه للمغسلة . وسريعا خلع نعليه وجواربه ، وبحذر خطى على المناشف الورقية الخشنة التى وضعت على أرض الحمام ، حتى لا تلمس رجله الأرض . فتح صنبور المياه وردد دعاء آخر .
بدأ فى الوضوء ، مكررا كل فعل ثلاث مرات ، غسل اليدين ، المضمضة بالماء ، إدخال الماء وإخراجه من الأنف ، غسل الوجه ، غسل ذراعه الأيمن ثم الأيسر حتى الكوعين ، مسح داخل أذنه اليمنى ثم اليسرى مدخلا أصبعه السبابة داخلها ، ثم مسح رقبته بيده الجافة ، وأخيرا غسل قدميه اليمنى أولا ثم اليسرى إلى الكاحل ، وأعادهما إلى المنشفة التى على الأرض مرة ثانية مرددا دعاء آخر .
الوقت كان يتسارع ، فحمل حذاؤه وجوربه ، حريصا على ألا تلمس قدميه الأرض حتى لا تتنجس ، وبدأ فى التزاحم نحو الباب ، وفى هذه اللحظة دخل مديره لدورة المياه ، ووقفا وجها لوجه : جرانت بقدمه العارية على المنشفة الورقية ويتساقط منه الماء ، ومديره بعينين تبرقان من الدهشة . شعر جرانت فجأة ببرودة أرضية الحمام تحت قدمه اليمنى ؛ أيقن جرانت بأن قدمه اليمنى قد لمست الأرض دون قصد منه ، جذ على شفتيه ، وهز رأسه محبطا : الآن يجب عليه إعادة الوضوء !!!
كل المؤمنين ومعتنقى الإسلام الجدد ، يكونون مندفعين مع أنفسهم فى أفكارهم وممارساتهم . حماسهم الجديد ، وانغماسهم ، والمصارعة الداخلية عندهم ، كل ذلك يعجل بسهولة فى هذه المبالغات . المؤمنون الآخرون من المحتمل أن ينظروا إليهم على أنهم يمثلون الإيمان الحقيقى ، بينما هم يدركون بحماس ، ضعفهم والإغراءات التى تقع عليهم . الإحتياجات الثنائية لكى تـُقبل ولكى يكون الإنسان صادقا مع نفسه ومع الآخرين ، فى الغالب ستدفعهم إلى الإتجاه المعاكس ، وسيصبحون فى مهب العديد من التسويات والتناقضات . ويبدو أنه من غير العدل أن تأتى إختبارات الإيمان المثيرة بهذه السرعة . ردة الفعل الأكثر شيوعا ، هى أن تكون نسخة كرتونية من المسلم ؛ أى أن تقلد فى أفعالك الخارجية كل ما تسمع وترى حولك . هذا ليس من باب النفاق ، بل هو من باب عدم الأمان ، والحاجة إلى هوية جديدة ، المفروض فى مجملها أن تتبنى معايير الجالية المتبنية . وهناك عديد من التصرفات الشخصية المميزة مثل ... بعض النصائح الصغيرة والمشاركة اللطيفة ... التكامل مع أحدهم فى الممارسة ، وفى أغلب الأحيان ، لا يكون فيه تساهل مع سنة النبى عليه الصلاة والسلام .
وكمسلم عاش هذه الفترة ، أفضل ما أستطيع أن أقدمه للمسلم الجديد ، ألا يتبنى أى تصرف أو وضع ما ، لم يتأكد أو يشعر بضرورته . وإلا فستنتهى بحصر نفسك فى زاوية ، غير قادر على أن تكون نفسك ، وغير قادر على أن تفرغ السلوك الثقيل بدون جذب الإحباط والشك - ليس من الآخرين فقط ، بل من نفسك أيضا . المهرب عادة هو بأن تترك الجماعة -- لا لتترك الإسلام ، ولكن لتعيش بطريقة مجهولة على حافته .
إن السبب الرئيسى والهدف من الغضب والشعور بالفشل ، يرجع لأهمية أن يرتبط المسلم بالسنة والحديث . والنتيجة ، أن الإنسان يتخبط من ناحية لأخرى . كيف يطبق المؤمن ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقريبا بالكلية فى الأمور الشخصية ؟؟؟ حيث أن القليل من المسلمين سيرقون لمرتبة الفقهاء الذين سيشاركون فى صياغة قواعد الأخلاق للمجتمع الإسلامى الواسع .
بالنسبة للمسلم العادى ، فالسنة هى التى توجهه إلى الأخلاق والقيم والسلوك الروحى : ما هى علاقته بأبئائه وآبائه ، والأقارب الآخرون ، كيف يؤدى الصلوات والعبادات الأخرى ، وكيف يتصرف أثناء عمله ؟؟؟ هكذا بنجاح يشكل حياته ، يالها من منفعة عظيمة أو تنفيذ الأعباء التى تلقى عليه ، وهذا يعتمد على مدى الترجمة والتطبيق الشخصى .
بالنسبة للبعض ، فالسنة تقتضى التبنى الكامل والدقيق لكل الممارسات المسجلة بغض النظر عن المحيط ... به أو بهم ... ويفعلون كل شئ بدقة متناهية . كنتيجة لهذا ، نرى المسلمين الأمريكان أحيانا ، يرددون الأدعية باللغة العربية ، وليس عندهم أى إحاطة بما يقولون ، أو قد ترى بعضهم يرتدون العمائم والجلابيب والصنادل فى شوارع بلدان أمريكية .
تابع
فارس الغربيه
2011-07-29, 09:54 PM
( 26 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
إن السبب الرئيسى والهدف من الغضب والشعور بالفشل ، يرجع لأهمية أن يرتبط المسلم بالسنة والحديث . والنتيجة ، أن الإنسان يذهب من ناحية لأخرى . كيف يطبق المؤمن ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقريبا بالكلية فى الأمور الشخصية ؟؟؟ حيث أن القليل من المسلمين سيرقون لمرتبة الفقهاء الذين سيشاركون فى صياغة قواعد الأخلاق للمجتمع الإسلامى الواسع . بالنسبة للمسلم العادى ، فالسنة هى التى توجهه إلى الأخلاق والقيم والسلوك الروحى : ما هى علاقته بأبئائه وآبائه ، والأقارب الآخرون ، كيف يؤدى الصلوات والعبادات الأخرى ، وكيف يتصرف أثناء عمله ؟؟؟ هكذا بنجاح يشكل حياته ، يالها من منفعة عظيمة أو تنفيذ الأعباء التى تلقى عليه ، وهذا يعتمد على مدى الترجمة والتطبيق الشخصى . بالنسبة للبعض ، فالسنة تقتضى التبنى الكامل والدقيق لكل الممارسات المسجلة بغض النظر عن المحيط ... به أو بهم ... ويفعلون كل شئ بدقة متناهية . كنتيجة لهذا ، نرى المسلمين الأمريكان أحيانا ، يرددون الأدعية باللغة العربية ، وليس عندهم أى إحاطة بما يقولون ، أو قد ترى بعضهم يرتدون العمائم والجلباب والصنادل فى شوارع بلدان أمريكية .
بالنسبة لهم ، فكل صغيرة وكبيرة من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشكل أهمية روحية أو معنى تعبدى ، وأن ما يقومون به هو دليل على صدق الإيمان بما ورد عنه . وبالنسبة لآخرين ، فترجمة العمل بالسنة فيه الكثير من التسامح ، ويتجاوز عنها ، ما لم تتفق مع أفكار محددة مسبقا . وبين هاتين الفرقتين ، هناك الكثير من المستجيبين للرسول الأسوة ، ولكن تقريبا عالميا ، النظرة الأولى هى للعبادات . وذلك لأن العبادات فى نظر المؤمنين هى المفتاح لعالم الغيب ومناجاة الله سبحانه وتعالى . وبما أننا ليس فى مقدورنا الإطلاع على الغيب والحقائق التى اطلع عليها الرسول ، فنحن نعترف ، خصوصا فى الأمور الروحية ، بقصورنا فى هذا المجال واعتمادنا كلية على رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام . كما أن العبادات ، هى تزكية للمجتمع الإسلامى ، فى كل زمان ومكان ، وبالنسبة لكل جنس ولغة .
حينما نقف بكل خشوع وتواضع أمام الله ، معا مع اخواننا المسلمين ، عبادة كل أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، هى نفسها عبر التاريخ ، اقرار بالمساواة الروحيه الأساسية والتى بها دخلنا كلنا للوجود . غير أن عددا غير قليل من الأمريكان المسلمين يشككون حتى فى هذا الدور من سنة الرسول . "مداخلة : هذه الجملة الأخيرة غير مفهومة ، وربما أنه يشير إلى بعض فئات من المسلمين الذين لا يفهمون الإسلام فهما صحيحا " .على مستوى المجتمعات ، فإن سنة النبى تتسع للتفسيرات والتطبيقات المختلفة . فسيرة الرسول تشمل كثيرا من التجارب والفرص ، فالمجتمعات الإسلامية قد دعمت نماذج مختلفة من حياته تتفق مع ظروفهم . وفى هذا الصدد ، فسنة الرسول فيها سعة ومرونة كافية ، لتخدم الطوائف المختلفة من نصيين أو صوفيين . المناخ فى المراكز الإسلامية فى المدن الكبيرة بأمريكا ، كنيويورك وشيكاغو ، والتى تخدم المواطنين الأصليين ، مختلف تماما عن ذلك المناخ بالنسبة للمراكز التى تدار بواسطة مجموعات الطلبة المسلمين فى جامعات أمريكا . من الخطأ أن يستنتج من ذلك ، وفى الحقيقة ، بأن المسلمين غير متأثرون بالسنة ، لأنه بالرغم من الإختلاف فى فهم القرآن الكريم والسنة (والمصدرين يجب تضمينهم هنا) ، فكليهما لهما الأثر الكبير على تصرفات كل المسلمين ، بغض النظر عن المكان أو الزمان ، وبالصفات والرؤى المتفق على أنها إسلامية متميزة . ويعطى "دنى Denny" مثالا بسيطا بليغا : فيقول ، كان هناك بعض اليابانيين ، حوالى 20 من الرجال والنساء ، مرتدين الملابس البيضاء ، ومصطفين فى صفوف مستقيمة خلف رجل أكبرهم سنا بدين الجسم ذو شعر قصير جدا . هذا الرجل يرتل عليهم الجزء الأول من القرآن الكريم بلهجة عربية سليمة وصوت رخيم . هذه الصورة كانت فى مطار كراتشى بباكستان فى موسم الحج حيث يذهب المسلمون من كل بقاع الأرض لمكة المكرمة . هذه المجموعة الصغيرة من المسلمين اليابانيين كانت تنتظر الطائرة التى ستقلهم فى رحلتهم إلى جدة الميناء على البحر فى طريقهم للمدينة المقدسة مكة . كان اليابانيين يؤدون صلاتهم فى مسجد صغير فى المطار بالقرب من الأسواق الحرة وأكشاك المرطبات .
لا يوجد فى اليابان مسلمون بكثرة سواء من الجنسية اليابانية أو من المهاجرين . والذين رأيتهم فى مطار كراتشى هم يابانييون لغة وتصرفا وسحنة ولكنهم كانوا "شيئا آخر" . كلمة "شيئ آخر" هو الأسلوب الخاص أو نمط من السلوك الذي يحدد سمة المسلمين من جانب الناس الآخرين ، بغض النظر عن الاثنية واللغة والثقافة والعنصرية .
النتيجة من هذا النقاش هو ان هناك حاجة الى رؤية سنة النبي كنموذج . يختلف الناس في فهمهم لها وفقا للظروف والتجارب . هذا قد يكون مـُحْبـِطا للمتحولين من الغرب للإسلام ، حيث أنهم يشكلوا أقلية ضئيلة فى بوتقة ضخمة من المسلمين ليذوبوا فيها . فالمجتمع المسلم ، خصوصا فى الغرب ، يتكون من العديد من الثقافات والتقاليد المختلفة ، يحتاج إلى قدر كبير من النضج والتطور عند التعامل مع الآخرين واحترام آرائهم . ومن ملاحظاتى الشخصيه ، فالمتحول الغربي غالبا ما يكون أقل تسامحا .
لقد حان الوقت لنسأل السؤال المبدئى الذي حاولت تجنبه : لماذا نحتاج الى ملحق للقرآن الكريم ؟ يمكننا إحترام العمل بالتقاليد والتكيف مع السنة ، ولكن لماذا نصعب حياتنا مع مصدر إضافى للتوجيه ؟ أليس الغرض من الوحى هو أن يهب البشرية أساسيات الإرشاد ، ويترك الباقى مفتوحا لتطورات الزمن وتغيراتها والتى حتما ستحدث ؟؟؟ أليس فى تضمين السنة ، تضييق فى تطبيق القرآن الكريم ؟؟؟ ألم يصر القرآن الكريم فى عدة آيات أن الرسول أرسل ليبلغ الرسالة "وما على الرسول إلا البلاغ المبين .. فإنما على رسولنا البلاغ المبين.. 24:54...64:12...29:18" .
"مداخلة : أشعر أن هنا يوجد تناقض مع ما سبق أن قال به المؤلف ، وربما خانه الفهم الصحيح للآيات التى تقول بأن (ما على الرسول إلا البلاغ المبين) ، فالمقصود هنا كما ورد بآيات أخرى ، أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبلغ للرسالة ، والله سبحانه وتعالى هو الذى يحاسب الناس على أفعالهم . وما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام من قول أو عمل ، وهو مايسمى بالسنة ، هو أيضا من البلاغ المبين . والقرآن الكريم يؤخذ كاملا ، لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، ومن قوله سبحانه (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً {80} سورة النساء ... وكذلك فى سورة الأحزاب "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}) ، وقد كان جبريل عليه السلام ينزل بالوحى قرآنا ويصحح للرسول الوقائع المختلفة ، وتكفى هذه الآية من سورة القلم ليكون الرسول عليه السلام هو المثل الأعلى الذى يحتذى به "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4}" فكل ذلك هو من البلاغ المبين" ... أرجو ألا أكون قد أسأت فهم المؤلف ، ولكنى سارعت بالرد لأن المعنى الذى فهمته من كلامه لا يريحنى ، وقد يكون معذورا لحداثة عهده بالإسلام حينما كتب هذا الكتاب ويكون قد عدل فى رأيه فيما بعد ، فهذا المؤلف له نشاط دعوى كبير وقد خالط كثيرا من المسلمين حينما كان يعمل بالسعودية ، وسأنتظر بقية ما ورد بالكتاب ، ففيه الخيرالكثير بإذن الله .
الإجابة تعتمد على نظرة الشخص للقرآن الكريم حيث أن السؤال ينبع من القرآن . ويحرص المسلم على أهمية معرفة أسباب النزول ... الحدث التاريخى الذى من أجله نزلت الآية ... وذلك ليكتسب فهما أدق لتفسير هذه الآية ، ولكن هذا لم يمنعهم من قراءة تفسيرات إضافية (أى ، مستويات للمعنى) ، قد تبتعد كثيرا عن أسباب النزول . وهذا يعتمد على الخبرة الشخصية للمؤمن الذى يقرأ القرآن يوميا ، ويكتشف فيه معانى جديدة فى الآيات التى سبق له قراءتها كثيرا . ومن التقاليد الإسلامية المتوارثة ، هو الحرص الشديد على عدم القطع بمعنى نهائى للآية أو مجموعة من المعانى وذلك لأن "هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ....."
(مداخلة : أشار المؤلف هنا إلى الآية رقم 134 من سورة النساء ليستدل بها على أن الله فقط الذى يعلم تفسير القرآن ، والآية لا تدل على ذلك ، وأعتقد أنه يشير إلى آية سورة آل عمران السابقة ... كما أنه أشار أيضا لآية سورة الكهف رقم "109 ، وآية سورة لقمان رقم "27" واللتان وردت فيهما "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى ......" و "...... ما نفدت كلمات الله ...." ، ليستدل بهما على المعنى الذى يريده ، ولو أن معنى كلمات ربى وكلمات الله أوسع فى معناها من ذلك ، فهى عن الخلق "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" ) .
ثم يستطرد المؤلف بعد ذلك ليقول ، أنه بناء على هذا الفهم من المسلمين ، فهم يعارضون فكرة أنه توجد فى القرآن آيات مضى عليها الزمن .
وحتى هؤلاء الذين يقولون بالنسخ (أى أن آيات تحل محل آيات أخرى) عادة ما يقولون أن هذا يعنى أن بعض الآيات تبين المبهم والمجمل ، وبعضها تقيد المطلق فى نفس الموضوع ، ثم يقروا بإمكانية إضافة دروس ومعانى وتفسيرات يمكن استخلاصها منها . فكرة أن بعض الآيات القرآنية قد ألغيت أو نسخت ، بمعنى أنها لا يعمل بها بعد أن عالجت سبب النزول ، فكرة خطيرة . لو افترضنا ، جدلا ، بأن هناك فى القرآن ما ليس له علاقة بالحاضر أو المستقبل ، فتكون حكمة الله ومفهوم القرآن كمفهوم عالمى معدومة (أستغفر الله) ، وكون وجود معلومات ملغاة فى الوحى الأخير ، يشكل إلحادا فى قدرة الله سبحانه وتعالى . بالإضافة إلى ذلك ، فتكون هناك فرصة لقول البعض بأن هذا يصلح وهذا لا يصلح للتطبيق ، وبذلك بدل أن يكون القرآن الكريم لهداية البشر ، يصبح البشر هم من يهدون القرآن . وبما أن الإسلام ليس دين تدرج كهنوتى ، فمن نافلة القول ، أن مثل هذا الفهم يفرق الأمة الإسلامية .
البديل ، هو أن يكون القرآن الكريم رسالة عالمية فى مجمله ، والواجب على كل جيل من المؤمنين به البحث فى تفسيره وتطبيق دروسه وهدايته . هذا النهج هو امر صعب ، على الرغم من الاعتراض عليه . ولكن يجب أن نسأل هل يصمد هذا النهج أمام الفحص الدقيق ؟
الحلقة القادمة تبدأ بتفسير بعض الآيات التى نزلت لأغراض معينة ، ولكن يمكن تعميمها فى نفس الظروف .
( 27 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
هناك فقرات فى القرآن تبدو للوهله الأولى تاريخيا أو ثقافيا أو جغرافيا محددة . لكن بتحليل أدق ، نجد أن القرآن يأمر بصورة طبيعية جدا ، تطبيق الدروس العامة من الآيات المذكورة والثابتة ، ، مثل تلك التي تتصل بالآيات التالية :
1 - "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {60} سورة الأنفال
2 - "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {2} وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {3} إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ {4} عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً {5} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} سورة التحريم
3 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {58} سورة النور
4 - لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {89} سورة المائدة
5 - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ {2} وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ {4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ {5} سورة الفيل
6 - لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4} سورة قريش
الآيات رقم (1) ، يفهم المسلمون منها ، بأنه بالرغم من ألله سبحانه وتعالى هو المعين للمجاهدين فى الحق ، إلا أنهم مطالبون بألا يدخلوا المعركة غير مستعدين . وبالتالى ، فعليهم البحث واستخدام الأسلحة والتخطيط الذى يمنحهم أفضلية حربية ، وكمثال للمسلمين الأوائل ، سلاح الفرسان الماهر . الغرض أكثر من النصر المضمون ، بل خلق رادع بإرهاب العدو سواء كانو معلومين أو مجهولين ، وذلك لإعاقة العدوان وحقن الدماء .
والآيات رقم (2) ، تتعلق بالحياة الزوجية للرسول عليه الصلاة والسلام ، وتصور بوضوح ، أن العلاقات الأسرية تشكل أحد أكبر عناصر الفرص الصعبة للنمو والهبوط ، بالإضافة إلى الإختبار الصعب فى حفظ الأمانة ومراعاة الله فقط . أولا ، عوتب الرسول على تحريمه زوجاته على نفسه ، عتاب شديد فيما يبدو عن الذى حدث . ووجه أيضا العتاب القاسى لزوجات الرسول على انتهاك ثقة زوجهن ، وهذا الإنتهاك يسبب التفكك الأسرى نتيجة شئ تافه ويحطم الروابط الزوجية . ومع هذا ، فيذكرنا الله سبحانه بعفوه لمثل هذه الأمور إن تبنا واستغفرنا لأننا معرضون لحدوثها . ويتبع ذلك التحذير العام .
الآيات رقم (3) ، رغم أنه ليست كل الثقافات تنام القليولة ، إلا أن الآيات تحث على أن يكون هناك بعض السرية والخلوة والتواضع مع الخدم فى البيوت .
الآيات رقم (4) ، فى مواقع كثيرة من القرآن الكريم ، إشارات بوضوح لتصفية الرق ، ويعتبر الإسلام هو أول من شرع العتق .
وبالنسبة للآيات رقمى (5 ، 6 ) ، قد يبدو أنها غير صلة بواقع اليوم ، ولكن هذه الآيات من بين آيات أخرى يتذكرها الحجيج وهم يسيرون فى الطرقات المتربة متجهين لمكة نحو الكعبة المشرفة . فمكة محاطة بأراضى مقفرة موحشة فى وسطها جوهرة جميلة مشعة هى الكعبة ، بوأ مكانها لسيدنا إبراهيم ، وحفظها كما ورد فى سورة الفيل ، وحرسها الله العلى العظيم ، ويحج إليها المسلمون من كل بقاع العالم . هنا يأتى المسلم ليكتسب خبرات شخصية معبرة بالإحساس بأنه هو جزء من الكون ومن المنظومة الأزلية .
يقرأ المسلمون فى حياتهم دائما آيات القرآن الكريم ، ليس فقط عن رغبة فى ذلك ، ولكن أيضا للضرورة العميقة لما يجدونه من توجيها وهدى لهم فى دقائق حياتهم ومتطلباتهم الفورية ومحنهم . ومن ثم نجد أنه مع التتابع الزمنى للعصور منذ القرن السابع ، فإن المفسرين المسلمين يؤكدون على تفوق القرآن وتماسكه فى مجمله .
إذا أخذنا هذا التصور فى الإعتبار ، فكيف يتفاعل المرء مع الآيات التى التى بدأت باختيارها فى هذا الفصل ؟؟؟ وبالنسبة للمجموعة الصغير نسبيا ، ولكنها هامة ، من هؤلاء الأتقياء المتحمسين فى العصر الأول من الإسلام ، إنه لمن الصعب أن نتصور أن تكون استجابتهم تختلف جوهريا عما سجله التاريخ لنا : الحماس لجمع آلاف التفاصيل الرئيسية والدقيقة التى تتعلق بحياة رسول الله وسلوكه . هذا كان هو الوضع الطبيعى للتحريات العلمية والواضحة فى ذلك الوقت .
والقرآن الكريم نفسه قد تنبأ بهذا التطور المبكر ، وذلك ليس فقط فى الآيات التى ذكرتها من قبل . خذ مثلا المراجع الخلفية التالية :::
يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً {33} سورة الأحزاب
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {50} سورة الأحزاب
تبدو هاتين الآيتين أنهما توقعتا أن يقلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل الأمور ، بينما يجب الحذر والذكاء فى أن هناك خصوصيات للرسول وأسرته ، وأصحابه المقربين فى ذلك الوقت . وبالنسبة للآيات التى تصرح بأن "........ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ {54} سورة النور" ، فيتبعها التحذير بالحرص على طاعة الله والرسول ، والتشديد على ذلك "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ {92} سورة المائدة" . مبينا بأن المسئولية مستقبلا تقع على عاتق الشخص نفسه ، بعد أن بلغت الرسالة بوضوح .
يجب أن تفهم هذه الآيات فى سياق الآيات الأخرى الأكثر ذكرا والتى تؤكد على طاعة الرسول ، والبيانات التى تصف الرسول بأنه المعلم والموحى إليه الكتاب والحكمة . والتعليم هو أوسع من نقل النصوص فقط : يحتاج التعليم إلى التفسير والبيان والتطبيق أيضا .
عموما فالمسلمون يعتبرون هدى الرسول ، وأنه قدوة يقتدى بها ، جزء من تراث التوجيه ، ولذلك يشعرون بالحاجة للدراسة والفهم لهذا التراث ، وأهمية ذلك الآن وفى العصور السابقة . هذه النظرة ، أشعر بأنها تتسق مع القرآن الكريم الذى ، بينما يحذر عن تأليه البشر ، إلا أنه يقر بالحاجة إلى قدوة بشرية . ومع ذلك يتبقى سؤال ذو علاقة : هل كل حديث أجمع العلماء على صحته ، فهو فعلا صحيح ؟؟؟
( 28 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
"مداخلة : نظرا لحساسية الجزء التالى من ترجمة الكتاب ، ونظرا لأنه يتفق إلى حد كبير مع جاء بيانه من الأزهر الشريف ردا على بعض الشبهات المثارة عن الإسلام ، فقد فضلت أن أنقل كلمة الأزهر الشريف فى الموضوع حتى تتضح النظرة إلى موقع السنة من التشريع" .
حول الاستغناء بالقرآن عن السنة وعلاقة السنة بالقرآن ((منقول من موقع الأزهر الشريف)) :::
*هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبور ، والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة.. (انتهى).
الرد على الشبهة:
*فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال.
*ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.
*ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:
*أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
*وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
*وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..
*ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..
المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..
*وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله..
*أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء.. فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون ـ من أسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:
*إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشية ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (1). فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا الله والرسول ) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6). تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات.
*فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.
*أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون.. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
*إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
*وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين.. فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.
*والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.
*من هو الرسول "عليه الصلاة والسلام" ؟ :
هذا الفصل يشترك فى نتائج بعض أفكاره كل المسلمون ، كما يقترب منها المعتنقون الجدد للإسلام .
لكى نحاول أن تقلد نوعية وأخلاق الآخرين ، لابد لنا من أن نكون قادرين على تمييز شخصياتهم إلى حد ما . هذا التمييز يرتبط بشخصيتنا نحن وبالشخصية التى نريد تقليدها ، والإجابة على هذا السؤال تعتمد على المؤمن والمدى الذى وصل إليه فى حياته . كل الإجابات تتقاطع فى مفهوم عام ، ولكن التصورات الفريدة ستستمر فى الحدوث . بالتأكيد فإن تصوراتى عن الرسول عليه السلام قد تطورت وأصبحت أكثر عمقا عنها منذ ثمان سنوات ماضية ، بالرغم من أنى متأكد بأن ما زال هناك الكثير لكى أستوعبه .
حاليا ، أقول بأن وصفى للرسول لا يختلف عن وصف "وات" [فى الحلقة رقم "20" فى فصل "التوقعات] ، أعلاه . واعتقادى بأن الرسول قد اكتسب الإحترام الفائق من أتباعه ، لأنهم رأوه مجسدا للشخصية التقليدية المثالية كزعيم عربى : شخص "يحتفظ بعلاقات طيبة مع القريب منه والأقرباء ، يساعد الفقير والمعدمين ، يكرم الضيوف بسخاء، ويعين من وقع فى كارثة" .
لقد كان عليه السلام ، كما جاءت به الأحاديث ، رجل كامل الإستقامة ، متحكم فى نفسه ، رحيم ، وشجاع ، وذلك لأن العرب لن تقبل بزعيم فيه صفات أقل من ذلك . كلمته كانت كالسيف البتار ، وذلك لتأثر صحابته ، وتضع فيهم كامل الثقة به . حينما يقرر أمرا لا يتراجع عن تنفيذه .
وأما عن اختيار الله سبحانه وتعالى له ، وأنه ربح حب صحابته بسهولة ، وأنه غير التاريخ إلى الحد الذى رأيناه ، فكل ذلك يدل على أنه أكثر من عربى مثالى . لقد كان يمتلك نوعا من الجدية ، والشفقة ، والروحانية ، والتى يصعب علينا أن نجدها فى أنفسنا . ولكى نتأكد من ذلك ، فهو كان حازما فى تطبيق شرع الله بسرعة شديدة وبنزاهة تامة . وحينما أراد أحد الصحابة أن يشفع لامرأة سرقت ، قال قولته "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" . وعلى العكس ، ففى حالة وجود مجال لشك بسيط أو عذر أو مخرج للعفو ، فإنه يمسك به ، كما أعطى الزانى ثلاث فرص ليسحب اعترافه بالزنا وكما أعلن عفوه العام حينما دخل مكة منتصرا .
لقد كانت لديه عليه السلام الحساسية المفرطة فى كيف يرفع من معنويات من حوله ، وكيف يجعلهم يتواضعون ، بما فى ذلك نفسه ، وبمنتهى الأمانة . فبعد الإنتصار فى غزوة حنين وجد الأنصار فى أنفسهم عليه ، فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء .
قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .
قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم .
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من (5/ 177) الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم !
قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟
قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل .
قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم .
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا .
وبعد ثمان سنوات ، هذا هو تصورى عن محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد أصبح جزءا منى . فإذا كانت زوجاته هن أمهات المسلمين ، فربما يكون الرسول هو أبا لهم . هذا على الأقل بالنسبة لى ، والكلمة الوحيدة المناسبة والتى ترمز لحقيقة المشاعر المشتركة ، والإحترام والرهبة والحب هى أنه "رسول الله" .
"مداخلة : كلما توقفت عند هذه اللفتة بعد الإنتصار فى غزوة حنين ، أبكى ولكن ليس كبكاء الأنصار !!! بكاؤهم كان لأن طبيب القلوب عليه الصلاة والسلام عالج نفوسهم وقلوبهم وواساهم ، وبكائى للعظمة والرحمة المهداة التى ألمسها عبر التاريخ من تداعيات هذه الواقعة ... فالسياحة الدينية لمدينة رسول الله ، مستمرة منذ ذلك الحين لليوم !!! سمع عليه السلام بما يردده الأنصار ، فلم يتركهم لأنفسهم والشيطان ، بل دعاهم وحاورهم ندا لند وهو من هو وهم من هم ، تواضعوا فى القول قائلين لله ورسوله الفضل والمنة ، وهذا صحيح ، ولكنه واجههم بما ينفثه الشيطان فى قلوبهم ، وقال لهم ، بل يمكنكم القول فتصدقوا ويصدقكم الناس تقولون كذا وكذا ، ثم يفتح بصرهم على حقيقة هذه الدنيا ، العرض الزائل وفضل الله سبحانه وتعالى الباقى . شاة وبعير ، وهدية من الله لهم ، هو نفس الرسول عليه السلام ، يحفظ بركة مدينتهم حيا وميتا ، نور ورحمة وهدى يرجعون به لمدينتهم ، فيقبل الناس وفودا عليها ليتعلموا من رسول الله وليتلقوا الدين على يديه ، وبعد موته ، هذا هو الحجيج الذى لا ينقطع عن مدينة رسول الله يوما واحدا فى العام ، فأى جمال بعد هذا الجمال ، وأى عظمة نالها أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن لفظوا لعاع الدنيا وراء ظهورهم ؟؟؟ ...... بالله عليكم دلونى على رجل واحد فى التاريخ كان بهذه العظمة ، وأليست هذه المواقف هى عبرة للحكام وكيف يتعاملون مع رعاياهم ؟؟؟ ".
(29)
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
الأمة :
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {103} سورة آل عمران
كنا فى نقترب من نهاية الصيف ، وكان على الذهاب للكلية للمرة الأولى . جلست فى ساحة المدرسة بجوار السور منتظرا فريقى ليلاعب الفريق الفائز فى منتصف الدورى ، عادة ما يكون هناك حوالى خمسون مشجعا من المدرسة الإيطالية "شريدان" ، ولكن هذه الليلة لا يوجد إلا حوالى عشرة طلاب فقط . تقدم إلى ولد أسود على دراجة قائلا "يستحسن أن تذهب لبيتك جيف ، ستكون هناك مشاكل الليلة" .
لم أكن فى حاجة إلى مزيد من الإيضاح . فمنذ ثلاثة أيام مضت ، هاجم عدة شباب من جوارنا مراهق أسود انتقاما للشرف ، حيث أنه فى إحدى الليالى تم القفز على شاب منا وكسرت أنفه . إنه الدور علينا لنقابل هذا الإنتقام ، وبعد ذلك يعاد الدور عليهم ، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية . ولم يكن فى مقدورى الهروب من كل ذلك .
ربما كانت منطقة حينا بصفة دائمة منطقة للنفايات التى تلقى من فضلات مجتمعاتنا الشديدة الجشع والإهمال ، تعبيرا عن رفضهم وخوفهم من عنف وغضب أطفال مدينتنا ، الذين تعزلهم أمتنا بدلا من أن تحتويهم وتصحح مسارهم ، وذلك لإعتبارات اقتصادية . لقد سمعتهم عدة مرات يقولون بأن هؤلاء الأطفال مجرمين . ونتيجة لذلك ، ما هو المحتمل الذى سنجده ؟؟؟
لقد سرقت منهم طفولتهم ، وسلبت منهم براءتهم ، فأدى هذا الإهمال إلى خشونتهم . لابد أن يدفع أحد ثمن ذلك !!! كم من المرات يوجهنا القرآن الكريم للإهتمام بحاجات اليتيم ، وحاجات الفقراء ، وحاجات الأطفال بلا عائل ؟؟؟
فى عجالة حاولت أن أتكلم مع أحد زملائى عن نتيجة الحرمان ، ولكن الأمر كان متأخرا جدا . فقد حوصرت ساحة المدرسة بواسطة الأسيجة والحوائط من الشباب الأسود الشجاع والذى يزيد عددهم عن المائة شاب . الفكرة فى مثل هذه الحالات هو أن تحاول أن تتفوق على الجانب الآخر وتفاجئ أعضاؤه . لقد أخطأنا فى هذه الليلة . أتلفت عدة سيارات وتعطلت عن العمل أمام الملعب ، كسرت أبواب السيارات وفتحت صناديقها . وسمعنا صراخا فى الظلام "لقد حصلنا على التيران ونحن نعلم كيف نستخدمها" .
الأسلحة فى قبضة أيادى عصبية ، والمسدسات تلمع تحت أضواء الشوارع . فى مثل هذه الأوقات ، الخوف ليس هو الكلمة الصحيحة ؛ الرعب والصدمة هما أقرب لتصوير الموقف . أنت لاتفكر فيما سيصيبك من أذى الآن ، ولكنك تعتمد على أحاسيسك . لم يكن ذلك الوقت مناسبا للفرار ، حيث أن الفرار المبكر قد يكون شرارة لتصرفات عصبية قاتلة . لقد تحلقنا حول شبكة كرة السلة . . فقد ينتهى كل شئ بسرعة .
الفورمان جاكسون ، ضحية إعتداء الأسبوع الماضى ، ذهب إلى باحة المدرسة مشيرا إلى مهاجميه "هؤلاء هم ، هذا ، وهذا ، وهذا" .
لقد كان تحكيمه دقيق وصائب . صراع المدن عادة ما يكون كفؤا . لا فائدة من أن تكتسب أعداء جددا وثارات متعاقبة . ولكن كم كان كل ذلك غريبا !!! فأتذكر كيف أن هؤلاء الأولاد أنفسهم ، الذين كانوا سيواجهون حكمهم ، منذ عدة شهور سابقة استهدفوا ساب يهوديا من الجوار وأوسعوه ضربا وركلا ، وتركوه على الأرض فى الثلج ، يصرخ متوسلا بينما هم يثرثرون ويستهزؤن به . ويقولون أن المرء يحصد ما زرع .
اتجه الفورمان ناحيتى . إنني اعرفه منذ الصف الرابع ومنذ ذلك الحين كان دائما مشكلة. الأطفال عادة ما يكون بينهم ألفة طبيعية وجاذبية ، ولكننا فى الصف الرابع بدأنا نشعر بالحواجز تحجز بعضنا عن بعض . بشكل ما فقد رأيت فى وجهه كأنه ابن الحادية عشر الذى لا أكاد أعرفه ، ولا أعرف ماذا رأى هو فى .
"هو على صواب" .
تراجعت ببطء للخلف متخذا طريقى للمخرج الوحيد .
دينيس ولد آخر برئ ، تبعنى ملتصقا بى . الجمع أفسح لنا الطريق للخروج . لم يرغب أحد فى البقاء هناك . علينا أن نتغلب على كل أنواع المقاومة ونغلب الشفقة فى مثل هذه المواقف ، ولنحفر عميقا مرة ثانية فى مخزون الوحشية . قد يكون هذا الشعور يسير ، ولكنه يحتاج إلى تدريب وممارسة .
حينما خطوت خارج البوابة ، التفت خلفى لأرى تموجات بشرية فى حركة راقصة ، كأنها نسيم يتخلل أعشاب طويلة ، وهم يتهيؤن لإتخاذ موقع . حينئذ سمعت صوت تصفيق عال ، وفى ثوان ، حدث إعصار غاضب عنيف ، ترك أجساما ملقاة على الأسفلت الحار بساحة الملعب . جريت -- مثل كل شخص آخر جريت . جرينا متفرقين . من الشرطة ؟؟؟ من الألم ؟؟؟ من الرعب ؟؟؟ من يعرف ؟؟؟ كلنا جرينا !!!
هذا المساء ، وأمسيات أخرى وأيام مشابهة ، ظلت تتردد على ذهنى وأنا استمع إلى "عبد العليم موسى" فى خطبة له للطلاب المسلمين فى جامعة سان فرانسيسكو . عواطف متضاربة -- انعكاسات تعلمتها -- كانت تراودنى وأنا استمع للخطيب . كان طويل القامة ، قوى ، أمريكى أسود ، ذكى ، سريع البديهة . منذ عشر سنين مضت ، كان يعتبر خصما خطيرا . لقد قيل لى ، بأنه كان عضوا فى "النمور السود" وقد سجن لهذا السبب . ومن الصعب أن ترى ذلك فى هذا الرجل أمامك الآن ، الذى يحمل بين طيات نفسه السلام له وللآخرين .
وفى خضم "سؤال وجواب" ، سئل : "هل تشعر بأن الإسلام قد أثر فى حياتك ؟؟؟" .
تغيرت ملامحه ، وكأنه يتعجب أو غير راض عن السؤال ، وذلك يشبه تردادى لطالب ما معلومة للمرة العاشرة !!!
"الناس لا يدركون الحقيقة -- لا يعتقدون فى قوة الإسلام" ، قال ذلك وهز رأسه . ثم أشار إلى وإلى جرانت ، على الجانب الآخر من الغرفة وأعلن : "الحقيقة الكبرى ، أن هؤلاء الرجال البيض يجلسون مع الرجال السود بعضهم مع بعض سواسية ، (مشيرا للمسلمين الأفارقة والأسيويين الذين اصطحبهم من أوكلاند) ، يجلسون كأخوة ، بينما كنا من عشرة سنوات مضت يقتل بعضنا بعضا فى الشوارع ، ألا يدلك هذا على مدى قوة الإسلام فى التأثير فى الحياة ؟؟؟ !!! .
كان كأنه يقرأ أفكارى !!!
مشى "عبد العليم" نحوى بعد البرنامج ومد لى يده . ولا أتذكر آخر مرة شددت فيها على يد رجل أسود ... أعنى مصافحة حقيقية بدفء وحب . هل حدث لى ذلك ؟؟؟
"مداخلة : نعم نعم نعم لهذه الحقيقة المجسدة ، وصدق الله العظيم (....... وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً .........)" .
لقد كان الصراع عميق وأليم ، أليم لأنه يتتبع أثار جراحنا فأولا يجب علينا انتزاعها ثم مواجهتها مرة ثانية . وهذه الآلام التى تعودنا عليها ... وكثيرا ما كنا نعتمد عليها ... من الصعب أن ننساها .
فى هذا الوقت ، كنت قد أشهرت إسلامى منذ حوالى شهر واحد . ولقد تعلمت الكثير والكثير من "عبد العليم" خلال السنوات الخمس التالية والتى قضيتها فى سان فرانسيسكو . على كل حال ، فالدرس العميق الذى تعلمته منه ، هو أخوة الرجل .
تتلقى الجالية المسلمة بمنتهى الفرح خبر مسلم جديد ، بالضبط كما تتلقى العائلة نبأ مولود جديد . المقارنة جاءت من أن المسلم أو المسلمة الجدد تمحى ذنوبهم السابقة وتصبح أرواحهم نقية كالثلج طاهرة كيوم ولدتهم أمهاتهم . كان أحد أصدقائى المسلمين يردد لى ، كم أنا محظوظ إلى درجة غيرته منى . العواطف الفياضة تغمرك فى بعض الأوقات ، ومساعدات الجالية الإسلامية تعينك على سهولة الإنتقال للدين الجديد بنجاح .
كما يحدث للطفل ، فمعتنق الإسلام الجديد يمطر بالنصائح والملاحظات والتعليمات . يقوم بتبنيه (هو / هى) إحدى الأسر ويحصل على أخوة وأخوات جدد من ثقافات مختلفة ، من كل أنحاء العالم مثل العربية السعودية ، باكستان ، ماليزيا ؛ وحتى من الدول العدوة ، كإيران والعراق وليبيا وفلسطين ، ومن أنحاء أخرى غير معروفة ، كمالى ، وتنزانيا واليمن ونيبال . ويبدأ المسلم الجديد بالتعاطف مع انتصاراتهم وآلامهم ، وأحلامهم ، وتصبح كأنها انتصاراته وآلامه وأحلامه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه أن المسلمين كالجسد الواحد : ولذلك فحينما اغتصبت الأراضى الفلسطينية ، أو حدث زلزال مات فيه الآلاف بإيران ، أو أن المسلمون قتلوا بأفغانستان ، فكل المسلمون شعروا باالألم والأسى وذلك لأن "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ............" {10} سورة الحجرات ولأن "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ........." {71} سورة التوبة . هذا الشعور التبادلى بين المسلمين هو تطبيق لتوجيهات الرسول عليه السلام "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " و...... "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" و...... "انصر أخاك ظالما أو مظلوما . فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه ، من الظلم فإن ذلك نصره "
لقد عرف الإسلام طويلا بأنه دين المساواة ، ويرجع علماء الغرب انتشاره فى الدول الإفريقية لذلك السبب . فعند دخولك فى الأمة تكتشف بأن المعايير التى تطبق عليك هى نفس المعايير التى تطبق على الجميع ، لا على المسلم فقط بل على كل البشرية : "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}" سورة الحجرات
تلخص هذه الآية الكريمة عالمية الإسلام باختصار . وتبدأ ... كما يحدث فى القرآن الكريم ... مخاطبة البشرية كلها . معلنة "يا أيها الناس" والتى تظهر فى القرآن خمسة وعشرون مرة وتعنى أن النداء لكل البشر . الجزء التالى من الآية يشير إلى المساواة الضرورية بين الناس ، سواء كانوا رجالا أم نساء . يذكر لنا القرآن فى مواقع كثيرة ، أن فى مجال الأسرة والأقارب المقربين فرص للنمو النفسى والروحى . الآية التالية تعطى لنا الفكرة وتنبهنا إلى أن الإختلاف فى خلق البشرية هو مجال للإختبار فى العدالة والحب والتعاطف مع أولئكم الذين يخالفونا فى الخلقة "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ {22} سورة الروم
ولقد كانت هذه المفاهيم هى تحدى واضح للوثنيين المعاصرين للرسول ، بمكة وشبه الجزيرة العربية ، لأنهم كانوا يتفاخرون بآبائهم وأنسابهم . ففى موسم الحج السنوى قبل الإسلام ، كان الشعراء يجتمعون لإعلاء أسماء آبائهم وعظمة عشائرهم وسلالاتهم ، لهذا فقد نزلت آية سورة البقرة رقم 200 لتحد من غلوائهم وتذكرهم بعظمة الله سبحانه وتعالى . القاعدة هى أن الكرم يعتمد على التقوى ، أما الإختلافات العشائرية والعنصرية والقومية واللغوية فليست أسبابا للتفرق والكراهية بين المجموعات البشرية ، هذه القواعد لاشك كانت سببا فى نفور المشركين من الإسلام لأنها تحطم ممارساتهم السابقة التى تعودوا عليها .
ولذلك حينما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب (وهو اسم المدينة المنورة حين الهجرة) وتأسيسه للمدينة المنورة كان فى ذلك تهديد خطير للمشركين ، لأن النظام العشائرى والنظام العادل لا يجتمعان .
الصراع فى مكة بين المسلمين والمشركين كان صراع كلام وإرادات ، حيث أن الرسول وأتباعه كانوا محاصرين ومضطهدين من قريش . ولكن حينما التقى الفريقين بعد سنتان من الهجرة فى معركة بدر ، واجه الإبن أباه وأولاد العمومة بعضهم بعضا وأبناء الخالات كذلك ... شئ لا يتصور فى مجتمع القبيلة ... وقد انتصر المسلمون بالرغم من أن عددهم كان ثلث عدد الكفار . وحينئذ أيقن كل العرب فى شبه الجزيرة بأن رياح التغيير قد هبت عليها .
بالنسبة للمسلمين ، فالمجتمع الإيمانى هو حيث تطبق مبادئ الإسلام العادلة عمليا ، حيث أولئك الذين تعهدوا بالمشاركة العالمية ... من ناحية الإيمان ، والحكومة ، والقانون ... وترجمتها إلى نظام إجتماعى سياسى . والمهم أن نعلم بأن اهتمام الإسلام لا يقتصر فقط على أتباعه ، بل يمتد للبشر كلهم . ومن المهم أن نلاحظ أنه حينما يتكلم القرآن عن الصدقات للمحتاجين وكفالة اليتيم والأرامل وإقامة العدل والدفاع عن المضطهدين ومساعدة المعوزين ، لايذكر شيئا عن عقيدتهم .
( 30 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
الآية رقم (1) التالية تصف الأمة الإسلامية "خير أمة" :::
(1) - كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110} سورة آل عمران
(2) - وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً {75} سورة النساء
والآيات التالية يصف القرآن الكريم الإنسان بأنه خليفة الله فى الأرض ، وأن يعتنوا بالتعساء والمعوزين (راجع المداخلة المذكورة بعد الآيات) :::
(3) - وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30} سورة البقرة
(4) - وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165} سورة الأنعام
(5) - ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {14} سورة يونس
(6) - أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {62} سورة النمل
(7) - هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً {39} سورة فاطر
(مداخلة : ذكر المؤلف أرقام الآيات السابقة من 3 - 7 ، ولم يذكر نص الآيات ، ونظرا لإيرادى لهذه المداخلة فاضطررت لذكر نصوص الآيات حتى يتضح المعنى الذى أريده ، الخلافة كما وردت بالآيات من رقم 4 إلى رقم 7 ، تدل بوضوح أن المقصود من الخلافة هو خلافة البشرية جيلا بعد جيل ، تناسل ثم موت ليأتى جيل آخر يخلف سابقه ، وهذا ما ذكرته التفاسير ، ولا دلالة فيها على خلافة الإنسان لله فى الأرض ، أما الآية رقم 3 ، فيقول البعض إنها خلافة الإنسان لله فى الأرض ، وهذا غير صحيح لسببين ... السبب الأول قول الله سبحانه وتعالى للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ، فكلمة خليفة هنا يجب أن يرجع فيها إلى الآيات السابقة وتفهم فى سياق باقى القرآن الكريم ، ولا توجد آية واحدة تدل على خلافة الله فى الأرض ... السبب الثانى ، وهو أن الملائكة فهمت المعنى الصحيح من الخلافة ، إذ لو كانت قد فهمت أنها خلافة الله فى الأرض ، لما قالت "..... أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ........" ، لأن حسب المفهوم الخطأ يكون الإنسان مقدسا ويمثل صورة لله سبحانه وهذا يتعارض مع الفساد وسفك الدماء ، ولا يصح أن تقول به الملائكة تأدبا مع الله لو كانت قد فهمت معنى الخلافة بأنه عن الله) .
وأعمدة الإسلام الخمس التى تجسد الشعائر الإسلامية ، توحد بوضوح واجب البشرية نحو الله سبحانه ، كما تحدد الإلتزامات الفردية نحو المجتمع . فالشهادتان بالإيمان بالله ورسوله التى لابد أن ينطق بها المسلم ليعتبر مسلما ، تشكل أيضا أكثر من إعتبارها مدخلا للإيمان ؛ فهى عملية سياسية - إجتماعية بالإلتزام ، ومن ثم يجب أن يشهد بها أمام شخصين من المجتمع المسلم . كما أنها تمثل قبول المسلم بالوحى الإلهى وبخلافته على الأرض (أرجو مراجعة المداخلة السابقة) . والزكاة ، عادة ما يطلق عليها "ضريبة الفقراء" ، وتتكون من جزء محدد من ثروة المسلم تدفع سنويا لأصناف معلومة من المحتاجين . والقيمة الإنسانية وراء هذه الفريضة واضح . وصيام شهر رمضان من الفجر لغروب الشمس ، والإمتناع عن الطعام والشراب والجماع ، يخلق شعور الوحدة بين المؤمنين . وهناك غرض آخر : وهو أن ذلك يدعم من الشعور بحاجة المعوزين والفقراء ، وبذلك يتحول التعاطف إلى عمل . هذين المثلين فيهما الكفاية .
فى رمضان المنصرم ، كنت أسير فى الطريق فسمعت أحدهم ينادينى من سيارة مارة وكان أمريكى مسلم ، "كيف حالك ياجيف مع الصيام اليوم ؟؟؟" ، الحقيقة أن اليوم كان حارا وصعبا ، فقلت "أنا منغمس فيه I'm hanging in there" . وحينما انطلق بسيارته عقد بين اصبعيه خارج زجاج النافذة ، مما أعطانى دفعة قوية عاطفية وجعلنى أشعر بالقرب ليس فقط لأخوانى المسلمين حولى بل لجميع مسلمى العالم الصائمين ، فقد ذكرنى هذا بالملايين فى أنحاء العالم الذين يشاركونى فى الصوم فى هذا اليوم .
وفى يوم من أيام رمضان آخر ، استغرقت قليلا فى النوم فاستيقظت وقد فات وقت السحور . وكان معنى هذا أننى سأظل بلا طعام وشراب لمدة 24 ساعة . وبالرغم من هذا ليست نهاية العالم ، إلا أن الوضع صعب خصوصا فى يوم عمل مرهق وحار . وفى حوالى الساعة الخامسة بعد الظهر بدأت فى الشعور بحساسية فى المعدة وبصداع فى الرأس . وفى الساعة الثامنة ، أى قبل موعد الإفطار بساعة شعرت بغثيان وضربات فى الرأس من الصداع . وأخذت عيناى فى الإحتقان ، كما لو أن أحدا يضغط عليها برباط . حاولت الرقاد وأخذ سنة من النوم فى الوقت المتبقى للإفطار ولكن الوضع كان غير مريح . وكان من الصعب أن أفتح عينى كما أنى لم أستطع النوم . وفى النصف ساعة المتبقية ، أخذت أحسب كل ثانية . وأخيرا وصلنا للساعة 9:15 مساء موعد الإفطار ، ولكنى لم أستطيع الأكل ، فقد كنت مريضا جدا .
أحضرت لى زوجتى كأسا صغيرة من الحساء الخفيف ، وبدأت أرتشفه قليلا قليلا . وبالتأكيد بدا الصداع ينقشع ، وعادت معدتى لطبيعتها ، وبالتدريج زال الألم من عينى . وبعد دقائق شاهدنا فى التلفزيون صور عن المجاعة فى أثيوبيا والصومال . هذه الصور ذكرتنى بالأفلام التى رايناها عن المحرقة اليهودية .
فكرت كيف كان من السهل أن أنهى عذابى ، بينما الرجال والنساء من عمرى يعيشون طول الوقت فى عذاب دائم بلا حل فى الأفق أمامهم ، ويون أطفالهم أمامهم عراة ضامرة بطونهم منتفخة ، مليئة بالقروح يرفسون الأرض المتربة بضربات ضعيفة . ربما شعرت فى هذه اللحظة بما أنعم الله على ، ولكنى رأيت معاناتهم التى لم أنجح فى واحدة منها .
لقد غيرت فريضة الحج إلى مكة حياة كثير من المسلمين . وربما يكون أكثر الأيام تأثيرا ، هو يوم عرفة حيث يجتمع كل الحجيج فى صعيد واحد بوادى عرفة . يلبسون زيا واحدا لا يفرق بينهم ، يتكلمون بمئات اللغات المختلفة ، مكرسين أنفسهم لدينهم وللإنسانية . يوم يذكر بيوم القيامة يوم الحساب ، حينما تبعث كل البشرية قديمها وحديثها ليوم الفصل ليروا أعمالهم فى هذه الدنيا حسنها وقبيحها . ولقد كان الحج نقطة تحول عظيمة لـ "مالكولم إكس" ، والتى عبر عنها فى الكلمات التالية :::
"فى الأسبوع الماضى ، أصبحت فى ذهول لا أتكلم وانعقد لسانى ، من الحفاوة والمظهر الذى أراه حولى ومن البشر من جميع الألوان .... ربما تصاب بالدهشة مما يصدر منى من كلام ، ولكن ما رأيته فى هذا الحج وما خبرته ، قد أجبرنى على إعادة تقييم استنتاجاتى السابقة .... ربما لو أن الرجل الأمريكى الأبيض قد تقبل وحدانية الله ، ربما كان يتقبل أيضا حقيقة وحدة البشرية ، وكان يتوقف عن القياس وعرقلة وإيذاء الآخرين نتيجة "الإختلافات فى اللون" ... كل ساعة أمضيتها فى الأرض المقدسة "العربية" أعطتنى نظرة روحية داخلية ، أقارن بها ما يحدث بأمريكا بين البيض والسود" .
العمود المتبقى من أعمدة الإسلام الخمسة هو الصلاة . وبالرغم من أن الصلاة الفردية مقبولة ، إلا أن صلاة الجماعة تفضلها ولها الأسبقية . وبالطبع فالصلاة المشتركة كما قرر يسوع فى الإنجيل ، يمكن أن تؤدى للتظاهر بالتقوى ويمكن أن تؤدى بلتقوى فعلا . وقد حذر القرآن الكريم من النفاق كما جاء بالآية
"إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً {142} سورة النساء" ، وكما جاء بسورة الماعون .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أتباعه بأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرون مرة من صلاة الفرد ، وهذا تقرير يؤكد على قيمة الترابط فى المجتمع .
يقف المصلون فى جماعة فى صفوف منتظمة ، مترابطين الكتف بالكتف والقدم بالقدم وذلك فى بداية الصلاة ، وتتكون الصلاة على أمور رتيبة تتكرر فى دورات من الوقوف والركوع والسجود والجلوس على الأرض بشكل معين . وفى الركعتين الأول فى صلاة الفجر والمغرب والعشاء ، يقرأ الإمام قراءة جهرية ، أما فى صلاة الظهر والعصر فتكون القرآن للقرآن سرية ينفرد بها كل مصل لنفسه .
وعادة ما تكون حركات المصلين فى الركعة الألى غير متزامنة ، ولكنها تأخذ فى التزامن بعد ذلك فى الركعات التالية ويحدث انسياب فى الحركة ويظهر المصلون كأنهم منقادون لأوامر الإمام ، وبذلك تظهر وحدةتهم فى التوجه والهدف والعمل . الخبرة تشبه التنويم المغناطيسى للتوحد . وينهى المصلون صلاتهم بالتحية عن اليمن وعن الشمال . لهذا فالصلاة الإسلامية ، هى تمجيد وإجلال وحشد وترتيل جميل ، وتعليمات ، وحركات ، وإيقاعات حركية ، وطقوس ، كلها تشد المؤمن فى البداية إلى المظهر الخارجى ، ثم تنقله إلى إلى داخله ومناجاة الله سبحانه وتعالى ، ثم الخروج من الصلاة لتحية من عن يمينه ومن عن شماله . فى الحقيقة ، فإن هذا الإيقاع الغير صوفى "mystical converse" والذى يعتمد على ترابط الجماعة يتحقق من هذه الحركات المتزامنة .
أحد الطلاب المسلمين الذين أعرفهم بسان فرانسيسكو ، وجد أن هذه الطريقة فى الصلاة تؤدى إلى التشويش . قائلا لى "لماذا نصلى بهذه الطريقة متلاصقين بعضنا ببعض ؟ ها أنا أريد التركيز فى صلاتى مع الله ولكنى أنشغل دائما عن ذلك بحركات من هم جوارى عن اليمين والشمال" .
قلت له ، بأنك ها قد وصلت إلى ملاحظة هامة تكشف هدف الإسلام من ذلك : فأنت حتى فى الإنغماس الكامل فى عبادتك لا تنسى مجتمعك ولا تنسى جارك عن اليمين والشمال . وبعبارة أخرى ، فإن حياتك الشخصية وحياتك الروحية لا تنفصمان وفى هذا خلاصك فى الدنيا والآخرة .
حاليا هناك أبحاث كثيرة نشرت فى الغرب ، عن أسباب "الصحوة" الإسلامية الجديدة ، محاولين التوصل لأسبابها .
تأثير الحداثة ، والإستعمار ، والإستعمار الحديث ، والإنهزامية وتفكك الإمبراطورية العثمانية ، وسخط المسلمين فى العالم الثالث ، هى عوامل فى بعث هذه الصحوة . لاشك أن لها دخل فى ذلك . وهذه الصحوة الإسلامية العالمية قد أججت معظم الشباب المسلم ، الذين كان الممارسات التاريخية أعلاه هى جزء من تجارب الماضى البعيد فى بلادهم . ولكى نفهم هذه النداءات بإقامة دولة إسلامية ، فيجب أن نعرف بأن المراكز والمساجد والمؤسسات الإسلامية فى الولايات المتحدة وأوروبا تحضضن هذه الدعوة وتغذيها .
وإذا استمعنا إلى خطب الجمعة ، نجد فى صلبها النظرة القرآنية لوحدة البشرية تحت وحدانية الله سبحانه وتعالى . المؤمنون فى هذه المجتمعات الإسلامية ، من بقاع شتى وثقافات مختلفة ، يتعاونون لبناء الحياة الإسلامية فى الغرب . وقد تنشأ توترات لاختلاف الرؤى فى تنفيذ هذا ، ويظهر على السطح أثار ذلك من حين لآخر . ولكن مازال الترابط موجود والأخوة الإسلامية قائمة ، وأقوى من كل هذه التوترات والقوميات والعوائق الثقافية . وجميع المسلمين يون أن الوحدة الإسلامية من الممكن أن تتحقق ، وأن الفرصة مواتية لذلك أقوى من عدة قرون مضت .
وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10} سورة الحشر
يتبع
فارس الغربيه
2011-07-29, 09:58 PM
( 31 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
الأسرة :
خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي "صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام"
"لن أدعك تموتين من الجوع أماه . أنا أعرف أن كنساس ليست جنة ، ولكنك دائما تستطيعين الحضور والمعيشة معنا" .
لقد وجدت أنه من المحرج أن أخفف عن أمى على التليفون . التخفيف عن الآخرين كان دائما من طباعها . لقد رأت زوجها وخمسة أبناء وهم يمرون فى ظروف صعبة قاسية . ومن حين لآخر كانت تحمل على كتفيها كل قلقنا وفشلنا ، برحمة وعدم يأس وتضحية بالذات . وربما لأول مرة ، بعد أن بلغت خمسة وستون عاما ، أشعر بأن هذه المرأة التى كانت حيوية ونابضة ، يحمل صوتها شعورا باليأس .
"أماه !!! لابد أن تعرفى وتتأكدى أننا نحبك" .
فترات الصمت كادت تقتلنى ، وددت أن أسمع منها أى شئ .
"نحن أبنائك يا أماه ومن واجبنا الإعتناء بكم الآن . والأكثر من ذلك أنتم هدية لنا من الله سبحانه وتعالى ، وقد منحنا الفرصة لمساعدة من نحب " .
كنت أستمع الآن إلى صوتها خافتا . لقد كانت تبكى ، يا للعذاب !!! بكاء صامت تحاول أن تخفيه ، هذه الأمطار من الدموع التى أحس بأنها تغطى شفتيها ، كانت تؤلمنى وتقطع نياط قلبى .
"يجب أن أذهب الآن يا بنى"
"أحبك يا أماه"
"أعرف يا بنى أنك تحبنى"
لقد كانت أمى مشفقة على أن تصبح عالة على أبنائها الخمسة ، ولذلك كانت حريصة على ألا تبكى أمامهم . كانت ترتعب أن تصبح فى يوم من الأيام عالة على أبنائها .، قائلة "أنتم لكم عائلاتكم الآن" .
فكنت أجيبها "ولكنك أنت أيضا جزء من العائلة" ، "هل تربية خمسة أولاد لا يقابلها شئ ؟؟؟" . أعتقد أن الوضع بالنسبة لأمى ، ليس فقط فى الإعتماد علينا ماديا ، ولو أن ذلك فى حد ذاته يكون مشكلة مخيفة عند البعض ، ولكنه من الواضح أن أباءنا هم الآن فى أشد الحاجة لنا . ويجب أن نعترف بأنها دخلت مرحلة العالم المخيف ، من الضعف الواضح ، وعدم القدرة على شئ ، والوحدة القاتلة ؛ ولا تعرف كيف تسير حياتها ، وتفكر وتتحرك ببطء .
تعرف أمى محنتها أكثر من معرفة الآخرين بها . لقد عملت أكثر من عشرون سنة ممرضة فى وحدة صحية ، فى دار للمسنين (ونحن لا نجد كلمة رقيقة تصف وضعهم تناسب السمع) . كانت هذه الدار تخدم الأثرياء ، ومع الوقت يتحول قاطنيها إلى المستشفيات ليقضوا أواخر أعمارهم ، ليس هناك الكثير لتكون الحياة فيها ممتعة . وأكيد فقد كان الممرضات يفعلن كل ما يمكنهن ، ولكنهن لم يكن يستطعن إزالة شبح الموت الجاثم على الصدور والقريب من القاطنين ، والأكثر من ذلك ، لم يكن يستطعن أن يكن بديلات للأسرة التى لا تأتى لزيارة المرضى .
كان والدتى تذكرنا من حين لآخر عن المصير المرعب للوحدة القاتلة الذى يواجهه المرضى وكذلك كيف يواجهون الموت بأنفسهم ، وأنها كانت تدعو الله أن يكون موتها كموت والدها واقفا على قدميه وهو يعمل بكامل قوته . ولكن صحتها الآن قد اعتلت ، وقد نصحها الأطباء بعدم العودة للعمل .
أبى الآخر قد أجبر على التقاعد . ويعتمد أبواى الآن على الضمان الإجتماعى ، ثلثه يضيع على الضرائب العقارية ، والمبالغ البسيطة التى تصلهم من أبنائهم الخمسة . بفكر أبى فى بيع المنزل الذى عاش فيه أربعون سنة ، ولكن أمى لا توافقه على هذا الكابوس المخيف . "أيامهم الذهبية" أختزلت الآن فى صراع يومى للبقاء ، وهم فى تمام الوعى أن إذا احتاج أحدهم إلى رعاية طبية ، فسيختفى ما تبقى لهم من أموال .
الثقافات الأكثر فقرا من ثقافتنا ، تتعامل مع المسنين باحترام وتقدير أكثر مما نفعل نحن بهم . بالطبع ، فالعامل الإجتماعى والعامل الإقتصادى ، عنصران يدخلان فى تقييم الموضوع . فى الثقافات القديمة ، فالترابط الأسرى وشعور أعضاء الأسرة بالمسئولية تجاه الآخرين كان قويا . تفتت وحدة الأسرة والذى بدأ بالغرب ، ثم أصبح حقيقة عالمية ، كان أثرا لا يمكن تفاديه نتيجة التحول الإجتماعى بالمجتمعات الصناعية . ولكن هذا التغير الطبيعى والضرورى ليس هو كل السبب فى المشكلة الحزينة التى يواجهها المسنين ، وكذلك ليس هو كل السبب فى التفكك العائلى فى الغرب .
علينا أن نتنازل الأنانية والجشع القديم .
آباء المتحولون للإسلام بأمريكا كثيرا ما يكون لديهم تحفظات عدة على أبنائهم بخصوص هذا التحول ، ولكن الجانب الإيجابى فى هذا التحول ، فهم يلاحظون أن علاقتهم وحدب أبنائهم عليهم صار أقوى بعد اعتناقهم للإيمان الجديد . فى الحقيقة ، بعد تحولى للإسلام ، كان زملائى المسلمين ينصحوننى بالبر بأبوى .
لقد كان ذلك أكثر من مجرد إلتزام ثقافى تقليدى ، ولكن كما ذكر فى أماكن كثيرة من قبل ، فإن صلة ذوى الرحم مؤكد عليها كثيرا فى الإسلام . هذا الإرتباط الأساسى المطلوب لأعضاء الأسرة ، يشمل الأجداد ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، وهذا يؤدى إلى وحدة المجتمع ، وهناك من النصوص الكثير فى الشريعة الإسلامية التى تشير إلى ذلك . وبالرغم من أن الحكومات الإسلامية قد تتغاضى عن بعض قوانين الشرع الإسلامى ، إلا أن الشعوب الإسلامية ما زالت تتمسك بهذه القيم وتدعمها .
يقال عن قيم المجتمعات الحديثة بأنها تتجه إلى الشباب ، الطعام ، الموسيقى ، الفن ، الإعلانات ، وأشياء كثيرة أخرى موجهة لهم . وهى تحاول مواكبة آخر هذه النزعات الموجهة للشباب ، لتكسب من وراء ذلك الطاقة الوفيرة ، والمرونة والحيوية . كل ذلك لا شك يصب ويزعج الثقافات التى تعتمد على المتوارث ، وبالذات الثقافة الإسلامية ، والتى لا يمكن تصورها كثقافة شبابية ، على الأقل بالصورة التى ذكرتها من قبل .
وكيد أن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بداية الدعوة هم من الشباب رجالا ونساء ، معظمهم فى العشرينات من عمرهم ، وقد نزل القرآن الكريم ليلوم بشدة الإتباع الأعمى للثقافات المتوارثة والمدمرة ، كما جاء فى هذه الآيات :::
(1) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ {170} سورة البقرة
(2) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ {104} سورة المائدة
(3) وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {28} سورة الأعراف
(4) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ {53} قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {54} سورة الأنبياء
(5) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ {21} سورة لقمان
هذه الثقافات والعادات كانت متجذرة فى النفوس ، وحكمة الرسول عليه السلام وصحابته الكبار كسيدنا أبو بكر وعمر وعثمان ، كان لها الأثر البالغ فى تغيير نفوس باقى المسلمين ، ونجاح الدعوة الإسلامية .
وعلاوة على ذلك ، فقد وضع القرآن الكريم الحكمة وتصحيح المتوارث ، حيث ربط رسالته برسالة الأنبياء السابقين فى التاريخ . الإسلام قد ألغى ممارسات ثقافية سابقة متوارثة ، كوأد البنات والربا وشرب الخمر ، كما أقر وعدل بعض الممارسات القديمة (وكمثال ، مناسك الحج ، تعدد الزوجات ، الطلاق ، وقوانين المواريث) ، كما أضاف أمورا أخرى . وفى هذا المجال ، معاملة الكبار بالحسنى وتوقيرهم ، خصوصا الآباء . وكما فى الأديان السماوية الأخرى ، فالإحسان إلى الأبوين وعدم توجيه أقل كلمة نابية لهم ، محرم فى الإسلام :
(1) - "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً {36} سورة النساء" .
(2) - "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {24} سورة الإسراء" .
(3) - وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15} سورة لقمان
وكما سبق لى أن أشرت ، فحينما التحقت بالمجتمع الإسلامى تعجبت جدا من التأكيدات التى وضعها القرآن على بر الأقارب والأبوين بالخصوص .
( 32 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
وعلاوة على ذلك ، فقد وضع القرآن الكريم الحكمة وتصحيح المتوارث ، حيث ربط رسالته برسالة الأنبياء السابقين فى التاريخ . الإسلام قد ألغى ممارسات ثقافية سابقة متوارثة ، كوأد البنات والربا وشرب الخمر ، كما أقر وعدل بعض الممارسات القديمة (وكمثال ، مناسك الحج ، تعدد الزوجات ، الطلاق ، وقوانين المواريث) ، كما أضاف أمورا أخرى . وفى هذا المجال ، معاملة الكبار بالحسنى وتوقيرهم ، خصوصا الآباء . وكما فى الأديان السماوية الأخرى ، فالإحسان إلى الأبوين وعدم توجيه أقل كلمة نابية لهم ، محرم فى الإسلام :
(1) - "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ
وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً {36} سورة النساء" .
(2) - "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {24} سورة الإسراء" .
(3) - وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15} سورة لقمان
وكما سبق لى أن أشرت ، فحينما التحقت بالمجتمع الإسلامى تعجبت جدا من التأكيدات التى وضعها القرآن على بر الأقارب والأبوين بالخصوص .
وهنا بعض من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام على هذا الموضوع ، فمن أقواله :::
(1) " رغم أنفه . ثم رغم أنفه . ثم رغم أنفه . قيل : من ؟ يا رسول الله ! قال : من أدرك والديه عند الكبر ، أحدهما أو كليهما ، ثم لم يدخل الجنة" ، وكلمة رغم أنفه تعنى هى تعبير فى اللغة العربية على الخسران والإنحلال والإذلال !!!
(2) وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال : ( أحي والداك ) . قال : نعم ، قال : ( ففيهما فجاهد ) .
(3) وعن عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : ( الصلاة على ميقاتها ) . قلت : ثم أي ؟ قال : ( ثم بر الوالدين ) . قلت : ثم أي ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله ) . فسكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدته لزادني
ومن الصعب تقييم مكانة الأم فى العصور الجاهلية قبل الإسلام . الأدلة المتاحة لا تعطينا براهين واضحة عن ذلك ، ولكن من المؤكد أنه كان للأم نصيب من إحترام الأبوين فى ذلك العهد . والآية الكريمة التى تشير أنه كان للآباء منزلتهم هى آية سورة البقرة :::
فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ {200} سورة البقرة
إلا أن النظرة الدونية للمرأة بصفة عامة كانت تتمثل فى وأد البنات دون الذكور . مما يدل على النظرة العربية فى ذلك الوقت كانت ... كمعظم الثقافات الأخرى ... كانت تنظر على أن الرجل أسمى من المرأة ، ومكانة الأب أشرف من مكانة الأم . وقراءة كتابات اليهود والنصارى والفرس فى هذه الحقبة تؤكد هذا الحدس . وبما أن هذه كانت هى الأحوال ، فلقد جاء الإسلام بفرض الإحترام والمسئولية تجاه أحد الأبوين ، كما أضاف بعدا مهما آخر فى تفضيل الأم بالإكرام وأعطاها نصيبا أوفر .
(1) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {15} سورة الأحقاف
(2) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} سورة لقمان
وفى الحديث الشريف :::
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أبوك ) .
أى مجتمع دينى حقيقى ، يعتمد بكثافة على العرف المتوارث ونقل التعاليم إلى الجيل التالى . وفى هذا الوضع ، فالإحترام نحو الآباء والأكبر سنا هو متطلب طبيعى كما هو فى الإسلام . نحن لا نتوقع أن يكون النظام الإسلامى مشابها للثقافة الأوروبية الحالية المائعة ، والتى يميل المسلمون على ترجمتها بأنها تؤدى إلى عدم الإستقرار الإجتماعى ولا تؤدى إلى شيئ إيجابى .
المجتمع الإسلامى يبحث عن التواصل والتناغم مع ماضيه وبثبات دون تغيير . الآباء هم همزة الوصل بين الماضى والمستقبل ، وهم الصلة بين الآجداد والأحفاد ، ولهذا فالمسئولية ثقيلة عليهم . فالآباء عليهم توفير الإحترام والفضل لآبائهم ، وبصبر وتؤدة إرشاد أبنائهم وتوجيههم . هذا المجهود يقتضى منهم التنازل عن الإنانية ، وشطب كلمة "أنا أولا" من القاموس .
بعد أن ناقشت علاقة المؤمنين بآبائهم ، فسأذكر بضع كلمات عن علاقة الآباء بأبنائهم . وهناك بعض الآيات المباشرة فى القرآن الكريم تتكلم على وجه الحصر عن تصرفات الآباء نحو أبنائهم .
ومن الواضح أن هذا الإلتزام يشار إليه فى الآيات التى تحض على حاجات الأقرباء عموما . وذلك أن رعاية الأطفال هى مسئولية إجتماعية لا يخطئها من قرأ القرآن الكريم ، فهو فى عدة آيات يحذر المؤمنين من إهمال حاجات الأبناء واليتامى . وذلك من خلال آيات تغرس فى عمق شعور القارئ أهمية العناية بمستقبل الأطفال .
ومن الأمثلة على ذلك ، ما جاء على لسان إمرأة عمران أم مريم البتول :::
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {35} سورة آل عمران
وما جاء على لسان سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام :::
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38} سورة آل عمران
وما جاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودعاؤه لذريته :::
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ {35} سورة إبراهيم
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء {40} سورة إبراهيم
وترد عدة آيات فى القرآن الكريم لتوصية الأبناء باتباع الحق والإيمان بالله وعدم الشرك :::
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {132} سورة البقرة
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43} سورة هود
وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ {18} سورة يوسف
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {64} وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ {65} قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ {66} وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ {67} سورة يوسف
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {98} سورة يوسف
وفى سورة لقمان ترد توصية لقمان لابنه وهو يعظه :::
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {13} سورة لقمان
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16} يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {17} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18} وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ {19} سورة لقمان
ونرى صورة فى القرآن تبين بأن الآباء الغير مؤمنين قلوبهم قاسية بالنسبة لأبنائهم بعكس الآباء المؤمنين ، ومثال على ذلك أبو سيدنا إبراهيم وغلظته وسيدنا إبراهيم وحدبه على ذريته . فبالعكس ، فالمؤمن حريص على ذريته ودائما منتبهون لتقدم أطفالهم الإيمانى .
وهذه آية كريمة تحض بجلاء المؤمنين بأن يوقوا أبناءهم النار :::
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6}
وكما سبق ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا للرحمة بالأطفال ، والحديث التالى يوضح ذلك :::
قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( من لا يرحم لا يرحم ) .
( 33 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
نستطيع من فقزات مختلفة من القرآن الكريم أن نكون صورة عن المجتمع الجاهلى قبل الإسلام بخصوص نظرة الأسرة للأبناء . هذه الفقرات توضح شعور الآباء نحو أبنائهم ، والتى تدل على أنهم كانوا يهتمون بأبنائهم ، كما يفعل ذلك كل البشر فى كل وقت . كما توجد مقاطع تفيد أن بأن حجم العائلة فى الأسر المعاصرة للنبى ، هو مقياس للمنعة والنجاح :::
(1) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ {10} سورة آل عمران
(2) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14} سورة آل عمران
(3) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ {55} سورة التوبة
(4) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً {46} سورة الكهف
(5) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً {77} سورة مريم
(6) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} سورة الشعراء
(7) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ {35} سورة سبأ
وهذا الفخر بالأبناء كان يقتصر على عدد الذكور دون الإشارة إلى الإناث ، ففى بعض الآيات فالأنثى من الذرية تعتبر عبأ .
والآيات التالية تبين ذلك بوضوح . الآية الأولى تسخر من أن المشركين يعتقدون أن الملائكة هم بنات الله ، بالرغم من أنهم أنفسهم إلى إنجاب الأنثى بأنه عار ، بينما الآية الثانية تدين هذا التوجه الذى وأد البنات هو أحلك صورة له :::
(1) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ {16} وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ {17} سورة الزخرف
(2) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ {58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {59} سورة النحل
وما زال فى بعض الثقافات الإسلامية يحتفلون بمولد الصبى أكثر من إحتفالهم بمولد الأنثى ، ونظرا للصحوة الإسلامية المعاصرة ، فالتوقعات تدل على تلاشى هذا الوضع ربما فى هذا القرن ، خصوصا بين المثقفين منهم .
والأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر :::
(1) من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو . وضم أصابعه .
(2) من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها قال يعني الذكور أدخله الله الجنة
وفى هذا السياق ، وفى كثير من الأحيان ، يقول لى أصدقائى المسلمين كيف أنى محظوظ لأن لى ثلاث بنات .
والإهتمام الكبير الذى يضعه الإسلام على العلاقات الأسرية هو نتيجة طبيعية لتعاليم الإيمان التى طبقت ونضجت فى المجتمع المسلم .
وبما أن الأسرة تشكل لنا أكبر استثمار لمواردنا العاطفية والمادية ، فهى مفتاح لغرز التعليم والتعلم والعدل والفضيلة . ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :::
إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين ؛ فليتق الله في النصف الباقي .
الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: حسن لغيره - المحدث: الألباني - المصدر: مشكاة المصابيح
كما حض القرآن الكريم المؤمنين على الزواج :::
وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {32} سورة النور
كل ذلك يجعلنا نقول بأنه جميل وحسن بل هو مثالى ، ولكن هل هذه المفاهيم تطبق فى مجتمعاتنا المعاصرة خصوصا الغربية منها على التحديد ؟؟؟ هل من العملى ... حتى لو كان ممكنا ... أن يكرس الشباب أنفسهم كاملا لحياة أطفالهم وآبائهم ؟؟؟ بالضبط إلى ماذا سيؤدى ذلك ؟؟؟ فى أيامنا هذه ، يشعر الزوجان الجدد الحاجة إلى تأمين مستقبلهم المنزلى فى حوالى مدة عامين . وخلاصة القول : "إلى أين ستؤدى بنا هذه التغيرات أو التضحيات ؟؟؟" .
وجهات نظر :
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
الراوي: أسامة بن زيد - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
وجهات نظرنا لم تنشأ من فراغ ؛ إنها منبثقة من بيئتنا وخلفيتنا وخبرتنا وشخصيتنا . إنها انعكاسات لأى محاولة بشرية لاستخلاص مبادئ توجيهية شاملة للمجتمع ، فتطبيق النتائج دائما ينحصر فى زمن ومكان محدد . وإحدى معجزات التنزيل أنه يتواصل من خلال مجتمع بعينه فيرسل برسالة تصلح لمجتمع مختلف تماما . من جانبنا لسنا مضطرين لفهم المجتمعات السابقة للوحى ، فالمتوقع منا أن نتصل به عن وعى لنطبقه علينا كيف نعيش وكيف نتصرف فى أمورنا . وبفعل ما هو أقل من ذلك ، نكون قد تجاهلنا خاصية الإسلام العالمية ونبتعد عن ديمومة الوحى المزدهر دائما ... وأكثر من ذلك البعد عن المجتمعات الإسلامية الناجحة .
وأعرف مسبقا بأن وجهات نظرى عن دور الرجل والمرأة فى المجتمع الإسلامى ... وكذلك فى كل المواضيع التى أناقشها ... متأثرة بشكل كبير بأحوالى الشخصية ، وقد لا تصح لآخرين . وهذا هو بالضبط السبب في أن عملية إعادة النظر والتفسير يجب ألا تتوقف . وفى الحقيقة فإن كل المسلمين الذين يريدون عودة المسلمين لمجدهم ، سواء التقليديين منهم أو المحدثين ، مقتنعون بأنه خلال العصور المختلفة فقد تغلغل إلى الفكر والممارسات الإسلامية مزايدات وأمور مرهقة للمسلمين وثقافات دخيلة ، ويجب علينا أن نعيد للمفاهيم الإسلامية حقيقتها . الغالبية تصر على العودة للكتاب والسنة . غير أن هذا ينطوى أيضا على تفسير ، ونحن مختلفون فى قراءتنا لهما . وعلى ذلك فكيف نميز بين الترجمات الصحيحة من الترجمات الخاطئة ، الشرعية من غير الشرعية ، المسموح بها من غير المسموح بها ؟؟؟
هؤلاء الذين جاؤوا من المجتمعات الإسلامية التقليدية لهم دور هام يلعبونه ، لأنهم شهدوا من الداخل آثار الوهن والتلوث ، وذلك أيضا لأن لهم خبرتهم فى تبنى الإسلام ، والإعتراف بنقص التطبيق على المستوى الجماهيرى . وبذلك فهم أفضل فهما لأهمية تنفيذ الملاحظات المختلفة لمظاهر الإسلام . ولكن ما يأتى أيضا من العالم الإسلامى قد يكون به بعضا من النقص ، وذلك لأن هؤلاء الذين نشأوا فيه ، هم جزء من المجتمع الذى يحاولون تنقيته ، وهذه حقيقة تشكل صعوبة موضوعية .
الإنتقادات من الخارج قد يكون لها قيمة ( أنا أضع هنا فى اعتبارى المسلمون الغربيون ) ، ولكنهم قد يكونوا متحاملين ، وحتى إذا كانوا أقل من ذلك فإنهم يفتقرون إلى أهم المكونات الأساسية لفهم الإسلام : أية تجارب شخصية فى ممارسته ، وذلك لأن الإسلام منهج حياة ولا بد من ممارسته للتعمق فى فهمه . وهذا ما يقع فيه المتحولون للإسلام ، فهو قد تكرر مروره بالتاريخ الإسلامى ، وهذا الشخص يجمع بين الإلتزام والشك، وفى بعض الأحيان يؤدى ذلك إلى إلهامات هامة ونافذة البصيرة . وبما أن المتحولون حديثى عهد بالإيمان ولم يحيطوا بالإسلام بعد ، فمن المحتمل أن يأتوا معهم بأفكار متطرفة ودخيلة ، يلاحظها المجتمع الأكبر . وليس فى حياة المسلمين أكثر من هذا التوتر بين الأفكار الموروثة والحديثة بالنسبة لأدوار الرجل والمرأة .
معظم المفسرون الذين ناقشوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" ، يعتقدون أنه يشير على وجه الحصر ، إلى العلاقة الجنسية . ولكن هذا الفهم محدود جدا . كثير من المفكرين المسلمين المعاصرين ، يشعرون بالأسى على أن حقوق المرأة المسلمة قد سلبت بواسطة قوى ثقافية مسيطرة . وإذا كان هذا هو الوضع ، فربما كان ذلك فى ذهن رسول الله أيضا وبلا شك فإن وضع المرأة فى الإسلام يقف ... (( مداخلة : لقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرأة مرارا وتكرارا ، وفى حجة الوداع فى جمع عظيم ، وقبل وفاته ، وفى كثير من الأحاديث النبوية ... وهذا أحد المقالات يدعم أقوال الكاتب :::
لايمكنك مشاهدة الرابط إلا بعد التسجيل (http://www.alhnuf.com/register.php) .. تفضل و انضم (http://www.alhnuf.com/register.php) معنا لتتمكن من مشاهدة المحتوى كاملاً ..
... حاجزا كبيرا بين الإسلام وتقبله فى الغرب . بالإضافة إلى ذلك ، فإن كثير من المتحولين للإسلام فى الغرب ، يعيشون منفصلين عن المسلمين الحاليين حتى تحل هذه المشكلة بما يناسبهم .
وقبل إعتناقى للدين الإسلامى ، كنت أعطى بعضا من الدعم الفاتر لبضعة حملات من الحركات النسائية ، ولكن فى غالب الأحيان ، كما كان مع معظم المعاصرين لى ، كنت مشوش الفكر بالنسبة لللمفاهيم الغير واضحة والمتناقضة حول أدوار الجنسين . كنت أعلم بأن هناك شئ ما خطأ فى الطريقة التى تسير بها الأمور سابقا ، ولكن لم يكن هناك شئ واضح أو عملى كبديل . الحركات النسائية مشت فى طريقها كمعظم الحركات فى الستينات والسبعينات : لقد ولدت فى البداية كثيرا من الحماس وبعض النتائئج الإيجابية ، ولكن الجميع أصابهم الإرهاق فتلاشت هذه الحركات . وقد كان الكثير منها متطرف ، فلم تكن تنادى بالمساواة فى الحقوق ، بل فى المساواة فى كل شئ .
نظريات كثيرة أسست على أنه لا توجد اختلافات جوهرية بين الجنسين ، على الرغم من أن التجربة اليومية توحي بغير ذلك. ربما الحركة النسائيه فشلت في إيصال رسالتها بفعالية ، أو ربما كان هناك عدم توافق في الآراء حول ما هى حقيقة الرسالة . كانت هذه الدعوات ، كأنها نوع من شيوعية الجنس ، إجبار التجانس بين الرجال والنساء ، أن تصبح المرأة كالرجل بدرجة أكبر من العكس . وبالرغم من الحركات النسائية فشلت فى تحديد إتجاهاتها ، إلا أنها واجهت بجدارة المجتمع بأنه يضطهد المرأة ، وهذا الوضع كنت مقتنع به حينما أصبحت مسلما عام 1982 .
لم أكن أعرف الكثير عن العلاقات بين الرجل والمراه فى الإسلام ، في ذلك الوقت . كنت أعرف عن تعدد الزوجات ، ولبس الحجاب ، وعدم الإختلاط ، ولكن كل هذا لا يعني بالضروره الإضطهاد . فقد يفضل كل جنس ، مثلا ، عدم الإختلاط مع الجنس الآخر ، وإذا حجبت المرأة عن أعمال الرجال ، ففى نفس الوقت يكون العكس صحيحا . إلى جانب هذا ، فقد عرفت أن ذلك راجع للثقافة وليس للدين . ومع ذلك فقد كنت أعتقد بأن المرأة المسلمة هى من بين أكثر النساء الذين يتحكم فيهم الرجال فى العالم . وهذا ببساطة ما تروج ه الأفكار الغربية المعاصرة ؛ كما كان ذلك هو الفهم فى الماضى ، وكما يصور فى القصص عن البلاد الإسلامية ، وهذا ما يروج له فى السينما والتلفزيون .
وفى أحد المناظر الحديثة تقوم الممثلة الأمريكية "جولدى هون Goldie Hawn" ، التى تتبنى أفكار المرأة الأمريكية المتحررة ، فتصطحب مجموعة من النساء من الشرق الأوسط (بالطبع جميلات) بعيون-الغزلان متنقبات فى جولة فى عاصمة وطنية ، متحدثة معهم باستعلاء ، وذلك بمصاحبة موسيقى ملهمة فى الخلفية ، وخلفهم دستور الولايات المتحدة . المنظر قد يعطى صورة خاطئة للشرق الأوسط ، ولكن هذا يمثل بالضبط ما يدور فى ذهن الأمريكى البسيط . والآن ، حتى لو كنت مدركا بأن ما يعرض غير حقيقى ، إلا أنه له تأثير ، وخاصة إذا لم يكن هناك عرضا يناقض ذلك ، فمن المحتمل أن تستشعر بأن هناك شيئا من الحقيقة . على كل حال ، فقد دخلت المجتمع الإسلامى بتوقعات قليلة فى هذا الشأن .
ثمان سنوات من الإحتكاك والسفر إلى الشرق الأوسط ، كانوا سببا قويا فى تغيير وجهة نظرى . بينما الحجاب بالنسبة للأمريكان يمثل علامة على هيمنة الرجل على المرأة ، فعلى العكس ، فالمسلمون يرون لباس المرأة فى أمريكا هو استغلال لها . وبما أن معظم النساء المسلمات يفضلن أن يكن زوجات وربات بيوت فهن يفضلن الحماية / عكس المرأة الأمريكية التى تعمل طوال الوقت ولا تجد أية حماية لها . فى العالم الإسلامى فالزواج للشباب يجد التشجيع / أما فى أمريكا فالأسرة تعامل الشباب بلا مسئولية تجاهه .
وهكذا فما يراه البعض قهرا ، يراه الآخرون حرية . وهذا فى حد ذاته ليس من الصعب فهمه . ولكن ماذا يكون الوضع وأنت بين ثقافتين ؟؟؟
( 34 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
إلى المركز الإسلامى :::
(( بعد أسابيع قليلة من اعتناقى للإسلام ، قررت الذهاب للمركز الإسلامى للمرة الأولى وذلك للإحتفال بإيمانى الجديد الذى عثرت عليه ، مع أناس أعرف أنهم سيفهموننى . لقد بذلت جهدا كبيرا فى ارتداء اللباس المناسب ، كما أخذت أتدرب على قراءة سورة الفاتحة بينما كنت أتنقل عبر المدينة . وبسرعة وجدت مكانا لصف سيارتى فى موقف السيارات . ووجدت أن الباب الرئيسى يفتح على قاعة متسعة للصلاة . الأرضية مغطاة بما يقرب على الأقل بمائة سجادة شرقية . الحوائط طليت حديثا باللون الأبيض ويعلوها قبة بيضاء فى السقف حوالى أربعون قدما . وبالحائط الأمامى محراب مزين بكتابة بخط اليد . وذلك ما كنت أتوقع أن أراه .
الوجوه التى استدارت لتنظر إلى ، كانت مندهشة ، كانوا بالطبع غير مرتاحون ، مما جعلنى لا أتقدم أكثر من ذلك ، وجلست حوالى عشرون قدما خلفهم تاركا لهم فرصة التحرك الأول . لم يتقدم أحد نحوى للتعرف على ؛ ولا حتى كلم "السلام عليكم" أو ابتسامة ما ، مما جعلنى أفكر ، هل هناك شئ خطأ ؟؟؟
وكان المحفل الذى يتكون من رجال فقط يصل ويعانق بعضهم بعضا بينما أنا أجلس منبوذا لا يلتفت إلى أحد كأن بى برص !!!
ثم رفع الأذان للصلاة ، وقمنا للصلاة - ولكنى صليت منفردا فى المكان الذى جلست فيه . وبعد الإنتهاء من الصلاة تحركت نحو الباب الجانبى للخروج . حاولت أن ألقى بنظرة لبعض "الإخوة" لأجد استجابة ، ولكن رؤوسهم تحاشتنى .
لم أصدق ما أرى !!! اعتقدت أنه لابد من بعض الوقت ليذوب الجليد ؛ وعلى كل حال ، فأنا من الواضح مختلف عنهم وأجنبى .
زرت المركز فى مناسبتين أخريين ، وفى كل مرة لم يتغير الوضع !!! فقررت عدم العودة مرة ثانية )) .
بالطبع لم تكن هذه التجربة معى فقط ، بل شاركنى فيها شخص أمريكى آخر فى عمر الخامسة والأربعون ، مطلق وله طفلين مراهقين نصرانيين . لقد سمعت مثل هذه القصص من عدة نساء أمريكيات مرات كثيرة ، ولكن هناك عدة وجهات نظر تبريرية غريبة ل "نيكى Nicky" .
معظم الذين يتحولون للإسلام يبحثون عن شئ ما لأنهم غير سعداء فى حياتهم ، وأن عملية التحول هى نقلة عاطفية كبيرة . قالت لى "نيكى" بأنها لم تكن غير سعيدة بالمرة ، فقد كان لها وظيفة ومنزل بسانت بربارا ، وعلاقة حميمة مع ابنتيها ؛ وكانت تتمتع بكونها عازبة ولا ترغب فى رجل فى هذه الفترة من حياتها . وقد كونت صداقة وثيقة مع إمرأة سعودية بسانت بربارا وقد أضحت تؤمن بعقيدتها . وقد أسلمت بمنتهى الفرح والسعادة متوقعة الكثير . الصورة القاتمة التى واجهتها فى المركز الإسلامى لم تضعف روحها ولا سعادتها بإسلامها ، فقد قابلت بعض المسلمين الأمريكان ومجموعة أقل تحفظا من مسلمى الشرق الأوسط وكونوا مجموعة صغيرة تتقابل وتصوم وتصلى معا بانتظام .
التجمع الذى صادفته "نيكى" لم يقصد به أنه بديل . هم فقط تصرفوا بالطريقة ودائما ما كانوا يتعلموها للتصرف فى مثل هذه المواقف : حينما تأتى امرأة محجبة للمسجد ، لا يجب أن ينظر إليها أحد أو يقترب منها . وبمعنى آخر ، يجب أن يتحاشاها . ليست كل المجتمعات فى شمال أمريكا تنهج هذا النهج ، فذلك يعتمد على مدى عمق تجذر الثقافة الأمريكية فى النفوس . ولكن فى أكثر الأحيان ، فالإنطباع الذى نقل لى من نساء أمريكيات مسلمات ، ومن غيرهن ، بأن المرأة غير مرغوب بها فى المسجد .
ابنتى وعمرها الآن أربع سنوات ، أخذت هذا الإنطباع .
جيراننا وهم من النصارى لهم طفلة فى عمر ابنتى وكذلك جميلة وهن أصدقاء حميمين . أصدقاء ابنتى يقولون لها كيف أن العائلة تحضر للكنيسة معا ، وكيف يغنون ، وكيف تجلس هى وأمها وأبوها . وقد ذهبت صديقتها إلى بعيد ، فدعتها لتحضر معها قداس يوم الأحد بالكنيسة . وحينما ناقشت الموضوع مع جميلة ، استفسرت ، "لماذا نحن النساء لسنا مرحب بنا فى مسجدنا يا والدى ؟؟؟" . قلت لها ، نعم ابنتى هذا يحدث ، ولكنى وجدت صعوبة فى أن أشرح لها لماذا يحدث هذا ؟؟؟
لست متأكدا كيف ومتى اكتسب المسجد من فترة قصيرة جوا متسامحا مع المرأة ؛ من الواضح أن ذلك حدث فى وقت آخر وفى سياق ثقافة مختلفة . الثقافات الأخرى قد توفر سبلا أخرى لتدعيم إيمان المرأة المسلمة . على كل حال ، ففى هذه الثقافة ، لكى نعطى المرأة بديلا لحضور الصلوات فى المسجد ، مثل تجمع نسائى أسبوعى ، هو أن نوفر لهن موقعا ثانويا . إذا لم نشجع المرأة على المجئ والمشاركة فى لقاءاتنا الإجتماعية على قدم المساواة مع الرجل ، فاجو فى مساجدنا محتمل أن يتغير ببطء شديد ، وتقريبا نكون متأكدين بأننا سنفقد كثيرا من أطفالنا .
أنا لا أدافع عن التغيير فى صورة شعائرنا ، أنا أدافع عن التشجيع ، والتيسير ، والترحيب بمشاركة العائلة فى كل نشاطاتنا الإجتماعية . (( مداخلة : كانت امرأة لعمر ، تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد ، فقيل لها : لم تخرجين ، وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ قالت : وما يمنعه أن ينهاني ؟ قال : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح )) .
المرأة فى القرآن الكريم :::
(1) - "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {195}" سورة آل عمران
(2) - وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71} سورة التوبة
(3) - مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {97} سورة النحل
(4) - إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {35} سورة الأحزاب
نبرة الكتب المقدسة فيما يختص بالمرأة ، تضع من البداية التصور عن الرجل والمرأة الأولين . فحواء هى التى فتنت آدم ، وهى المسئولة أكثر منه عن الخروج من الجنة ، ولذلك فعليها أن تتحمل ولادة الأطفال . إنها هى التى خضعت أولا لغواية الشيطان ، ثم عاونته لإغواء آدم . آدم حفظ هذا الدرس الأليم بأنه يجب على الرجل أن يقهر المرأة ويحتاط لمكرها به .
هذا الرمز القديم للعلاقة بين الجنسين تعكس انحياز واضح للذكور وسيطرة المؤسسات الدينية ؛ ولا شك أنها تمثل بدقة الأوضاع النسبية للرجال والنساء في معظم مجتمعات العالم على مدى عدة آلاف من السنين . هذا التحيز وسيطرة الذكور واضح أيضا في التعليقات السابقة من بعض علماء المسلمين على حساب ما ورد في القرآن وهى تعليقات توحي بقوة التأثيرات اليهودية والمسيحيه .
نحن الآن فى القرن العشرين ، في موقف جيد جدا للتمييز بين ما يقول القرآن عن الجنسين والمفسرين وافتراضاتهم فى الماضي . فوق ذلك ، فالمستشرقون فى الماضى القريب ، غالبا ما كانوا حائرين بين الإثنين ، وحينما يميزون بين رائهم ، يخلصون إلى أن للإسلام نظرة مذلة للأنوثة .
لحسن الحظ ، هذا الموقف يتغير ببطء . وكمثال على ذلك ، ففى مقدمة "مارجريت سميث عن رابعة العدوية الصوفية" ، تكتب "آن مارى شميل" : القارئ الغربى الذى يميل لقبول ملاحظة "مارجرت سميث" ، بلا تمييز ، فى صفحة 127 ، بأن الإسلام مسئول عن "إمتهان" المرأة المسلمة ، يجب عليه أن يفهم بأن هذا نتيجة قوى اجتماعية ولييست من تعاليم الإسلام نفسها ، فالقرآن الكريم يكرر دائما كلمة "المسلمين والمسلمات" و " المؤمنين والمؤمنات" ، ويجعل المسئولية عليهما متساوية ، حينما تشمل الصلاة والصوم والحج ، الخ ..... الدعوى التى تتكرر ، بأن المرأة بلا روح ، لا يمكن استنتاجها من القرآن الكريم أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وآيات القرآن الكريم التى وردت عن الرجل الأول والمرأة الأولى ، تميز بين الذى ذكر فيها مع ما لم يذكر :::
(1) - وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37} قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {38} وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {39} سورة البقرة
(2) - وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ {19} فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {20} وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ {21} فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {22} قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {23} قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {24} قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ {25} سورة الأعراف
لا ذكر لإغواء حواء لآدم وأن ولادة الأطفال عقوبة لها ، ولا أن حادث الإغواء سبيل لتسلط الرجل على المرأة ، ولا أن المرأة خلقت لصالح الرجل . موضوع من خلق قبل الآخر ، على ما أعتقد ، فقد ترك عن عمد .
(( مداخلة : توقفت عند هذه النقطة لأجد أنه فعلا لم يرد فى القرآن الكريم أو فى السنة النبوية ما يقطع بمن خلق أولا ، آدم أم حواء !!! ... غاية ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن حواء خلقت من ضلع ولم يحدد هذا الضلع هل هو من آدم أم مستقل عنه ؟؟؟ ... المعلومات عن أن حواء خلقت من آدم ، قد تكون من الكتب السابقة ، وكما يقول الكاتب فقد تعمد الإسلام أن يترك التحديد حتى لا يحدث تمييز لجنس عن جنس ، فالنساء شقائق الرجال ... وأنا فى انتظار من يصحح لى هذا الرأى بنص واضح ، لا استنتاجات . ))
.... القرآن ينص على أن كلا من آدم وحواء أغريا وأخطآ وتابا وغفر لهما . وقد نستند جزئيا على هذا التعليل ، وعلى ما ورد من آيات أعلاه ، أنها تؤيد بصراحة مساواة الرجل والمرأة روحيا ، وهناك كتاب مسلمون معاصرون ، تمكنوا من المناقشة عن اقتناع ، بأن الإسلام لا يفرق بين الجنسين بخصوص الفضيلة والتقوى .
وللأسف ، فهناك اعتبارين مقلقين ، يتم التغافل عنهما وتجاهلهما . أولا ، أن هذه المساواة لم تؤخذ فى اعتبار علماء مسلمين . فحتى اليوم ، فهناك من يقول بأنه نظرا لطبيعة المرأة الضعيفة ، فهى أكثر عرضة للخطيئة . وليس من الصعب تفنيد هذا الفهم بأنه انحراف ظنى عما جاء بالقرآن الكريم من تأكيدات واضحة ، وقد يجد هذا الفهم دعما فقط إذا وجدت تشريعات ذات طبيعة عملية تستخدم كدليل على سلبية الروحانية عند امرأة . الإعتبار الثانى ، هو أنه هناك القليل من الأحاديث النبوية التى تعطى صورة مضادة . وقد ذكرت أحد هذه الأحاديث :::
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى ، أو فطر ، إلى المصلى ، فمر على النساء ، فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار . فقلن : وبم يا رسول الله ؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن . قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل . قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم . قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان دينها .
الراوي: أبو سعيد الخدري - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
وكثيرا ما يسألنى عن هذا الحديث المسلمون الأمريكان أكثر من غيرهم . وأحد المتحولين للإسلام قال لى أن هذا الحديث سبب له ألما شديدا وقد أثر فى إيمانه .
يقول بعض علماء المسلمين ، كالدكتور جمال بدوى ، فى شرح لهذا الحديث ، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قصده هنا التقليل من روحانية المرأة ، بل حض لها لبذل جهد أكبر لتعويض بعض النقص فيهن . فيقول جمال بدوى بأن المرأة لا تصلى ولا تصوم خلال فترة الحيض ومدة أربعين يوما فى النفاس بعد الولادة ، وهذا رحمة بهن ورخصة مؤقتة لحصانتهن فى فترة الضعف ، ويذكر القرآن الكريم بأن فترة الحيض هى أذى :::
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) سورة البقرة
ويقول جمال بدوى أيضا ، بأنهن مطالبات بتعويض القصور خلال هذه الفترة .
وبالإشارة إلى أن شهادة إمرأتين تعدل شهادة رجل واحد ، فذلك فى المعاملات التجارية ، فكما يقول بدوى ، الحقيقة أن استعداد المرأة فى الأغلب أقل من الرجل فى مثل هذه الأمور خصوصا من ناحية الذاكرة ، فمواهبها تنصرف إلى مهام اجتماعية أخرى .
لهذا ، فيرى بدوى أن نظرة الإسلام للمرأة خلال فترة الحيض ، والحكم بأن شهادتها فى العقود على النصف من الرجل ، ليس تقريرا بأن المرأة دون الرجل ، ولكن هو إيماءة لطيفة للفارق بين الرجل والمرأة فى المقام الأول فى الخلقة ، وفى المقام الثنى ، قوة التحمل .
(مداخلة : لو حللنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاه ، بالنسبة "باللون الأزرق" ، نجد أنه يشتمل على ثلاثة عناصر ، العنصر الأول ، هو إخباره بما فى الجنة وأن النساء فيها أكثر من الرجال ، ولو كان قد رأى الرجال أكثر من النساء لأخبر بذلك وليس فى ذلك أى حط لمنزلة المرأة ، لأنه لابد أن يكون جنس أكثر من الجنس الآخر فى النار ، فهذا مجرد خبر ... العنصر الثانى ، هو إخباره عليه السلام بأنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير ، وهذه آفات لاشك أنها سيئة وذكرها للتحرز منها ، كذكر الكذب والنفاق وما يفعله البعض من أعمال لا يرضاها الله ، وبالطبع ليس المقصود أن كل النساء يفعلن هذا ، بل هو تذكير منه عليه السلام ليتقوه ، فهذا أيضا ليس فيه حط من قدر المرأة ، فالآفات كثيرة ومنها ما يفعله الرجال وذكرها للإتقاء من فعلها ... العنصر الثالث ، هو نتيجة لطبيعة المرأة الإجتماعية والخلقة ، وهذا العنصر لا يكون سببا فى دخول جنة أو نار ، فالعمل وحده هو الذى يؤدى بصاحبه إلى أيهما ......... وعلى هذا فليس فى حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أى انحراف عن القرآن الكريم كما يروج البعض ، أو كما يقول بأنه حط من قيمة المرأة .)
( 35 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
يستمر المؤلف فى القول ... أقول بأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يأخذ صيغة العمومية ، ولكن من المستحيل أن يعنى الحط من قيمة المرأة .
وسنستمر فى مناقشة شهادة المرأة فى القريب . وحاليا ، نقر ببساطة بأننا نتفق بأن أحد وجهات النظر من المحتمل أنه هو الصحيح ، لأن ما ورد بالقرآن الكريم وبالأحاديث الصحيحة هو فى صالح المساواة بين الرجال والنساء .
ومن وجهات النظر القرآنية المهمة الأخرى ، هو دراسة تشخيصه لأداء الأفراد . وبمعنى آخر ، حينما يتكلم القرآن عن إحدى الشخصيات ... وكمثال ، حينما نراهم يعبدون أو يتكلمون أو يفعلون شيئا ... قد نسأل أنفسنا ، ماهى عناصر شخصيتهم التى ألقة عليها الضوء ؟؟؟ . لقد استخدمنا هذه الطريقة حينما تكلمنا سابقا عن الأبوة .
بعضا من الشخصيات العطوفة ، والمتماسكة إيمانيا والتى صورت بالقرآن من النساء : ملكة سبأ المثل فى القيادة ، أم موسى عليه الصلاة والسلام ، التى ألقت ابنها فى اليم تنفيذا لأمر الله ، إمرأة فرعون التى طلبت من الله ان ينجيها من اضطهاد فرعون زوجها لها وعمله ؛ أم مريم التى نذرت ما فى بطنها لله . وقصة أم سيدنا عيسى عليه السلام مريم ، هى من القصص المثيرة ، وقد سميت إحدى سور القرآن باسمها .
ومن الملاحظات الهامة ، أنه بينما يوصف القرآن الكريم مدى من الرجال ، من هؤلاء الخاسرين من الكفار إلى الأنبياء النبلاء ، فإن التعبيرات التى وردت تخص المرأة كانت إيجابية . وأنا بهذا لا أشير إلى ذكر صفة واحدة للمرأة ... مثلا إمرأة أبو لهب وأنها ستلاقى العذاب ، أو إمرأتى نوح ولوط ، بأنهن كن كافرات ، حيث أنه لم يعرض لنا تفاصيل شخصياتهن . أشير فقط ، إلى ما وُضِحَ لنا من صفات خاصة فى لحظة معينة له أو لها . وحينما يحدث هذا التفصيل فى القرآن بالنسبة للمرأة تكون مؤمنة ؛ بالطبع هذا فى كل الأحوال إلا حالة واحدة كانوا مؤمنات غير منحرفات ، وحتى فى هذه الحالة الإستثنائية ، المرأة فى قصة سيدنا يوسف عليه السلام ، تابت وعدلت موقفها . وبالمقارنة بما جاء فى كتب الأديان الأخرى ، فهذه كظاهرة مميزة ، ينفرد بها القرآن الكريم .
الآيات التالية تردد فى بعض الأوقات على أن القرآن يضع المرأة فى مستو أقل من الناحية الذهنية والمعنوية ، من الرجل :::
(1) - فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ {28} سورة يوسف .
(2) - َأمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ {16} وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ {17} أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ {18} سورة الزخرف
وللأسف الشديد فقد سمعت بعض الرجال المسلمين يرددون هذا المفهوم عدة مرات !!! ... كلمة "كيدكن" ، تعنى القدرة على الحيلة ، القدرة الذهنية على المناورة ، أو الخداع بدهاء . والآية الثانية ، تصف المرأة بأنها حينما تنهمك فى نقاش ، أو جدل كلامى ، تكون غير واضحة . وبذلك نكون أمام وصفين متضادان لألمعية الأنثى .
واذا أخذنا هذه التلميحات في ظاهرها ، فانها تحتاج الى التوفيق بينها . ولكن هذا لا يشكل مشكلة اذا نظرنا لسياق الآيتين وحدوثهما .
الآية الأولى هى من قول زوج المرأة ، "بوتيفار Potiphar" ، التى كانت على وشك أن تخونه مع سيدنا يوسف ، عليه السلام . والآية الثانية ، تواجه مشركى العرب بما يضمرونه فى ضمائرهم من دونية الأنثى التى ينسبونها لله ، فى حين أنهم كما ذكر فى آية أخرى يئدونها خشية العار :::
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ {58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {59} سورة النحل
وهذا هو ما يختلف فيه نظم القرآن الكريم عن بقية أنواع الآداب ، فلا يجوز أن تفسر آية منه خارجة عن سياقها ، فهى مرتبطة ارتباطا وثيقا مع هذا السياق . وهذه الطريقة المغلوطة فى فهم آيات القرآن الكريم ، هى سبب ضلال بعض غير المسلمين .
الذكر والأنثى :
" .............. وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ............." {36} سورة آل عمران
كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته . قال فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال : والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته
الراوي: عبدالله بن عمر - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح
قديما كان المعروف بشكل عام فى كل بقاع الأرض أن الذكر أكثر ذكاء وأكثر منطقية وأقل عاطفة من المرأة . وفى أيامنا هذه التى أعقبت فترة من التاريخ ، منحت فيها المرأة قدرا مساويا من التعليم والحياة السياسية ، فقد ظهر لنا عقم الفهم القديم . الفروقات بين الجنسين فى الولايات المتحدة هذه الأيام ، تكاد تكون منعدمة . وبالرغم من أن المرأة قد تتقدم فى المهارات اللفظية ، والرجل قد يتقدم عنها فى المهارات الحسابية ، فحتى هذه الفروقات آخذة فى التلاشى حيث أن الكثير من النساء مستعدين الآن لدخول المجال العلمى .
لقد اقتحمت المرأة العالم السياسى ، وعالم الأعمال ، والتعليم العالى ، والطب ، وعدة مجالات أخرى كانت مقصورة على الرجال ، وقد أثبتن تقدما ونجاحا سريعا فى هذذه المجالات . ومن المجادلات الآنية ، أن العاطفة عند الرجال ليست أقل من تلك عند النساء ، غير أنها لها مظاهرها المختلفة عند الرجال : فهى تنزع إلى العنف والصريخ معظم الأحيان . فالرجال يرتكبون جرائم أكثر عنفا وأكثر انفعالا من النساء مثلا .
ومع هذا فالتغيرات فى الأدوار والتصورات التى أخذت وضعها فى المجتمع الحديث ، لم تؤثر كثيرا فى العلاقة بين الرجل والمرأة ، عما كانت عليه سابقا بين الآباء والأجداد . فما زال الرجال ... كم أعتقد ... يبحثون فى شركائهم عن الدفء ، والتربية ، والدعم ، واللطف والكرم - وهذه صفات تنسب تقليديا للمرأة - كما تبحث النساء فى الرجال ، عن الشريك الواثق بنفسه ، الرزين ، القوى ، الذى يمكن الإعتماد عليه - وهذه هى صفات تنسب أيضا تقليديا للرجل . الحساسية فى الرجال تقدر كثيرا من المرأة فى هذه الأيام ، وكثيرا ما يقال لى ، بأن هذه الصفة نادرا ما تكون موجودة فيهم .
ورغم التجارب فى الستينات والسبعينات ، فيخبرنى الطلاب بأنه قد عاد العرف بأن يدفع الشاب فواتير مواعدته - شئ لم أكن لألقى إليه بالا حينما كنت فى سن المراهقة أو فى سن مبكرة فى العشرينات . وفى حالة الزواج ، فالمرأة أصبحت أقل اعتمادا اقتصاديا على الزوج ، ولكنهن يجب عليهن أن يدفعن ثمن هذا : فإذا أراد الزوج والزوجة أن يعشن بمستوى ما كان يعيش فيه آباءهم ، فلابد أن يشتركا فى صيانة الأسرة سويا .
هذا فى حد ذاته يمكن النظر إليه على أنه شئ إيجابى ، فيما عدا الحقيقة بأن مسئولية شئون المنزل ورعاية الأطفال تقع على عاتق المرأة تقريبا بالكلية . فالفكرة التى تقول بأن المرأة هى أكثر ملائمة لرعاية الأطفال ما زالت متفق عليها بالمجتمع الغربى . وهذا ما ينعكس بقوة فى القوانين المختلفة والعادات : وكمثال على ذلك ، فالأم تعطى حق حضانة الأطفال فى حالة الطلاق ، كما أنه يفضل جليسة أنثى للطفل فى حالة غياب أبويه . ولهذا فحينما يأتى الأمر لدور الجنسين ، فالمجتمع الأوروبى مستمر فى حالة عدم الإستقرار فى البحث عن تعريف . وهذا ينطبق بصورة أكبر على المجتمع المسلم ، والذى فى مواجهته مع الغرب يحتاج إعادة تقييم موقفه .
(مداخلة : ماذا يقصد الكاتب هنا من إعادة تقييم ؟؟؟ الفطرة فى الخلق لن تتغير ، ووضع الأم بالنسبة لأبنائها هوهو منذ الأزل ، وفى معظم المخلوقات ، رعاية الأم لأبنائها هى عنصر هام من عناصر تكوين الأسرة ، وهل يناقض الكاتب هنا نفسه ؟؟؟ أو أنى لم أفهم قصده لأترجمه بدقة ؟؟؟ فقد سبق أن ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأم واستشهد به فى أهمية الأم للأسرة ، وهذا هو الحديث المشهور بين المسلمين :::
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أبوك ) .
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح ) .
المؤلفون المسلمون ، غالبا ما يصوروا الحالة قبل ظهور الإسلام بأنها كانت بربرية وتغشاها الجهالة ، وأنه بظهور الإسلام فقد أعاد تشكيل البنية السياسية والإجتماعية جذريا فى شبه الجزيرة العربية . وبالإضافة إلى ذلك ، فإنه فى هذه الحقبة التاريخية يزعم أن البيئة الأكثر فسادا لم تكن موجودة لتقبل المثل العليا للإسلام . بينما يجب الإعتراف بأن عرب الجاهلية قبل الإسلام كانوا بدائيين ، وعلامات التحضر فيهم كانت نادرة ، وفى اعتقادى ، أن البساطة فى حياتهم ، ونوازع الشرف فيهم ، والنبل ، وحبهم للحرية ، جعلت منهم خامات طيبة لتلقى مبادئ القرآن الكريم . المثل العليا للديموقراطية ، الإخاء ، المساواة ، والشهامة والمروءة ، كانت مبثوثة فى أخلاق القبيلة ، والآن فى الإسلام ، هذه الصفات مطلوب أن يكون مجالها أكثر عمومية من القبيلة المغلقة . هذه المبادئ التى بمجرد أن يتبناها الشخص يصبح مواطنا صالحا ، قد قوبلت بعناد وصلف من الإمبراطوريات الفارسية والرومانية المجاورة .
ولهذا ، فبينما كانت رسالة الإسلام رسالة ثورية ، فأنا أعتقد بأن شبه الجزيرة العربية كانت أرضا خصبة لتلقى هذه الرسالة ، وبالأخص بالنسبة لأحوال المرأة . وإنه لمن السهولة بمكان ، أن نسجل بأن أحوال المرأة فى الثقافة الهندوسية القديمة ، واليونانية ، والرومانية ، والفارسية ، كانت هذه الأحوال هى مطلق التبعية . محرومة من الوضع القانونى المستقل ، وكانت تعامل بدونية تحت وصاية أقرب الذكور لها . ووضع المرأة فى الجاهلية كانت أفضل بكثير بالمقارنة . من الآثار النبوية ، نعلم أن المرأة فى الجاهلية كان لها حق الميراث ، لها حق طلب الطلاق ، وحق الإقتراح فى اختيار الزوج ، والمشاركة فى المعارك ، وإدارة شئونها التجارية . هذه الحقوق من الواضح أنها لم تكن معترف بها بانتظام فى الجزيرة العربية ، ولذلك جاء القرآن الكريم ليقرها ويجعلها ملزمة . على كل الأحوال ، فهذا يظهر بأنه قبل تشريعات القرآن الكريم التى تحمى المرأة ، فقد كان منها الكثير موجود قبل الإسلام . وجود العديد من الامثله عن المرأة بأنها تمتلك قدرا من الاستقلال يزيد عن نظرائها في الأراضي المجاورة ، من شأنه ان يؤدي بالمرء إلى الإعتقاد بأن الإصلاحات التى جاء بها الإسلام قد تم قبولها بسهولة أكبر ، منها في أي مكان آخر في الجزيرة العربية .
فى مركز التصور الإسلامى للأنثى والذكر ، ورد فى سورة آل عمران على لسان أم مريم حيث ذكرت بأن الذكر ليس كالأنثى حينما وضعت السيدة مريم بعد أن كانت نذرتها لله ، ويتضح من هذا التقرير ، أنه قد خاب أملها من انها لم تضع ذكرا ! فهذا الإختلاف هو فى الخلقة وأدوار الحياة ، ولكن بالرغم من هذا الإختلاف فقد تقبلها الله بلطفه ، بقبول حسن ، مما يعنى بأنه بالرغم من إختلاف الخلقة ، إلا أن الذكر والأنثى عند الله سواء فى المنزلة . هنا وجه سبحانه لها لوما لطيفا ، يبلغها فيه أنه عليم بما وضعت وأن الذكر ليس كالأنثى سواء - وضمنيا لم يقصد بأن يكونا سواء فى الخلقة .
ومن الملفت للنظر ، أن النقد الموجه لأفضلية الذكر يظهر فى قصة السيدة مريم ، أم سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ، وهى إحدى الشخصيات المرموقة فى القرآن الكريم . ولهذا وفى نفس الوقت ، وبتقرير صريح ومثال أكيد فى اللحظة التى تبين أن هناك فرق بين الذكر والأنثى ، يذكر أن المرأة بجهدها قد تكون متميزة عن الرجال .
وفي النظرة الإلهية ، فالرجل والمرأة ليسوا سواسية فى الخلقة ، ولكنهما يكملان بعضهما البعض. وهذا ما يعبر عنه بطرق متنوعة في القرآن .
(1) - "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ..............." {187} سورة البقرة
(2) - وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71} سورة التوبة
(3) - وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21} سورة الروم
هذا المفهوم أساسى لمعالجة دور الرجل ودور المرأة . الفكرة هى ألا يكره الرجل أو المرأة على تبنى نموذجا محددا فى العلاقة بينهما ، ولكن بالأحرى أن تكون هذه العلاقة مبنية فى العموم بطريقة بحيث يتعايشا سويا على نموذج محدد من السلوك . القرآن الكريم والسنة النبوية لم يصرا على أن يتخذ الأزواج وضعا خاصا لسلطتهم فى الأسرة ، حيث أن الفرضية الواضحة هى بأن فى الغالب فأن معظم الرجال - نظرا لاختلاف عناصر القوة والضعف فى الشريكين - يكون عندهم حرية أكثر وسلطة أكبر فى الأسرة من الزوجة . ومن المؤكد ، فالرجل يميل لما يقتنع بأنه فى الصالح ، وقد يستخدم القسوة إذا وجد ذلك مناسبا .
مادام هذا هو الحال ، فالإسلام يعمل على تقليص هذه الخاصية فى الرجل ، ويحمى المرأة من مساويئها ، بينما فى نفس الوقت يؤكد على أدنى الإلتزامات المطلوبة من الجنسين .
ولذلك فبينما يقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الرجال هم رعاة الأسرة ، وأن النساء مسئولات عن شئون المنزل ؛ هو لم يأت بجديد بخصوص النموذج العام ، مشيرا عليه السلام ، أن كلا منهما مسئولا بدوره عن إلتزاماته . وبعباره اخرى ، فهو يؤكد على الإلتزامات والمسؤوليات ، وليس على المزايا .
الإعلان البديهى لمميزات كلتا الشخصيتين بعضهما عن بعض ، ذكرت دون تعيين تفوقا لأحدهما عن الآخر ، وبذلك ترك تقرير كيف تختلف النساء عن الرجال بالضبط مفتوحا بشئ من الغموض .
لقد ذكر لنا القرآن الكريم بأن الرجال والنساء كلا منهما يحمى الآخر (..... هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ....) ، ويحقق كلا منهما للآخر الرحمة والحب . هذه التبادلية هى جزء صغير من التوازن فى الكون ، فخذا التوازن مطلوب فى كل شئ ، كما ورد فى هاتين الآيتين :::
(1) - وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ {8} سورة الرحمن
(2) - لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {25} سورة الحديد
ويذكر لنا القرآن الكريم بأن كل شئ فى الوجود خلق من زوجين اثنين :::
(1) - سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ {36} سورة يس
(2) - وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ {12} سورة الزخرف
(3) - وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {49} سورة الذاريات
ومن ثم ، فالعلاقة بين الجنسين هى عنصر واحد فى علاقة واسعة ومعقدة بين نظام الزوجية . والإسلام يطالب بتبسيط هذا التناسق بين قوة الذكر والأنثى ، ومواضيع التكامل والتوازن تبرز في نهجها على حقوق كلا من الرجل والمرأه .
يتبع
ابو محمد
2011-07-29, 10:00 PM
سلمت يمناك اخي فارس وتقبل مروري
فارس الغربيه
2011-07-29, 10:02 PM
( 36 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
الحقوق والمسؤوليات
"................ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ {228}" سورة البقرة
بينما القرآن الكريم غالبا ما يوجه النداء إلى المؤمنين بصورة جماعية مثل "يا أيها الذين آمنوا ...." ، ومرات لتأكيد نقطة محددة فإنه يوجه الخطاب للرجل والمرأة سويا ، كما فى الآية التالية :
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {35} سورة الأحزاب
على كل حال ، ففى مراحل متعددة يكون الخطاب موجها خاصة ، إما للرجل أو المرأة ، بالرغم من أنه فى هذه الحالات يكون التقرير مماثلا للجنس الآخر ، وفى سورة النور مثال على ذلك :
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {31} سورة النور
حينما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح لهذه الآيات ، قال ما معناه ، "ليخفض بصره اتقاء للنظرة الشهوانية" . ويلاحظ هنا بأن كلا من الرجل والمرأة مطالب هنا بغض البصر ، ففى بعض المراحل كان المجتمع الغربى ينظر إلى المرأة على أنها ضعيفة من ناحية الرغبة الجنسية ، أو أنها حتى ليس لديها هذه الرغبة .
وأتذكر أثناء دراستى الجامعية ، فقد كانت هناك دراسات لدحض هذا الإفتراض . ولكن القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه السلام ، يعترفان صراحة بقوة الشهوة الجنسية عند المرأة . وذلك يتضح حينما رأى النسوة فى مصر سيدنا يوسف عليه السلام :
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {30} فلمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ {31} قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ {32} قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {33} فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {34} سورة يوسف
ويلاحظ أيضا فى الآية رقم (31) من سورة النور أعلاه ، الأمر للنساء بأن يلتزمن بلباس معين ، كما ورد بآيتين أخريين :
(1) - وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {60} سورة النور
(2) - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {59} سورة الأحزاب
ولا يوجد مثل هذا الأمر للرجال . وهذا التوجيه من القرآن الكريم يظهر منه ، بأن المجتمعات غالبا ما تستغل المرأة فى إثارة شهوة الرجل ، وليس العكس .
وقد ذكر القرآن الكريم فى موضعين من سورة النساء كيفية التصرف فى حالة ردود الأفعال الغير أخلاقية بين الأزواج . الآية الأولى تتكلم عن حالة الزوجة المنحرفة :
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً {34} سورة النساء
جميع من لهم قدرة على تفسير اللغة العربية متفقون على أن هذا النص يوجه إلى خطوات متتالية ولا يمكن تطبيقها دفعة واحدة ، كما أن كلمة نشوز توحى بالتمادى والطبيعة الإجرامية .
ومعظم الفقهاء يشيرون إلى الإنحلال كمثال ، كما يمكن أن يندرج تحت كلمة النشوز ، الخروج عن تعاليم الإسلام كالسكر مثلا .
والنشوز هو تصرف لا يرضاه الله سبحانه وتعالى ، وليس مجرد نزوة بين الأزواج ، ويؤكد ذلك أنها جاءت فى الآية الثانية بالنسبة للأزواج ، وتحدد الخطوات التى تتخذها الزوجة ناحية زوجها :
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {128} سورة النساء
علماء من المسلمين (كـ الطبرى والرازى والشافعى) يتفقون على أن الخطوة الثالثة فى حالة نشوز الزوجة ، وهو ضربها ، مصرح بها بالكاد ويفضل محاولة تجنبها . ويستندون فى هذا الرأى إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع حدودا لاستخدامها فى حالة ضرورة اللجوء إليها وهى تعتبر كرمز لا أكثر ولا أقل . ويرى السلف أن فى هذا إشارة قوية لحالة التصرف الذى يفوق الحد من الكراهية والتصرفات اللأخلاقية ، وليست رخصة للأزواج فى ضرب نسائهم بلا سبب وجيه ، ويؤكد التراث ذلك ، فالنبى عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك على الإطلاق ، بل حض على تجنب ضرب النساء .
وكما سبق فى الآية أعلاه رقم (128) من سورة النساء ، ذكرت الخطوات التى تتخذها الزوجة فى حالة نشوز الزوج . وفى حالة النزاع مع الأزواج فالمرأة مخيرة فى طلب الإنفصال عنه ، كما جاء بالآية التالية :
وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً {130} سورة النساء
وفى الحقيقة فإن كثيرا من الفقهاء يؤيدون أنه فى حالة إذا أصر الزوج على الإستمرار فى تصرفاته المعيبة فإن طلبها للإنفصال تكون محقة فيه . هذا الخيار للمرأة مختلف عن خيار الرجل ، لأنه قد يكون له زوجة أخرى ، كما أنه فى حالة الطلاق يمكنه فورا الزواج من أخرى ، أما المرأة فعليها أن تنتظر ثلاثة شهور العدة قبل أن تتزوج مرة ثانية ، ولهذا فقد يكون ليس من صالحها تهديد علاقة زوجية قائمة ، أو بالنسبة لهذا الوضع ، الذى يعتبر عقوبة طبيعية ، حتى ولو كانت رمزية فقط من الطبيعة . وأفضل البدائل إذا أصر زوجها على موقفه المعيب ، أن تبدأ فى عملية الإنفصال .
وبما أن الخطوة الأولى كما جاء فى الآية التالية :
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً {35} سورة النساء
فبذلك يكون من صالح الطرفين أن يقوما سويا باتخاذ هذه الخطوة .
تعاليم القرآن الكريم فى الميراث ، يعكس درجة كبيرة من الإستقلالية للنساء ، بينما يوازن بين حاجتهن ، ومسئوليات الرجال :
يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً {11} سورة النساء
توزيع الميراث هنا ، هو إحدى السمات الرئيسية فى تنظيم إقتصاد الأسرة . وبالرغم من وجود بعض الإستثناءات ، فنصيب المرأة فى الميراث نصف نصيب الرجل . والآيات التالية تربط قواعد الميراث بالمسئوليات تجاه الأسرة .
وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {32} وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً {33} الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً {34} سورة النساء
وحسب تعاليم الإسلام ، فالرجل هو المسئول بالكلية عن إعالة الأسرة . وبالرغم من أن المرأة ضامنة لميراثها وقد يكون لديها مصادر أخرى للدخل ، فإنه غير مطلوب منها إعالة نفسها أو أطفالها . بالإضافة إلى أن الزوج ليس له أى حق فى إجبارها على ذلك . ولهذا فالمرأة المسلمة فى حالة الزواج وفى المجتمع ضامنة لإستقلالها الإقتصادى .
هذا الإستقلال متاح أيضا للرجل ، ولكن مع بعض التعديلات . فيعترف الإسلام بملكية الثروة الخاصة للرجل وملكية الأعيان ، ولكنها خاضعة لقيود عدة كثيرة . وكمثال ، فالرجل شرعا ملزم بسد حاجيات أسرته . وزوجته فى حالة الضرورة أعطيت حرية التصرف فيما يمتلك من أموال وممتلكات خصوصا فى حالة غيابه . وفى نفس الوقت ، فهى مطالبة بأن تتقى الله سبحانه وتعالى بكل المعنى ، وخصوصا لا تسئ التصرف فى ممتلكات الزوج أو تنتهك توصياته .
وبينما يرى كلا من الرجال والنساء بشكل ما ، أن هذا الوضع فيه تفضيل للجنس الآخر (ففى أوائل التاريخ الإسلامى ، كان الرجال يشعرون بأنهم مغبونون اقتصاديا) ، فالقرآن الكريم يحذر كليهما ألا يتمنوا ما فضل الله بعضهم على بعض ، حيث أنه فى النهاية يحدث التوازن .
ومن الصعب القول الى اي مدى مثل هذا النظام يمكن تنفيذه في الولايات المتحدة . فالفرص الوظيفية المتاحة للمرأة أكثر من ذى قبل ، واستقلال المرأة الإقتصادى مقبول ومرحب به .
وعلاوة على ذلك ، فإنه يكاد يكون من المستحيل بالنسبة لمعظم الأسر ذات الدخل الواحد البقاء على قيد الحياة . والواقع انه فى أمريكا اعتاد الأزواج على النظر للزواج بوصفه اتحاد ومشروع مشترك .
وفى التراث والثقافة الإسلامية ، الأزواج يجدون صعوبة أقل فى نظرتهم إلى هذه الفكرة العامة . زوجة أحد أصدقائى المصريين كانت تدير بنجاح أحد المطاعم هنا فى لورنس ، والأرباح التى تدرها منه استخدمتها لشراء شقة خاصة كانت تؤجرها . كانت مرتاحة بأن دخلها هذا ، والذى كان على وشك أن يزيد عن دخل زوجها ، كان ملكا لها وليست مضطرة لإنفاقه على أسرتها . وهذا المثال ليس غريبا .
لو تم الجمع بين دخلى زوجين ، نظرا للضرورة أو ما شابه ذلك ، بعضا من الحماية المرادة من هذا النظام بالتأكيد ستضعف . الإستقلال الإقتصادى للمرأة ، من المفروض أنه حماية لها فى حالة الأزمات ، كالطلاق أو موت الزوج . ومن ثم ، فإذا اعتبر الزوجين أن دخلهما يجب أن يكون مشتركا ، فلابد من عمل ترتيبات مكافئة قانونية ، ومعقولة وعملية لحماية كلا من الزوجين فى حالة الأزمات .
وقد يكون من المفيد عند هذه النقطة أن ننظر فى رؤية فقهاء المسلمين فى العصور الوسطى لأقل متطلبات الزوج والزوجة كل تجاه الآخر . وفى رأيى ، أن هؤلاء العلماء غالبا ما حددوا ميزات المرأة بقدر الإمكان كما تسمح به النصوص ، بينما توسعوا فى حقوق الرجل بقدر الإمكان دون تعارض صارخ مع المصادر النصية . وكقادم من وجهة نظر أخرى ، فقد أتوقع ... وهذا ما يحدث حاليا ... فإن المفكرين المسلمين فى هذه الأيام يعارضون هذا الإتجاه بدرجة ما .
ومع ذلك ، علاوة على الحقيقة بأن الرجل فى الماضى كانت له السلطة بلا جدال فى التحكم بالزوجة ، أين تذهب ومن يمكن أن تراه ، فإنه مما ينير لنا الطريق لنكتشف الأمور الجلية النادرة من القيود المفروضة على الشريكين . للطرفان حقوق زوجية كل على الآخر ، مع بعض التفضيل للزوج . فالزوج هو المسئول عن صيانة الأسرة والأبناء ، وفى بعض الأحيان عليه أيضا مسئولية عن أهله إن كانوا قريبا منه ، بينما دخل الزوجة مقتصر عليها . فهى ليس مطلوبا منها شئون المنزل كالطبخ أو حتى رعاية الأطفال . (مداخلة : وأين ".... والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها ...." إلا إذا كان يقصد المسئولة المالية) . وأكثر من هذا ، إذا كان فى مقدور زوجها ، فعليه توفير خدم للمنزل (وحتى هذه الأيام ، فالمرأة فى الجزيرة العربية تفترض كمطلب قانونى الحصول على مديرة للمنزل أو خدم وذلك عند الزواج) . ومن واجب الزوج أيضا الإنفاق على زوجته لتتعلم أمور دينها . وعلى الزوجة أن تدير ممتلكات زوجها حسب رغبته فى حالة غيابه . وليس من حقها أن تدعو أحدا فى ممتلكاته ، خصوصا الرجال ، الذين لا يرغب الزوج فى مقابلتهم .
وبالرغم من أنى لا أشعر بأن المسلمين الأمريكان سيوافقون على هذا التحكم بالحرام (blanket control) من الأزواج على أزواجهن ، فى الدخول والخروج أو اختيار الأصدقاء وأنه شئ ضرورى أو مرغوب فيه ، فإنهم قد يفاجئون بالآراء الإسلامية المبكرة بخصوص الواجبات المنزلية .
( 37 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الرابع
الأمة
وبالرغم من أنى لا أشعر بأن المسلمين الأمريكان سيوافقون على هذا التحكم بالحِرَام (blanket control) من الأزواج على أزواجهن ، فى الدخول والخروج أو اختيار الأصدقاء وأنه شئ ضرورى أو مرغوب فيه ، فإنهم قد يفاجئون بالآراء الإسلامية المبكرة بخصوص الواجبات المنزلية .
بدايات ونهايات صدقاتهن تصل إلى مرحلة يكن فيها حاسمات للأمر ، وهكذا فالمرأة العاملة تكون متحررة فى أسئلتها تضمنها كل ما يسوءها وتمتعض منه وتفرع فيها ما كانت تختزنه لفترة طويلة :
"لماذا تلبسين هذا الوشاح الكريه ؟؟؟"
"نتيجة إيمانى . كما أنى أعتقد بأن المرأة لا يجب أن تستغل جنسيا" .
"أنت معك بكالوريوس فى الرياضيات وأمامك مستقبل ."
"نعم معى بكالوريوس وقد ساعدتنى دراستى فى الحصول عليه . وأنا أم ولى ثلاثة أبناء" .
"ما عنيته هو شئ مفيد ، شئ تكتسبين من ورائه مالا" .
"هل هناك شئ أثمن من الحب ؟؟؟ أنت لا ترينه ببصرك ولا تستطعين قياسه ، فهو ينمو داخل نفسك وبين من تحبينهم ."
"ولكنك إذا عملت فى وظيفة ستصبحين أكثر تحررا اقتصاديا" .
أنا لا أعمل بشكل عنيف ، وزوجى يعطينى عشر دخله كمصروف للمنزل لأتصرف فيه كما أريد . كما أنه يدفع مرتب مديرة البيت التى تحضر مرتين فى الأسبوع" .
"إذا كان لك مرتب من عملك ، فلن تعتمدى على كرمه" .
"ولكن هذه النقود هى من حقى . ما أقبضه وما يدفع لمديرة المنزل هو من اتفاقنا عند الزواج . وبالرغم من أنني أحب أطفالي وبيتي ، فما أبذله من جهود قيمة تستحق ما اتفقنا عليه "!
"ولكن إذا حصلت على مال أكثر ، يمكنك أن تفعلى الكثير . مثلا فيمكنك السفر مرات أكثر" .
"هدفى فى الحياة ليس أوروبا" .
نظرة المسلمين للزواج هى نظرة واقعية . بعد أن يعطى الخطيبين موافقتهما ، تجتمع الأسرتين لتدعيم الإرتباط والدخول فى تفاصيل عقد الزواج . فإذا اتفق الجميع على التفاصيل يتقدم العريس بهدية للعروس تسمى "المهر" . ويتم حفل دينى بسيط ، يتبع بحفل الزفاف المرح .
وعند المسلمين العرب ، فعادة ما يستمر العروسان فى العيش كل عند أهله فترة من الزمن ، لمزيد من التعارف وتوطيد أواصر الحب . وفى هذه المرحلة ينصح العروسان بألا يرتبطا ارتباطا زوجيا ، ولو أنهما لو ارتبطا فهما لا يخالفون شيئا من الشرع ، لأنهما أصبحا زوجين قانونيين . الكثير من غراميات الزواج ، كما يتصوره الغرب ، يتحاشى بشكل رسمى وقوانين صارمة شرعية تسبق الإرتباط . قد يبنى الطرفين ، خصوصا لو كانوا شبابا ، إختيارهما بشكل أقل أو أكثر على قواعد عاطفية . ومن ثم ، فإن مهمة ممثلى الأسرتين تكون صعبة فى المفاوضات . وحينئذ فمن المنطق إعتبار الصعوبات التى قد تنشأ فيما بعد والإتفاق على كيفية حلها قبل الموافقة على الزواج ، وأن هذه الشروط المتفق عليها تكون قابلة للتنفيذ فى حالة الطلاق إذا لم يكن منه بد . والقواعد التى حددها الشرع فى حالة الطلاق بخصوص المهر تذكر فى هذه الآيات :::
1 - وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {237} سورة البقرة
2 - الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {229} سورة البقرة
3 - وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {20} وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً {21} سورة النساء
فى هذه الآيات التى تتعلق بصداق الزواج التى يعطيها الزوج لزوجته المتوقعة ، فإمكانية الطلاق من الواضح أنه يجب أن توضع فى الحسبان . وتبعا لذلك ، فالمسلم يقر بصداقين (أى مهرين) ، يتفق عليهما عند التفاوض على الزواج : مهر أولى يدفع قبل إتمام الزواج ، وصداق مؤجل يدفع على أقساط أو جملة واحدة فى حالة إن أخل الزوج بتعهده فى العقد (الآية رقم 20 من سورة النساء أعلاه) . وإذا طلب الطلاق قبل إتمام الزواج وبعد كتابة العقد ، فيحق له نصف الصداق الذى دفعه بداية ، أو كل الصداق إن قبل من بيده حق الزواج . (الآية 237 سورة البقرة أعلاه) . وإذا أرادت المرأة فسخ عقد الزواج ، فعليها أن ترد بعضا أو كلا من الصداق لزوجها بما تقدره المحكمة حسب إدانة الزوج (الآية رقم 229 سورة البقرة أعلاه) . وفى بعض الأحيان يكون الصداق عقارا أو مجوهرات ، وكما تظهر الآية الكريمة (رقم 20 سورة النساء أعلاه) فقد يكون المهر ذو قيمة ضخمة . وكمثال ، فلى صديق أمريكى تزوج امرأة من مصر وأعطاها مهرها شقة أجرتها وتعمل على استثمار ما تحصله منها . وصديق آخر من السعودية أعطى زوجته مهرها من الماس ما يوازى قيمته مائة ألف دولار . وقد يشتمل الصداق على بعض إجراءات تأخذ فى الحسبان التضخم المالى ، بحيث يلتزم الزوج بنسبة مئوية من الراتب السنوى لعدة أعوام و / أو جزء من عقاراته المدخرة .
وكمثال ، فقد يكون من حق الزوجة نصف أملاكه الثابتة . ومن المثير ، فمرات ما أسأل من بعض الشباب المسلم من الرجال ، عما إذا كنت أعرف إمرأة أمريكية مسلمة ترغب فى الزواج . فإذا نصحتهم بأنه أفضل لهم البحث عنها فى بلادهم ، فيقال لى فى بعض المرات ، إن مهر الأمريكية أقل من المهر فى بلادنا .
شخصيا لست مرتاح لتقديم أصدقائى من النساء لمثل هؤلاء الذين يريدون الإستفادة من مثل هذه الأمور الشاذة .
الصداق هو عنصر واحد فقط يتم تسويته قبل الزواج ، وهو عنصر لحماية الحقوق والمتطلبات لكلا الطرفين . لكلا الطرفين أن يشترطا أى شرط مادام لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية . فيمكن للمرأة أن تشترط أن يسمح لها بالعمل خارج المنزل ، أو أن ينفق عليها زوجها لإتمام تعليمها ، أو أن يدبر لها خادمة لشئون المنزل ، أو أن يدبر لها مربية للأطفال . الفقهاء فى باكستان يقرون حقها فى أن يأخذ الزوج إذنها إذا أراد الزواج بأخرى . قد تبدو المطالبة بإمتيازات مقبولة من الشرع هى زيادات ، إلا أن عقد الزواج يحاول أن يضع حلولا لنقاط الخلاف التى قد تحدث مستقبلا ، وفى حالة الطلاق ، بدل أن يترك الأمر لتقدير القاضى ، فتكون هذه النصوص ملزمة ضد الطرف المذنب .
بالنسبة للمسلمين ، خصوصا فى حالة وجود أطفال ، فأن الطلاق يفضل تجنبه بأى ثمن . حتى فى أحسن الأحوال ، فالطلاق ليس فى صالح من يقترفه . وفى حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن أبغض الحلال عند الله الطلاق . موقف الإسلام من الطلاق هو كموقفه من الحرب : فى بعض الأوقات قد يكون هناك حاجة لهما ، ولكن كآخر البدائل . ولذلك فدعوة الحكام من الطرفين تسبق الطلاق ، كما أن الطلاق لا يقع إلا بعد ثلاثة أشهر من الإنتظار حتى يصير نافذا :::
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {229} فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {230} سورة البقرة
وبعد ثلاثة محاولات فاشلة ، فإن المرأة تضع زواجها وراء ظهرها وتبحث عن زواج غيره . هذا قد يؤدى إلى زواج متناغم جديد ، وفى نفس الوقت يجعل الشريكين الأولين يفكرا مليا قبل إيقاع الطلاق الأول . وبما أن الإنفصال دائما ما يشوبه شئ من الإنفعال والعواطف المتضاربة ، فقد يخرج الإنسان عن تعاليم الشرع . هذا يفسر لماذا لا يحل للمرأة الرجوع إلى زوجها الأول إلا بعد أن يطلقها زوجها الجديد ، كما ورد فى الآية (230) من سورة البقرة ، فذلك يؤكد أن عودتها ستكون عودة صادقة .
ومن المفارقات ، فقد كان بعض الفقهاء قديما يجعلون عدم عودة المرأة لزوجها بأن يلقى الزوج على زوجته يمين الطلاق ثلاث مرات فى جلسة واحدة ، وهذا يتنافى بوضوح مع ما يقصده القرآن الكريم . وفى دول إسلامية عدة ، تبذل الحكومات جهدا استباقيا لعدم استخدام هذا العبث فى الأحوال الشخصية ، وذلك بتسجيل الزواج والطلاق رسميا . وهذا الإجراء يعتبر إيجابيا ، ويتفق مع القرآن الكريم كما جاء بالآية (231) من سورة البقرة عن الطلاق ، والتى جاء بها (.............وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوا ..........) :::
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {231} سورة البقرة
واستنادا للآية (229) من سورة البقرة وفى مناسبات أخرى حدثت فى حياة الرسول عليه السلام ، فإن المحامين المسلمين يعترفون بأن للمرأة حق طلب الطلاق من زوجها . وهو بالنسبة للرجل يطلق عليه (الطلاق) ، أما بالنسبة للمرأة فيطلق عليه (الخلع) . ومما يذكر فى كتب الأحاديث :::
أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه
وللأسف بالرغم من أن هذا الدليل من الوضوح بمكان ، إلا أن بعض الفقهاء يذهبون للعكس ويختارون تقييد حقوق المرأة بقدر الإمكان ، فى هذا الخصوص . وفى كثير من الأماكن ، يضعون قيدا على حق المرأة فى الخلع إلا إذا كانت قد نصت على ذلك فى عقد الزواج ، وفى أماكن أخرى ، لا تعطى هذا الحق إلا إذا أساء زوجها إساءات محددة بالغة .
تعاليم القرآن الكريم المتعلقة بالطلاق ... وهذا صحيح بالنسبة لحقوق الرجال والنساء فى العموم ... ليست متشابهة لكلا الجنسين .
وكمثال فالنساء عليهن الإنتظار ومراعاة فترة ثلاثة أشهر قبل الشروع فى زواج آخر ، وذلك ليتحدد ما إذا كن ذواتى حمل وذلك لمعرفة من الأب لهذا الطفل المتوقع ، بينما الرجل يمكن له الزواج مباشرة . هذا الوضع يؤكد أن التكافؤ والإنصاف هما الغالبين . مرة أخرى هذه واحدة من الجوانب الرائعة لتعاليم القرآن الكريم : إنه تنبيه للتحديات التى لم تكن لتثار أثناء نزول الوحى ولا القرون التالية . فى القرن السابع الهجرى لم يكن هناك أى ضرورة لتبرير أى تفاوت بين الجنسين بما يخص التعاليم الدينية ، وبأن الرجال متفوقون فطريا على النساء . فالقرآن الكريم يقدم هذا الدفاع فى آخر آية الطلاق :::
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ {228} سورة البقرة
كما أنه لدينا هذه الآيات البينات :::
وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {32} وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً {33} الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً {34} سورة النساء
لهذا فنحن نشعر ، مستندين لما أشار به القرآن الكريم ، أن حقوق المرأة ستظل نقطة نزاع . والجواب على ذلك ، هو أن ينظر إلى السياق الأوسع حين ذكر الحالات الفردية . وإذا كان الرجل المسلم والمرأة المسلمة قد أعطوا تقريبا ، حقوقا وواجبات متشابهة ، مع بعض الأفضلية للرجل ، فهذا لمراعاة الحالة العامة لاستقرار المجتمع .
ابو طلال الفيفي
2011-07-30, 01:00 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
فعلاً كتاب جميل ومفيد ومميز
جهد جميل وجبار واعجبني ذكر اسم السور وترقيم الايات ..
الله يجزاك خير على ماقدمت لنا
وأسال الله ان ينفع به
الله يعطيك العافيه اخي الفاضل فارس الغربية
يستاهل التمييز وينقل الى قسم اقلام مبدعه بعد ان
يكتمل لحفظه خوفاً من ان يضيع ..
محمد حليلي
2011-07-31, 08:08 PM
بارك الله فيك اخوي فارس الغربية دائماً مميز
يعطيك العافية وجزاك الله خير على ما قدمت
وفي انتظار قلمك المبدع وان شاء الله لي رجعت للقراءة
بقآيآ .. حرف
2011-08-01, 12:01 AM
بارك الله فيك
أخي العزيز
فارس الغربية
مجهود جبار تشكر عليه
لا حرمك الله الاجر والثواب
vBulletin® v3.8.12 by vBS, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir