تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل وكلمات لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله


الراصد2
2006-07-14, 03:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




هل تريد راحة البال. وانشراح الصدر وسكينة النفس وطمأنينة القلب والمتاع الحسن ؟ عليك بالاستغفار: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً} [هود: 3].

هل تريد قوة الجسم وصحة البدن والسلامة من العاهات والآفات والأمراض والاوصاب ؟ عليك بالاستغفار:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
هل تريد دفع الكوارث والسلامة من الحوادث والأمن من الفتن والمحن ؟ عليكم بالاستغفار: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [لأنفال:33].

هل تريد الغيث المدرار والذرية الطيبة والولد الصالح والمال الحلال والرزق الواسع ؟ عليكم بالاستغفار: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح :10ـ12].

هل تريد تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات ؟ عليكم بالاستغفار: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58].

الاستغفار هو دواؤك الناجح وعلاجك الناجح من الذنوب والخطايا، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار دائماً وأبداً بقوله: (يا أيها الناس استغفروا الله وتوبوا إليه فإني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة).

والله يرضى عن المستغفر الصادق لأنه يغترف بذنبه ويستقبل ربه فكأنه يقول: يارب أخطأت وأسأت وأذنبت وقصرت في حقك، وتعديت حقوقك، وظلمت نفسي وغلبني شيطاني، وقهرني هواي وغرتني نفسي الأمارة بالسوء، واعتمت على سعت حلمك وكريم عفوك، وعظيم جودك وكبير رحمتك.

فالأن جئت تائباً نادماً مستغفراً، فاصفح عني، وأعف عني، وسامحني، وأقل عثرتي، وأقل زلتي، وأمح خطيئتي، فليس لي رب غيرك، ولا إله سواك.

يـارب إن عظمت ذنوبي كثرة ***** فلقد عـلمت بأن عفوك أعظم
إن كـان لا يرجوك إلا مـحسن ***** فبمن يـلوذ ويستجير المجرم
مــالي إليك وسيلــة إلا الرضا ***** وجميل عــفوك ثم أني مسلم

في الحديث الصحيح : ( من لــزم الاستغفار جــعل الله لـه من كل هم فـرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ).

ومن اللطائف كان بعض المعاصرين عقيماً لا يولد له وقد عجز الأطباء عن علاجه وبارت الأدوية فيه فسأل أحد العلماء فقال: عليكم بكثرة الاستغفار صباح مساء فإن الله قال عن المستغفرين {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}[نوح :12]. فأكثر هذا الرجل من الاستغفار وداوم عليهن فرزقه الله الذرية الصالحة.

فيا من مزقه القلق، وأضناه الهم، وعذبه الحزن، عليك بالاستغفار فإنه يقشع سحب الهموم ويزيل غيوم الغموم، وهو البلسم الشافي، والدواء الكافي.

منقول

ملقاط
2006-07-14, 03:26 PM
شكرا اخي الكريم ويعطيك العافية


وصدقت فيما قلت فالاستغفار ثمارة عديدة


لك أرق تحيه

الشيخ
2006-07-14, 11:47 PM
لراصد2

بارك الله لك وجزاك الله خير

على هذه المواضيع المفيدة


شيخ المنتدى

azezbk
2006-07-15, 09:55 PM
الله يعافيك على جهودك في المنتدى
ومهما قلنا ما نقدر نوفيك حقك
الله يعطيك العافية

الصلبوخي
2006-07-16, 08:48 AM
استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه

جزاك الله خير اخي الكريم الراصد

لا حرمك ربي الأجر


ونفع الله بك

عبدالهادي المفرج التميمي
2006-07-17, 08:56 AM
ستغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه

جزااااااااااااااك الله خير

مشكووووووووووور



سلام

معدي المرقاب
2006-07-22, 01:44 PM
استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه

جزاك الله خير اخي الكريم الراصد

لا حرمك ربي الأجر


ونفع الله بك


مشكوووور

صياد الضبي
2006-07-22, 01:56 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي الكريم

وفيت وكفيت

تسلم

موضوع في الصميم

كل الشكر والتقدير لك

النايفات
2006-07-22, 05:18 PM
كم أتمنى أن تتسع صفحات منتدياتنا لقلمك
وما يحمله من عبير مشاعرك ومواضيعك
وآرائك الشخصية

دمت لنا سالما



النايف

الجارح 2000
2006-07-26, 08:29 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الف شكر على هذا العمل

يعطيك الف عافيه

وماقصرت اخوي

ربي يجزاك كل خير

اخوك الجارح 2000

المصمك
2006-07-27, 07:58 AM
اسعد الله ايامك بالمسرات

جزاكم الله كل خير

والكثير منا قليل العلم به

شكرا على هذا التوضيح

هاوي بر
2006-07-30, 02:38 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك

أبو ثابت
2006-08-03, 03:08 PM
الله يجزاك خير .. فعلن ربي ماخلقنا ليعذبنا وانما ليرحمنا ..!! فأنا أتعجب ممن أعطاه الله مفاتيح السعادة ويبخل على نفسه !! لاماذا لاتجرب أحد طرق السعادة من استغفار ودعاء ورجاء وتسبيح وشكر وتحميد !!

وحيد111
2006-08-03, 11:27 PM
اخوي الراصد2

جزاك الله خير ونفع الله بك

مرزوق
2006-08-06, 04:22 PM
ربي يحفظك ويعافيك على ما تقدم لنا
وما قدمته لنا في الدنيا تبي تلقاه في الاخرة اجر عظيم

ابو الولد
2006-08-07, 08:56 AM
الله يذكرك الشهاده يالطيب ولا يحرمك الاجر ويثيبك

عماد
2006-08-08, 10:04 AM
كلام طيب وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار
جزاك الله خير

nahham
2006-08-08, 09:17 PM
جزاك الله خير اخوي

بارك الله فيك وما قصرت

aboanas
2006-12-05, 03:27 AM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين .[1]
أيها المسلمون من حجاج بيت الله الحرام :
أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه والعافية من مضلات الفتن ، كما أسأله سبحانه أن يوفقكم جميعاً لأداء مناسككم على الوجه الذي يرضيه ، وأن يتقبل منكم ، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين موفقين إنه خير مسؤول .
أيها المسلمون :
إن وصيتي للجميع هي تقوى الله سبحانه في جميع الأحوال ، والاستقامة على دينه ، والحذر من أسباب غضبه ، وإن أهم الفرائض وأعظم الواجبات هو توحيد الله والإخلاص له في جميع العبادات ، مع العناية باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال ، وأن تؤدوا مناسك الحج وسائر العبادات على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله وخليله وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وإن أعظم المنكرات وأخطر الجرائم هو الشرك بالله سبحانه ن وهو صرف العبادة أو بعضها لغيره سبحانه لقول الله عز وجل : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[2] . وقوله سبحانه مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}[3] .
حجاج بيت الله الحرام :
إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع ، وذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم ، وقد علم الناس فيها مناسكهم بقوله وفعله ، وقال لهم صلى الله عليه وسلم : ((خذوا عني مناسككم))[4] فالواجب على المسلمين جميعاً أن يتأسوا به في ذلك وأن يؤدوا مناسكهم على الوجه الذي شرعه لهم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد وقد بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين ، وأمر الله عباده بأن يطيعوه وبين أن اتباعه هو سبب دخول الجنة والنجاة من النار ، وأنه الدليل على صدق حب العبد لربه وعلى حب الله للعبد ، كما قال الله تعالى : {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}[5] ، وقال سبحانه : {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}[6] ، وقال عز وجل : {من يطع الرسول فقد أطاع الله}[7] ، وقال سبحانه : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}[8] ، وقال سبحانه : {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم . ومن يعص الله ورسوله يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}[9] ، وقال عز وجل : {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}[10] ، وقال تعالى : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}[11] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة . فوصيتي لكم جميعاً ولنفسي تقوى الله في جميع الأحوال ، والصدق في متابعة نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله لتفوزوا بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة .
حجاج بيت الله الحرام :
إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الثامن من ذي الحجة توجه من مكة المكرمة إلى منى ملبياً ، وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يهلوا بالحج من منازلهم ويتوجهوا إلى منى ولم يأمر بطواف الوداع ، فدل ذلك على أن السنة لمن أراد الحج من أهل مكة وغيرهم من المقيمين فيها ومن المحلين من عمرتهم وغيرهم من الحجاج أن يتوجهوا إلى منى في اليوم الثامن ملبين بالحج وليس عليهم أن يذهبوا إلى المسجد الحرام للطواف بالكعبة طواف الوداع . ويستحب للمسلم عند إحرامه بالحج أن يفعل ما يفعله في الميقات عند الإحرام من الغسل والطيب والتنظيف ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك لما أرادت الإحرام بالحج وكانت قد أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض عند دخول مكة وتعذر عليها الطواف قبل خروجها إلى منى فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بالحج ففعلت ذلك فصارت قارنة بين الحج والعمرة . وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً دون جمع وهذا هو السنة تأسياً به صلى الله عليه وسلم . ويسن للحجاج في هذه الرحلة أن يشتغلوا بالتلبية وبذكر الله عز وجل وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير كالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الفقراء ، فلما طلعت الشمس يوم عرفة توجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى عرفات منهم من يلبي ومنهم من يكبر ، فلما وصل عرفات نزل بقبة من شعر ضربت له بنمرة غربي عرفة واستظل بها عليه الصلاة والسلام ، فدل ذلك على جواز أن يستظل الحجاج بالخيام والشجر ونحوها . فلما زالت الشمس ركب دابته عليه الصلاة والسلام وخطب الناس وذكرهم ، وعلمهم مناسك حجهم ، وحذرهم من الربا وأعمال الجاهلية ، واخبرهم أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام ، وأمرهم بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرهم أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالواجب على جميع المسلمين أن يلتزموا بهذه الوصية وأن يستقيموا عليها أينما كانوا ، ويجب على حكام المسلمين جميعاً أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يحكموها في جميع شئونهم ، وأن يلزموا شعوبهم بالتحاكم لهما وذلك هو طريق العزة والكرامة والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة . وفق الله الجميع لذلك . ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الظهر والعصر قصراً وجمعاً جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين بعد زوال الشمس ولم يفصل بينهما بصلاة ثم توجه إلى الموقف واستقبل القبلة ووقف على دابته يذكر الله ويدعوه ويرفع يديه بالدعاء حتى غابت الشمس وكان مفطراً ذلك اليوم ، فعلم بذلك أن المشروع للحجاج أن يفعلوا كفعله صلى الله عليه وسلم في عرفات وأن يشتغلوا بذكر الله والدعاء والتلبية إلى غروب الشمس وأن يرفعوا أيديهم بالدعاء وأن يكونوا مفطرين لا صائمين . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((ما من يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم ملائكته ))[12]، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن الله يقول يوم عرفة لملائكته : ((انظروا إلى عبادي أتوني شُعثاً غبراً يرجون رحمتي أشهدكم أني قد غفرت لهم ))[13] ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ((وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ))[14] . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغروب توجه ملبياً إلى مزدلفة وصلى بها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين قبل حط الرحال ولم يصل بينهما شيئاً. فدل ذلك على أن المشروع لجميع الحجاج المبادرة بصلاة المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان واحد إقامتين من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل حط الرحال ولو كان ذلك في وقت المغرب تأسياً به صلى الله عليه وسلم وعملاً بسنته . ثم بات بها وصلى بها الفجر مع سنتها بأذان وإقامة ثم أتى المشعر فذكر الله عنده وكبره وهلله ودعا ورفع يديه وقال : "وقفت ها هنا وجمع كلها موقف " . فدل ذلك على أن جميع مزدلفة موقف للحجاج يبيت كل حاج في مكانه ويذكر الله ويستغفره في مكانه ولا حاجة إلى أن يتوجه إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة للضعفة أن ينصرفوا إلى منى بليل ، فدل ذلك على أنه لا حرج على الضعفة من النساء والمرضى والشيوخ ومن تبعهم في التوجه من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل عملاً بالرخصة وحذراً من مشقة الزحمة ويجوز لهم أن يرموا الجمرة ليلاً كما ثبت ذلك عن أم سلمة وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم . وذكرت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للنساء بذلك ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ما أسفر جداً دفع إلى منى ملبياً فقصد جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم نحر هديه ثم حلق رأسه ثم طيبته عائشة رضي الله عنها ، ثم توجه إلى البيت فطاف به ، وسئل صلى الله عليه وسلم في يوم النحر عمن ذبح قبل أن يرمي ومن حلق قبل أن يذبح ومن أفاض إلى البيت قبل أن يرمي فقال ((لا حرج)) قال الراوي : فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج))[15] فعلم بهذا أن السنة للحجاج أن يبدأوا برمي الجمرة يوم العيد ثم ينحروا إذا كان عليهم هدي ثم يحلقوا أو يقصروا والحلق أفضل من التقصير فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات للمحلقين ومرة واحدة للمقصرين ، وبذلك يحصل للحاج التحلل الأول فيلبس المخيط ويتطيب ويباح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء ، ثم يذهب إلى البيت فيطوف به في يوم العيد أو بعده ، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً وبذلك يحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء . أما إن كان الحاج مفرداً أو قارناً فإنه يكفيه السعي الأول الذي أتى به مع طواف القدوم ، فإن لم يسع مع طواف القدوم وجب عليه أن يسعى مع طواف الإفاضة . ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فأقام بها بقية يوم العيد واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر يرمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال يرمي كل جمرة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ويدعو ويرفع يديه بعد الفراغ من الجمرة الأولى والثانية ويجعل الأولى عن يساره ، والثانية عن يمينه ولا يقف عند الثالثة ، ثم دفع صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمرات فنزل بالأبطح وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء . ثم نزل إلى مكة في آخر الليل وصلى الفجر بالناس عليه الصلاة والسلام ، وطاف للوداع قبل الصلاة ، ثم توجه بعد الصلاة إلى المدينة في صبيحة اليوم الرابع عشر عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم . فعلم من ذلك أن السنة للحاج أن يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم في أيام منى ، فيرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في كل يوم كل واحدة بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، ويشرع له أن يقف بعد رميه الأولى ويستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويجعلها عن يساره ، ويقف بعد رمي الثانية كذلك ويجعلها عن يمينه وهذا مستحب وليس بواجب ، ولا يقف بعد رمي الثالثة ، فإن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال وقبل غروب الشمس رمى في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل في أصح قولي العلماء رحمة من الله سبحانه بعباده وتوسعة عليهم ، ومن شاء أن يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمار فلا بأس ، ومن أحب أن يتأخر حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فهو أفضل؛ لكونه موافقاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، والسنة للحاج أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ، وهذا المبيت واجب عند كثير من أهل العلم ويكفي أكثر الليل إذا تيسر ذلك ، ومن كان له عذر شرعي كالسقاة والرعاة ونحوهم فلا مبيت عليه ، أما ليلة الثالث عشر فلا يجب على الحجاج أن يبيتوها بمنى إذا تعجلوا ونفروا من منى قبل الغروب في اليوم الثاني عشر ، أما من أدركه المبيت بمنى فإنه يبيت ليلة الثالث عشر ويرمي الجمار بعد الزوال ثم ينفر ، وليس على أحد رمي بعد الثالث عشر ولو أقام بمنى . ومتى أراد الحاج السفر إلى بلاده وجب عليه أن يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت ))[16] إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ))[17] متفق على صحته . والنفساء مثلها . ومن أخر طواف الإفاضة فطاف عند السفر أجزأه عن الوداع لعموم الحديثين المذكورين ، وأسال الله أن يوفق الجميع لما يرضيه وأن يتقبل منا ومنكم ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

--------------------------------------------------------------------------------

[1]نشر في كتاب (فتاوى وتنبيهات ونصائح ) ، طبع مكتبة السنة بمصر ، وفي مجلة (التوحيد) التي تصدر عن جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر
[2]سورة النساء ، الآية 48
[3]سورة الزمر ، الآية 65
[4]رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً برقم 1297
[5]سورة الحشر ، الآية 7
[6]سورة النور ، الآية 56
[7]سورة النساء ، الآية 80
[8]سورة الأحزاب ، الآية 21
[9]سورة النساء ، الآيتان 13، 14
[10]سورة الأعراف ، الآية 158
[11]سورة آل عمران ، الآية 31
[12]رواه مسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم 1348
[13]رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم 7049
[14]رواه مسلم في (الحج) باب ما جاء في أن عرفة كلها موقف برقم 1218
[15]رواه البخاري في (العلم) باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها برقم 83 ، وفي ( الحج ) باب الذبح قبل الحلق برقم 1721 ، ومسلم في (الحج ) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي برقم 1306
[16]رواه مسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم 1327
[17]رواه البخاري في (الحج) باب طواف الوداع برقم 1755 ، ومسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض والنفساء برقم 1328

aboanas
2006-12-05, 03:42 AM
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب صلاح المجتمع كما أنه هو سفينة النجاة

القسم : إملاءات > مقالات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن من أهم الواجبات الإسلامية التي يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا والآخرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك هو سفينة النجاة، كما ثبت في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)).

فتأمل أيها المسلم هذا المثل العظيم من سيد ولد آدم ورسول رب العالمين، وأعلم الخلق بأحوال المجتمع وأسباب صلاحه وفساده، تجده واضح الدلالة على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه سبيل النجاة وطريق صلاح المجتمع، ويتضح من ذلك أيضاً أنه واجب على المسلمين وفرض عليهم القيام به؛ لأنه هو الوسيلة إلى سلامتهم من أسباب الهلاك، وقد أكثر الله سبحانه في كتابه الكريم من ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم بسبب صفاتها الحميدة التي من أهمها قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كما قال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[1].

وتأمل أيها المسلم الذي يهمه دينه وصلاح مجتمعه كيف بدأ الله سبحانه في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان، مع كون الإيمان شرطا لصحة جميع العبادات يتبين لك عظم شأن هذا الواجب، وأنه سبحانه إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام.

وقال عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[2].

فانظر يا أخي كيف بدأ في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة، وما ذاك إلا لما تقدم بيانه من عظم شأنه وعموم منفعته وتأثيره في المجتمع، وتدل الآية أيضاً على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أخلاق المؤمنين والمؤمنات وصفاتهم الواجبة التي لا يجوز لهم التخلي عنها أو التساهل بها، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وقد ذم الله سبحانه من ترك هذا الواجب من كفار بني إسرائيل ولعنهم على ذلك فقال سبحانه في كتابه المبين من سورة المائدة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[3]، وفي هذه الآية إرشاد من الله سبحانه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن سبب لعن كفار بني إسرائيل وذمهم هو عصيانهم واعتداؤهم، وأن من ذلك عدم تناهيهم عن المنكر فيما بينهم لتحذر هذه الأمة سبيلهم الوخيم، ويبتعدوا عن هذا الخلق الذميم، ويتضح من ذلك أن هذه الأمة متى تخلقت بأخلاق كفار بني إسرائيل المذمومة استحقت ما استحقه أولئك من الذم واللعن؛ لأنه لا صلة بين العباد وبين ربهم إلا صلة العبادة والطاعة، فمن استقام على عبادة الله وحده وامتثال أوامره وترك نواهيه استحق من الله الكرامة فضلاً منه وإحساناً، وفاز بالثناء الحسن والعاقبة الحميدة، ومن حاد عن سبيل الحق استحق الذم واللعن، وباء بالخيبة والخسران، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.

وروى مسلم أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)).

فاتق الله أيها المسلم في نفسك وجاهدها لله، واستقم على أمره، وجاهد من تحت يديك من الأهل والذرية وغيرهم، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر حسب طاقتك في كل مكان وزمان عملا بهذه الأدلة الشرعية التي ذكرتها لك آنفاً، وتخلق بأخلاق المؤمنين واحذر من أخلاق الكافرين والمجرمين، واحرص جهدك على نجاتك ونجاة أهلك وإخوانك المسلمين، كما قال عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[4]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[5]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((يا أيها الناس: إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم)) أخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه وهذا لفظ ابن حبان.

والمعروف -يا أخي-: هو كل ما أمر الله به ورسوله. والمنكر: هو كل ما نهى الله عنه ورسوله. فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية، ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية والفعلية.

ثم اعلم -يا أخي- أن كل مسلم راع على من تحت يده ومسئول عن رعيته كما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته)).

فاتق الله يا عبد الله وأعد جواباً لهذا السؤال قبل أن ينزل بك من أمر الله ما لا قبل لك به، والله المسئول أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم، وأن يوفقنا وسائر المسلمين للقيام بأمره والثبات على دينه، والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر عليه بصدق وإخلاص، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] سورة آل عمران الآية 110.

[2] سورة التوبة الآية 71.

[3] سورة المائدة الآية 78 ، 79.

[4] سورة طه الآية 132.

[5] سورة التحريم الآية 6.

aboanas
2006-12-05, 03:53 AM
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد :
فإني أشكر الله عز وجل على ما منّ به من هذا اللقاء بإخواني في الله من : الخطباء ، والدعاة ، وأئمة المساجد في رحاب بيت الله العتيق للتناصح والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى. وقد سمعنا جميعا كلمة الأمين العام للتوعية عن الدعاة وأعمالهم وعما حصل من الخير العظيم على يد الدعاة ، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والتعاون فيما بينهم مع الأجهزة الحكومية ، وقد سرنا هذا كثيرا والحمد لله ، ونسأل الله أن يزيد الجميع من التوفيق والإعانة والتسديد ، وأن يجعلهم مفاتيح خير ومغاليق شر ، وأن يسدد خطاهم ويصلح قلوبهم وأعمالهم.
ولا شك أن الواجب على الجميع التعاون على البر والتقوى ، وأن على الدعاة التعاون مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وعلى الأجهزة الحكومية التعاون مع الجميع في هذا الأمر ، لأن التعاون على البر والتقوى يحصل به الخير العظيم وإنجاز المهمة وتحصيل المقصود والحمد لله على ذلك.
إن الكلمة الوافية التي تفضل بها فضيلة الشيخ : محمد بن عبد الله بن سبيل الرئيس العام لشئون المسجد الحرام وشئون المسجد النبوي فيما يتعلق بالدعوة والدعاة اتسمت بالجودة وقد أفاد ، وأبان ما ينبغي بيانه ، وإنني أؤكد على ما ذكره في هذا الباب من أن الداعية عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن يتحلى بالرفق واللين وعدم الشدة ، وكذلك الخطيب والواعظ يجب أن يتحريا الأسلوب الذي يحصل به المطلوب ، وإزالة المنكر ، وتحريك القلوب إلى الخير ، وزجرها عن الشر ، ولا شك أن الخطيب عليه أن يدعو إلى الخير وإقامة أمر الله وإزالة ما نهى الله عنه ، والسعي إلى ذلك بالطرق والوسائل التي يرجى فيها تحقيق ذلك. ولقد استمعنا أيضا إلى كلمة الشيخ : سعيد بن مسفر عن الدعاة هي كلمة أجاد فيها وأفاد وأوضح ما ينبغي إيضاحه فجزاه الله خيرا وبارك فيه ، وإنه لا يخفى على الجميع أن الدعوة إلى الله سبحانه وهي وظيفة الرسل وأتباعهم بإحسان وكانوا عليهم الصلاة والسلام يتحرون في دعوتهم ، وينظرون في المصالح والمفاسد ، ويجتهدون عليهم الصلاة والسلام في تحقيق المصلحة ودرء المفسدة ، ويصرون على الأذى وهم أصبر الناس على الأذى ، وهم الصفوة في هذا الباب وهم أشد الناس بلاء وهم القدوة الحسنة في كل شيء.
والواجب على الدعاة إلى الله من الخطباء وغيرهم وعلى الأمراء والحكام الصبر في ذلك مع القيام بالواجب قولا وعملا ، والبدء بالأهم فالأهم والعناية بما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم ، والتحذير مما انتشر بينهم من المنكرات والدعوة إلى تركها والتحذير منها ومن إشاعة الفاحشة بين الناس لقول الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[1] الآية من سورة النور.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة)) رواه الإمام مسلم في صحيحه. وإنما المطلوب النهي عن وجودها والتحذير من اقترافها ، والحث على التوبة إلى الله منها ، والحث على فعل الأوامر والمسارعة إليها ، وإذا كان المؤمن يعلم من إنسان أنه وقع في شيء مما حرم الله فإنه ينصحه بينه وبينه ، ويقول للناس كلاما عاما ، وينصح الناس ويبين لهم ما حرم الله عليهم.
والداعي إلى الله خطيبا كان أو واعظا أو محاضرا أو آمرا بالمعروف أو ناهيا عن المنكر - عليه أن يتحرى في دعوته وأمره ونهيه ما يحقق المطلوب ويزيل المكروه وما يدعو إلى الخير ويبعد عن الشر ، ومن المعلوم أن إنكار المنكر على مراتب أربع :
الأولى : أن يزول المنكر بالطرق الشرعية ، فهذا يجب الإسراع في إنكاره بالطرق الشرعية. الثانية : أن يخف ويقل ولكن لا يزول بالكلية ، فهذا كالذي قبله يجب الإسراع في إنكاره بإزالته أو تخفيفه.
الثالثة : أن يزول ويحل محله منكر آخر مثله ، فهذا محل اجتهاد ونظر ، فإن رأى في اجتهاده أن المنكر الذي يحل محله أقل منه وأيسر قام بإنكار هذا المنكر وسعى في إزالته ولو ترتب عليه شيء أخف منه في اعتقاده وإلا توقف.
الحالة الرابعة : أن يزول المنكر ولكن يأتي شر منه ، فهذا لا يجوز إنكاره لما يترتب على إنكاره من وجود ما هو شر منه. كأن تنهى عن معصية ويقع بسبب ذلك الشرك الأكبر أو تنهى عن شرب المسكر فيقع بسبب ذلك القتل.
وقد نبه العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه : [إغاثة اللهفان] على هذه المراتب الأربع ، ومن تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف صحة ذلك ومن ذلك قول الله عز وجل : {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[2] الآية من سورة الأنعام. والمقصود أن الآمر والناهي ينظر ما هو أقرب إلى الخير وما هو أكثر خيرا وما هو أقل شرا.
ومما يتعلق بهذا الموضوع عدم الاشتغال بعيوب الناس عامة كبيرة أو صغيرة ، بل يشتغل بالمنكرات الموجودة يحذر من وجودها ، ويدعو إلى القضاء عليها وإنكارها بالحكمة والأسلوب الحسن حتى يقضي عليها ، فيذكر المنكر الموجود بين الناس ، ويدعو الهيئة والدعاة إلى إنكاره ، ويدعو المجتمع إلى تركه والحذر منه كالربا وشرب المسكر والغيبة والنميمة والاختلاط بين الرجال والنساء وسماع الأغاني والملاهي إلى غيرها من المنكرات الموجودة بين الناس ، ومن ذلك أيضا التثاقل عن الصلاة في الجماعة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وإيذاء الجار وغير ذلك مما نهى الله عنه سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وأما ما يقع من بعض الدعاة في بعض الدول من الإنكار باليد فليس من الحكمة ، وإنما الحكمة أن يتصل بالرؤساء والمسئولين ويتفاهم معهم ويدعوهم إلى الله عز وجل حتى يقوموا هم بإزالة المنكر ، وحتى ينتشر الدعاة في المجتمع ويقوموا بالنصيحة والتوجيه فلا تتعرض لهم الدولة بالحبس والإيذاء والتنكيل بل تكون عونا لهم في نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن.. ويبقى الدعاة على نشاطهم وقوتهم في الدعوة إلى الله عز وجل. أما أن يغتال فلانا أو يضرب فلانا ويشتم فلانا - فهذا يسبب مشاكل كثيرة وفتنا كبيرة ويخالف قوله سبحانه : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[3] الآية من سورة النحل. وقول الله سبحانه : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[4] الآية من سورة آل عمران.
فعلى الداعي إلى الله سبحانه أن يسلك الطريق الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان ، فالنبي بقي في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاما ما عاقب أحدا وما قاتل أحدا وإنما كان يدعو إلى الله سبحانه هو وأصحابه بالحكمة والموعظة الحسنة ويترك الإنكار الذي يترتب عليه فتنة وشر. فما ضرب ولا قتل ولا سجن حتى مكنه الله من ذلك بعد الهجرة إلى المدينة ، ولما توجه إلى مكة للعمرة عام ست من الهجرة ، وحالوا بينه وبين ذلك سلك المسلك الذي فيه الخير وهو قبول الصلح ، فرضي بالصلح مع قريش لما في ذلك من تحصيل الخير الأكثر والأعظم ، فصالحهم على أمر فيه غضاضة على المسلمين ، وصبر على ذلك عليه الصلاة والسلام لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين ، ولمن يرغب في الدخول في الإسلام فللدعاة أسوة في نبيهم عليه الصلاة والسلام.
ونحن بحمد الله في دولة إسلامية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله عز وجل وتحكم شرعه ، فالواجب التعاون معها على الخير وعلى إزالة ما يوجد من الشر بالطرق الحكيمة والأسلوب الحسن مع الإخلاص لله سبحانه والصدق في العمل وعلاج الأوضاع المحتاجة إلى العلاج بالطرق الشرعية حسب الطاقة فيما بيننا وبين ولاة الأمور وفقهم الله بالمكاتبة والمشافهة وبالتعاون مع العلماء بالمناصحة لهم ، وهكذا يجب على الدعاة إلى الله سبحانه في جميع الدول أن يعالجوا الأوضاع المخالفة للشرع المطهر بالحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب الحسن ، ويتعاونوا مع المسئولين على الخير ويتواصوا بالحق مع الرفق والتعاون مع الدولة بالحكمة حتى لا يؤذي الدعاة وحتى لا تعطل الدعوة ، فالحكمة في الدعوة بالأسلوب الحسن وبالتعاون على البر والتقوى هي الطريق إلى إزالة المنكر أو تقليله وتخفيف الشر ، ومن أهم ذلك الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية فهذا هو الطريق إلى العلاج والإصلاح ولو لم يحصل المطلوب كله لكن يحصل بعض الخير والتجاوب من الحكومة التي ينكرون عليها فيقل الشر ويكثر الخير.
فلا بد من الحكمة في الدعوة بالعلم ، والعلم يدعو إلى الرفق وإلى تقديم الأفضل فالأفضل ، ويدعو إلى تقديم الأهم فالأهم.
والدعوة إلى إزالة منكر إذا كانت تؤدي إلى منكر أشد لا تجوز ، والدعوة إلى فعل أمر يؤدي إلى ما هو أخطر منه لا تجوز ، فالواجب السعي فيما هو سبب لتكثير الخير وتقليل الشر ، والبعد عن ما هو أشر وأعظم وما يفضي إلى الشرك الأكبر مع دولتك في بلادك ، ومع غيرها ، ومع الرؤساء والمسئولين ، ومع الأمراء وغيرهم ، فالواجب التعاون معهم في إزالة الشر وتقليله وتكثير الخير ، وإزالة ما هو مخالف للشرع حسب الطاقة. والمقصود أن الواجب علينا أن نعمل بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ونسير على ضوئها ، وأن نتفاهم فيما بيننا ، وإذا أشكل شيء طرحناه للبحث بيننا ورفعناه لمن فوقنا حتى يزال الشر ويقر الخير.
والتناصح والتعاون لا يأتي إلا بخير والعجلة تأتي بالشر ، فالواجب علينا معشر طلبة العلم ومعشر الدعاة ومعشر الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن نتحرى ما هو الأفضل للحصول على الخير ، وأن نتحرى في أسلوبنا وفي أمرنا ونهينا وفي دعوتنا وتصرفاتنا كلها ما هو الأقرب إلى رضى الله ، وما هو الأقرب لحصول المطلوب الذي يرضي الله سبحانه وإزالة المنكر وحصول الخير ، وعلينا أن نحرص عليه ونتعاون فيه ونتظافر فيه ، وإذا دعت الحاجة إلى الشدة فالواجب الرفع إلى المسئولين عن إزالة ذلك الأمر ومتابعته حتى يزول.
الذي أنصح به إخواني في هذه البلاد وفي كل مكان أن يتحروا طريقة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وطريقة أصحابه رضي الله عنهم في القول والعمل ، ويكونوا أسوة صالحه في أقوالهم وأعمالهم وأن يبدءوا بأنفسهم في كل خير وفي ترك كل شر حتى يكونوا قدوة عملية في أعمالهم وأحوالهم وأخلاقهم ورفقهم ورحمتهم وإحسانهم ، وأن يحرصوا دائما أن يتحروا في الأمر ، وأن يكون خطؤهم في العفو والرفق أولى من خطئهم في الشدة.
وأسأل الله أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يصلح القلوب والأعمال ، وأن يوفق جميع الدعاة وجميع العلماء في كل مكان لما هو الأهدى والأصلح ، ويزيدهم من العلم والإيمان ، وأن يوفق قادتهم لما يرضيه ويصلح بطانتهم ويعيذهم من كل سوء ، وأن يجعلهم هداة مهتدين ، وأن يوفقهم لتحكيم الشريعة والحكم بها ، وأن يزيل كل من لا يرضى بذلك ولا يوافق عليه ، وأن يبدلهم بخير منه إنه جل وعلا جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] - سورة النور الآية 19.
[2] - سورة الأنعام الآية 108.
[3] - سورة النحل الآية 125.
[4] - سورة آل عمران الآية 159. -----منقول للفائدة والعلم من موقع الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ------

الصلبوخي
2006-12-05, 05:45 AM
جزاك الله خير اخي الكريم ابو انس

ورحم الله شيخنا ابن باز رحمة واسعة

بارك الله فيك وفي نقلك المبارك

موقع الشيخ ابن باز لمن اراد الفائدة

http://www.binbaz.org.sa/index.php

كل الشكروالتقدير

aboanas
2006-12-05, 05:58 AM
الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[1] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين، وأصدق المناضلين، وأنصح العباد أجمعين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين، وأعز بهم المؤمنين، وأذل بهم الكافرين، رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين، وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضراً بين الصفين.

والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة، ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}[2].

ففي هذه الآيات الكريمات يأمر الله عباده المؤمنين أن ينفروا إلى الجهاد خفافاً وثقالاً، أي شيباً وشباباً، وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، يخبرهم عز وجل بأن ذلك خير لهم في الدنيا والآخرة، ثم يبين سبحانه حال المنافقين وتثاقلهم عن الجهاد وسوء نيتهم، وأن ذلك هلاك لهم بقوله عز وجل: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ}[3] الآية. ثم يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم عتاباً لطيفاً على إذنه لمن طلب التخلف عن الجهاد بقوله سبحانه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[4]، ويبين عز وجل أن في عدم الإذن لهم تبيناً للصادقين وفضيحة للكاذبين، ثم يذكر عز وجل أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا يستأذن في ترك الجهاد بغير عذر شرعي؛ لأن إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر يمنعه من ذلك، ويحفزه إلى المبادرة إلى الجهاد والنفير مع أهله، ثم يذكر سبحانه أن الذي يستأذن في ترك الجهاد هو عادم الإيمان بالله واليوم الآخر، المرتاب فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك أعظم حث وأبلغ تحريض على الجهاد في سبيل الله، والتنفير من التخلف عنه.

وقال تعالى في فضل المجاهدين: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[5].

ففي هذه الآية الكريمة الترغيب العظيم في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وبيان أن المؤمن قد باع نفسه وماله على الله عز وجل، وأنه سبحانه قد تقبل هذا البيع وجعل ثمنه لأهله الجنة، وأنهم يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون، ثم ذكر سبحانه أنه وعدهم بذلك في أشرف كتبه وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن، ثم بين سبحانه أنه لا أحد أوفى بعهده من الله ليطمئن المؤمنون إلى وعد ربهم، ويبذلوا السلعة التي اشتراها منهم وهي نفوسهم وأموالهم في سبيله سبحانه، عن إخلاص وصدق وطيب نفس حتى يستوفوا أجرهم كاملاً في الدنيا والآخرة، ثم يأمر سبحانه المؤمنين أن يستبشروا بهذا البيع؛ لما فيه من الفوز العظيم، والعاقبة الحميدة، والنصر للحق والتأييد لأهله، وجهاد الكفار والمنافقين، وإذلالهم ونصر أوليائه عليهم، إفساح الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة.

وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[6].

في هذه الآيات الكريمات الدلالة من ربنا عز وجل على أن الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله هما التجارة العظيمة المنجية من العذاب الأليم يوم القيامة، ففي ذلك أعظم ترغيب، وأكمل تشويق إلى الإيمان والجهاد، ومن المعلوم أن الإيمان بالله ورسوله يتضمن توحيد الله وإخلاص العبادة له سبحانه، كما يتضمن أداء الفرائض وترك المحارم، ويدخل في ذلك الجهاد في سبيل الله؛ لكونه من أعظم الشعائر الإسلامية ومن أهم الفرائض؛ ولكونه سبحانه خصه بالذكر لعظم شأنه، وللترغيب فيه؛ لما يترتب عليه من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة التي سبق بيان الكثير منها، ثم ذكر سبحانه ما وعد الله به المؤمنين المجاهدين من المغفرة والمساكن الطيبة في دار الكرامة؛ ليعظم شوقهم إلى الجهاد وتشتد رغبتهم فيه، وليسابقوا إليه ويسارعوا في مشاركة القائمين به، ثم أخبر سبحانه أن من ثواب المجاهدين شيئاً معجلاً يحبونه وهو النصر على الأعداء والفتح القريب على المؤمنين، وفي ذلك غاية التشويق والترغيب.

والآيات في فضل الجهاد والترغيب فيه وبيان فضل المجاهدين كثيرة جداً، وفيما ذكر سبحانه في هذه الآيات التي سلف ذكرها ما يكفي ويشفي ويحفز الهمم ويحرك النفوس إلى تلك المطالب العالية، والمنازل الرفيعة، والفوائد الجليلة، والعواقب الحميدة، والله المستعان.

أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين، والتحذير من تركه والإعراض عنه فهي أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ولكن نذكر طرفاً يسيراً ليعلم المجاهد الصادق شيئاً مما قاله نبيه ورسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم في فضل الجهاد ومنزلة أهله.

ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة)) أخرجه مسلم في صحيحه، وفي لفظ له: ((تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك)) متفق عليه.

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: ((أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسول، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله: قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)).

وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار)) رواه البخاري في صحيحه.

وفيه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق)).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم)) رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان، وقال الحافظ في البلوغ: رجاله ثقات.

والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية، والثواب الجزيل، وفي الترهيب من ترك الجهاد والإعراض عنه كثيرة جداً، وفي الحديثين الآخرين وما جاء في معناهما الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية من أسباب ذل المسلمين، وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع، وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة على أمره والجهاد في سبيله، فنسأل الله أن يمن على المسلمين جميعاً بالرجوع إلى دينه، وأن يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة ويجمع كلمتهم على الحق ويوفقهم جميعاً للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين حتى يعزهم الله ويرفع عنهم الذل، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] سورة الروم الآية 47.

[2] سورة التوبة الآية 41-45.

[3] سورة التوبة الآية 42.

[4] سورة التوبة الآية 43.

[5] سورة التوبة الآية 111.

[6] سورة الصافات الآيات 10-13.

aboanas
2006-12-06, 02:16 AM
بيان أهمية الفقه الإسلامي-لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله

القسم : إملاءات > مقالات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن معرفة الفقه الإسلامي وأدلة الأحكام، ومعرفة فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في هذا الباب من الأمور المهمة التي ينبغي لأهل العلم العناية بها وإيضاحها للناس؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأدلته، وأحكام الإسلام وأدلته، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب من أئمة الحديث والفقه الإسلامي.

فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن أسباب السعادة للعبد، ومن علامات النجاة والفوز أن يفقه في دين الله، وأن يكون فقيها في الإسلام، بصيراً بدين الله على ما جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.

والعلماء قد بين الله شأنهم ورفع قدرهم، وهم أهل العلم بالله وبشريعته، والعاملون بما جاء عن الله وعن نبيه عليه الصلاة والسلام، وهم علماء الهدى، ومصابيح الدجى وهم العاملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قال فيهم جل وعلا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[1]، وقال فيهم جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[2]، وقال فيهم سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[3].

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))[4] متفق على صحته، فهذا الحديث العظيم يدلنا على فضل الفقه في الدين.

والفقه في الدين هو: الفقه في كتاب الله عز وجل، والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الفقه في الإسلام من جهة أصل الشريعة، ومن جهة أحكام الله التي أمرنا بها، ومن جهة ما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ومن جهة البصيرة بما يجب على العبد من حق الله وحق عباده، ومن جهة خشية الله وتعظيمه ومراقبته. فإن رأس العلم خشية الله سبحانه وتعالى وتعظيم حرماته ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد ويذر، فمن فقد خشية الله ومراقبته فلا قيمة لعلمه، إنما العلم النافع، والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله، ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل، وبيان شرعه لعباده، فمن رزق الفقه في الدين على هذا الوجه فذلك هو الدليل والعلامة على أن الله أراد به خيراً، ومن حرم ذلك وصار مع الجهلة والضالين عن السبيل، المعرضين عن الفقه في الدين، وعن تعلم ما أوجب الله عليه، وعن البصيرة فيما حرم الله عليه فذلك من الدلائل على أن الله لم يرد به خيراً، وقد وصف الله الكفار بالإعراض عما خلقوا له وعما أنذروا به، تنبيها لنا على أن الواجب على المسلم أن يقبل على دين الله، وأن يتفقه في دين الله، وأن يسأل عما أشكل عليه وأن يتبصر، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}[5]، وقال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}[6].

فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين، والتبصر، والعناية بكتاب الله والإقبال عليه وتدبره، والاستفادة منه والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيها، والعمل بها وحفظ ما تيسر منها، فمن أعرض عن هذين الأصلين وغفل عنهما فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا وذلك علامة الهلاك والدمار، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى.

نسأل الله السلامة والعافية من كل ما يغضبه، فجدير بنا معشر المسلمين أن نتفقه في دين الله وأن نتعلم ما يجب علينا، وأن نحرص على العناية بكتاب الله تدبراً وتعقلاً وتلاوة، واستفادة، وعملا بذلك، وأن نعنى بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حفظا وعملا وتفقها فيها، وأن نعنى أيضا بالسؤال عما أشكل علينا. فالإنسان يسأل عما أشكل عليه ويسأل من هو أعلم منه ليستفيد، عملا بقول الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[7]، وعليه أن يحضر حلقات العلم ليستفيد، ويتذاكر مع إخوانه الذين يرجو أن يكون عندهم علم حتى يستفيد من علمهم، وحتى يضم ما لديهم من العلوم النافعة إلى ما لديه من العلم، فيحصل له بذلك خير كثير، ويحصل له بذلك الفقه في الدين، ويحصل له بذلك البعد عن صفات المعرضين والغافلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))[8]، وبما ذكرنا يعرف المؤمن فضل فقهاء الإسلام، وأنهم قد أوتوا خيرا كثيرا، وقد فازوا بحظ عظيم، من أسباب السعادة وطرق الهداية؛ لأن العلم النافع من أسباب الهداية، ومن حرم العلم حرم خيراً كثيراً، ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة إذا عمل بذلك واتقى الله في ذلك.

وعلى رأس العلماء بعد الرسل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم هم الفقهاء على الكمال الذين تلقوا العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتفقهوا في كتاب ربهم، وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، ونقلوا ذلك إلى من بعدهم غضا طريا تفقهوا وعملوا، ونقلوا العلم إلى من بعدهم من التابعين، نقلوا كتاب الله إلى من بعدهم لفظا وتفسيرا وقراءة، إلى غير ذلك، ونقلوا إلى من بعدهم أيضاً ما بينه لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام من معنى كلام الله عز وجل، ونقلوا أيضاً لمن بعدهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي سمعوها منه، والتي رأوها منه عليه الصلاة والسلام والتي أقرهم عليها، نقلوها إلى من بعدهم بغاية الأمانة والصدق، نقلوها إلى الأمة بواسطة الثقات من التابعين حتى نقلت إلينا بالطرق المحفوظة الثابتة التي لا يتطرق إليها الشك، نقلها الثقات عن الثقات، والثقات عن الثقات، حتى وصلت إلى هذا القرن وما بعده، وهذا من إقامة الحجة من الله عز وجل على عباده، فإن نقل العلم من طرق الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة إلى من بعدهم إقامة للحجة وإيضاح للمحجة، ودعوة إلى الحق، وتحذير من الباطل، وتبصير للعباد بما خلقوا له من عبادة الله وطاعته جل وعلا، وبهذا يعلم أن لهم من الحق على من بعدهم الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والرضا والحرص على الاستفادة من علومهم، وما جمعوه وألفوه من العلوم النافعة، فإنهم سبقوا إلى خير عظيم، وإلى علم جم، سبقوا إلى الفقه في كتاب الله وإلى الفقه في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونقلوا إلينا ما وصل إليهم من علم بالله وبكتابه وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فوجب علينا أن نعرف لهم قدرهم، وأن نشكرهم على علمهم العظيم، وعلى ما قاموا به من حفظ رسالة الله وتفقيه الناس في دين الله، وأن نستعين بما دونوه، وما خلفوه من الكتب المفيدة والعلوم النافعة حتى نعرف بذلك معاني كلام الله، ومعاني كلام رسوله عليه الصلاة والسلام.

وإن من أعظم الفائدة ومن أكبر الخير الذي نقلوه إلينا أن حفظوا علينا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، ونقلوها إلينا طرية غضة سليمة محفوظة، وفيها تفسير كتاب الله، وفيها بيان ما أجمل في كتاب الله، وفيها بيان الأحكام التي جاء بها الوحي الثاني إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الوحي من الله إلى النبي وهو السنة المطهرة، فإن الله جل وعلا أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن ومثله معه؛ كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه))[9].

فعلى أهل العلم أن ينقلوا ما جاءت به السنة، وأن يوضحوا ذلك للناس، وأن يرشدوهم إلى معاني كلام ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، في الخطب والمواعظ والدروس وحلقات العلم، وغير هذا من أسباب التوجيه والتعليم والإرشاد، ولهذا ارتحل العلماء إلى الأمصار، واتصلوا بالعلماء في كل قطر للفائدة والعلم، ففي عهد الصحابة سافر بعض الصحابة من المدينة إلى مصر والشام وإلى العراق واليمن وإلى غير ذلك للفائدة، ولنقل العلم، فتجد الصحابة رضي الله عنهم وهم أفضل الناس بعد الأنبياء ينتقلون من بلاد إلى بلاد ليسألوا عن سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتتهم ولم يحفظوها، فبلغهم ذلك عن صحابي آخر فيسافر أحدهم إليه ليسمع ذلك منه ولينتفع بذلك ولينقله إلى غيره من إخوانه في الله التابعين لهم بإحسان.

ثم جاء العلماء بعدهم من التابعين، هكذا فعلوا، ارتحلوا في العلم وساروا في طلب العلم، وتبصروا في دين الله وتفقهوا على الصحابة وسألوهم رضي الله عنهم وأرضاهم عما أشكل عليهم، وعملوا بذلك، ثم نقلوا ذلك إلى من بعدهم، ثم ألفوا كتبا عظيمة في الحديث والتفسير واللغة العربية وغير هذا من أنواع العلوم الشرعية حتى بصروا الناس، وحتى أرشدوا إلى الطريق السوي، وحتى علموهم القواعد الشرعية التي بها يعرف كتاب الله، وبها تعلم معانيه، وبها تحفظ السنة، وبها تعلم معانيها، وبذلك يحصل العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على بصيرة وعلى هدى وعلى نور، فجزاهم الله عن ذلك خيراً وضاعف لهم الأجور، وضاعف لهم الحسنات، ونفعنا بعلومهم جميعاً، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

ومما يتعلق بهذا حضور حلقات العلم؛ لأنها من طريق أهل العلم، وفي الحديث الصحيح: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا))، قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر))[10]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة))[11]، وقال عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[12]؛ فهذه أشياء مهمة تتعلق بالفقه والفقهاء، وبطلب العلم في المساجد، وبالرحلة إلى البلدان التي فيها العلماء المعروفون بالاستقامة، كل هذا من أسباب تحصيل العلم، ومن الطرق التي توصل إليه، وصاحبها يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة)).

فإذا سأل أهل العلم، أو سافر إليهم في بلادهم أو زارهم في بيوتهم وفي المساجد فقد سلك طريقا يلتمس فيه علماً، وذكر أهل العلم أن من الطرق المعينة على حفظ العلم: كتابته والعناية بحفظه، كما فعل سلفنا الصالح رحمهم الله ومن بعدهم من أهل العلم، كل هذا من وسائل تحصيل العلم، ومن الطرق الموصلة إليه، كما أن الرحلة والانتقال من بلد إلى بلد، ومن مسجد إلى مسجد، ومن حلقة إلى حلقة، ومن بيت عالم إلى بيت عالم لطلب العلم وللتفقه في الدين، كل ذلك أنواع وطرق من طرق تحصيل العلم، وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً...)) الحديث.

والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] سورة آل عمران الآية 18.

[2] سورة المجادلة الآية 11.

[3] سورة فاطر الآية 28.

[4] رواه البخاري في العلم برقم 69 ومسلم في الزكاة برقم 1719.

[5] سورة الأحقاف من الآية 3.

[6] سورة الكهف من الآية 57.

[7] سورة النحل الآية 43.

[8] رواه البخاري في العلم برقم 69، ومسلم في الزكاة برقم 1719.

[9] رواه أحمد في مسند الشاميين برقم 16546.

[10] رواه الترمذي في الدعوات برقم 3432، وأحمد في باقي مسند المكثرين برقم 12065.

[11] رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم 4867.

[12] سورة النحل الآية 43.

فنان
2006-12-06, 09:17 AM
الله يذكرك الشهاده يالطيب ولا يحرمك الاجر ويثيبك
امين يارب العالمين

aboanas
2006-12-06, 05:40 PM
بيان حقوق ولاة الأمور على الأمة

القسم : إملاءات > مقالات
[أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية حقوق ولاة الأمور، ووجوب طاعتهم في غير معصية الله تعالى مستشهداً بما جاء في ذلك من الآيات والأحاديث النبوية، وأشار سماحته إلى أصول الدعوة الإسلامية في الدولة السعودية محذراً من الدعوات الباطلة والضالة، واصفاً أصحابها بأنهم دعاة شر عظيم، وجاء ذلك خلال ندوة عقدت بالجامع الكبير بالرياض مساء الخميس ليلة الجمعة 1/5/1417 هـ تحت عنوان: " بيان حقوق ولاة الأمور على الأمة بالأدلة من الكتاب والسنة، وبيان ما يترتب على الإخلال بذلك" حيث قال:]

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فلا ريب أن الله جل وعلا أمر بطاعة ولاة الأمر والتعاون معهم على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[1].

هذا هو الطريق؛ طريق السعادة، وطريق الهداية، وهو طاعة الله ورسوله في كل شيء، وطاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله ورسوله، ولهذا قال جل وعلا: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[2]؛ فطاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، فإن أولي الأمر هم الأمراء والعلماء، والواجب طاعتهم في المعروف، أما إذا أمروا بمعصية الله سواء كان أميراً أو ملكاً أو عالماً، أو رئيس جمهورية، أو غير ذلك، فلا طاعة له في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الطاعة في المعروف))[3]، والله يقول: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}[4] يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، ويقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ}[5]؛ فالله أمر بالتقوى، والسمع، والطاعة، يعني: في المعروف، لذا فإن النصوص يشرح بعضها بعضاً، ويدل بعضها على بعض، فالواجب على جميع المكلفين التعاون مع ولاة الأمور في الخير، والطاعة في المعروف، وحفظ الألسنة عن أسباب الفساد، والشر، والفرقة، والانحلال، ولهذا يقول الله جل وعلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[6] أي: ردوا الحكم في ذلك إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في اتباع الحق والتلاقي على الخير والتحذير من الشر، هذا هو طريق أهل الهدى، وهذا هو طريق المؤمنين.

أما من أراد دفن الفضائل والدعوة إلى الفساد والشر، ونشر كل ما يقال مما فيه قدح بحق أو باطل فهذا هو طريق الفساد، وطريق الشقاق، وطريق الفتن، أما أهل الخير والتقوى فينشرون الخير ويدعون إليه، ويتناصحون بينهم فيما يخالف ذلك حتى يحصل الخير ويحصل الوفاق والاجتماع والتعاون على البر والتقوى؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[7]، ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[8].

ومعلوم ما يحصل من ولاة الأمر المسلمين من الخير والهدى والمنفعة العظيمة من إقامة الحدود، ونصر الحق، ونصر المظلوم وحل المشاكل، وإقامة الحدود والقصاص، والعناية بأسباب الأمن، والأخذ على يد السفيه والظالم، إلى غير هذا من المصالح العظيمة، وليس الحاكم معصوما، إنما العصمة للرسل عليهم الصلاة والسلام فيما يبلغون عن الله عليهم الصلاة والسلام، لكن الواجب التعاون مع ولاة الأمور في الخير والنصيحة فيما قد يقع من الشر والنقص، هكذا فهم المؤمنون، وهكذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. أمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور، والنصيحة لهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم...))[9] الحديث، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قالوا: يا رسول الله لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))[10]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من ولي عليه والٍ فرآه يأت شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة))[11].

ولما سئل عن ولاة الأمر الذين لا يؤدون ما عليهم قال صلى الله عليه وسلم: ((أدوا الحق الذي عليكم لهم وسلوا الله الذي لكم))[12]؛ فكيف إذا كان ولاة الأمور حريصين على إقامة الحق، وإقامة العدل، ونصر المظلوم، وردع الظالم، والحرص على استتباب الأمن، وعلى حفظ نفوس المسلمين ودينهم وأموالهم وأعراضهم، فيجب التعاون معهم على الخير وعلى ترك الشر، ويجب الحرص على التناصح والتواصي بالحق حتى يقل الشر ويكثر الخير.

وقد من الله على هذه البلاد بدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، ومناصرة جد هذه الأسرة الإمام محمد بن سعود رحمه الله لهذه الدعوة، وحصل بذلك من الخير العظيم ونشر العلم والحق، ونشر الهدى، والقضاء على الشرك، وعلى وسائل الشرك، وعلى قمع أنواع الفساد من البدع والضلالات ما يعلمه أهل العلم والإيمان ممن سبر هذه الدعوة، وشارك فيها، وناصر أهلها.

فصارت هذه البلاد مضرب المثل في توحيد الله والإخلاص له، والبعد عن البدع والضلالات، ووسائل الشرك حتى جرى ما جرى من الفتنة المعلومة التي حصل بسببها العدوان على هذه الدعوة وأهلها، ثم جمع الله الشمل على يدي الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود والد الإمام فيصل بن تركي رحمة الله على الجميع، ثم على يد ابنه فيصل بن تركي، ثم على يد ابن ابنه عبد الله بن فيصل بن تركي ثم حصلت فجوة بعد موت الإمام عبد الله بن فيصل رحمه الله فجاء الله بالملك عبد العزيز ونفع الله به المسلمين، وجمع الله به الكلمة، ورفع به مقام الحق، ونصر به دينه، وأقام به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحصل به من العلم العظيم والنعم الكثيرة، وإقامة العدل، ونصر الحق، ونشر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، ثم سار على ذلك أبناؤه من بعده في إقامة الحق، ونشر العدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فالواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة التعاون مع هذه الدولة في كل خير، وهكذا كل من يقوم بالدعوة إلى الله ونشر الإسلام والدعوة إلى الحق. يجب التعاون معه في المشارق وفي المغارب، فكل دولة تدعو للحق، وتدعو إلى تحكيم شريعة الله، وتنصر دين الله يجب التعاون معها أينما كانت.

وهذه الدولة السعودية دولة مباركة نصر الله بها الحق، ونصر بها الدين، وجمع بها الكلمة، وقضى بها على أسباب الفساد وأمن الله بها البلاد، وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله، وليست معصومة، وليست كاملة، كلٌّ فيه نقص فالواجب التعاون معها على إكمال النقص، وعلى إزالة النقص، وعلى سد الخلل بالتناصح والتواصي بالحق والمكاتبة الصالحة، والزيارة الصالحة، لا بنشر الشر والكذب، ولا بنقل ما يقال من الباطل؛ بل يجب على من أراد الحق أن يبين الحق ويدعو إليه، وأن يسعى في إزالة النقص بالطرق السليمة وبالطرق الطيبة، وبالتناصح والتواصي بالحق، هكذا كان طريق المؤمنين وهكذا حكم الإسلام، وهكذا طريق من يريد الخير لهذه الأمة، أن يبين الخير والحق وأن يدعو إليه، وأن يتعاون مع ولاة الأمور في إزالة النقص، وإزالة الخلل، هكذا أوصى الله جل وعلا بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[13]، ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[14]؛ فالدين النصيحة، الدين النصيحة، فمن أهم الواجبات التعاون مع ولاة الأمور في إظهار الحق، والدعوة إليه، وقمع الباطل والقضاء عليه وفي نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة بالطرق الشرعية.

ويجب على الرعية التعاون مع ولاة الأمور، ومع الهيئات، ومع كل داع إلى الحق، يجب التعاون على الحق وعلى إظهاره والدعوة إليه، وعلى ترك الفساد والقضاء عليه، هذا هو الواجب على جميع المسلمين، بالطرق التي شرعها الله في قوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[15]، وفي قوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}[16]، وفي قوله سبحانه: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[17]، وفي قوله سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[18] الآية. وفي قوله عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[19].

أما ما يقوم به الآن محمد المسعري وسعد الفقيه وأشباههما من ناشري الدعوات الفاسدة الضالة فهذا بلا شك شر عظيم، وهم دعاة شر عظيم، وفساد كبير، والواجب الحذر من نشراتهم، والقضاء عليها، وإتلافها، وعدم التعاون معهم في أي شيء يدعو إلى الفساد والشر والباطل والفتن؛ لأن الله أمر بالتعاون على البر والتقوى لا بالتعاون على الفساد والشر، ونشر الكذب، ونشر الدعوات الباطلة التي تسبب الفرقة واختلال الأمن إلى غير ذلك.

هذه النشرات التي تصدر من الفقيه، أو من المسعري أو من غيرهما من دعاة الباطل ودعاة الشر والفرقة يجب القضاء عليها وإتلافها وعدم الالتفات إليها، ويجب نصيحتهم وإرشادهم للحق، وتحذيرهم من هذا الباطل، ولا يجوز لأحد أن يتعاون معهم في هذا الشر، ويجب أن ينصحوا، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يدَعوا هذا الباطل ويتركوه.

ونصيحتي للمسعري والفقيه وابن لادن وجميع من يسلك سبيلهم أن يدَعوا هذا الطريق الوخيم، وأن يتقوا الله ويحذروا نقمته وغضبه، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يتوبوا إلى الله مما سلف منهم، والله سبحانه وعد عباده التائبين بقبول توبتهم، والإحسان إليهم، كما قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[20]، وقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[21]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

والمقصود أن الواجب على جميع المسلمين التعاون مع ولاة الأمور في الخير والهدى والصلاح حتى يحصل الخير ويستتب الأمن، وحتى يقضى على الظلم، وحتى ينصر المظلوم، وحتى تؤدى الحقوق، هذا هو الواجب على المسلمين التعاون مع الولاة، ومع القضاة، ومع الدعاة إلى الله، ومع كل مصلح في إيجاد الحق والدعوة إليه، وفي نصر المظلوم، وردع الظالم وإقامة أمر الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والتخلص من الباطل، ويجب التعاون والتناصح لمن حاد عن الخير فينصح ويوجه إلى الخير وأسباب النجاة حتى يحصل الخير العظيم، والمصالح العامة، وحتى يقضى على الفساد والشر والاختلاف بالطرق الشرعية، والناس في خير ما تناصحوا وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا تعاونوا على الباطل وعلى الشر والفساد ساد البلاء، ونزع الأمن، وانتصر الباطل، ودفن الحق، وهذا هو الذي يحبه الشيطان، والذي يدعو إليه شياطين الإنس والجن، فالواجب الحذر مما يدعو إليه شياطين الإنس والجن، والتواصي بكل أسباب الأمن، وبكل أسباب الخير والهدى، والتواصي بالتعاون مع ولاة الأمور في كل خير، ومع كل من يدعو إلى الخير، وإقامة أمر الله، وفي نصر الحق، وفي إقامة المعروف، والتعاون مع كل مصلح فيما يدحض الباطل وفي التحذير من الباطل، والتحذير من أسباب الفرقة والاختلاف.

هذا هو الواجب كما قال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[22]، وقال جل وعلا: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[23]، وقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}[24]، هذا هو الذي فيه النجاة والإيمان الصادق والعمل الصالح والعاقبة الحميدة، وبهذا يكثر الخير ويحصل التعاون على البر والتقوى، ويدحض الشر، وتأمن البلاد، ويستتب الأمن، ويحصل التعاون على الخير، ويرتدع السفيه المفسد وينتصر صاحب الحق وصاحب الهدى.

ونسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفق الجميع للخير، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأن يعيذنا وإياهم من شرور النفس، وسيئات الأعمال واتباع الهوى، وأن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن، كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق أعوانهم للخير، وأن يعيذهم من كل ما يخالف شرع الله، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] سورة النساء الآية 59.

[2] سورة النساء الآية 59.

[3] رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم 6612، ومسلم في الإمارة برقم 3424، والنسائي في البيعة برقم 4134، وأبو داود في الجهاد برقم 2256، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم 686.

[4] سورة الممتحنة من الآية 12.

[5] سورة التغابن من الآية 16.

[6] سورة النساء من الآية 59.

[7] سورة المائدة من الآية 2.

[8] سورة العصر كاملة.

[9] رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم 8444 ، ومالك في الموطأ في كتاب الجامع برقم 1572.

[10] رواه الترمذي في البر والصلة برقم 1849، والنسائي في البيعة برقم 4128، وأبو داود في الأدب برقم 4293.

[11] رواه مسلم في الإمارة برقم 3448، وأحمد في باقي مسند الأنصار برقم 22856.

[12] رواه مسلم في الفتن برقم 2116 بلفظ " أدوا إليهم حقهم وسلوا الله الذي لكم" ورواه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة برقم 3458.

[13] سورة المائدة من الآية 2.

[14] سورة العصر كاملة.

[15] سورة النحل من الآية 125.

[16] سورة فصلت من الآية 33.

[17] سورة العنكبوت من الآية 46.

[18] سورة آل عمران من الآية 159.

[19] سورة طه الآية 44.

[20] سورة الزمر الآيتان 53 – 54.

[21] سورة النور من الآية 31.

[22] سورة المائدة الآية 2.

[23] سورة العصر كاملة.

[24] سورة آل عمران من الآية 103.

الله يجيب الخير
2006-12-07, 12:47 AM
بارك الله فيك

والله يرحم شيخنا

في حفظ الله

الله يجيب الخير
2006-12-07, 01:13 AM
كلام طيب وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار
جزاك الله خير
ومشـــــــــكووور
في حفظ الله

aboanas
2006-12-07, 01:28 PM
جزاك الله خيرا يااخي واعظم لك المثوبة والاجر

aboanas
2006-12-07, 01:45 PM
جزاك الله خيرا يااخي واعظم لك المثوبة والاجر كما اشكرك على قراءة الموضوع

فتى حرب
2010-01-29, 02:34 AM
الحب


قالت الزوجة : بعد مضي 18 عاما من الزواج وطهي الطعام , أعددت أخيرا أسوأ عشاء في حياتي




كانت الخضار قد نضجت اكثر مما يجب , واللحم قد احترق , والسلطة كثيرة الملح




وظل زوجي صامتا طوال تناول الطعام





ولكني ما كدت أبدأ في غسل الأطباق حتى وجدته يحتضنني بين ذراعيه ويطبع قبلة على جبيني ,




فـسألته : لماذا هذه القبلة ؟




فـقال : لقد كان طهيك الليلة أشبه بطهي العروس الجديدة ,




ومن ثم رأيت أن أعاملك معاملة العروس الجديدة




أليست الزوجة بحاجة الىمثل هذه اللمسة الرومانسية




لتصحيح أخطائهاأكثر من السب أو السخرية ؟!




هذا هو الحب ..







**************



الثقة




في يومٍ من الأيام قرر جميع أهل القرية أن يصلوا صلاة الاستسقاء




تجمعوا جميعهم للصلاة لكن أحدهم كان يحمل معه مظلة!




تلك هي الثقة..

******************






التصديق




يجب أن تكون كالإحساس الذي يوجد عند الطفل الذي عمره سنة




عندما تقذفه في السماء يضحك



.. لأنه يعرف أنك ستلتقطه ولن تدعه يقع..



هذا هو التصديق..

**********************






الأمل




في كل ليلة نستعد للخلود إلى النوم ولسنا متأكدين من أننا سننهض من الفراش في الصباح



لكننا مازلنا نخطط للأيام القادمة....



هذا هو الأمل ..

ابو حمد
2010-01-29, 02:37 PM
مشكور وبارك الله فيك على هذه النفحات الجميلة واللتى دائما ما يسعى لها اللانسان والمحبة التى تجمعنا وتؤلف بين قلوبنا كل هذا من نعم الله علينا ولابد ان نزرع الثقة بالله في انفسنا والتصديق والامل به..
ابوحمد،،

خالد عبدالله
2010-01-30, 02:55 PM
بارك الله فيك
مشكور اخوي

فتى حرب
2010-02-06, 09:39 PM
اللة يعطيكم العافية على المرورالطيب

اليهيبي
2010-02-06, 09:49 PM
موضوع جمييييل كالعــــاده


اشكرك

فتى حرب

تبوكي 2000
2010-02-06, 10:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


اولا كيف حالكم اخواني اعضاء منتدى البراري ان شاء الله بخير


بغيت اطرح موضوع اللليله وبمناسبة اني توي جاي من المطعم وماخذلي ذاك الكبسه اللي تحبها قلوبكم والله بعد ما خلصت حسيت براحه نفسيه لا يعلم بها الا الله كان فيني الصداع وراح يعني مفعولها غير طبيعي

وما لهذه الوجبه من شعبية في المجتمع السعودي

بغيت تشاركوني بماذا تشعرون بعد ما تأكلو الكبسه؟؟ :new3::new3::new3:


اتمنى من الجميع المشاركه

حبل الوريد
2010-02-08, 12:25 AM
بصراحه ارغب بنوم في احضان الفروه

خاصه اذا كان بالشتاء

بن صالح2
2010-02-08, 01:58 PM
من نضفت صحن الحين تعزمنا

ابو حمد
2010-02-08, 03:28 PM
والله اذا كانت الكبسه مضبوطه والرز ( الوليمه ) ودجاج محمر او لحيمات يحبها قلبك
اكيد بتاكل الصحن كله وادبغ عليه بعد ماتنتهي كاس لبن
وقل على روحك السلامة
نووووووووووووووووووووم الى المغرب
وبعد كم شهلر وانت على ها الحال الله يعينك تستاجر لك واحد يشيل الكرشه معك ومن كبرها ماتقدر تشوف مواطي رجليك..
مشكور على الموضوع..
ابو حمد،،

عبدالله العقيل
2010-02-08, 09:04 PM
ادق دق بعدها شاهي يعدل الراس وقراءة الجريدة
ثم صلاة العصر
بعدها ادور شي يحرك الضروس

نهر الجنه
2010-02-08, 11:01 PM
من اسمها كبسه أكيد بنكبسها نوم <<<خاصة إذا كان معها لبن

الله يعطيك العافيه

فتى حرب
2010-02-09, 09:19 PM
اشكرك يابو راشد على المرور الجميل

حنين الشوق
2010-02-09, 09:24 PM
الف شكر لك على الموضوع الرائع
وتقبل مروووووري
:ordh:

شوفون
2010-02-10, 12:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
أحضن كيس الرز وأقول الله لايحرمن منك (( خاصة الشعلان )999 مهب متعب الشعلان ؟؟؟؟؟؟؟ وادعو للي جابة:schmoll: