تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دورنا في الحد من التلوث وانعكاساته


أحمد الحربي
2009-08-11, 02:15 AM
د. حمد بن عبدالله اللحيدان
إننا في بداية عصر التلوث الصناعي الذي أخاف أن تتفاقم مشكلته مع التقدم المتواصل في حركة التصنيع والعمران وزيادة عدد السكان وحركة المرور وازدحامه وبالتالي زيادة المخلفات والملوثات والغازات الضارة الناتجة عن ذلك.
التلوث اليوم يعتبر ظاهرة عالمية تتفاقم بسبب الزيادة المطردة في أعداد البشر والذي انعكس في زيادة الاستهلاك وهذا بدوره هو السبب للحراك الصناعي والاستثماري على اختلاف وجوهه واتجاهاته.
لقد كان الإنسان في العصور الماضية يتعامل ويتفاعل مع البيئة بصورة لطيفة أبسط ما يقال عنها إنها كانت تدخل ضمن عمليات التوازن البيئي، فما يحدثه من آثار يمكن للبيئة أن تتغلب عليه وتعيد التوازن إلى وضعه السابق بعد فترة وجيزة. ولكن مع زيادة عدد السكان وسعي بني الإنسان إلى التقدم وبحثهم المستمر من أجل الغذاء، والمواد الاستهلاكية الأخرى، والتدفئة والتبريد للمنزل، واستخدام الطاقة في المجتمع الصناعي وجمع النفايات وحرقها وحركة المرور داخل وخارج المدن واستخدام الوقود الأحفوري بصورة واسعة وفي مجالات عديدة كل ذلك النشاط الهائل أدى إلى إطلاق أعداد كبيرة من الغازات إلى الجو وفي مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون مما أدى إلى زيادة تركيز العديد من الغازات الموجودة أصلاً في الغلاف الجوي بتراكيز منخفضة جداً، ليس هذا فحسب بل إنه أضاف عليها أنواعاً أخرى من الغازات، والمشكلة أن بعضاً من هذه الغازات تقوم بامتصاص الطاقة الشمسية وتحيلها إلى حرارة تسبب على المدى البعيد في إحداث تغيرات مناخية ذات تداعيات مدمرة، فمثلاً عند وصول هذه الغازات الناتجة عن النشاط الإنساني إلى الغلاف الهوائي فإن ذلك يمكن أن يسبب دفئاً محسوساً لمناخ الكرة الأرضية وربما يترتب على ذلك نتائج غير محمودة مثل حدوث فيضانات ناجمة عن انصهار الجليد القطبي وتصحر الأراضي الزراعية المنتجة أي تحويلها إلى صحراء قاحلة غير منتجة وهذا يؤدي بالتالي إلى مجاعة في نهاية المطاف نتيجة لنقص الغذاء، ناهيك عن الزيادة في استخدام الطاقة في التبريد والتدفئة.
الجدير بالذكر أن أهم وأكثر الغازات قدرة على امتصاص الطاقة الشمسية، غاز ثاني أكسيد الكربون إلا أن التأثير المشترك والناتج عن وجود غازات أخرى مثل الميثان وأكسيد النيتروز ومواد هيدروكربونية وأكاسيد نيتروجينية وكبريتية أخرى قد يساوي تأثير ثاني أكسيد الكربون في أثره وقدرته على امتصاص الطاقة الشمسية وتحويلها إلى حرارة. وعلى أية حال فإن الدراسات تشير إلى أن نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو تزداد باطراد، وبازدياد نسبة هذا الغاز في الجو فإنه يسبب ارتفاع درجة الحرارة على الأرض، إن ذلك الغاز يسمح لحرارة الشمس أن تنفذ إلى سطح الأرض ولكنه يمنع الحرارة التي تشعها الأرض أن تنفذ إلى الفضاء وهذا يؤدي إلى تراكم الحرارة قرب سطح الأرض مما يجعل حرارة الجو أكبر من ذي قبل. وهذه الظاهرة معروفة بظاهرة البيت الأخضر أو ظاهرة البيوت الزجاجية وهي تشبه فكرة البيوت المحمية في الزراعة والمعروفة لدينا هذه الأيام. وهي تشبه أيضاً ظاهرة ارتفاع الحرارة داخل السيارة عندما تكون نوافذها مغلقة وذلك بسبب أن الحرارة حبست داخل السيارة ولم تستطع الخروج بسبب إغلاق الزجاج.
ويعتقد الباحثون أن زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو قد يسبب ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين في المنطقة المدارية وأربع أو خمس درجات عند خط عرض ٤٥ْ شمالاً فيما يوازي البندقية في إيطاليا ومونتريال في كندا وربما تزداد حرارة الشتاء بأكثر من سبع درجات مئوية عند خط عرض ْ٧٠ شمالاً أي في المنطقة القطبية، ويتبع ذلك اضرار كبيرة مثل الجفاف وذوبان الجليد في منطقة القطب الشمالي كما أن حدوث تغيرات مناخية في مناطق مختلفة من العالم أصبح شيئاً محتمل الحدوث وذلك مثل الفيضانات والأعاصير في بعض المناطق والجفاف وقلة الأمطار في مناطق أخرى. على أن زيادة نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو ليس شراً كله فقد أثبتت التجارب أن زيادة نسبة هذا الغاز في الجو تزيد من نسبة التمثيل الضوئي ذلك أن عملية التمثيل الضوئي في النبات تقوم أساساً على استهلاك ثاني أكسيد الكربون وذلك لبناء الخلايا النباتية، لذلك فإن العلاقة بين تركيز هذا الغاز والتمثيل الضوئي علاقة طردية. وعليه فإن أهم العوامل التي يمكن من خلالها تقليل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو هو زيادة الغطاء النباتي، فالنبات من أهم العوامل التي تساعد على مكافحة تلوث الجو بهذا الغاز الضار كثيراًعند تركيزاته العالية.
وعلى أية حال فإن الطرق المستخدمة لتخفيض انبعاث الملوثات الأخرى ليست كافية في حالة ثاني أكسيد الكربون وذلك بسبب تعدد مصادره وبالتالي انطلاق كمية كبيرة وهائلة منه نتيجة حرق الوقود الأحفوري والتحلل الذاتي للكتل الحيوية والعضوية الأخرى، وحيث إنه من المعروف أن النباتات على وجه الأرض تقوم بتصفية النفايات من الجو والماء والتربة وتحويلها إلى مادة مفيدة باستعمالها الطاقة الشمسية ناهيك عن أن النبات يمد الهواء ببخار الماء المتصاعد من نتح النبات، لذلك فإنه عند إزالة النباتات أو عند ندرتها تقل كمية بخار الماء في الهواء وهذا من أسباب قلة الأمطار أما عند زيادة الغطاء النباتي ووفرته فإن كمية الرطوبة تزداد في الجو فتصبح الرياح مشبعة ببخار الماء وهذا من أسباب سقوط الأمطار بإذن الله مما يؤدي إلى تلطيف الجو وغسل نسبة كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى الفوائد الأخرى للنبات.
وهنا تظهر أهمية دورة الكربون البيوجوكيميائة. وهذا يجعلنا نطالب المتخصصين في بلادنا بالإجابة على الأسئلة التالية:
١ - ما أثر اقتلاع الأشجار وحرقها وإزالة الغطاء النباتي من الغابات والأدغال والأودية والسهول والفياض في الدول المختلفة بصورة عامة وفي المملكة بصورة خاصة على المناخ وخصوصاً ارتفاع حرارة الجو صيفاً؟
٢ - ما هو دور غاز الميثان الناتج عن النشاط الإنساني أو التحلل الذاتي للأخشاب والنباتات والكتل الجوية المختلفة وغيرها من الأنواع في تغير المناخ؟
٣ - هل يمكن للجسيمات الصلبة مثل السناج والهباء والرذاذ السائل والغبار والأتربة الموجودة في الغلاف الجوي أن تحجب ضوء الشمس بصورة جزئية وبالتالي تعادل التأثيرات الناجمة عن زيادة تراكيز غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات الماصة للطاقة الشمسية والحاجبة لنفاذ الإشعاع الحراري من الأرض؟
بالطبع فإنه من المؤكد أن لكل من إزالة الغطاء النباتي وزيادة كمية الميثان وغاز ثاني أكسيد الكربون أثره الملحوظ في زيادة معدل درجة الحرارة على امتداد الكرة الأرضية، كما مر مسبقاً، وفي مقابل ذلك فإن التركيزات الكبيرة من السناج والهباء الجوي فوق القطب الشماي قد أدى إلى ظهور الضباب القطبي، ولذلك فإن الإنسان بحاجة إلى فهم مصادر هذه المواد العالقة وخواصها الإشعاعية ومصيرها وتأثيراتها. وفي حالتنا فهم أثر الغبار والأتربة على صحتنا ومناخنا وبيئتنا.
وعلى أية حال فقد ظهرت فرضية التبريد العالمي عام ١٩٨٢م والتي تشير إلى أن للسناج أثراً هاماً في عملية تبريد الجو، ومن الفرضيات الرئيسية أن الحرب النووية حتى المحدودة منها سوف تؤدي إلى إنبعاث كمية كبيرة من السناج إلى الغلاف الجوي مما يؤدي إلى حجب أشعة الشمس عن الأرض وهذا يؤدي إلى خفض درجة حرارة الأرض بصورة كبيرة جداً، وقد أطلق على هذه العملية «الشتاء النووي» ويترتب على هذا تجمد المحاصيل حتى في فصل الصيف، ولا توجد فرضيات محددة للمدة التي يبقى فيها السناج والهباء معلقاً في الهواء الجوي إلا أن ذلك كله يظل ضمن الفرضيات. وبالطبع لا بد من عمل دراسات مقارنة تتعلق بأثر الغبار والعواصف الرملية على حرارة الجو وعمل فرضيات للمدة التي يمكن لهذه الظاهرة استمرار بقائها وازعاجها.
وإذا تركنا الفرضيات جانباً وركزنا على ما يشبه الحقيقة من أن حرارة الأرض تزداد بصورة مطردة بسبب الزيادة المستمرة في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الملوثة الأخرى، فإن الدعوة إلى إيجاد الأنظمة والقوانين والوسائل المناسبة التي تحد من زيادة تركيز هذه الغازات في أجوائنا تصبح ضرورية بل ملحة، وهذا يوجب على المهتمين بالبيئة ومفرداتها وانعكاسات تلوثها القيام بالدراسات الميدانية التي تعكس واقع الحال فيما تحتويه أجواء مدننا من ملوثات خصوصاً أننا في بداية عصر التلوث الصناعي الذي أخاف أن تتفاقم مشكلته مع التقدم المتواصل في حركة التصنيع والعمران وزيادة عدد السكان وحركة المرور وازدحامه وبالتالي زيادة المخلفات والملوثات والغازات الضارة الناتجة عن ذلك.
نعم إذا لم توجد الدراسات والأبحاث الميدانية وإذا لم ترصد لها الأموال اللازمة من أجل خلق متابعة مستمرة لنسب التلوث وآثارها الصحية والبيئية والمناخية، فإن المشكلة تتفاقم وتصبح صعبة الحل خصوصاً مع ظهور زائر جديد يتمثل في استمرار العواصف الرملية المغبرة والذي يحتاج بحد ذاته إلى أن تجهز له الامكانات لدراسته والعمل على الحد من تفاقمه.
نعم إن التلوث بثاني أكسيد الكربون مشكلة كونية وليست محلية، ولذلك فإن حل هذه المشكلة يحتاج إلى تضافر جهود دولية للحد من تفاقمها أكثر مما هي عليه الحال.
وعلى العموم فإن بناء قاعدة معلومات تحدد الظواهر وتتبنى الحلول وتسبر المخاطر المترتبة على التلوث بثاني أكسيد الكربون والغازات الملوثة الأخرى والمعززة بالغبار والأتربة اللذين تجلبهما العواصف الرملية المتوالية على المملكة هذا العام، أصبح من أهم الواجبات التي يجب أن نسعى إلى تحقيقها، ناهيك عن أهمية تبني بعض المشاريع التي تصب في خانة مكافحة التلوث مثل العمل على إعادة الغطاء النباتي إلى كثير من الأودية والفياض والواحات والروضات والسهول ومجاري السيول التي تصحرت وذلك باستخدام نباتات برية مناسبة للبيئة مثل تلك التي كانت موجودة ولازال قليل منها يقاوم ظروفنا المناخية القاسية والمتمثلة بحرارة الصيف اللاهب وبرودة الشتاء القارسة وندرة الأمطار وشح المياه، ناهيك عن الاحتطاب والرعي الجائرين.
إن قيام بلديات المدن والقرى في جميع المناطق والمحافظات بعملية تشجير للمناطق المناسبة والمؤهلة مثل الأودية والفياض والروضات والسهول بصورة تدريجية سوف يساهم على المدى البعيد بإعادة الغطاء النباتي المفقود. ولا شك أن مثل ذلك الإجراء سوف يكون له انعكاسات بيئية ومناخية هامة مثل تلطيف الجو والمساهمة في زيادة فرص نزول الأمطار ومكافحة التصحرك ناهيك عن أن ذلك سوف يساعد على اتساع رقعة الأرض الخضراء وهذا بدوره سوف يساعد على اتساع انتشار الحياة الفطرية التي فقدت مراتعها ولم يبق منها سوى تلك المحميات.
إن عودة الحياة الفطرية إلى سابق عهدها مرهون بإعادة الغطاء النباتي وحمايته من جور الرعي والاحتطاب.
نعم إن للجامعات والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الزراعة ووزارة المياه والكهرباء وكذلك الشركات الزراعية والمزارعين والهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وكذلك شركات الإنتاج الحيواني بمختلف أنواعه وتوجهاته واجبات تجاه البيئة والمحافظة عليها وايجاد الحلول الناجحة من خلال الرصد وجمع البيانات وإيجاد الحلول فكل هذه القطاعات تستطيع أن تتكامل مع بعضها البعض وتستطيع أن تشارك في عملية إعادة الغطاء النباتي في المناطق المناسبة. وبالطبع لن ننسى دور الفرد والجماعة في المشاركة بحماية البيئة وعدم الجور عليها من خلال الممارسات الخاطئة. والله المستعان.

جريدة الرياض

مهب الهيف
2009-08-11, 03:10 AM
يعطيك العافيه أخوي أحمد
ونقل موفق لاهنت

أحمد الحربي
2010-12-21, 11:27 PM
شكرا لمرورك

برق العارض
2010-12-25, 09:37 PM
مشكور

http://img178.imageshack.us/img178/923/79026215ja8.gif (http://img178.imageshack.us/img178/923/79026215ja8.gif)