تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كلمات وفتاوى للشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله


aboanas
2006-12-06, 03:04 AM
جناية الصحفيين في استخفافهم بأهل العلم والدين لفضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :

أما بعد ، فالواجب على جميع الناس أن يتقوا الله فيما يقولون ويفعلون ويتركون فإن تقوى الله سبب سعادة الدارين وأولى الناس برعاية ما أوجب الله والقيام به هم المسلمون . ومما أوجب الله على عباده المؤمنين نصيحة بعضهم لبعض بمحبة الخير لهم قال صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) ...إلى قوله ( ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .

ومن النصيحة ورعاية حقوق الأخوة الإيمانية بذل الإحسان وكف العدوان واحترام ذوي الفضل والعلم والدين ولا ريب أن الاستخفاف بأهل العلم العاملين من أقبح العدوان ولا يصدر إلا من جاهل أو صاحب هوى ومن ذلك ما حصل في هذه الأيام من تهجم بعض الكتاب على بعض العلماء وذلك بمجادلتهم ومعارضتهم في بعض مسائل الأحكام .

ولم يكن هذا الجدال وهذه الاعتراضات ممن هو معروف بالاستقامة في دينه فكراً وسلوكاً بل هم المعروفون بالتوجهات العصرانية التغريبية فهم يعارضون كل دعوة أو فتوى تقف في طريق هذا التوجه وإذا قلنا ذلك لم نكن مخالفين قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) فالظن الذي هو إثم هو ما لا دليل عليه ولا أصل له إلا ما يلقيه الشيطان .

وهؤلاء الكتاب المعنيون معروف مذهبهم وتوجههم في لحن قولهم أو صريح قولهم أحياناً وأكثر ما يستثمرونه في مجادلاتهم ومعارضاتهم خلاف العلماء فينتقون من أقوال العلماء ما يوافق التوجه الذي يسيرون فيه ويوافق أهواء أكثر الناس ويطّرحون ما خالف ذلك ولا يحترمون من خالفهم بل يثورون عليه ويسفهون رأيه فلا يحترمون الآخر كما يدْعون ويدَّعون ، فهم يكيلون بمكيالين .

هذا ولا ينفع هؤلاء الكتاب أنهم قد يجادلون عن رأيهم ببعض الآيات والأحاديث لأنه ليس كل من جادل بالقرآن أو السنة يكون محقاً بل لابد من الأهلية وسلامة النية فقد قال المشركون : ( لو شاء الله ما أشركنا ) فهذا القول حق ولكن الله أكذبهم لفساد قصدهم وجاء في الأثر : ( إنما يَهدم الإسلام زلة العالم ، وجدال المنافق بالقرآن ) والله يغفر للعالم المجتهد زلته ولا يغفر للمنافق ما لم يتب.

ومما يدل على فساد قصد هؤلاء الكتاب في نقدهم للدوائر والمؤسسات الشرعية تكثيف النقد لها وإغماضهم عن غيرها .

ومن ينافح عن الدوائر الشرعية وعن القائمين عليها لا يدعي لهم العصمة ولكن يرى التحامل المغرض والنقد الذي يهدم ولا يبني ،

ومن طرق المنافقين للطعن في الدين تسفيه أهله و الاستهزاء بهم قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون . وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ) .

وأما أهل الإيمان الصادق فيعظمون الدين وأهله ويتبعون سبيل المؤمنين وذلك بإتباع الكتاب والسنة والاعتماد في فهم نصوصهما على فهم الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين فمن قال أنه ليس ملزما بفهم السلف الصالح وأن له أن يفسر النصوص بما يوافق أهواء الناس تيسيرا عليهم فهو من أضل الناس قال تعالى ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .

ومما يدل على أن هؤلاء الكتاب متبعون لأهوائهم أنهم يقبلون ويؤيدون من فتاوى العلماء ما يوافق مناهجهم توجهاتهم ويردون ما خالفها ، فهم كالذين قال الله فيهم ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ) . فيجب الإنكار عليهم وبيان تناقضهم والتحذير من مذاهبهم المخالفة للكتاب والسنة نسأل الله أن يردهم إلى صوابه .

وإنا بهذه المناسبة نُذَكِّر الصحفيين والكتاب أن يتقوا الله فيما ينشرون كما نُذَكِّرهم أنهم مسئولون عما يقولون ويكتبون ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) وفي الحديث ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرضى الله بها عنه إلى يوم القيامة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيسخط الله بها إلى يوم يلقاه ) . فما يكتبه البنان كالذي ينطقه اللسان أو أعظم خطرا وقد جاء في شأن اللسان قوله صلى الله عليه وسلم : ( وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) .

ولا يخفى أن من أعظم واجبات الإسلام إنكار المنكر فيجب على كل أحد من ذلك بقدر استطاعته .

فيجب على ولاة الأمور وعلى العلماء من حفظ الدين وصيانة حرماته ما لا يجب على غيرهم لما أعطاهم الله من سلطان القدرة وسلطان الحجة . وكفى بربك هادياً ونصيراً وفق الله ولاة أمرنا لما فيه صلاح أمر الأمة وسعادتها في دينها ودنياها . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

aboanas
2006-12-06, 03:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

فقد كثر الحديث في هذه الأيام عن عمل المرأة في المحلات التجارية وذلك بسبب ما صدر من قرار بهذا الشأن يُلزم التجار في المستلزمات النسائية الخاصة بتوظيف النساء في محلاتهم ولم يُعتبر في هذا القرار كَون هذه المحلات التي تعمل فيها النساء في أسواق نسائية خاصة لا يدخلها إلا النساء ومن المشهور أن وراء هذا القرار بعض المتهمين في دينهم من ذوي النفوذ .

وفي هذا القرار عدة أمور محرمة :

1 ـ ظلم التجار بإلزامهم ما لا يجب عليهم شرعاً وتعريضهم للخسارة في تجارتهم .

2 ـ ظلم العاملين لديهم بتسريحهم من غير موجب شرعي ولاسيما من لم تنته عقودهم .

3 ـ فتح باب من أبواب فتنة النساء رغم أن هذا القرار مبني على دعوى المحافظة على المرأة والواقع أنه على العكس فإنه يترتب على توظيف النساء في هذه المحلات عدة محاذير منها :

أ ـ حدوث علاقة غير مأمونة بين الموظفة أو الموظفات وصاحب المحل .

ب ـ أن وجود هذه المحلات النسائية في أسواق الرجال يؤدي إلى دخول الرجال عليهن لأن المحافظة غير متوفرة في كثير من الناس وكذلك الرقابة .

ج ـ أن هذه الموظفات تتعرض لخطر الاعتداء عليهن في أوقات خلو الأسواق كما في أول الصباح وآخر دوام المساء .

4 ـ أن هذا القرار خطوة أولى لتوظيف النساء في سائر المحلات مما يؤدي إلى تغيير صورة هذا المجتمع المحافظ بتفاقم فتنة المرأة وشيوع الفاحشة ويؤدي إلى المزيد من بطالة الرجال .

وبهذا يتبين أن هذا القرار من جهود أصحاب التغريب في هذه البلاد – حرسها الله – من كل من يريدها بسوء .

وبناء على ما تقدم فإننا نحذر عموم المسلمين أن يحملهم الطمع في كسب المال على التفريط في أمانتهم التي ولاهم الله عليها واسترعاهم إياها فإنهم مسئولون كما قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) .

فاحموا أيها المسلمون بناتكم وأخواتكم وزوجاتكم من كل ما يدنس كرامتهن واحذروا أن تستجيبوا أو تُخدعوا بما يزخرفه أدعياء حقوق المرأة وهم الجناة عليها على الحقيقة رد الله كيدهم في نحورهم والله من ورائهم محيط وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

aboanas
2006-12-06, 03:21 AM
- ما هي الأمور التي اتفقت عليها فرق الخوارج ؟ و ما هي الأمور التي وقع فيها خلافٌ بينهم ؟ و ما هو القول الراجح في كفر الخوارج ؟ و ما ضابط أن يُطلق على شخصٍ ما ، أو على فكرٍ ما أنه شخصٌ خارجي ، أو فكرٌ خارجي ؟ و جزاكم الله خير ما جزى عالماً عن طلابه .

الإجابة
الحمد لله ، الخوارج اسم لطائفة من المبتدعة ظهرت في خلافة علي رضي الله عنه ، ومعظمهم كان في جيش علي ففارقه عندما اتفق علي ومعاوية على تحكيم أبي موسى ، وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهم ـ ، فأنكرت الخوارج ذلك وقالوا : حكمتم الرجال لا حكم إلا لله ، فبعث إليهم علي ـ رضي الله عنه ـ ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فناظرهم ، فرجع كثير منهم ، وانحاز الذين أصروا على مذهبهم إلى موضع يقال له : النهروان ، فكفروا الحكمين ، وعلي ومعاوية ، ومن معهما ، وأغاروا على سرح المسلمين ، وقتلوا عبد الله بن خباب من أصحاب علي ـ رضي الله عنه ـ ، فرأى فيهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صفات المارقين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم ، ورغب فيه ، كقوله صلى الله عليه وسلم :" يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وعملكم مع عملهم ، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ". متفق عليه.
وفي حديث آخر في الصحيحين :" فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ". ، فقاتلهم علي رضي الله عنه بمن معه من الصحابة ، وأظهره الله عليهم ، وسُرّ بذلك ـ رضي الله عنه ـ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" تمرق ما رقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ". رواه مسلم .
وأصل مذهبهم التكفير بالكبائر من الذنوب ، وقد يعدون ما ليس بذنب ذنبا ؛ فيكفرون به ، كما قالوا : في التحكيم بين علي ، ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ ، فلذلك كفروا الحكمين ، وكفروا عليا ، ومعاوية ، ومن معهما ، ثم صاروا بعد ذلك فرقا حسْبَ زعاماتهم ، ومن الأصول المشهورة عنهم إنكار السنة ، ومن فروع ذلك:
إنكارهم المسح على الخفين ، ورجم الزاني المحصن .
والذي يظهر: أنه لا يعد من الخوارج إلا من قال بهذين الأصلين ، وهما :
التكفير بالذنوب ، وإنكار الاحتجاج ، والعمل بالسنة .
وأما تفاصيل الفرق بين فرقهم ، فيرجع فيه إلى كتب الفرق ككتاب الملل والنحل للشهرستاني ، والفصل لابن حزم ، والله أعلم .

aboanas
2006-12-06, 03:29 AM
حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب للشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى


الحمد لله وبعد ،،

فلقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والبشرية في جاهلية جهلاء، لم يبق من نور النبوة إلا ما كان عند بعض أهل الكتاب، كما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" فمنّ الله سبحانه وتعالى على البشرية ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: (( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً )) (الفرقان:1)، وقال: (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (الجمعة:2) وسعد ببعثته صلى الله عليه وسلم المؤمنون الذين قبلوا دعوته وآمنوا به وبما جاء به، لذا خصهم بهذه المنّة بقوله: (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) (آل عمران:164).

فأخرج الله سبحانه وتعالى بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم من شاء من عباده من الظلمات إلى النور، كما قال سبحانه: (( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) (إبراهيم: من الآية1).
فبلّغ صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، وأبان توحيد الله، وأبطل معالم الشرك، وقد أظهر الله دينه على الدين كله، كما قال سبحانه: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) (التوبة:33) ، وقام بدعوته من بعده أصحابه، ففتحوا البلاد بالسيف السنان، وفتحوا القلوب بالحجة والبيان عن السنة والقرآن، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، كما في الحديث الصحيح: ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء ).

قيل: ما الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس"، وجاء في الحديث: "إن الله يبعث على رأس كل قرية من يجدد لهذه الأمة أمر دينها" وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله سبحانه وتعالى.

وقد وقع كما أخبر، فمع ما ابتلي به الإسلام والمسلمون من كيد الأعداء من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، مع ذلك لم يزل الإسلام قائماً محفوظاً بحفظ الله، وبما قيض له من الحَمَلة من أهل العلم والإيمان، كما في الحديث المشهور: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف القالين) ومما يصدق ذلك أنه لما وقعت الردة في العرب بموت النبي صلى الله عليه وسلم قيض الله الخليفة الراشد أبا بكر الصديق رضي الله عنه ومعه الصحابة فجاهدوهم حتى رجع من شاء الله له السعادة، وهلك من قضى الله عليه بالشقوة، واستقر أمر الإسلام، وسارت جيوش المسلمين في فتح البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وعندما ظهرت الخوارج والرافضة السبئية في عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل الخوارج بمن معه من الصحابة، وقتل السبئية، فقمع الله به هاتين الطائفتين، مما جعل الله في ذلك ترسيخاً للإسلام وقمعاً للباطل وأهله.

وعندما ظهرت بدعة الجهمية قيض الله لها العلماء والأمراء العادلين فحاربوها، وقتل رأس الجهمية الجهم بن صفوان، ولما قامت الدعوة إلى القول بخلق القرآن في خلافة المأمون أنكرها العلماء، وردوا شبهات المبتدعين وصبروا على الامتحان، وبرز في ذلك الإمام أحمد وابتلي في ذلك بلاء شديداً، فصبر وأظهره الله على خصومه حتى عرف في الأمة بإمام أهل أسنة.

وبعد أن مرت قرون، مضت القرون الفاضلة وبعدها قرون، ودرس كثير من معالم السنة، قيض الله شيخ الإسلام ابن تيمية، فأحيا السنة، وجلاّها بالأدلة الشرعية والعقلية، وزيّف شبه المبتدعين، ورد على كثير من طوائف الضلال من النصارى والفلاسفة والرافضة والمتكلمين، وله المؤلفات العظيمة في ذلك، مما كان مصدراً لدعوات التجديد، تجديد دين الإسلام.

وفي القرن الثاني عشر في بلاد نجد، وهي منطقة اليمامة، ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الإمام المجدد، فإنه ولد في سنة خمسة عشر بعد الألف ومائة للهجرة النبوية في بلدة العيينة، من أرض اليمامة، فنشأ بها وحفظ القرآن وتعلم مبادئ العلوم على والده، وتفقه على يد بعض أهل العلم في ناحيته.

بعد ذلك كانت له همة، فرحل إلى الحجاز، مكة والمدينة، ولقي بعض الشيوخ ورحل كذلك إلى العراق، فأفاد ممن لقيه من أهل العلم بالبصرة وغيرها، وقد أنار الله بصيرته، فأدرك أن كثيراً من المسلمين قد بعدوا عن حقيقة الإسلام، حتى دان كثير منهم بالشرك الصراح، وقبلوا الخرافة وعظم جهلهم بحقيقة التوحيد، وكانت له همة عالية، فرأى من الواجب عليه ألا يسكت على هذا الواقع كما سكت الكثيرون، قصوراً أو تقصيراً، فلما رجع إلى بلدته بدأ الدعوة هناك، وتبعه على ذلك كثير من طلاب العلم، فتصدى لمقاومة الشرك والخرافة في بلده العيينة وما جاورها، ثم رحل إلى بلدة الدرعية، فصادف من أميرها محمد بن سعود قبولاً لدعوته، ومناصرة، وذلك في الخمسينات من القرن الثاني عشر، فلقيت دعوته بتوفيق الله نجاحاً، وكثر أنصارها، فانتشرت دعوته في منطقة اليمامة، وامتدت إلى نواحي الجزيرة، وكان ذلك بانتشار حملة هذه الدعوة من الأمراء وطلاب العلم والعامة وبما كان يكاتب به رحمه الله النواحي من الرسائل العامة والرسائل الشخصية، فسعدت نجد قبل غيرها بهذه الدعوة وطهرها الله من مظاهر الشرك والخرافة والصوفية والبدع الاعتقادية، وامتدت آثار هذه الدعوة إلى أطراف الجزيرة وإلى سائر الأقطار الإسلامية، فكان الناس أمام هذه الدعوة صنفين:

علماء موفقين عرفوا حقيقتها وعرفوا أنها تجديد لدعوة التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وهو تحقيق معنى (لا إله إلا الله) وتجديد لدعوة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ببيان حقيقة التوحيد وحقيقة السنة وإزالة ما علق في العقول من شُبَه، أوجبت لكثير من الناس الجهل بحقيقة الشهادتين وما تقتضيانه من إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

الصنف الثاني: مناوئون حاربوا هذه الدعوة بما يستطيعون، فمنهم من حمله على ذلك الجهل بحقيقتها، ومنهم من حمله الحسد والتعصب والتقليد الأعمى، فألصقوا بهذه الدعوة التهم، وافترا عليها وعلى من قام بها الكذب، مثل أنهم يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يصلون عليه، وهذه فرية ساذجة، تدل على حماقة من تَفَوَّه بها وجهله الفاضح.

ومن أعظم ما رمى به الخصومُ الإمامَ رحمه الله أنه يكفِّر المسلمين، وهي فرية كذبها الشيخ رحمه الله في رسائله ومؤلفاته، وقال: نحن لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، وكذلك أحفاده وتلاميذه والمنصفون، بَرَّؤوا الشيخ من هذه الفرية، وبيّنوا حقيقة دعوته، وأنها تقوم على تقرير التوحيد بأنواعه ولا سيما توحيد العبادة؛ لأنه الذي فيه الخصومة بين الرسل وأعدائهم من المشركين، وكذلك كانت الخصومة والاختلاف فيه بين ورثة الرسل وورثة أعدائهم، وفي هذا السبيل بُيِّن سبب حدوث الشرك في العالم وأنه الغلو في الصالحين، كما جرى من قوم نوح عليه السلام، فأفضى بهم الغلو إلى أن عبدوهم من دون الله وقالوا ما أخبر الله به عنهم: (( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) (نوح:23) .

وهي أسماء رجال صالحين كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما بين الشيخ رحمه الله ومَن بعده مِن أئمة الدعوة أن ما عليه كثير من المسلمين من بناء المساجد والقباب على قبور صالحين أو من يظن فيهم الصلاح ثم الطواف حولها، والاستغاثة بأصحابها، والتقرب إليها بأنواع القربات من النذور والذبائح والصدقات، أن هذا بعينه هو من جنس شرك قوم نوح وشرك المشركين من العرب، بل بَيَّن الشيخ أن شرك هؤلاء المشركين أغلظ من شرك المتقدمين، فإن المشركين في هذا الزمان يشركون في الرخاء والشدة، وأما الذين حكى القرآن شركهم، فإنهم كانوا يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، نعم بيّن الشيخ إمام الدعوة ومن جاء بعده من حملتها أن ما يفعله القبوريون من الاستغاثة بالأموات من بُعْدٍ وقُرْب، وطلب الحوائج منهم، والسفر إلى قبورهم لذلك أنه عين الشرك الأكبر المنافي لأصل التوحيد الذي بعث الله به الرسل من أولهم إلى آخرهم، كما بين الله ذلك في كتابه، كقوله تعالى: (( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)) (يونس:106)، وقال تعالى: (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) (الأحقاف:5)، فعُبّاد القبور هم عند الشيخ كفارٌ مشركون ولو زعموا أن أصحابها وسائط بينهم وبين الله، فإن هذا هو ما كان يزعمه المشركون الأولون، كما قال تعالى: (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) (الزمر: من الآية3)، وقال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18)، فالشيخ إذا كفَّر هؤلاء المشركين من القبوريين لم يكفّر إلا من كفّره الله، كما ذكر في رده على مَن افترى عليه كما تقدم، ومع ذلك فقد نُقِل عن الشيخ في بعض المواضع أنه لا يُكَفِّر الجاهل من هؤلاء حتى تقوم عليه الحجة وبيّن له أن ما يفعله شرك بالله ينافي شهادة أن لا إله إلا الله، فغاية ما يقال إن الشيخ رحمه الله يكفّر هؤلاء القبوريين الذين يستغيثون بالأموات ويدعونهم من دون الله، يكفّرهم بالعموم، لا يكفّرهم بأعيانهم حتى تقوم عليهم الحجة، وهذا هو منهج أئمة أهل السنة في من كفروهم من أصحاب المقالات الكفرية، أي إنهم يكفرون بالعموم وأما تكفير المعين فيتوقف على وجود شروط التكفير وانتفاء الموانع، كما هو مقرر في كتب العقائد، وبهذا يتبين أن هذه الحملة في هذه الأيام على دعوة الشيخ رحمه الله هي من ورثة خصومه من أهل البدع والأهواء من الرافضة والصوفية لما وجدوا متنفساً، وتُهيئ لهم أن يكشفوا عن طواياهم، وذلك بسبب ضعف كثير من حماة هذه الدعوة المباركة، وتخلي بعضهم عنها، وانضمامه إلى صفوف المناوئين، ولو في بعض باطلهم، فلم يأت أصحاب هذه الحملة المعادية للدعوة السلفية، لم يأتوا بجديد بل استجروا ما ورثوه عن أسلافهم، وأظهروه في مؤلفات ومقالات كما صنع من قبلهم، ومع كثرة هؤلاء الخصوم وما لديهم من إمكانات فستبقى دعوة التوحيد والسنة محفوظة بحفظ الله، باقية ببقاء الطائفة المنصورة، التي لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة (( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)) (الرعد: من الآية17).

والله أعلم.